في الزنزانة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فى الزنزانةالمستشار علي جريشة


أمى ..

دمعاتك . كانت أقسى على من سياط الظالمين

أمى ..

دعواتك كانت عليهم لعنات المؤمنين

أمى ..

ثباتك .. بث فينا ثبات الصادقين ..

زوجى .. صاحب هذه الكلمات

عندما ألقى القبض على زوجى فى صيف 1965 الحزين .. ساورنى شعور ممض بالألم – ليس لما أصاب زوجى وأصاب الأسرة .. وهو أليم وأليم .. ولكن فوق ذلك .. لما أصاب البلاد من انحطاط بلغ فيه الأمر حد اعتداء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية .

لقد انتهكت حرمة المؤمن .. وكرامة القاضى .. وفتش البيت بغير اذن تفتيش وقبض عليه أمر قبض , واودع السجن الحربى ومورست معه عمليات تعذيب رهيبة كنت أسمع بها كالأساطير .. وكان تصورى أنه مهما كانت المبررات ..

فلن ترقى الى تبرير ذلك التعذيب الوحشى الذى لم يعرف الا فى عهود الهمجية وفى ظل الدكتاتورية الهوجاء . ولقد أحجمت الأسرة عن مجرد السؤال عن المكان الذى أودع فيه ..

لأن السؤال كان يعرض صاحبه لنفس عملية " الاختطاف " و " الاختفاء " وفوجئت بعد ستة شهور من اعتقاله بعناوين فى الصفحات الأولى من الصحافة " المخنوقة " بأنه متهم بقلب نظام الحكم , وأنه كان سيقود قوة عسكرية لتحرير القاهرة . عجبت لهذا الاتهام ... زوجى الهادىء الوديع .. يقود قوة عسكرية .

صاحب القلم المثالى .. فى عمله .. الذى يؤدى عمله فى مجلس الدولة , ويعمل الى جواره .. مديرا للتحقيقات فى مؤسسة .. ورئيسا للجنة محاضر القطاع العام فى وزارة التموين , ومؤلفا فى موسوعة الفقه الاسلامى , ودارسا بمعهد الدراسات الفرنسية .

ومحضرا لرسالة دكتوراه فى الشريعة والقانون .. أيبقى ذلك وقت للراحة .. بله .. أن يعد لانقلاب . لكنها الدكتاتورية الطاغية .. لا تعقل ولا تسمع .. عقلها فى سوطها ...

وظللنا سنوات .. غير مسموح لنا بالزيارة . ولم يكن يبل شوقنا .. بل يهدىء شيئا من روعنا .. غير هذه الرسائل .. التى كانت تنفذ من القلاع والحصون .. وتخترق المدرعات والدبابات .. لتصل الينا بأمر الله .... وكانت هذه الرسائل هى الدليل الوحيد على حياته .

فلقد ظللت سنين أمسك على قلبى ..أن يصلنى .. ما وصل أسرا كثيرة عن هروب " رجلها السجين ..

من داخل باستيل مصر الرهيب .. السجن الحربى " وكان ذلك يعنى أن روحه الطاهرة قد صعدت الى السماء .. وأن جسده الطاهر قد وورى فى تراب الجبل المجاور . وكنت أمسك الرسائل بيد مرتجفة .. ليس خوفا على نفسى .. أن يضبطنى بها المتجسسون .. ولكن خوفا عليه .....

وقد كان يكتب فيها .. جزءا من تاريخ مصر ,, الذى تعرض للطمس والتزييف والخداع . التاريخ الذى لابد أن يجد من يعيد كتابته من جديد .

ليعرف الناس أى عدوان تعرض له التاريخ كما تعرض له كل ما فى مصر من .. مثل .. وقيم .. ورجال .. مما عجل بهزيمة سنة 1967 . انه ليس مددا ... لكنه دماء . دماء تسطر التاريخ الحقيقى .. لمصر المؤمنة .. الرافضة للطغيان ...........انها تقدسه .. ولعلها تقدمة لاعادة تصحيح التاريخ .


هذة الرسائل ليست تاريخا

فنحسب أن تاريخ تلك الفترة السوداء بحاجة الى مجلدات .

وليست مذكرات .

فلم يحن بعد وقت المذكرات .

وليست دعوة الى انتقام .

وقلوبنا – باذن الله

– تسع الصديق كما تسع العدو اذا تاب .

لكنها .. حقيقة .. نسجلها كما كانت ..

لعلها تكون يوما جزءا من التاريخ .

أو لعلها تكون يوما أساسا لمذكرات , أو لعلها تدفع الراشدين ,, الى اقامة الميزان .. حتى لا يتداعى البناء لذا ظل المجرمون طلقاء ..

وظل المظلومون سجناء . أما كيف وصل .. فهى قصة أخرى .... لايعرفها الا قليل . وأكثرها حملها " جهل مغرور " , أو " غشم " منقوص .

من باستيل مصر الرهيب " أغسطس 1965 "

يقع السجن الحربى فى مدينة نصر فى مواجخة الآستلد ويحمل لافتة سوداء كبيرة تبعث الكراهية والرهبة فى نفس الداخل " ادارة السجون الحربية " والفروض أن السجن الحربى مخصص للعسكريين .

ولكن الظلمة جعلوه مقبرة الأحرار والمؤمنين ممن يعارضون نظامهم , وقد كان يقع وسط المعسكرات الحربية , فلما نقلت المعسكرات بعد انشاء مدينة نصر بقى السجن الحربى فى مكانه .

وداعا .. يا أماه

من باستيل مصر الرهيب ... من السجن الحربى الأثيم . . مصر كلها .. هنا .. معتقلة .. هنا العامل والفلاح .. هنا القاضى وأستاذ الجامعة .. هنا الشاب والشيخ .. هنا الزوجة وهنا الفتاة .

يحرسهم , أستغفر الله , بل يعذبهم .. عساكر .. قساة غلاظ .. لهم قلوب لا يفقهون بها , ولهم أعين لا يبصرون بها , ولهم آذان لايسمعون بها . .. مصر كلها .. هنا .. معتقلة .. بلغ عدد المعتقلين حتى أواخر أغسطس – ستين ألفا ... فيما أعلم .

ستون ألفا من خيرة شباب مصر .. خلقا , وعلما , ودينا .. أنا أحد قضاة مصر .. قبض على رغم الحصانة القضائية .... من غير اذن .. وبغير أمر قبض ..... وفتش بيتى .... كذلك . ونمت على أسفلت الزنزانة من غير فراش وبغير غطاء .

وحرمت من " الماء " فى شدة الحر القاسى . حتى كان اليوم التالى ... استدعيت أمام " شمس بدران " ومعه مجموعة من الضباط المباحث العسكرية .

ألهمنى الله دعاء قلته ... وعلقت .. رأسى الى الأرض وقدماى فى السماء .وأمسك أربعة من العساكر من بينهم " صفوت الروبى " بأربعة سياط .. تمزقت فغيروها عدة مرات .. من المغرب .. حتى الثانية عشرة مساء ... حتى تفجر الدم ..وغطى كل ملابسى .. وأغمى على .

نقلت على نقالة الى المستشفى .. وجرى اسعافى .. ثم ألقى بى فى فناء سجن 30 وأمرت أن أصعد السلم الى زنزانتى , ولم أستطع وانهالت على السياط ..

فصعدت على أطرافى الأربعة " وكوعى " "وركبتى " فل تكن يداى ولا قدماى يستطيعان لمس الأرض . وغبت أياما ثلاثة .

ثم أعيد الكرة .. مرات ... والآن أحس أنى الفظ أنفاسى الأخيرة .. وداعا يا أماه .... وداعا يا زوجتى .... وداعا يا طفلى الصغير ... وداعا يا طفلتى الرضيعة ... وداعا يا اخوتى ويا كل أحبابى .. " 30 أغسطس 1965 "

جحيم ... من صنع البشر

هنا جحيم ... من صنع البشر ... ألوان لا تخطر على بال ... جثث معلقة من أرجلها .. مسلوخة من جلدها .. تماما كالذبائح .. تتصاعد منها صرخات ثم تخفت الى أنات .. ثم تخفت الأنات الى أنفاس تتردد .. حتى تلفظ الأنفاس .. طبعا السلخ يتم بطرقة مؤلمة .. هى الضرب بالسياط .. ثلاثة أو أربعة على واحد حتى ينسلخ جلده ويتركوه بين الحياة والموت ... كلاب .. متوحشة .. تعوى وتهاجم ..

وتقتطع أجزاء حية من الأجساد .. أسلاك الكهرباء ... تسرى فى الأجساد وتصيبها برعدة شديدة , وتتركها كذلك بين الحياة والموت .... نزع الشعور , واقتلاع الأظافر .. . ولحمزة البسيونى هواية غريبة ... ينزع الشارب من ناحية ,

ونصف الذقن من ناحية أخرى .. ليسخر من " خلقة الله " .... الحرمان من الطعام .. ومن الشراب ... فى عز الحر ... الثلاجة .... زنزانة لها عتبة عالية تملأ بمائ بارد .. ويقذف فيها المعذب .. يومين أو ثلاثة بلا نوم .

بلا راحة .. بلا جلوس ... المبيت مع الكلاب .. فعلوها مع الشيخ الأودن " فوق الثمانين " , ومع المستشار الهضيبى " فوق السبعين " أكلهم مع أكل الكلاب .. وقضاء حاجتهم مع قضاء حاجة الكلاب ... لكنى سمعت أن الكلاب كانت أحنى على

" المعتقلين " من الجلادين .. كانت تمسح جراحهم .. وتتمسح فيهم ..وكأنما تريد أن تواسيهم .

أصناف المعتقلين

رجال ... ومنهم من جاوز السبعين والثمانين .

نساء .. ومنهم فتيات فى عمر الزهور .. 17 سنة , 16 سنة .

اطفال .. ومنهم من هو فى السابعة أو دون السابعة .

أهؤلاء جميعا .. كانوا يتآمرون على نظام الحكم .. ويريدون الاطاحة برأسه ... النساء .. يعلقن من أرجلهن ويضربن بالسياط .... الأطفال .. كذلك .. ملحمة .. حزينة ..

حزينة .. من البكاء والصراخ .. من الآهات ,, والأنات .. يستنجدون بالله ويستغيثون به .. فيتطاول الجلادون على ذات الله ويتوعدونه .. بالحبس والتعذيب . أقل سب وأدناه .. عندهم .. سب الدين .

........هنا ... كمال الدين حسين ...

" نائب رئيس الجمهورية " هنا ... محمد رشاد مهنا ... " الوصى على العرش " هنا ... فؤاد سراج الدين ... " وزير الداخلية السابق " هنا ... حسن الهضيبي .. " المرشد العام للإخوان المسلمين ومستشار النقض السابق " هنا .. سيد قطب .. " الكاتب المعروف ..

يجرى التحقيق حول كتابيه " معالم فى الطريق , وفى ظلال القرآن " هنا ... أحمد كمال أبو المجد ... " أستاذ بكلية الحقوق " هنا ... أحمد فراج ... " صاحب نور على نور ... " هنا ... أعضاء الجمعيات الدينية الأخرى " الجمعية الشرعية " , جماعة التبليغ .. أكثرهم فى سن الأحداث .. :

أنما هو تآمر .. على قتل كل الأحرار .. وكل المؤمنين . كأنما هو تآمر ..على وأد الحرية ووأد الايمان . لكنه باذن الله .. لن يكون .. " 7 سبتمبر 1965 "

لا أزال .. أعذب ..

لا أزال اعذب . بأمل الحصول منى على اعتراف .... لم أرتكب ذنبا حتى أعترف به .... كل ذنبى .. انى انتقدت .. مظالم رأيتها .. انتقدت ضياع الملايين " من المال , والألوف من الأرواح فى اليمن ... انتقدت تكميم الأفواه , واعتقال الأبرياء ... فى مصر " انتقدت تعطيل شريعة الله , واقامة قوانين .. ظالمة .. أو باطلة .. أو قاصرة .. هذا بعض ذنبى ...

وبعضه الآخر .. انى رفضت أن أشهد زورا على من عملت معه ... وآخر ذنبى . أنى عرفت الله ... فآثرته ... على أرباب متفرقين .. أعيش وسط " ملحمة " حزينة ... يشكلها .. تمزيق السياط , وأصوات الكلاب .

وآهات المعذبين .. تملأ جو السجن الحربى .. وتضيف الى ظلامه ظلمات ... لا أصرخ حين أعذب .. أسغل نفسى وفمى بذكر الله .. ألا بذكر الله تطمئن القلوب .

جراحى لا تزال تنزف .... كثيرا ما يطفأ نور السجن الحربى .. لتنقل جثة أحد المعذبين لتدفن فى الجبل القريب .. ثم يكتب فى دفاتر السجن أنه هرب ... ترى ... متى يكتب اسمى بين الهاربين ... " 15 سبتمبر 1965 "

وجدتهم ...ساومونى ..

أن أشهد على بعض من عرفت .. ثمنا لخروجى فورا من السجن والعذاب . رفضت .... بدأت معى قصة عذاب جديدة... لأعترف على "أتباعى " من رجال الجيش , والبوليس , والمباحث .. لم أكن أعرف لنفسى هذه المنزلة .. ورواية أخرى ... أنى المسئول عن " مدينة " القاهرة عند الاعداد للانقلاب الدموى ... الذى سيقتل فيه رئيس الجمهورية , ورئيس الوزراء , وشمس بدران ورئيس المباحث العسكرية . . طبعا .. لم أعترف .. بما لم أقترف .. زاد عذابى ....

لأقول من هم أصدقائى .. ترددت لأنى خشيت اعتقالهم .. لكنى اكتشفت أنهم يعرفون أكثر أصدقائى .. ربما قبل اعتقالى .. ثم وجدتهم .. سيد أحمد .. فتحى .. محمد .. سيد ... رأيت أولهم أول من رأيت ... كنت حافيا ومضرجا بالدماء ...

لم يعرفنى لأول وهلة .. كان أمامهم شامخا حاولوا الايقاع به والايقاع بينى وبينه . أدرك لعبتهم الحقيرة .... جردوه من ملابسه العسكرية .. وأودعوه السجن .... بكيت من أجله ... ليلة طويلة . "

29 سبتمبر 1965 "

جريمة الصلاة ..

أذيع نبأ موتى باحدى المحطات الأجنبية .. لم يكن مبالغة ... فلقد كنت ألفظ أنفاسى الأخيرة .. لكنى اليوم .. أحسن من ذى قبل .

جراحى تلتفت حولها الضمادات ... عذابى صار على فترات .... وان كنت أعذب كل يوم بعذاب الآخرين .. انهم ... مثلى ...

ابرياء . الزنزانة .. مظلمة وموحشة ... لكن كتاب الله يؤنسنى .. أردد ما أحفظ من آيات .. وأتمنى المزيد .. أتذوق معانيه . سمعت مذياعا صغيرا مع أحد الحراس يذيع بعض الايات ..

فحفظتها فور سماعها وصليت بها .. طبعا .. لا مجال للوضوء .. لأنه لا ماء للشرب فما بالنا بالوضوء .. ومن ثم فانى أتيمم بالتراب " فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " وحين أطلب للتحقيق ..

ونؤمر بالجلوس على الأرض الى الحائط .. نتيمم ونصلى بالايماء لأننا لو ضبطنا متلبسين بجريمة الصلاة ضربنا بالسياط . " 13 أكتوبر 1969 "

كان اليوم عيدا ..

كان اليوم عيدا .. فقد سمح لى بالوضوء وسمح لى بالصلاة . وصليت بين صفوف المعذبين . وقرأت بصوت عال " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين , ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله , وتلك الأيام نداولها بين الناس , وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين , وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين , أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين آمنوا ويعلم الصابرين " .

ولم أستطع أن أكمل الآيات ... خنقتنى العبرات ... وخشيت أن يراها أو يسمعها أحد , وأنا الحريص أن أخفيها عن الجميع . حتى لا يحزن المعذبون , ولا يفرح المعذبون .... كنت يومها صائما لأول مرة فى السجن الحربى من غير سحور .. لأنه لا يسمح لنا بطعام داخل الزنزانة ... ولا ماء ... وقلت انى أصوم لله .. والله يطعمنى ويسقينى .

وساعة المغرب ... طلبت للتحقيق . وتقلب بصرى فى السماء . وخجلت أن أطلب من الله .. أنه سبحانه ... يسمع ويرى ...وامتدت يد الى كتفى فظننتها يدا تطلبنى للتعذيب . وتقلب وجهى فى السماء .

واذا بصوت يسألنى أأنت صائم . وعجبت .. كيف عرف وليس معى أحد أخبرته , وترددت أن يكون هذا السؤال توطئة لعقاب كما نعاقب على الصلاة . لكنى قلت :

الصدق منجاة – فأجبت نعم . فمد يده الأخرى بطبق فيه .. مكرونة بالصلصة .. وعليها قطعة تمر .

أحسست أنه مسخر .. من عند الله ... وصدق رسول الله " كل عمل ابن آدم له الا الصوم .. فانه لى .. وأنا أجزى به .. وهكذا كان جزاؤه ..

ثم طلبت أن أصلى ,, فصليت .. أفطرت .. وشربت الماء .. لأول مرة بحريتى . ثم طلبت ملابسى من بيتى فاذن لى .. وحملوا نعهم خطابا قلت فى نهايته " مزيدا من الصبر .. وفرج الله قريب " ... " 27 أكتوبر 1965 "

غباء ... اختيارهم للعساكر الزبانية ... اختيار غريب

لا أستطيع أن أقول " فقط " أنهم أغبياء .. جاء أحدهم يشكو من أنه حديث الزواج .. لكنه لا يستطيع أن يمارس منصبه الجديد بكفاءة " الثور " الذى رآه فى بلدته .

وكنا بحاجة الى ابر خياطة " نحيك بها ما تمزق من ملابسنا " .. فأبدى الأخ الطبيب استعداده للكشف عليه , وطلب منه أن يأتيه " بابرة " ليجرى ذلك الكشف .

وجاء بالابرة فى اليوم التالى . ودخل وأغلق وراءه الباب حتى لا يراه أحد من زملائه الحراس , فلقد كان بعضهم على بعض عيونا وجواسيس . وأخذ الأخ الطبيب منه الأبرة وأمره أن يكشف ظهره .. وراح يكشف عليه بالابرة .. ليريق منه بعضا من الدم الذى يريقه كل يوم .. وتجلد معتقدا أنه يجرى الكشف عليه .

فأفهمه الأخ الطبيب أنه يمارس كشفا وعلاجا فى الوقت نفسه . ... وعاد فى اليوم التالى ... ليحكى أنه قضى ليلة كان فيها مثل الثور الذى كان يراه فى بلدهم .

وقال له الطبيب .. . كل أسبوع تحضر ابرة لأمارس الكشف عليك وعلاجك ....وآخر جاء يسأل عن كيفية صنع السجاير فحكى له أخ أنهم يجمعون أعقاب السجاير ويغرسونها فى الأرض فتنبت شجيرات من السجاير فيقومون بتقطيعه الى سجاير عديدة .. وهكذا . وذلك الذى أدار المعركة مع اليهود ....

فراح خياله يرسم خطة لقتال اليهود .. لا يرسمها طفل ... " شوية " طلعو عليهم " بالطوب " وشوية " بالبنادق " وشوية " بالرشاشات " وشوية قذفوا " التراب " فى أعينهم .. مما جعلهم عاجزين عن التصويب وضرب النار .. .... وهكذا . هم كما وصف القرآن . "

أولئك كالأنعام بل هم أضل " هم أضل منها .. لأن الأنعام مع عدم فهمها تنفع أكثر مما تضر . وهذه الأنعام أكثر مما تنفع .. بل تضر ولا تنفع . ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم . " 2 نوفمبر 1965 "

هذا الغباء يحكم مصر ...

هذا الغباء ... يحكم مصر ... مستوى غريب . عقولهم ... فى بطونهم .. وفى أيديهم ... يأكلون كميات رهيبة من الطعام .. أكل الواحد منهم يعادل أكل خمسين منا .. بغير مبالغة . ويضربون بقوة سبعة ثيران .... اذا حاولت اقناع أحدهم بأنك لا تعرف فلانا .. لا يقتنع حتى يجعلك .. " فطيسا " ولا يمكن أن يقنعوا بالنسيان .. مع أنه من سمات الانسان .

لذلك .. يضطر الكثيرون الى " تأليف " القصص والروايات .. لارضاء ذلك الغباء المتوحش ويفرح الأغبياء بالقصص ... ويعتقدون أن بعض الكلمات اصطلاحات وكنايات عن أسلحة ومفرقعات ... روى البعض أن صديقى سيد أحمد تحدث عن أنه أحضر معه " ذرة "

مشوية وهو فى طريقه فى السفر الى القاهرة .. فلمعت عينا المحقق بذكاء شديدة وقال " هيه .. قول يا سيد حكاية الذرة " فقال له أنه وجد فلاحين يشوون الذرة " فاشترى منهم لأولاده ولم يصدق المحقق الذكى "

وقال له .. نعم .. أليس الذرة هو " دانات " المدافع .. ؟ وسمعنا عن رجل اشترى من عبد الفتاح اسماعيل – الذى كان يعمل تاجرا – أجولة من الأرز .. فظلوا يعذبونه حتى " اعترف " بأنها كانت اجولة من الذخائر والسلحة .... والغريب .. أن هؤلاء الأغبياء من رجال " الصف الثانى " ..

من الناحية القانونية وربما كانوا من الناحية الواقعية من رجال الصف الأول . ويل لمن يخضع لهذا الغباء .. مصيره الى السجن الحربى ..

ليسجن ويجلد .. ثم يعود الى منصبه .. سمعنا .. هنا عن بعض الصحفيين .. أخذوا الطريحة ,, وراحوا يسبحون بحمد الحاكم .. كذلك بعض المذيعين .. وبعض كبار الضباط .. يدخلون السجن الحربى .. فتنزع رتبهم .. ثم يعلقون .. ثم يجلدون .. ثم يصرفون لأداء مهام أعمالهم .. سبحانك ربى .. الى متى هذه المهزلة .. ؟ " 14 نوفمبر 1965 "

رأيت الله ...أماه .. كم تصبرين

أماه كيف تصبرين .. أماه .. الصبر نصف الايمان .. وها أنذا اعيش .. على بقايا الصبر .. ومزيد من الايمان ,, ان الله لا يتخلى عن عباده .. لقد رأيت الله .. اشتد عذابى .. وأحاق بى الظالمون من كل جنب .. وبقايا الاحتمال تكاد تتزلزل من تحت اقدامى .. لأقول لهم ..

كل شىء .. كل الذى يطلبون .. زجلست بعد حلقة عذاب .. فى زنزانتى المظلمة .. جراح جسمى تنزف . وجراح قلبى أشد نزيفا .. وبكيت وأنا أناجى ربى .. بما ناجاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم "

اللهم انى أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس , يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى .. الى من تكلنى .. الى بعيد يتهجمنى أم الى عدو ملكته أمرى , ان لم يكن بك غضب على فلا أبالى , ولكن عافيتك هى أوسع لى , أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بى غضبك , أو ينزل بى سخطك , لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم " .

وزاد بكائى .. وأخذتنى سنة من النوم .

ورأيتنى أخرج من باب السجن الحربى . وفى انتظارى واحدة من " الحور العين " لم أر مثل جمالها فى حياتى .. كانت تلبس ثوبا يظهر جمالها .. وجمالها " يأخذ " ولا يثير , ورأيتها تمسك بيدى وتقول لى .. تعال لأريك مكانك فى الجنة .. وأخذت بيدى لنسير فى مكان فيه خضرة وماء ..

وكلما سرنا تفجرت الأنهار من تحت أقدامنا فتذكرت قول الله " تجرى من تحتهم الأنهار " – ثم أشارت الى قصر كبير من عشرة طوابق وقالت أتدرى من صاحب هذا القصر , قلت لها لا .. قالت انه الشهيد عبد القادر عودة , وسارت ثم أشارت الى منزل من طابقين .. وقالت أتدرى لمن ؟ ..

قلت لا .. قالت انه لزميلك الدكتور .. فتذكرت فى نفسى أن الله عجل له فى الدنيا بعض النعيم ومنع عنه البلاء فكان الفارق فى الآخرة بين نعيمه ونعيم عبد القادر عودة .

ثم أشارت الى قصر من ثلاثة طوابق لا يزال ما بعده تحت البناء وقالت هذا لك .. ودخلت بى القصر فاذا به حجرات على صفين تصل الى حوالى الأربع والعشرين وفتحت الحجرات واحدة بعد واحدة .. حتى انتهت من الدورين وصعدت الى الثالث .. واتجهت الى الثالث ..

وفى نافذة .. قالت لى انظر .. فسوف .. ترى . ونظرت .. ورأيت .. " ليس كمثله شىء وهو السميع العليم " ثم سمعت هاتفا يقول .. ان صبرت شهرين كان لك خمس طوابق .. وتذكرت لحظتها العذاب الذى أنا فيه , وشددت الى النعيم الذى ينتظرنى ان شاء الله فألهمنى الله أن أقول .. نعم يا رب و .. لكن عافيتك هى أوسع لى .. ثم عدت .. ووجدت أصحابى يهرولون بحثا عن أماكنهم فى الجنة الا واحدا يسير وراءهم حافيا .. غفر الله لنا وله " 24 نوفمبر 1965 "

مأساة النيابة

أرأيت . يا أماه . حين يفجع الانسان فيمن يعز .. ؟ أرأيت حين يسند الانسان ظهره الى حائط .. فيميل به .. ؟ أرأيت حين يواجه العدو ويجعل ظهره للصديق .. فاذا بالصديق يطعنه من خلف .. هذا يا أماه – ما أحسست به وأنا أجلس أمام السيد وكيل نيابة أمن الدولة ليحقق فى التهمة الملفقة لى .. تغيير دستور الدولة ..

أو قلب نظام الحكم .. لقد سألنى عن التهمة فأنكرتها .. فاذا بالاستياء باد على وجهه .. وسألنى عن التقرير الذى كتبته أمام المباحث العسكرية ..

فقلت له أنه بخطى فقط فقال متضايق متهكما هو أنت قلت فيه حاجة علشان تنكره .. أنا عارف مين المغفل اللى كان بيحقق معاك .. سألنى عن اسمى فقلت له .. وعن عملى فقلت له .. ثم سألنى تفصيلا فقصصت له القصة .. بعيدة عن كل ما قيل ,, أو بعيدة عن محاولة النسج .

فتضايق .. وسبنى .. قال لى .. أنت كذاب . وهزتنى الشتيمة من الأعماق .. ووقعت على نفسى أقسى من كل السياط التى وقعت على جسمى . حتى أننى لم أبك مرة واحدة وأنا أعذب .. وبكيت .. فى التحقيق .. أمام وكيل النيابة .. لم أتمالك نفسى .. وخشيت أن يفسرها تفسيرا آخر.. فقلت له .. اننى لم أبك طوال شهرين من التعذيب وها أنذا أبكى أمام النيابة ..

لم أكن أنتظر منه أن يجاملنى .. فقد قال لى ضابط المباحث العسكرية . انه لو جاملك أحد زملائك فى النيابة فاننى سوف اعلقه مثلك .. وتعمد ذلك الضابط يوما .. أن يستهزىء بوكيل النيابة المحقق .. فانتهز فرصة دخول وكيل النيابة عليه .. وقال لعساكره ..

لا تضربوا البيه القاضى " يقصدنى " أمام وكيل النيابة لحسن يزعل .. و " بلعها وكيل النيابة " ولم يتحرك .. وغلا الدم فى رأسى وقتها لكرامة النيابة .. ولكنى عدت فقلت ..

لقد هانوا على أنفسهم حين قبلوا أن يجروا التحقيق داخل السجن الحربى على أصوات السياط وعلى أنين الجرحى والمعذبين .. اذا فلم أكن أنتظر المجاملة .. ولكنى من ناحية أخرى لم أكن أنتظر الشتم والاهانة.. وممن .. ؟ ممن يجلس مجلس قاضى التحقيق .. ولمن ؟ .. لزميل له .. من رجال القضاء . أماه .. سوف يأتى الوقت الذى يحاسبون فيه .. ان شاء الله . " 10 ديسمبر 1965 "

استقالة ..

ان الله .. هو الرزاق ذو القوة المتين . ان الرزق .. يرتبط بأسبابه .. كما يرتبط كل شىء بأسبابه .. لكن قوانين الكون .. اذا كانت تقيد الناس فانها لا تقيد خالقها وخالق الناس .. " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " .

من هنا فهمت سر قول الله " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب .. " .. نعم يرزقه من حيث لا يحتسب . وفى مكان آخر " ان الله يرزق من يشاء بغير حساب " .. لقد عشت فى هذا المعنى وأنا أستعد للاستقالة . بعد أن نبه على " حمزة البسيونى " قائد السجن الحربى بذلك . قال لى .. أكرم لك ان تستقيل .. فاهم ؟

وصمت ولم أرد .. واستطعت أن اختلس كلمات مع " المرحوم " المستشار منير الدلة الذى كان يقيم فى الحجرة الى جوارى .. فنصحنى ان استقيل .. ويومها .

أعفيت من طوابير الجرى التى تستمر ساعات فى اليوم وزاد افطارى رغيفا .. وزاد نصيبى من الفول الذى لم نكن نرى منه الا " الماء والسوس " . وجمعت لى ملابسى ..

كل قطعة من زنزانة .. فقد كانت بذلتى الوحيدة .. غارقة فى دمائى .. وكان قميصى الوحيد ممزقا وغارقا فى الدماء , وكلن حذائى ممزقا .. وخرجت من السجن الحربى تحت حراسة المباحث العسكرية . ووصلت الى مبنى مجلس قيادة الثورة .. ووجدت فى انتظارى " صلاح نصار "

والمستشار فتح الله بركات أمين عام مجلس الدولة .. وجلست وتعمدت أن أضع يدى على المكتب فاذا بالجروح واضحة فيها .. بل وآثار الدماء بادية فيها .. ونظرا .. اليها .. وسكتا . وجرت مناقشة .. ساخرة .. بينى وبينهم . قلت .. ما مناسبة الاستقالة ؟

قال السيد صلاح نصار : بمناسبة محاكمتك . قلت : وما دليل اتهامى ؟ قال : أربعة شهود ؟ قلت : بل أربعة متهمين . قال : تقصد أن أقوال متهم على متهم لا تصلح دليلا ما لم تتأيد بأدلة أخرى .. قلت : نعم .

وحتى أقوالهم فيما بينهم متضاربة . ثم بدأ على امين عام مجلس الدولة التأثر .. وقال .. لدكتور سعد الدين الشريف أ رسلنى اليك للحصول على استقالة منك لأن مجلس الدولة فى خطر . وعجبت وقلت له .. لماذا ؟ قال : بسبب اعتقالك .

ثم ان هناك حالات أخرى .. واستقالتك .. سوف تنقذ مستقبل مجلس الدولة . وكان الرجل يبدو صادقا فى كلامه .. وان كنت قد عجبت كيف تنقذ استقالتى مستقبل مجلس الدولة . وسألت أمين عام مجلس الدولة ماذا أكتب فى الاستقالة ؟

فتحرج الرجل . فقلت متهكما : أصلى ما استقلتش قبل كده .. ثم قلت : أقول بمناسبة القضية رقم كذا .. قال : لا نريد أن نعلقها على أسباب . ثم كتبت : أرجو قبول استقالتى من منصبى بمجلس الدولة .. وأرختها 13 فبراير 1966 ,, وخرجت الى الحجرة المجاورة أنتظر الحرس من رجال المباحث العسكرية الذين تركونى وذهبوا الى مبناهم فى عابدين .. ومضت حوالى نصف ساعة ..

فكرت أثناءها فى الهرب لكن ما كنت أسمعه وأراه من القبض على زوجات المطلوبين وأمهاتهم أفزعنى أن أفعل .. وعدت من حيث حضرت .. وكانت الساعة تقترب من الثامنة مساء ..

وكنت أتعجل العودة وكأنى عائد الى بيتى , انتابنى شعور من السكينة عجيب , ودخلت السجن الحربى .. وجلست على أحد الكراسى الوثيرة فى انتظار الحرس الذى يصحبنى الى زنزانتى .. ولأول مرة .. عاملنى الحرس باحترام .. لم يكن يعلم انى استقلت .. سألونى :

فقلت لهم .. منت فى مهمة .. فظنوا أنها مهمة خاصة أو سرية كمأموريات هذا العهد الكثيرة . وسار " حلمى " خلفى الى سجن رقم 30 ولم يمد يده الطويلة التى تعود أن يمدها من قبل بسبب وبغير سبب . ونمت ليلتها نوما عميقا . " فبراير سنة 1966 "

مهزلة المحاكمات

جرى الاستعداد للمحاكمات .. رأى بعضنا الفريق الدجوى " يقف " انتباه " أمام العقيد " شمس بدران .. سيادة العقيد جالس يصدرالتعليمات .. وسيادة الفريق واقف يستمع الى التعليمات . وكانت القصية الأولى التى يقف فى مقدمتها الأستاذ سيد قطب أمام محكمة الدجوى .. وأثار الدجوى سخرية الجميع . أما القضية الثانية . .

فقد عين لها فريق آخر . وسبق مثولنا أمام المحكمة استدعاءمن الرائد " رياض " . كنت أنا والأستاذ " معروف الحضرى " صاحب البطولات المعروفة فى فلسطين .. وألاستاذ عبد العزيز على أحد وزراء الثورة .. ومجموعة أخرى .. ضمن المطلوبين .. وتم الوعد .. مع الوعيد .. أن تكلمتم .. لها أحكام ..

وان اعتذرتم .. لها أحكام . والأحكام كلها ..تتم هنا " فى السجن الحربى " .. قلت فى نفسى ..وما الداعى اذن لهذه المسرحية .. التى اسمها المحاكمات .

وبدأت المحاكمات ... وسرنا .. فى موكب .. يتقدمه راكبو الدراجات البخارية وسيارات مسلحة ويعقبه كذلك .. ونزلنا فى دار القضاء العالى .. فى القفص .. واكتشفنا تعليمات حرس القاعة .. عدم التكلم مع أهلنا .. بل عدم الاشارة .. وكان الذى يشير من الأهالى يخرجه الحرس فورا .. بل لقد بلغ الأمر ان اعتدى الحرس على احدى الزوجات التى تجاوزت حد الاشارة الى محاولة الحديث .

وأنكر البعض التهمة .. وسأل الفريق على جمال الدين .. لقد سبق لك الاعتراف فى التحقيق , فرد الأخ .. أنت تعرف أن التحقيق أجرى فى السجن الحربى وتعرف ظروف التحقيق .. وعدنا .. وكانت الكلمة الت قالها الأخ قد سبقتنا الى السجن الحربى .. وفى منتصف الليل ..

فتحت الزنازين .. وأمرنا بالنزول .. وبالجرى ووراءنا السياط حتى بلغنا المكاتب .. وجرى تكديرنا .. وقبل أن يحضر السيد الضابط كان وجه الأخ الذى تجرأ على الخديث بالاشارة الى ظروف التحقيق , كان وجهه بالتعبير الدارج " شوارع " زاد حجمه مرتين من اللكمات الشديدة التى وجهت اليه .

فى اليوم التالى كان موعدى فى المحاكمة .. وسئلت فأنكرت ..وقلت ان أقوال متهم على متهم لا تصلح دليلا ما لم تتأيد بأدلة أو قرائن أخرى .

وطلب الى رئيس المحكمة ألا أتكلم بالقانون . وعدنا الى السجن الحربى .. وفى المكاتب وقبل أن نعود الى الزنازين نودى على بعض الأسماء .. وكنت منهم . لكنى انتهزت فرصة انصراف الضابط للتليفون وعدت مع السماء الأخرى ..

ثم حضر الضابط وأمر من لم يصدر له النداء بالعودة الى الزنازين .. وقبل أن نعود أمر من نودى عليهم بخلع ملابسهم تماما كما ولدتهم أمهاتهم ..وذهبت الى الزنزانة .. وتذكرت زملائى .. فارتميت من طولى على الأرض واجهشت فى بكاء شديد لم أبكه من قبل .. وكان الدفاع .. وكانت النيابة آخر من يتكلم . وليتها حفظت ماء وجهها ولم تتكلم ..

فقد ركزت كلماتها على السب والشتم .. و رأيتك يا أماه تبكين أنت وزوجتى لما سمعتم من سب وشتم .. وتمنيت على الله أن أملك التعقيب على ما قالوا ليسمعوها وأنا سجين , ولكن كيف السبيل .. ان قوانين الاجراءات العادية تجعل المتهم صاحب الكلمة الأخيرة , أما قانون الاجراءات العسكرية الذى نحاكم به – فيجعل الادعاء أو النيابة آخر من يتكلم ..

مظهر من مظاهر العدالة .. والتهت المسرحية .. وأعقبتنا قضية .. حتى لانتهت المحاكمة .. أكثر من ثلثنمائة أمام عدة دوائر ,, كلها طبعا بتشكيل عسكرى بحت .. وعجبت .. لقد جرت محاكمات كثيرة .. آخرها قضايا التموين .. أمام محاكم عادية مشكلة من مستشارين فلم نحاكم نحن أمام قضاة عساكر .. يفعلون ما يؤمرون ؟

وتذكرت كلماتهم لنا أثناء لتعذيب .. أن الأحكام موضوعة .. من قبل أن تشكل المحكمة .. لم اذن هذه المسرحيات .. لابد منها .. للرأى العام .. الداخلى والخارجى .. وكانت المفاجأة .. مات الفريق علي جمال .. رئيس المحكمة الذى كان يحاكمنا .. وسمعنا اشاعات كثيرة حول موته .. وتقرر اعادة محاكمتنا .. وكانت مظاهرة اسلامية كبيرة .. بغير اعداد .

لقد كسر الجميع حاجز الخوف .. واستعدوا ليقولوا كلمة الحق .. ويشهدوا الله عليها .. وليكن بعد ذلك ما يكون .. وتكلم المتهم الأول كمال الفرماوى " محام باحدى الشركات " وقال لهم .. انكم تحاكمون شعب مصر كله .. فى هذا القفص ..

الوزير والفلاح وعضو مجلس الثورة والعامل والقاضى والموظف والطالب .. وأسكته رئيس المحكمة .

وقال له . قل دفاعك .. فقال هذا دفاعى .. وتكلم متهم آخر . عبد الله الخطيب " امام وخطيب مسجد " .. وقال تقولون عنا اننا خوارج .. وأنتم الخارجون عن شريعة الله الرافضون لها .

وجاء دور المتهم الثامن عشر : على محمد جريشه .. واستدرجتهم فى الحديث حتى لا يقاطعونى .. نفيت التهمة أولا , ودللت على ذلك بالوقائع والقانون , ثم قلت .. لى ملاحظة ..

ان النيابة العامة وهى عزيزة على .. ذلك أنى كنت أحد أبنائها قبل أن أكون ابنا لمجلس الدولة .. ان النيابة العامة .. خرجت على تقاليدها الموروثة , وتركت القانون والوقائع ,وهبطت الى مستوى السب والشتم .. لا أقول لها ما قاله يوسف لاخوته :

أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون .. ولكنى أقول لها .. فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .. ولم أدر أن رئيس المحكمة جاول مقاطعتى لأن صوتى كان قد ارتفع بهذه الكلمات فغطى قاعة المحكمة كلها .. ولم أدر الا وأنا جالس . وعيون الحاضرين فى الجلسة ملأى بالدموع . وتحدث بعدى آخرون .

ولم أدر هل أسأت أم أحسنت حتى عدنا الى السجن الحربى .. واذا بمن معى ينسون أنفسهم فى السجن الحربى الذى نحاسب فيه على الكلمة اذا همس بها أخ لأخيه .. نسوا ذلك .. وراحوا يعانقوننى .. وكانت المفاجأة الأخرى ..أننا لم نلق عقابا على ما قلنا فى المحكمة ..

وأضل الله الظالمين .. وتذكرت قول الله " ان اله يدافع عن الذين آمنوا ؟ .. وأخذت درسا هاما .. ان الانسان اذا أخلص نيته لله , ادى واجبه بما يرضى الله .. تولى الله عنه معركته , وأمده بجند من عنده , وصدق رسول الله فيما يرويه عن رب العزة " عبدى أطعنى أجعلك عبدا ربانيا تقول للشىء كن فيكون " ..

الأحكام ..

كانت المحاكمات .. بالنسبة لنا .. نزهة . فرصة لأن نتحدث بعضنا مع بعض .. فان الحديث فى السجن الحربى جريمة نعاقب عليها بالجلد .. ولقد تحدثت كثيرا مع الأستاذ عبد العزيز على . احد وزراء حكومة اللواء محمد نجيب .. ذكر لى كثيرا من اسرار ثورة 1919 ..

وذكر لى بعضا من أسرار ثورة أو انقلاب 1952 وكان يوضع معى فى قيد حديدى واحد .. وحدث مرة أن نقص عدد الذاهبين الى المحكمة .. ونادى الشاويش مين الى معاه واحد مجاش .. وتذكرت أننى أوضع كل مرة مع الأستاذ عبد العزيز على فى قيد واحد .. فرفعت صوتى وقلت " عبد العزيز بك " .

وكانت جريمة أن قرنت اسم الوزير السابق بلقب " بك " لا لن الثورة حرمت الألقاب .. فأنا اعلم أن رجال الثورة أنفسهم كانوا يستعملون ذلك اللفظ ..

ولكن الجريمة كانت أننى قرنت اسم احد المعتقلين بلقب البكويه .. واللقب الوحيد المسموح به فى السجن الحربى هو " الواد "

– وقد حدث أن كان ينادى على الأستاذ معروف الحضرى أحد الذين شاركوا فى 23 يوليو بجهد كبير اذ كان المسئول عن حصار قصر عابدين فنادى عليه الشرطى " لواد" معروف الحضرى وكان للشرطى زميل فيه بعض التمييز فقال له عيب يا اخى دا زميل جمال عبد الناصر . وفى طابور اليوم التالى نودى على ..

فين الواد اللى كان بيقول امبارح عبد العزيز بك ورفعت يدى .. وكان الشاويش عادلا اذ سمح لى بالدفاع .. فقال ..

ليه بتقول عبد العزيز بك .. فقلت لأنهكان وزير .. فرد الشاويش فى انتفاخ العالمين ببواطن الأمور .. ان شاء الله يكون حتى مديرا .. وعلمت لأول مرة .. أن المدير يعلو الوزير .. فى دولة الشاويشية ..المهم ..

كنا ننتظر النطق بالحكم .. لا لنعرفها .. فاننا – جميعا – وبغير استثناء – نعلم أنها معدة سلفا ..ولكن لنستمتع بالرحلة والنزهة والحديث .. وكان يوما قائظا فى شهر أغسطس ..

وذهبت القضية الأولى لسماع الأحكام ..

سيد قطب اعدام , يوسف هواش اعدام , عبد الفتاح اسماعيل اعدام , مجدى عبد العزيز اعدام , أحمد عبد المجيد اعدام , علي عشماوي اعدام , والباقى أشغال شاقة مؤبدة ..

والقليل 15 سنة أشغال شاقة أو عشر سنوات , ومن بينهم سيدة حكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة : زينب الغزالى وآنسة بالأشغال الشاقة لمدة خمسةعشرة سنة : حميدة قطب ..

ومنعت القضية الأولى من طوابير الجرى .. وحجزت فى الطابق الثالث من السجن الكبير .. وجمعنا للجرى اليوم التالى الباكر .. ووقفنا " انتباه " ننتظر الاشارة ببدء الجرى والسكون مخيم على السجن .

وفجأة .. انشق السكون .. بصوت جميل ..

يردد آيات من كتاب الله من الطابق المغلق .. وتصل الآيات الى الآذان .. وتخترقها الى القلوب .. فاذا بالدموع تسيل بغير استثناء .. وكانت الآيات .. " وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا , ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون "

وراع الشاويش هذا المنظر .. فراح ينادى ويصرخ :

الواد اللى بيقرأ يبطل .. بطل يا ابن " .. " مما يعاف اللسان عن ذكره من الشتائم .. وكان اليوم المحدد لسماع الأحكام ..

وخرجنا نستمع الى الأحكام .. وكان نصيبى الأشغال الشاقة 12 سنة .. وأشحيت بيدى فى وجه قارىء الأحكام " رئيس المحكمة العسكرية " مبديا عدم اهتمامى وكان استعمال الاشارة أبلغ لأنها هى التى ستسجل تصويرا " للصحف أو التلفزيون "

وعدت قرير العين لا أفكر فى شىء فما كنت أعتقد أنى سأعيش بعد القبض على ولا تعذيبى .. وما كنت معتقدا أن يحكم على بأقل من الأشغال الشاقة المؤبدة ..

لكنهم لما عجزوا عن الحصول على اعتراف منى

– اكتفوا بالأشغال الشاقة 12 سنة ولا أستبعد أن يسجل الرئيس تأشيرته الخالدة "

مع اعتقاله بعد النتهاء مدة الحكم " فقد سمعت أنه أصر لبعضهم " يعتقل مدى الحياة " .. ولا أدرى مدى حياة من ؟ .. " أغسطس 1966 "

لن تخرجوا ... هكذا قال لنا الطاغية الصغير حمزة البسيوني ... حين جمعنا يوما .. ليقول لنا .. أنتم عارفين رايى فيكم .. أنتم تستحقوا الابادة .. أنتم أخطر على البلد من اليهود ..

لن تخرجوا هذه المرة من السجن الحربى .. لأنكم حين خرجتم سنة 1945 الى السجون المدنية .. وجهتم التنظيمات من داخل السجون .. كنت أهزأ منه .. ورسائلى تخرج من السجن الحربى ..

يحملها " الجبل " المغرور أو " الغشم " المنفوش . وهزأت منه مرة أخرى .. المستقبل بيد الله وحده .. ولا يعلم الغيب الا الله .. ومن يدرى .. لعله هو الذى لن يخرج من السجن الحربى .. ربما خرج منه قائدا .. وعاد اليه سجينا .. من يدرى .. ليس فوق قدرة الله قدرة ..

فقد أخذ قبله فرعون الذى قال أنا ربكم الأعلى , فأخذه الله .. قولوا للفراعنة .. مكانكم القاع .. الذى سقط فيه جدكم الذى تنصبون له التمثال فى ميدان كبير من ميادين القاهرة . " اكتوبر 1966 "

محاضرون يحتاجون الى محاضرات

بدأت محاضرات .. للتوعية . بدأها قريب لشمس بدران .. بتمثيلية رائعة .. بدأ الخطاب .. أنتم اطهر شباب الأمة .. وأكثرها ثقافة .. أنتم عدة الأمة وعتادها أنتم أملها الذى تنتظره . ثم كان حديث له عن اليهود وعن تفسير أول سورة الاسراء .. وأطال الحديث ..

ثم تحدث بعد ذلك عن آدم وحواء .. والجنة .. وأطال الحديث حول آدم وحواء عدة محاضرات .. لكن الله شاء أن يكشفه . كان يضع السم فى الدسم ..كانت له عبارات عن الله سبحانه لا تتناسب مع جلالة الله وعظمته .. كان يتحدث عنه سبحانه وكأنه يتحدث عن صديق أو ....

وكرهه الجميع لكنه استطاع رغم ذلك أن يقنع القائمين على الأمر – طبعا – عن طريق قريبه السيد وزير الحربية الذى لم يصل الى سن الأربعين – أنه فارس الحلبة .. وأنه استطاع أن يغير كل شىء وأن يصحح كل شىء .. وهو الذى كان بحاجة الى من يصحح له معلوماته ويعلمه احترام جلال الله وعظمته . وآخر ... طبيب بيطرى ... جاء يعلمنا الدين ...

وكان بحاجة الى من يعلمه أم الحلم من خلق الدين , وأن التواضع كذلك من خلق الدين ومن خصائص العلماء .

كان منتفخا .. وكان يظن أن لا علم قبله ولا علم بعده . راح يدلل على ما يقوله بشىء من علم الأجنة , وظن وهو يرى المستمعين يلبسون الاوفرالات الزرقاء ويجلسون على الأرض , أنهم رعاع لا يرقى أحد منهم الى علمه ... وكان من بين المستمعين له أطباء بعضهم حاصل على الماجستير فى علم الأجنة .. ومضى الدكتور العظيم فى حديثه ..

وبعد أن انتهى وطبقا لما قيل أن المناقشة والتعقيب .. بكل حرية ... تقدم الأخ الطبيب حامل الماجستير وفى أدب جم عقب على كلام الدكتور المحاضر فى صيغة تساؤل من يريد أن يتعلم . وتغير وجه الدكتور المحاضر وما لبث أن أرغى وأزبد , وقال :

أنت عايز تقول أن اللى قلته غلط ؟ أنت عايز تقول انى مابافهمش ... ولم يكن فى حديث الأخ الطبيب .. ما يدل على ذلك .. لكنه مركب النقص :

واللى فى رأسه بطحة بيحس بيها . وعدنا الى السجن .. وبعد وصول بقليل .. انطلق الصفير .. ايذانا لنا بالجمع فى الفناء ونزلنا نهرول على عجل .. واذا بحمزة البسيوني ومعه الصول صفوت يمسك سوطا يجر ذيله الطويل وراءه . ونادى صفوت :

فين " الواد " الدكتور . وخرج الأخ الطبيب .. وأمره حمزة أن ينام على الأرض ويرفع رجليه ولم يكن طلبا غريبا .. لأننا تعودناه كثيرا . ونام الأخ الطبيب ورفع قدميه فى ثبات وهوى صفوت – قاتله الله – على قدميه بسوطه الطويل حتى عد ثلاثين ..

ثم اقتاده صفوت ليضعه فى زنزانة واحدة مع ثلاثة كلاب .. لمدة شهر .. وهذه هى الحرية فى دولة الشاويشة . " ديسمبر سنة 1966 "

عيد .. فى الحربى

اليوم عيد .. يا أماه . ونحن لا نزال فى السجون .. بل فى سجن نمنع فيه أقل حقوق السجين العادى المتهم بالقتل أو السرقة أو الدعارة . نمنع من رؤية اهلنا ...وزيارتهم . نمنع من مخاطبة أهلنا ومراسلتهم . ولولا فضل الله على ..

وجهل الظالمين وغباؤهم ما وصل اليكم شىء منى . نمنع كذلك من مقصف نشترى منه ما يكمل طعامنا . الطعام الذى يقدم لنا ردىء .. وغير كاف .. مع طوابير تعجز عنها أقوى جيوش العالم بل أقوى الفرق الخاصة . بدأنا نكمل طعامنا .. من قشر البرتقال .. وقشر الموز وقشر البيض .. نبحث عنه بين القمامات ونغسله ونأكله .

طعامنا . يقدم للكلاب . كلاب حمزة البسيوني . ولا يقدم لنا . يلقى " بالقرأن " أو بالحلة الكبيرة فى دورة المياه ولا يسمح لنا بأخذ ما فيها من طعام .

ومع ذلك .. نحس رضا الله .. ونحس السعادة فى قلوبنا .. ونتذكر قول رابعة العدوية حين قال لها سيدها سوف أشقيك .. فقالت له : لن تسطيع لأن سعادتى فى ايمانى وايمانى فى قلبى .

تعانقنا صباح العيد .. أمام الزنازين ... ورأى الطغاة الصغار هذا امنظر ... فاغتاظوا ... وجمعنا الأومباشى " سمير " .. وأمرنا بالزحف .. على الطين ... وأمر العساكر بالسير على ظهورنا وفوق رؤوسنا .. ونفذ العساكر الأوامر .. وتعب اخ .. فنهض ..

فانهال عليه العساكر ضربا بكل شىء حتى سقط .. فلما سقط انهالوا عليه ضربا بالأحذية الغليظة فى بطنه ... وراع المنظر أحد " اليهود المعتقلين المكرمين " فخرج من زنزانته المفتوحة عليه .. وراح يحتض أحد العساكر ويقول له " حرام عليك " هو مش بنى آدم .

رق قلب اليهودى للمنظر . ولم يتحرك قلب واحد من أولئك الذين يتقاضون علاوة " اجرام " وبعد الزحف ... بدأ الجرى ... وفى نهاية اليوم .. ورغم الاعياء .. بدأنا نستعيد الذكريات السعيدة . وننسى هموم اليوم وندفنها ... قبل أن تبدأ هموم اليوم التالى . " فبراير سنة 1967 "

ان تكونوا تألمون

أماه .. عشنا الألم .. لكنا نعيش فى نفس الوقت الأمل .. لكن ترى كيف يعيشون ... ؟ أتظنين أنهم سعداء ... ؟

أبدا .. يا أماه .. انهم يألمون كما نألم ... لكننا نرجو من الله ما لا يرجون . انهم يعيشون الألم , لكنهم لا يعيشون الأمل .

انهم يعيشون اليوم , لكنهم لا يعيشون الغد , ونحن نعيش – باذن الغد قبل أن نعيش اليوم , وندرك أن وعد الله حق " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم , وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم , وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا " أماه ... أنهم تعساء ... فى صحتهم ...

فى أهلهم ... فى مشاكلهم ... انهم يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم ... ماذا ينقمون منا ... وأعود الى الماضى .. الماضى البعيد .. ماذا كان ينقم اصحاب الأخدود لما شقوا الأخاديد فى الأرض وملأوها بالنيران .. وقذفو فيها المؤمنين والمؤمنات ... "

وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " وما نقم فرعون من السحرة لما اصبحوا سحرة , فأضحواوأمسوا شهداء " وما تنقم منا الا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين " .

هل ينتصرون ؟؟؟؟

... الحديث عن الحرب كثير .... لكن من يحارب .... ؟ الذين تعودوا أن يسيروا راكعين .. ويعيشوا ساجدين .. طبعا لغير الله .. أن الذى عاش يحنى ظهره لا يستطيع أن يرفع قامته ليحارب عدوا ... ان الذين تخلوا عن الله ..

لا يمكن أن يقف معهم الله .. " ان الله قد وعدنا .. ما وعدنا .. وما النصر الا من عند الله " وكيف يعطى الله نصرا .. لقوم حاربوه . حاربوا دينه .... وحاربوا أولياءه .

قتلوهم . وعذبوهم . وسجنوهم , وأهانوهم . ثم لقد تعودنا من " الطنطنة " الكثير .. ومن العمل القليل . ان أولئك المغاوير هم الذين مكنوا لاسرائيل من تحويل مجرى نهر الأردن حين معوا الفدائيين من العمل فى سوريا بعد الوحدة . وأخيرا. هل تعلمين يا أمله .

ان الذين هزموا اسرائيل فى سنة 1948 ... هم الذين دخلوا السجون فى سنة1955 قبل أن تغير اسرائيل بسنة واحدة , وهم الذين دخلوا السجون سنة 1966 قبل أن تغير اسرائيل ربما بسنة واحدة كذلك .. آه يا أماه .

هى أستطيع أن أقول .... ان الأمر خيانة . كيف ولا أملك الدليل .... اللهم الا من قرائن . واللهم الا من حديث قلب . " آخر مايو سنة 1967 "

تحدث البطل

.... تحدث البطل يا أماه .. فقال انه سيحارب . واعلم أن الذين يحاربون لا يقولون أنهم سيحاربون , ان الحرب خدعة .. لابد أن يؤخذ فيها العدو على غرة ..

ان أخذ العدو على غرة هو نصف المعركة . ولكن من قال أنهم يريدون النصر .. انها ... مظاهرة .. وقد تكون أكثر من مظاهرة .. قد تخفى وراءها شيئا آخر . ............................سمعت أن الدبابات التى كانت تنقل الى ميدان المعركة ..

كان يجرى استعراضها أولا فى شوارع القاهرة ... لماذا ... ؟ حب الظهور ... وحب العظمة ؟ أم ليعرف العدو عدد الدبابات التى ستحارب ... وفى كل جيوش العالم يعتبرون ذلك من الأسرار العسكرية . " أول يونيو سنة 1967 "

حارب البطل

.......حاربوا بصوت العرب .. قبل أن يحاربوا بسلاح .. حاربوا بالدعاية الكاذبة .... وانتقلوا منخط الدفاع الأول الى خط الدفاع الثانى وهم لا يعترفون بأنها هزيمة .. وأسقطوا من طائرات حلف الأطلنطى ... وكبدوا العدو من الخسائر ما يكفى لأن يرفع يده بالراية البيضاء .. ولبس ,, المقاتل صفوت حزامه .. وأرخى مسدسه على مؤخرته ..

وزاد تحمسه فحمل مدفعا على كتفه وصار يتجول فى السجن الحربى ... وكأن هذا ميدان المعركة ... وقلده الشاويش نجم .. أمسك مسدسا وراح يرسل طلقاته فى الهواء ... ارهابا لسكان الزنازين العزل المحرومين ... وأراد اللواء حمزة البسيونى أن يشارك فى المعركة ... فجمع منا جمعا .. لنبنى عنبرا آخر داخل السجن الحربى ,, لعله ينتظر أن تزيد المساجين بعد أن تنجلى المعركة ..

أو لعله سيحارب اسرائيل بمزيد من السجون بدلا من مزيد من السلاح ... الناس هنا ... كانوا يحترقون شوقا الى قتال اليهود . الى الموت فى سبيل الله ... الى الشهادة .... لكن حمزة البسيونى قال ... أنتم أخطر علينا من اليهود ... ان الأمر كله لله . " 6 يونيو 1967 "

وهذه هى النتيجة ....

"وخرج على قومه فى زينته . قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون .... فخسفنا به وبداره الأرض .. فأصبح الذين تمنوا مكانه يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لولا أن من اللع علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون" ......هذه هى النتيجة .. وتلك عاقبة الظلم ..

زذلك جزاء الظالمين .. لكنى حزين .... حزين علة هذا الشباب الذى دفع به دون استعداد . حزين على هذه الأرض التى دنسها اليهود . حزين على هذه الأمة المسكينة ..

التى تدفع ثمن حماقة الحمقى , وجهل الجهلاء , وخيانة الخائنين . ترى ,, ماذا يفعلون ؛.........انتظروا .. تمثيلية .. أو مسرحية ؛ " 8 يونيو 1967 "

وكانت .. التمثيلية

ووقف البطل الجريح فى مشهد درامى مؤثر يعلن استقالته .. وانطلقت صفارة الانذار ؛ وهى تعلن أن غارة على البلد واقعة ؛ وأطفئت الأنوار ؛ وكان معنى ذلك أن يلجأ الى المخابىء ؛ لكننا سمعنا من داخل الزنازين هديرا عجيبا لا ندرى متى تجمع .. ولا ندرى خل كانت صفارة الانذار هى ساعة الصفر أو هى اشارة التحرك . ؛

ولم نعلم الا فى اليوم التالى . وقفنا فى الطوابير ... لنئدى الواجب المقدس .. وهو الجرى تسع ساعات فى اليوم .. كأنه هو الذى سيخرج اسرائيل , وهو الذى سيحول الهزيمة الى نصر ... ووقف العساكر الى جوارنا يترنحون .... فسألناهم ... قالوا ...

لم ننم .... وسألنا عن السبب .... فلم يستطيعوا الكتمان ؛ قالوا .. لبسنا " ملكى " وسرنا فى المظاهرات لنهتف بعودة الرئيس ؛ يا بلد ؛ أقول يا بلدا عبت من قبل عجل ابيس ؟ ؛ لا لن أقولها فأعلم أن البلد مظلومة وأن أهلها مظلومون ؛ ولكن الى متى ... ؟ الى متى الخداع ... والتضليل ... " 11 يونيو سنة 1967 "

سقوط الطاغية الصغير

وكان لابد من كبش فداء ؛ عزل المشير ؛ وعزل كبار القادة ؛ وممن عزل .... اللواء حمزة البسيونى .... الذى ظن أنه لن يخرج من السجن الحربى ؛ وأرخى زبانية العذاب آذانهم .. خزيا .. وحسرة .. ؛ وهنأ المعتقلون بعضهم .... بعضا ... بالأحضان ؛

وفى اليوم التالى .... جمع منا جمع .. ليهدم .. ما كان قد بدأه حمزة البسيوني من بناء داخل السجن الحربى ليكون مقرا أمنا يمارس فيه شهواته .. هكذا .. هكذا يعلم المسؤلون ؛ سقط حمزة البسيونى ... وما ظن أن يسقط .... لقد ظن يوما أنه يستطيع أن يسجن " الله " فى زنزانة ؛ فأذاقه الله العذاب على يد الذى كان اليه يتقرب ؛ " 15 يونيو سنة 1967 "

الى .... الليمان 17يونيو 1967

يقع ليمان طره على النيل فى الطريق الى حلوان بين المعادى وحلوان , وهو مبنى قديم منذ عهد الانجليز ولذلك فنظام زنازينه .. وسائر نظامه المتوارث يقوم أصلا على " الاذلال " وليس كما يدعون التأديب أو التهذيب أوالاصلاح ؛

الرحيل من السجن الحربى

بدا أن الأمر لم يعد يحتمل وجودا فى السجن الحربى ؛ بدا الضيوف يتوافدون على السجن الحربى .. الضيوف هذه المرة .. من الحكام .. وهكذا .. النار .... تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله .. أو هكذا " بأسهم بينهم شديد , تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى " تصورى من الضيوف هذه المرة .. ؟ صغار الطغاة .. شمس بدران ..... حمزة البسيونى .... ضباط المباحث العسكرية ... ؛

وكان يوما تاريخيا .... جمعنا فى فناء السجن .. وصنفنا .. الأشغال الشاقة عشر سنوات فأكثر ... وما دون ذلك ... ولأول مرة يسمح لنا بالاختلاط بغير قيود .. ويقدم لنا الطعام بغير سرقة .... ووزعت علينا " الأمانات " وما أكثر ما " أكل" منها ... ساعات ونقودا .. و .. و ,حضرت هيئة القيادة الجديدة للسجن الحربى ؛ تسأل عمن له شىء ناقص .. وأخذت البيانات .. ووعدت بارسالها الى السجن الجديد ؛ وبدا أن العسكر قد أسقط فى أيديهم ,

ورأوا أنهم قد ضلوا ... ؛ كانوا يتمسحون .. كما تعتذر الحيوانات حين تحس أنها أخطأت ؛ كانوا .. يدورون ويبتسمون .. ولم نكن نرى منهم من قبل الا أنيابا .. بارزة .. ؛ وجرى نقلنا من السجن الحربى الى ليمان طرة تحت حراسة مشددة ؛ وكان فى ليمان طرة من المهانة " ما فى السجن الحربى " .. ولكنها مهانة من لون جديد ..

أصروا على أن نجلس "دوغرى" القرفصاء بالملابس الداخلية فقط .. ثم جرى توزيع الملابس الزرقاء الخاصة بالمسجونين ؛

وأدخلنا الزنازين ... وكان هناك خليط من المشاعر ... شعور بالراحة .. لأن الزنازين تقفل علينا ولا تفتح ..

فلا طوابير جرى ولا تعذيب وشعور بالضيق .. لأنها تقفل كل الليل وكل النهار ما عدا ساعة نلقى فيها الفضلات ونقضى فيها الحاجة ونعود لتقفل علينا الزنازين من جديد ؛ لكن رحمة الله واسعة .... شغلنا بحفظ القرآن ..

حتى أحسسنا أن الوقت أضيق من أن يتسع للواجبات ؛ وراح كل منا يحدث الآخرين بما يعلم .... عالم الذرة يتحدث عن الذرة ؛ عالم الطبيعة يتحدث عن الطبيعيات ؛ رجل القانون يتحدث عن الشريعة وعن القانون ؛ ثم .. جلسات سمر .. وجلسات ذكريات ..

وليمت الظالمون بغيظهم ؛ احسسنا .. بحمد الله " بالأمن " ؛ لكنهم يقلقوننا فى اليوم مرتين أو ثلاثا .. بحث عن جريمة .. ما كنا نظن أنها تكون كذلك فى بلد دينه الرسمى الاسلام ..

كانوا يفتشون عن المصاحف " ليصادروها " ... ؛ وتذكرت .. أستاذا .. فى ملية الحقوق .. كان يضرب مثلا صارخا لعدم الشرعية .. وكنا نسمعه وقتها كفرض خيالى فيقول لنا .. تصوروا أن قانونا يصدر بتحريم الصلاة ويعاقب من يضبط متلبسا بجريمة الصلاة ...

فقلت فى نفسى جاء هذا اليوم ؛ كان ضبط الواحد متلبسا بجريمة " الصلاة " يعرضه لعقوبة عساكر السجن الحربى واليوم حيازة " كتاب الله " جريمة يجرى التفتيش عنه فى مصر الاسلامية .. يا للعار ...؛ وتنتظرون أن ينصركم الله ؛ " يوليو 1967 "

لا نزال دون حقوق المجرم ..

لا نزال دون حقوق المجرم القاتل ؛ لا نزال ممنوعين من الشمس والهواء ؛ لا نزال ممنوعين من الزيارة ؛ لا نزال ممنوعين من الخطابات ؛ لا تزال حيازة " المصحف " جريمة يجرى التفتيش عليها ؛ لا يزال " القلم " والورقة جريمة كذلك ؛ لا نزال ممنوعين الا من طعام السجن ..

الفول .. العدس .. الخ فلا طعام من "المقصف " كما يسمح للمسجون العادى , ولا طعام من الزيارات ولا طعام خاص .. لا تزال الحراسة مشددة .. الجند شاكى السلاح ..

فوق سطوح " الجب " الذى نسكن فيه .. مسموح لنا فى الغطاء "" ببرش " شبيه بالدواسة التى يمسح فيها الشخص قدميه عند دخول المنزل أو المكتب .. ولكنه يتميز أنه أكث خشونة . وببطانية واحدة ؛ الزنزانة شديدة ارطوبة ....

سقفها مفتوح من أعلى يدخل منه تيار هواء بارد رطب ؛ بدأت أحس بآلام فى ظهرى ؛ بدأت أحس أن اغلاق الزنزانة ليس بقصد راحتنا .. انه بقصد قتلنا قتلا بطيئا ... أن نحرم من الشمس والهواء والحركة ؛ الغباء هنا أخف من هناك .. مما يجعل وصول الخطابات اليكم بالطريقة الأولى أمرا صعبا ...

ومع ذلك فان الله يسر لى هذا الاتصال بغير سعى منى .. لم أفعل غير أن دعوت الله فى صلاة الليل قبل الفجر .. فسمعت هاتفا يبشرنى بخير يسوقه الله لى ..

وكان هذا الخير هو حامل هذه الخطابات ؛ ليس حارسا فان الحراس خوفوا منا أشد التخويف ؛ لكنه شخص آثر حتى ألا يقول اسمه .. أن يقدم لنا المعروف بغير مقابل .. كم من رجولات خفية وكم من أبطال مجهولين ؛ جربته فى الخطاب السابق .

وهذا هو اليوم يأتى يحمل خطابك الذى ضمنته تحية لى فوق ما أستحق ؛ لم يستطع أن يوصل لى من الفتحة الصغيرة أكثر من الليمون الأخضر انه فاكهة حرمنه منها سنين ؛ لقد أكلت ليمونة بقشرها ؛ وتذكرت المثل البلدى " ليمونة فى بلد قرفانة " ؛

كلماتك لا تزال أمام ناظرى ؛ تحية الى القلب النابض ؛ تحية الى العمل الصامت ؛ تحية الى الايمان الذى ملأ قلبه الكبير ؛ تحية الى الكفاح المتمثل فى اقتضابة جبينه ؛ تحية الى الصبر الهادىء الذى ارتسم على صفحة وجهه الناضر ؟

تحية الى هذه الكتلة من المشاعر والأحاسيس النبيلة السائرة على الأرض ؛ تحية الى القدر الذى صنع بيد الحكمة هذا الرجل ؛ شكرا .. لم أكن أتصور أن المحن تجلو النفوس كما تجلو النار الذهب ؛ " اكتوبر سنة 1967 "

كيف تحتملون

أماه ... كيف تحتملون .. كيف تحتكلون عارا.. لم يحدث فى تاريخ مصر .. اليهود المجرمون .. من كتب الله عليهم الذلة والمسكنة ؛ .. يذلون شعبنا .. ويحتلون أرضنا .. ؟ اليهود يستعرضون سلاح مصر الذى غنموه من "جيشه " الباسل فى ساعات ثمان .. ؛ أماه .... هل تصدقون ... ان شعب 9 و 10 يونيو أحال الهزيمة الى نصر ... ؟ كيف تم ذلك التحول الخطير ؟ ..

بهتافات تشق السماء ؟ ؛ وهل كان هذا هو الشعب .. لقد سمعنا من " عساكر " السجن الحربى .. ان الأوامر صدرت لهم ليلبسوا الجلاليب ولينطلقوا مع صفارة الآنذار الى الشوارع يهتفون بعودة قاتليهم .... لقد تذكرت كلمات شوقى ؛

اسمع الشعب " ديون "

كيف يوحون اليه

ملأ الجو هتافا

بحياتى قاتليه

أثر البهتان

وانطلى الزور عليه

يا له من ببغاء

عقله فى أذنيه

فرد عليه " ديون " :

"حابى "سمعت كما سمعت وراعنى

أن الرمية تحتفى بالرامى

هتفوا بمن شرب الطلا فى

تاجهم واصار عرشهم فراش غرام

ومشى على تاريخهم مستهزئا

ولو استطاع مشى على الاهرام

أماه .... هل سمعت اليه فى خطابه الأخير ... الذى اعتكف من أجله أسبوعا أو يزيد ... ثم طلع على الناس يقول : لقد كانت أذنى على كل قلب ... أماه .... كيف تصبرون ...

كيف تصبرون على آذانه التى أصبحت على كل قلب ؛ كيف تصبرون على عيونه التى صارت على كل بيت ؛ كيف تصبرون على غشمه وظلمه وجبروته .... أماه .... كيف تصبرون .. ؟ ؛ " نوفمبر سنة 1967 "

محاكمات

أعلن عن أنه سيتم تشكيل ثلاث محاكم ؛

أولها محاكمة المسئولين عن الهزيمة ؛

ثانيها محاكمة المسئولين عن الارهاب ؛

ثالثها محاكمة المسئولين عن نهب أموال الشعب ؛

وتمت المحاكمة الأولى : ولم تتم الثانية ولا الثالثة ؛ وقبل أن أتكلم عن الأولى .. أقول كان طبيعيا ألا تتم الثانية ولا الثالثة ؛ لأنها لو تمت ... لكان أول المتهمين ...

أكبر المسئولين ؛ وأعلن الشعب غضبه عن الأحكام الصادرة فى المحاكمة الأولى التى كان أقصاها خمسة عشر سنة وقارن بينها وبين الأحكام السياسية التى صدرت منذ سنة .. بعضها بالاعدام وبعضها بالأشغال الشاقة المؤبدة ؛ وفى مرونة غير معهودة ..

أعلن اعادة المحاكمة ؛ والواقع أنه فى هذه المحاكمة كذلك .. ينبغى أن يكون أول المتهمين أكبر المسئولين ؛ سقط شمس بدران ؛ وما ظن الناس أن يسقط ؛ وسقط مع شمس أساطين العذاب ؛ حمزة .. رياض ..

حسن كفافى .. ودخلوا المكان الذى كانوا فيه أنصاف آلهة .. ؛ ترى هل يتوبون .. هل يئوبون .. ؛ ان فرعون لم يدرك أنه ليس باله حين أدركه الغرق .. فقال آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين ؛ فرد عليه موسى ؛ الآن .. وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ؛ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ... ؛ " فبراير سنة 1968 "

ردود على خواطر والدتى .. زوجتى .. اخوتى ,, أولادى . أهلى جميعا وأحبابى ؛ سلام الله عليكم ورحمته وبركاته , وتحية من عند الله مباركة مع نسمات عام مشرق بلخير والفتح ونسمات ربيع باسم بالأمل والرجاء ..

وحب ووفاء لكل قلب خفق معى , وكل قدم سمعت الى , وكل يد بذلت جهدا أو مالا .. وبعد .. فلعلكم تجدون فيما يلى اجابة على ما قيل أو كتب أو تردد فى النفس :

ان ارضى بقضاء الله وحمده على كل حال , هو جوهر الايمان بقضاء الله وقدره , وقد نقل ابراهيم زوجه هاجر مع رضيعها اسماعيل الى واد غير ذى زرع بجوار بيت الله الحرام .. فسألته : ألله أمرك بهذا ؟

قال نعم : قالت اذن لن يضيعنا الله .. لم ينزل الله انقاذه للذبيح اسماعيل الا بعد أن استسلم ووالده " فلما أسما وتله للجبين , وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا ان كذلك نجزى المحسنين وفديناه بذبح عظيم " ؛

2- ان القرآ ن الكريم شفاء لما يصيب النفس من قلق وضيق "

قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين – قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى " , ط ان هذاالقرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم " " ان هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين واشفاء النافع , عصمة من تمسك به ونجاة من اتبعه فاتلوه فان الله يأجركم على كل حرف عشر حسنات " ؛

3- انه لابد من الايمان من العمل ,, ليس الايمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل وان أناسا غرتهم أمانى المغفرة وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ؛ ... زوجتى ؛ .... حياك الله من زوجة مخلصة وفية , ولقد استبشرت بخطابك خيرا , وقلت لن يضيعنا الله " وما كان الله ليضيع ايمانكم " " أنا عند حسن ظن عبدى بى " .

ومن قبل قال المسلمون لرسولهم عليه الصلاة والسلام حين زاد اضطهاد الكفار لهم : ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا ؟

فقال لهم : انه كان قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة فيوضع فيها ثم يؤتى بالنشار فيوضع فوق رأسه فيشقه نصفين , ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه – والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون ؛ ... ونداء خال يوجهه الخالق الى المؤمنين المجاهدين على مر الزمان ؛ "

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من فبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ؟ ألا ان نصر الله قريب " ؛ شريكة الحياة ..

رايت فى وجهك النور , وفى كلواتك الصدق , وفى ارادتك العزم على التقوى بالله على الطريق , والانسان وحده ضعيف , لكنه بالله القوى القاهر أقوى من الأحداث " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين " ؛ " 24 مايو 1968 "

هذا .. طريق الأنبياء

زوجتى ... الا فليكن ما يكون .. فلئن تباعدت الأجساد فلقد تعانقت ؛ ألا فليكن ما يكون فان المحن لا تزيد المؤمنين الا ايمانا وتسليما ؛ ألا فليكن ما يكون واله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلون .

هل عرفت أين يسير زوجك ؟

لنه يسير فى طريق .. ابراهيم .. وموسى ,, وعيسى ,,, ومحمد " وكأى من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين " هل احسست الرضى والسعادة لأن زوجك لم يكن تافها كالتافهين , ولم يكن كالبهائم الهائمين وهل أحسست بعد ذلك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ..

ولو كانوا معذبين أو مسجونين ؟

وهل عرفت أن الانسان بغير عقيدة حقة يفتديها .. تافه حقير لا فرق بينه وبين البهائم .. فلا تزيد رسالته على الآكل والشرب والاستمتاع " يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " .. ثم هل تعلمين أن العاقبة للمتقين .. ؟

وأن الليل لا يدوم بحلكته وان طال ..

وأن الفجر لابد أن يشرق ولو كره الظلام ؟ ثم هل علمت سنة الله فى الأمم السابق عاد وثمود وقارون وفرعون " فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا .

ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " .. وهل تعلمين زوجتاه – منزلة الشهيد ..

يحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما أصيبت اخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى الى قناديل من ذهب فى ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقبلهم قالوا يا ليت أخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل أنا أبلغهم عنكم ,

فأنزل الله " ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتل بل أحياء عند ربهم يرزقون , فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ..

وهل تعرفين أن من طلب الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه – كما قال رسول الله صلى اله عليه وسلم - ولقد طلبتها يوما .. فلعل الله يجعل لى منزلة الشهيد ان شاء وتفضل ؛ " 7 يونيو سنة 1968 "

مكانهم .. ؛

والدتى : وأنت تعلمين من فضل الله على : أن من خضع لله وخفض جناحه للمؤمنين فهو فوق رأسى أحمله , أما من استكبر أو تجبر فتحت قدمى مكانه , وفى الجحيم مستقره ومآله " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين " .. فلا تقلقى من أجلى أبدا فما دام الله معى فلن تهمنى الدنيا بأسرها ولو اجتمعت على والله ماض حكمه ولو كره المجرمون .. " 1 يوليو سنة 1968 "

مصير المكذبين

شريكة حياتى .. لا تقولو " لو " .. فان" لو " تفتح عمل الشيطان .. واقرئى قصص الأنبياء .. من قبل .. ماذا كان موقف القوام منهم ؟ نوح عليه السلام قالوا له " ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادى الرأى .. وما نرى لكم علينا من فضل ,, بل نظنكم كاذبين " .. وهود عليه السلام

" قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ومت نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن بمؤمنين . ان نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " .. وصالح عليه السلام .

" قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا واننا لفى شك مما تدعوننا اليه مريب " .

ولوط عليه السلام ابتلى بشر أهل الأرض عصيانا وفجورا " وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلائ بناتى هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون فى ضيفى أليس منكم رجل رشيد ,

قالوا لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد " .. وشعيب عليه لسلام " فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعونت برشيد , يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ..

فماذا كان مصير المكذبين الساخرين المستهزئين المستكبرين ؟ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد " أى مثل الغلة المحصودة " وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب , وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهى ظالمة ان أخذه اليم شديد .. فما المطلوب منا ؟ 1-2 فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير ...

3 – ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ..

4 – وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ..

5 – واصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين .. " 26 يوليو سنة 1968 "

بعد ثلاث سنوات...

أماه .. اليوم ذكرى يوم اعتقالى .. أكتب اليك يا أماه .. هذا الخطاب الرسمى .. ليقرأه الجميع ,, أقول لك يا أماه .. ماذا خسرنا .. وماذا خسرو ؟

لئن وضعنا فى القيود .. فانهم " يومئذ مقرنين فى الأصفاد " ؛ لئن لبسنا " حلل السجون " فانهم " سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار " ..

  • علمت بعد موت عبد الناصر أن هذا الخطاب قرأه عبد الناصر فأمر باعادة محاكمتى فلما قيل انه لا توجد فى الخطاب تهمة يمكن توجيهها .. أمر باتخاذ أقسى اجراء تأديبى .. فكان نقلى الى أقصى سجون الصعيد " سجن قنا " .

لئن تألمنا وتألمتم " فانهم يألمون كما تألمون , وترجون من الله ما لا يرجون " .. " يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا الى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ؛

وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال " " وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال .. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله .. ان الله عزيز ذو انتقام" .. أماه .. أرجو أن يرفع أخى دعوى ببطلان استقالتى .. ومرفق صورة من التظلم الذى تفتتح به الدعوى ..

بتاريخ 24- 8- 1965 اعتقل " ... " ونقل الى السجن الحربى حيث بقى تحت سلطان المباحث العسكرية حتى 5-12 -1965 حين تولت نيابة أمن الدولة التحقيق بعد أكثر من ثلاثة شهور " ولكنها لم توجه اتهاما معينا , وفى 9 -2-1966- على ما يذكر –

نقل تحت اشراف المباحث العسكرية من السجن الحربى الى مبنى مجلس قيادة الثورة حيث التقى بالسيدين أمين عام مجلس الدولة ورئيس نيابة أمن الدولة , وطلبت أولهما من المتظلم تقديم استقالته , وكان قد سبق ذلك تنبيه من قائد السجن الحربى اللواء المتقاعد حمزة البسيونى بتقديم استقالته ,

فقدمها بناء على ذلك ثم قدم الى المحاكمة أمام محكمة عسكرية أصدرت عليه حكمها بالأشغال الشاقة لمدة اثنى عشر عاما .. السيد رئيس مجلس الدولة ..

ليس الآن موقف الحساب ولا العتاب ولا أوانه .. ولكنى أكتفى بأن أقول ان هذه الاستقالة تمت تحت الاكراه الأدبى والمعنوى والمادى وان الاكراه يفسد الارادة وبالتالى يفسد التصرف الذى ساهمت فيه , الأمر الذى يؤدى الى بطلانه وبطلان كل ما انبنى عليه ؛ " 5 سبتمبر سنة 1968 "

الى ... قنا 20 سبتمبر سنة 1968

يقع سجن قنا عل ربوة عالية فى شمال قنا , وقد كان بعيدا عن العمران , لكن البيوت زحفت فصرنا نرى المزارع من جانب والبيوت من جانب – وهو أيضا قائم على النظام الانجليزى ومكون من ثلاثة طوابق ويشبه شكل " قفص الفراخ " .. لكن قضبانه من حديد ؛ ..

وهو آخر سجن بالنسبة لمحافظات مصر ,, ليس بعده الا " طوكر " فى السودان .. وقد نفوا اليه الاخوان المسلمين المحبوسين منذ سنة 1954 .. وقالوا فى مكاتبتهم الرسمية انه السجن المخصص لهذه الفئة ؛ ؛

أماه .. انهم يعيشون ..

أرأيت .. الى الطفل يريد ان يغيظ أمه .. فيخبط راسه فى الأرض او فى الحائط ؛ .. هكذا يفعلون .. أماه .. انهم يعشون .. ترى ايظنون أنهم يكدروننى اذا نقلونى من سجن الى سجن .. وان كان فى اقصى الصعيد .. كلها سجون .. ولئن استطاعوا أن يسجنوا الجسد .. فلن يسجنوا الروح .. ؛ لآنها مع الله .. والله نعنا ؛ أماه انهم يعبثون .. نادوا على اسمى ..

يوم كنتم قادمين لزيارتى .. ثم قالوا لى أحضر ملابسك .. وثارت التكهنات .. على أقصى اتفاؤل ,, قال البعض : افراج ؛ وعلى أقصى التشاؤم .. قال البعض قتل ؛ وبين الطرفين كانت تكهنات بنقلى الى مكان آخر ربما .. هو الحربى .

وبقيت النفس " ساكنة " بحمد الله .. وتناقش الكثيرون فى اعداد ما قد احتاج اليه فى رحلة بعيدا عنهم .. وفى دقائق كنت قد أعددت كل شىء .. وخرجت من الزنزانة لأجد صفا واحدا طويلا .. وقف يودعنى والدموع فى العيون أو فى القلوب ..

واستعصت دموعى كما تفعل فى المحن .. وسرت مع الحرس الى محطة القاهرة فى الثانية عشرة صباحا .. ووصلنا الى قنا فى منتصف الليل تقريبا .. وكانت الرحلة .. نزهة .. فيها كثير من الترويح عن حبيس بين الجدران منذ أكثر من ثلاث سنوات .. وفتح لنا الباب .. باب سجن قنا .. وجدت حارسا سيماء الصلاة فى وجهه ..

فاستبشرت ثم حضر ضابط فى رتبة رائد فى وجهه سماحة . فاستبشرت أكثر .. وفتح السجن .. وفتحت بعض الزنازين .. بحثا عن مكان أبيت فيه .. كان يسكنها الذين حكم عليهم فى سنة 1954 .. أكثرهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وأمضوا أربع عشرة سنة فى السجون .. فيهم ثبات .. فيهم أناة .. فيهم تواضع .. فيهم ايمان .. وصدق .. ؛ وضعت مع ثلاثة .. أحدهم خريج كلية التجارة , والثانى طالب بكلية دار العلوم , والثالث عامل بسيط .. ؛

ولم أحس " بغربة " ولا " وحشة " .. فقد أحاطونى " بعطف " وعاطفة .. وفى اليوم التالى .. كان احتفال بى .. فى الافطار .. فى الغداء .. فى العشاء .. وبين ذلك .. وحضر أحدالضباط بمباحث أمن الدولة .. وسألنى : لماذا جئت الى قنا ؟

فقلت له : أولى أن أوجه أنا السؤال اليك .. ؛ ثم قلت : كلها سجون .. لن يضايقنى ان أوجد فى سجن دون آخر .. لكنكم تعاقبون الأهالى " الذين سوف ينقمون اذا ما سافرا هذا السفر الطويل ..

فى وقت ترتفع فيه الشعارات .. ؛ " " 22 سبتمبر سنة 1968 "

أماه .. بكيت للمرة الثانية ..

أماه .. اكتب اليك بفضل الله صادقا لأقول . ان عرقا واحدا لم يتحرك فى أسى أو تأثرا لنقلى فاذا لم أكن قد حزنت من قبل على شىء مما حدث .. فهل أحزن اليوم على نقلى من مكان الى مكان ؟ ثم كيف أحزن وقد ارضانى الله بالمكان الجديد فكان تغييرا نفسيا وماديا الى أفضل والحمد لله ؟ ؛

ولتكون الحقيقة كاملة أننى لم أتأثر الا من الوداع الذى ودعت به فى طره , لقد رأيت أناسا على علم وطهر وتقى ينفرطون بكاء كما يبكى الطفل الصغير لفراق أمه ..

وما كنت أظن أن هذا سيحدث , وحبست المشاعر فى نفسى , وحبست كل مظهر لها , ووقفت موقفا جلدا , ومرت الليلة الأولى والثانية .. وفى الثالثة , ووقت صلاة العشاء وكنت أقرأ فى سورة ابراهيم حتى بلغت قول الله " وما لنا ألا نتوكل على الله وقدهدانا سبلنا " ..

وجاشت بنفسى الذكرى .. فأجهشت بالبكاء .. وكانت هذه هى المرة الثانية التى بكيت فيها داخل السجن(1) .. ولم يكن بكائى حزنا على انتقالى , انما كان رد فعل لشحنة من العواطف لم يحتملها قلبى الصغير ؛

لكنى لم ألبث أن عدت الى نفسى ,, وعدت الى حياتى .. وسارت رتيبة هادئة وفيها توفيق .. ان الذى غرست فيه حب الله والرضى بقضائه والاعتزاز به وحده , لا يزال على العهد لا يزال يرفض أن يسجد لغير الله .. ؛ " أكتوبر سنة 1968 "

( 1) كانت المرة الأولى فى تحقيق النيابة بعد أن وجه المحقق الى سبا آلمنى .

تحية القادمين ..

ووصل فى اثرى بضع وثلاثون .. وكان لقاء عجيبا بين جبلين .. على غير ارحام ولا أموال .. وسمعت واحدا من أبناء سنة 1954 ينشد شعرا لأبناء سنة 1965 حفظت عنه هذه الأبيات :

لواء الحق نرفع ما حيينا

بفضل الله جندا صادقينا

ونمضى والثبات لنا سلاحا

يقض مضاجع المتسلطينا

ويخلف من يظن لدى عماه

بأن الظلم يحمى الظالمينا

وكانت مفاجأة أن غنى بعضهم .. كان فيما قال ...


ما أحلاها والله الزنزانة ..

مزنوقة ولكن سايعانا ..

والقعدة فيها عاجبانا

وقلوبنا سعيدة وفرحانة ..

ما أحلاها والله الزنزانة ..

الشهر الكريم ..

مع نسمات شذى طيب كريم , يفوح من قريب , وعلى أصداء لحن عذب جميل .. يتردد عن شمال ويمين , وعلى اضواء تنبعث من هنا وهناك تنبىء عن حفل تقيمه السموات والأراضين مع النسمات والألحان , والضواء , أعيش بحمد الله أياما سعيدة ..

اشم رائحة الجنة , وقد فتحت أبوابها وأغلقت لبواب الجحيم , وأسمع لحن الطير يشدوا مستبشرا بأمل جديد وضيف قريب , وأشهد زينة السموات فرحة بالضيف العزيز .. ولو علمت أمتى ما فى رمضان لتمنت أن يكون السنة كلها رمضان ..

ولم يبق للناس من هذا الشهر الكريم .. سوى أطعمة يعدونها لتكون الوجبة بديلا عن ثلاث وجبات , وسهرات يفسدون بها صيامهم يفطرون فيها على ما حرم الله ,, وشموع ذابلة يضيئونها كأنما تنعى انحباس الضوء وكتمان النور ..

والنور الذى أضاء هذا الشهر الكريم واضاء معه السموات والأرض جعلوه وراء ظهورهم كأنما يصرون أن يعيشوا حياتهم ظلاما .. بعيدا عن النور .. " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين , يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم " .. " 30 مارس سنة 1969 "

قل جاء الحق

والدتى .. زوجتى .. أكتب اليكما .. وناظرى يمتلآن بروعة خلق الله فى الآفاق : نخيل وشجر وطير وسحاب . ونور يخترق الظلام.. وسمعى يمتلىء بروعة آيات الله أسمعها من صوت حبيب يرتل قول الله " قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد " ..

فأحس مع أشعته النور يهتك الظلام .. يزحف الحق يهتك أستار الباطل وأقول .. ان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب .. امتلأت نفسى بآيات الله .. فى الآفاق وفى الكتاب .. وساءلت نفسى .. أليس أولئك الذين يحادون الله ورسوله .. كذلك الذى يصر أن يهشم صخرة برأسه ؟ أليس أولئك الذين يخضبون الأرض بنجيع الدماء كمن يقول للصبح لا تطلع ؟

أنفاسك الحر وان هى أخمدت

ستظل تغمر افقهم بدخان

وجروح جسمك وهى تحت سياطهم

قسمات صبح يتقيه الجانى

دمع السجين هناك فى أغلاله

ودم الشهيد هنا سيلتقيان

حتى اذا ما أنعمت بهما الربى

لم يبق غير تمرد الفيضان (1)

انى يا أماه غرس يمينك ؛ اقف حيث يرضى الله ؛ ولا أقبل أن أكون مع القطيع .. أتأبى على الكفر والفسوق والعصيان .. وأرفض كل حكم غير حكم الله ..

أحس فضل الله ورحمته .. " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .

واحس نور الله أقوى من أن ينطفىء ؛ " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " .. " ابريل سنة 1969 " ( 1) من شعر هاشم الرفاعى

انا كذلك مخرجون

لم يكن منطق الباطل فى اخراج المؤمنين جديدا .. من قبل .. قال الباطل لأبينا ابراهيم عليه السلام لئن لم تنته لأرجمنك وأهجرنى مليا وطلبوا اخراج لوط ومن معه من الأطهار لأنهم " يتطهرون " " أخرجوهم من قريتكم أنهم أناس يتطهرون " ؛ ؛ وقالوا لشعيب عليه السلام " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا "

وهدد موسى بالسجن ثم أخرج وطورد " لئن اتخذت الها غيرى لأجعلنك من المسجونين " .. " فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم " .. حتى كان دور محمد عليه السلام .. اذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين اذ هما فى الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا .

وعلى العموم كان المنطق بالنسبة للجميع .. " وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا " .. وكان الرد من السماء " فأوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين , ولنسكننكم الأرض من بعدهم .. ذلك لمن خاف مقامى وخاف وعيد " .. " مايو سنة 1969 "

تهنئة بالعيد الكبير

لزوجتى .. من محراب الحق الذى نقف فيه .. نعلن كلمة الله .. ونعلى شريعة الله ..نقول من قبل أن يقول الحجيج , من بعد أن يقول الحجيج .. لبيك الهم لبيك .. ؛ ان النعمة والحمد لك والملك لا شريك لك .. ونرجو من الله أن نكون ممن " يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون اله ورسوله من محراب الحق " .. نبعث لأهل الحق .. – وأنت منهم – تهنئة الحب والوفاء , وعهد الاخلاص والثبات .. وانا ان شاء الله لغالبون .. " يناير سنة 1970 " ولأمى . . لا تراعى ..

ان وجدت مكانى فى العيد فارغا .. فما يفرغ المكان الا اذا فرغ القلب .. وان الاسوار لا تستطيع أن تمنع لقاء القلوب .. والقضبان لا تحول دون تعانق الأرواح .. حقق الله لنا .. حجا قريبا .. ونصرا مبينا .

انه على كل شىء قدير " يناير سنة 1979 " ولأخى .. فانى أكتب لك مهنئا بعيد الضحى المبارك .. واصلا ما أمرالله به أن يوصل معتقدا أن القضبان والأميال لا تحول بين قلوب وصل الله رحمها وألف بينها ..

موقنا أن الذى انقد ابراهيم من نار الكافرين , وافتدى وحيد بعد البلاء المبين ونصر محمدا والذين معه ببدر وهم أذلة ثم جعلها كلمة باقية اى يوم القيامة .. وكان حقا علينا نصر المؤمنين .. ان الذى فعل ذلك .. هو الذى شاء لنا هذا امكان ..

جوهر .. وجوهرة

صهرى العزيز .. لعلى لم أكتب من قبل لك .. فقد كنت أعتبر كتابتى لزوجتى كتابة لكم جميعا .. هذه واحدة .. ولأنى ظللت تلك السنين لخوالى أخشى أن أكتب لرجل .. ولو كان قريبا فيعتقل ولقد اقدمت على الكتابة اليك ..

أولا – لأشكرك على ما تحيط به أولادى من عطف غطى افتقادهم عطف ابيهم .. حين افتقدوا اباهم وراء أسوار الظالمين ؛

وثانيا – لأشكرك على هديتك لى بل هدية الله ,, لقد اكتشفت جوهرها فى المحنة .. والمحن تظهر " الجواهر " .. لقد عرضت عليها أن تختار لنفسها . وكفاها وفاء وصبرا أن صبرت السنين الطوال السابقة ... وقلت لها لا تجعلى شخصى عقبة ..

فالله يتولانى .. ولا تجعلى الأولاد عقبة فلهم بعد الله احدى جدتيهم .. ولك منى بعد ذلك كل مساعدة أدبية ومادية ؛ وقلت لها .. اننى لا أقول بدعا فقد عرض الرسول من قبل على زوجاته هذا الأمر لما نزل قول الله سبحانه "

قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن وأسرحكن سراحا جميلا , وان كنتن تردن الله ورسوله والدارالآخرة فان الها أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " وجاء فى ردها :

بل اخترت الهه ورسوله والدار الآخرة .. واخترتك ؛ فكان ذلك منها ,, أصالة ووفاء نادرين ؛ شكرى .. لك .. ولها ..وتحياتى سلام اله عليكم ورحمته وبركاته ..

أغلى من العمر .. وأحلى من الحياة ؛

شريكة الجهاد .. منذ اخترت ,, صرت شريكة ,, شريكة فى الجهاد . وشريكة فى الثواب ان شاء الله .. واليوم رابطة اخرى .. فوق روابط سابقة هى الحب فى الله .. ؛ والحب فى الله .. اقوى من كل حب .. وابقى من كل حب أقوى لأنه يستمد من الله القوى " أولم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة " .. وابقى لأنه مستمد من الحى الباقى ..

كل من عليها فان .. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام .. وهو فى الدنيا .. أغلى من العمر وأحلى من الحياة " لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم "

.. وهو فى الآخرة .. ظل من الله يوم يفتقد الناس كل ظل ومنابر من نور يغبطها النبيون والشهداء ألا فليفعل الظلوم الغشوم ما يشاء له طغيانه وفجوره .. فحسبى .. راحة الدنيا ونعيم الآخرة ان شاء الله .. " يناير سنة 1970 "

هذا بيان

" هذا بيان للناس وهى وموعظة للمتقين , ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين , ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك اليام نداولها بين الناس , وليعلم الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " ..

السيدة الجليلة .. الوالدة الحبيبة .. وبعد – فمنذ تركتنى ولسان حالك يردد قول القائل :

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جوانبه الدم

منذ ذلك الحين .. وأنا أعيش مع آيات الله التى سطرتها فوق خطابى .. أحسها واقعا غفل عنه الجاهلون وأن ظنوا أنهم عالمون ..

فظنوا العلو والسمو والرفعة فى كراسى يجلسون عليها , أو دنيا يلهثون وراءها . كما تلهث الكلاب وراء الجيفة القذرة ..

وعلمنا ان العلو هو الايمان .. وفى الايمان .. وان عاش صاحبه يغير تيجان ويغير مناصب ؛ علمت بما ضايقك :

ولقد قرأت لعالم جليل .. ان ما يوجه الى المؤمن يتدحرج من صدره الى مواطىء قدميه ولا أحسب شيئا وجه اليك الا كان مصيره كذلك ؛ أماه ..

صدقت وهم الكاذبون .. وأفلحت وهم الخاسرون .. والجنة تحت قدميك .. وجهنم هم فيها – باذن الله – واردون .. وفى الدنيا "

وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا " .. ان الهذ عزيز ذو انتقام .. والله متم نوره ولو كره الكافرون .. " فبراير سنة 1970 "

أى .. شريكة الجهاد . ؛

شريكة الجهاد .. ما بيننا بفضل الله اقوى من أن ينال منه جفاف أو جفاء .. او بغيره بعد مكان او طول زمان فوق الرباط المقدس .. لقاء فكر , وعناق روح , وحب فى الله .. فوق الرباط المقدس ..

لقاء فكر , وعناث روح وحب فى الله .. فوق الجفاف والجفاء , وفوق المكان والزمان .. يحيا عزيزا فى حمى الرحمن لم يعرفه الناس فانكروه ؛و لم يتذوقوه فجحدوه ؛ وعرفته وتذوقته ..

أغلى من العمر وأحلى من الحياة .. " لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم " .. ما بيننا .. فوق عقد الزواج .. عهد جهاد .. حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ولقد تقاعست همم , وتاقطت مروءات , وتهاوت رجولات ..

ونقف باذن الله شموعا تضىء الطريق .. حتى يأتى وعد الله .. ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ؛ ومن قبل تصاعدت نداءات وأنات ..

وايوب اذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين .. ترى هل تركه ربه .. وقد مسه الضر حتى هجره كل أهله ؟ "

فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " ويونس لما ابتلعه الحوت "فنادى فى الظلمات أن لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين " ترى هل تركه ربه فى هذا الغم أو فى تلك الظلمات ؟ "

فاستجبنا له فنجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين " .. " وزكريا اذ نادى ربه .. رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه , انهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " ..

وأعود الى حديث الاسراء والمعراج .. وكنت أود ان ابدأه .. وهو يذكرنى بما حدث لى بعد حوالى شهرين من اعتقالى .. ووجدتنى أربط بين الذكريات ..

ماض بعيد .. وماض قريب كلاهما حبيب حبيب ؛ لهفى عليك حبيبى يا رسول الله , وأنت تعيش عام الحزن

– كما سميته انتقلت الى الرفيق الأعلى

– رفيقة جهادك خديجة رضوان الله عليها , التى صدقتك حين كذبك الناس , وساندتك حين حاربك الناس , ووقفت الى جوارك وخلف ظهرك وفية أمينة شامخة ثم انتقل الى الرفيق الأعلى عمك أبو طالب ..

الذى كان يدفع عنك أذى الكافرين , ويرد عنك كيدهم وبطشهم .. واكفهرت الدنيا من حولك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم , واضطربت الأرض من تحت اقدامك ..

وخيم الحزن سوادا قائما يسد على النفس المنافذ .. لكن هل يترك الحبيب حبيبه ..

ولو تركته الدنيا كلها ؟ ؛ لا . لقد استضافه فى أكرم وأعزه .. وأضفى عليه من الشرف . ما لم ينله أحد الى نفسه من نفسه وأهله .. وفى الطرق الى ربه .. صلى بالأنبياء والمرسلين لتنعقد له الامامة .. فكانت مدارج من الشرف ومراحل من الترويح عن النفس المثقلة بالأحزان .

ومسحت يد الله الرحيم أحزان وآست جراح قلبه , ورطبت جفاف نفسه ..

وعاد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام , يواصل رسالته ويحتمل الأذى والمطاردة مرة أخرى بعد أن تجدد ايمان قلبه .. وتقوت عزيمته .. وعدت الى الماضى القريب .. حين ضاقت بى الأرض وضاقت نفسى وأنا أرى من حولى ما لم يكن يخطر لى على بال ..

واذا باليد الكريمة الرحيمة .. تمتد الى القلب الجريح والنفس المعناة .. تكشف عن بصيرتها ..

فترى اجنة والقصور والحور العين .. ومعها شريكة جهادها وتشهد الله ليس كمثله شىء نور على نور وأسمع النداء " أتصبر , فأجيب رب عافيتك خير لى .. حقا – من وجد الله .. فمن يفقد ؟ ومن أفتقد الله .. فمن يجد ؟ " 20 سبتمبر سنة 1970 "

كل شىء هالك الا وجهه

ليس الانسان ... بجاهه ولا سلطانه .. ولكن بايمانه وعمله .. فالايمان يرتفع بالانسان .. وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين .. والكفر فسوق يهوى به " ان الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الذلين " .. وكما ربى موسى فى بيت فرعون .. وعاش يوسف فى السجن بضع سنين ..

ودخل يونس بطن الحوت .. وأوذى محمد عليه اللاة والسلام .. ربينا فى بيت فرعون فى سجنه الحربى .. وعشنا فى السجن .. ودخلنا بطن العجل (1) .. وأوذينا فى سبيل الله .. سبحانك ربى أريتنى الجنة ..

واليوم ترينى مواقع النجوم .. وألمسها بكفى ,, وأعجب وقد أقسم الله بها لشرفها وارتفاعها فأردد قول الله فى رؤياى " فلا أقسم بمواقع النجوم " ويرانى زميل آخر مع سيد شباب أهل الجنة الحسين رضى الله عنه يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك ..

أماه .. وهل هناك شخص لا ينتهى ؟ الساعة تنتهى , واليوم ينتهى , والعمر ينتهى .. الاشياء من حولنا .. الزرع يبدأ شيئا فشيئا حتى يصير بدرا .. ثم يصغر شيئا فشيئا حتى يعود ظلاما كما بدأ .. وهكذا كل شىء ينتهى " كل شىء هالك الا وجهه " .. وهل هناك شخص لا ينتهى ؟

(ا) كانت رؤيا رآها كاتب هذه السطور قبل اعتقله بأسبوع. أن أناسا توضع داخل هيكل عجل وأناسا يخبطون عليهم .

لقد كان فرعون أحق الناس بذلك وقد قال عن نفسه انه رب العالمين وأنه اله وملوك الدنيا وعظماؤها .. ومحمد .. حبيب الله .. قال له ربه " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون .. " وهكذا .. كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذى الجلال والاكرام .. " 25 سبتمبر سنة 1970 "

أحقا .. ماتت حياة

أحقا ماتت حياة ؟ ؛ بلى .. وكل حى سيموت ؛ " عش ما شئت فانك ميت , وأحبب من شئت فانك كفارقه , واعمل ما شئت فانك مجزى به , واعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل , وعزه استغناؤه عن الناس .. ؛ وبعد الموت قبر .. روضة من رياض الجنة ..

أو حفرة من حفر النعيم .. وبعد القبر بعث .. فيه فزع وهول وكرب .. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه , وصاحبته وبنيه ,

لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه .. وبعد البعث حساب .. تتطاير الصحف .. وينصب الصراط والميزان .. " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها .. ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " .. ؛ وبعد ذلك جنة أونار .. فى الأولى نعيم , وفى الثانية جحيم .. " سبتمبر سنة 1970 "

فى الموت عبرة

ان فى الموت لعبرة ؛ هذا حق .. لكنه قد يكون آية ؛ ولقد عبر القرآن بذك حين تحدث عن مصرع الطاغية " فرعون " .. " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " .. "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى , ان فى ذلك لعبرة لمن يخشى " .. "

وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم " .. " وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهى ظالمة ان أخذه أليم شديد " .. " ان فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة " . الحاكم اليوم يبدأ باسم الله .. الحاكم اليومك يختتم بآيات من القرآن .. الحاكم اليوم يرفع شعارا .. لو طبق .. لصحح الكثير من المآسى والمآثم .. " ديسمبر سنة 1970 "

فراعين

فمع نفحات رمضان الكريم .. ومع ذكريات انتصار المسلمين الأولين فى أول معركة لهم مع أعداء الاسلام , ومع ريح الفتح المبين فتح مكة فى العشرين من رمضان .. أكتب هذه الكلمات .. كلها نفحات كريمة , وذكريات حبيبة , وريح مبشرة عطرة .. "

لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام أن شاء اله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون , فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا .. " كنت استمع أمس الى محاضر كريم يتحدث عن غزوة بدر فيذكر كيف قتل رأس الكفار أبو جهل يوم بدر ..

لقد شاء الله الا يتلوث بالدم النجس أحد كبار الصحابة وشاء ألا يحرز ذلك الدنىء هذا الشرف .. فكان قتله على يد طفلين من أطفال المسلمين ..

تسللوا وسط الصفوف حتى وجدوه فظلوا يضربونه على قدميه لأنهم لا يصلون الى أكثر من ذلك .. فانحنى ليضربه هم على راسه .. وسقط أبو جهل صريعا على يد أطفال .. وقبل أبو جهل هذا .. النمرود .. ادعى الألوهية .

وقتلته بعوضة دخلت من أذنه الى رأسه .. وقبل أبو جهل هذا .. فرعون .. الذى ادعى أنه رب وأنه اله .. قتلته نقطة ماء ؛ وبعد هذا الفرعون .. فراعين .. قتلتهم نقطة دم .. " فكلا أخذنا بذنبه .. فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا , ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا " وليالى القدر قادمة .. وسهام السحار نافذة .. " 18 رمضان سنة 1391 "

فى امتحان الاعدادية الأزهرية

انتقلت من سجن مزرعة طرة الى ليمان طرة .. على بعد أربعة كيلو مترات لأؤدى امتحان الاعدادية الآزهرية .. ولهذا الامتحان قصة .. لقد فكرت وأنا فى سجن قنا فى الانتقال الى القاهرة , ولم يكن هناك من وسيلة الا التقدم لأحد الامتحانات العامة :

الاعدادية , الثانوية العامة واذا كنت فى تعليمى حاصلا على شهادات الثانوية وبعدها الليسانس ثم الماجستير وسجلت الدكتوراة .. فقد توقفت كثيرا دون التقدم .. وخشيت أن أنا تقدمت أن يتنبه المسئولون فى السجون فيغلقون بابا فيه سعة لغيرى .

ظللت على ذلك حتى جاءتنى فكرة التقدم للتعليم الأزهرى لأقطع الحجة على من يتساءل عن سبب تقدمى رغن أنى لست فى حاجة الى هذه .. الشهادة . وقيدت اسمى مع الداخلين لامتحان الاعدادية الأزهرية وكان انتقالى بعد ذلك من سجن قنا الى سجن مزرعة طرة ..

وانتهى السبب الذى من أجله فكرت فى دخول الامتحان . واعتذر لغيرى ممن تقدموا لنفس السبب ,, لكنى استخرت الله فشرح صدرى للتقدم ,, وكن لابد من نقلنا الى ليمان طرة حيث تنعقد لجنة امتحان المسجونين وانتقلنا .. ونزل من معى فى عنبر " 1 " ونزلت بمستشفى السجن .. وكان لقائى الثانى .. بمصطفى أمين . كان لقائى الأول منذ شهور عندما أجريت عملية جراحية " لكيس دهنى " فى رأسى .. ورأيت فى الأستاذ مصطفى أمين " خلقا " , وذكاء ..

ودعابة وسرعة بديهة وتوطدت المودة " فى اللقاء الثانى " وكان يسألنى " فاكها " كل يوم عن اجاباتى فى الامتحان .. وكان من بين أسئلة التربية القومية سؤال عن اصلاحات الثورة .. وكان من بين اجاباتى .. انشاء المسارح ودور اللهو ..

ورصف الطرق وانشاء الكورنيش .. تحرير المرأة .. من بيتها .. وتحررها من زيها .. وكان سؤال آخر عن الاصلاح الزراعى .. وبدا لى أن أذكر الحقائق التاريخية .. فقلت انه عندما عرضت فكرة " تحديد الملكية " .

رأى البعض أن تفتيت الملكية سيؤدى الى آثار سيئة على الاقتصاد القومى , واقترحوا على " الرئيس السابق " أن يكون حدها الأعلى خمسمائة فدان , واقترح البعض الآخر أن تحل الضريبة التصاعدية محل التحديد والتفتيت لكنه لم يوافق .

واستقدموا الاقتصادى الألمانى " شاخت " ولم يوافق . " شاخت " على رأى الرئيس السابق .. لكن الرئيس السابق أمضى رايه وكان تحديد الملكية بمائتى فدان ثم بمائة فدان .. ثم بخمسين .. ثم بخمسين ..

قال لى مصطفى أمين ..

وكنت أحكى اجاباتى للأستاذ مصطفى أمين فى حضور الأستاذ راغب " أحد الذين شاركوا فى ثورة 23 يوليو ثم اعتقلو بعد ذلك وأبعدوا " .. وكانا يضحكان .. وبدأت أسأل مصطفى أمين عن علاقته بالرئيس السابق وكان يجيب .

ما كان يريد قوله يقوله .. وما كان لا يريد قوله يعتذر عنه .. قال لى مصطفى أمين .. ان الرئيس السابق كلفه فى سنة 1956 أثناء العدوان باجراء اتصالات خارجية .. بالملك السعودى والرؤساء العرب ثم برئيس الولايات المتحدة الأمريكية , وأنه وضع تحت تصرفه طائرة خاصة , أقلعت به من طريق القاهرة الى الأسكندرية بعد أن تحطمت المطارات .. كما أعطاه صورة فوتوغرافية للاعلان عن ضحايا عدوان السويس , وأنه قابل الملك السعودى .. وكان كريما ..

اذ قال له اكتب لرئيس الولايات المتحدة ما تريد ثم اعطنيه لتوقيعه . وأنه قام باتصالاته فى الولايات المتحدة لصالح القضية المصرية والعربية .

ثم اشترك فى مفاوضات الجلاء .. ثم حكى لى مصطفى أمين .. أنه صاحب الرئيس السابق حين زيارته للولايات المتحدة , وحاول اقناعه بزيارة كنيدى المرشح لرئاسة الولايات المتحدة لكن الرئيس استبعد أن ينجح ذلك الشاب فى انتخابات الرئاسة ,

فلما ألح عليه مصطفى أمين لزيارته كلفه الرئيس أن يقوم هو بزيارته وقد أطلعه الرئيس الأمريكى المرشح ابان زيارته على تقرير أعده للسياسة الخارجية يتضمن تعاطف الولايات المتحدة مع القضية العربية , كما أن الرئيس الأمريكى سأله عما يشاع عن الرئيس المصرى من أنه " دكتاتور "

فنفى مصطفى أمين ذلك , فقال له كنيدى هل تستطيع أن تنتقد الرئيس المصرى فى جريدتك فأجابه مصطفى أمين نعم .. وعندما نقل الحديث الى الرئيس المصرى فرح بالجزء الأول منه الخاص بنية كيندى التفهم والتعاطف مع القضية العربية وطلب من مصطفى أمين نشر هذا التقرير ,

لكن مصطفى أمين مانع فى البداية استنادا الى سرية التقرير , فلنا أمر الرئيس المصرى .. قام بنشره .. وقد فوجىء بعد ذلك بتقديمه للتحقيق لأنه نشر ما يصور الرئيس الأمريكى بأنه بطل للقومية العربية ولم ينجه من شر التحقيق الا تصريحه بأن ذلك كان ضد رغبته وبأمر من الرئيس السابق جمال عبد الناصر وبشهادة من كان فى الطائرة وفى مقدمتهم زكريا محيى الدين ..

أما بالنسبة للجزء الآخر من الحديث فقد سر الرئيس المصرى من اجابات مصطفى أمين .. لكنه عندما وصل الى السؤال هل تستطيع أن تنتقد الرئيس المصرى فى جريدتك .. قال له ومذا قلت قال قلت نعم , فقال له الرئيس " السابق " لو فعلت ذلك لأدخلتك السجن الحربى .

مصطفى أمين يحكى قضيته

وفى سؤال عن سبب قضيته .. قال لى مصطفى أمين .. انه كان مكلفا من الرئيس السابق بالاتصال بالأمريكان للحصول على معونة اقتصادية لمصر من الولايات المتحدة ولمعرفة ما لديهم من معلومات .. حت أن الرئيس عرض عليه ذات مرة أن يعينه مديرا للمخابرات ..

لمن مطفى أمين قال له أنت عايز صلاح نصر يدبحنى . لكن عندما تدهورت علاقات الرئيس بالأمريكان أراد أن يغيظهم بالقبض على مصطفى أمين الذى مان وسيطه اليهم وأضاف أن الرجل الذى كان يتصل به .. كان الرئيس المصرى على علم به ..

أسرار وراء وقف عدوا 1956

سألت مصطفى أمين .. ما هو المقابل الذى اشترطه الأمريكان فى مقالبل تدخلهم لوقف حرب السويس .. ورفض مصطفى أمين أن يجيب . وقدرت الرجل .. كان يمكن أن يجيب بغير الحقيقة .. لكن ما عهدته فيه أنه حين لا يستطيع أن يقول الصدق يعتذر .. سألته عن ظروف وحدة مصر وسوريا , وظروف الانفصال .. قال .. كانت أمريكا تشجع وحدة سوريا مع مصر ..

لأن سوريا كادت تسقط فى قبضة الشيوعيين .. أما الانفصال فلقد كانت وراءه قوى أجنبية كذلك .. سألته عن رأيه فى معاملة الأمريكان ..

قال : تعجبهم الكلمة الحلوة , وتثيرهم الكلمة المثيرة .. قال .. لقد حاول محو أثر كلمة الرئيس عن الأمريكان ..

لكنه لم يستطع .. لقد كان أثرها بعيد الأغوار .. صدم كبرياءهم .. وهكذا كنت أسمع من واحد ظل على مقربة من الرئيس المصرى بضع سنين .. ثم كان مصيره اى السجن حين اختلف معه .. وهكذا أجيب سؤال كيندى له .. " 15 يونيو سنة 1971

لقاء مع شمس بدران

تفرض السجون أنواعا من العلاقات قد لا يأتيها الانسان فى حياته العادية .. منها .. أن يتحدث أو يجالس.. جلاديه أو قاتليه ..

وهكذا فرض على يوما أن أجلس الى حوار مصطفى أمين فى مواجهة شمس بدران .. وكان لابد أن يكون الحديث عن نكبة سنة 1967 .. وسألت شمسا سؤالين :

كيف نقل الى رئيسه تأييد السوفيييت بينما كان كلام السوفييت غير ذلك .. فقال : انه نقل الحديث على حقيقته ..

لكن الرئيس أمر أمر باذاعته على النحو الذى أذيع به .. سالته سؤالا آخر : كيف وقعتم فى سنة 1967 فى نفس خطأ سنة 1956 حين تركتم المطارات هدفا للغارات , وحين كررتم نفس مأساة الانسحاب ..

فقال لهم انهم لم يتوقعوا حربا , وانه على فرض الحرب فان نسبة التدمير لا ينبغى أن تزيد على 25 بالمئة لكنهم فوجئوا بأنها بلغت حوالى 90 بالمائة ..

سأله غيرى .. عما ارتكبه من جرائم التعذيب .. فكانت اجابته أن ذلك كله كان أوامر .. أوامر من القيادة السياسية .

وأنهم لم يكونوا يملكون غير التنفيذ . " 20 يونيو سنتة 1971 "

الى .. أستاذى .خواطر

وأقبل عيد الأضحى المبارك .. فذكرنى بابراهيم عليه السلام ثم ذكرنى بك .. ذكرت ابراهيم عليه السلام والعيد مقرون بذكراه .. وهو يضرب لأمة الاسلام المثل فى العبودية الحقة لله , والانصياع الكامل لأمره , ثم التضحية العظيمة فى سبيل الله وفى سبيل دينه ..

بالنفس وبما هو أعز من النفس .. فاستحق ابراهيم أن يقول عنه خالقه أن ابراهيم كان أمة ويستحق ذلك كل من نهج نهجه .

نعم ابراهيم عليه السلام عرف الله وعبده حق العبادة يوم قال " يا قوم انى برىء مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والآرض حنيفا وما أنا من المشركين " ..

وعبد الهر حق العبادة حين لم يقدم على حبه سبحانه حب أبيه وقومه وقال لهم " واعتزلكم وما تدعون من دون اله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " ..

وعبد الله حق العبادة حين أقبل على النار التى اضرمها له أعداء الله فتعرض له جبريل وسأله أبك حاجة فقال " أما منك فلا , وأما من ربى فبلى ..

وفى قول آخر أما منك فلا , وأما منه فعلمه بحالى يغنى عن سؤالى " .. وعبد الله حق العبادة .. حين أمره أن يذبح ابنه .. فاقبل طائعا مختارا ..

وقد يسهل على الانسان أن يطيع فيما دون النفس , وقد يجد الصعوبة فى أن يطيع فى النفس , لكنه بكل تأكيد واجد استحالة فى أن يطيع فيما فوق النفس .. والابن أعز على النفس من النفس .. خاصة أن كان وحيدا وجاء على كبر .

وفى كل ذلك عبادة .. وكانت معها تضحية . ونعلم من هذا .. ومن غيره ,, لم كان ابراهيم أمة .. ونعلم من هذا ..

ومن غيره يمكن للمسلم أن يكون أمة .ثم يحدثنا حفيد ابراهيم عليهما الصلاة والسلام .. كيف للمؤمن أن يشق طريقه فيما يرويه خباب بن الأرت حين شكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تستنصر لنا .

ألا تدعو لنا ؟ .. فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له فى الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعله نصفين , ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يبعده ذلك عن دينه ..

ثم يحدد طبيعة المعركة ومداها أن رحى الاسلام دائرة فدورا مع الاسلام حيث دار الا ان الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب .. واستعيد كلماتك عن الكرامة ..

الكرامة .. وكلماتك عن الأثرة .. وعمن سقوا الأرض الاسلامية بنجيع الدماء .. وأتساءل أيمكن أن يكون تصالح بين الحق والباطل ؟

وأجد الاجابة سريعا فى سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وربه يعلمه فى أوائل سنى الدعوة وهى بعد غضة طرية "

فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون , ولا تطع كل حلاف مهين " .. ثم يرسم له الطريق مستقيما حين قالوا نعبد الهك يوما وتعبد آلهتنا يوما .. فكان الرد الالهى " قل ياأيها الكافرون .

لا أعبد ما تعبدون , ولا أنتم عابدون , ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد , لكم دينكم ولى دين " .. ويعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن انتقلت شريكة جهاده الى جوار ربها , وضغط عليه عمه وهدده بترك حمايته ..

يعلنها وسط الدموع , ليعلمنا كيف يعلو الايمان والثبات فوق الأحداث " والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه " ..

ويعلمنا من قبله الوحى " قد كان لكم أسوة حسنة فى ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده .. وقد يقول قائل ..

ان الأمر مختلف .. لقد كانت الأولى معركة مع عباد أوثان .. ونقول بعون الله لئن عبد الأقدمون أصناما من الحجر , فلقد عبد المحدثون أصناما من البشر ولقد دخل عدى بن حاتم على رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو يقرأ "

اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " فقال عدى : ما عبدناهم يا رسول , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولكنهم أحلوا لكم الحرام وحرموا لكم الحلال فأطعتوهم . فتلك عبادتكم اياها " ..

وكم اليوم من حرام أحل . وكم اليوم من حلال حرم . وكم اليوم من أرباب ينازعون الله حكم البشر فى الجانب العقيدى أو فى جانب الفكر والقصور , أو فى جانب الخلق والسلوك والعادات والتقاليد , أو فى جانب القوانين والمعاملات ..

وليس يصح فى دين الله أن يتخذ القرآن عضين , فيؤمن ببعضه ويكف ببعضه ولقد حذرنا الله اذ حذر رسوله هذه الفتنة " وان احكم بينهم بما أنزل اله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله " .

ان الأصنام من البشر يودون أن تقتصر عبادة الله على جانب الشعائر والنسك , وان تخلص لهم العبادة فى عقائد الناس وتصوراتهم , وخلقهم وسلوكهم ثم فى نظمهم وقوانينهم ..

ويقفز سؤال يردده المرتجفون والمستضعفون .. وما يجدى أن تثبت قلة على الحق والكثرة قائمة على الباطل راضية به ومستسلمة له ؟

ونقول بعون الله ليس غير الثبات والاستمساك بغير ميل ولا ادهان فان ذلك أولا هو أمر الله ونحن عبيد نطيع أمر الله ولا شرع ما لم يأذن به الله ثم ذاك ثانيا طريق الدعوات الى النصر , وبغيره تتميع وتضيع ..

ولنسمع معا قوله تعالى : " فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون , أو نرينك الذى وعدناهم فانا عليهم مقتدرون , فاستمسك بالذى أوحى اليك انك على صراط مستقيم " .. وبعدئذ .. فلقد أطلت الحديث وأثقلت .. ونسيت انى أتكلم الى أستاذى ..

مع تمنياتى ودعائى أن يكون للاسلام عيدا أكبر , تنتصر حيث لا يحكم شرعه , ويغدو الدين كله لله .. " نوفمبر سنة 1971 "

الى .. رئيس مجلس الدولة

السيد المستشار رئيس مجلس الدولة .. كاتب هذه السطور زميل لك .. ينبض قلبه على البعد فى مناسبة مضى ربع قرن من الزمان على تأسيس هذا المجلس .. لكن أشياء فى نفسى كانت تحول دون أن يصل . قلبى اليك ..

أولها : انى منذ شرفت بالعمل نائبا بالمجلس بعد عملى وكيلا للنائب العام .. وجدت المجلس يفتح ذراعيه لى ويدفعنى الى العمل فى أعز أمكنته :

عضوا بادارة الفتوى والتشريع لوزارات الخزانة والاقتصاد والتموين والتجارة الداخلية . وفى نفس الوقت مديرا للتحقيقات فى احدى المؤسسات ورئيسا للجنة بحث محاضر القطاع العام ثم عضوا بموسوعة الفقه الاسلامى ثم رئيسا للجنة تراجع عمل لجنة الموظفين المشكلة برئاسة وكيل وزارة التموين .. وفى غمار هذا العمل المضنى .. فوجئت بالقبض على .

بغير دليل .. ومن غير تهمة .. وبغير اذن الجهة القضائية التى أتبعها وجاءت النيابة العامة بعد حوالى أربعة شهور .. وأجرت تحقيقاتها داخل السجن الحربى , وعلى بعد أمتار من الساحة الأثيمة فى السجن الأثيم , وعل آهات المعذبين وأنين جرحى يلفظون الأنفاس الأخيرة ..

تمت تحقيقات سنة 1965 .. ووقفت أمام النيابة العامة مضرجا بالدماء .. وسال دمى من قبل فلم يسل دمعى .. لكننى أمام النيابة سال دمعى أسفا على ما رأيت .

وطوال هذه الشهور انتظرت أن يتحرك المجلس الذى انتمى اليه .. ليسأل عن أحد أبنائه الذين انتهكت حصانتهم القضائية .. وانتهك معها كثير من كرامتهم وآدميتهم .. لكن المجلس تحرك .. ليس من أجل أحد أبنائه .. بل ولاء للسلطة غير الشرعية لحاكمة فى ذلك الحين , تحرك المجلس ليطلب الى الاستقالة .

وليطعننى من الخلف وأنا أواجه أشرس عدو تحكم فى شعب مصر , وما لأن أتيحت لى الفرصة للاتصال بأهلى حتى طلبت اليهم التظلم من قرار قبول الاستقالة لكن المجلس مرة أخرى تنكر للحق وقرر رئيسه رفض التظلم . ماذا أقول .. انها لم تكن محنتى وحدى .. كانت محنة القضاء كله .. بدأت سنة 1965 واستمرت حتى سنة 1969 .

بل كانت محنة الأمة كلها .. التى تحكم فيها الذئاب اللئام . والآن .. تلتقط الأمة أنفاسها .. بعد ليل بهيم , ويسترد القضاء اعتباره بعد غشم طائش أثيم .

ويتساءل الناس :

لم لا يطيق افراج نصف المدة , وثلاثة أرباعها عى من حوكموا أمام محاكم استثنائية معروف كيف كانت تحكم ؟

لم يفرج عن القتلة واللصوص ولا يفرج عن الذين جريمتهم .. أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ؟

لم تحبس دعوة محمد عليه الصلاة والسلام ..

ولا تترك مرة لتربى ذلك الشباب المائع الضائع وتجمع تلك الأمة التائهة المفككة ؟ لم .. لم .. " نوفمبر سنة 1971 "

الى مزرعة طرة 31 ديسمبر 1971

تقع مزرعة طرة على بعد حوالى 3 كيلو مترات من ليمان طره بين المعادى وحلوان وتتميز عنابرها بالاتساع بحيث تسع الحجرة ثلاثين فردا تقريبا ..وقد جرى تجميع الإخوان فى المزرعة وقد قيل ان ذلك توطئة للافراج عنهم .

أنا .. من أول المنتقلين

وما ظننت أن أكون فى مقدمة المنتقلين .. وقد كنت فى مقدمة المبعدين . لكن لله فى خلقه شئون .

وقد يكون تغير " الجو " السياسى .. وقد يكون .. لكنها قبل ذلك ارادة الله النافذة .. وأظنك تذكرين أنى بشرت أن يكون فى نهاية هذا العام خير ..

ولقد بدأ الخير منذ سبتمبر سنة 1970 .. وحيل بيننا وبين الاتصال بالبرق أو البريد .. فيسر الله لى أن أتصل بكم بالتليفون .. ولا أزال داخل السجن .. وانتظرتمونى .. فى غسق الليل فى محطة الجيزة .. وكانت فرحة اللقاء ..

وركبتم معى حتى محطة القاهرة .. وبقينا فى محطة القاهرة واقفين ساعة أو بعض ساعة .. والعيون ترقبنا من كل جانب .

ووصلنا الى سجن مزرعة طرة .. وكان لقاء مع الأحبة الذين فارقتهم منذ ثلاث سنوات.. وما ظننا أن نلتقى .. الا فى الجنة ويبدو أن السجن محاط بالعيون .. لذا .. سوف أقتصر على المقيد باذن الله .. " ديسمبر سنة 1971 "

كثير. . وكبير

... ليس أيها الفاضل الكريم دفاعا عن شخصى , وان كنت أول العالمين بما كان وأول الشاهدين على زوره وبهتانه .. فانى تارك الأمر ليوم تشخص فيه الأبصار .

وليس دفاعا عن أناس معى قاسوا التعذيب والتشريد والحرمان ..

بعضهم على مدى ست سنوات والبعض الآخر على مدى ثمانى عشرة سنة ثقيلة فما أحسبهم الا مثلى – فوضوا لله أمرهم واحتسبوا عند اله عذابهم وحرمانهم . ولكنه دفاعا عما عشت أدافع عنه ..

دفاعا عن شرف وعن حق وعن مثل .. انتم أول المسئولين عنها .. أمام الله , والتاريخ .. كثير وكبير أن يقال أن دولا عربية وغير عربية أطلقت سراح مسجونيها السياسيين بعد نكباتها ولا تطلق مصر سراح مسجونيها السياسيين بعد نكبتها الكبرى سنة 1967 ..

وكثير وكبير أن يقال ان الدولة فى كل عام تطلق سراح القاتلين والسفاحين والداعرين ولا تطبق ذلك على من حكم عليهم فى جرائم خلاف فى الرأى . ان الحجر على العقائد ومصادرة الدعوات ..

لا يذهب بها أنتم أول العالمين بذلك .. انه لا يزيدها الا صلابة وعنادا , وان القضبان لا تحول بينها وبين الناس .. انها تدفع الناس الى مزيد من التعلق بها .. وانها لتؤجج فيهم الشوق والحنين حتى اذا فاضت بهم المشاعر كان تفجر الطوفان ..

يجرف القضبان وما بعد القضبان .. تلك سنة الحياة , وفى قصص الطغاة عبرة لأولى الألباب . ان القمع والارهاب ..

ينقل الفكرة من فوق الأرض الى تحتها , ومن وضح النهار الى غسق الليل ان العلاج لا يكون الا بترك الأفكار حرة طليقة .. الفكرة تقف أمام الفكرة , والحجة تقرعها حجة والبقاء للأصلح . " 16 يناير سنة 1972 "

لماذا كل ذلك

لعلك لا تعرف أنى أعتقلت فى سنة 1965 , لكنك تعرف بكل تأكيد أن الألوف عذبوا والألوف شردوا وحوربوا .. ومن قبل ذلك بعشر سنوات تكررت المأساة على نحو أليم .. ولقد اصابنى الشىء لكثير .

زورا وبهتانا يعرفه كبار المسئولين – فلست بمتعرض للجانب الشخصى حتى لا يشوب حديثى ما قد ينقص منه . ان السؤال الذى أطرحه على أسماعكم .

لماذا كان كل ذل ؟ لماذا كانت تلك الصورة التى تمثل بقعة سوداء قائمة فى تاريخ هذا البلد الحبيب .. أمر لم تسمع به البلاد من قبل فى عهد الاحتلال البغيض ..

بل لم تسمع به البشرية كلها على طول التاريخ وعرضه الا فى فترات من الانحدار قليلة وسحيقة . ثم السؤال الأخطر من ذلك والأكبر .. كيف حدث ذلك فى بلد ..

دينه الرسمى الاسلام .. ان المسارعة الى رفع الحجر عن دعودة الله , واطلاق الحرية للفكرة والحقيقة ,

هو وحده العلاج الناجح وهو مجرد اعلان من عدم الرضى عن مآسى الماضى ومآثمه .. " 1 فبراير سنة 1972 "

عودة المخرجين ..

الزميل المستشار .. كانت مفاجأة لى أن أرى اسمك بين العائدين من رجال القضاء فلقد حالت المحنة التى عشتها فى سنة 1965 دون أن أتابع المحنة التى عشتموها فى سنة 1969 وان كان احساسى انها محنة واحدة بدأت سنة 1965 أو قبل ذلك وامتدت الى س1969 أو بعد ذلك بقليل .. لقد كانت اليد الأثيمة فيهما واحدة .. وكان الضحية فيهما خلقا وشرفا وقيما ومثلا ..

ويموالقى القبض على فى أغسطس سنة 1965 من غير تهمة ومن غير سلطة مختصة , وبغير اجراءات حددها القانون . أحسست أن محنة القضاء تبدأ .. ثم حين دخلت ساحة العذاب الأليم فى السجن الحربى الأليم ..

أن المحنة أكبر من محنة القضاء .. أنها محنة خلق وشرف , محنة قيم ومثل , محنة انسانية وآدمية .. محنة مصر المسكينة يحكمها الفراعنة من جديد .

والحديث طويل .. وثقيل .. لا تكفيه صفحة خصصتها للتهنئة .. ثم ان الأوان لم يحن بعد لكشف النقاب عن المأساة الأليمة فى النصف الثانى من القرن العشرين .. المهم بقدر ما كانت مفاجأتى باسمك .. بقدر ما كانت سعادتى بهذه المفاجأة ..

ان كنت من الرجال ومع الرجال .. والرجال فى هذا الزمن قليل .. ثم سعادتى أن نصركم الله بفضله .. وجعل كيدهم فى تضليل .. " 3 فبراير سنة 1972 "

عودة الى القضية

سررت لاختياركم الدكتور مصطفي كمال وصفي محاميا فىالقضية المرفوعة منى , وسررت لانضمام الأستاذ الكبير مصطفي البرادعي نقيب المحامين معه , وانضمام الأستاذين شمس الدين الشناوي وعبد القادر شاهين كذلك قرأت ما كتب الدكتور مصطفي وصفي الى رئي مجلس الدولة وما قاله من أن قرار رئيس مجلس الدولة السابق برفض التظلم قرار منعدم

- وما قاله عن الظروف التى قدمت فيها الاستقالة " وتلك الظروف لا يمكن أن يقف فى مواجهتها الرجل المعتاد بل الرجل الشديد الرأس , وقد أدين الذى حصلت فيه وقائع ذلك التصرف رسميا أمام القضاء .

بما تبين من اجرام رجاله وعدم تورعهم عن صنوف القوة والعنف " .. تحية الى الدكتور مصطفي وصفي ..

والى الأستاذ الكبير مصطفي البرادعي والى كل من ساهم وعاون .. ودعوات الى الله أن يجزيهم خير الجزاء .. " 22 فبراير سنة 1972 "

فى لجنة التظلمات

عرفت باحالة القضية الى لجنة التأديب ولتظلمات التى يرأسها رئيس مجلس الدولة وتضم حوالى عشرينمن أقدم مستشارى مجلس الدولة , وعرفت باحالة اللجنة القضية الى هيئة مفوضى الدولة لتكتب تقريرها فيها واطلعت على مذكرة الدكتور مصطفي كمال وصفي المؤرخة 1- 4- 1972 والمتضمنة ردا على مذكرة المكتب الفنى لمجلس الدولة المؤرخة 6- 10- 1968 .

وبقدر أسفى لسقطة المكتب الفنى فى تلك المذكرة والتى جارى فيها ادارة السلطة اآثمة الجاثمة فى ذلك الحين .. بقدر سرورى للتطور الجدد .. ومحاولة الدولة استعادة نفسه ..

قرأت كلمات الدكتور مصطفي وصفي .. " ان المنازعة الراهنة هى قضية سياسية عامة .. متعلقة بحقوق الانسان .. وبأحد رجال مجلس الدولة .. ولذا يجب النظر اليها باعتبارها أحد الخطوط العميقة فى قلب الأمة وضميرها وفى تاريخ حياة مجلس الدولة .. "

ان الجهة الضاغطة فى التظلم الماثل هى جهة من جهات الضبط والربط العسكرى التى يقع المعتقل أو المسجون فيها تحت السلطة المادية المباشرة لتلك الجهة فيفقد فيها كل مظاهر حريته الشخصية وهى جهة يقوم عملها الطبيعى على التصرف المطلق فى أشخاصهم , وتوقع الجزاءات التأديبية الجسمانية كالحرمان من الطعام والضرب والحبس فى أماكن مظلمة والحرمان من الزيارة ..

وان الظروف الماضية التى كانت سائدة فى العهد الذى قدم فيه المتظلم استقالته تعتبر قرينة على وقوع الاكراه والعنف ضد المسجونين السياسيين .. " سوف أوافيكم بمشيئة الله بمذكرة منى لتقديمها الى لجنة التظلمات .. " 3 إبريل سنة 1972 "

فصل فى كرامة مجلس الدولة ..

أرسل اليكم المذكرة المرفقة .. لتقدموها كملاحظات أو لتكون تحت بصر الأساتذة المحامين – ويهمنى منها بعد ملاحظات الشكل والاختصاص الجزء الآتى :

" يقول السيد النائب العارض " فى مذكرة المكتب الفنى لمجلس الدولة .. أنه لم يثبت أن ثمة وقائع محددة تشكل الرهبة فمتى يكون الاكراه الذى – يشكل الرهبة ؟

1- ذكر اسم السجن الحربى وحده فى ذلك الحين كاف لتحقيق الرهبة وهو ليس مكانا مخصصا لاحتجاز المدنيين .

فما بالك بمن يشغل وظيفة قضائية ويتمتع بحصانة قضائية ؟

ان ما اقترن باسم السجن الحربى فى عهد العصابة الحاكمة فى ذلك الحين معلوم لدى الكافى بالضرورة .. ومعلوم ما يمارس فيه ..

2- فاذا أضيف الى اسم السجن الحربى اسم المباحث العسكرية بما قارفته من مآس ومأثم فى ظل العهد الآثم فكيف تكون الرهبة .

3- ثم اذا أضيف الى ذلك اسم حمزة البسيونى الذى كان علما على الشر والارهاب وتحدث عنه بذلك الرسميون فكيف تكون الرهبة ؟

4- ثم اذا قيل ان الاستقالة تمت تحت الاكراه الأدبى والمعنوى والمادى وفى ظروف لم يكن يملك معها رفضها , أفليس هذا

– والعصابة الآثمة لم تتساقط بعد – أفليس هذا أقوى من كل تصريح .

ومع ذلك فان على لجنة التظلمات سماع أقوال العضو الذى وقع عليه الاكراه .. والسؤال الذى يطرح نفسه بالضرورة ..

ان لم يكن الاكراه باعثا على الاستقالة .. فما الباعث عليها وقد صدم صاحب الشأن بالقبض عليه وهو برىء .

وهو يتمتع بحصانة القضاء .. ثم صدم بالعذاب يقع عليه ألوانا ويمتهن فيه فوق كرامة القضاء كرامة الانسان .. ما الباعث على الاستقالة ولم تكن النيابة حتى تاريخ الاستقالة قد استطاعت بعد التحقيق أن توجه أى تهمة ؟

ما الباعث على أن يحطم مستقبله , بعد أن تحطمت حريته ؟

ما الباعث على أن يسلب أولاده وأسرته مورد رزقهم الوحيد , بعد أن سلبوا – بليل – عائلهم الوحيد ؟ ثم كيف تأتى له وهو سجين فى السجن الحربى لا يملك حقوق السجين العادى ..

كيق تأتى له أن يأمر فتحضر له سيارة تحت حراسة المباحث العسكرية ..

وأن يأمر فينتقل الى مجلس قيادة الثورة .. وان يأمر فيتواجد أمين عام مجلس الدولة ورئيس نيابة أمن الدولة ..؟

ثم لماذا خوطب رئيس نيابة أمن الدولة أول من خوطب

– بقبول الاستقالة ؟ بل لماذا خوطب رئيس نيابة أمن الدولة

– ولم يخاطب صاحب الشأن نفسه بالقرار الذى يقضى على مستقبله .. ؟

وقد أمر القانون أن يعلن صاحب الشأن ولم يأمر أن يخاطب به رئيس نيابة أمن الدولة .. ان الفصل فى هذا القرار .. فصل فى كرامة مجلس الدولة , ولست أقول وجوده .. " 4 إبريل 1972 "

فى جلسة 19 – 6- 1972 " ليست قضيتى "

كانت أول جلسة أخرج اليها .. وكانت فيها كلمات لله .. ثم للتاريخ .. وأثبتت فى محضر الجلسة الرسمة .. " ان ما شاهدته منذ اللحظة الأولى التى وطئت فيها قدماى ذلك السجن ولد فى حالة الاكراه على نحو لا يحتمله الرجل العادى بل لا يحتمله أولو العزم من الرجال ..

لقد رايت منذ اللحظه الأولى جثثا معلقة من أرجلها مسلوخة كالذبائح وطائفة أخرى قد أطلقت عليها كلاب متوحشة جائعة مزقت أثوابها ومن بعد الثياب مزقت الجلود واللحوم ..

وطائفة ثالثة يمارس معها الكى بالنار أو الصعق بالكهرباء .. وكانت الدهشة أشد أن أرى نساء يعلقن من أرجلهن , ويحلق لهن شعورهن , ويمارس معهن الضرب بالسياط .. كما يهددن فى أعراضهن .. وكانت الدهشة أشد أن أرى أناسا يلفظون أنفاسهم الأخيرة ثم يحملون ليواروا تراب الجبل المجاور ثم يجرى اثبات أنهم هاربون .

وفى وسط فترات التعذيب أخذت أقوالى من النيابة العامة وللأسف قد تم ذلك داخل السجن الحربى نفسه , وعلى أصوات السياط وأنين الجرحى , وبرغم ذلك فلقد استطعت الاشارة الى واقعتين واقعة حضور ضباط المباحث العسكرية وطلبه معلومات عن نائب رئي الوزراء , ثم واقعة محاولة ادخال بعض العاملين بأجهزة الأمن عن طريق مقابل الافراج عنى .. ان الاكراه ثابت من ..

1- وجودى فى السجن ..

2- وجودى فى سجن غير عادى رغم تمتعى بحصانة القضاء ..

3- ما رايت من مشاهد التعذيب ..

4- ما مورس معى من اكراه هو الضرب بالسياط والتهديد فى العرض ..

ليست قضيتى .. ولكنها قضية مجلس الدولة .. قضية كرامته واستقلاله .. ليست قضيتى .. ولكنها قضية القضاء ,, قضيه كرامته واستقلاله .. والله من فوقكم يسمع ويرى ..

والله حسبنا ونعم الوكيل .

"وثيقة " تقرير مفوضى الدولة

اطلعت على تقرير مفوض الدولة فى القضية .. والذى بلغ حوالى ستين صفحة .. جهد ضخم ذلك الذى بذله ذلك المفوض .

وضخامته ليست فقط فى عدد صفحاته الستين .. ولكنها كذلك فيما حوت فلقد حوت الكثير . استطاع التقرير فى ذكاء أن يثبت الظروف الاستثنائية التى عاشت فيها البلاد عن طريق ما قرره رئيس الدولة فى ذلك الحين من أنه اعتقل فى ليلة واحدة ستة آلاف شخص فى قضية واحدة ..

ثم استدل بالقوانين الاستثنئية التى ألغيت أو عدلت بعد غضبة الأمة سنة 1968 والتى كانت تعطى رجال الشرطة العسكرية سلطة الضبطية القضاية حتى بالنسبة للمدنيين فى السجون الحربية ..

ثم استطرد التقرير " ترتيبا على ما تقدم فان الاجراءات التى اتخت ضد المتظلم منذ القبض عليه حتى تاريخ تقديمه قد تمت بالمخالفة لأحكام القانون ووقعت باطلة مطلقا لتعلقها بل أنها تنطوى على مخالفة أحكام الدستور ..

ثم أشار الى " جوانب الألم النفسى الذى لا بد قد اعتصر المتظلم وهو يرى نفسه وقد انتهكت كرامته كرامة القاضى , وانتهكت حصانته ..

حصانة القاضى , وزج به فى سجن استثنائى هو السجن الحربى لشهور طويلة امتدت لنحو سته أشهر دون أن يوجه اليه أى اتهام , وبقى خاضعا خلال هذه المدة للسيطرة المادية المباشرة للسلطة العسكرية الاستثنائية المتولية شئون الضبط والاستجواب وادارة السجن النزيل فيه وهى المباحث الجنائية العسكرية ..

وتمت اجراءات النظر فى قبول الاستقالة وقبولها من رئيس الوزراء وابلاغ ذلك الى رئيس نيابة أمن الدولة شفاهة فى أول الأمر ثم كتابة بعد ذلك .. خلال ثمانية أيام .. وفور اخطار رئيس نيابة أمن الدولة لوكيل النيابة المحقق بأنه أبلغ شفويا بقبول استقالة المتظلم ,

بادر المحقق الى اعادة سؤال المتظلم ليعالجه بتوجيه الاتهام الجنائى اليه , وأخيرا وبعد وصول الاخطار الكتابى من مجلس الدولة بقبول استقالة المتظم أمر رئيس نيابة أمن الدولة فى ذات اليوم 5 فبراير سنة 1965 أمن دولة عليا الى محكمة الدولة العليا لمحاكمتهم ثم .. "

وقبل ذلك كله ليس مقبولا عقلا أن يتجاوزوا عن الواقعة التى علموا بها .. واقعة سلب حرية المتظلم .. النائب بمجلس الدولة .. المتمتع بحصانة القضاء وضماناتهم دون اذن اللجنة المختصة بذلك فى المجلس .. ومن حيث أن قرار قبول استقالة المتظلم .. فى الظروف التى أحاطت بتقديمها .. يمثل انحرافا بالسلطة مشوبا بعيب المخالفة الجسيمة لأحكام القانون .. " " إكتوبر سنة 1972 "

مذكرة .. ووثيقة

يهمنى فى مذكرتى الطويلة المقدمة الى المحكمة الادارية العليا بعد أن صارت هى المختصة بطلبات أعضاء مجلس الدولة فى ظل القانون الجديد يهمنى النقاط الآتية :

أولا – ما سجلته فيها على نيابة أمن الدولة حيث أنها " حين اجرت تحقيقاتها داخل السجن الحربى فقدت هى الأخرى الارادة ..

وفقدن معها " النزاهة " والعدالة .. واضطرت أو اضطربت بين موقفين موقف التخاذل ازاء ما يجرى تحت سمعها وبصرها من جرائم هى أشد عقوبة وأقوى دليلا من الجرائم التى تحقق فيها ..

لقد قبلت نيابة أمن الدولة على نفسها أن تجرى تحقيقاتها داخل السجن الحربى على أصوات السياط وأنين الجرحى وحشرجة المعذبين أنفاسهم الأخيرة ..

الأمر الذى يعاقب عليه القانون بالأعدام , اصمت اذنها وأعمت بصرها عن ذلك وراحت تسأل هل قرأت القرآن مع فلان , هل دفعت مساعدة مالية لأسرة عائلها فى ظلمات السجون ؟

ثم انتقلت نيابة أمن الدولة من موقف التخاذل الى موقف التواطؤ والتآمر , وهو واضح فى قضيتى بالنسبة لمسألة الاستقالة , واضح بالنسبة لغيرى حين رضيت لنفسها أن ترسل بعض الذين أنكروا التهمة أمامها ترسلهم مرة أخرى الى التعذيب ..

ليعودوا الى الاعتراف .. وشهود ذلك لا يزالون أحياء .

ثانيا .. ثم .. قولى .

" لى مع السلطة الغاشمة الحاكمة فى ذلك الحين مواقف أحب أسجلها لله ثم للتاريخ ..

1- فى سنة 1961 نشرت لى جريدة الأهرام مجموعة مقالات انتقد فيها القوانن الوضعية مشيرا الى أنه لا قيمة لاستقلال سياسى بغير استقلال قانونى واجتماعى ولا يتحقق الاستقلال القانونى ونحن لا زلنا نتسول على موائد الغرب والشرق نأخذ منها قوانينها .. وانتهيت احدى المقالات بقولى "

فلنبحث لنا عن مصدر آخر وأنا لواجدوه بين أيدينا وبايماننا .. وليس على موائد أوروبا أو أمريكا أو روسيا .. واستدعانى النائب العام وقال اننا شتمنا بسببك اليوم , فقلت من شتمك ؟

وزير العدل ؟

فقال وهل يستطيع وزير العدل أن يشتم النائب العام ؟

.. فقلت مناذن .. فامتنع عن الاجابة وترك الأمر لفطنتى .. " وفهمت من الذى شتم ومن الذى كان يشتم " .. وامتنعت عن الكتابة فى ذلك الحين , ونسيت فى غمرة العمل هذه الواقعة لكن السلطة الآثمة لم تنس ..

2- سجلت سنة 1962 رسالة دكتوراه موضوعها مبدأ الشرعية

– وقلت فى مقدمة الرسالة أن الشرعية الوضعية تستند الى القانون

– والقانون فى نظر صانعيه ليس أحسن حالا من آلهة العجوة على عهد ما قبل الاسلام , كان الواحد اذا جاع أكل الهه .

وقلت لا قيمة لشرعية لا يكون فيها الحكم لله , والكل من بعد لك

– حاكما كان أو محكوما

– عابد له ومطيع ..

وقلت : ان معنى اقامة حكم الله أن يكون الشرع ابتداء من عند الله وللبشر بعد ذلك أن يشرع ابتناء لا ابتداء بمعنى أن يكون شرع البشر أما مستمدا من شرع الله فيما نص عليه أو محققا غايته العليا ومقاصده العامة فيما سكت عنه الله رحمة بنا غير نسيان ومعنى ذلك أن تكون شرعية الله هى المصدر الرئيسى

– لا شىء معها ولا شىء فوقها .

وأترك لفطنة المحكمة أن تدرك أثر مثل هذا الكلام على من رفضوا فى ميثاقهم مجرد النص على أن دين الدولة الرسمى هو الاسلام .. مجرد هذا النص بغير واقع ولا تطبيق .

وأكتفى بهذا القدر .. والوقائع مثلها ثابتة ..واذا لزم الأمرقدمت الشهود .. لكنى آثرت ان أسرد الوقائع بعيدا عن الأسماء .. دفعا لمظنة التجريح ..

ولأنه ليس الآن مجال الحساب ولا ادانة .. ويقينا أن أحدا لن يفلت من الحساب .. حيا كان أو ميتا .. " ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب " ..

ثالثا .. " تلك كانت المأساة " .. مأساة أحد قضاة مصر .. وهى لا توال باقية دون تصحيح من جانب السلطة .. بل تلك كانت الجريمة ..

والأمر بين سكوت وعمل .. والسكوت على الجريمة جريمة .. جريمة بالترك تتساوى مع الجريمة الايجابية فى فقه الاسلام وفى فقه الحديث .. " المذكرة قدمت بجلسة 14- 4- 1973 "

هذه الكلمات ..

الحمد لله الذى مكننى أن أقول هذه الكلمات .. وأنا لا أزال سجينا .. أمام أكبر هيئة قضائية فى مجلس الدولة .. لئن كنت قد نفيت عن نفسى كل عمل جنائى ولا زلت أنفيه , فان اختلافى مع العهد الذى تساقط ابتداء من سبتمبر سنة 1970 تهمة لا أنفيها وشرف أدعيه ..

ولقد كان مجع اختلافى الى أمرين : الأول : اننى من خلال دراساتى المتخصصة انتهيت الى وجوب اقامة شريعة الله لا باعتبارها مجرد مصدر رئيسى , با باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع والتوجيه فى كل جوانب الحياة .. لأنها الأولى والأوفق , فوق الأرحب والالزم وفوق الاسمى والأعلى . ولقد كان العهد السابق يرفض ذلك .. وأخيرا ..

فانه رغم ما حدث لى فلست آسى على ما فات , وأنا أعلم أن الذين فعلوا ذك سوف يحملون أوزراهم كاملة يوم القيامة .. وبالنسبة لى فأرجو أن يتحقق وعد الله " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .. وأعجبتنى كلمات الأستاذ الكبير مصطفى البرادعى نقيب المحامين حين قال . ان القضية ليست قضية " فلان " .. ولكنها قضية الانسان العربى .

قضية آلاف المعتقلين فى العهد الماضى , قضية الظلم الصارخ الذى لاقاه الناس فى الفترة الماضية .. سئلت بعد ذلك فى السجن .. هل سيأخذ الأستاذ البرادعى " أتعابا " .. فقلت أنا لا أستطيع أن أوافيه بما يستحق .. تحياتى لكم وانتظروا الفضل من الله ..

بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه

اليوم خرجت لأستمع الى حكم المحكمة الادارية العليا .. أعلى قضاء فى مجلس الدولة .. ترى ماذا يقولون ؟ .. ألا يزال شبح الارهاب .. يخيف القضاء , بعد أن أطاح بمئات منهم فى جرة قلم تحت اسم اعادة تشكيل الهيئات القضائية ؟

واذا قال القضاء كلمته , وأبطل استقالتى فما هى النتائج التى تترتب على ذلك ؟ لبست ملابسى المدنية وصحبنى ضابط مباحث عامة فى سيارة " ملاكى " الى مقر مجلس الدولة تعطلنا فى الطريق لوجود قطار أغلق من أجله " المزلقان " مدة طويلة .. قال لى الضابط نعود الى السجن وأنا أعرف لك الحكم بالتليفون .. رفضت العرض , وقلت له ان ذلك حقى وأنا متمسك به ..

وصلنا الى مجلس الدولة بعد العاشرة .. نزلت من السيارة .. جرى بعض أهلى الى ليهنئنى بصدور الحكم لى .. عانقنى بعض موظفى المجلس وسعاته .. جلست مع أخى .. قلت له ان معنى الحكم أننى حوكمت وأنا متمتع بالحصانة القضائية فيكون الحكم الجنائى منعدما , ويتعين الافراج عنى فورا ..

طلبت رفع عدة قضايا .. أولها الحكم الجنائى وثانيها تعويض عن التعذيب وثالثها قضية تعويض عن قرار رئيس الوزراء بقبول استقالتى .. شكرا لكل من شاركنى الألم والأمل شكرا لكل من يشاركنى الأتراح والأفراح .. شكرا لأمى . لأخى . لزوجى . للمحامين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. " 9 يونية سنة 1973 "

برقية .. وشكر

اطلعت على البرقية المرسلة منكم باسم الزوجة الى وزير العدل والى النائب العام والى رئيس نادى القضاة .. والتى جاء فيها : لفقت مراكز القوى السابقة عام 1965 قضية لزوجى المستشار .. لأنه رفض شهادة زور ضد نائب رئيس الوزراء ..

وأجبرته على الاستقالة والشهود أحياء والتحقيقات ناطقة .. فى عام 1972 أجمعت الجمعية العمومية لهيئة مفوضى الدولة على أن القبض على زوجى ومحاكمته وحبسه باطل لمخالفته للنظام العام والقانون والدستور .. وفى 9- 6- 1973 صدر قرار المحكمة العليا بالغاء استقالته وبطلان اجراءات القبض عليه والتحقيق معه وحبسه ورغم بطىن اتخذ ضده قانونا ورغم انه بعد صدور حكم المحكمة الادارية العليا أصبح قاضيا وسجينا فى نفس الوقت , رغم قرارات العفو بنصف المدة عن جواسيس العدو فما زال زوجى سجينا ..

أناشدكم فى عهد سيادة القانون العمل على الافراج عنه بم يكفل لحكم المحكمة احترامه , ويرد للقضاء كرامته , ويمحو ظلم مراكز القوى السابقة .. شكرا على ما نشر من تهنئات بالصحف لصدور الحكم .. أرسل اليكم

– بغير علم سلطان السجن

– شكرا نرجو العمل على نشره بنصه كما كتبته : على محمد جريشه – المستشار المساعد بمجلس الدولة .. بكل الرضا بقضاء الله .. فوق كل عنت وعناء ..

وبكل الرجاء فى الله .. فوق كل تدبير .. وبكل التقدير لوقفة قضاء مصر الغريق .. متمثلة فى اجماع الجمعية العمومية لهيئة مفوضى الدولة .. وفى حكم أعلى مستوى قضائى بمجلس الدولة .. وبكل الوفاء لدينه ومثله وأحبابه ..

يشكر كل من شاركه يدا ولسانا وقلبا .. ويخص بالشكر أساتذة المحاماة والقانون مصطفى البرادعى نقيب المحامين والدكتور مصطفى وصفى وشمس الدين الشناوى وعبد القادر شاهين ..

عاطفة ..

كان للحكم الصادر لى دوى كبير .. هناك فرحة فى كل صدر .. وعاطفة الناس هنا .. عاطفة نظيفة .. غير مشوبة برياء أو مصلحة . عاطفتهم هنا عبادة .. كالصلاة . سواء بسواء . .

لأنهم تعلموا أن الحب فى الله عبادة , وأ، الكلمة الطيبة عبادة , وأن النظرة الحانية عبادة , ,أن تبسم الأخ فى وجه أخيه عبادة .. وهكذا .. عطاء .. حرمه المجتمع .. لما رانت عيه أوزار المأدبة .. ومظاهر المدنية الكاذبة .. التى أعطت الناس قشورا وحرمتهم اللباب .. حرمتهم الحياة الحقة والعاطفة الحية .. بل قطعت أوصالهم فلا أخ يعرف أخاه , ليس وراء الدنيا .. أخرى .

أعز وأكرم وأبقى .. هنا .. فى هذا المجتمع الصغير .. الأخ فى حاجة أخيه .. بغير طلب منه .. بل بغير علم .. فاذا سأله ردد قول الرسول عليه الصلاة والسلام " من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته " .. هنا بذل .. وايثار . فى مواجهة نجل وأثره قطعت الناس , وأوقدت بينهم العداو والبغضاء .. هنا .. مثل وقيم . حرمها المجتمع الكبير .. ولعن الله من حرمهم اياها .

لقد سعد المجتمع الصغير بالمأدبة المتواضعة التى قدمتها له بمناسبة فوزى فى القضية .. لقد مدت الموائد لحوالى مائة وخمسين أخا .. كل خمسة على مائدة صغيرة .. صنعتها وقدمتها أيد متوضئة .. يسعى نورها بين أيديها .. كان اليوم أشبه بعيد .. وكانت الفرحة تعلو الجباه .

وشاركنا الحرس .. ودعوت رجال الادارة .. لكنهم اعتذروا فى أدب .. أحس بفضل الله .. ان الله كتب هذه الفرحة .. لتدوم .. ستكون من بعدها باذن اله أفراحا .. تستمر .. حتى يتم الله نوره . شكرا .. لكم .. والسلام عليكم ورحمة الله .. " 15 يونيو سنة 1973 "

أنت مريض ..

أرسل الى رئيس المباحث العامة المنوط به أمن السجن .. وقال لى أنت مريض ؟

قلت له .. لا .. قال .. بل أنت مريض وسوف نرسلك الى القص العينى للعلاج .. لم احر جوابا .. وفى اليوم التالى أرسل الى طبيب السجن .. وسألنى .. أنت مريض ؟ قلت له : لا .. قال : بل أنت مريض وسوف نرسلك الى القصر العينى .. شاع الخبر فى السجن .. وكثر التعليق .. قال البعض ابعاد . وقال البعض توطئة للافراج .. والله أعلم بذات الصدور

نبأ افراج .. لا أقبل

أرسل الى ضابط المباحث العامة وقال لى : أنا آسف .. لن أستطيع الافراج عنك .. فى عيد الثورة القادم .. قلت له .. ولم أطلب منك الافراج .. قال : كنت أتمنى خدمتك .. ولكن تقرر الافراج عن ستة .. لست منهم . قلت : كل شىء عند الله بمقدار .. وانصرفت .. وبعدها بأيام .. أرسل الى .. وعانقنى . وقال . مبروك . قلت له ماذا . قال .

تقرر الافراج عنك .. قلت : بعفو نصف المدة .. أم بعفو عام .. قال : بعفو نصف المدة .. قلت : أرجو أن تبلغ رفضى لهذا الافراج .. قال : لماذا ؟ قلت :

لا أقبل بعد كل هذا أن أتساوى مع المجرمين .. وأن أخرج من السجن لأوضع تحت رقابة " مخبر " أو شرطى .. قال مبتسما .. طيب هو عفو عام .. وحضر رئيسه فى اليوم التالى .. ةوتكررت المناقشة .. وهكذا قررت أن أخرج من السجن .. لأبدأ باذن الله .. مرحلة الجهاد جديدة .. وعلى الله قصد السبيل ,, " 17 يوليو سنة 1973 "

هذه الوثيقة

لا أملك التعليق عليها .. وأنا طرف فيها .. لكنى أترك لما أحدثته .. التعليق عليها .. نشرتهل صحف مصر كلها .. فى يوم واحد .. فى الصفحة الأولى . نقلتها ثلاثة وكالات أنباء : رويتر يونيتدبرس , اسوشيتدبرس .. أذاعتها اذاعات عالمية .. طلبتها جهات عديدة : أذكر منها رئيس هيئة المحلفين بطنجة لتوزيعها على القضاة ..

للاستفادة والاحتذاء بها فى أحكامهم . طلبتها منظمة اتحاد الشباب المغربى وجاء فى خطاب رئيس المنظمة " أحمد صدقى الادريسى " " وان ذلك القرار القضائى " يقصد الحكم " ليعبر أيما تعبير عن سمو القضاء واستقلاله بالقطر المصرى الشقيق " نشرتها داراللواء بالمملكة الأردنية مجانا ووزعت منها عشرة آلاف نسخة .. هذا .

مدى علمى .. وقد يكون هناك غيره .. أما رد الفعل عند الهيئات القضائية والجامعية والشعبية .. فامسك عن تصويره حتى لا أنزلق الى التعليق الذى منعت نفسى منه فى بداية هذه الكلمات .. وأخيرا .. فخير تعليق .. هو ما يقوله القارىء بعد أن يقرأ سطورها وما وراء سطورها .

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

باسم الشعب

محكمة جنوب القاهرة الابتدائية

الدائرة " 6 " مدنى كلى

بالجلسة المدنية المنعقدة علنا بسراى المحكمة يوم الأحد الموافق 30 مارس سنة 1975 م الموافق 17 ربيع أول 1395 .. تحت رئاسة السيد الأستاذ – محمود عبد الحافظ هريدى رئيس المحكمة .. وعضوية السيدين محمود نصار وأحمد السعيد عابد القاضيين .. وبحضور السيد – محمود مصطفى الصاوى أمين السر ..

صدر الحكم الآتى

فى القضية المدنية المرفوعة من : المستشار على محمد سيد أحمد جريشة المقيم برقم 5 شارع الحريرى قسم المطرية ومحله المختار مكتب عبد القادر شاهين المحامى بالقاهرة .

ضد

1- السيد –وزير الحربية .. ثم فى الدعوى الفرعية المقامة من : السيد – وزير الحربية بصفته وموطنه القانونى قلم قضايا الحكومة .

ضد

1- السيد – شمس الدين بدران 59 شارع يوليو بالزمالك قسم قصر النيل ..

2- ورثة المرحوم اللواء حمزة حسين البسيونى وهم : (1) زينب مصطفى ترزاكى بشارع رمسيس رقم 48 قسم مصر الجديدة ..

3- ورثة اللواء سعد زغلول عبد الكريم وهم : ( 1) بسيمة محمد حسين لطفى عن نفسها وبصفتها وصية على ابنها القاصر طارق 8 شارع دكرنس قسم مصر الجديدة . ( ب) محمد سعد زغلول عبد الكريم بالعنوان السابق

4- عقيد بالمعاش حسن على خليل 1 شارع أوزوريس قسم قصر النيل بالقاهرة .

5- رائد بالمعاش حسن كفافى بشارع طنطا رقم 4 قسم العجوزة محافظة الجيزة .

6- ملازم شرف – محمد صفوت خليل الروبى بالجيش الثالث الميدانى ويعلن بواسطة النيابة العامة .. الواردة بالجدول لسنة 1974 برقم 12 مدنى كلى جنوب القاهرة ..

المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا .

حيث ان الوقائع تخلص أن المدعى أقام دعواه بصحيفتها المعلنة بتاريخ 10-1-1974 ضد السيد وزير الحربية وآخرين طالبا فى ختامها الحكم بالزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ ثلاثون ألف جنيه مع تحملهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بغير كفالة شارحا دعواه بأنه بتاريخ 24-8- 1965 وقت أن كان نائبا بمجلس الدولة ألقى القبض عليه دون اتباع الاجراءات القانونية واهدارا للحصانة التى يتمتع بها بحكم عمله بوظيفته القضائية وبغير مراعاة للضمانات التى يوفرها قانون مجلس الدولة له .

ورغم أنه من المدنيين الا أنهم ساقوه الى السجن الحربى , وداخله أنزلوا أشد ألوان العذاب وأقصى طرق التعذيب حتى استكتبوه مذكرة بموقفه من جماعة الاخوان المسلمين واستمر تعذيبه الى أن بدأت نيابة أمن الدولة التحقيق معه فى 5 – 12- 1965 وبتاريخ 7 فبراير سنة 1966 وفى ظل الرهبة الناتجة من الارهاب والقتل والتمثيل بالجثث وهتك الأعراض نبهوا عليه بأنه سينقل الى مبنى مجلس قيادة الثورة

وعليه أن يقد استقالته من وظيفته القضائية وأنه سيعود الى السجن الحربى أثر ذلك فاضطر الى تنفيذ ما أمر به وهناك قدم استقالته ثم قدم للمحاكمة أمام محكمة أمن دولة عليا بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة اثنى عشر عاما واستطرد المدعى الى أنه لما كان فيما اتخذه ضده من اجراءات القبض والتعذيب ما يخل بضمانات رجال القضاء فضلا عما فيه من اهدار لكرامته كانسان , ولما قاساه من آلام مادية ونفسية نتيجة تعذيبه فلكل هذه الأضرار

– والتى لا يمكن تقديرها بمال – فانه يكتفى بالمطالبة بثلاثين ألف جنيه وانتهى الى طلباته سالفة البيان .

ثم ترك الخصومة بالنسبة له عدا المدعى عليه الأول وزير الحربية بصفته الذى حضر عنه من يمثله ودفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة وبسقوط الحق فى اقامة الدعوى بالتقادم الثلاثى .

وحجزت الدعوى للحكم وتناولت المحكمة الدفعين وبحثت أساس المسئولية الموجب للتعويض طبقا للمادة 163 مدنى ومسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع وطبقا للمادة 174 مدنى وبنيت أنه يكفى فى مساءلة المخدوم مدنيا أن يثبت أن الحادث تسبب من خطأ الخادم ولو تعذر تعيينه من خدمه ووجدت أن أوراق الدعوى خلت من بيان وقائع التعذيب التى ذكرها المدعى فقضت المحكمة بجلسة 26- 5- 1974

باثبات ترك المدعى الخصومة قبل المدعى عليهما الثانى والثالث وبرفض المبدى من المدعى عليه الأول بعدم قبل الدعوى لرفعا على غير ذى صفة وبقبولها وبرفض الدفع بسقوط الحق فى اقامة الدعوى بالتقادم الثلاثى ثم قضت قبل الفصل فى الموضوع باحالة الدعوى الى التحقيق ليثبت المدعى بكافة وسائل الاثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن أنه أثر القبض عليه

وأثناء ايداعه السجن الحربى تعرض للتعذيب بالضرب بالسياط حتى تمزقت جلود يديه وقدميه كما وقع عليه تهديد بمس العرض والشرف وأن ذلك التعذيب قد سبب له أضرارا مادية وأدبية تتكافأ مع مبلغ التعويض المطالب به المدعى عليه النفى بذات الطرق ..

وبجلسة 16-6-1974 قدم المدعى تقريرا طبيا من الدكتور عبد الله الفقى يؤكد وجود آثار تعذيب بجسده وتقريرا آخر كسابقه وخمس صور شمسية تظهر آثار التعذيب على جسمه .

شهادة نائب رئيس الوزراء

وبجلسة 8-12- 1974 تنفذ حكم التحقيق فأشهد المدعى ستة شهود فشهد أولهم وهو السيد كمال رمزى ستينو بأنه عام 1964 كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للتموين والتجارة الداخلية وقد ثار تشكيك فى بعض أعمال موظفى وزارة التموين وموظفى القطاع العام فاتفق مع السيد على صبرى رئيس الوزراء

وقتها على تكوين لجنة يرأسها أحد رجال القضاء للتحقيق فيما نسب الى هؤلاء الموظفين لمعرفة الحقيقة وتوقيع الجزاء المناسب على من يثبت ضده اتهام أو تقصير فتم ترشيح المدعى لرئاسة هذه اللجنة وبالفعل تولى عمله وباشر تحقيق بعض القضايا .

وفى يوم أخبره المدعى أن رجال الشرطة العسكرية طلبوا منه اطلاعهم على ما أجراه من تحقيقات وأفادتهم عما اذا كن هو يتدخل ويعدل من قرارات اللجنة الذى ينتمى اليها فأطلعهم على التحقيقات ونفى لهم تدخله فيها أو فى القرارات التى تتخذها اللجنة .

ولما كانت هناك حملة تشكيك ضده ورغبة ومحاولة للوقيعة به بالحق أو بالباطل فقد حضر رجال الشرطة العسكرية فى المساء واقتحموا غرفة التحقيق وكسروا بابها واستولوا على ما بها من قضايا وتحقيقات .

وبعد ثلاثة أيام حضرت اليه فى مكتبه بالوزارة زوجة المدعى وأخبرته بأنه قبض على زوجها وأنها تعتقد أن القبض عليه بسبب عمله معه وعدم استجابته لدعوة التلفيق ضده فقابل السيد وزير العدل وأخبره بواقعة كسر غرفة القضايا بالوزارة والقبض على المدعى وهو أحد رجال القضاء واذ به يفيده بأنه لا يعلم عن الأمر شيئا , فاستنكر أن يقبض على أحد رجال القضاء دون علمه فأخبره أنه سيتحرى الأمر .

ثم عاد واتصل به وزير العدل وأخبره أن القبض على المدعى لم يكن بسبب قضايا التموين ولكن لصلته بالاخوان المسلمين . وعلق الشاهد أنه لم يرتح لهذا الاتهام الذى نسبوه الى المدعى لأنه كان غير متعصب وانما رجال الشرطة العسكرية والمخابرات ابتدعوا هذا الاتهام انتقاما منه لعدم مطاوعتهم للقيام بالدور الذى طلبوه منه فى التموين ,

ولما كان قد تم القبض أيضا على أحد تجار الفاكهة الذين يتعاملون معهبصفة شخصية بشراء ناتج حديقته ووضعوه فى ثكنات مصطفى باشا بالأسكندرية قام بابلاغ الرئيس عبد الناصر بما يدبر له وبالقبض على المدعى وذكر الشاهد أن النظام وقتها كان يتبع أسلوب الاعتقال والحبس فى السجن الحربى والتعذيب نفسيا والتجويع والحبس الانفرادى وأنه فى ثكنات مصطفى كامل بالأسكندرية كانوا يقومون بتعليق المعتقلين بأماكن معلق فيها هياكل بشرية بين صيحات وصراخ المسجونين والكلاب المسعورة ..

مذبحة تتواضع أمامها جميع المذابح ..

وشهد الشاهد الثانى سيد أحمد محمد بأنه جاء يشهد على مذبحة تتواضع أمامها جميع أنواع المذابح التى حصلت وسوف تحصل فى التاريخ وأنه كان ضابطا بسلاح المدرعات وفى الساعة الواحدة صباح يوم 2-9-1965 زاره العقيد محيى الدين العشماوى أحد ضباط المباحث العسكرية وهو صديق له ..

فاستقبله ظنا منه أنه يقصده لحاجة خاصة فطلب منه أن ينزل معه واذ به يقوده الى السجن الحربى والذى يصر الشاهد على أن يطلق عليه " باستيل مصر الرهيب "

واذ به يفاجأ وكأنه على أرض معركة والجثث داخل السجن ملقاة على الأرض الملونة بالدماء وأنه يكاد يكون قد وطأ بعض هذه الجثث واذ به وسط صراخ وأنين ونباح كلاب واقتادوه الى غرفة عمليات السجن وهى غرفة مفتحة الآبواب وقد علق فيها البشر كالذبائح وقد تولى كل ذبيحة أربعة يلهبونها بالسياط والمعذبون يستجيرون بالله سبحانه وتعالى .

وكلما تمزقت السياط فى أيديهم أبدلوها بغيرها جديدة . ثم أدخلوه غرفة يمثلون فيها بالجثث واستمر فيها هكذا بين المآسى من الساعة الواحدة صباحا حتى الواحدة مساء اليوم التالى حتى استدعوه لمقابلة رئيس الشرطة العسكرية سعد زغلول عبد الكريم ورئيس المباحث العسكرية حسن خليل وكان معهم حسن كفافى فسألوه عن صلته بالمدعى فقرر أنها صلة صداقة بحكم جيرته له ولا يعرف عنه ما يؤخذ عليه – فقرروا له أن المدعى سأله عما اذا كان من الممكن القيام بانقلاب عسكرى ؟

فنفى لهم هذا واذ برئيس الشرطة العسكرية يهذذه بأنه اذا لم يشهد فانه غير مسئول عنه وأنه سيعامل مثل من يشاهد تعذيبهم فلما صمم على قول الحق طلبوا احضار المدعى لمواجهته فأحضروه داخل الغرفة الا أنه

– ويصر الشاهد على ان يعيد قسمه بالله – لم يعرفه منذ النظرة الأولى اذ كان مهلهل الثياب حافى القدمين وملطخا بالدماء قد غطت الاصابات وجهه فلم يتعرف عليه الا بعد ان أطال النظر فيه وبعدها سأل المدعى عما نسبه اليه فنفاه واذ بزبانية جهنم " على حد تعبير الشاهد "

تنهال على المدعى ضربا حتى يسقط على الأرض فيرفعونه لعدم استطاعته الوقوف ويعاودون ضربه فيسقط ةهكذا كلما ضربوه سقط وكلما سقط رفعوه وكلما رفعوه ضربوه فيسقط الى أن قرر لهم أنه سأله .

فصرفوه ملاحقا بالسياط وأرسلوه هو الى ادارة المخابرات الحربية ثم أعادوه مرة أخرى الى السجن الحربى ليقاسى التعذيب المرير الذى كان يبدأ يومها من الساعة الرابعة صباحا فيساق المسجونون بالسياط الى دورات المياه التى لا يسمح للفرد بالبقاء بها لقضاء حاجته الا ثوان معدودة يقومون فيها بكنس أفنية السجن بأيديهم وكان المدعى معهم فى هذه الأيام وقرر الشاهد أن الاعتداء على المدعى وقع أمامه وفى حضور العميد سعد زغلول وحسن خليل وحسين كفافى وان أشخاصا من العسكريين كانوا ينهالون بالضرب بايديهم وبأرجلهم على المدعى وكما وقع اعياء رفعوه ليضربوه وهم يسبونه بألفاظ يعف اللسان عن ذكرها .

حمزة البسيونى يطالب المدعى بالاستقالة

وشهد الشاهد الثالث إبراهيم منير بأنه اعتقل بناء على أمر المباحث العسكرية فى 25-8-1965 وترحل فى ذات اليوم الى السجن الحربى وزجوا به فى زنزانته تركوه فيها ثلاثة ايام دون أى اجراء أو مقابلة لآحد من المسئولين فى السجن وفى منتصف الليل فتحوا الزنزانات وطلبوا ممن فيها النزول للتتميم وتسجيل أسماءهم فلما تأخر سجين الزنزانة رقم 49 المجاورة لزنزانته عن الوصول هم العساكر للصعود اليه لضربه أمام وبحضور الرقيب صفوت الروبى الذى كان يعرف هذا السجين ثم شاهد شخصا ينزل زاحفا على أربع ركبتيه وكوعيه وهو يصرخ ويئن اثناء نزوله سلالم السجن الحربى الخرسانية المرهقة للشخص السليم العادى وكان كلما سجل سجين اسمه اعتدى العسكرى عليه بضربه على أية صورة وكان مجرد الالتفات مدعاة لضرب السجين وبعد الانتهاء من تسجيل الأسماء طلب منهم الصعود الى زنزانتهم فصعد نزيل الزنزانة 49 بنفس الطريقة التى نزل بها زاحفا على أربع واستقر هو فى زنزانته بدون طعام ولا شراب ولا تحقيق وكان يسمع حركة ومناداة على جاره شاغل الزنزانة 49 فعلم أن اسمه على ..

وبعد خمسة عشر يوما تقريبا فتح عليه زنزانته الشرطى سراج وأمره بتنظيف الزنزانة 49 لعدم قدرة شاغلها على ذلك اذ كلن مصابا بجروح واضحة وكان يقوم بتفريغ أوعية قضاء حاجته تحت مراقبة الشرطى الحارس الذى ما كان يسمح لهما بالحديث مع بعضهما وبعد أيام وفى غفلة من الحارس سأله عن اسمه فلم يذكر له سوى اسمه الأول " على " ولم يستطع تكملة باقى اسمه خوفا من الشرطى ولم يعلم باقى اسمه الا بعد ثلاثة أو أربعة أيام أثناء الفرصة التى يغفل فيها الحارس عن المراقبة .

وشهد الشاهد بأنه م يكن فى زنزانة المدعى لا ماء ولا أكل وكانوا يطلبونه للتحقيق باستمرار رغم عدم استطاعته الحركة وذلك لأن رجال المباحث العسكرية كانوا يرهبون به المعتقلين بأنه وهو قاضى يقومون بتعذيبه واستمر يقوم بتنظيف زنزانة المدعى فترة ثلاثة شهور فى شدة الحر محرومون من الماء والأكل محدود والضرب مستمر .

ثم شاهده فى يوم يلبسونه بدلة مزرية ويقوم وهو يتألم من شدة الضرب بغسل حذاء وهو يبكى وانتهز فرصة انشغال الحراس وأخبره أنه سيقتادونه لتحرير استقالته فلما عز ذلك عليه قال له الشاهد " حمزة البسيونى أمرنى بذلك وأنت عارف مصيرى لو رفضت " ثم تركه مسرعا بعيدا عنه واستمر التعذيب والضرب وابتكروا عملية غسيل المخ وأن المسجونين تحت تأثير الضرب بالكرابيج والأيدى ورغم الجروح التى كانت تعوقهم حتى عن الحركة العادية كانوا يندفعون فى الجرى فى الطوابير .

ثم قدم آخرون بينهم المدعى للمحاكمة أمام محكمة عسكرية ولم يستطع الدفاع عن نفسه لأن أى خروج عم الخط الذى ترسمه لهم المباحث العسكرية كان رئيس المحكمة الفريق على جمال الدين يرفع الجلسة فيعودون بهم اى السجن الحربى ويخلعون عنهم ملابسهم ويضطروهم الى الجرى المستمر تحت تأثير الضرب بالسياط .

أمر الرئيس بتعذيب المدعى

وكانت عملية التعذيب هذه تتكرر يوميا قبل الجلسة ولما حاول أحد المسجونين المتهمين يدعى منصور عبد الظاهر الاشارة الى ظروف التحقيق غضب رئيس المحكمة الفريق على جمال غضب وثار ورفع الجلسة واستمر تعذيب جميع المهتمين بالضرب بالكرابيج وهم عراة وبالصفعات وبالأرجل وبمنع الماء واضطرارهم الى الجرى مدد طويلة أو الزحف وبالتجويع والعطش وقرر الشاهد أن المدعى كان دائما محل اعتداء رغم أنه كان يزحف على ركبتيه وكوعيه وأن الضرب بالأقلام كان شيئا معتادا وأنه كان مليئا بالدم وكانوا يتعمدون تخويف المتهمين به على أساس أنه قاضى يتمتع بالحصانة الا أن هذا لم يشفع له

ثم شرح الشاهد قسوة الطوابير باجبارهم على الجرى سريعا ليلاحقوا أحد العساكر يتقدمهم ليجرى بآخر سرعة ومن يتخلف عن ملاحقته كان يجلد بعشرة كرابيج على الأقل ويتبدل العسكرى كل عشرة دقائق بينما هم يعانون الجرى لمدة ثمانى ساعات يوميا وكانوا يجبرونهم على كنس أرض السجن بأيديهم رغم عدم وجود ما يستحق كنسه وقرر أنه شاهد تعذيب المدعى وأنه كان يعلق عاريا تماما وأن الذين كانوا يقومون بالضرب والتعذيب صفوت الروبى والعسكرى سراج ورشاد ومحمد خاطر ومن الضباط احسان العجاتى وحسن خليل وشمس بدران وحمزة البسيونى وغيرهم وكان حمزة البسيونى يهددهم بالابادة وبأنه لا يخاف على حد تعبيره من

" وكيل النيابة " اللى يحقق معايا وأنا هنا كل شىء .. أنا المأمور ووكيل النيابة والقاضى والطبيب الشرعى , ثم يعتدى عليهم لتأكيد سيادته ..

وشهد الشاهد الرابع عبد المنعم خليفة محمد بأنه بتاريخ 30-8-1965 ساقوه معصوب العينين الى السجن الحربى وكان مملوءا بالصراخ والعويل والآهات وبعد رفع العصابة عن عينيه شاهد أناسا معلقة وحولها أشخاص يضربونهم بالسياط وفى التحقيق سألوه عن المدعى فقرر نعرفته له ثم أمر حسن كفافى باحضار المدعى أمامه ليراه ويرى ما فعلوه به تهديدا له بأن لم يتكلم سيمثل به ثم اقتاده فشاهد المدعى جالسا القرفصاء ثم خاطبه حسن كفافى قائلا يسبه البيه ابن ..

" كلمة نابية تراجع فى محضر التحقيق " القاضى خليه يهبهب زى الكلب " فاضطر المدعى وكان كل جسده اصابات وفى رجليه " الى تقليد نباح الكلب ثم طلب حسن كفافى منه " أى من الشاهد " ذكر أقوال عن المدعى فلما رفض علقوه عى طريقة الجزارين وانهالوا عليه ضربا بالكرابيج ثم قادوه ومعه المدعى الى مكتب شمس بدران الذى قال لهما أن امرا صدر اليه من الريس بتعذيب على جريشة حتى الموت ..

ثم استدعوه والمدعى للتحقيق فلما أجاب بما لم يرق حسن كفافى وحسن خليل قالا " علقوا البيه القاضى ذات اللفظ النابى يراجع فى محضر التحقيق اللى بيقول علينا احنا ما عندناش ضبطية قضائية ولا نستطيع اصدار حكم " فعلقوه وضربوه على اصاباته القديمة وكانت هناك سيدات يعلقونهن ويضربونهن وهددوا المدعى باحضار زوجته وأصهارهم وذكر على سبيل المثال الشيخ محمد عبد المقصود الذى أحضروا زوجته وبناته وأزوجهم وزوجات أولاده وكذلك المستشار مأمون الهضيبى الذى أحضروا زوج ابنته وأخواته البنات ووالدته .

بعد ستة أشهر عرف مكان اعتقاله

وشهد الشاهد الخامس سيد أحمد جريشه أنه أثناء اعتقال أخيه المدعى حضر اليه اثنان من المباحث العسكرية وسألاه بالذات عن عنوان زوجة المدعى فأرشدهم اليه وتوجها عدة مرات اليها فلم يجداها وبعد ستة شهور عرف مقر أخيه بالسجن الحربى وسمح له بارسال ملابس داخلية فلما سلم حرس السجن الملابس الجديدة وأعطوهم المستعملة وجدها تقطر ماء وتفوح منهارائحة العرق وعليها آثار دماء وصديد ثم اقتحمت المباحث العسكرية سكنه وظلوا قابعين به الأمر الذى أصاب زوجته بانهيار ما زالت تعالج منه وانه سمع من أناس وثيقى الصلة بالسجن الحربى عما يدور بداخله من تعذيب للمسجونين مثل الكى بالنار وقد ذكر له أحد أقارب المسجونين أن صفوت الروبى خرج وبيده كرباج مملوء بالدم منذرا بضرب الزائرين كما يضرب المسجونين .

كما شهد الشاهد السادس محمد جلال عبد المنعم أنه شقيق زوجة المدعى وأن رجال المباحث العسكرية كانوا يتعقبون زوجة المدعى الا انه أخبرهم أنه لا يعرف مكانها وانه كان يستلم الملابس الخاصة بالمدعى لاستبدالها فكان يشاهدها ملوثة بالدم والصديد وحيث ان المدعى عليه لم يشهد أحدا .

وحيث ان المدعى عليه بصفته قام بادخال كل من شمس بدران وورثة سيد حمزة البسيونى وورثة سعد زغلول عبد الكريم وحسن على خليل وحسن كفافى ومحمد صفوت الروبى تأسيسا على أنهم هم الذين ارتكبوا الخطأ فى حق الدعوى الأصلية والذى يطالب بالتعويض عما فعلوه كتابعين له طبقا للمادة 1274 مدنى ولما كانت المادة 175 مدنى تقرر الحق للمتبوع فى الرجوع على تابعه مقترف الخطأ الذى أحدث اضرر رجوع الكفيل المتضامن على المدين الذى كفله وأنه مسئولا عنه وليس مسئولا معه فانه يطلب الحكم عليهم من مالهم الخاص وعلى وجه التضامن فيما بينهم ما عسى أن يقضى به عليه بصفته فى الدعوى الأصلية مع الزامهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .

وحيث ان المدعى قدم مذكرة علق فيها شهادة الشهود وأنهم شهود عدول وشهود رؤيا بصدق عما رأوه وان المدعى عليه فى الدعوى الأصلية مسئول عن الضرر الذى تابعه بعمله غير المشروع طبقا للمادة 174 مدنى فضلا عن المادة 57 من الدستور الدائم تؤكد التزام الدولة بتعويض عادل لكل من أصيب باعتداء على حريته الشخصية

دفاع متهافت ..

وحيث ان السيد وزير الحربية المدعى عليه فى الدعوى الصلية قدم مذكرة قرر فيها أن احدا من شهود المدعى لم يشهد على واقعة تعذيبه وان زحف المدعى على ركبتيه وكوعيه قد يكون لمرضه وبذلك يكون المدعى قد عجز عن اثبات التعذيب وتكون الدعوى قد أقيمت على أساس غير سليم خليقة بالرفض وناقش على سبيل الاحتياط التعويض مقررا أن ضررا ماليا لم يصب المدعى طالما أن واقعة التعذيب لم تثبت لو ناه ضرر لأبلغ عنه حتى حينه فى حين أن أوراق التحقيقات معه خالية من تبليغه أما الضرر الأدبى والذى يؤسسه المدعى على أنه قبض عليه دون اتباع للاجراءات القانونية فقد قضت محكمة أمن الدولة فى كل هذه الأمور ولا يجوز المطالبة بتعويض عن تنفيذ حكم وانتهى الى طلب الحكم برفض الدعوى الأصلية ,

أما بالنسبة للدعوى الفرعية فان محدثى الضرر بفرض حدوثه قد أحدثوه بخطأهم وهم تابعون له وكان ذلك اثناء تأدية عملهم فانه يحق له الرجوع عليهم بما عسى أن يحكم به عليه طبقا للمادة 175 مدنى وانتهى بطلب الزام المدعى عليهم فى الدعوى الفرعية بما عسى أن يحكم به عليه مع الزامهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة كما قدم المدعى عليه فى الدعوى الفرعية حسن كفافى مذكرة أنكر فيها ما نسب اليه وأن المدعى عليه غير صادق فيما ادعاه من وقوع تعذيب عليه

وأن المدعى ادعى ذلك عى جهات كثيرة وهو غير صادق فيما ادعاه وانه مغامر سياسى متآمر على قلب نظام الحكم وأن تعويضه يكون قبل الدولة التى اختصر المدعى على اختصاصها وحدها دونه فضلا عن أنه كان فى حالة لا تمكنه من مناقشة الأوامر الصادرة اليه وهو رجل عسكرى وانه الحق بالأعمال الادارية دون سواها وانه قد رفع معاشه فضلا عن أن خطأ فى جانبه لم يحدث وانتهى الى طلب الحكم أصليا برفض الدعوى الأصلية وبالزام رافعها بالمصروفات واحتياطيا برفض الدعوى الفرعية وبالزام مدعيها بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة فى الحالتين وقدم اثباتا لدفاعه حافظة مستندات حوت على :

بيانات من ادارة شئون الضباط وانه مارس أعمالا ادارية طوال مدة خدمته وحتى انتهائها فى 12-8-1967 .

2- كتاب من ادارة شئون الضباط بتصديق السيد رئيس الجمهورية على زيادة معاشه 200 مليم و91 جنيه اعتبارا من 15-9-1974 كما قدم ورثة اللواء سعد زغلول عبد الكريم مذكرة كسابقتها وبذات الدفاع والطلبات ثم قدم وكيل المدعى عليه فى الدعوى الفرعية حسن على خليل طلبا بفتح باب المرافعة قدمه للمحكمة بتاريخ 23-3-1975 ذكر به بأنه وكل حديثا فى الدعوى وحضر عن موكله بجلسة 2-3-1975

وطلب أجلا للاطلاع وقررت المحكمة حجز الدعوى لآربعة أسابيع مع التصريح بالاطلاع وتقديم مستندات ومذكرات لمن يشاء بالايداع فى ثلاثة أسابيع تنتهى فى 23-3-1975 ولكنه لم يجد ملف الدعوى بعد ايام قليلة من القرار بالتحديد قبل مضى أسبوع واحد على الجلسة الأخيرة مما لم يتمكن معه من أداء واجبه وابداء أوجه دفاعه التى يشير الى بعضها ومنها الدفع بسقوط الحق فى اقامة الدعوى من جانب وزارة الحربية ضده بزعم أنه مسئول عن الضرر

وأن وقائع التعذيب وقعت بالسجن الحربى ولم يكن من رجال السجن الحربى ولم يكن صاحب السلطة العليا عليه وان السجن الحربى وحدة مستقلة بذاتها وله قائد مسئول وانه كان وقتها يعمل رئيسا لفرع المباحث الجنائية العسكرية احدى فروع الشرطة العسكرية وهى وحدة قائمة بذاتها وان لم يشهد أى شاهد فى التحقيق الذى أجرته المحكمة

بأنه ساهم فى تعذيب المدعى وأن الشهود الذين شهدوا كلهم من ذوى المصالح والاغراض وبطلان صحيفة توجيه دعوى الضمان الموجهةمن الحكومة ضده لعدم تحديد الوقائع المشتملة لركن الخطأ مما يبطلها وعدم قبول دعوى الضمان الفرعية لرفعها من غير ذى صفة لأن وقائع التعذيب سنة 1965 كانت القوات المسلحة ومن بينها ادارة الشرطة العسكرية كانت منفصلة تماما عن وزارة الحربية . وظلت كذلك حتى سنة 1967

وان تنازل المدعى فى الدعوى الأصلية عن مخاصمة من سوى وزارة الحربية يدل على انها هى وحدها المسئولة دونه ودون زملائه وانتهى الى طلب فتح باب المرافعة فى الدعوى الفرعية كما قدم وكيل المدعى عليه فى الدعوى الفرعية شمس بدران طلبا بتاريخ 27-3-1975 ذكر به انه وكل حديثا وانه يطلب اعادة الدعوى الى المرافعة ليتمكن من تأدية واجبه .

وحيث ان الثابت ان المحكمة أتاحت للجميع فرصة الاطلاع وتقديم المستندات والمذكرات لمدة ثلاث أسابيع وقد قدم اثنان من المدعى عليهما فى الدعوى الفرعية مذكرتين وافيتين وهما ورثة سعد زغلول ابراهيم وحسين كفافى أما ما يذكره وكيل حسن على خليل من انه بعد صدور حجز الدعوى للحكم بايام لا تتجاوز الاسبوع أن يلجأ الى المحكمة وكان أمامه فسحة من الوقت تزيد عن الاسبوعين أن يلجأ الى المحكمة وأن يبلغها بسبب منعه من الاطلاع أما أن يدعى ان الوقت المحدد للاطلاع وتبادل المذكرات ومدته فسيحة ..

ينقضى ثم يطلب فتح باب المرافعة فهو اجراء يدل على القصد المبيت لتعطيل الفصل فى الدعوى فلا تلتفت المحكمة الى طلبه الا انه وقد اشار الى اوجه دفاعه فان المحكمة ستقوم بالاشارة ايضا الى الرد عليها فبالنسبة لطلبه الدفع بسقوط الحق فى اقامة الدعوى من جانب وزارة الحربية ضده فان وزارة الحربية وهى متبوعة والمتبوع فى مركز الكفيل الضامن لتابعه فان حق الضامن فى الرجوع على المدين لا ينشأ الا من تاريخ وفائه الدين المضمون بشرط أن لا يكون الدين الأصلى قد سقط بالتقادم ومن تاريخ نشوء هذا الحق للضامن نتيجة وفائه للمدين تبدأ مدة التقادم بالنسبة لمدة المضمون

" نقض رقم 73 سنة 22 ق جلسة 19 -5-1955 " وعلى ذلك فانه وان كان للمضرور حق اختصام المتبوع والتابع وكان للمتبوع أن يوجه دعوى الضمان الفرعية الى تابعه مرتكب الخطأ الا أن حق المتبوع فى اقتضاء دينه مدة التقادم بالنسبة لمدينة المضمون ولما كان الدين الأصلى لم يسقط كما قضت المحكمة مسبقا ومما استنفدت المحكمة ولايتها فى العودة الى بحثه فان الدفع بالسقوط لن يسعفه .

أما من ناحية تبعيته وتبعية السجن الحربى والشرطة العسكرية وكلها تقسيمات ادارية لا تحول دون أن يمثلها كلها وزير الحربية طبقا لقانون المرافعات فهى ليست جهات مستقلة انما كلها تابعة للدولة وكل وحداتها تابعة لوزارة الحربية ولا ترى المحكمة فى طلب فتح باب المرافعة ما يستوجب اجابته ..

بل نقذف بالحق على الباطل ..

كما قدم المدعى فى الدعوى الأصلية مذكرة رد فيها على مذكرة ورثة سعد زغلول ابراهيم بالنسبة لما أثير فيها عن الحكم الجنائى رقم 12 سنة 1965 أمن دولة عليها مقررا أنه صدر منعدما وله ان يتمسك بهذا الانعدام دون حاجة الى صدور حكم قضائى بهذا ولكن المحكمة الادارية العليا حكمت بالغاء قرار قبول استقالته من مجلس الدولة ولما كان الحكم كاشفا يرتد الى تاريخ الاستقالة فانه يعتبر مقدما للمحكمة الجنائية وهو متمتع بالحصانة القضائية وانه حوكم دون استئذان الجهة القضائية التابع لها ثم نعى على مقدمى المذكرة ما أوردونه بمذكرتهم من تجريح له فى كرامته وتجريح للشهود .

وقدم حافظة مستندات حوت كتابا من تأليف أحمد رائف بعنوان " البوابةالسوداء " التاريخ السرى للمعتقل .

مكافحة الإخوان المسلمين

وقدم صورة عرفية من تقرير يقرر المدعى أنه عرض على رئيس الجمهورية السابق هذا نصه : تقرير اللجنة المؤلفة برئاسة السيد زكريا محيى الدين رئيس الوزراء بشأن القضاء على تفكير الإخوان المسلمين : بناء على أكر السيد الرئيس جمال عبد الناصر بتشكيل لجنة عليا لدراسة واستعراض الوسائل التى استعملت والنتائج التى تم الوصول اليها بخصوص مكافحة الإخوان المسلمين بالمخابرات والمباحث العامة لبلوغ هدفين :

1- غسل مخ الإخوان المسلمين من أفكارهم .

2- منع عدوى أفكارهم من الانتقال الى غيرهم .

اجتمعت اللجنة المشكلة من : 1

- سيادة رئيس مجلس الوزراء .

2- السيد قائد المخابرات العامة .

3- السيد قائد المباحث الجنائية العسكرية .

4- السيد مدير المباحث العامة .

5- السيد مدير مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر .

وذلك فى مبنى المخابرات العامة بكوبرى القبة :

عقدت عشرة اجتماعات متتالية وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والاحصائيات السابقة أمكن تلخيص المعلومات فى الآتى :

1- تبين أن تدريس التاريخ الاسلامى فى المدارس للنشء بحالته القديمة يربط الدين بالسياسة فى لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر مما يؤدى الى ظهور معتنقى الأفكار الاخوانية .

2- صعوبة بل استحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقى الأفكار الاخوانية وبسهولة فجائية تتحول الفئة الأولى الى الثانية بتطرف أكبر .

3- غالبية أفراد الإخوان عاش على وهم الطهارة ولم يمارس الحياة الاجتماعية الحديثة ويمكن اعتباره من هذه الناحية خام .

4- غالبيتهم ذو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل وقد أدى ذلك الى اضطراد دائم وملموس فى تفوقهم فى المجالات العلمية والعملية التى يعيشون فيها وفى مستواهم الفكرى والاجتماعى والعلمى رغم أن جزءا غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص فى دعوتهم المشئومة .

5- هناك انعكاسات ايجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم لعملية فى المحيط الذى يقتنع به .


6-تداخلهم فى بعذ ودوام اتصالاتهم الفردية ببعض وتزاورهم والتعارف بين بعضهم البعض يؤدى الى ثقة كل منهم فى الآخر ثقة كبيرة .

7- هناك توافق روحى وتقارب فكرى وسلوكى يجمع بين كل منهم حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم .

8- رغم كل المحاولات التى بذلت منذ عام 1936 لافهام العامة والخاصة بانهم يتسترون خلف الدين لبلوغ أهداف سياسية الا أن احتكاكهم الفردى بالشعب يؤدى الى محو هذه الفكرة عنهم رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .

9- تزعمهم حروب العصابات فى فلسطين سنة 1948 والقنال 1951 رتب أفكار الناس أنهم أصحاب بطولات عالية وليست دعائية فقط وان الاطماع الاسرائيلية والاستعمارية والشيوعية فى المنطقة لا تخفى اغراضها فى القضاء عليهم .

10- نفورهم من كل ما يناوىء فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأى سياسة خارجية سواء كانت عربية أو شيوعية أو استعمارية وهذا يوحى لمن ينظر لهم بأنهم ليسوا عملاء .

وبناء على ذلك رأت اللجنة أن الاسلوب الجديد فى المكافحة يجب أن يشمل أساسا بندين متداخلين هما :

1- محو فكرة ارتباط السياسة بالدين .

2- ابادة تدريجية بطيئة مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فعلا من معتنقى الفكرة .

ويمكن تلخيص الاسلوب الذى يجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين فى الآتى :

أولا : سياسة وقائية عامة

1- تغيير مناهج تدريس التاريخ الاسلامى والدين فى المدارس وربطها بالمعتقدات الاشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية مع ابراز مفاسد الخلافة وخاصة زمن العثمانين وتقدم الغرب السريع عقب هزيمة الكنيسة واقصائها عن السياسة .

2- التحرى الدقيق عن وسائل وكتب وندوات ومقالات الإخوان المسلمين فى كل مكان ثم مصادرتها واعدامها .

3- يحرم بتاتا قبول الإخوان وأقاربهم حتى الدرجة الثالثة من القرابة فى الانخراط فى السلك العسكرى أو البوليس أو المراكز السياسية مع عزل الموجودين من هؤلاء فى مثل هذه الوظائف أو نقلهم الى أماكن أخرى فى حالة ثبوت ولائهم .

4- مضاعفة الجهود المبذولة فى سياسة العمل الدائم على فقدان الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل وخاصة عن طريق اكراه البعض على كتابة تقارير بخطم ضد زملائهم ثم مواجهة هؤلاء الزملاء بهذه التقارير مع الحرص على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر .

ووجد أن الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا , ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء كثيرين منهم الا ان التضحية بهم خير من التضحية بالثورة على أيديهم فى يوم ما .

فلابد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلى :

- تغليق فرص الظهور والعمل امام المتدينين عموما فى المجالات العلمية والعملية .

- عزل المتدينين عموما من أى تنظيم أو اتحاد حكومى أو شعبى أو اجتماعى أو طلابى أو عمالى أو اعلامى .

- التوقف عن السياسة السابقة فى السماح لأى متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل حيث فشلت هذه السياسة فى تطوير معتقداتهم وسلوكهم وعدد بسيط جدا منهم هو الذى تجاوب مع الحياة الأوربية فى البلاد التى سافر اليها .

أما غالبيتهم فان منهبط منهم فى مكان ما بدأ ينظم فيه الاتصالات وصلات الجماعة والمحاضرات لنشر أفكارهم .

- التوقف عن سياسة استعمال المتدينين فى محاربة الشيوعيين واستعمال الشيوعيين فى محاربة المتدينين لغرض القضاء على الفئتين حيث ثبت تفوق المتدينين فى هذا المجال ..

ولذلك يجب أن نعطى الفرصة للشيوعيين لمحاربة المتدينين فى أفكارهم ومعتقداتهم مع حرمان المتدينين من المراكز الاعلامية ..

- تشويش الفكرة الرائجة عن نشاط الإخوان فى حروب فلسطين والقناة .

- تكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الانجليز بالهضيبي وقيادة الإخوان حتى يمكن غرس فكرة عن الجميع أنهم عملاء .

- الاستمرار فى سياسة محاولة الايقاع بين الإخوان المسلمين فى الخارج وبين الحكومات المختلفة وخاصة فى الدول الرجعية الاسلامية المرتبطة بالغرب وذلك بان يروج عنهم فى تلك الدول بانهم عناصر مخربة ومعادية لهم وبأنهم يضرون بمصلحتها وبهذا يسهل محاصرتهم بالخارج أيضا .

ثانيا " سياسة استئصال السرطان الموجود الآن

وبالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا وسجنوا فى عهد من العهود يعتبرون جميعا أنهم قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان فى الجسم ولا يرجى شفاؤه ولذلك يجرى عملية استئصالهم كالآتى :

المرحلة الأولى :

ادخالهم فى سلسلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم ويتبع ذلك اعتقالهم وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الاهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودورى حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد ويتكرر هذا وفى نفس الوقت لا يتوقف التكدير على المستوى الجماعى .

بل يكون ملازما بالتأكيد للتأديب الفردى .

وهذه المرحلة ان نفذت بدقة تؤدى الى :

بالنسبة للمعتقلين :

اهتزاز المثل والأفكار فى عقولهم وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم .

وبالنسبة لنسائهم سواء كن زوجات أو بنات فسوف يتحررن ويتعرضن لغياب عائلهن وحاجتهن المادية ستؤدى الى انزلاقهن .

بالنسبة للاولاد :

لغياب العائل وحاجتهن المادية فستضطر العائلات لوقفهم عن الدراسة وتوجيههم الى الحرف والمهن , وبذلك يخلو جيل المتعلمين القادم مما فى نفوسهم من حقد ويتخلص الأبناء من أفكار الآباء .

المرحلة الثانية :

اعدام كل من ينظر اليه بينهم كداعية ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون أو المعتقلات أو بالمحاكمة ثم الافراج عنهم على دفعات مع عمل دعاية اللازمة لانتشار أنباء العنف عنهم ليكون ذلك سلاحا يمكن استعماله ضدهم من جديد فى حالة العودة الى اعتقالهم حيث يتهمون بأى تدبير ويوصفون حينذاك بالجحود المنكر لفضل العفو عنهم وهذه المرحلة ان أحسن تنفيذها باشتراكها مع المرحلة السابقة فستكون النتائج كالآتى :

1- يخرج المعفو عنهم الى الحياة فان كان طالبا فانه يكون قد تأخر عن أقرانه ويمكن أن يفصل من دراسته ويحرم من تعليمه .

2- وأن كان موظفا أو عاملا فقد تقدم عليه وملاؤه وترقوا وهو فى مكانه .

3- وان كان تاجرا فقد أفلست تجارته ويمكن أن يحرم من مزاولتها .

4- وان كان مزارعا فلن يجد أرضا يزرعها فقد وقعت تحت الحراسة أو صدر قرار بالاستيلاء عليها .

وسوف تشترك جميع الفئات المعفو عنها فى الآتى :

1- الضعف الجسمانى والصحى والجرى المستمر للعلاج والشعور المستمر بالضعف المانع لأية مقاومة .

2- الشعور العميق بالنكبة التى جرتها عليهم دعوة الاخوان وكراهة الفكرة والنقمة عليها .

3- عدم ثقة كل منهم فى الآخر وهى نقطة لها أهميتها فى انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم .

4- خروجهم بعائلاتهم من مستوى اجتماعى معين الى مستوى أقل نتيجة لعوامل الاخطار التى أحاطت بهم .

5- تمرد نسائهم وثورتهن على تقاليدهم وفى هذا اذلال للضعف الجسمانى والمادى لا يمكن ابداء أى اعتراض من جانب الأزواج تجاه سلوك أزواجهم وبناتهم .

6- كثرة الديون عليهم لتوقف ايراداتهم مع استمرار المصروفات .

النتائج الجانبية لهذه السياسة هى :

1- الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرهم بمصير نظام الحكم القائم عقب التنفيذ سيشعرون

– أى الضباط والجنود

– انهم فى حاجة لهذا الحكم فيقومون بحمايته من أى عمل انتقامى قد يقوم به الإخوان للثأر .

2- اثارة الرعب فى نفس كل من تسول اليه نفسه بمعارضة فكرية للحكم القائم .

3- وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة , وأن المعارضين لن يتمكنوا من التستر بالدين الاسلامى .

انتهى ويعرض على السيد

– الرئيس جمال عبد الناصر . رئيس مجلس الوزراء قائد المخابرات العامة

( امضاء ) ( امضاء ) مدير المباحث العامة قائد المباحث الجنائية والعسكرية

( امضاء) (امضاء )

اوافق على اقتراحات اللجنة .

امضاءجمال عبد الناصر

وحيث أنه بالنسبة لهذا التقرير والذى قدمه المدعى فى الدعوى الأصلية كوسيلة اثبات فان الصورة المقدمة صورة عرفية لا دليل على وجود أصلها أو صدوره بالفعل مما لا يصلح معه الأخذ به كدليل فى الدعوى وتطرحه المحكمة بالنسبة لكتاب البوابة السوداء الذى يحكى فيه مؤلفه ما لاقاه من عذاب وتعذيب وتعذيب بالسجن الحربى .

المحكمةتعتدبالشهود

وحيث أنه بالنسبة لشهادة الشهود ففضلا عن أنه لم يقم ما يناهضها فان المحكمةقد أحست بصدق الشهود اذ جاءت شهادتهم عن واقع ما رأوه وما عاشوا فيه صادرة من أعماقهم وكانت أقوالهم متدفقة مسترسلة لا تصنع فيها وى اخلال ولا تناقض أو اختلاف يسرب الشك اليها أو الريبة فيها وقد أيدها الشاهد الأول الدكتور كمال رمزى ستينو أحد أعمدة ذلك العهد مقررا أنه كان عهد ارهاب واعتقالات وتعذيب بالسجن الحربى وثكنات مصطفى كامل بالأسكندرية وكان يقوم على تلفيق التهم للأبرياء .

انفردت فيه القوة تكيد لمن تشاء بالحق أو بالباطل وفق الميل والهوى .

عهد كان قوامه الشرطة العسكرية والمباحث العسكرية

– شمل رعبه الجميع حتى الوزراء ونواب رئيس الوزراء وأنه شخصيا كان هدفا للوقيعة به وأن المدعى كان ضحية عدم مسايرتهم فى الدس له والتلفيق ضده .

لذلك فان ما قرره شهود المدعى فى الدعوى الأصلية كان كافيا لتكوين عقيدة المحكمة لما اطمأن اليه ضميرها ووجدانها والاستناد اليه فى اثبات ما قرره المدعى فى صحيفة دعواه عما قاساه من تعذيب وما حاق به من أضرار .

أكا ما ذكره المدعى عليهما فى الدعوى الفرعية مقدمى المذكرتين من مآخذ على شهادة الشهود فهو تصيد والتقاط أقل ما يوصف به أنه اجهاد بائس لمحاولة التشكيك فى صدق المدعى وشهوده الأمر الذى لم ينتج أثره لما فيه من وهن وضعف وأن دل على جهد للدفاع عنهما مشكورا . وحيث أنه لادراك الأبعاد الحقيقية على ما وقع بالمدعى عليه .. فانه يتعين التعرف أولا على حقيقة الانسان ..

كمجرد انسان .. والكشف عن معدنه وأصله وجوهره ..

وبالتالى معرفة قدره ووزنه الحقيقى بميزان دقيق الأمر الذى يمكن استخلاصه واكتشلفه بتبين منزلة الانسان ومكانه عند ربه .. ووضعه وكانته فى دولته .. وقدره وتقديره عند ذويه من بنى جنسه الانسان ..

وحيث أنه بالنسبة لمنزلة الانسان عند ربه فان الله خلق الانسان وكرمه مهيأ له من الماديات والروحانيات ما يكفل له تحقيق هذه الغاية فهى غايته سبحانه وتعالى فلا جدال وعلى ما اجتمعت عليه كافة الديانات والكتب السماوية .. ان الانسان كان فى الأصل ملاكا ..

بل ان الله كرمه على الملائكة أمرهم أن يسجدوا لآدم صلب الانسان وأصله وعصبه – فسجدوا , ومن أبى واستكبر باء بغضب من الله شديد وكان شيطانا مرجوما مذموما .. وهكذا يثبت بيقين ان الانسان عند ربه جوهر نفيس , وان ما عداه من المخلوقات حتى الملائكة مسخرات لأمره ..

وضع الانسان فى دولته ..

وحيث أنه بالنسبة لوضع الانسان فى دولته .. فانه منذ أن عرفت الدولة كنظام اجتماعى وسياسى للحكم .. والانسان أهم مقوماتها , بل هو كيانها ..

ولذلك فان الدولة تقف نفسها على سعادة الانسان فيها وحفظ كرامته . بل ان هذه الغاية كانت هى الضرورة الداعية الى الأخذ بفكرة الدولة فاذا تخلت الدولة أو قصرت أو أهملت أو تهاونت فى تحقيق هذه الغاية ..

فقدت أهم شرط من شروط صحة وجودها بل فقدت مبرر وجودها .

لهذا فان كافة الدول تنص فى دساتيرها وقوانينها على ما يكفل كرامة الانسان فيها وتفرض العقوبات على من يعتدى على حق من حقوق الانسان أو ينال من كرامته .

وتعمل على توفير كافى الضمانات والحصانات لتحقيق الحماية للحريات والحقوق والواجبات العامة .. فالحرية الشخصية حرية يحميها القانون وهكذا يثبت بيقين ان الانسان عزيز على وطنه وعلى دولته .. وحيث أنه بالنسبة لقدر الانسان عند نفسه وتقديره عند ذويه من بنى الانسان فانه منذ أن وجد الانسان نفسه أمام السلطة التى ما وجدت الا لصالحه

– وهو فى صراع معها لما كان يظهر منها من محاولات للتسلط عليه واغتصاب حقوقه وانكارها عليه ..

فقاوم الطغيان وقام بالثورات وخاض الحروب وقاتل وقتل من أجل الحفاظ على كرامته وحقوقه كانسان ..

وكان آخر ثمرة من ثمرات كفاحه ونضاله ذلك الاعلان العالمى لحقوق الانسان الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العاشر من ديسمبر سنة 1948 واستهلته بقولها " لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة فى جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هى أساس الحرية والعدل والسلام فى العالم ..

ولما كان تناسى حقوق الانسان وازدراؤها قد أفضيا الى أعمال همجية قد آذت الضمير الانسانى , وكان غاية ما يرنو اليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الجوع والفاقة ..

ولما كان من الضرورى أن يتولى القانون حماية حقوق الانسان لكيلا يضطر الانسان آخر الأمر الى التمرد على الاستبداد والظلم ..

ولما كان للادراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى فان الجمعية العامة تنادى بهذا الاعلان العالمى لحقوق الانسان " .. ونصت المادة الأولى من هذا الاعلان على أنه " يولد جميع الناس أحرارا متساوين فى الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء " .

ونصت المادة الثالثة على أنه " لكل فرد الحق فى الحياة والحرية وسلامة شخصه " .. ونصت المادة الخامسة على أنه " لا يعرض أى انسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحط بالكرامة

" ونصت المادة التاسعة على أمنه " لا يجوز القبض على أى انسان أو حجزه أو نفيه تعسفا " ولما كان هذا الاعلان ليس له قوة القانةن فهو ليس معاهدة انما يستمد قوته كبيان ذى حكم أخلاقى ,

كاعلان بثقة الانسان بنفسه أو ايمانه بالكرامة الانسانية فقد واصل الانسان كفاحه ونضاله حتى وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 ديسمبر سنة 1966 بالاجماع على اتفاقية خاصة بحقوق الانسان المدنية والسياسية تتهد كل دولة تصدق عليها بحماية شعبها عن طريق القانون ضد المعاملة القاسية أو غير الانسانية أو المهنية وأن تعترف بحق كل انسان فى الحياة والحرية والأمن وفى حريته الشخصية واستهلت الاتفاقية بديباجة قالت فيها ان الدول الأطراف فى الاتفاقية ..

حيث ان الاعتراف بالكرامة المتأصلة فى جميع أعضاء الأسرة الدولية وبحقوقهم المتساوية التى لا يمكن التصرف فيها يشكل استنادا للمبادىء المعلنة فى ميثاق الأمم المتحدة , أساس الحرية والعدالة والسلام فى العالم ..

واقرارا منها بالميثاق هذه الحقوق من الكرامة المتأصلة فى الانسان واقرارا منها بأن الكائنات الانسانية الحرة المتمتعة بالحرية المدنية والسياسية والمتحررة من الخوف والحاجة انما يتحقق فقط اذا قامت أوضاع يمكن معها لكل فرد أن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية .. وتقديرا منها لمسئولية الفرد ..

مما عليه من واجبات تجاه الأفراد الآخرين والمجتمع الذى ينتمى اليه , فى الكفاح لتعزيز الحقوق المقررة ومراعاتها نوافق على المواد التالية :

ونصت المادة السادسة " لكل انسان الحق الطبيعى فى الحياة " ونصت المادة السابعة " لا يجوز اخضاع أى فرد للتعذيب أو لعقوبة أو معاملة قاسية أو غير انسانية أو مهينة " ونصت المادة التاسعة " لكل فرد الحق فى الحرية والسلامة الشخصية " .. "

ونصت المادة العاشرة على أنه : يعامل جميع الأشخاص المحرومين من حرياتهم معاملة انسانية مع احترام الكرامة المتأصلة فى الانسان " .

هذه هى منزلة الانسان فى المجتمع الانسانى الدولى .. كرامة هى فى نظره – وفى الحقيقة – أساس للحرية والعدل والسلام فى العالم ..


ما ذا فعل المجرمون ..

وحيث أنه وقد ظهرت حقيقة الانسان وكنهه وعنصره وقدره وقيمته لماذا فعل تابعو المدعى عليه بالمدعى كانسان .. كمجرد انسان ؟

عذبوه بوحشية .. فأوسعوه ضربا حتى شوهوا وجهه واختلطت معالمه واختفت ملامحه حتى عز على جاره وصديقه التعرف عليه الا بعد التفرس فيه واطالة النظر اليه .. مزقوا جسده بالسياط حتى أثخنوه جراحا ..

أسالوا دمه حتى استحال قيحا وصديدا .. أذلوه حسا ومعنى حتى أعجزوه أن يقف على قدميه وأرغموه على أن يزحف على أربع , وكان غاية الهزء والازدراء والتفنن فى القسوة والتعذيب والحاق الاهانة والهوان به أن يطلبوا منه أن ينبح كالكرب . علقوه جسدا وألهبوه بالسياط على روحه وقذفوه باقذع وأفحش ألفاظ السباب ..

المدعى ليس مجرد انسان ..

وحيث ان هذا ما عاملوه به كمجرد انسان – ولما كان المدعى أكثر من مجرد انسان .. فهو ممن آتاهم الله حكما وعلما وله من تكوينه وثقافته وعلمه ما أهله لتولى منصب القضاء هذا المنصب الذى تحيطه كافة الدول بحصانات خاصة وتكن له الاجلال والاحترام والقدسية .

ولكن تابعى المدعى عليهم لم يهدروا هذه الحصانات فحسب ولم يكتفوا بانتهاكها , بل اتخذوا منها ذريعة ليضاعفوا له العذاب وبالغوا فى الزراية والتحقير به بقصد اتخاذه آلة لارهاب كل من بسوقه قدره الى السجن الحربى بأن جعلوه عرضا مرعبا وصورة مفزعة مثيرة يخيفون بها المنكوبين ويرهبونهم بها ويتوعدوهم بمصير كمصيره مشيرين اليه ان انظروا كيف نقدر ونفعل حتى بالقضاة ..

وهكذا بدلا من أن تكون الحصانات ضمانا له كما هو المقصود بها جعلوها سببا للاستبداد ودفاعا مثيرا ملؤه الحقد للزراية والفتك به ..

ليس مبررا أنه كان مسجونا ..

وحيث أنه يبرر ما حدث للمدعى أنه كان مسجونا لاتهامه فى جريمة ودون النظر أو التعرض لموضوع اتهامه ومحاكمته

– فان الفرد يجب أن تحفظ له كرامته وحقوقه الطبيعية كانسان تحت أى ظرف يوجد وفوق أى مكان يكون فان أخطأ أو انحرف وجبت محاكمته وحقت عله العقوبة ولكن دون اخلال أو حط من كرامته ولذلك عنيت قوانين الدولة بأن توفر للاتهام الجنائى ضماناته سواء من الناحية الاجرامية ومن ناحية العقوبة وعاقبت كل من يخل بهذه الضمانات أو حاول تعذيب المتهم وجرم أفعاله فى المادة 126 عقوبات بنصها "

على أن كل موظف أو مستخدم عمومى أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على اعتراف يعاقب بالاشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات الى عشر واذا مات المجنى عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد ذلك أن من المستقر عليه أن الأصل فى الانسان البراءة حتى تثبت ادانته وأن القانون رسم طرق اثبات الجريمة فلا ينبغى الانحراف عنها والاتجاه الى طرق غير مشروعة لا يقرها دين ولا شرع فانتزاع الاعتراف من جوف المتهم أو من جسمه عمل تستنكره الانسانية وتأباه العدالة فى أبسط صورها .

فاذا ثبت ادانة المتهم وجبت معاقبته وقد تقسو العقوبة وتشتد ولكن دون أن تسلبه كرامته أو تحط من انسانيته .

فلم تعد العقوبه كما بدأت انتقاما فرديا يقصد به ايلام المتهم وايذائه بل تطورت النظرة الى العقوبى الجنائية حتى أصبحت فى معناها الحديث وسيلة عملية لعلاج بعض حالات الانحراف التى تطرأ على بعض أفراد المجتمع وأصبح يعتمد فى تحديدها لا على مجرد جسامة الجريمة بل وعلى طبيعة المجرم ومدى ما يحتاجه من علاج واصلاح وبذلك لم يعد النظام العقابى قاصرا على الجريمة والعقوبة فحسب بل عنى بعنصر ثالث هو المجرم ذاته فهو الذى وضعت التشريعات العقابية من أجله وهوالمقصود بالعقوبة دون جريمته ومن ثم ينبغى أن يكون الهدف من العقوبة هو علاج حالة الخطورة الاجرامية لدى الجانى فهى تعنى فى المقام الأول بالمجرم الانسان وبشخصيته الحية وهو ما يعبر عنه بمبدأ تفريد العقاب .

وهكذا أصبح للعقوبة وظيفة مزدوجة .

فكرة العدل بأن يجازى كل مجرم على جريمته بعقوبة لا تتجاوز شدتها جسامة الجريمة وخطورتها .

والدفاع الاجتماعى الذى يتحقق بجعل العقاب مبنيا على الميل الاجرامى فى المجرم وعلى حالته الخطرة وعلى ذلك كله لا يصح النظرة الى العقوبة نظرة القسوة والانتقام بل وكما جاء فى فتاوى ابن تيميه " العقوبات الشرعية انما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهى صادرة عن رحمة الخلق وارادة الاحسان اليهم .

ولهذا ينبغى لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الاحسان اليهم والرحمة بهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض " فتاوى ابن تيمية ص 171 – واستهدافا لهذا الغرض وحرصا عليه نص دستور البلاد الدائم فى المادة 42 منه على أن " كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ كرامة الانسان ولا يجوز ايذاؤه بدنيا أو معنويا كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون ..

وحيث أنه اذا ما قضى بحبس المتهم وايداعه السجن فان السجن يجب أن يكون أو لما يكون دار أمان واطمئنان له على جسده وعلى كرامته ,

وعلى مستقبله فعقوبة الايداع فى السجن لم تعد كما كانت وسيلة لسلب حرية المجرد وعقابه قاسيا مه اكراهه واذلاله وامتهان آدميته وتسخيره وتعذيبه بشتى الطرق والوسائل انتقاما منه .

بل أصبحت فى صورتها المتقدمة الحديثة وسيلة اصلاحية تقويمية وتأهيلية علاجية لاعادة بناء شخصية الفرد الجانح وسد احتياجاته الاساسية المنوعة ومساعدته على تغير اتجاهاته وسلوكه المعتاد للمجنى الى اتجاهات وسلوك اجتماعى مقبول ومرغوب فيه بشتى الطرق والوسائل العلاجية العلميةالحديثة .

وقد تضمن القانون 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون وقرارات وزير الداخلية 72 , 73 , 81 لسنة 1959 كيفية معاملة المسجونين .

وان هذا القانون وهذه القرارات وان كانت ما زالت لا تأخذ بمبدأ تفريد المعاملة وذلك لعدم أخذ التشريعات الجنائية أصلا بمبدأ تفريد العقاب لا قضائيا ولا تنفيذيا –

الا انها لا تجيز تعذيب المسجونين أو معاملتهم بقسوة بل ان المادة 127 عقوبات نصت على انه " يعاقب بالسجن كل موظف عام وكل شخص مكلف بخدمة عامة أمر بعقاب المحكوم عليه أو عاقبه بنفسه بأشد من العقوبة المحكوم بها عليع قانونا أو بعقوبة لم يحكم بها عليه " .

وبذلك تكلفت القوانين واللوائح حسن معاملة المسجونين وعاقبت على اساءة معاملتهم ولم تجز بحال من الأحوال تعذيبهم بقسوة ..

الخطأ .. بل الخطيئة .. ثابتة

وحيث ان الخطأ ثابت فى حق المدعى الأول فى الدعوة الفرعيةشمس الدين بدران من شهادة الشاهد[[عبد المنعم خليفةعلي جريشة]] محمد الذى شاهده وسمعه وهو يقول له وللمدعى الأستاذ أثناء عرضهما عليه بمكتبه بالسجن الحربى " ان لديه تعليمات بتعذيب على جريشة حتى الموت صادرة من الرئيس "

كذلك من شهادة الشاهد إبراهيم منير الذى قرر أنه اشترك فى التعذيب وثبت خطأ المدعى عليه حمزة البسيونى من شهادة إبراهيم منيروثبت خطأ المدعى عليه حسن خليل من شهادة إبراهيم منيروالشاهد عبد المنعم خليفة محمدوثبت خطأ المدعى عليه حسن كفافي من شهادة سيد أحمد محمد عبد المنعم خليفةو وثبت خطأ سعد زغلول عبد الكريم من شهادة سيد أحمد محمد ثبت خطأ صفوت الروبيمن شهادة إبراهيم منير وقد أجمع الشهود على أن جميع المدعى عليهم فى الدعوى الفرعية كانوا داخل مبنى السجن الحربى وأن السجن الحربى لا يوجد به الا سجين أو سجان وأن السجانين جميعا مع اختلاف رتبهم أو أوضاعهم كانوا متفقين متوافقين على تعذيب كل نزيل بالسجن وأن الكل اما فاعل واما شريك فى تعذيب كل سجين وقد شهد شهود المدعى فى الدعوى الأصلية بوقائع محددة بالنسبة الى كل من المدعى عليهم فى الدعوى الفرعية ..

وحيث أنه بالنسبة لما شهد به السيد الدكتور كمال رمزي استينو نائب رئيس الوزراء فى ذلك الوقت من أنه أبلغ الرئيس جمال عبد الناصر بالقبض على المدعى وما شهد به الشاهد عبد المنعم خليفة محمد من أن المدعى عليه شمس بدران على بدران وهو يقول له وللمدعى أن لديه أمر من الرئيس بتعذيبه حتى الموت ..

وما يحاول أن يلوح به المدعى عليهما فى الدعوى الفرعية حسن كفافى وورثة سعد زغلولعبد الكريم من أنهمالا ما كانا يستطيعا مناقشة ما يصدر لهما من أوامر فان هذا لا يشفع لأحد من المعتدين ولا يعفيه من المسئولية ذلك أن المادة 167 مدنى تنص على أنه " لا يكون الموظف العام مسئولا عن عمله الذى أضر بالغير اذا قام به تنفيذا لأمر صدر اليه من رئيس , متى كانت طاعة هذا الأمر واجبة عليه أو كان يعتقد أنها واجبة , وأثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذى وقع منه ..

وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة وأنه راعى فى عمله جانب الحيطة , ومفاد هذات النص وجوب توافر أمران اساسيان للاعفاء من المسئولية أولهما أن يكون قد صدر للموظف أمر من رئيس ولو غير مباشر طاعته واجبة عليه ..

وليس يكف أن يعتقد الموظف أن طاعة ارئيس واجبة , بل يجب الى ذلك أن يعتقد أن طاعة الأمر ذاته الذى صدر من الرئيس واجبة .

فقد يصدر رئيس أوجب طاعته الى مرؤوسه أوامر غير واجبة الطاعة فلا يجوز للمرؤوس فى هذه الحالة أن ينفذ هذا الأمر غير المشروع والا كان تعديا تترتب عليه مسئولية الموظف والأمر الثانى أن يثبت الموظف أنه كان يعتقد مشروعية الأمر الذى ينفذه وأن هذا الاعتقاد مبنى على أسباب معقولة لا مجرد الظن ( الوسيط للدكتور السنهورى الجزء الأول طبعة 1952 ص 750 وما بعدها ) ولا يمكن أن يدعى أحد ممن قاموا بالتعذيب ان التعذيب حتى الموت أمر مشروع أو حتى من الممكن أو المتصور اعتقاد ذلط .

انتهكوا القانون والأخلاق والمبادىء

وحيث أنه على هدى ما تقدم يكون المدعى عليهم فى الدعوى الفرعية وهم تابعوا وزير الحربية قد انتهكوا كافة القوانين واللوائح والدستور فى الدولة وتخلوا عن كافة القيم الخلقية والمواثيق الدولية والمبادىء الانسانية وعذرهم أن الشيطان أنساهم أنفسهم فنسوا الله واعتزوا بغيره فأتوا حق الخالق والمخلوق بعد أن قست قلوبهم وتحجرت على سجناء مقيدين لا حول لهم ولا قوة مما تستطسع معه المحكمة بعدما وقفت على قسوة أعمالهم ووحشياتهم أن تقرر بحق واطمئنان انهم تجردوا من آدميتهم وأهدروا أدمية المدعى الأمر الذى يتوافر معه ركن الخطأ ..

الخطأ الجسيم الفاحش الشاذ .. وحيث أنه بالنسبة للضرر فبعدما تقرر من عرض لوقائع التعذيب والنيل من كرامة المدعى وما قاساه من آلام وأوجاع وذل ومهانة وما تخلف بجسده من آثار أثبتتها الكشوف الطبية والصور الفوتغرافية وبالاضافة اى ما تخلف فى نفسه وما وقر فى ذاكرته من مآسى وأهوال ما سيظل يلازمه طوال حياته ولم ينمحى الا بالموت .

فان الضرر ظاهر ناطق صارخ .

وحيث أن ثمة عنصر آخر من عناصر الضرر الأدبى .. أمر يزيد من آلام لمدعى ويكدر عليه صفو حياته ذلك أن أحدا ممن عذبوه أو ساهم فى تعذيبه واذلاله لم يسأل أو يعاقب على ما اقترفه من أخطاء وجرائم فى حقه مما يؤثر على نفسية المدعى من عدة وجوه .

1- فهو يعيش فى وطن وهو يشعر بانه هين عليه ولا كرامة له فيه .

2- ويعيش على اعتقاد بأن تعذيبه كان وكأن أمرا مباحا ان لم يكن أمرا مطلوبا ..

3- ما يحس به من أنه يعيش فى دولة كان القانون فيها قاصرا عن حمايته وقت الاعتداء عليه وما زال قاصرا على أن يقتص له من جلاديه .

4- يعيش متحسرا منزعجا مرعوبا مما أصابه فى ماضيه غير أمن ولا مطمئن على غده طالما أن جلاده لم يلق عقابه وما زال ينعم ويرتع .

5- وأقسى وأخطر وأفدح من هذا كله ..

ما قد يخلقه عدم محتكمة المعتدين من فجوة بينه وبين وطنه وما يولده فى نفسه من شرط عليه فيبادله جفاء بجفاء ذلك أن اعتزاز المواطن بالوطن مرده اعتزاز الوطن بالمواطن رغم أن الوطن برىء من الجلادين وأفعالهم .. وأنه والمدعى كلاهما مجنى عليه ..

وحيث أنه لا شك أنه لولا خطأ تابعى المدعى عليه فى الدعوى الأصلية لما أصاب المدعى المدعى فيها بالضرر مما يتوافر معه رابطة السببية وبذلك تتكامل كافة أركان المسئولية التقصيرية طبقا للمادة 163 مدنى ويتعين تعويض المدعى عما أصابه من ضرر ..

وحيث أن المدعى عليه فى الدعوى الأصلية متبوع لمرتكبى الخطأ فيكون مسئولا عن الضرر الذى أحدثه تابعه بعمله غير المشروع وقد وقع منه حال تأدية وظيفته عملا بالمادة 174 مدنى .

وحيث أته بالنسبة للدعوى الفرعية المرفوعة من المدعى عليه فى الدعوى الأصلية بصفته ضد تابعيه بالرجوع عليهم بما عسى أن يقضى به عليه وطبقا للمادة 175 مدنى فالثابت من شهادة الشهود أن تعذيب المدعى فى الدعوى الأصلية كان بواسطتهم أم بأمرهم وتحريضهم بالاعتداء عليه وكان يتم فى حضورهم ويقومون باهانته واذلاله وسبه وأنهم اتخذوا من السجن الحربى مملكة أطلقوا فيها أيديهم وسلطانهم فى أجساد ورقاب وكرامة من ساقه قدره داخل السجن وكان للمدعى فى الدعوى الأصلية نصيبه الفظيع المرير من تعذيبهم الى حد قربه من الموت وفقا لما صرح به المدعى عليه الأول فى الدعوى الفرعية شمس الدين على بدران أمام الشاهد عبد المنعم خليفة محمد ..

وحيث أنه وقد ثبت خطأ المدعى عليه فى الدعوى الفرعية على النحو السالف بيانه وهم تابعوا المدعى فيها فانه يحق له الرجوع عليهم طبقا للمادة 175 مدنى التى تنص على أنه "" للمسئول عن عمل الغير حق الرجوع عليه فى الحدود التى يكون فيها هذا الغير مسئولا عن تعويض الضرر "

على أن ينفذ هذا الحكم الصادر للمتبوع على التابع يكون معلقا على وفاء المتبوع بالتعويض المحكوم به عليه للمضرور ( نقض مدنى 540 سنة 34 ق السنة20 مجموعة المكتب الفنى ص 199 ).

وحيث أنه بالنسبة لصدور أمر جمهورى بزيادة معاش المدعى عليه حسن كفافى فلم يثبت من مبررات هذا الاجراء ما ينفى وقوع ما يثبت لدى المحكمة من أخطاء تستوجب مسئوليته .

حكم الارهاب

وحيث أنه قد ثبت من شهادة الشهود أن ما وقع للمدعى فى الدعوى الأصلية من تعذيب لم يكن حدثا فرديا وقع عليه وحده .

بل أصاب المئات والمئات من المواطنين مما يدل على أنه كان نظام عهد , وأسلوب حكم ارهابى كان يهدد كل انسان حتى نواب رئيس الوزراء وقاسى منه الجميع وقاست مصر من بينهم .

المحكمة جزء من كيان الوطن

ولما كانت المحكمة جزء من كيان هذا الوطن العريق الكريم

– فان من حقه على المحكمة أن تتصدى للبحث عن الأسباب التى أدت بالبلاد الى هذا المجال وأن تتقصى الحقائق لتكشف عن الداء الذى مكن الطغاة من اذلال لشعب ..

والحقيقة أن ما وقع بصورته البربرية يقطع بأنه قد أتى على هذا البلد الأمين حين كان القانون فيه نسيا منسيا متسلط على حكمه وقبض على مقاليد أموره قوة تمكنت مراكزها من أن تبعث فسادا فأهدرت حرمات الانسان فيه وحرياته , وحطمت من كرامته وآدميته ..

وكانت فى جموحها واثقة من ثلاثة أمور ..

الأمر الأول أنها ظالمة لا تقيم العدل ..

الأمر الثانى أن القضاء فى مصر لا ولن يناصر غير العدل ..

الأمر الثالث أنها رغم ما بيدها من آلات البطش ومعدات الطغيان تشعر فى قرارة نفسها أنها أضعف من أن تواجه القضاء العادل القوى الأمين .

وانبعاثا من هذه الأحاسيس ورغبة فى التحكم بمفردها دون رقيب أو حسيب عمدت الى تجنب القضاء والتقليل من شأنه ونزع ثقة المواطنين فيه باهدار قدسيته وما يحاط به من اجلال ومهابة منذ أن كان على الأرض القضاء ..

واتبعت للوصول الى هدفها مسلكين وعرين أن تتحرز فيما تصدره من قوانين ظالمة يمنع التقاضى بشأنها حتى كاد أن يصبح مبدأ المنع من التقاضى هو الأصل ..

وحتى أرادت التظاهر بالاحتكام اللا قضاء فكانت تقدم المواطنين الى غير قاضيهم الطبيعى بانشاء محاكم استثنائية لا تضم فى تشكيلها أى عنصر قضائى مما لا يمكن أن يتوافر معه عنصر الاطمئنان اليها ولا الى ما تصدره من أحكام ..

والمسلك الثانى كانت القوة تتعاون مع وزراء للعدل أقل ما يوصفون به أنهم كانوا غير غيورين على العدل أو حريصين عليه بل كان حربا عليه وعلى رجاله ..

فالشاهد الدكتور كمال رمزى استينو يقرر أنه ما أن علم بالقبض على المدعى وهو أحد رجال القضاء منذ ثلاثة أيام ودون مراعاة لحصانته القضائية التى يحوطه بها قانون مجلس الدولة

– حتى سارع الى وزير العدل وتوجه اليه فى مكتبه وأبلغه الأمر واذا به يقرر له أنه لا علم له به وأنه لم يعلم الا منه رغم مرور ثلاثة أيام على القبض على المدعى ويكون القبض تم دون الرجوع اليه أو حتى اخطاره به مما دعى الشاهد أن يستنكر هذا الموقف على زميله وبدلا من أن ينتفض وزير العدل ليزود عن حصانة القضاء التى اهدرت لا يفعل أكثر من أن يطمئن زميله نائب رئيس الوزراء من أن القبض ليس بسببه ةلا بسبب وزارة التموين مؤثرا السلامة تاركا رجل القضاء يقاسى العذاب والتعذيب واهانة صفته القضائية وعزتها وكرامتها ..

ويترك وزير العدل بدوى حمودة الوزراة ويتولى الوزير عصام الدين حسونة أمرها من أول أكتوبر نة1965ويستمر تعذيب المدعى حتى يكرهوه على تقديم استقالته من منصبه القضائى فى 7-2-1966 وفى الدولة وزير العدل ..

ويقف الوزيران من الحادث الذى لم يصب المدعى بقدر ما أصاب السلطة القضائية موقفا متخاذلا لا يتفق مع ما يجب أن يكون عليه رجل العدالة من قوة وأمانة ..

وحيث أن اثر تفريط الوزيرين سالفى الذكر وتهاونهما فى حماية الحصانة القضائية لم يقف عند حادث الاعتداء على المدعى فحسب بل ان القوة ومراكزها أخذوا من تقاعسهما عن التعدى لهذا الاعتداء وتسترهما عليه نقطة بدء لمزيد من العدوان على السلطة القضائية وفتحا لشهيتهم للانقضاض والتربص برجالها .

واذا كان مخططهم وما وقع للمدعى لم ينتج أثره الا بين جدران السجون ولم يرهب القضاة ذاتهم بل استمروا محافظين عل تقاليدهم وذخرهم من النزاهة والقوة والحيدة والأمانة مما جعلهم الفئة الوحيدة فى تلك الفترة التى ظلت فى نظر الشعب وعقيدته الموئل والملاذ من الظلم مما لم يرق للطغيان فصمم على نزع ثقة المواطنين فى قضائهم وقضاتهم فتولى وزارة العدل الوزير محمد أبو نصير فظهر بين القضاء مسيحا جاء ليحمل عنهم آلامهم ويخفف عنهم أحمالهم حاملا لهم الوعود بالخير الوفير ..

فلما تبين القضاة أنه ضالع مع القوة ومراكزها وأن مآربه مشبوهة وأن وعده بالخير مشروط متناسيا أن القضاء عف وأن القضاة عظام

– رفضوا دعوته المريبة ةلفظوا خيره المشبوه ... وعندئذ كشف القناع به يهوذا الأسخربوطى يمشى بينهم بالفتنة والنميمة والدس والوقيعة .

وأشهر على القاضى أنذل سلاح يشهره ظالم على انسان عف نزيه فصمم على محاربته فى رزقه الذى لا يكاد أن يفى بثمن الدقيق يسد به رمقه ورمق أولاده ولا بدوائهم ودوائه .. ومرة أخرى تناسى أن القضاء عف وأن القضاة عظام .

وأنهم يؤثرون العدل على أنفسهم مهما خلت أيديهم .. ومهما خوت بطونهم .. ومهما استبدت الأمراض بأجسادهم وأسقمت العلل أبدانهم .

فصمم على عزلهم رغم أن القضاة

– هم وحدهم

– بحكم الدستور القائم وقتها وكافة دساتير العالم – غير قابلين للعزل . ودبر لهم بليل , ولما كان لا يستطيع أن يظهر بنور فقد اصطنع له واجهة باهتة شفت وفشت وكشفت عما تحتها وتولى وزارة العدل الوزير السابق مصطفى كامل إسماعيل تولاها فى 31 أغسطس سنة 1969 وفى ذات اليوم ولم يمض على تولية الوزارة بعض يوم أصدر قراراته التنفيذية للقرارات الجمهورية التى صدرت منعدمة والمتضمنة عزل صفوة كبيرة من رجال القضاء ..

ولم يكن هذا ولا يمكن أن يكون الا خضوعا مهينا للقوة ومراكزها ..

وهكذا خى الميدان للمستبدين وساء الحال لولا أن تدخل الله جل جلاله بقدرته وهيأ للبلاد رجلا كان له تجربة مع القانون والقضاء وعدله فأتم البلاد وولاها قبله ترضاها ..

قبلة شرعية سليمة صحيحة , هى سيادة القانون واستقلال القضاء وتأكيد حصانته حتى يعود العدل بين الناس .. وبغير هذا ولولاه ما كانت القافلة بدأت تسير ..

وحيث ان استقلال القضاء والحصانة القضائية لرجاله ليست مزايا شخصية للقضاة وأشخاصهم بل هى حق منحقوق الشعب ..

حق الشعب فى قضاء مستقل قوى نزيه أمين يصدر أحكامه بالعدل غير خائف ولا وجل غايته العدل المجرد فيكون ما وقع على السلطة القضائية ورجالها فى عهد الوزراء الأربع افتئاتا وعدوانا على حق من حقوق الشعب .

لم يسبق حدوثه فى تاريخ البلاد وعرض سلامة المجتمع للخطر .. بل الى اذلاله وتعذيبه الأمر الذى وقع تحت نظر المحكمة فلا تستطيع أن تتغاضى عنه فتبلغ عنه المدعى العام الاشتراكى المختص طبقا للمادة 179 من الدستور التى تنص على أنه

" يكون المدعى العام الاشتراكى مسئولا عن اتخاذ الاجراءات التى تكفل تأمين حقوق الشعب وسلامة المواطن " .. وبغير مساءلة هؤلاء الوزراء لن يتم تأمين حق الشعب مستقبلا والتأمين عادة يكون للمستقبل .

المحكمة .. هاللها ما لاقاه المدعى

وحيث ان المحكمة وقد آلمها وهالها ما لاقاه المدعى وما قاساه من آلام التعذيب والاذلال والتنكيل ..

ومع تقديرها الكامل لصبره على ما ابتلاه به ربه ولقوة احتماله وايمانه .. فانها تقول له انه لم يكن أول انسان من البشر دفع هذا الثمن الغالى الفاحش الشاذ من الآلام والدم والعذاب ..

فقد دفعه شهداء المسيحية وأولهم المسيح عيسى بن مريم ولكنهم تغلبوا على حبابرة أباطرة الرومان فذالت دولتهم وقامت المسيحية تبشر أن الله محبة وبقيت تنشر أن المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة وانتشرت اجراسها تدق الفضاء .. ودفعه شهداء الاسلام وتحمله نبى الرحمة محمد بن عبد الله وقاساه آل ياسر وكم حاول المشركون أن يخرسوا بلالا رضى الله عنه عن النطق بالتوحيد ..

وانهزم الكفار وانتصر الاسلام .. وأصبح التوحيد آذانا يملأ أجواء الزمان .. " ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله

" .. ودفعه الشعب الانجليزى حتى استخلص من طغاة ملوكه " الماجناكارتا " التى تعتبر أول وثيقة لحقوق الانسان ..

ودفعه الشعب الفرنسى قبل الثورة الفرنسية .. واستطاع السجين أن ينتصر على السجن والسجان فحطم الباستيل بحصونه وساديب موته وأقبية ظلامه الرطبة وكان أول ما تمسك به الشعب الفرنسى هو اعلان حقوق الانسان فى 26 أغسطس سنة 1789 معتبرا اياه بعقيدة راسخة " انجيل الثورة " ..

القضاء وأنور السادات

وفى مصر دفعه الكثيرون من أبنائها .. دفعه أبناء دنشواى قتلا وجلدا وسجنا ودفعه مصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول نفيا وتشريدا وفاقة ومرضا , دفعه الكثيرون ومثلهم الحاضر المواطن محمد أنور الساداتالذى كاد له الطغاة حتى كاد أن يهلك لولا أن أدركه الله بعنايته فأدركه القضاء بعدله .

وأطاح الشعب المصرى ممثلا فى قواته المسلحة مؤيدة بروح من عنده وبنصر من الله بالملكية كنظام للحكم وهو اليوم يتبوأ رئاسة جمهوريتنا متحليا بأنبل المثل وأرفعها , الاعتراف بالجميل وبلفضل لأهله , فلا يترك فرصة ولا مناسبة الا ويقر للقريب والغريب بأنه المدين لقضاء ..

والمحكمة مع تقديرها التام لمكارم أخلاقه تبادل اقراره باقرارها ان انصاف القضاء له لم يكن دينا أقرضه أيه ولكنه كان واجبا أملاه ضميره وعدلا هو رسالته وعلة وجوده على الأرض .

وحيث أنه لذلك فان المحكمة لا ترى فيما حدث للمدعى عار عليه ولا على الوطن بل هو عار على من ارتكبه وخزى له فى الدنيا والآخرة وما هو محنة مرت بتاريخ البلاد دون أن ينال منها ..

وسيظل وجه مصر يشرق دائما بنور العدل الذى ظهر أول ما ظهر فيها منذ فجر تاريخها يوم أن كان يحكمها الفراعنة على أنهم الآلهة وأبناء الآلهة كان يمنع القاضى فى مصر " أن لا يطيع فرعونا اذا أمره أن يقضى بغير العدل " ..

تقدير التعويض

وحيث أنه بالنسبة لتقدير التعويض فان المحكمة تقدره طبقا للمواد 170 , 221 , 222 مدنى .

وحيث ان كرامة الانسان تعلو كل تقدير مادى وتفوق كل قدر نقدى فاذا ما لوحظ ان المدعى

– وكما سبق البيان

– ممن آتاهم اله حكما وعلما ويشغل منصبا قضائيا يوفر له من الحصانات والضمانات ما يجعله فى مأمن من أقل اعتداء .. فاذا به يلقى من سوء المعاملة وقسوتها ووحشيتها ما لم يكن يخطر له ببال ..

ولما كان المدعى قاضيا مصدق بقوله .. فقد جاء تقديره للتعويض متفقا تماما مع ما تراه المحكمة تقديرا مناسبا لجبر الضرر ..

وحتى تعود للمدعى عليه ثقته فى نفسه وفى وطنه فان المحكمة تقضى له بما طلبه كاملا والذى ما كان يتوانى هى على دفعه لو كان فى مقدوره ليتفادى به لحظة عذاب مما رآه .

وحيث ان المدعى عليهم فى الدعوى الفرعية مسئولين عن عمل ضار منهم .. متضامنون فى التزامهم بتعويض الضرر طبقا للمادة 169 مدنى على أن يكون التضامن فى حدود تركة موث الورثة منهم .

وحيث أنه بالنسبة لطلب شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة والحكم يقضى بجبر ضرر أصاب المدعى من جراء الاعتداء على كرامته الانسانية وحرمته وحريته وهى أمور عاجلة بطبيعتها والتأخير فى تنفيذ الحكم يترتب عليه ضرر جسيم بمصلحة المحكوم له ويجوز للمحكمة أن تأمر به طبقا للمادة 29-1 مرافعات فتأمر المحكمة بشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة ..

فلهذه الأسباب

أولا : حكمت المحكمة فى الدعوى الأصلية بالزام المدعى عليه فيها الفريق أول وزير الحربية بصفته مسئولا عن السجن الحربى بأن يدفع للمدعى فيها الأستاذ علي محمد سيد أحمد جريشة ثلاثين الف جنيه والمصاريف وعشرة جنيهات فى مقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة .

ثانيا : حكمت المحكمة فلى الدعوى الفرعية بالزام المدعى عليهم فيهاشمس الدين بدران علي بدرانوورثة سيد حمزةحسين البسيوني وورثةسعد زغلول عبد الكريمفى حدو تركة كل مورث و حسن علي خليلوحسن كفافي ومحمد صفوت الروبي فيما بينهم بأن يدفعوا للفريق أول وزير الحربية بصفته ثلاثين ألف جنيها المبلغ المحكوم به عليه فى الدعوى الأصلية ومصاريفها وأتعاب المحاماة فيها حال وفائه به للمدعى فى الدعوى الأصلية مع الزامهم بمصاريف الدعوى الفرعية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة .

ثالثا : ان القضاء وهو ضمير الأمة ووعيها ووجدانها يعلن براءة البلاد من كل من ساهم فى اذلال الشعب وتعذيب أفراده بصورة أو بأخرى .

رابعا : مراعاة للشعور الوطنى وردا لاعتبار الشعب المصرى الكريم تناشد المحكمة السيد رئيس الجمهورية أن يأمر بهدم وازالة مبنى السجن الحربى الذى سيظل ما بقى قائما شاهدا على اذلالةتعذيب أبنائه ومثيرا لذكريات بغيضة أليمة مؤسفة حزينة وأن يأمر باقامة منشآت اجتماعية وثقافية فوق أرضه .

خامسا : بدافع من المحافظة على حقوق الشعب وتأمين حقه فى قضاء مستقل ومحافظة على سلامة المجتمع تعتبر المحكمة هذا الحكم بلاغا الى المدعى العام الاشتراكى ضد كل من السيدين وزيرى العدل السابقين بدوى حمودة وعصام الدين حسونة لتفريطهما فى الحصانة القضائية التى هة حصن البلاد وتقاعسهما عن التصدى للعدوان عليها ولتسترهما عليه .

وضد كل من السيدين وزيرى العدل السابقين محمد أبو نصير ومصطفي كامل إسماعيل لتآمرهما على السلطة القضائية وتعمدهما هدم الكيان القضائى ونزع ثقة المواطنين فى قضائهم بالنيل من استقلاله والاضرار برجاله وعلى قلم الكتاب تحرير صورة رسمية من هذا الحكم وارسالها الى السيد الدكتور الوزير المدعى العام الاشتراكى .

رئيس المحكمة