عبد الستار فتح الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٣٣، ٢١ أكتوبر ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الشيخ عبدالستار فتح الله سعيد .. عالم أدبه القرآن المجيد

إعداد: موقع إخوان ويكي

مقدمة

شيخ جليل ، من أبناء الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين ومن كبار علماء هذه الجماعة الطيبة..

العالم الرباني الذي ما كان يخاف في الله لومة لائم.. جاهد ليُحَكم شرع الله في الأرض .. ويكون القرآن الكريم هو الدستور..فكان الجزاء أن تخطفته يد الظلم السوداء ليغيب مع إخوانه عشر سنوات في سجون الطواغيت في قضية تنظيم 65 .

إنه أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم .. فضيلة الشيخ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد ..

المولد والنشأة

ولد فضيلته في كفر مساعدة التابع لمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة في نوفمبر عام 1931 م الموافق لرجب من عام 1350 هجريا ..

نشأ وتربى في بيت أصيل يحرص فيه الوالدان على تحفيظ أبنائهما كتاب الله عزوجل ..من أجل هذا أُلحق الشيخ بكتاب القرية.. وفي كتاب القرية ومع الشيخ محجوب الشايب بدأ عالمنا الجليل رحلة حفظه لكتاب الله تبارك وتعالى .. وبعد ذلك انتقل من الكتاب ليلتحق بجمعية تحفيظ القرآن الكريم .. ثم كُتاب المنزل .. وتلك كانت مراحل ثلاث يمر بها الأطفال في هذه القرية لإتمام حفظ القرآن .. وقد كان والداه وإخوته التسعة الكبار يحرصون على متابعة حفظه للقرآن ويشجعونه..

وبعدما أتم حفظ كتاب الله ولم يتم الحادية عشرة من عمره، التحق بمعهد الإسكندرية الأزهري الديني ( لم تكن المعاهد الأزهرية في ذلك الوقت متوفرة كما هو الحال الآن) وكان ذلك في عام 1945م الموافق 1364 هجري..

يقول الشيخ حفظه الله تعالى:

" وبعدما التحقت بالمعهد وبدأت الدراسة ولأن المواد كانت كثيرة ومتعددة ، بدأ الانشغال عن مراجعة القرآن ،وبدأ معه النسيان .. وذات يوم مررت على رجل فلاح بسيط من أبناء القرية كان قد تعلم القراءة و الكتابة وهو صغير ثم لما كبر سنه نسي الكتابة فكان يقرأ فقط؛
فسألني : يا شيخ ( وبالمناسبة كان الناس بمجرد أن يلتحق الشخص بالأزهر ينادونه بالشيخ ) الآية ... في أي سورة ؟ فلم أستطع تذكرها و ترددت ، و أجبته : لا أذكر .
فنظر إلي نظرة اندهاش شديدة وقال لي : يا شيخ القرآن بالنسبة لك هو زراعتك و عملك . فاستحضر ذهني مباشرة منظر الفلاح النشيط المجتهد وكيف يكون حال حقله و بستانه ، و الفلاح الكسول كيف يكون معرة عند أهل قريته بمنظر حقله المهمل ... فما وعظني أحد بمثل هذه الموعظة .. ومن حينها عدت بقوة هائلة إلى مراجعة القرآن الكريم و خاصة في فترة الإجازة الصيفية.

كذلك مما أثر في كثيرا بعد هذه الموعظة ما قرأته للجنيد حيث يقول :

أخذت عبرة من هرة،وقفت تنتظر فأرا فجرى منها ودخل في جحر،فوقفت تنتظره وقد جمعت كل حواسها متأهبة،فقلت في سري : يا ضعيف الهمة هل عندك قوة هرة " يعني في العبادة " ، ولو كان عندك قوة هرة هل يكون مطلوبك كمطلوبها ؟!!"

السيرة العلمية لفضيلته و مؤلفاته

التحق عالمنا الجليل بعد تخرجه من الثانوية الأزهرية في عام 1950م بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة ، واختار فضيلته قسم التفسير و الحديث ليتخرج منها في عام 1958م ( 1377 هجري) . ويعمل مدرسًا للمواد الشرعية بمحافظة سوهاج ...بعد ذلك حصل على تخصص التدريس من كلية اللغة العربية في عام 1959م (1378 هـ) .

ثم التحق بالدراسات العليا في كلية أصول الدين وقد كان الأزهر قد أغلقها ثم أعاد فتحها ثانية بعد عشر سنوات تقريبا وسجل في (قسم التفسير و الحديث ) إلى أن من الله عليه وحصل على العالمية من درجة أستاذ،وهي المعادلة لدرجة الدكتوراه الآن و كان ذلك في عام 1975م ( 1395هجري ) ، وكانت رسالته بعنوان " المنهاج القرآني في التشريع " ولهذه الرسالة قصة سنعرفها لاحقا.

عمل مدرسًا بالمعاهد الدينية الأزهرية، ثم أستاذًا بجامعة الإمام الإسلامية بالرياض، و بعد ذلك أستاذا في كلية أصول الدين بالأزهر بالقاهرة ، و أخيرا أستاذا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، ليعود بعد ذلك إلى القاهرة في عام 1998م.

كما أشرف الشيخ حفظه الله و ناقش العشرات من رسائل (الماجستير والدكتوراه) وله نشاط دعوي كبير في مصر و غيرها من البلاد الإسلامية،يشمل الخطابة، والدروس الدينية، و المحاضرات، والندوات ،والأحاديث في المساجد، والجامعات ، والتلفاز ، والإذاعات.

كما شارك أيضا في العديد من المؤتمرات الإسلامية في داخل البلاد الإسلامية، وفي خارجها كمؤتمرات المراكز الإسلامية، والمؤسسات الطلابية في أمريكا، و انجلترا،وألمانيا.وهو الآن عضو في المجمع الفقهي بمكة المكرمة، المنبثق من الهيئة الإسلامية العالمية (رابطة العالم الإسلامي)

ولفضيلته العديد من المؤلفات القيمة جدا مثل :

  1. المنهاج القرآني في التشريع
  2. معركة الوجود بين القرآن والتلمود
  3. المدخل إلى التفسير الموضوعي
  4. الغزو الفكري
  5. العلم والعلماء في ظل الإسلام

جهده و جهاده مع إخوانه

لقد من الله تبارك و تعالى على شيخنا الفاضل فوفقه للالتحاق بركب جماعة الإخوان المسلمين ، ومنذ ذلك الوقت و الشيخ يعمل مع إخوانه في منظومة رائعة من أجل خدمة الإسلام و المسلمين ، في وقت هجر الناس فيه كتاب ربهم ، وغابوا عن سنة نبيهم ، واستشرت مذاهب الإلحاد و الفساد ، فكانت الجماعة شمس حق أنارت دجى الكون و لله الحمد والمنة .

غير أن خفافيش الظلام تكره النور و الضياء ، لذا أصدر الطاغية الحقود أوامره لجنود البغي و الفساد بسَحِق طلائع الحركة الإسلامية المباركة من أبناء هذه الجماعة الطيبة سَحقًا دنيئًا غادرًا، لم يرع خلاله خُلُقًا ولا دينًا، ولم يرقُب معه في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّةً!!

وتسلسل مرور المحن على أبناء الجماعة حتى كان أشدها بلاءا محنة تنظيم 65م ، والتي فيها تم القبض على شيخنا الفاضل مع من تم القبض عليهم من الإخوان المسلمين . و أدخل هذا العالم الجليل السجن الحربي وساموه أشد العذاب و أقساه حتى كاد أن يفقد السمع في إحدى أذنيه .لكن الله تعالى ربط على قلبه وثبته

يقول فضيلة الشيخ عبد الستار:

"رأيت رؤيا في السجن الحربي أنهم كانوا يصلون صلاة الجماعة وإمامهم كان يفعل أشياء عجيبة في صلاته كأنه يلهو ويعبث بيديه ويصفق ونحو ذلك فتركته وأخذت نعلي وهَمّمت بالخروج فقال الشيخ هاتوه فهربت منهم وخرجت من هذه الجدران فأولتها بأمر مريب يحدث في البلد وخروجي من بين الجدران هو الإفراج عنا وكان ماكان هزيمة الطغيان والإفراج عن الإخوان."

يروي لنا المهندس محمد الصروي قصة القبض على الشيخ عبد الستار فيقول:

" كان مع فاروق المنشاوى حوالي 400 جنية مصري من أموال التنظيم .. فتوجهنا فورا إلى طنطا لمقابلة فضيلة الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد في مسكنه بطنطا وبذلنا جهدا ضخما في الوصول إلى مسكنه .. وصلنا عنده مساء السبت وظللنا عنده حتى بعد العاشرة مساء ..
وكان من المستحيل أن نبيت عنده لاحتمال القبض عليه .. فواعدناه على اللقاء غدا الأحد .. وأنه أي الشيخ عبد الستار سوف يتصل بالمنصورة ليعرف أخبار الأخ شعبان الشناوي , وفى الغد قابلناه واخبرنا بالقبض على شعبان الشناوي في المنصورة وانه سوف يترك فوطة حمراء في البلكونه فإذا رأيناها علمنا انه مقبوض عليه وان الوضع خطير ..
وبالفعل فعل ذلك وقبض عليه في نفس الليلة .. وسافرنا إلى الإسكندرية .. ومكثنا حتى يوم الاثنين في شقة مفروشة كمصطافين لمدة ليلتين حتى انتهت المواعيد المبرمة مع جميع الناس وانهم قد تم القبض عليهم جميعا وهم جميع أفراد الصف الثاني في التنظيم في القاهرة والوجه البحري والمكون من:
  1. فاروق المنشاوى (القاهرة)
  2. الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد(2) (طنطا)
  3. شعبان الشناوى (المنصورة)
  4. عبد المجيد الشاذلى (الإسكندرية)

ولما تيقنا من ذلك قال فاروق المنشاوى : انتهى كل شيء تم القبض على جميع الناس ولم يبق في مصر كلها لم يقبض عليه سوى ثلاثتنا...

وكان فضيلة الشيخ عبد الستار سعيد قد قبض عليه فور خروجنا من عنده يوم السبت وعذبوه في السجن الحربي عذابا شديدا وكاد يفقد السمع في إحدى أذنيه .. وكانت اعترافات على عشماوى عليه كثيرة ولما سألوه عن فاروق وفايز اخبرهم انهما كانا عنده وكان معهما شخص ثالث اسمر لا يعرف اسمه فتيقنت المباحث الجنائية العسكرية أنني الذي معهما .. وبذلك صار الخيط إلى القبض على فاروق وفايز في أيديهم .. كما عرفوا أيضا أننا متجهون إلى ليبيا فتم زيادة أعداد المباحث في السلوم ومرسى مطروح ."

ثم حوكم ظلما و بهتانا بالمؤبد وهو حينئذ مدرسا بمعهد طنطا الديني وله من العمر 34 عاما .

غير أن هذه الفئة المؤمنة أيدها الله تبارك و تعالى بالثبات و العيش الهنيئ في ظل أخوة الإسلام و المحبة في الله تعالى ، فأحالوا ما وراء الأسوار و الجدران مدارس لحفظ القرآن الكريم و تعلم العلوم الدينية الشرعية ، وكذلك العلوم الدنيوية ابتداءا بالنجارة وانتهاءا بعلوم الطب و الهندسة.

وأحالوا صحاري النفي البعيد و التعذيب في الواحات و غيرها روضات وبساتين .. فما كسرت لهم شوكة وما لانت لهم عزيمة ،ليخرجوا بعد ذلك أقوى من ذي قبل وتفشل كل مخططات قوى البغي و الظلم و العدوان فشلا ذريعا و الحمد لله رب العالمين .

يحدثنا المهندس محمد الصروي كيف استفاد الإخوان من فقرة الطوابير التي كان الجلادون يسومونهم سوء العذاب فيها فيقول:" مدرسة الطوابير:

استطاع الإخوان أن يحولوا الطوابير من وسيلة تعذيب إلى عدة مدارس:

وكلام عن الفقه وعلوم الدين كان يتكلم فيه مجموعة من أفاضل علماء الإخوان المسلمين أمثال المرحوم محمود أبو عبية.. والمرحوم محمد المطراوي (إمام مسجد السيدة زينب وعضو مجلس الشعب (84-87)، والشيخ د. عبد الستار فتح الله سعيد، وعبدالستار محمد نوير (تتلمذت على يديه فترة طويلة)، والشيخ عبدالوهاب الشاعر رحمه الله."

ويخبرنا المهندس محمد الصروي كذلك كيف تواصى الإخوان بتفويت الفرصة على قوى الشر و البغي و الفساد التي نظمت ما أسمته بمحاضرات التوعية وغسيل المخ ،فحدث مالم يكن على هوى الحكومة..

فيقول :

" ... ويأبى الله إلا أن يقوم بعض الإخوة بإقامة الحجة على هؤلاء المشايخ المحاضرين منهم: د. عبد الستار فتح الله سعيد، سأل د. محمد فتح الله بدران سؤالاً مباشراً عن حكم الإسلام في الحاكم الذي يحكم ويشرع من دون الله مخالفاً بذلك أمر الله بأن يحل الحرام ويحرم الحلال!!
فلما انتهت المحاضرة بدأ التعذيب بعد عودتنا إلى الزنزانة بخمس دقائق، فنزلنا إلى فناء السجن الحربي وبدأ التعذيب بالجري السريع داخل حوش السجن ساعات طويلة تعذيباً للشيوخ والشباب..
والغريب أن صاحب السؤال وهو الشيخ عبد الستار سعيد أخذته سنة من النوم فنام في دقائق معدودة سكينة من الله داخل الزنزانة ولم يمسسه سوء التعذيب حفظاً من الله وآية لنا أن صاحب كلمة الحق محفوظ مصون بمشيئة الله في أحلك الظروف بمشيئة الله عز وجل."

وبرغم كل ما مر بالإخوان في المعتقلات و في السجون ، وبرغم ما قيل لهم من أنهم لن يروا نور الدنيا ثانية إلا أنهم واصلوا حياتهم بكل أمل و إصرار على النجاح وتحد

يقول المهندس محمد الصروي :

" تقدم أهالي الأخوين الكريمين علي محمد جريشة، وعبد الستار فتح الله سعيد، بطلب استكمال دراسة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، ووافقت الحكومة لهما على إحضار الكتب الدينية اللازمة، وكان هذا فتحاً علينا..
فلقد أحضروا عشرات المراجع، وكان لا يبخلان على أحد بأي كتاب.. الأول درس الدكتوراة في الشريعة وموضوعها (المشروعية العليا).. والثاني في (تفسير القرآن الكريم) وكلاهما حصل على الدكتوراة مع مرتبة الشرف، وعلا شأنهما علواً كبيراً في مجال الدعوة الإسلامية."

لله در هذه الجماعة الطيبة المباركة فلقد ضرب أبناؤها أمام التاريخ أروع الأمثال في التضحية والإخلاص والثبات على الحق ، والتمسك بالدعوة ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، مهما كلفهم ذلك من ثمن غال من أن يعذَّبوا وينفوا من الأرض أو يقضوا نحبهم شهداء على أعواد المشانق.

قصة رسالة الدكتوراه

رسالة الدكتوراه للشيخ عبد الستار و التي كانت بعنوان "المنهاج القرآني في التشريع" لها قصة فيها من الفوائد و العبر الشيئ الكثير ، ولا أفضل من أن نسمعها من صاحبها؛

يقول فضيلته:

" إنَّ لهذه الرسالة قصَّةً طويلةً، حيث تبدأ هذه القصة حين فرغت من الدراسات العليا بجامعة الأزهر، وشرَعْتُ في تحضير موضوعٍ لرسالتي العلمية، في وقتٍ عصيبٍ رهيب:(1384هـ، 1964م)، وكان الطغيان الحقود قد بلغ فيه غاية الصلف والغرور، والاستكبار والاستهتار، وأخذ يستجلب لأمتنا أنكد مذاهب الإلحاد والإفساد، ويقودها إلى ُكلِّ دروب الكفر والفسوق والعصيان، خاصةًً بعد أن سَحِق طلائع الحركة الإسلامية العالمية سَحقًا دنيئًا غادرًا، لم يرع خلاله خُلُقًا ولا دينًا، ولم يرقُب معه في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّةً!!
في هذه الظروف سجلتُ رسالتي في كلية (أصول الدين) بالقاهرة ولم يكن في الدولةِ آنئذٍ غيرها، وكانت موضوعًا دينيًّا هادئًا في ظاهره، ولكني كنتُ قد عزمت العزم على هدفٍ أوضح من الشمس في نفسي، هو أن أجعلَ من هذه الرسالة منازلةً علميةً لكل ما جلبه الطغيان من مناهج، ومذاهب، وأفكارٍ موغلةٍ في الضلال والبُطلان، يراد بها صرفُ المسلمين عن منهاج ربهم، بعدما تبين من عظمته وشموله، وتفرده بغاية الكمال والتمام في كل شئون الحياة، أقبلت أجمع مراجع الرسالة، وأستخرج منها مادتَها العلمية؛
وأرتبها في مواضعها، نحو سنةٍ أو أكثر، حتى قطعت شوطًا طويلاً في ذلك، قبل أن تهب على الإخوان المسلمين رياح التنكيل؛ حيث شنت أجهزة الرئيس عبد الناصر حربًا ضاريةً على دعاة الإسلام ورجاله جميعًا، (سنة 1385هـ، 1965م) بعدما تأكد له أنَّ جرائمه الفاحشة طوال عشر سنوات سابقة، لم تُفْلح في خلع جذور الإسلام من القلوب والعقول، بل لم تزده المحن الهائلة إلا رسوخًا وامتدادًا بفضل الله وعنايته.
ولقد بلغت الحرب على الإسلام غايتها، حيث اختار الرئيس عبدالناصر عاصمة الإلحاد الشيوعي (موسكو) ليعلن منها هذه الحرب، وليقدم المؤمنين والمؤمنات قربانًا يترضى به أئمة الكفر في الشرق والغرب على سواء، مجددًا جرائمه في تلفيق الاتهامات، ثم سوق آلاف الرجال والنساء والولدان بها إلى أعماق السجون والمنافي، وقتل العديد من أنبل دعاة الإسلام ورجاله، على أعواد المشانق، بعد محاكمات عسكرية هزلية، أو تحت سياط التعذيب الرهيب!!
وامتدت العاصفة المجنونة تأكل الرجال والنساء، والبيوت والأسر، والقيم والأخلاق، والمال والمتاع، والكتب والرسائل، والمطبوع والمخطوط، والمستور والمنشور!!!
وسارع الناس تحت وطأة الرعب الهائل إلى التخلص من كل كتاب أو مجلة ذات صلة بالدعوة الإسلامية المعاصرة، كما استباح رجال شمس بدران مصادرة كل شيء، خاصة الكتب والرسائل الإسلامية، حيث جمعوا منها تلالاً بالغةً، ثم أحرقوها، أو أغرقوها بعد ذلك في مياه المجاري النجسة حول القاهرة ، على أسوأ مما فعل التتار قديمًا في بغداد!!!
نتيجةً لهذه الحرب ضاعت كتبي والأصول الأولى لهذه الرسالة، ثم كان نصيب صاحبها وإخوانه أدهى وأمر، سواءٌ أكان في السجون الحربية، أم المحاكم العسكرية الهمجية التي صارت مضرب الأمثال في امتهان الحق والعدل، حيث كان التدين عند قضاتها جنايةً، والدعوة إلى الإسلام خيانةً، وصلاة الجماعة مؤامرةً، وتحريم الحرام تخلفًا وجهالةً، ومواجهة الإلحاد الزاحف على أمتنا ثورةً مضادةً تستحق في إفكهم الإبادة الشاملة، والحكم بالإعدام، أو السجن المؤبد، ونحو ذلك من المظالم الصارخة!!!
وقد ظنَّ هؤلاء أنهم قالوا الكلمة الأخيرة في ملحمة الصراع بين الحق والباطل، حين ألقوا بنا وراء الأسوار، وأسدلوا علينا الستار حتى نهاية الأعمار، كما كانوا يزعمون!!!
وأراد الله تعالى غيرَ ما أرادوا، فسلك بنا بفضله طريقَ أصحابِ الدعوات، واتخذ منا الشهداء، ووضع الأحياء على مدارج التربية والتكوين، التي وضع عليها المؤمنين والمؤمنات عْبرَ التاريخ، وكفى مثلاً بيوسف السجين، وهو الكريم ابن الكرام عليهم السلام، وتلك سنَّة الله عز وجل في أهل الإيمان، أن يُجَرِّبوا حياة الخوف والمحنة، والأذى والفتنة، والانتظار والترقب، والصبر والمطاولة، حتى يأتي اللهُ بالفتحِ أو أمْرٍ من عنده.
وحين َمنَّ الله تعالى بكتابةِ هذه الرسالة مرةً أخرى بعد سنوات، فإنها اكتسبت بفضل الله عز وجل روحًا وأبعادًا جديدةً، ما كانت لتصل إليها إلا عَبْرَ هذه التجارب الهائلة، فلم تعد مجرد رسالة علمية تخصصية، وإنما صارت مع ذلك صيحةَ عملٍ وجهادٍ من قلب العاصفة ذاتها، ورسالةَ دعوة وبلاغٍ بحالها ومقالها؛
وبما تجلى لنا من حقائق واقعية، شاهدة ومؤكدة أن هذا (المنهاج الإلهي) الذي آمنا به هو الحق المتفرد من عند الله، وأنه الطريق الفذ لخيريَ الدنيا والآخرة جميعًا، وما عداه زَبدٌ باطلٌ يذهب جفاءً مهما حشد الناس له من بريق السلطان، وزخرف المنافع، وألسنة النفاق، وطنين الأسماء والألفاظ، كالقانون، والدستور، والميثاق، وأمثالها من دعاوى الزيف التي أضلت البشرَ طوال التاريخ، والتي ما بُعِث الرسلُ عليهم السلام إلا لمقارعتها، وإنقاذ الناس من شرورها، وإعادتهم إلى صراط الله العزيز الحميد.
ولم تمض إلا سنوات معدودة حتى رأينا سنن الله الصارمة في الذين اتخذوا دين الله هُزُوًا ولعبًا، فكانت نكسة 67، وبما جرَّهُ على أمتنا من المظالم والهزائم، خاصةً أمام القردة والخنازير من بني الكيان الصهيوني، وما تبع ذلك من تمزيق الجيوش، وضياع البلاد والعباد، وإسقاط المسجد الأقصى في قبضة المغضوب عليهم؛
وقد رأى الزبانية بعدما رأوا الآيات والنذر أن ُيبْقُونا في السجن بضع سنين، وشاء الله (عز وجل) أن أستأنف في هذه الفترة كتابة َهذه الرسالة من جديد، وقد أمد الله تعالى عبده بفضله، فتمَّ إنجازها خلال عام 1394هـ، 1973م، رغم صعوبة الواقع، وقلة المراجع، وترقّب المجهول!!
ثم عكفتُ على تبييضها بعد اختصارها، عملاً بنصيحة أستاذنا المشرف الدكتور أحمد الكومي يرحمه الله، وكان من أفذاذ العلماء، علمًا وتواضعًا وخلقًا، وآيةً في الذكاء والفهم، وقد تخرج عليه أجيال من العلماء، ومما يشهد له في جرأته للحق أنه كان يزورني بنفسه رغم ذهاب بصره أثناء وجودي بمستشفى قصر العيني غير آبهٍ بما يمكن أن يحدث له؛
وقد توفي عن عمر يناهز الثمانين عامًا، وكان رحمه الله يرى في الاختصار كسبًا للوقت، وتحسبًا للأحداث المجهولة، وكنا جميعًا نقدر أنها ستكون أول رسالة (دكتوراه) تقدم للمناقشة من داخل السجون، ولكن إرادة الله تعالى سبقت كل تقدير، فقد أذن بخروجنا من السجن في 12 من ربيع الأول 1395هـ، 1975م، فأتممت تبييض الرسالة ونسخها، ثم جرت مناقشتها في قاعة الشيخ محمد عبده بجامعة الأزهر في 10 من رمضان المبارك 1395هـ، 15 من (سبتمبر) 1975م."

تأييد و مناصرة للقضايا الإسلامية المعاصرة

هذا الشيخ الجليل ... أسد هصور يقول الحق في كل خطب وكل عصر ولا يخاف في الله لومة لائم.. وقد زاده السجن قوة إلى قوته وكان نقطة تحول هامة جدا في حياته.

يقول الشيخ حفظه الله تعالى:

"علمت بوجود لجنة تعاقد من ليبيا للإعارة ، فعزمت على الذهاب ولكن الوالدة قالت : أنت ستقضي رمضان والعيد بعيد عنا ؟! فبرا بها قلت لها : لن أذهب الآن ، وبعد العيد ذهبت للتعاقد فقالوا إن الوقت قد انتهى ، بعدها كانت الأحداث و تم القبض علي فأبدلني الله خيرا من هذه الإعارة ، فقد قضيت عشر سنين ما بين السجن الحربي و غيره من السجون و المعتقلات لأخرج من كل ذلك بفضل الله وحده تبارك وتعالى وقد ازددت علما وإيمانا و يقينا و ثباتا "

نعم لقد خرج الشيخ عالما عاملا مجاهدا ناطقا بالحق لا يخاف في الله لومة، فما نزلت بالأمة نازلة ،و لا ألم بها خطب ، ولا برزت قضية من قضايا العصر إلا وتجد للشيخ فيها تأييد ومناصرة ، أو تحذير ومناصحة وفيما يلي بعض من هذا :

موقفه من العدوان الصهيوني على غزة

أهاب الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير بجامعة الأزهر بالأمة العربية والإسلامية إلى سرعة تكاتف الجهود ضد العدوان الغاصب، وأكد أن دور الشعوب في رفع الأذى عن الأمة يكون أولا بإيمانها وتمسكها بمبادئها و ثانيا باحتضان المقاومة الإسلامية والدفاع عنها بكل غالٍ ونفيس.

ووصف د. فتح الله المباحثات التي تُجريها الحكومة المصرية والأنظمة العربية مع الصهاينة وما ينتج منها من اتفاقيات بالأضحوكة والاستخفاف بالعقول ، واعتبرها السبب الرئيسي للعدوان الصهيوني على غزة، كما طالب بطرد السفير الصهيوني من مصر وبالمقاطعة الإستراتيجة.

وقال إن دمويةهؤلاء اليهود معروفة عبر التاريخ يقول تعالى :" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا" (المائدة: من الآية 82)، و أضاف فضيلته قائلاً: "الصهيوني لا يستطيع أن يحيا دون مجازر دموية وإلا يموت".

الحصار المفروض على غزة و غلق معبر رفح

رفض الحصار و غلق المعابر، وشارك بتوقيعه على الحملة التي أطلقها موقع إخوان أون لاين لفك الحصار المفروض على قطاع غزة ، وفتح معبر رفح الذي يمثل شريان الحياة لشعب غزة .

موقفه الشرعي من ولاية المرأة

وعن هذا الموقف الصحيح يقول الأستاذ عبد المنعم أبو الفتوح :

"كنّا قد حسمنا أمرنا بالدخول في تحالف مع حزبي العمل والأحرار عرف بـ "التحالف الإسلامي" في الانتخابات البرلمانية عام 1987 ، وقد رشح حزب العمل على قائمته بإحدى دوائر محافظة الجيزة امرأة هي السيدة عزيزة سند، وكان الموقف المبدئي للإخوان هو الترحيب بهذا الترشيح؛
وعلى أن يضم الإخوان امرأة في قوائمهم لما يعنيه ذلك من مواجهة الاتهامات التي تطلقها التيارات العلمانية وتشيع فيها أن الإخوان أعداء للمرأة وسيقفون ضد مكاسبها، لكن الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد وهو أستاذ للتفسير في جامعة الأزهر من قدامى الإخوان وكان عضوا بـ مكتب الإرشاد وقتها رفض الأمر تماما وبقوة، وساق جميع الآراء الشرعية التي تعارض مشاركة المرأة بالبرلمان.....
..فعرض عليه الإخوان في مكتب الإرشاد تكوين لجنة من علماء الشريعة تدرس القضية ثم تخرج بعدة آراء يختار منها مكتب الإرشاد ما يراه مناسبًا للجماعة ، إلا أن فضيلته رفض الاقتراح وقال إن الرأي الراجح الذي ستراه اللجنة هو الذي يجب أن يلتزم به مكتب الإرشاد وأنه سيكون ملزما للجماعة... ولكن الشيخ عبد الستار فتح الله رفض رأينا وأصر على موقفه بل وتطور الأمر إلى أن قدم استقالته من مكتب الإرشاد !.
وقد ظل حفظه الله متمسكا برأيه مخلصا له، وتجددت معارضته حين رشح الإخوان الأخت جيهان الحلفاوي (زوجة الأخ إبراهيم الزعفراني) في الانتخابات البرلمانية عن دائرة الرمل بمحافظة الإسكندرية عام 2000؛
ثم عاد مجددا لينتقد هذا الموقف حين رشح الإخوان الأخت مكارم الديري (زوجة المرحوم الأخ إبراهيم شرف الذي عمل سكرتيرا للمرشد) في الانتخابات الأخيرة 2005 عن دائرة مدينة نصر بالقاهرة، وانتقد بحدة هذا العمل حتى في خطبة الجمعة بالمسجد الذي يؤم الناس فيه، على الرغم من أنه مازال واحدا من جماعة الإخوان وأن استقالته كانت من مكتب الإرشاد فقط وليس من عضوية الجماعة)
ليُظهر هذا الموقف متانة الشيخ العلمية وصلابته في قول الحق وأن الجماعة تحترم علماءها الذين لهم رأي ضمن قولين داخل الجماعة في هذه الفترة .. ثم انتهى هذا الأمر مؤخرا في مسألة رفض الولاية العامة للمرأة كما صدر في برنامج الإخوان على وفق رأي الشيخ حفظه الله تعالى.

الرد على تأييد شيخ الأزهر طنطاوي لكتاب " الهيروغليفية تفسير للقرآن"

عن دور جبهة علماء الأزهر إزاء هذا الموقف قال د. يحيى إسماعيل:

"لقد أحسنت رابطة العالم الإسلامي صنعًا حين أسندت إلى فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أمر تقويم الاتهام والثناء والكاتب فجاء قوله فصلاً في ذلك حيث قال: لقد بدا لي أن هذا الكتاب الهيروغليفية تفسير للقرآن حلقة من حلقات الإفك الاستشراقي المرتبط عضويًّا وتاريخيًّا بالكنائس الغربية وبدوائر التجسس العالمي، الأوروبي عامة، والأمريكي خاصة، والصهيوني بصفة أخص؛
وأن موقف شيخ الأزهر منه هو لغز محير يثير كثيرًا من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، فالكتاب فيه خطايا دينية وعلمية لا تخفى على طالب علم أزهري، فكيف تسلمه شيخ الأزهر بالشكر والتقدير؟؟!!، وكيف وصفه بأن فيه جهدًا يحمد فيشكر؟!، وكيف يدعو الله تعالى أن يجعل كل هذه الأباطيل في ميزان حسنات المؤلف؟!، وأن ينفع الله به؟".

موقفه من بناء الجدار الفولاذي

وقع على بيان جبهة علماء الأزهر الذي أدان بناء الجدار ووصف هذا العمل بأنه حرام شرعا .

مواقفه من المحاكم العسكرية

شارك في رفض مهزلة المحاكمة العسكرية التي تعرض لها المهندس خيرت الشاطر و إخوانه وقال إنه ضد محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية، ولابد من تضافر كل الجهود والإمكانيات من أجل الحفاظ على الحقوق المشروعة للمواطن

الهمة العالية في مواصلة المهمة الغالية

ولايزال فضيلة الشيخ عبد الستار فتح الله يواصل مسيرته الدعوية بكل همة وعزيمة وثبات برغم بلوغه 76 عاما ، فقد مضى الجلادون برغم كل ما كان لهم من قوة وذهبوا أدراج الرياح عليهم من الله ما يستحقون ، وفي المقابل بقيت الأسود برغم ما كان يبدوا عليهم من ضعف ووهن ،إلا أن قلوبهم كانت قلوب ربانية لم تزدها المحن إلا قوة و رسوخا .

المراجع

  1. كتاب: الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) , محمد الصروي.
  2. كتاب الزلزال ... والصحوة لتحميل الكتاب,Pdf.png,المهندس محمد الصروي (1955- 1975) دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004.
  3. الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م للأستاذ أحمد عبدالمجيد.

ألبوم صور

الأستاذ عبد الستار فتح الله
 

الأستاذ عبد الستار فتح الله

الدكتور عبد الستار فتح الله وفتحي الخولي

الأستاذ عبد الستار فتح الله

الأستاذ عبد الستار فتح الله

الشيخ عبد المعز عبد الستار والدكتور فتح الله عبد الستار والأستاذ التلمسانى وأبو الفتوح

الأستاذ عبد الستار فتح الله

الأستاذ عبد الستار فتح الله

عبد الستار فتح الله فى تأبين الشيخ أحمد ياسين


لتتعرف على المزيد

روابط داخلية

أبحاث ومقالات متعلقة

روابط خارجية

روابط فيديو:

تابع روابط فيديو: