عبد القادر الحسينى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد القادر الحسينى وصفحات من جهاده

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين


أولا : المقدمة

منذ وعد بلفو 1917،وتوافد الهجرات اليهودية على فلسطين، وتم الانتداب البريطانى على فلسطين عام 1920. ومنذ الأيام الأولى للاحتلال البريطاني لفلسطين راح شعبنا الفلسطيني يعبر بشتى الأشكال عن رفضه لذلك الاحتلال، وهدفه المتمثل بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، غير أن الضعف والفرقة ظلا سمتين أساسيتين من سمات الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادتها.

إزاء هذه التحديات التي بدأت نذرها تتكاثف منذ بداية الثلاثينات فى الهجرات اليهودية على فلسطين، مما تطلب من الفلسطينيين أن يتحركوا سريعاً وأن يغيروا إلى حدٍ ما من أساليبهم النضالية ، فعندما صعد هتلر إلى السلطة في ألمانيا عام 1933 انعكس أثره مباشرة على فلسطين فى تكثيف لم يسبق له مثيل في الهجرة اليهودية، فقد دخل فلسطين في ذلك العام 30.327 مهاجر صهيوني أي ثلاثة أضعاف الذين دخلوا في العام الذي سبقه.

وقد شهدت السنوات من ( 19391946) تشتت القيادة الفلسطينية. وعندما نشأت الظروف من جديد عام 1946 لإعادة تشكيل الهيئة العربية العليا كانت الدنيا قد تغيرت ، وتطلب الأمر تطورا فى التعامل مع الوضع الجديد على الأرض ، فلم يعد الوضع يتلائم على ما كان عليه فى العشرينات أو الثلاثينات .

وتم الاعلان عن تشكيل الهيئة العربية العليا بقرار صادر من جامعة الدول العربية 12 يونيو (حزيران)1946.

والواقع أن تشكيل الهيئة والتطورات اللاحقة للقضية الفلسطينية غدت منذ هذا التاريخ وحتى سقوط فلسطين محكومةً على نحو كبير بتدخلات الدول الأجنبية التي كان لبعضها مطامع في أرض فلسطين، وكان لبعضها الآخر علاقات وثيقة بالمخططات البريطانية في المنطقة.

وعام 1947 وصل الحكم البريطاني إلى مأزق فيما يتعلق بمستقبل فلسطين، فالبريطانيون وبعد أن مهدوا الأرضية المادية لقيام الوطن القومي اليهودي أرادوا أن يختموا سيرتهم الشنيعة في فلسطين في الظهور بمظهر المحايد بين طرفين يضمن وعد بلفور لكل منهما حقوقاً في فلسطين.

وفي 2/4/1947 من ذلك العام أحالت بريطانيا القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة كي تقرر هذه مستقبل فلسطين ، والتى أصدرت قرارها فى 29نوفمبر (تشرين الثانى )1947 بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود ...

ولم يكن الحكام العرب ولا جامعتها على مستوى الحدث ، فقلت لعبت الأهواء والمصالح الشخصية فى وصول القضية الفلسطينية على نحو ما خطط اليهود مع الإنجليز وأمريكا ...وغيرهم .

وبالرغم من ذلك فقد ضحى الشعب الفلسطينى كثيرا، وقدم الأبطال الذين دافعون عن ترابه فلسطين ، وجادوا فى سبيلها بأرواحهم ، خضبت دمائهم تراب فلسطين شاهدة على التضحية والفداء التى بذلها هذا الشعب العظيم ، وما زال ...ولعلنا أمام علم من أبناء فلسطين ضرب المثل فى البذل من أجل فلسطين ..إنه الشهيد البطل عبد القادر الحسينى .

ثانيا : حياته الإجتماعية

ولد عبد القادر الحسينى فى سنة 1908 ويحددها مركز الشرق العربى للدراسات الحضارية والاستراتيجية أنها في 8/4/1908م، وكفلته جدته لأمه، وما لبثت هي الأخرى أن فارقت الحياة ، فنشأ في كنف والده.

عائلته

ينحدرعبد القادر الحسينى من عائلة الحسينى المقدسية المعروفة فى حىّ يعرف باسمها فى ذلك الوقت (الحسينية) بالحى القديم فى القدس ، ووالده موسى كاظم الحسيني عميد هذه العائلة الطيبة، التي تعد من العائلات العربية المعروفة في الوطن العربي والعالم الإسلامي حسباً ونسباً وهي من العوائل التي قادت وتزعمت الحركة الكفاحية الفلسطينية لفترة طويلة. يقول عن هذه العائلة مصطفى مراد الدباغ فى كتابه بلادنا فلسطين :

وتعتبر عائلة (الحسيني) المقدسية من خيار العائلات في الوطن العربي حسباً ونسباً، وظهر منها علماء ومفتون وصلحاء وإداريون وسياسيون، وفي عهد الانتداب البريطاني قادت هذه العائلة الحركات الوطنية في البلاد. وكفاها فخراً وشرفاً أنها أنجبت الشهيدين بإذن الله موسى كاظم الحسيني (باشا) وولده عبدالقادر . وكانت عائلة الحسيني تمتلك ثروة اقتصادية كبيرة عززت مكانتها الاجتماعية والسياسية، وهي عبارة عن مساحات واسعة وكبيرة من الأراضي التي تقدر بنحوخمسين ألف دونم في كل من أريحا ورام الله واللد والرملة .

والده

وقد سارعبد القادرالحسينى على درب والده فى الجهاد،ذرية بعضها من بعض،ولذا فمن الجدير بنا أن نتعرف علي والده وأثره فى مجاهدنا ، فنقول :

المجاهد موسى كاظم باشا سليم حسين عبداللطيف الحسيني شيخ مجاهدي فلسطين ، ولا نبالغ إذا قلنا إنه نشأ في أعرق البيوتات العربية والإسلامية وأقدمها، تربى في بيت استقامة ودين وصلاح وتقوى وعلم، بل إن هذا البيت هو مركز زعامة العرب في فلسطين ومصدر انطلاقهم ومصدر الحركات النضالية والوطنية والشعبية على اختلافها ، وكان الناس يسمون بيته ( بالدار الكبيرة ) لكثرة تردد الوفود والضيوف عليها ؛ لأنها موئل وملجأ لكل ضعيف وكل طريد وصاحب حاجة... في بهو الدار الكبيرة كانت تعقد الاجتماعات الكبرى والهامة.

يقول عبد الوهاب العاني الصحفى العراقى :كان موسى كاظم من أبرز رجالات القدس كان يجتمع إلى رجالات القدس والى المناضلين والكتاب ورجال الفكر، وكان كلما وفد إلى مدينة القدس العاصمة رجل من رجالات العرب وزعمائهم وأحرارهم يأتي منزل موسى كاظم باشا الحسيني .

ولد موسى كاظم باشا في القدس عام 1853، وتعلم في اسطنبول بتركيا، والتحق بالإدارة العثمانية التي عينته قائما على صفد وعجلون ثم متصرفاً مسؤولاً في الأناضول وشرقي الأردن ونجد وعسير، تولى رئاسة بلدية القدس عام 1918.

انتخبه المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث عام 1920 رئيساً للجنة التنفيذية العربية، ضحى بجميع المناصب والجاه في سبيل الله ، والتحم بالشعب ، وقاد حركة الكفاح والمقاومة في فلسطين منذ وعد بلفور عام 1917 حتى استشهاده عام 1934 . فقد قاد مظاهرة فى يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م متأثر بجراحه.

قالت عنه لينا صالح محسن المشعور فى صحيفة الطريق البغدادية نيسان 1934 : " كان موسى كاظم الحسيني والد عبدالقادر من كبار المناضلين الفلسطينيين عرف بإخلاصه لقضيته، وقائداً محنكاً ناضل من اجل القضية الفلسطينية، وجاهد في سبيل حريتها، وقضى حياته كلها في خدمة العرب، مطالباً بحقوقهم واستقلالهم " .

بجانبه وشاهد عن قرب الأحداث ، ولما حانت وفاة والده الشيخ الجليل موسى كاظم باشا ، يهدي ولده نسخة من المصحف الشريف ويوصيه ، فيقول :

إن فلسطين العزيزة هي أمانة أسلمك إياها في رقبتك ... فلسطين أمانة وديعة عندك يا ولدي .. إن تحرير فلسطين أمانة في رقبتك يا ولدي.. ليفارق الحياة بعدها متأثراً بجراحه لينتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الجمعة الموافق 26 من شهر أذار 1934 شهيداً بإذن الله عزيزاً كريماً ...

والدته

كانت رقية بنت مصطفى هلال الحسيني ، من أرفع نساء القدس مكانة ، فبالرغم من ندرة نشاط المرأة فى العمل العام إلا أن والدة المجاهد عبد القادر الحسينى كان لها دور بارز بين نساء عصرها ، فقد استضافت أول مؤتمر نسائي عربي يعقد في القدس وفي بيتها انقضاء القرن التاسع عشر بعقدين توفيت والدته بعد عام من ولادته، فكفلته جدته لأمه ( نزهة بنت علي النقيب الحسيني ) مع بقية أشقائه السبعة، وهم ثلاث من الإناث وأربعة من الذكور ،هم :

فؤاد ويعمل مزارعاً ورفيق مهندساً وسامي مدرساً بالإضافة إلى فريد الذي عمل محامياً.

التي استضافت في أواخر العشرينات من القرن الماضي عام 1992 اجتماعات ورعاية أيضاً الفلسطينية حرم عوني عبدالهادي وغيرهن، أما أمها فهي وهي جدة عبدالقادر الحسيني لأمه التي كفلته وهو صغير حين توفت أمه .

زوجته (وجيهة الحسينى )

تزوج عبد القادر الحسينى من ابنة عمه وجيهة الحسيني سنة 1935م، ذات دين ومال وجمال ونسب ، فكلاهما ينحدر من عائلة الحسينى ذات المكانة الاجتماعية والثراء ، رافقته جهاده ،وقاسمته المحن والكفاح والاغتراب ،وانتقلت معه فى بلاد مختلفة تسانده وتشجعه وتشاركه، ولما انتقل زوجها إلى العراق سنة1939 للعلاج فى أعقاب إصابته عقب معاركه فى ثورة فلسطين (1936ـ 1939) رافقته وابنيهما هيفاء وموسى الطفلين فى رحلته معرضة نفسها للمخاطر ، مبرهنة على مشاركة المرأة الفلسطينية للرجال فى الجهاد .

حقا إنها مجاهدة عظيمة حملت أعباء النضال في باكورة حياتها المضنية، وكرست شبابها لخدمة المجاهدين الفلسطينيين منذ ما يزيد على خمسين عاما، وفى العراق وضعت طفليها فيصل في 17 /7/ 1940 ، ثم غازى ووالداهم عبد القادرالحسينى فى السجن ، وقامت على رعايته متحملة الصعاب .

وأخذت نصيب الأبطال المجاهدين فى مساندة الثوار وتقديم يد العون لهم مما جعل السلطات توجه لها تهمة مساعدة وإيواء الثوار وتحريضهم على القتال لتقف (وجيهة الحسيني) أمام المحكمة. وهى فى حقيقتها ليست تهمة ، بل وسام شرف ، وحكم عليها بالإقامة الجبرية في بيتها ببغداد مدة عشرين شهراً.

تقول الأديبة الفلسطينية أسمى طوبي عن المجاهدة وجيهة الحسينى فى كتابها (عبير ومجد) الذى صدر عن مطبعة قلفاط ، بيروت، ١٩66 ،وكانت قد التقت الكاتبة بالسيدة المجاهدة وابنتها هيفاء في بيتها بمصر الجديدة فى صيف عام 1975 ، وروت لها كثيرا من المواقف التى تضىء جوانب البحث عن تلك الأسرة المجاهدة ، فتقول :

" ولأم موسى ذكريات عزيزة في العراق، فعندما فشلت محاولة المجاهدين الفلسطينيين في دخول إيران بعد فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م عادوا إلى بغداد خلسة وهم في غاية الاجهاد والتعب بعد مسيرة 25 يوما سيرا على الأقدام. ولم يكن لهم بيت آمن هناك سوى بيت عبدالقادر فتوالى وصولهم إليه سرا فكانت أم موسى تستقبلهم بالترحاب والتحنان وتهون عليهم مشقة السفر المضني، وقامت باستضافتهم جميعا وقد زاد عددهم يومذاك على العشرين مجاهدا."

ولما خرج زوجها المجاهد عبد القادر الحسينى رافته إلى السعودية بأولادها الأربعة هيفاءوموسى وفيصل وغازى، ووقضت أسرته معه عامين فى السعودية حتى انتقلت معه إلى القاهرة .

إن تربية الأبناء ورعاية الزوج فقط مرهقة أيما إرهاق للمرأة .. حقيقة لك الله أيتها المجاهدة الصابرة ..!! كيف تستطيع زوجة غنية ذات نسب وثراء مثلك أن تتخلى عن كل ذلك راضية وتقاسم زوجها آلام الغربة ومخاطرها من بلد إلى آخر، وترعى أولادها وزوجها وتلبى واجبها تجاه وطنها.وأين المستقبل وهى لا تعرف لها بلدا تستقر فيه .. إنه الصبر والثقة واليقين فيما عند الله خير وأبقى .

لم ترافقه فى الجهاد بالنفس فحسب ، بل تتخلى عن مالها أيضا وراحتها ، فجاهدت معه بكل ما تملك من المال، فقد باع عبد القادر الحسينى ما يملك هو وزوجته من أرض وعقار وأنفقا ما حصلا عليه من مال لشراء السلاح والذخيرة للدفاع عن فلسطين شرف العرب والمسلمين .

وكان الزوج المجاهد البطل الذى عشق الجهاد وصوت المدافع والرصاص كان يمتلىء قلبه حبا ووفاء لزوجته مخلصا لها لا يزاحمها الحب إلا فلسطين والجهاد فى سبيل الله والشوق إلى الشهادة . وليس أدل على ذلك من الشعر الذى اختصها به ، ومنه :

سيري فقلبي يا وجيهة سائر

أنَّى رحلتِ يطوفُ حولَ حماكِ

والله يعلم أن هجرتنا له

والله يرعى ما حييتِ خطاكِ

ثم يثنى على صبرها بقوله

أعلاك صبرك فوق كل جليلة

وعلى النجوم يطول أفق سماكِ

تركها آخر حياته فى القاهرة ، وكان يراسلها ويبدأ خطابه بـ (عزيزتى أم موسى ) وأحيانا أخرى بـ ( حبيبتى وجيهة ) ويبثها أشواقه إليها وإلى أبنائه وأحزانه وما يكابده من مشاق وعقبات فى ساحة الجهاد، ومنها تلك الرسالة :

" عزيزتي أم موسى "

أكتب إليك من دمشق، ولا أدري كيف أصف شعوري، وما يجول في نفسي، وما يخفق به فؤادي، وهذه فترة قصيرة أنا فيها بعيد عن مشاغل القتال، وما ذلك رغبة مني، ولكن الظروف هي التي أوجدتني في دمشق. بعيدا عن رائحة البارود، وعبير الجنة، وخوض المعارك الى جانب اخواني الأبطال الذين يقومون بتحرير وطنهم، نصرهم الله وأيدهم بقوة من عنده.

لقد كانت الفترة الماضية مليئة بالانتصارات الباهرة، والأعمال المجيدة التي بهرت العالم، وحطمت العدو، لقد سطرنا صفحات مجد لا تنسى في التاريخ، ولكن هذا لم يأت عفوا ولا سهلا، وهو عمل نسي كل واحد منا خلاله نفسه وأهله وأولاده وطعامه ونومه، وكل ما في الدنيا خلا الرغبة في النصر وسحق العدو الكبير في عدده، والقوي في عِدَده قياسا بما لدينا من السلاح القليل، ولقد قدرنا الله على ذلك وكافأنا على جدنا بالنصر المبين.

لكننا ما زلنا في أول الطريق، وعلينا أن نضاعف الجهود، ونصل الليل بالنهار، حتى نصل إلى النصر النهائي، واني أبشرك من الآن بأننا سنصل إليه إن شاء الله.

صحتي جيدة، كيف صحتك وصحة الأولاد؟ قبليهم جميعا، وبلغيهم رضائي.


المخلص إلى الأبد

عبدالقادر الحسيني .

ويتطرق مخاطبا زوجته طالبا منها الصبر على فراقه ، وهى التى ضحت حياتها معه حتى إنها لم تعش مثل سائر النساء وتتطلع إلى ما تتطلع إليه النساء من سعة العيش والاستقرار والحديث عن المستقبل والأنس بالزوج الذى لم يركن إلى راحة حتى فى المسكن بقوله :

يا أم هيفاء اصبري وتجلّدي

الله والوطن العزيز عناكِ

الناس تنعم بالرجال بعولة

وغرقت بين دمائها وشقاكِ

ما بين آسية الجروح قضيته

عيشا وبين طريدة لعداكِ

ما جئت بيتك غير منتجع شفا

دامي الجوانب أو معلل شاكي

لا تعلمين أميّت بدمائه

أم فيه أنفاسٌ بهن رجاكِ

أسمى وأثوب دمع عينك سائلاً

من كل جرح في دمائه باكي

قد نلت من شرف الجهاد مراتباً

ما نالها رجل القتال الشاكي

أعلاك صبرك فوق كل جليلة

وعلى النجوم يطول أفق سماكِ

سيري وربكِ لا يريد بنا أذى

إلا ورب البيت منه حماكِ

ويستشهد الزوج والأب فى 8/4/1948 ليتركها وهر فى ريعان الشباب تجاوزت الثلاثين سنة بقليل وأولادها الأربعة فى رعاية الله ثم فى رعايتها،ومن الأبناء من لم يتجاوز الثامنة من عمره وأكبرهم سنا(هيفاء) لم تتجاوز الثانية عشرمن عمرها ، وتعيش الزوجة الصابرة المجاهدة بعد استشهاده خمسة وثلاثين سنة حتى وفاتها سنة 1983م لتلحق برفيق عمرها الذى منذ أن فارقها وهى تشتاق إلى لقائه فى رحاب الله .

لقد أعطت هذه السيدة الجليلة عائلتها ووطنها كل الحب، وكل الايثار والتضحية والفداء، وكان بيتها في العواصم العربية : القدس ودمشق وبغداد والقاهرة ملجأ للمجاهدين والمناضلين من رفاق زوجها، ضمدت جراحهم، رتقت ثيابهم، سهرت على راحتهم، شدت أزرهم، وكثيرا ما وقفت أمام الموقد ساعات طوالا تطهو طعامهم .. وتكفل طمأنينتهم .. ودعت الله ربها أن يمن بنصره عليهم.

أولاده

وقد أنجبت له أربعة أبناء: هيفاء ولدت في القدس، وموسى ولد فى دمشق، وفيصل وغازي في بغداد. وقد ظلوا جميعا على العهد فى العمل لخدمة القضية الفلسطينية.

وكان المجاهد عبد القادر الحسينى وهو فى ساحة الجهاد يشتاق إلى أبنائه كأى إنسان ، لكنه آثر ما عند الله ، واكتفى بالرسائل التى تطمئنه عليهم ، لكنهم مع ذلك يحب الشهادة وأنها لا محالة فى ميدان الشرف ، لذا نجده يرسل إلى أبنائه رسالته الأخيرة المؤرخة بتاريخ2/4/ 1948 أي قبل استشهاده بستة أيام، وكأنها رسالة الوداع، فقد جاءت كما يلي:

أعزائي: هيفاء، وموسى، وفيصل، وغازي:

قبلات حارة لكم جميعاً، كيف أحوالكم، لماذا لا تكتبون لي، أرجو أن تكونوا متحابين وأولاداً طيبين، لا تعذبوا أمكم، كما أني أرجو أن تكونوا مجتهدين بدروسكم، وإذا نجحتم بالمدرسة فسأشتري لكم بنادق ومسدسات حقيقية لتقتلوا بها اليهود، وسأشتري لهيفاء أدوات إسعاف لتضمد جراح المجاهدين، سوف أراكم قريباً... الله يرضى عليكم . أبوكم المحب التوقيع

وكتب أبياتا ينعى نفسه لابنته هيفاء وزوجته وجيهة الحسينى ، ويدعوهم إلى الصبر على فراقه سواء كان موقتا فى الدنيا أوأبدى عندما يبلغ ما تسموإليه نفسه من الشهادة فى سبيل الله، فيوصى ابنته هيفاء أن تحفظ دموعها ولا تدعها تنسكب ؛ لأن حياة الجهاد تتطلب الصبر فى جميع الأحوال ،وتحمل الآلام في هذه الأرض المباركة، والتى جاءت تحت عنوان : (صوني دموعك)، فيقول :

رقراق دمعك هز قلبي الباكي

كُفّي البكا نفسي تراق فِداكِ

هيفاء لا تبكِ بحق أبُوتي

هيفاء قد هدّ البكاء أباكِ

صوني دموعك إنها من مُهجتي

ذوب الفؤاد ذرفته ببكاكِ

إن عادني ترجاج صوتك باكياً

أشفقت أن لا أحتيي لأراكِ

ومن أشهر أبنائه فيصل ، وكان عمره ثمان سنوات عند استشهاد والده عبد القادرالحسينى، درس فى القاهرة وحلب، وتعرف على ياسر عرفات إبان دراسته الجامعية في القاهرة. واشترك في حركة القوميين العرب عام 1957م.

كذلك شارك في إنشاء وتأسيس المنظمة الطلابية الفلسطينية عام 1959 م، والتي أصبحت فيما بعد نواة لمنظمة التحرير الفلسطينية. درس الهندسة في الأكاديمية العسكرية في حلب وتخرج منها في عام 1966 م ثم انضم إلى قوات جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سوريا أوائل عام 1967 م.

تولى فيصل مسؤولية ملف القدس لدى السلطة الوطنية الفلسطينية تحت رئاسة ياسر عرفات على أثر اتفاقيات أوسلو . وتوفي في الكويت يوم 31ايار/مايو 2001، ودفن فى القدس .

ثالثا : ثقافته وعمله

ثقافته

حفظ القرآن الكريم في زاوية من زوايا القدس وهو صغير، تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة الرشيدية بالقدس،واشترك في صباه بالمظاهرات الوطنية. واهتم بجمع الأسلحة والتدرب عليها منذ بلغ الثانية عشرة. ثم التحق بمدرسة المطران(غوباط بيشوب ( الإنجليزية القائمة على جبل صهيون في القدس، وقد زاده جو هذه المدرسة التبشيرية الحقد على المستعمرين ، وكان يقول :

لقد تعلمت في مدرسة صهيون، كيف أبغض الإنجليز، وبعد ثلاث سنوات قضاها في هذه المدرسة، التحق بمدرسة )روضة المعارف الوطنية ( ليتلقى تعليمه الثانوي في هذه المدرسة، وكانت هذه المدرسة تعتبر مصدر التوجيه الوطني الصحيح للناشئة العربية، وكانت هذه المدرسة التي أسسها الحاج أمين الحسيني سنة 1922 م تهدف إلى تخريج الشباب المؤمن المجاهد، ولتقف ضد المدارس الحكومية البريطانية التبشيرية، وكان المجلس الإسلامي الأعلى هو الذي يتعهد هذه المدرسة، وكان من مديريها: السادة:

نديم الملاح، وخير الدين الزركلي وسامي السراج وغيرهم.

وبعد شهادة الثانوية العامة ) المترك كما كانت تسمى فى ذلك الوقت(، التحق عبد القادر بالجامعة الأمريكية ببيروت، التي فصلته بعد سنة من دخوله نظراً لنشاطه الوطني ورفضه لأساليب التبشير في الجامعة، فما كان منه إلا الالتحاق بجامعة أخرى تسمح له بقدر من الحرية فتوجه إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة قسم الكيمياء وذلك في العام الدراسي 1929/1930 م ، وكان له نشاط طلابي ووطني كبير أثناء دراسته الجامعية.

وكان له نشاط طلابي ووطني كبير أثناء دراسته الجامعية، وعندما نودي ليستلم الشهادة عند تخرجه في عام 1932م - حيث نال شهادة البكالوريا في العلوم، ويقال إنه تخرج من الجامعة الأميركية حاملاً شهادتين: أحدهما فى الكيمياء والثانية فى التاريخ والصحافة .

في الحفل السنوي التقليدي للخريجين، والذي شهده كبار الأساتذة وزراء والعلماء والباشوات مع ألوف من الطلبة والطالبات وعلى رأسها رئيس الجامعة ) شارلز وال واطسون ( وبعد أن تسلم شهادته من رئيس الجامعة استأذن من الحضور بإلقاء كلمة فسمح له، فألقى كلمة بين فيها خطر هذه الجامعة التبشيرية، وبأنها بؤرة فساد مقنعة بالعلم، وندد بالسياسة الأمريكية، ثم مزق شهادته أمام الحفل الكبير، ورمى بنتفها أمام رئيس الجامعة وعمدائها قائلاً:

هذه شهادتكم فخذوها، فإني لفي غنى عنها، وإنه ليس مما يشرفني أن أحملها أو أن أنتسب إليها، أنا لست بحاجة إلى شهادة من معهدكم الاستعماري التبشيري. عندها قوبل خطابه بعاصفة من التصفيق الحاد.

وقعت هذه الخطبة القصيرة على الحاضرين وقوع الصاعقة وقررت الجامعة سحب الشهادة من عبد القادر ، واضطربت الجامعة وقررت سحب الشهادة منه، واتصلت بالصحف للتعتيم على الخبر، ثم وجه عبد القادر رسالة مركزة إلى كل الصحف في القاهرة ليروي ما حدث .

ومن بين ما وضحه في الرسالة يقول شارلز واطسون في كتابه: (حروب صليبية مسيحية ) في مصر.

إن للمسلمين طقساً دينياً هو أساس الإسلام، وهذا الطقس هو الحج، ويجب على كل مقتدر أن يؤديه،وهو عبارة عن الذهاب إلى الكعبة، حيث تقام طقوس دينية مخزية، وهذا المكان وكر لصوص، تؤتى به جميع أنواع المخازي الأخلاقية .

وعلى إثر ذلك اتصلت إدارة الجامعة بالإنجليز والأمريكان الذين، طلبوا من الحكومة المصريةإخراجه من مصر، فرحل إلى فلسطين في تموز سنة 1932 م ، فكان جزاؤه الطرد من مصر بأمرٍ من حكومة إسماعيل صدقي، ليعود بعدها عبد القادر إلى القدس فى نفس العام .

هذا الجانب نادر جدا فى المراجع التى كتبت عن المجاهد عبد القادر الحسينى ، فاقتصرت على دوره الجهادى،وغفلت عن جوانب ثقافته وإبداعاته ،فقد تنوعت ثقافته ، فكان حافظا للقرآن مولعا بالأدب العربى مما جعله يجنح إلى نظم الشعر ، وإن كانت قصائد قليلة إلا أنها تلقى ضوءا على جانب من جوانبه الثقافية التى أغفلتها المراجع .

كذلك فإن المجاهد عبد القادر الحسينى تخصص فى دراسته الجامعية فى قسم الكمياء مما كان أكسبه خبرة فى التعامل مع المتفجرات ثمّ حصل على دورة ضباط احتياط في الكلية العسكرية ببغداد لمدة ستة أشهرعام 1940م.وحصل على دورة عسكرية في ألمانيا، وتدرب فيها على تصنيع وتفجير القنابل والألغام عم 1944.

مما أكسبه خبرة فى الحرب وزراعة الألغام والمتفجرات والتى برزت فى ميدان القتال كما هو معروف من جهاده . وقد نشرت له بعض الكتب التي تناولت سيرته عددًا من القصائد، ومن هذه الكتب:

كتاب (عبدالقادر الحسيني بطل القدس) ، دار العودة ، بيروت 1975.وكتاب (فارس القسطل عبدالقادر الحسيني) رواية تاريخية - وزارة الإعلام بغداد 1977 . وكتاب ( فلسطين الأم وابنها البار عبدالقادر الحسيني) ، دار الجليل ، عمان 1986. وقام د.فيصل حسين طحيمر غوادرة بدراسة أدبه فى بحثه له بعنوان : الواقع واستشراف المستقبل في شعر عبد القادر الحسيني وترسله ،ونشره فى جامعة القدس المفتوحة فى جنين .

وسوف نعرض لجوانب إبداعه الشعرى ، وقليل مَن يعرف أن الشهيد عبد القادر الحسيني كان أديباً أو شاعراً، ربما كان ذلك لقلة شعره،وقلة شعره قد تكون نتجت عن عدة أمور، منها أنه ليس لديه الوقت الكافي لنظم الشعر، فحياته كلها جهاد ونضال، وتنقل وسفر وترحال، ومنها أنه ربما يكون له شعر أكثر من الذي بين أيدينا ولكنه ضاع لعدم تدوينه، أو لفقدانه بسبب وضعه الجهادي،

ولكن رغم قلة ما وصل إلى أيدينا، فإنه يدلنا على أن الشهيد - رحمه الله – كان يملك مقدرة شاعرية، وشاعريته هذه امتزجت بسيل جارف من المشاعر الفياضة والمتنوعة، بسبب طبيعة الظروف التي يعيشها الشهيد، وتعيشها فلسطين، وما نتج عنها من الأوضاع الوطنية والجهادية والحربية ضد اليهود المحتلين الغاصبين لفلسطين عامة، ولقدسنا الشريف خاصة.

ونستطيع أن نقول إن هذا الشاعرالشهيد والأديب المترسل يحمل أدبه في طياته الكثير من المعاني؛ لأن الشهيد عندما كان يكتب شعراً، أو رسالة، فقد كان يسجل واقعاً يعيشه نضاله وجهاده بشكل يومي، فشعره وترسله حملا لنا واقع هذا الشهيد وحقيقته وحياته،

وكان من خلال هذا الواقع ينظر إلى المستقبل بعين ملؤها الأمل بالنصر والتحرير لفلسطين، وكان يأمل أن يتحول مستقبل الجهاد فيها إلى جهاد منظم، يصاحبه الدعم العربي والإسلامي حتى يندحر المحتل الغاصب، وتتحرر القدس وسائر فلسطين،ومنها: قصيدته )الطود الأشم ( يقول:

ما أفتر الخطب الجلل

عزمي ولا همي ثلم

سود الوقائع أُلفتي

عوّدتها بعد النعم

ما كنت أجهل مرّها

حتى يعاودني الندم

إني الصبور على البلى

وكأنني الطود الأشم

هوج الرياح تحطمت

والطود ثابت لم يضم

تزداد نفسي منعة

ما حلّ خطب وادلهم

يبلى الجديدان ولا

تبلى العزائم والهمم

نجد الشاعر الشهيد في هذه القصيدة يظهر عزمه وإصراره على الاستمرار في المقاومة والجهاد حاضراً ومستقبلاً، وبأن المصائب والصعاب مهما عظمت ستجده ثابتاً بعزم لا يلين. فنجده في قصيدته ) حنين ( يسطر أنبل المشاعر وأصدقها، فمن أبياتها :

وما بي غربة شقّت

فأرض العُرْب أوطاني

ولي في القدس أترابٌ

وفي بغداد إخواني

ومن قصيدة أخرى يحن للقدس

نسـيمُ الغربِ أشجاني

وأجـرى دمعَ تحنـاني

وذكّرنـي ربـــوعَ القُدْ

سِ أوطـانـي وخِلاّنـي

وأيــامًا غدتْ حُلُــــم

بأفــــراحٍ وأحــزان

ثم يحن إلى أولاده ، ويشتاق إلى تقبيلهم، وإن كان أحياناً يقبل صوراً لهم يحتفظ بها في مسيرته الجهادية، لكن هذا الرسم يزيد من نيران شوقه وحنينه لرؤيتهم؛ ولذا يقول:

فكم قبّلت من شوق

رسوماً فوق كتان

لعل الرسم يغنيني

فزاد الرسم نيراني

وله قصيدة يمدح فيها الملك عبد العزيز آل سعود إذ يقول في مقدمتها


المجد مِنْ عادٍ بدا والسعد في آل السعــودِ
إرثٌ تـوارثه البنون عن الخضارمة الجدودِ
فغـدوا كأنهم الثــواقب زينّت برج الخلـــودِ
وهم الملاذ لمن يضيق بوجههم رحب الوجودِ
لا يخفرون ولا تنال جـــوارهم عثر الجـــدودِ


هوشاعر ثائر، يتميز شعره بنبرته القوية وألفاظه الحادة التي يعبر من خلالها عن قضية شعب يناضل من أجل حريته، كلماته تقطر دمًا، حمل في مواجهة أعدائه سيفه وقلمه، فكتب الأناشيد الحماسية المؤججة للثورة، كما مدح ورثى، وكان من خلال مديحه ورثائه يستنهض قيم العروبة وشيمها مطالبًا بالثأر من أعدائها. مع ميله إلى التجديد، كتب القصيدة الحوارية والقصيدة ذات المقاطع متنوعة القوافي.

أما أدبه النثرى فكانت رسائل الشهيد عبد القادر الحسينى في أنواعها المختلفة تعبر في أغلبها عن همومه نحو قضيته وقضية المسلمين جميعاً، ألا وهي قضية فلسطين والمحتل اليهودي، فلذلك كانت رسائله تأتي عبر نسمات الجهاد على أرض الوطن، يبعث بهمومه إلى القادة العرب، والمسؤولين ولو كانوا من ذوي القربى يستنجدهم، ويطلب منهم العون والمساعدة، أو يرسل بتوجيهاته العسكرية إلى جنوده بوصفه القائد العسكري لهم،

وأحياناً وفي بعض اللحظات تداعب خياله ذكرى أهله، زوجته وأولاده فيبعث لهم برسائل الشوق والحنين، رغم ما فيه من قتال وحرب، بين أزيز الرصاص وقرع القنابل، ولكنه يبقى الأب المجاهد، الذي لا ينسى زوجته وأبناءه، من كلمات فيها حنين، وفيها وصايا ترسم لهم بعض ملامح طريق المستقبل.

عمله فى فلسطين

قام عبد القادر الحسينى وهو فى بداية العشرين من عمره العمل محررا فى صحف مختلفة ،لكنه لم يستمر فيها طويلا، لقوّة مقالاته المعادية للاستعمار كانت سلطات الاحتلال البريطاني تغلق الصحف التي يعمل بها، وتعلق عودتها بوقف مقالات عبد القادر الحسيني .

عمل محررًا في جريدة الجامعة الإسلامية التى كانت تصدر في يافا منذ عام 1925م، ورئيس تحريرها الشيخ سليمان الفاروقي، ثم تولى سكرتيرًا لها، ولقوة المقالات المعادية للاستعمار أغلقت الجريدة، وتم تعليق عودتها على وقف مقالات عبد القادر الحسيني، فتركها عبد القادر من تلقاء نفسه وذلك بعد ستة أشهر فقط من بدء عمله بها، ثم انتقل ليعمل محرراً في جريدة الجامعة العربية التى كانت تصدر بالقدس، ورأس تحريرها منيف الحسيني ، واستمر يكتب بنفس الحماسة التي عرفت عنه إلى أن أغلقت الجريدة أيضا .

ولما عاد إلى القدس بعد دراسته بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عمل موظفاً في إدارة تسوية الأراضي، سنة 1934 وهي الإدارة الخاصة بتسجيل أو نزع ملكية الأراضي في فلسطين.

وفيها عرف كيف يمهّد الاحتلال لإقامة دولة صهيونية في فلسطين. فنشر عدة مقالات في فلسطين والعراق وغيرها يشرح فيها المؤامرة البريطانية الصهيونية. وقاد مظاهرة مع والده عام 1933م ضدّ المؤامرة البريطانية وفيها أصيب والده بجروح أفضت به إلى ربه.

من أهم أعماله أثناء وظيفته: تحويل كثيرٍ من أراضي القرى إلى أوقاف إسلامية، حتى لا يتمكّن اليهود من الاستيلاء عليها كما أوقف العديد من الصفقات المشبوهة.

ولما قام "الحزب العربي الفلسطيني" في 27 آذار 1935 برئاسة جمال الحسيني،انضم إليه عبد القادر الحسيني ، وتولى عبد القادر إدارة مكتب الحزب في القدس كما ساهم في تحرير جريدة اللواء التي أصدرها الحزب عام 1935 وكان يرئس تحريرها خالد الفرخ ، والواقع أن موهبته الصحفية كانت قد تفجرت قبلاً على صفحات مجلة "الجامعة الإسلامية"، ولم تكن ظروف هذه الجريدة بأفضل ممن سبقها..

غير أن تطورات القضية الفلسطينية كانت تعد الشهيد عبد القادر الحسيني لما هو أخطر من الكتابة، والعمل الوظيفي، كانت تعده لأن يكون قائدا عسكريا.

رابعا : دورعبد القادر الحسينى فى الثورة الفلسطينية (1936-1939)

كان عدد اليهود فى فلسطين سنة 1336هـ / 1918(56.000) نسمة ، بينما أصبح عددهم سنة1355هـ / 1937، بالإضافة إلى قيام السلطات البريطانية بتسليح اليهود ، وتدريبهم فى الوقت الذى كانت فيه تلك السلطات تمنع الفلسطنيين من اقتناء السلاح وتحاكم كل من تجد معه طلقة فارغة .

وفى الوقت نفسه كان اليهود يقتلون الآمنين من المواطنين من النساء والرجال العزل من السلاح .

وبعد استكمال التدريب المناسب، أعلن عبد القادر الجهاد على الإنجليز. وبدأت المواجهات الحقيقية مع القوات الإنجليزية

وتأثر بالشيخ عز الدين القسام كثيرا وتوليت تدريب مجموعة من الشباب,وقام بإلقاء بعض قنابل على منازل المحتلين ذوي المناصب الرفيعة ، وقد قاموا باغتيال الميجور سيكريست رئيس شرطة القدس .

وكان لثورة الشهيد عز الدين القسام واستشهاده فى 19نوفمبر 1935الأثر الأكبر فى انطلاق ثورة(1354هـ /1936) أضف إليه استمرار بريطانيا فى ممارسة سياستها العدوانية وتدفق الهجرات اليهودية إلى فلسطين .

لذا قامت الثورة الفلسطينة سنة 1936 لأهداف محددة :

1- إنشاء حكومة وطنية ومجلس نيابى .

2- منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين .

3- منع انتقال الأراضى العربية لليهود .

وهذه المطالب نقيض المشروع الصهيونى الذى يقوم عليه وعد بلفور برعاية انجليزية ، فلن يقبل بها اليهود ولا الإنجليز .فكان لابد لكل الطرفين من الاستمرار حتى يستطيع أحدهم تنفيذ غايته .لذا اشتعلت الثورة واستمرت حتى 1939بغية وقف المشروع الصهيونى فى فلسطين .

وقد انضم إليها عبد القادر الحسينى وأصبح من قادتها .ولعل من الأفضل أن نوضح دور عبد القادر فى الثورة فى كل سنة من سنواتها .

ورغم ذلك فقد استطاعت الثورة أن تنتزع الإعجاب حتى من الأعداء الصهاينة. ففي معرض تقييمه لما حدث في فلسطين في الأعوام من 1935 حتى 1936 يقول بن جوريون أول رئيس لوزراء العدو:" اتضح لي، منذ أيام الشيخ القسام، أننا نتعامل مع ظاهرة جديدة في الوسط العربي.

فهو غير النشاشيبي، وغيرالمفتي، وليست القضية بالنسبة إليه مسألة ممارسة عمل سياسي أو كسب مادي.

فقد أظهر الشيخ القسام أنه مستعد للتضحية بحياته في سبيل عقيدته الدينية، والآن لا يوجد شخص واحد فحسب، وإنما عشرات ومئات ، بل ربما آلاف مثله والشعب العربي يقف وراءهم".

سنة 1936

بدأ الجهاد المسلح منذ عام 1935م، وعندما تسلم عبد القادر إدارة مكتب الحزب العربي الفلسطيني في مدينة القدس عام 1935م بدأ تنظيم وحدات فلسطينية سرية، ودرّبها وجهزها بالسلاح، وعُرِفت فيما بعد باسم جيش (الجهاد المقدس).

إذ آمن بأنّ الجهاد هو الطريق الوحيدة للوصول إلى الحرية. وقد تأكّد له ذلك المعنى بعد استشهاد الشيخ عز الدين القسام ، فبدأ بتنظيم وحدات من الشباب وتدريبهم على السلاح، وعند انتهاء التدريب المناسب، بدأ يعلن عبد القادر الجهاد على الإنجليز.

وكان في تلك الفترة مسؤولاً عن نشاط الثوار في منطقة الخليل، تضبط إيقاعها العسكري وتجعله أكثر تأثيراً على قوى العدو.

وقام اليهود بعمل شنيع ،فقاموا بإطلاق النار وحرق المزارع وهدم البيوت فعقد عبد القادر مؤتمرا صحفيا دعا إليه الصحفيين العرب والأجانب ووجه كلمته إن لم يتوقف اليهود فسيضطر إلى الرد عليها ، ولما لم يجد ردا جهز فرقا قامت بالهجوم على عمارة الصحف اليهودية في القدس ومبنى الوكالة اليهودية وعدة مراكز في حيفا فوقف اليهود عن عملياتهم الشنيعة.

وفى عام 1936 كانت الثورة تغلى في النفوس ولم يتبقَ سوى الشرارة.

وقد جاءت تلك الشرارة في 15 نيسان 1936 إثر مقتل يهوديين وجرح آخر في كمين نصبه بعض القساميين لقافلة يهودية على الطريق العام بين نابلس وطولكرم. وفي اليوم التالي رد اليهود باغتيال فلسطيني في الطريق بين مستعمرة ملبّس وعنابا.

ولم يكتف الصهاينة بذلك بل حولوا جنازة أحد قتلاهم بعد يومين إلى تظاهرة صاخبة اندفعت من تل أبيب باتجاه يافا. ونجم عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى من الطرفين فأضربت يافا احتجاجاً على اعتداءات الصهيونية، وعلى تواطؤ السلطات البريطانية مع تلك الاعتداءات.

وقد أشارت بعض المراجع (1) أن الشهيد عبد القادرالحسيني أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة على الاستعمار البريطاني في 6 أيار 1936، حين هاجم ثكنة بريطانية (ببيت سوريك) شمالي غربي القدس، ثم انتقل من هناك إلى منطقة القسطل، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان من فلسطين.

وقد تولى عبد القادر الحسيني فعلياً قيادة منطقة القدس في أثناء الثورة الكبرى(1936 ـ 1939م).

وفي بداية الثورة، اجتمع عبد القادر ونفر من إخوانه المجاهدين في منطقة القدس، حيث أدى الجميع الصلاة متضرعين إلى الله تعالى أن يأخذ بأيديهم وينصرهم على أعدائهم، مؤكدين أن هجرتهم خالصة لله سبحانه وتعالى، وعزمهم على ترك مدينة القدس والاعتصام بجبالها «لا تشرداً ولا بطراً، ولكن حباً لله وجهاداً في سبيله، ونصرة للدين وذوداً عن الوطن، ودفاعاً عن الحرمات. والأعراض والحريات والمقدسات.

في السادس من مايو / أيار 1936اتخذ التنظيم السري بقيادة عبد القادر الحسيني قرار إعلان الثورة في السابع من أيار .

والتحق عبد القادر وزملاؤه القادة المجاهدون إلى الجبال، وقام بإطلاق الرصاصة الأولى إيذاناً بإعلان الثورة المسلحة ضد ثكنة بريطانية ببيت سوريك شمالي غربي القدس وهاجمها المجاهدون ودمروا مركز الرادار . ومن هناك انتقل إلى منطقة القسطل واتخذ من بلدة بير زيت مقراً لقيادته.

وبدأت الثورة في أنحاء مختلفة من فلسطين ، حيث قسمت إلى مناطق قتالية مختلفة وعين على كل منطقة قائد لها ، وبدأت عمليات الجهاد المقدس بنسف الجسور ، وزرع الألغام تحت الخطوط الحديدية وفي الطرقات التي يتوقع وصول النجدات عبرها، ومهاجمة مراكز الجيش والشرطة .

وقد اتخذ القائد المقدسي ولأسباب عديدة بلدة (بير زيت) مقراً لقيادته العسكرية ، كما قسم فلسطين إلى مناطق قتالية، وولى على كل منطقة منها قائداً من قادته، أما الخلايا السرية وقياداتها فظلت تابعة له مباشرة.

ويشير الدكتورعبد الوهاب الكيالي في كتابه (تاريخ فلسطين الحديث) أن عبد القادر ساهم بقسط كبير في إنجاح الإضراب الطويل الذي استمر زهاء ستة أشهر بكاملها، إلا أن هذا الشكل من الكفاح خبا وتلاشى في الأسبوع الأخير من أيار/ مايو سنة 1936م، ليحل الكفاح المسلح بديلاً عنه، وقد كان عبد القادر أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة على بطش المستعمر في 6 أيار/مايو 1936م، حين هاجم ثكنة بريطانية (ببيت سوريك) شمالي غربي القدس،

ثم انتقل من هناك إلى منطقة «القسطل»، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان من فلسطين حيث انضم إليهم أفراد المنظمات السرية التي كان قد شكلها بمعرفة اللجنة التنفيذية، وتم تشكيل الأجنحة العسكرية، وأعلنت الثورة في التاسع والعشرين من أيار / مايو سنة 1936م، وأطلق على قواتها اسم «الجهاد المقدس»، وكان أبرز قادتها الشهداء:

عبد الرحيم الحاج محمد، حسن سلامة، يوسف أبو درة وعبد القادر الحسيني، وبهذا شكلت حركة عبد القادر الحسيني الشرارة التي امتد لهيبها إلى سائر أنحاء فلسطين، فانضم إلى مجموعاته في الجبل، آلاف القرويين الوطنيين، وكان يشارك بنفسه في قيادة المعارك العسكرية، وقد برز دوره في المعارك التالية:(باب الواد، عين كارم، حلحول، بيت سوريك، عرتوف، بني نعيم وبيت جالا ).

وبلغت الثورة الفلسطينية أوج قوتها في تموز عام 1936 حيث انضم إليها من بقي من رفاق الشهيد عز الدين القسام، وبلغت أنباؤها العالم العربي كله، فالتحق بها المجاهدون العرب أفواجاً، وخاض الثوار العرب معارك بطولية ضد المستعمرين البريطانيين والصهاينة .

وقام بإلقاء قنبلة في عام 1936م على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين، والثانية على المندوب السامي البريطاني، ثم اغتيال الميجور"سيكرست" مدير بوليس القدس ومساعده.. ثمّ بدأت أعمال الوحدات الفلسطينية في عام 1936م، فهاجموا القطارات الإنجليزية وقطعوا خطوط الهاتف والبرق.

وعندما اشتعلت ثورة 1936م، هاجمت قوات بريطانية مكتب الحزب العربي الفلسطيني بهدف اعتقال عبدالقادر ورفاقه، لكنهم لم يعثروا عليه، وظهر فجأة في إحدى المناطق الجبلية ، وبدأت بعضُ الفصائل بمهاجمة القوات البريطانية وتجمعات العصابات اليهودية، وكلَّف البريطانيين الكثيرَ من الخسائر، وتولى في بعض مراحل الثورة قيادةَ منطقة القدس الشريف.

- معركة الخضر ( 6من أكتوبر/ تشرين الأول 1936) (2):

معركة الخضر معركة شهيرة نشبت في يومي الخامس والسادس من تشرين الأول 1936 بين المجاهدين الفلسطينيين وعددهم 120 ، وقوات الاحتلال البريطاني التي قدر عددها بحوالي ثلاثة آلاف جندي تساندهم الآليات والطائرات. جرت المعركة بين قريتي الخضر وحوسان قرب بيت لحم ،واشترك عبد القادرالحسينى فى قيادتها مع القائد السورى سعيد العاص (3).

وقد استشهد فيها القائد سعيد العاص ، وجرح عبد القادر جرحاً بليغاً، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس، بعد مغامرة رائعة قام بها المجاهدون من رفاقه فهاجموا القوة البريطانية التي تحرس المستشفى وأنقذوه وحملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه.

ويصف أكرم زعيتر في يومياته وقائع تلك المعركة على النحو التالي: "وقعت المعركة بين قريتي نحالين ورأس أبو عمار على طريق القدس الخليل ؛ إذ قامت قوة من الجند البريطاني تقدر بثلاثة آلاف جندي منذ ثلاثة أيام بتطويق منطقة واسعة من الجبال والأراضي الواقعة بين القدس والخليل على خط طويل تبتدئ حدوده من خطوط السكك الحديدية وتنتهي إلى سلسلة من الجبال الداخلية. وكانت المنطقة المحاصرة تضم 120 ثائراً وعلى رأسهم القائد المجاهد سعيد العاص".

ويتابع أكرم زعيتر: "وزع سعيد رجاله على أماكن مختلفة. وفي مساء أمس الأول شعر بتضييق الجند في حركتهم التطويقية. فوزع بقية رجاله ولم يبق منهم إلا 10-15 من الأشداء الذين أبوا مفارقته وظل رجاله ساهرين الليلة كلها خشية مفاجأة الجنود. ثم برز الجنود ونشبت المعركة وجهاً لوجه واحتدمت وكان سعيد واقفاً يطلق الرصاص ويصدر الأوامر وأصيب بثلاث رصاصات ولكنه ظل واقفاً رابط الجأش مستمراً في كفاحه إلى أن أصابته رابعة فسقط شهيد الدفاع عن فلسطين .

ويختم أكرم زعيتر حديثه عن المعركة بالقول "ونحمد الله لأن جرح القائد عبد القادر كان بسيطاً .

وانتهت معركة الخضر، التي تشبه إلى حد كبير معركة أحراش يَعبد التي استشهد فيها عز الدين القسام، انتهت باستشهاد سعيد العاص، وجرح مساعده عبد القادر الحسيني، وقد قامت قوات الاحتلال البريطاني بالقاء القبض على عبد القادر، ووضعته "في مستشفى الحكومة في القدس وبالتعاون مع بعض الشباب نقل سراً إلى دمشق عن طريق الأردن حيث عولج حتى شفي".

واستمرت الثورة بعد ذلك حتى الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1936م، حيث تم إيقاف نشاطها العسكري، تلبية لنداء الحكام.

سنة1937

وعاد إلى فلسطين بعد استئناف الثورة المسلحة في الخامس عشر من تشرين الأول /أكتوبر سنة 1937م، وذلك إثر صدور التوصية البريطانية بتقسيم فلسطين، وفقاً لتقرير اللجنة الملكية البريطانية، وقد تولى قيادة الثوار في منطقة القدس، وقاد هجومات عديدة ناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، وكان من أهم المعارك التي خاضتها فصائله، «معركة عرتوف الكبرى» في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1937م، كما نجح في القضاء على فتنة دينية كان المستعمر البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحيها.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية، نقل عبد القادر عملياته إلى جنوب منطقة الخليل، فحاولت السلطات الانتدابية البريطانية القضاء عليه، فقام الجيش البريطاني في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1938م بحشد قوات عسكرية ضخمة، معززة بالدبابات والطائرات، وطوق قرية «بني نعيم الكبرى»، ووقعت معركة ضارية سقط فيها الكثير من الشهداء،

وأصيب عبد القادر مرة أخرى بجروح بليغة، وفي خريف عام 1938م، جُرح عبد القادر ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان. ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي.

سنة1938

وعاد إلى فلسطين سرًا، وأغار مع رفاقه على بعض المعسكرات البريطانية الحربية، وتمكنوا من السيطرة على أجزاء منها، بعد أن غنموا الكثير من السلاح، واستاء الإنجليز من الوضع، فقرروا ملاحقة الثوار، وضربوا في خريف عام 1938م حصارًا واسع النطاق حول منطقة بني نعيم الواقعة بين بيت لحم، والخليل، وقدر أحدُ المجاهدين عدد القوات البريطانية المهاجمة بخمسة آلاف جندي،

ونشِبت معركةٌ حامية بين الطرفين غير المتكافئين، واستمرت المعارك أكثر من عشر ساعات، واستطاعت الطائراتُ البريطانية حسم المعركة لصالحها، وأصيب عبد القادر بإصابات متوسطة، فنقله رفاقه إلى المستشفى بالخليل، ثم نقلوه سرًا حتى الحدود السورية، وحكمت عليه السلطات البريطانية بالإعدام.

وعاد عبد القادر إلى فلسطين مع بداية عام 1938، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس، وقاد هجومات عديدة ناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الانتداب البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين المسلمين والمسيحيين فى فلسطين .

سنة1939

معركة جبال بني نعيم في القدس :

في الأيام الأولى من عام 1939 "بدأت (المعركة) بتطويق آلاف الجند البريطاني لقرى وجبال جنوبي القدس في بيت لحم والخليل.

وقد اشتركت فيها نجدات من مجاهدي الخليل بقيادة عبد الحكيم الجولاني جاءت لمساعدة المجاهدين الذين يقودهم عبد القادر الحسيني.

كانت المعركة ضارية قتل فيها عدد من الجند البريطاني واستشهد بعض المجاهدين المغاوير، وفي مقدمتهم المهندس عمر الحسيني ابن عم عبد القادر ... كما استشهد ابراهيم خليف قائد فصيل بيت لحم ، وعيسى أبو قدوم قائد فصيل عرب التعامرة .. والقائد عبد الله مشعل.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية خفت جذوة الثورة إلى حين ، وشغل العالم بالحرب الجديدة .

و بدأت مرحلة جديدة باستخدام الأساليب البشعة من القمع وخاصة على المناطق القروية حيث كانت منبع الثوار وملجأهم . لذلك حرصاً على القرى وعدم وقوع الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، وافقت اللجنة على وقف النار، وبالاضافة إلى ذلك فقد شح السلاح والعتاد بشكل واضح ، وأصبح الحصول على السلاح والخرطوش صعباً جداً نتيجة لحراسة الحدود حتى أن سعر البندقية ارتفع الى أكثر من ستين ليرة ( جنيهاً ) والمسدس الى 35 جنيهاً ومشط الفشك الانكليزي بعشرة قروش والألماني باثني عشر قرشاً .

وحتى أن المال اللازم للشراء لم يعد موجوداً على نحو ما ورد عن عبد القادر الحسيني.

خامسا : عبد القادر الحسينى فى المنفى

غادر عبد القادر فلسطين سنة 1939 بعد فشل الثورة الفلسطينية ، وتعقب الإنجليز للمجاهدين ، ولكنه فى البلاد التى نزل بها لم ينس قضيته ، وحمل بين ضلوعها عاطفته تجاه البلاد العربية التى نزل بها ،فشاركهم محنهم وجهادهم .

فى العراق

لما هدأت الثورة في فلسطين سنة 1939 توجه إلى بيروت حيث حصل من القنصل العراقي فيها على جواز سفر عراقي تحت اسم مستعار .

وصل عبد القادرالحسينى إلى بغداد بصحبة أسرته ( زوجته وأولاده هيفاء وموسى ) ، وأقام عبدالقادر وأسرته بحي الكرادة الشرقية ببغداد، وكان موضعَ حفاوة وتَرحاب من الشعب العراقي، وعمل أستاذًا لمادة الرياضيات في المدرسة العسكرية بمعسكر الرشيد، وكذلك في مدرسة التفيض المتوسطة، والتحق كذلك بدورة لضباط الاحتياط بالكلية العسكرية أول شهر إبريل عام 1940م، وبعد ستة أشهر انتهت الدورة، وتخرج عبدالقادر بعدها برتبة ضابط .

في مايو / أيار سنة 1941م أقدم الإنجليز على تنفيذ عدة أعمال انتقامية استفزازية ضد الحكومة الوطنية الشرعية في العراق بزعامة "رشيد علي الكيلاني" رئيس الوزراء في العراق، ورأى الفلسطينيون في العراق حتمية مساندتهم للشعب العراقي في محنته، واشتركوا بصورة فعلية ومؤثرة في القتال بقيادة عبدالقادر الحسينى، فأبلوا في المعارك بلاء حسنًا خاصة في منطقة صدر أبي غريب.

وبعد شهر من القتال استطاع الجيشُ البريطاني الكثيف في عَدده وعُدته أن يتغلب على المقاومة الوطنية ، واضطرالمجاهدون الفلسطينيون إلى مغادرة العراق إلى إيران برًا، لكن السلطات الإيرانية لم تسمح لهم بدخول أراضيها، ويقال إن عبد القادر تمكن من الدخول إلا أن رفاقه لم يتمكنوا من ذلك ، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه معهم ، فعادوا ثانية إلى بغداد .

وألقت القوات البريطانية في العراق القبض على عبد القادر، ومَثُل أمام المحكمة العسكرية البريطانية بتهمة التعرض للجيش البريطاني، وصدر عليه الحكم بالسجن، وتحت ضغط الرأي العام العراقي والرموز الوطنية العراقية استُبدل السجن بالنفي عشرين شهراً إلى بلدة زاخو في أقصى شمال العراق.

كما مثُلت أمام المحكمة السيدة (وجيه الحسيني) زوجة عبد القادر بحجة مساعدتها وإيوائها للثوار، وتحريضهم على القتال، وحكم عليها بالإقامة الجبرية في بيتها ببغداد مدة عشرين شهراً كما سبق.

وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه، فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة .. ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943م.

بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية ، فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها ما يقرب من عامين بمرافقة أسرته مكرما في ضيافة الملك .

فى ألمانيا

دخل عبد القادر ألمانيا متسللا ، ومكث بها ما يقرب من سنتين حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات القنابل والألغام وتركيبها.

فى مصر

غادر ألمانيا في مطلع 1/1/1946م قاصدا مصر لمراجعة الأطباء بعد أنْ آلمته جروحه من معاركه الكثيرة. وهناك وضع خطة إعداد المقاومة الفلسطينية وتنظيم عمليات تدريب وتسليح وإمداد المقاومة الفلسطينية. وأنشأ لهذا الغرض معسكراً سرياً (بالتعاون مع قوى وطنية مصرية وليبية) على الحدود المصريةالليبية لإعداد المقاتلين.

ونظرا لنشاطه السياسي وصلاته بعناصر من حزب مصر الفتاة ، وجماعة الإخوان المسلمين، وتجميعه الأسلحة أمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده.. لكن الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المصريةحالت دون تنفيذ ذلك.

وما أن علمت الهيئة العربية العليا نية الأمم المتحدة تقسيم فلسطين حتى قررت إنشاء جيش فلسطين لممارسة الجهاد الفعلي، واختير المفتي قائداً أعلى لهذا الجيش وأعاد تجهيز ( الجهاد المقدس )، ثم حولها إلى جيش الجهاد المقدس الفلسطيني.

وأسند قيادته العامة إلى عبد القادر الحسيني، بالإضافة لمهمة الدفاع عن القدس ورام الله وباب الواد.

وكان هذا الجيش يمثل( الجيش الفلسطيني) الذي وضعت القيادة الوطنية الفلسطينية ثقلها فيه تساندهم فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم ويستدعون عند الحاجة.

وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر / تشرين الثاني1947م،وقد هب الشعب الفلسطيني بمدنه وقراه بأعنف تظاهرات شهدتها فلسطين حتى ذلك الحين، ووقعت صدامات دموية بين العرب من جهة، والصهيونية والقوات البريطانية من جهة أخرى، وفي تلك الأحداث، خرجت المنظمات الصهيونية بأسلحتها ومعداتها العسكرية، وقامت بشن هجمات على القرى الفلسطينية التي كانت جماهيرها عزلاء من السلاح.

وفي هذه الفترة تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان، والتقوا جميعاً بعبد القادر، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد.

فأعادوا تشكيل قوات «الجهاد المقدس»، واتخذت بلدة (بيرزيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها.

واستعداداً للجولة العربية الصهيونية الأولى أنشأ عبد القادر معملاً لإعداد المتفجرات، ومعسكراً تدريب مجموعات فلسطينية، وعمل على إقامة محطة إذاعة لتتولى إذاعة البيانات الصادرة عن المقاومة الفلسطينية وحث المجاهدين في منطقة رام الله.

وأقام محطة لاسلكية في مقر القيادة ببلدة (بير زيت)، وعمل شفرة اتصال حتى لا يتعرف الأعداء على مضمون المراسلات ونظم فريق مخابرات لجمع المعلومات عن العدو وفريق آخر لردع عمليات القتل اليهودية.

وتعد هذه القوات طليعة العمل النضالي العربي التي انبثقت تنظيماتها من صميم الشعب الفلسطيني، وكانت في الحقيقة أول مظهر من مظاهر القوات الشعبية التي تحمل في جوهرها صفة الجيش الشعبي في بلد كان يرزح تحت نير الاستعمار البريطاني.

وبالرغم من حماسة أفراد ( الجهاد المقدس ) وتضحياتهم، إلا أنَّ هذا الجيش كان ضعيف التسليح والتدريب قياساً بإمكانات القوات اليهودية الصهيونية.

وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع «الهيئة العربية العليا» في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي كان يتم التبرع بها إلى هذا الجيش، والذي كان بأمس الحاجة إليها.

وقد نظم عبد القادر الحسينى عمليات التدريب والتسليح للمقاومين كالتالى :

راح "يعمل وبالتعاون مع قيادة الحركة الوطنية

1- أنشأ معسكراً سرياً بالتعاون مع الإخوان المسلمين لتدريب خاص في مرسى مطروح لصنع الألغام وتعبئتها وجمع الأسلحة سراً من كل مكان من مخلفات الحرب العالمية الثانية كما عمد إلى إعداد خريطة فلسطين وعليها تحديد المواقع الحيوية والأهداف العسكرية، وذلك من أجل وضع خطة لتنظيم الثورة المقبلة على أسس مدروسة .

2- قام بتدريب عناصر مصرية أيضاً للقيام بأعمال فدائية، حيث شاركت عناصره في حملة المتطوعين بحرب فلسطين وكذلك في حرب القناة ضد بريطانيا.

3- التواصل والتشابك مع قائد الهيئة العربية العليا ومفتي فلسطين أمين الحسيني من أجل تمويل خطته وتسهيل حركة المقاومين على كل جبهات فلسطين.

4- التنسيق والتواصل مع المشايخ والزعماء والقادة داخل الأراضي الفلسطينية.

5-أنشأ معملاً لإعداد المتفجرات، ودرّب مجموعات فلسطينية على استعمالها .

6- إقامته محطة إذاعية في منطقة رام الله لتتولى إذاعة البيانات الصادرة عن المقاومة الفلسطينية وحثّ المجاهدين على الجهاد . 7- تشجيع المجاهدين على الجود بأنفسهم وقوتهم في سبيل نصرة الحق والحرية .

8- أنشأ محطة لاسلكية في مقر القيادة في بيرزيت وعمل شفرة اتصال تضمن لهم سرية المعلومات وعدم انتقالها إلى الأعداء عبر المراسلات العادية.

9- قام الحسيني أيضاً بتجنيد فريق مخابرات مهمته جمع المعلومات والبيانات وخفايا وأسرار العدو الإسرائيلي ، لضربه في عقر داره.

10- تكوينه لفرق الثأر التي طالما ردعت وأرهبت اليهود وقللت من عمليات القتل الممنهجة التي أذاقوها للفلسطينيين.

سادسا : مساعدة الإخوان المسلمين للمجاهد عبد القادر الحسينى

انطلاقا من اهتمام الإخوان بالقضية الفلسطينية ، فقد انتهز الإخوان وجود المجاهد عبد القادر الحسينى فى مصر ، فقاموا بمساعدته على جمع السلاح وتدريب المجاهدين .

ولعل الأستاذ محمود الصباغ يوضح لنا بداية علاقته بالمجاهد عبد القادر الحسينى والتى ترجع إلى أوائل الثلاثينات بقوله : لقد كانت ثقافتنا متقاربة، فكلانا من خريجي كلية العلوم، إلا أنه تخرج من هذه الكلية في الجامعة الأمريكية وتخرجت منها في جامعة فؤاد الأول، وكان سكننا متجاورًا في حلمية الزيتون، مما هيأ لنا فرصة العمل الميسر ليلا ونهارًا.

وقد بلغ من قوة الصلة بيننا وشدة التآلف الأخوي والعائلي أنه ما إن علم بعقد قراني حتى أهداني راديو ماركة " إيركنج " ، وقد تصادف ليلة زفافي أن جاءني ليلا دون أن يعلم أن هذه ليلة زفافي، يحمل كميات كبيرة من البنادق والأسلحة لتخزينها عندي في المنزل، وقد تركت العروسة في حجرة نومها ودخلت المطبخ، حيث أدخلنا الأسلحة فوق الصندرة، ثم انصرف وترك لي مهمة ترتيبها، وكنت أظن أنني أنجزت هذا العمل دون أن تشغل العروسة ليلة زفافها بشيء.

ولقد كان البطل الشهيد يكشف لي عن خفايا قلبه، لما صار بيننا من حب ومودة، فقد انطوى هذا القلب الكبير على عزم أكيد على تحرير وطنه فلسطين، ثم الانتقال منه إلى وطن عربي آخر محتل للاشتراك في تحريره، وهكذا حتى يتم تحرير الوطن العربي بأجمعه،

وقد نقلت إلى فضيلة الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا هذه الحقيقة فور إعلان استشهاد الأخ المسلم البطل في معركة القسطل، فأذاعها فضيلته على الناس ليعلموا كيف يخلق الإسلام من جنوده أبطالاً على مستوى الأمة الإسلامية، لا تنحصر مسئوليتهم بحدود وطنهم السياسي الذي حُدِّدَت حدوده رغبة منهم في تقسيم الوطن الإسلامي إلى دويلات يسهل ابتلاعها دويلة دويلة.

كما سلمت الأخ الكريم الأستاذ محمود عساف الصورة التي أهداني إياها البطل الشهيد لنفسه وهو يتمنطق بحزام الذخيرة من كتفه إلى وسطه، وكان ذلك بصفته مديرًا لشركة الإعلانات العربية وصاحب ورئيس مجلة الكشكول الجديد، فتولى نشر هذه الصورة التاريخية على العالم وأصبحت رمزًا للبطل الشهيد، يتذكر به أبناء الأمة الإسلامية نموذجًا من نماذج أبطالهم الشجعان.

وقد بدأ واجبه منذ عام 1946 مشغولاً بشراء الأسلحة اللازمة لهذه المعركة يعاونه خلاصة الرجال الفلسطينيين ومنهم الحاج عبد الفتاح التميمي المسئول عن تمويل شراء الأسلحة.

وقد اهتم النظام الخاص بالتوصية التي صدرت من الصاغ محمود لبيب بك بصفته قائدًا لمنظمة شباب فلسطين سنة 1947، والتي تأيدت من سماحة مفتي فلسطين ورجال الهيئة العربية العليا وفحواها،

إن فلسطين لا ينقصها الرجال، بل ينقصها السلاح، كما هو ثابت في أول فقرة من فقرات شهادة الصاغ محمود بك لبيب في القضية ، حيث صدرت إليه تعليمات فضيلة المرشد العام ببذل قصارى الجهد لتحقيق طلب الهيئة العربية العليا في تسليح متطوعيها، وهم قادرون بإذن الله في حالة تسليح كل منهم ببندقية على تحرير بلادهم.

وكان ممثل الهيئة العربية العليا في جمع السلاح وهو المجاهد عبد القادر الحسيني بك يساعده أحد التجار الفلسطينيين ويدعى الحاج عبد الفتاح التميمي الذي كان يمثل المسئول المالي للهيئة العربية في شئون التسليح.وتم تعيين محمود الصباغ ضابط الاتصال بين الإخوان المسلمين والهيئة العربية العليا في شئون التسليح لصداقته وزمالته بالمجاهد عبد القادر الحسيني بك.

وقد اختار النظام الخاص للإخوان المسلمين من بين رجاله الأخ أحمد شرف الدين من إخوان الإسكندرية الذي تخصص في جمع الأسلحة والمفرقعات لصالح المجاهدين من الصحراء الغربية ؛ ليكون مسئولا عن جمع الأسلحة والمفرقعات من الصحراء الغربية ، فقد كانت الصحراء مسرحًا لجيوش الحلفاء وأعدائهم في معركة العلمين الفاصلة في الحرب العالمية الثانية، وبانتهاء الحرب ترك الطرفان الكميات الهائلة من الأسلحة والمفرقعات المتخلفة من هذه الحرب العالمية في أماكنها في الصحراء حيث أصبح نقلها عديم الجدوى.

أدرك الإخوان أهمية هذا الرصيد الذي لا ينفذ، وبدأوا في جمع الأسلحة والمفرقات ورتبوا عن طريق هيئة وادي النيل التصريح اللازم لتسليم هذه الأسلحة إلى مأمور الحمامات بالصحراء الغربية الذي يتولى بعربات البوليس نقلها إلى محافظة القاهرة، ومن محافظة القاهرة يستلمها الإخوان للتخزين بمخازنهم.

وقد كان يعيب هذه الأسلحة المجموعة من الصحراء تعرضها للرمال مما يفقدها الصلاحية للاستخدام الفوري، فأنشأ النظام الخاص عددًا من الورش داخل فيلات استؤجرت في حلمية الزيتون وفي المرج على شكل ورش تتولى تنظيف الأسلحة المجموعة من الصحراء الغربية من الرمال وتزييتها وضبطها قبل أن ترسل للاستخدام في المعركة.

حقيقة إن الإخوان المسلمين قد أسهموا في تسليح الهيئة العربية العليا وذلك بالتعاون مع ممثلها الشهيد عبد القادر الحسيني بك، كما أنهم سلحوا كل من تقدم إليهم بتزكية من الهيئة العربية العليا من المتطوعين الفلسطينيين، وكان إسهامهم كبيرًا ومؤثرًا وذلك بشهادة سماحة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين .

وقد سمح رئيس الوزراء النقراشى باشا للإخوان والمتطوعين من أجل الدفاع عن فلسطين بالتدريب على استعمال الأسلحة والمفرقعات، على أرض مصر دون حظرأو قيد حتى يمكنهم من المساهمة إيجابيًا في تحرير فلسطين ، مع إخوانهم من رجال الهيئة العربية العليا .

وشكلت شعب الإخوان المسلمين في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب عملت تحت قيادات عربية مجاهدة التي تتبع جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي وجيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وقامت بغارات ناجحة على المستعمرات الصهيونية وطرق مواصلاتهم رغم تواضع التسليح والتدريب وقد أبلوا بلاءً حسناً في هذه الحرب بشهادة الرواية الرسمية (الإسرائيلية) والقيادة العسكرية والإسرائيلية. ويقول زهير الشاويش أحد المجاهدين السوريين ، وقد قاتل تحت قيادة عبد القادر الحسينى :

ثم ذهب الحاج أمين الحسيني والشيخ مصطفى السباعي إلى رئيس الجمهورية السورية آنذاك (شكري القوتلي) وكنت معهما وقالا له: نريد مجموعة من الإخوان المسلمين الموجودين هنا في قطنة للجهاد معنا في القدس، وكان الرئيس شكري القوتلي رجلاً صاحب مروءة وشهامة فسمح لهما بذلك.

سابعا : قيادة عبد القادر الحسينى لجيش الجهاد المقدس

لما تولي المفتي قيادة الحركة الوطنية أعلن عن تشكيل جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني. وفعلاً عقدت اجتماعات متواصلة في يافا ونابلس والخليل والناصرة من قبل التنظيم السري.

وقد مر تشكيل قوات الجهاد المقدس في القدس بمرحلتين :

المرحلة الأولى عام 1936حيث تنادى قادة المنظمات العسكرية السرية في فلسطين إلى اجتماع في القدس ، وقرروا جمع صفوفهم في جيش واحد، أطلقوا عليه اسم جيش الجهاد المقدس وعهدوا بقيادته إلى المجاهد عبد القادر الحسيني.

خاض الجيش على مدى سنوات الثورة، مع من انضم إليه من المجاهدين العرب معارك مشرّفة ضد قوات الاحتلال البريطاني، والصهاينة، لعل أبرزها معركة الخضر، في سنة الانطلاقة كما سبق الإشارة إلى ذلك . وفي عام ألف وتسعمائة وسبعة وثلاثين، استطاع جيش الجهاد المقدس أن يسيطر على الريف الفلسطيني وعلى الكثير من المدن الرئيسية، ومنها القدس القديمة، وفي العام التالي، خاض معركة كبيرة شملت احتلال مستوطنات يهودية ومراكز بريطانية.

جند البريطانيون قوات كبيرة لمهاجمة المجاهدين الذين جابهوا البريطانيين في معارك عدة، وأوقعوا بهم خسائر كبيرة ، فظل الحال كذلك إلى أن انتهت الثورة عام 1939.

المرحلة الثانية عام 1947 حيث بدأ عبد القادر الحسيني، إعادة تنظيم صفوف الجيش في قربة صوريف بالخليل، وعقب ذلك اجتماع في القدس، تم فيه الإعلان عن تشكيل قوات الجهاد المقدس، كقوة ضاربة لتحرير فلسطين والمحافظة على وحدة أراضيها والإبقاء على عروبتها، وتتبع هذه القوة الهئية العربية العليا لفلسطين.

تشكلت القيادة من عبد القادر الحسيني رئيساً وكامل عريقات نائبا للرئيس، وقاسم الريماوي أميناً للسر، ومفتشين للشؤون العسكرية والإدارية.

وقد عين لكل قطاع، قائد يتلقى أوامره من القيادة ومن القادة البارزين، حسن سلامة وإبراهيم أبو دية، إضافة إلى عدد من الضباط السوريين والعراقيين واللبنانيين.

توزعت قوات الجهاد المقدس ما بين مجندين مقاتلين وهم الذين يقع عليهم عبء العمل الحادي اليومي، ومجندين مرابطين، وهم الموكلين حماية القرى، وفصيل التدمير، وفصيل الاغتيال المكلف متابعة العملاء والسماسرة والعناصر الإنكليزية التي تسهل الاستيطان الصهيوني وتعادي عروبة فلسطين.

بذلت قوات الجهاد المقدس جهوداً هائلة ً للحصول على الأسلحة، ومن ذلك أنها أرسلت بعثات لجمع الأسلحة المتخلفة عن معركة العلمين في الصحراء المصرية، وكذلك إلى ليبيا، لإصلاحها ووضعها بالاستعمال. برع عبد القادر الحسينى في تنظيم الدفاع عن القدس وفي شن الهجمات الموفقة على الصهاينة ومراكز البوليس البريطاني في المدينة.

وبلغ من شدة الضغط الذي مارسه الجهاد المقدس على المستوطنين الصهاينة في أحياء القدس، أن خرج هؤلاء في مظاهرات يطالبون قادتهم بالاستسلام وبالاعتراف بفشل إقامة دولة يهودية في فلسطين. وقد خاض ببسالة منقطعة النظير معركة القسطل التي استشهد فيها.

أما معاملة عبد القادر الحسيني للمتطوعين العرب، فقد كان يعاملهم معاملة الضيوف، ويكرمهم،ويمد لهم يد المساعدة؛ ليجاهدوا معه حسب الخطط المرسومة والمتفق عليها، وكان يرى أن أهل فلسطين أدرى من المتطوعين بالمواضع التي يجب أن تكون فيها قوات المجاهدين.

ثامنا : العودة للجهاد فى فلسطين ( ديسمبر1947)

عندما علمت الهيئة العربية العليا نية الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، سارعت الهيئة برئاسة المفتي أمين الحسيني إلى الانعقاد، وقررت مواجهة الخطط الاستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة، وتقرر إنشاء جيش فلسطين لممارسة الجهاد الفعلي، واختيرالمفتي قائداً أعلى لهذا الجيش وأعاد تموين منظمة الجهاد المقدس، ثم حولها إلى جيش الجهاد المقدس الفلسطيني.

وأسند قيادته العامة إلى عبد القادر الحسيني، بالإضافة لمهمة الدفاع عن القدس ورام الله وباب الواد .

ولما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر / تشرين الثاني عام 1947تسلل عبدالقادرالحسينى إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان ومصر، والتقوا جميعاً بعبد القادر ، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد.

فأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس، واتخذت بلدة (بير زيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها، تولى قيادة قطاع القدس .

وقاد هجوماً على حي (سانهدريا) مقرّ قيادة عسكرية لليهود، وعلى مستعمرة النبي يعقوب. وكذلك هجم على (مقر حاييم) وكان مركزاً للهجوم على الأحياء العربية، وقد قضى عليهم فيه.

معركه سنة1948

معاركه مع اليهود :

معركة مقر القيادة العسكرية اليهودية في حي "سانهدريا.

-الهجوم المنظم على عدة مراكز يهودية كانت تعم بالأحياء العربية كـمقر "ميقور حاييم"، .

- استبساله في معركة "صوريف" في السادس عشر من يناير عام 1948 والتي ظفر فيها برقاب 50 يهودياً كانوا مزودين بأحدث العتاد الحربية الثقيلة فاستولى على 12 مدفع برن والعديد من الذخيرة والبنادق.

- ومعركة رام الله – اللطرون.

- معركة النبي صموئيل.

- الهجوم على مستعمرة النيفي يعقوب .

- معركة بيت لحم الكبرى.

أصدر القائد عبد القادر الحسينى أمره إلى رفاقه المجاهدين أن ينزلوا باليهود أكبر قدر ممكن من الخسائر وأن يتجهوا إلى أحيائهم وينسفونها حيا بعد آخر ، وتقدم العديد من الشباب لتنفيذ المهمة . وقدم المجاهدون ملاحم من البطولة خلدت في ذاكرة التاريخ من هذه الملاحم البطولية معركة بيت سوريك ،وسنقوم بعرض تفاصيل المعركة باختصار وهي المعركة التي حصلت في بداية عام 1948 .

- معركة صوريف.

وشارك في معركة صوريف في 16/1/1948م . وفيها قضى على قوة يهودية من 50 يهودياً مزوّدين بأسلحة ثقيلة و12 مدفع برن بالإضافة إلى الذخيرة والبنادق. كما قاد عدداً آخر من المعارك مثل (بيت سوريك، رام الله، اللطرون، النبي صموئيل، بيت لحم الكبرى)

- معركة بيت سوريك .

يقع بيت سوريك شمال غرب القدس، وتشرف على الطريق بين السهل الساحلي والقدس. وقام عبد القادر الحسيني ببث العيون لجمع المعلومات عن الأنشطة العسكرية للصهاينة، فكان من ضمن الانباء التي تلقاها أن الصهاينة سيرسلون إلى القدس قافلة من السيارات تحمل التموين يوم 19/1/1948، وأفادت المعلومات أن القافلة سيحرسها الصهاينة وقوات الانتداب البريطاني.

عقد عبد القادر الحسيني اجتماعاً مع قادة قطاعات قرى ساريس والقسطل وقالونيا وصوبا، وكان في الاجتماع كامل عريقات وإبراهيم أبودية، وتم في هذا الاجتماع وضع خطة لتدمير القافلة والقوات التي تتولي حراستها على أن يقود الهجوم بنفسه.

تغيرت الخطة لأن القافلة غيرت مسارها إلى بيت سوريك فانتقل المقاتلون العرب إلى تلك القرية، وعند الظهر وصلت القافلة إلى الكمين الجديد، فانقض عليها المهاجمون العرب من كل الجهات، وقاموا بتفجير الألغام تحت العربات، فأخذ الصهاينة يتركون العربات ويفرون باتجاه مستعمرة الخمس، فانتهت المعركة بتدمير القافلة وقتل عدد كبير من الصهاينة والإنجليز وفرار الأحياء منهم.

أصدر الحسيني أمراً لقواته بعدها بالتراجع، وقد كانت خسائر الجانب العربي في هذه المعركة سبعة شهداء لكنهم غنموا كمية كبيرة من الذخيرة والبنادق والرشاشات .

ويقول صالح مسعود أبو يصير : فيما كان رحى المعركة دائرة فى مكان قريب من مستعمرة الخمس ، وكان قوام العرب خمسة وخمسين

بينهم القائد عبد القادر الحسينى وإبراهيم أبو دية وعزمى الجاعونى وفوزى القطب وكامل عريقات ، وراح رجال الصاعقة اليهود المعروفون بالبالماخ يهاجمون قرية بيت سوريك بمشاركة الإنجليز وأحاطوا القرية والمجاهدين الذين فىها إحاطة لسور بالعصم . وذاع الخبر فى القرى المجاورة أن عبد القادر الحسينى وصحبه محاصرين فى القرية حتى هبوا لنجدته من كل حدب وصوب ...وقصارى القول :

ما كادت شمس ذلك اليوم تغيب حتى كان النصر معقودا للعرب فرفع الحصار ، وارتد اليهود إلى الوراء تاركين وراءهم أربعة وثلاثين قتيلا وتسعة وعشرين جريحا ، ولم يقتل من العرب سوى رجل واحد من بنى صخر ، وجرح خمسة أحدهم القائد أبو دية .

وقد قابلت الحركة الصهيونية هذه المعارك بأعمال انتقامية، فأقدمت على تفجير ألغام وعبوات موقوتة في المناطق الآهلة بالسكان، عند ذلك دعا عبد القادر إلى مؤتمر صحفي في مقر قيادته، حضره مندوبو وكالات الأنباء، ومراسلو الصحف، وأعلن عبد القادر فيه أنه يتحدى القوات الصهيونية في ميادين القتال، وحذر من مغبة استمرار الحركة الصهيونية في العمليات الإرهابية، لكن ذلك لم يردع القوات الصهيونية عن الاستمرار في ارتكابها أبشع الجرائم الإنسانية والقتل والتخريب.

نسف الأحياء اليهودية

اضطر عبد القادر للرد على هذه العمليات الإرهابية الصهيونية، بتشكيل قوى خاصة أوكل إليها مهمات النسف والتدمير ضد المراكز الصهيونية، وقامت هذه الفرقة فعلاً بسلسلة واسعة من أعمال النسف، فنسفت مبنى الصحف الصهيونية في القدس، وفجرت شارع بن يهودا في القدس حيث أصيب أكثر من ألفي يهودي بين قتيل وجريح ، وشارع هاسوليل في القدس الجديدة مما أدى وقتل وجرح المئات وانهيار عديد من عمارته الضخمة ، ونزح كثير منهم عن منازلهم ، وحي منتنفيوري والذى على تنفيذه نسفه ناجى مصطفى وعبد القادر التونسى مع بعض المجاهدين وسارا بعربة مليئة بالألغام ،

وبالرغم من الحراسة المشددة حول الحى إلى أن العملية نجحت وتم تفجير لغم كبير وزنه نصف طن فقتل العديد من السكان وجرح الكثيرون ، وتساقطت المنازل وتضررت مئات العمارات .

وتم تفجير كذلك مبنى الوكالة اليهودية، كما نسفت قواعد صهيونية في حيفا، ويافا، ولقد أسهم ذلك في ردع الوكالة اليهودية عن التفكير بعمليات إرهابية جديدة.

وقد وصف الكتاب السنوي لدولة (إسرائيل)، الصادر سنة 1949م، تلك الفترة بما يلي: " إن شهر آذار/مارس سنة 1948م، كان أحلك شهر عرفه اليهود، ورأوا فيه خطراً عظيماً يهدد بتدمير كل ما بنوه خلال ثلاثين عاماً".

تاسعا : معركة القسطل إبريل / نيسان 1948

أهمية مدينة القسطل

القسطل قرية عربية تقع على بعدعشرة كيلو غربي القدس، وتشرف على طريق القدس يافا الرئيسية من الجهة الجنوب الغربى كانت الوظيفة العسكرية أهم وظائف القرية لتميز موضعها بسهولة الحماية والدفاع. كان عدد سكان القسطل عام 1922 نحو 43 نسمة، إزداد عام 1931 إلى 59 نسمة كانوا يقيمون في 14 بيتاً. وقدر عددهم بنحو 90 نسمة في عام 1945.

وكانت القسطل تشكل بداية لخطة يهودية لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين قبل إنهاء الانتداب البريطاني في 15 مايو من عام 1948 ، ومن هنا فقد سعى الصهاينة لاحتلالها في إطار خطتهم لفتح الطريق إلى القدس ،وهي الخطة المعروفة بالعبرية (عملية نحشون) ، وكذلك لتحقيق مكاسب على الأرض ،والاستفادة من الدعم البريطاني من ناحية ، ومنع استسلام المحاصرين في مستوطنات القدس ، وإسقاط مدينة القدس بالكامل.

وخصص الصهاينة خمسة آلاف من أفراد الهاجاناه والبالماخ والأرجون وشتيرن لتنفيذ الخطة ،وتم تسليحهم بأسلحة حديثة وصلت للصهاينة من تشيكوسلوفاكيا . .

يقول بن جوريون في (بعث إسرائيل ومصيرها) ما يلي : ما أن أطلّ شهر إبريل 1948 حتى كانت حربنا الاستقلالية قد تحولت بصورة حاسمة من الدفاع إلى الهجوم. لقد بدأت عملية نخشون باحتلال الطريق المؤدي إلى القدس حيث نقف الآن وكذلك بيت محيسير وتوّجت باحتلال القسطل التلّة الحصينة قرب القدس.

وكانت سيطرة المجاهدين على القسطل تعنى تشديد الحصار على الصهاينة في القدس ، وانقطاع اتصالهم تماما مع يافا ( تل أبيب) ، وسيطرة المجاهدين على كافة طرق القدس .

في 2 إبريل من عام 1948 قامت قوات الهاجاناه اليهودية بمهاجمة قرية " القسطل "، واستولت عليها وطردت كل سكانها العرب منها .

وكانت قيادة الجهاد المقدس تعرف أهمية القسطل فانطلقت عشرات النجدات من القدس والخليل لطرد الصهاينة من القرية ،وفجر الرابع من نيسان تمكن المجاهدون بقيادة كامل عريقات من احتلال مشارف القرية ،ثم محاصرتها ،ومع وصول نجدات جديدة يوم الخامس من نيسان ،شدد المجاهدون هجومهم ،وأطبقوا الحصار على الصهاينة ،لكنهم افتقدوا الذخيرة الكافية لدحر المحتلين أو القضاء عليهم .

فشل عبد القادر الحسينى فى الحصول على السلاح من الجامعة العربية

غادر القدس إلى دمشق في أواخر مارس / آذار عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في الحصول على السلاح ليشد من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال ، وأوضح أنه بمساعدتهم سينهي الوجود اليهودي فيها ، وأن الانتظار حتى خروج الإنجليز من فلسطين يجعل اليهود يستولون على مساحات أكثر من الأرض ويحتاجون مجهود مضاعف لو تركوا حتى انسحاب الإنجليز.

وقد طالبته اللجنة العسكرية بعدم افتعال تصرفات فردية ، وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا ، وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل ، فقال ردا عليهم :إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي ، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة ، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين ، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين .

كان الشهيد عبد القادر في اجتماع مع اللجنة العسكرية يستعطف اللجنة العسكرية لفلسطين قائلا : لقد كانت خطتي إلى الآن أن أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات المؤن إلى اليهود، ونجحت هذه الخطة حتى أن اليهود شرعوا يمونون رجالهم بالقدس وفي المستعمرات بالطائرات، وأما الآن فقد تطورت الحال وأصبح لدى اليهود مدافع وطائرات ورجال وليس باستطاعتي أن أحتل القسطل إلا بالمدافع.. أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر ..."

فقال له الباشا: "شونو عبد القادر؟ ما آكو مدافع!..."، وقال له الشراباتي وزير الدفاع (السوري): "إذا احتل اليهود القدس فسنأتي ونخرجهم منها، أو نقتل فيها.."

ولكن أعضاء اللجنة لم يتهموا لقوله وسخروا من حماسه واندفاعه ،فاستشاط عبد القادر غضبا ،وقال : " إنكم تخونون فلسطين ..إنكم تريدون قتلنا وذبحنا.. إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين " .! كان الشهيد عبد القادر الحسيني في دمشق يتوسل إلى اللجنة العسكرية العربية السلاح والمال لمجاهدي فلسطين عندما وردت أنباء عن سقوط قرية القسطل القريبة من القدس بأيدي القوات اليهودية، وكان احتلال القسطل جزءاً من خطة يهودية أوسع تستهدف وصل يافا ( تل أبيب) بالقدس، التي كان الحي اليهودي فيها يعيش شروط حصار قاتل.

ولم تكن الدول العربية تريد مواجهة مع بريطانيا قبل انسحابها من فلسطين ، ورأت أن أي عمل عسكري الآن سيعني مواجهة حتمية مع بريطانيا ، ولكن عبد القادر الحسيني بدأ يرسل إلى المتطوعين من الحركات الإسلامية في فلسطين ومصر وما حولها ، ثم إنه طوق القسطل، وبدأ يستنجد مرة أخرى بالقيادة العسكرية ، وأرسل إليهم ، بيد أن القيادة العسكرية للجامعة العربية أصرت على موقفها .

وأثار ذلك الترنح في مواقف الجامعة العربية حفيظة الحسيني ، وثارت ثائرته فأطلق صيحته قائلا :وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم.

وقد ذكرت "جريدة المصري" أن اللجنة العسكرية العليا التابعة للجامعة العربية جعلت تسخر من عبد القادر الحسيني وضعف قوته وعتاده اللذين يحملهما لمواجهة اليهود، وهزأ منه طه الهاشمي وأخبره أن لدى اللجنة العتاد والسلاح ، ولكنها لن تعطيه لعبد القادر ، ولكنها ستنظر بالأمر بعد 15 مايو فكان رد الحسيني عليه:

والله يا باشا إذا ترددتم وتقاعستم عن العمل فإنكم ستحتاجون بعد 15 مايو إلى عشرة أضعاف ما أطلبه منكم الآن ، ومع ذلك فإنكم لن تتمكنوا من هؤلاء اليهود ، إني أشهد الله على ما أقول ، وأحملكم سلفا مسؤولية ضياع القدس ويافا وحيفا وطبرية ، وأقسام أخرى من فلسطين " .

أما صديقه " قاسم الرمادي " فقد قال : ليسقط دمي على رأس عبد الرحمن عزام ( أمين الجامعة العربية ) وطه الهاشمي وإسماعيل صفوت (قادة القوات العسكرية التابعة للجامعة العربية ) الذين يريدون تسليمنا لأعدائنا لكي يذبحونا ذبح النعاج ، لكننا سنقاتل بدمائنا وأجسادنا ، وليبق السلاح مكدسا في عنابر اللجنة العربية ، وفي مزابلها ، سنرجع إلى فلسطين لنحقق أمنيتنا بالفوز بإحدى الحسنين إما النصر وإما الشهادة ".وقرأ قوله تعالى: ﴿ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ﴾ . النساء.

ثم أرسل عبد القادر الحسيني رسالة إلى الجامعة العربية في 6/4/1948م لتبقى شاهداً على الجامعة العربية ، ليعرف المخلصون من ضيع فلسطين : منظمة الجهاد المقدس

القيادة العامة

القسطل فى 6/4/1948م .

مذكرة إلى السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية إنى أحملكم المسئولية بعد أن تركتم جنودى فى أوج انتصارتهم بدون عون أو سلاح .

عبدالقادر الحسينى

يقول صالح مسعود أبو يصير : وأدرك عبد القادر أنه يخاطب قوما ليسوا فى مستوى أحداثه وكانت أمامه خارطة رفعها ورمى بها فى وجه الباشا ، وقال بصوت مرتفع : أنتم خائنون ...أنتم مجرمون سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين ، سأحتل القسطل وسأموت أنا وجميع إخوانى المجاهدين .

وأثناء وجود عبد القادر الحسينى بدمشق طلبا للسلاح كانت معركة القسطل تدورعلى أرض فلسطين ، فقد تدخلت مدفعية الصهاينة في محاولة لرد المجاهدين ، لكنهم مع ذلك استطاعوا التغلغل في القرية ، وأصبحوا على بعد مائتي متر من وسطها ،لكن إصابة كامل عريقات وذهاب إبراهيم أبو دية إلى إسعافه خلخل صفوف المجاهدين ، ووصلت نجدات للصهاينة ،

كما وصلت نجدات للمجاهدين من القدس تمكنوا معها من الاحتفاظ بمشارف القرية من الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية ، رغم تدخل الطائرات والمدفعية الصهيونية بعنف شديد، بل وقام إبراهيم أبو دية بقيادة المجاهدين في عمليات اقتحام داخل القرية حيث فجر عددا من مواقع المحتلين .

وأخفقت جهوده ، ولم يرجع إلا ببعض البنادق والذخيرة لا تصلح للقتال ، يقول زهير الشاويش : لما أردنا الخروج منعتنا السلطات السورية وصودرت منا الأسلحة، وكنا قد اشتريناها من مالنا الخاص وقالوا: لا يجوز أن تقاتلوا بأسلحة مختلفة، بل عليكم توحيد السلاح، فوزعوا علينا أسلحة انكليزية من عام 1912 وهي من بقايا الحرب العالمية الأولى.

انطلقنا في الليلة نفسها مع عبد القادر الحسيني وأعطوني سيارة كبيرة فيها حوالى مائتي بندقية كانوا عرضوها على عبد القادر الحسيني من قبل فرفضها لأنها قديمة لا تصلح، ولما عبرنا نهر الأردن ووصلنا إلى مكان يسمى قبر النبي موسى أخبرته بقصة البنادق وكان يعرفني، وطلب إلى جماعته ايصال الأسلحة إلى مدرسة المأمونية وقال:

يا شيخ زهير هل هذه أسلحة تنفع للقتال؟! فسكت وكادت عيناه وعيناي تدمعان.

ومع وصول أخبار معركة القسطل إلى المجاهد الحسيني غادر دمشق على وجه السرعة متوجها إلى القدس ، ومع صباح السابع من إبريل / نيسان 1948 وصل عبد القادر الحسيني من دمشق ، وبعد ظهر اليوم نفسه توجه إلى قيادة معركة القسطل التي أخذت طابعا أخر مع وصوله .

ومن القدس توجه الحسيني إلى القسطل بسرعة فوصلها ظهيرة السابع من نيسان، وعمد على الفور إلى إعادة تنظيم صفوف المجاهدين ،وعين على الميمنة في الجهة الشرقية ،المجاهد حافظ بركات ،وعلى الميسرة من الجهة الغربية،الشيخ هارون بن جازي ،وفي القلب فصيلتان بقيادة إبراهيم أبو دية ، وفي موقع القيادة كان الحسيني ،وعبد الله العمري ،وعلي الموسوس إضافة إلى فيصلي استناد في الجهة المقابلة.

عبد القادر الحسينى يقود معركة القسطل

وقام القائد عبد القادر الحسيني بمواجهة هذا الهجوم بقوات فلسطينية متفرقة ومجاهدين بأسلحة قليلة الفعالية في الحروب ، ولم تتلق هذه الجماعات المقاومة أي دعم من البلدان العربية التي كان بعضها لا يزال يعاني وطأة الاحتلال . لكن القائد عبد القادر أخذ الأمور على عاتقه ، وفي 5 إبريل من عام 1948 توجه بقواته البسيطة نحو القسطل ، وليس معه سوى 56 من المجاهدين ،

واستطاع فعلا أن يحاصر القسطل ، لكن قبل أن يضرب حصاره على القسطل توجه إلى جامعة الدول العربية يطلب عبثاً المدد بالسلاح والذخيرة من حكام العرب مستعينا بهم واحدا تلو الاخر وهم يرفضون المساعدة ويماطلون فيها وتتحدث كتب التاريخ عن هذا اللقاء بين عبد القادر الحسيني واللجنة العسكرية .

يقول الحسيني رحمه الله أن اللجنة العسكرية طالبته بعدم افتعال تصرفات فردية ، وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا ، وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل، فقال ردا عليهم :

هاجم المجاهدون مستعمرة (مشمار هاعمك)أثناء انهماك الإسرائيليين في الهجوم على القدس القديمة لتصفية قوات الجهاد المقدس التي كان يقودها المجاهد عبد القادر الحسيني وفي محاولة فك الحصار المضروب عليهم بفتح الطريق إلى تل أبيب.

تقدم عبد القادر إلى القسطل الذي كان مستعدا أتم استعداد ففُجع اليهود بهم وأخذوا استعداداتهم ولكن بعد فوات الآوان فقد تقدم عبد القادر وتراجع اليهود.

محاصرة عبد القادر الحسينى فى المعركة

وقد وقع عبد القادر ورفاقه في طوق الصهاينة وتحت وطأة نيرانهم أصبح عبد القادر في حكم المفقود أو المحاصر داخل القرية، فأصيب المقاتلون بالإحباط، فهم لا يستطيعون إعادة الكرّة في النهار والهجوم على القرية من جديد، وذخائرهم قليلة. وأخيراً قرّروا أنْ يرسلوا في طلب نجداتٍ من كلّ مكان لإنقاذ عبد القادر المحاصر داخل «القسطل». فتوجّهت الرسل على جناح السرعة إلى القدس ورام الله والخليل والرملة وجميع القرى القريبة، تستنهض همم المقاتلين. فسارعت النجدات في التوجّه إلى «القسطل». وأصبح مجموع المناضلين يزيد على خمسمائة رجل.

وسارع الأهالي من سكان المنطقة من رجال ونساء وصبية لمساعدة المجاهدين في حمل أجزاء المدفعين والذخيرة، فحملوها وصعدوا بها إلى أعلى المرتفع بسرعة كبيرة، ثم إنهم عادوا جميعاً إلى الطريق وعبّدوه ونظّفوه ليصبح صالحاً لتقدّم السيارات عليه. وتم تجهيز المربض على مرتفع " بدو" في أقل من ساعتين مع فصيل 105 مم وذخائره جاهزاً للرمي على القسطل ومستعمرة مودسا التي ما كانت سوى حيّ شرقي لها.

وتمكن رشيد عريقات في ساعات الظهيرة من يوم الثامن من إبريل /نيسان من السيطرة على الموقف وأمر باقتحام القرية وفتحت النيران قبيل الساعة الخامسة على الأهداف المحددة، فصعق الصهاينة الذين فوجئوا تماماً بحضور المدفعية، وصمتت رشاشاتهم عند وصول القوة ، ومن ثم فر من تبقى منهم بسيارات مصفحة إلى طريق يافا. ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى كان الصهاينة يلوذون بالفرار ويقوم الجهاد المقدس باستعادة القسطل. وعند غروب الشمس كان الطريق ميسرا إلى مرتفع "بدو" صالحاً لصعود السيارات، فوصل فصيل الـ 75 مم وربض إلى جانب الـ 105 مم، ووصلت كل الذخائر.

استشهاده

وانتهت المعركة بمقتل ما يقرب من 150 يهوديا وجرح 80 منهم ، وتم تحرير القسطل ، ولكن بعد استشهاد البطل العظيم عبد القادر الحسيني رحمه الله تعالى .

فلم يكد يسفر فجر اليوم التالى عن تحرر القسطل من اليهود وسقوط القائد عبد القادر الحسيني شهيدا ، وقد وعد القائد بأنه سيحرر القسطل وسيتسشهد فيها وصدق الله فصدقه الله ، الأمرالذي كان له وقع أليم جداً على رفاقه وعلى الأمة جميعها إذ زلزل النبأ قلوب كل من عرفوه وعايشوه فكانت جنازته مهيبة أمها الجميع صغاراً وكباراً مقاومين وأناساً آخرين عرفوه إنساناً وطنياً مخلصاً لدينه ووطنه.

لقائد الشهيد عبد القادر الحسيني مُلقى على الأرض الأمر الذي كان له وقع أليم جداً على رفاقه وعلى الأمة جميعها إذ زلزل النبأ قلوب كل من عرفوه وعايشوه ، فكانت جنازته مهيبة أمها الجميع صغاراً وكباراً مقاومين وأناساً آخرين عرفوه إنساناً وطنياً مخلصاً لدينه ووطنه.

وترك استشهاد عبد القادر أثرا قويا على معنويات المجاهدين واليهود على السواء، فقد انشغل المجاهدون بموت قائدهم، وعلى النقيض فقد استقوى اليهود بعد استشهاده وقاموا بأكبر مجزرة مروعة بحق العزل في دير ياسين ثم مجزرة قرية ناصر الدين . يقول عنه المجاهد الكبير بهجت أبو غربية:

جاء من يخبرنا أنّ عبد القادر وُجِد شهيداً في الجهة الجنوبيّة الشرقيّة من القرية أمام بيتٍ لا يبعد عن بيت المختار أكثر من 100 متر. ووقع عليّ الخبر وقْع الصاعقة، فجلست على الأرض حزيناً وطلبت من رجالي ألا يذهبوا ويشاهدوا جثّة قائدهم حرصاً على روحهم المعنويّة وأنْ يبقوا متجمّعين حولي.

وبقيت في مكاني جالساً على الأرض وبجانبي محمد عادل النجار، وقد غمرني الحزن والأسى الشديدان وتراءت لي صورة المستقبل شديد الظلام. فخسارتنا مضاعفة بهذا البطل المغوار الذي أمضى حياته مجاهداً باسلاً مطارداً، وختم حياته مستشهداً ببطولةٍ وشهامة في سبيل الحفاظ على أرض الوطن المقدّس.

خسارتنا في شخصه عظيمة، وخسارتنا في دوره النضاليّ القياديّ فادحة، فقد كان القطب الذي يلتقي عند قيادته مناضلو جيش الجهاد المقدّس ومناضلو فلسطين بشكلٍ عام.

رحمك الله أيّها البطل، فخسارتنا فيك لا تعوّض، لقد بكينا فلسطين حين بكيناك في «القسطل». قلتها لي يوماً:

(فليمرّوا على أجسادنا).

وها أنت تفي بنذرك. فلم يمرّوا «القسطل» إلى على جسدك....

وفي يوم الجمعة المصادف (9 نيسان/إبريل 1948م) شيعت فلسطين ابنها البار عبد القادر الحسيني بجنازة مهيبة أمّها الجميع صغاراً وكباراً .. عرفوه إنساناً وطنياً مخلصاً لدينه ووطنه.. وصلي عليه في المسجد الأقصى المبارك، وأطلقت المدافع في القدس تحية للبطل الشهيد، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد...

وسمي «بطل القسطل»، ونعاه المؤذنون على المآذن وقرعت أجراس المعابد حزنا عليه، وأقيمت صلاة الغائب في الجامع الأزهر وفي جوامع المدن العربية، وجعل خطباء صلاة الجمعة استشهاده الشريف موضوع خطبة الجمعة، وأبَّنه النواب والعاملون في الحقل الوطني في المجالس النيابية في مصر وسورية ولبنان والعراق وفي جامعة الدول العربية.

ولقد أصدرت الهيئة العربية العليا لفلسطين نعيا للشهيد جاء فيه: " إن الخسارة التي حلت بالشعب الفلسطيني بفقد ذلك القائد البطل العظيم الذي خاض ¬كقائد بطل¬ معارك الجهاد في سبيل الدفاع عن فلسطين منذ عام 1936م، ولم يخسر معركة واحدة في حياته حتى التي استشهد فيها، إن الخسارة الكبيرة، وإن الرزء بفقده لعظيم، ولقد تجمعت الجموع لتودع هذا البطل المغوار.

وقد نعته جماعة الإخوان المسلمين فى جريدتها اليومية بتاريخ 10/4/1948 ، وأثنت على جهاده وتضحياته حتى لقى ربه شهيدا فى ميدان الكرامة .

وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي.وفي هذه الأثناء استغلت عصابات الكيان الصهيوني الإرهابية انشغال الجميع بتشييع عبد القادر الحسيني فارتكبت أبشع المجازر، وعمدت إلى مهاجمة قرية( دير ياسين ) فى 9/4/1948م ،

فلم يبقَ فيها شيءٌ ينبض بالحياة، بعد أن ذبح اليهود أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها، فقط ركام المنازل وأشلاء المدنيين الفلسطينيين العزل. عاشرا : مكانته فى تاريخ الجهاد الفلسطينى .

نال جهاد القائد عبد القادر الحسينى اهتماما كبيرا تعكس الجهود التى بذلها فى سبيل الدفاع عن فلسطين ، وقد بدا هذا الاهتمام فى الدراسات الكثيرة التى تناولت دراسته حياته الجهادية ، ومنها :

- نبيل خالد الآغا : قضية فلسطين في سيرة البطل الشهيد الحي عبد القادر الحسيني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982 .

- رسمى على عابد :القادر الحسيني ، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع ، 2002 م.

- لينا صالح محسن المنصور : عبد القادر الحسيني ودوره السياسي (1908-1948) ، دار الكتب والوثائق العراقية، 2003.وهى رسالتها لنيل درجة الماجستير من قسم التاريخ، كلية التربية ، جامعة بغداد، 2003م .

- محمد خالد أزعر: جيش الجهاد المقدس في فلسطين، 1931-1949،المركز القومي للدراسات والتوثيق،2000.

- أحمد سعيد نجم: عبدالقادر الحسيني ، الدار الوطنية ، نابلس، ط 2، 1996 .

- أوس داوود يعقوب : القائد عبد القادر الحسيني (1908-1948) ، مؤسسة القدس للثقافة والتراث .

- عيسى خليل حسن: فلسطين الأم وابنها البار عبدالقادر الحسيني ، دار الجليل ، عمان، 1986 .

- عاصم الجندي: فارس القسطل عبدالقادر الحسيني (رواية تاريخية) ، وزارة الإعلام ، بغداد، 1977 .

- عزالدين إسماعيل: عبدالقادر الحسيني بطل القدس ، دار العودة ، بيروت ، 1975 .

- جميل بركات: ذكرى شهيد القسطل ، مقال ، جريدة الدستور، 8 إبريل / نيسان 1970 م.

- خيرية قاسمية: عبد القادر الحسيني في ذكراه الخامسة والعشرين ، مقال ، مجلة شؤون فلسطينية ، العدد (20)، نيسان /إبريل 1973م.

- سميح شبيب، مقال: عبد القادر الحسيني ، مجلة شؤون فلسطينية ، العدد (125)، نيسان/ إبريل 1982م.

وتم إطلاق اسمه على الكثير من المساجد والمدارس ، منها :

مسجد الشهيد عبد القادر الحسيني جنوب العاصمة دمشق ، و مسجد عبدالقادر الحسيني فى مدينة الزرقاء بالأردن ، وجامع عبد القادر الحسيني بدمشق ،و مدرسة عبد القادر الحسينى دمشق فى مخيم اليرموك بدمشق ، مدرسة عبد القادر الحسيني فى مدينة خان يونس بفلسطين .

وأطلق اسمه على أحد الأجنحة العسكرية التابعة لحركة فتح تحت اسم( كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني ) . وفـي أكتوبر (تشرين الأول) ٢٠٠٦ أخرجت شركة سينمائية أوروبية فيلماً سينمائياً عنوانه (Jerusalem) "القدس " ، وتعتمد القصة على بعض ما تضمنه كتاب بنفس العنوان بقلم دومينيك لابيير ولاري كولنز نشر عام ١٩٧١ .

ويتناول الفيلم قصة موقعة القسطل ودور عبد القادر الحسيني فيها ، كما يتناول معركة حصار حارة اليهود في القدس والدور الذي لعبه القائد عبد الله التل فيها ، و يعتمد الفيلم على المعركتان كخلفية لقصة تتناول أفرادا من الفلسطينيين واليهود .

أحد عشر : نموذج من رسائله وأقواله

هذه الرسالة وجهها الشهيد عبد القادر الحسيني من دمشق بتاريخ 14 ربيع أول 1365م إلى سماحة الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا أبان وجوده في مصر.

أكتب إليكَ من دمشق، ولا أدري كيف أصف شعوري وما يجول في نفسي، وما يخفق في فؤادي. وهذه فترة قصيرة أنا بعيد فيها عن مشاغل القتال، وما ذلك رغبة مني، ولكن الظروف هي التي أوجدتني في دمشق، بعيداً عن رائحة البارود وعبير الجنة وخوض المعارك إلى جانب إخواني الأبطال الذين يقومون بتحرير وطنهم. نصرهم الله وأيدهم بقوة من عنده.

لقد كانت الفترة الماضية مليئة بالانتصارات الباهرة والأعمال المجيدة التي بهرت العالم وحطمت العدو.

لقد سطرنا صفحات مجد لا تنسى في التاريخ. ولكن هذا لم يأت عفواً ولا سهلاً، وإنما بالتضحيات العظيمة والجهود المتواصلة ليلاً ونهاراً، وهو عمل نسي كل منا نفسه وأهله وأولاده وطعامه ونومه وكل ما في الدنيا إلا الرغبة في النصر وسحق العدو الكبير في عدده والقوي في عتاده بما لدينا من السلاح القليل، ولقد قدَّرنا الله على ذلك وكافَّانا على جدّنا بالنصر المبين، لكننا ما زلنا في أول الطريق، وعلينا أن نضاعف الجهود ونصل الليل بالنهار حتى نصل إلى النصر النهائي، واني أبشرك من الآن أننا سنصل إليه إن شاء الله.

ومن أقواله :

- إن الشعب الفلسطيني لن يكون وحيداً، لأن له أصدقاء كفاح يؤيدون قضيته وعدالته.

- نحن الفلسطينيين أقوياء على الرغم من قلة عددنا، لأننا نؤمن بقضيتنا، ولأننا نعلم أننا مؤيدين من جميع الشعوب التي ليس لها مطامع خفية كحكوماتها، سنقاتل حتى النهاية، وسيقاتل أبناؤنا وأصدقاؤنا من بعدنا، نحن مصممون على القتال.

وهكذا ، أمضى حياته مجاهداً باسلاً بقلمه وفكره وساعده، وآمن بأن الجهاد المسلح هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحرية وتحرير فلسطين والقضاء على المشروع الصهيوني.

ومن مروءته أنه عندما انقطعت المياه والكهرباءعن بيته ، وأرادت زوجة أبيه التغلب على تلك المشكلة بالاستعانة بالجار ، فنبهها عبد القادر إلى أن ما هم فيه من الضيق ليسوا هم وحدهم يعانون منه .

اثنا عشر : الهوامش والمراجع

1- الهوامش .

(1) رجالات من بلاد العرب للدكتور صالح زهر الدين، وقضية فلسطين في سيرة بطل الشهيد الحي عبد القادر الحسيني ، والمركز العربي للأبحاث والتوثيقعن عبد القادر الحسينى.

(2) الخضر قرية فلسطينية تقع إلى الغرب من مدينة بيت لحم، وتابعة لقضاء بيت لحم وتبعد عنها حوالي 5 كيلومترات، يصلها طريق محلي يربطها بالطريق الرئيسي القدس - الخليل طوله 1.4كيلومتر، ترتفع عن سطح البحر 880 مترًا، وتبلغ المساحة العمرانية للقرية 800 دونمًا.

(3) ولد في حماة مدينة أبو الفداء سنة 1889، وتخرج فيها سنة 1907. واشترك فى الحرب العالمية الأولى ، وشارك في جميع الانتفاضات السورية ضد الفرنسيين التي اندلعت بعد معركة ميسلون سنة 1920ثم بالثورة السورية الكبرى فور اندلاعها في سنة 1925 ، انضم إلى الثورة الفلسطينية سنة 1936 ).

2- أهم المراجع .

1-إبراهيم أبو شقرا: الحاج أمين الحسيني و ثورة عام 1936-1939.

2-أحمد سعيد نجم: عبدالقادر الحسيني ، الدار الوطنية ، نابلس، ط 2، 1996 .

3- الشهيد عبد القادر الحسيني أول الرصاص في ثورة 1936: جريدة الدستور الأردنية ، التاريخ : 14-4-2011.

4-الموسوعة الفلسطينية، القسم الأول ، ج 3 ص168، 393.

5- د. أكرم زعيتر: يوميات فلسطينية ، ص 201-202.

6- أوس داوود يعقوب : القائد عبد القادر الحسيني (1908-1948) ، مؤسسة القدس للثقافة والتراث .

7- د. خيرية قاسمية : شؤون فلسطينية عدد 20 ص6-11.

8- سعيد العاص فارس جبل الخضر : مجلة فلسطين ، العدد 7 - الجمعة 19 ت2 2010 - السنة الأولى .

9- صالح مسعود أبو يصير: جهاد الشعب الفلسطينى فى نصف قرن ، ط3،1988، ص 364.

10- عاصم الجندي: فارس القسطل عبدالقادر الحسيني (رواية تاريخية) ، وزارة الإعلام ، بغداد، 1977 .

11- عجاج نويهض: رجال من فلسطين ، منشورات فلسطين المحتلة ، بيروت ، 1981 .

12-عزالدين إسماعيل: عبدالقادر الحسيني بطل القدس ، دار العودة ، بيروت ، 1975 .

13- عيسى خليل حسن: فلسطين الأم وابنها البار عبدالقادر الحسيني ، دار الجليل ، عمان، 1986 .

14- د. فيصل حسين طحيمر غوادرة : الواقع واستشراف المستقبل في شعر عبد القادر الحسيني وترسله ، جامعة القدس المفتوحة ، جنين ، مؤتمر يوم القدس العاشر.

15- محمد خالد الأزعر: جيش الجهاد المقدس في فلسطين - المركز القومي للدراسات والتوثيق - غزة 2000 .

16- - محمد عبدالقادر أبوفارس: شهداء فلسطين ، دار الفرقان ، عمان ، 1990 .

17- محمود الصباغ : حقيقة النظام الخاص ودوره فى دعوة الإخوان المسلمين ، دار الاعتصام ، القاهرة ، 1407هـ / 1987م .

18 – مصطفى مراد الدباغ : بلادنا فلسطين الجزء الأول ، القسم الثانى ، 1965م، ص255.

19- معجم البابطين لشعراء العربية فى القرنين التاسع عشر والعشرين ، عبد القادر الحسينىٍ.

20- نبيل خالد الأغا: قضية فلسطين في مسيرة بطل (الشهيد الحي عبدالقادر الحسيني)، المؤسسة العربية، للدراسات والنشر ، بيروت ، 1980 .

21- يعقوب العودات: من أعلام الفكر والأدب في فلسطين ، وكالة التوزيع الأردنية ، عمان 1987.

ألبوم صور

المجاهد عبد القادر الحسيني
 

عبد القادر الحسيني

الحسيني-عام-1938

عبد القادر الحسيني

الشهيد-عبد-القادر-الحسينى

عبد القادر الحسيني

رسالة-من-المجاهد-عبد-القادر-الحسيني-إلى-أمين-الجامعة-العربية

عبد القادر الحسيني

صورة-جثمان-الشهيد-الحسيني-يحمله-المجاهدون

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 1

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 2

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 3

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 4

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 5

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 6

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 7

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 8

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 9

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 10

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 11

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 12

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 13

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 14

عبد القادر الحسيني

عبد القادر 15

عبد القادر الحسيني

عبدالغني-الحيمور-والحسيني-واحمد-جابر

عبد القادر الحسيني

عبدالقادر-الحسيني-وابن-عمه-علي-الحسيني

عبد القادر الحسيني

مظاهرة-حيفا-1922.jpg

عبد القادر الحسيني

مقتنيات-الحسيني.jpg

عبد القادر الحسيني

موسى-كاظم-الحسيني.jpg