صفات الداعية النفسية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صفات الداعية النفسية


بقلم : الشيخ عبد الله علوان

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى دعاة الحق وقادة الخير بإحسان إلى يوم الدين .

وبعد : فهذا هو الفصل الخامس من سلسلة (( مدرسة الدعاة )) وهو بعنوان :

((صفات الداعية النفسية )).

أقدمه لكم إخواني الدعاة عسى أن يكون لكم حافزاً في تبليغ دعوة الإسلام ودافعاً في حمل الرسالة الربانية إلى الدنيا ......

والله مع الذين اتقوا وكانوا محسنين

المؤلف

عبد الله ناطح علوان

الإيمان

بعد أن علمت أخي الداعية فضل هذه الدعوة على غيرها من الدعوات وبعد أن علمت وجوب تبليغها في حياة البشر وواقع الحياة وبعد أن عرفت كرامة الداعية ومنزلته عند الله وعند الناس .

فما أراك بعد هذا إلا متطلعاً إلى معرفة الأصول النفسية في تكوين الدعاة وإعداد العلماء عسى أن تتصف بها وتتحلى بأفضلها لتكون الداعية الحق الذي ينفع بدعوته الناس ويتأثر بإرشاده البشر ويقوم بدوره الكبير في الإصلاح والتغيير والإنقاذ والهداية .

ولكن ما هي الأصول النفسية إلى إن تحلى بها الدعاة انطلقوا في ميادين الدعوة والجهاد والاستشهاد غير هيابين ولا جلين ولا يائسين ؟!!

أرى هذه الأصول مرتبة على الأسس التالية :

1- الإيمان :

من العلوم يقيناً أن الإيمان بالله الواحد الأحد حين يتغلغل في النفوس وتخالط بشاشته القلوب هو أول سلاح يتسلح به المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة وفي مجابهة مغريات الدنيا سواء أكان الداعية متقهقراً أو متقدماً ؟ وسواء أكان مهاجماً أو مدافعاً وسواء أكان منتصراً أو ممتحناً .

فبدون الإيمان يبطل كل سلاح ويبطل كل إعداد وتبطل كل ذخيرة .

  • وأعني بالإيمان أن يعتقد الداعية من قرارة وجدانه أن الآجال بيد الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء كتبه الله له وأن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه .

وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.

وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }.

فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع ويتحلى بالصبر والشجاعة والإقدام ويهتف من أعماق قلبه بما هتف به الإمام علي كرم الله وجهة حين كان يجابه الأعداء

أي يومي من الموت أفر

يوم لا يقدر أو يوم قدر

يوم لا يقدر لا أرهبه

ومن المقدور لا ينحو الحذر

أقول لها وقد طارت شعاعاً

من الأبطال ويحك لت تراعي

فإنك لو سألت بقاء يوم

على الأجل الذي لك لن تطاعي

فصبراً في مجال الموت صبراً

فما نيل الخلود بمستطاع

وأعني بالإيمان أيضاً أن يعتقد المؤمن من سويداء قلبه أن الأرزاق بيد الله وأن ما بسطه الله على العبد لم يكن لأحد أن يمنعه وأن ما أمسكه عليه لم يكن لأحد أن يعطيه وأن ما قدر لماضغيه أن يمضغاه لابد أن يمضغاه وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادة خبيراً بصيراً }.

وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ أمن هذا الذي يرزقكم إن مسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور }.

فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا والإلحاح بالطلب ويتحرر أيضاً من الشح النفسي والتقتير المزري والإمساك الشائن ويتحلى بمعاني الكرم والإيثار والعطاء بل يرى السعادة في القناعة وعيش الكفاف فإذا قنعت النفوس رضيت بالقليل وكفاها اليسير .

ورحم الله الإمام الشافعي حين قال :

النفس تجزع أن تكون فقيرة

والفقر من غني يطغيها

وغني النفوس هو الكفاف فإن أبته

فجميع ما في الأرض لا يكفيها

وأغني بالإيمان كذلك أن يعتقد المؤمن من أعماق أحاسيسه ومشاعره أن الله سبحانه معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ويعلم خائنة العين وما تخفي الصدور .

وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ...}.

وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }.

فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من ربقة الهوى ونزغات النفس المارة بالسوء وهمزات الشياطين وفتنة المال والنساء ويتحلى بالمراقبة لله والإخلاص له أمانة وجدية وإتقان بل يكون إذا مشى في الناس إنساناً سوياً وبراً تقياً وريحانه طيبة الشذى وشامة في المجتمع يشار إليه بالبنان .

بل يتمثل بما تمثل به شاعرنا الإسلامي حين قال

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل

خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما تخفي عليه يغيب

فعلى هذه المعاني من الإيمان ينبغي أن يتكون الداعية ويواجه بها صراع الحياة .

الإخلاص

الإخلاص في حقيقته قوة إيمانية وصراع نفسي يدفع صاحبه بعد جذب وشد إلى يتجرد من المصالح الشخصية وان يترفع عن الغايات الذاتية وأن يقصد من عمله وجه الله لا ينبغي من وراءه جزاء ولا شكوراً .

وإذا استمر المخلص على هذه الحالة من الجاهدة والتغلب على وساوس الشيطان والنفس المارة بالسوء يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقاً وعادة بل تصبح العمال التي تصدر عنه خالصة لله رب العالمين دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة ؟!!

وهذا المعني للإخلاص هو المقصود من قوله جل جلاله في هذه الآيات :

{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ..}.

{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }.

{ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله ولا نريد منكم جزاء ولا شكوراً }

وهو المقصود أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام في هذه الأحاديث :

روى الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إلية )).

وروى أبو داود والنسائي بإسناد جيد عن أبي أمامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ےأنه قال :(( إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجه )).

روى الحاكم وقال : صحيح الإسناد عن معاذ بن جبل أنه قال حين بعث إلى اليمن : يا رسول الله أوصني قال له عليه الصلاة والسلام :(( أخلص دينك يكفك العمل القليل )).

ولكن ما حقيقة العمل الخالص ؟أي عمل يقوم به المسلم في الحياة لا يكون مقبولاً عند الله عز وجل ولا يكتب في سجل الحسنات إلا أن يتصف بشيئين :

الأول : أن يكون موافقاً للشريعة .

الثاني : أن يكون خالصاً لله .

فإذا كان العمل موافقاً للشريعة ولم يكن خالصاً لله لم يقبل وإذا كان خالصاً لله ولم يكن موافقاً للشريعة لم يقبل العمل إلا إذا كان على وفق الشريعة وكان خالصاً لله !!.

وهذا المعنى لقبول العمل عند الله هو ما بينه علماء السلف وقرروه لتلامذتهم ولقنوه جيل الإسلام لينشأ الجيل على الاتباع الكامل والإخلاص الصادق ويتصف أيضاً بالعمل الصالح والسمعة الطيبة .

إليك أخي الداعية هذا الحوار الذي جرى مع أحد السلف :

سئل الفضيل بن عياض عن أحسن العمل في قوله تعالى { ليبلوكم أحسن عملاً }.؟

قال أحسن العمل أخلصه و أصوبه !!.

قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل العمل حتى يكون خالصاً صواباً !!

وقال : والخالص ما كان لله والصواب ما كان على الشريعة ثم قرأ قوله تعالى في آخر سورة الكهف :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعباده ربه أحداً }.

والداعية إلى الله هو أولى من غيرة في التحقيق بالعمل الصالح المقبول عند الله عز وجل .

فما عليك أخي الداعية إلا أن تنظر في أعمالك التي تصدر منك :

هل هي موافقة لشريعة الله وداخلة في تعاليم المنهج الذي رسمه الله ؟

وهل هي خالصة لوجه الله الكريم لا تبغي من ورائها جزاء ولا شكوراً ؟ فإذا كانت كذلك فاسأل الله سبحانه الثبات وتطلع دائماً إلى المزيد والتدريج نحو الكمال وإذا كانت غير ذلك فتب إلى الله عز وجل وصحح النية وأخلص لله واجتهد بكليتك على أن يكون العمل على وفق شريعة الله وعلى أساس المنهج الذي رسمه الله لعباده.

ما هي صفات المخلصين الدعاة ؟

سبق أن ذكرنا قبل قليل أن أي عمل لا يتصف بالصلاح والقبول حتى يكون على الشريعة ويكون خالصاً لله .

فبناء على هذا المعنى لقبول العمل واتصافه بالصلاح يجب على الدعاة أن يدركوا الحقائق التالية :

أولاً :- أن يقصدوا من دعوتهم وجه الله .

ثانياً : - أن تكون جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم الاجتماعي علي وفق الشريعة الله .

ثالثاً :- أن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم وأن يتساءوا ماذا يريدون من تبليغ الدعوة ؟ وماذا يقصدون من دعوة الناس ؟

رابعاً :- أن ينظروا إلى مفاهيم هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم ؟

خامساً :- أن يحذروا مكائد الشيطان ووساوس النفس والهوى وفتنة العجب ومزالق الرياء .

فبتقديري أن الدعاة إلى الله إذا أدركوا هذه الحقائق واتصفوا بهذه الصفات ساروا صادقين في درب الإخلاص ومضوا مخلصين في طريق الدعوة وحقق الله سبحانه علي أيديهم إصلاح البشر وهداية الشعوب بل الناس يتأثرون بهم ويستجيبون لدعوتهم ويقبلون هدى الله عز وجل طائعين مختارين .

ولتعلم أخي الداعية أثر الإخلاص في الدعوة وأثر المخلصين المخبتين في الناس .

أسوق لك هذه القصة التي تستشف من وراء كلماتها ومعانيها ماذا يفعل الإخلاص ؟ وماذا تفعل الأهواء ؟

( كان عابد من العباد في الأمم السابقة يعبد الله دهراً طويلاً فجاءه قوم فقالوا :

إن هاهنا قوماً يعبدون شجرة من دون الله تعالى .

فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال : أين تريد .......رحمك الله ؟

قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة .

قال : وما أنت ذلك تركت عبادتك واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك ؟!!

قال : إن هذا من عبادتي .

قال : فإني لا أتركك أن تقطعها

فقاتله : وما هي إلا لحظات حتى طرحه العابد على الأرض وقعد على صدره .

فقال له إبليس : أطلقني حتى أكلمك فقام عنه

فقال إبليس : يا هذا إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك وأنت لا تعبدها وما عليك من غيرك ؟ ولله تعالى أنبياء في أقاليم الأرض ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها !!....

فقال العابد لي من قطعها .

ونابذه القتال وتصارعا فغلبه العابد ثانية وصرعه وقعد علي صدره فلما رأي إبليس عجزه وضعفه سلك طريق الاحتيال وعلم أن هذا الهابد مخلصاً لله فلن تكون قوة الأرض تغلبه أو تثنيه عن عمله وبالفعل فقد لجأ إلى أن يغير العابد نيته وأن يريد شيئاً غير الله وثوابه .

فقال له : هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع ؟

قال العابد : ما هو ؟

قال إبليس : أطلقني حتى أقول لك فأطلقه

فقال إبليس : أنت رجل فقير لا شئ لك إنما أنت كل على الناس يعولونك ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك وتشبع وتستغني عن الناس ؟

قال العابد : نعم !!

قال : فارجع عن هذا الأمر ولك علي أن أجعل عند رأسك في كل ليله دينارين إذا أصبحت أخذتها فأنفقت على نفسك وعيالك وتصدقت على إخوانك فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها ولا يضير عبادها قطعها شيئاً ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها !!.

فتفكر العابد فيما قال : ثم قال :صدق الشيخ لست بني فيلزمني هذه الشجرة ولا أمرني الله أن أقطعها فأكون عاصياً بتركها وما ذكره أكثر منفعة ثم وضع يده في يد الشيخ وتعاهدا وقد عاهده إبليس على الوفاء بذلك وحلف له .

ورجع العابد إلى صومعته فبات فلما أصبح رأي دينارين عند رأسه وكذلك في الغد ثم أصبح في اليوم الثالث وما بعده فلم ير شيئاً !!

فغضب وأخذ فأسه على عاتقه ومضى إلى الشجرة يريد قطعها فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال له : إلى أين يريد ؟

قال : أقطع تلك الشجرة .

فقال : كذبت ! والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك إليها .

فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة فقال : هيهات هيهات !!.

وما هي إلا لحظة حتى أخذه إبليس وصرعه فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره وقال لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك .

فنظر العابد فإذا لا طاقة له به .

قال : يا هذا غلبتني فخل عني وأخبرني كيف علبتك أولاً وغلبتني الآن ؟

فقال إبليس : لأنك غضبت أول مرة لله وكانت نيتك الدار الآخرة فغلبتني بقوة الله وهذه المرة غضبت لنفسك وللدينار فصرعتك )

فبالإخلاص إذن يكون التأثير ويكون الاحترام وتكون الثقة .

ألا فليتحل الداعية بالإخلاص وليتجنب مواطن الانزلاق والزلل . وليحذر مكائد الشيطان ودبيب وحبائل الهوى ووساوس النفس الأمارة بالسوء .

إن أراد لهذه الدعوة الانتشار ولهذا الإسلام العزة والفخار ولهذه الأمة الإسلامية الكيان والسيادة وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .

الجرأة

الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده ومن الحق الذي يعتنقه ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به ومن القدر الذي يستسلم إليه ومن المسئولية التي يستشعر بها ومن التربية الإسلامية التي نشئ عليها .

وعلى قدر نصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يغلب وبالحق الذي لا يخذل وبالقدر الذي لا يتحول وبالمسئولية التي لا تكل وبالتربية التكوينية التي لا تمل بقدر هذا كله يكون نصيبه من قوة الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم ..ومن هنا كانت فضيلة الجرأة بالحق من أعظم الجهاد لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ومن هنا كان الذي يستشهد في سبيل كلمة الحق سيد الشهداء لما روى الحاكم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله )).

ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يأخذ العهد من أصحابه على أن يقولوا بالحق أينما كانوا فقد روى مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال :(( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثره علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن تقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )).

ومن هنا كان امتداح الله سبحانه للذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً سواه قال تعالى في سورة الأحزاب :{ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفي بالله حسيباً }

وتاريخ الدعوة والدعاة ملئ بسيرة رجال يقولون كلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم ..

وها نحن أولاء نسوق نماذج حية من مواقفهم الرائدة وبطولاتهم النفسية الخالدة عسى أن يتأسى بهم دعاتنا اليوم يأخذوا بأحسنها :

أ- من مواقف (( العز بن السلام )) أنه قال مرة لسلطان مصر (( نجم الدين أيوب )) وكان عسى في مجلس حافل برجال الدولة يا أيوب !!... ما حجتك عند الله إذا قال لك غداً ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور ؟

فقال : هل جرى هذا ؟

فقال : نعم الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وتستباح فيها المنكرات وأنت تقلت في نعمة هذه المملكة!!..

فقال : هذا أنا ما عملته هذا من زمان أبي !!..

فقال العز بن السلام :أنت من الذين يقولون :{ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}؟

فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة وإغلاقها .

ب- كان (( سلمة بن دينار )) المكنى بأبي حازم يدخل على معاوية فيقول : السلام عليك أيها الأجير فإذا حاولوا أن يقولوا لأبي حازم قل : السلام عليك أيها الأمير أبي عليهم ذلك ثم التفت إلى معاوية فقال له :(( إنما أنت أجير هذه الأمة استأجرك ربك لرعايتها !!.))

ج- لما أنشأ (( عبد الرحمن الناصر )) مدينة الزهراء في الأندلس أبدع في بنائها أيما إبداع وأنفق عليها من الأموال مالا يكاد يعد ولا يحصى وبلغ من إنفاقه وتفننه في تزيينها أن أقام (( الصرح الممرد )) واتخذ لقبته قراميد من ذهب وفضة فما إن سمع بذلك الفقيه القاضي (( منذر بن سعيد )) حتى ارتاع لعمل وغضب لتبديده أموال الشعب فوقف في المسجد يخطب الناس بحضور الناصر ويتوجه إليه باللوم والتأنيب وهو يقول :(( ما كنت أظن أن الشيطان أخزاه الله يبلغ بك هذا المبلغ ولا أن تمكنه من قيادك هذا التمكين مع ما آتاك الله وفضلك به على العالمين حتى أنزلك منازل الكافرين ...))!!.

فاقشعر عبد الرحمن الناصر من قوله فقاطعه وقال له انظر ما تقول ؟ كيف أنزلني الله منازلهم ؟

قال : نعم أليس الله تبارك وتعالى يقول :{ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون }.

فوجم الخليفة ونكس رأسه ملياً ودموعه تجرى على لحيته خشوعاً لله تبارك وتعالى ثم أقبل على القاضي وقال له :(( جزاك الله تعالى يا قاضي خيراً وعن المسلمين والدين وأكثر في الناس من أمثالك فالذي قلته والله هو الحق ) وقام من مجلسه وهو يستغفر الله وأمر بنقض القبة وأعاد قراميدها تراباً!!..

د- وروى زياد عن مالك بن أنس قال : بعث (( أبو جعفر المنصور )) إلى (( والي طاووس )) أحد أفاضل العلماء في عصره فدخلنا عليه وبين يديه أنطاع قد بسطت (جلود توضع تحت المحكوم عليهم بالقتل ) وجلادون بأيديهم السيوف يضربون الأعناق فأومأ إلينا أن اجلسا فجلسنا فأطرق عنا قليلا ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاووس فقال له : حدثني عن أبيك .

قال : نعم سمعت أبي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله )).

قال مالك : فضمت ثيابي مخافة أن يملأني دمه فأمسك ساعة ثم التفت إليه أبو جعفر

فقال : عظني يا ابن طاووس

قال : نعم يا أمير المؤمنين !!..

يقول الله تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد }.

قال مالك : فضمت ثيابي من ثيابه مخافة أن يملأ ثيابي من دمه !!.

فأمسك ساعة ثم قال : يا ابن طاووس ناولني هذه الدواة فأمسك عنه .

فقال : ما يمنعك أن تناولنيها ؟

قال ابن طاووس : أخشى أن تكتب بها معصية فأكون شريكك فيها !!.

فلما سمع ذلك قال أبو جعفر : قوما عني !!

قال ابن طاووس : ذلك ما كنا نبغي منذ اليوم !!.

قال مالك : فما زلت أعرف لابن طاووس فضله ....

هاء - وذكر الغزالي في حياته : عن الأصمعي قال : ( دخل (( عطاء أبي رباح )) على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحوله الأشراف من كل بطن ذلك بمكة في وقت حجه في خلافته فلما بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له : يا أبا محمد ما حاجتك ؟

فقال : يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم !!.

فقال عبد الملك بن مروان : أجل أفعل ثم نهض وقام فقبض عليه عبد الملك !!.

فقال : يا أبا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها فما حاجتك أنت ؟

فقال : مالي إلى مخلوق حاجة !!.ثم خرج .

فقال عبد الملك : هذا وأبيك الشرف !!.....)

فما على الدعاة إلا أن يتأسوا بالسلف الصالح شجاعة وجرأة عسى أن يوجهوا الرأي العام إلى ما فيه جلب للمصالح ودرء للمفاسد وأن يتفاعلوا مع المجتمع في إعلان كلمة الحق دون أن تأخذهم في الله لومة لائم عسى أن يقوموا بالدور الكبير في البناء والإصلاح والتغيير والله سبحانه يثيبهم في الدنيا خيراً ويدخر لهم يوم القيامة أجراً ويحقق على أيديهم العزة للإسلام المجد للمسلمين والوحدة الكبرى التي تضم العالم الإسلامي كله تحت راية الخلافة الراشدة ولواء الحاكمية لله الواحد الأحد وما ذلك على الله بعزيز .

وعلى الداعية في هذا المجال أن يميز بين الجرأة والغلظة فالجرأة شئ والغلظة شئ آخر فالجرأة يقول كلمة الحق ولا يحسب لهذه الكلمة أي حساب ولو أدت إلى المحنة والابتلاء ولا يمنع أن يكون الداعية في موقفه هذا رفيقاً حكيماً مع من ينصحه ويقوم اعوجاجه ويقول أمامه كلمة الحق ...

بل الأصل في من يدعو ونصيحته من ينصح الرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى :{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }.

أما الغلظة فهي أن يبدأ من يريد إصلاحه وتقويم اعوجاجه ودعوته إلى الخير أن يبدأه بالجفاء والفظاظة والشدة وهذه المبادرة تورث لدى المدعو أو المنصوح له ردود فعل قد تؤدي به وبمن يدعوه إلى أسوأ العواقب ولا سيما إذا كان المنصوح له ذا مركز مرموق وسلطة قوية .

ويحضرني في هذه المناسبة هذه القصة : دخل واعظ إلى أبي جعفر المنصور وأغلظ عليه في الكلام فقال أبو جعفر للواعظ : يا هذا ارفق بي أرسل الله سبحانه من هو خير منك إلى من شر منى أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون فقال له :{ فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى }.

فخجل الرجل مما بدر منه وعرف أنه لم يكن أفضل من موسى عليه السلام وأن أبا جعفر لم يكن شراً من فرعون نعم قد يكون في بعض مواقف الدعاة مما يلمح منها الشدة والجفاء كما يتبين من بعض الأمثلة التاريخية التي استشهدنا بها في هذا المقام ولكن هذه الشدة أحياناً قد تكون لها مبرراتها وأساليبها كما رأينا من موقف القاضي (( منذر بن سعيد )) والعلم ((والي بن طاووس )) فالأول :أنكر على من أنفق أموال الأمة وبددها في غير ما وضعت له والثاني : ذكر بالله من بين يديه جلادون يضربون الأعناق فالموقف إذن يستدعي أخذ الأمور بالحزم وتوضيح المسائل بالصراحة عسى أن يكف الظالم عن ظلمه والمستهتر بمصالح الأمة وأموالها عن استهتاره وهذا ما جعل الخليفة (( عبد الرحمن بالناصر )) أن يرد لبنات الذهب والفضة إلى بيت المال لصراحة القاضي (( منذر بن سعيد )) وما جعل الخليفة (( أبا جعفر المنصور )) أن يتذكر أو يخشى لتذكر العالم (( والي بن طاووس له بنهاية الطغاة ومصيرهم ...

والذي أخلص إليه ما تقدم :

أن الجرأة في الحق خلق محمود في الداعية وأن الأصل فيها الرفق واللين ولا سيما لمن يبدأ معهم في النصيحة والهداية والإصلاح اللهم إلا إذا دعت الضرورة أن يكون الداعية أكثر صراحة وأظهر حزماً وأقوى اندفاعاً وأدعى تبياناً فلا بأس في صراحته وحزمه ولا مانع من اندفاعه وتبيانه بشرط ألا يخرج عن الطور وألا يتعدى حدود الحكمة وألا يسبب حدوث فتنة كما تبين من المواقف التي وقف فيها الدعاة والعلماء والمصلحون !!...

الصبر

الصبر قوة نفسية إيجابية فعالة تدفع المتحلي به إلى مقاومة كل أسباب الخور والضعف والاستكانة والاستسلام وتحمله على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات وأمام المحن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر أو أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض ...

وعلى الداعية حين يبلغ دعوة الله أن يضع في حسبانه هذه الابتلاءات :

  • أن يضع بحسبانه الاتهامات الكاذبة والأقاويل الباطلة للحط من شأنه والتقليل من اعتباره ....
  • أن يضع بحسبانه السجن والاعتقال والتعذيب وكل اعتداء يمسه مادياً ويصيبه جسيماً ....
  • أن يضع بحسبانه إخراجه من وظائفه ومصادرة أملاكه واقتطاع كسبه ورزقه ...
  • أن يضع بحسبانه تهجيره من بلده ومفارقته لأهله وأولاد وابتعاد عن أصدقائه وأحبابه .....
  • أن يضع بحسبانه إغراءه بالمنصب والوظيفة وفتنه بالمال والجاه وإغواءه بالجنس والنساء وقد يلبس هذا الإغواء ثوب الزواج في كثير من الأحيان *

وأخيراً أن يضع بحسبانه الاستشهاد والشهادة في سبيل الإسلام والدعوة إلى الله فحين يضع الداعية نصب عينيه كل هذه الاحتمالات من ضروب الأذى والاضطهاد والشدة فلا يجد في سبيل ما يلقاه من محنه وابتلاء أي حرج أو غضاضة أو يأس أو انهزامية لأن من طبيعة الدعاة الصادقين والعلماء المخلصين أن يتعرضوا لأنواع الأذى وضروب الاضطهاد وحسبهم في ذلك قدرة قائد دعوتهم ورائد رسالتهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه فإنه عليه الصلاة والسلام أعطى الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان القدوة العملية في الصبر والاحتمال والأسوة الحسنة في الصمود والثبات ...

فإن المشركين في مكة سلكوا مع النبي صلى الله عليه وسلم مسالك شتى في الأذى وأساليب متنوعة في الاضطهاد ليصدوه عن دعوته ويثنوه عن أداء رسالته فما استكان وما خضع ...سلكوا معه طريق الإغراء بالمال والرياسة والجاه ..فما استكان وما خضع .

سلكوا معه طريق الاستهزاء والسخرية والاتهام ...فما استكان وما خضع .

سلكوا معه طريق المقاطعة الاقتصادية الشاملة له ولمن آزره ...فما استكان وما خضع .

وقرروا أخيراً اغتياله وملاحقته فما استكان وما خضع .

وبعد أن أذن الله له بالهجرة حاربوه بحملات متعددة وحروب طاعنة ليستأصلوا دعوته وأتباعه فما كان ذلك يرده عن تبليغ الدعوة ونشرها في الأرض وظهورها على الدين كله وظل عليه الصلاة والسلام صابراً داعياً مجاهداً محتسباً ماضياً في طريق إعزاز دين الله حتى جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً .....

وتحقق ذلك بفضل صبره وثباته وصلوات الله وسلامه عليه وفضل تضحيته وجهادها صلى الله عليه وسلم ألا فليتخذ الدعاة من مواقف صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة إن أرادوا أن يبنوا لأمتهم مجداً وبلاد الإسلام عزاً وللمسلمين وحدة وقوة وكمانة ؟!!

وصدق الله العظيم القائل { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر كثيراً }.

وعلى الدعاة أن يعلموا أن من سنة الله في الأنبياء والمصلحين والدعاة والعلماء أن يتعرضوا في تبليغهم للدعوة وهداية الناس إلى الخير لأنواع من الإبتلاء والإضطهاد ولأصناف من الإحن والشدائد لكونهم يغيرون واقعاً مريراً ويواجهون فئات من الطواغيت المستبدين الظالمين ويتعرضون لأقوام خبيث سرائرهم وأعمالهم لا يرعون في مؤمن إلا ولا ذمة فمن الطبيعي وهذا شأنهم أن يواجهوا الصراع والمقاومة والإبتلاء في أمة الإنتكاس والجهالة والضلال ومن الطبيعى أيضاً أن تعرف حقيقتهم بعد المحنة إن كانوا صادقين في تبليغ الدعوة أو كانوا خوار بين منهزمين ....

وهذا ما بينه القرآن الكريم أوفى بيان :

قال الله تعالى في سورة العنكبوت :{ آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }.

وقال عز من قائل في سورة البقرة :{ أم حسبتهم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذي آمنوا معه متي نصر الله ألا إن نصر الله قريب }.

وقال القرآن على لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه :{ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور }.

وهذا أيضاً ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة .

روى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟( قال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاء الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).

وروى مسلم في صحيحه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).

وروى البخاري في صحيحه أنه لما اشتد إيذاء قريش على ضعفاء المؤمنين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة يقولون :ألا تستنصرنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون !!.)).

ولما علم الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان هذه التوصيات القرآنية والتوجيهات النبوية في إعداد المؤمن والصبر على المحنة والابتلاء أعدوا للثبات والصبر والتضحية نفوساً مؤمنة لا تجزع أمام أحداث الليالي وقلوباً صامدة لا ترتعد من نوازل الأيام ...

لذا رأيناهم بعد أن فهموا رسالة المسلم ومسئولية الداعية ومهمة المجاهد انطلقوا في ميادين الدعوة إلى الله غير عابئين بما يعترضهم من عقبات وغير مكترثين بما يلقونه من مصائب وأهوال !!.

وحسبنا الآن أن نذكر بعض الأمثلة التاريخية ليعرف الداعية جلياً ما كان يلقاه آباؤنا البواسل الأمجاد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى واضطهاد في سبيل الرسالة الإسلامية والدعوة الربانية عسى جيل الإسلام اليوم وعلى الأخص الشباب أن ينهجوا في الصبر نهجهم وأن يسلكوا في التضحية والثبات دربهم لتحيا لهم في الكون دعوتهم وتعود لهم في الدنيا عزتهم وكرامتهم ...وتقوم على سواعدهم الفتية دولة القرآن ووحدة الإسلام وأمجاد التاريخ ....

فهذا بلال رضي الله عنه المؤمن الصابر لقي في سبيل الدعوة ألواناً من العذاب وأصنافاً من البلاء فكلما اشتدت عليه وطأة الألم ونزلت به الإحن السود ووضعت على بطنه الحجارة الثقيلة في وهج الظهيرة المحرق ليترك دينه ازداد إيماناً وتثبيتاً وهتف من الأعماق أحد أحد فرد صمد !!.

وهذا عمار وأمة سمية وأبوه ياسر رضي الله عنهم جميعاً قد تحملوا في سبيل إسلامهم ما لم يتحمله إنسان وما إن علم بنو مخزوم بإسلامهم حتى انقضوا عليهم يذيقونهم اشد العذاب ليفتنوهم عن دينهم ويرجعوهم كفاراً بعد أن هداهم الله إلى الإسلام .

وفي بطحاء مكة حيث ترسل الشمس شواظاً من لهب قضى آل ياسر أياماً في العذاب مقيم ومر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون وسمع ياسراً يئن في قيوده وهو يقول : الدهر هكذا فنظر الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى السماء ونادى :( أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ).

وسمع آل ياسر النداء فهدأت نفوسهم وسكنت قلوبهم فلما أتاهم أبو جهل لعنه الله كان استهزاؤهم بالموت وعلوهم على الحياة أعظم ما رأي الناس لقد استشهدت سمية رضي الله عنها وكانت أول شهيدة في الإسلام ثم تبعها ياسر وكان أول من استشهد من الرجال بقي عمار يغالب العذاب ويصابر الألم حتى يكفوا عنه ويطلقوه ولكن قلبه الطاهر بقي عامراً باليقين والإيمان ونزل في حقه قوله سبحانه :{ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }.

وهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه : نشأ في الترف وربي في الرفاهية والنعمة اسمعوا إلى قصة إسلامه وابتلائه كما يرويها ابن سعد في طبقاته :(( كان مصعب بن عمير فتى مكة شباباً وجمالاً وكان أبوه يحبانه وكانت أمه مليئة المال تكسوه احسن ما يكون من الثياب وأرقه وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم فدخل عليه واسلم وصدق به وخرج فكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه ولما كشفوا أمر أخذوا فحبسوه فلم يزل محبوساً حتى خرج إلى ارض الحبشة في الهجرة الأولي ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا ...)

يقول خباب بن الأرت :( هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوجب امرنا على الله فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئاً منهم : مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له شئ يكفن فيه إلا بردة قال : فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :اجعلوا مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر).

ولقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الفتى وهو مقتول مسجى في بردة فقال له والدموع تزدحم في عينيه :لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ولا أحسن لمة منك ثم أنت شعث الرأس وقرأ عليه هذه الآية :{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً}.

ولا شك أن هذه الظاهرة من الإيمان والثبات والصبر والمصابرة قد تعلموها وأخذوها من سيد الدعاة وإمام المجاهدين صلوات الله وسلامه عليه فقد أعطاهم القدرة العملية في صبره وثباته والأسوة الحسنة في تضحيته وجهاده .....وسبق أن ألمحنا عن مواقفه الخالدة صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها...

ولقد سار على الدرب التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى عصرنا هذا كأمثال الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية ومنذر بن سعيد بن المسيب ووالي بن طاووس والإمام حسن البنا والشهيد سيد قطب والشيخ مروان حديد والشيخ عبد العزيز البدري والشيخ موفق سيرجية ومئات غيرهم بل أولف فقد ضربوا أروع المثال في صبرهم وثباتهم وجرأتهم وصمودهم رحمهم الله و أعلى منزلتهم وسلاماً عليهم في الخالدين .

والذي أخلص إليه بعد ما تقدم :

أن الذين يتصدون للدعوة ويسيرون في طريق الإصلاح والتغيير والهداية لا بد أن يتعرضوا للمحنة ولا بد أن يواجهوا بأساء الحياة وضراءها ويخطئ من يظن أن طريق الدعوة دائما محفوف بالورود والرياحين ومفروش بالزينات والسجاجيد ومغتص بالمودعين والمستقبلين ...بل على الداعية أن يعلم أن طريقه قد تكون مفروشة بالصخور الكبيرة العاتية والأشواك اليابسة المؤذية والأشقياء العتاة المجرمين فإن لم يكن معتاداً على الثبات والاحتمال متروضاً على الصبر و المصابرة فإنه ينهزم في أول لحظات المحنة ويتقهقر في أول لحظات البلاء ويقعد مع القاعدين اليائسين المثبطين ....

وما أحسن ما قاله الطغرائي في لاميته :

حب السلامة يثني هم صاحبه

عن المعالي ويغري المرء بالكسل

فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً

في الأرض أو سلماً في الجو فاعتزل

وفي هذا المعني يقول أبو الطيب المتن :

ذريتي أنل ما لا ينال من العلا

فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل

تريدين إدراك المعالي رخيصة

ولا بد دون الشهد من إبر النحل

وصدق من قال :

إذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

التفاؤل

التفاؤل قوة نفسية إيجابية فعالة ...ينظر صاحبها إلى الغد بابتسامة أمل ويسير إلى الغاية المرجوة بروح القائد الشجاع وبنفسية العزيز المنتصر ....دون أن يعتريه يأس أو يستحوذ عليه قنوط .....

صحيح أن الدول الغريبة عامة وأمريكا خاصة هي التي صنعت إسرائيل وصحيح أن الاستعمار له وسائله وأساليبه في إخراج المسلم من الإسلام وإدخاله في تيار اللادينية والإباحية وصحيح أن الشيوعية العالمية لها مخططها الأكبر في تحلل الجيل المسلم وإفساد خلقه وعقيدته وصحيح أن اليهودية العالمية لها مخططاتها وأساليبها في القضاء على الديان غير اليهودية والسيطرة على العالم العربي والإسلامي وصحيح أن الدول الكبيرة في العالم سواء أكانت شرقية أو غربية تعمل جاهدة لتقوية إسرائيل وتحرص على وجودها لغايات سياسية وأهداف اقتصادية ومصالح ذاتية وصحيح أن التآمر على الإسلام وأهله بلغ هذا الحد الكبير والمدى الواسع ولكن ينبغي على المسلم ولا سيما الداعية أن لا يتملكه القنوط في بناء العزة وأن لا يستحوذ عليه اليأس في تحقيق النصر .

والداعية إلى الله هو أولي بأن يتحلى بالأمل لانتصار دعوته هو أحق بأن يتصف بالتفاؤل لإعزاز دينه ...لماذا ؟

  • لأن القرآن الكريم حزم اليـأس وندد باليائسين ...
  • ولأن التاريخ برهن له على انتفاضات المم مما أصابها
  • لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر أمة الإسلام بالعز والسيادة ...

أما القرآن الكريم حرم اليأس وندد باليائسين

فلآيات الصريحة الواضحة :

من هذه الآيات ما تعتبر اليأس قرين الكفر قال تعالى في سورة يوسف :{ ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }.

ومن هذه الآيات ما تعتبر اليأس قرين الضلال قال تعالى في سورة الحجر:{ قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون }.

ومن هذه الآيات تنديد بالإنسان اليائس وتقبيح لنفسه الخائرة وقلبه الهالع قال الله تعالى في سورة الروم :{ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون }.

فمن هذه النصوص القرآنية يتبين أنه لا يجوز اليأس قاتل للرجال وهازم للأبطال ومزلزل للشعوب ومحطم للأمل والأخذ بأسباب الكرامة فعلى الداعية أن يحذر من وجهات النظر اليائسة المتهالكة التي تقول :(( انتهي كل شئ وعجزنا )) (( الزم حلس بيتك فليس في الدعوة ولا الجهاد أي فائدة ؟)) (( عليك بخويصة نفسك ودع عنك أمر العامة ))....

لقد سمى القرآن الكريم هذه الزمرة اليائسة الميئسة بالمعوقين المثبطين قال تعالى في سورة الأحزاب :{ قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً }.

إن هذه الطائفة اليائسة الميئسة عندما تتبنى هذه الوجهة من اليأس والقنوط إنما تدلل على هلاكها قبل كل شئ وليس على هلاك المسلمين ...

يقول عليه الصلاة والسلام :(( من قال هلك المسلمون فهو أهلكم )).

والعجيب الغريب أن نجد من بعض الضعفاء الذين يتمنون إلى اعلم والعلماء من ينادى بالعزلة والانطوائية والتزام أحلاس البيوت اعتقاداً منهم أن لا سبيل إلى إصلاح هذه الأمة وان الأمل إلى استعادة مجدها واسترجاع عزتها وكيانها وآن الأوان أن يخرج المسلم بنفسه ببضع غنيمات يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن حتى يدركه الموت !!..

صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه البخاري :((يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع شعف الجبال مواقع القطر يفر بدينه من الفتن )).

ولكن الحديث هذا محمول كما قال شراح الحديث على من يفتن بدينه ويجبر على الردة .

أما أنه مادام يوجد في أرض الإسلام مسلمون يؤدون الشعائر ويطبقون على أنفسهم أحكام الإسلام ومادام أنه ثمة مجال للتعاون وإقامة العز للإسلام فإنه يحرم على المسلمين الزلة والانزواء لأنه ما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب لذا وجب على المسلمين جميعاً أن يقيموا حكم الله في الأرض وأن يحرروا الأرض المقدسة من براثن يهود وأن يشيدوا في ربوع المعمورة دولة الإسلام لكونهم مستطيعين قادرين إن اخلصوا النية وعقدوا العزم ولزموا الجماعة ومضوا في طريق الجهاد في طريق الجهاد والتحرير واثقين متفائلين .

أما أن التاريخ برهن على انتفاضات الأمم مما أصابها من ذلة وهوان ....

فللشواهد التاريخية التالية :

أ- من كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة بعد أن أستلم أبو بكر رضي الله عنه مقاليد الخلافة ففي هذا الوقت من خلافة أبي بكر عظم الخطب واشتد الحال ونجم النفاق وارتد من ارتد من أحياء العرب وظهر مدعو النبوة وامتنع قوم عن أداء الزكاة ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة واصبح المسلمون كما يقول ((عروة بن الزبير)) رضي الله عنه :(( كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم وقلة عددهم وكثرة عدوهم ..)حتى وجد من المسلمين من قال لأبي بكر رضي الله عنه :((يا خليفة رسول الله : أغلق بابك والزم بيتك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )أي الموت .

ولكن أبا بكر رضي الله عنه لم يعتره اليأس ولم يستحوذ عليه القنوط وإنما واجه هذه الأحداث الجسام كلها بإيمان راسخ وعزيمة ثابتة وتفاؤل عظيم ....

هو الذي للدنيا قولته الخالدة :( أينقص الدين وانا حي ؟)

وهو الذي قال لعمر رضي الله عنه حين جاء يعاتبه حين جاء يعاتبه على قتال مانعي الزكاة :( مه يا عمر رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام ؟!! ماذا عسيت أن أتألفهم بسحر مفتعل أم بشعر يفتري ؟هيهات هيهات !! مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي فوالله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي فوالله لقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فوالله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلك لقاتلتهم عليه !!).

فقال عمر :( ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعملت انه الحق ...) .

وهو الذي انفذ جيش أسامة رضي الله عنه وقال للمعارضين :( والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته ما كنت أحل عقداً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ). ولم يزل أبو بكر رضي الله عنه يخطط ويجاهد ويرسل البعوث ويسهر على مصالح الرعية حتى استطاع أن يتغلب على المصاعب وأن يقضى على الثورات و أن ينتصر على المرتدين ومدعي النبوة ومانعي الزكاة و مبطلى الصلاة وان يعيد للمسلمين عزتهم ولليائسين تفاؤلهم وللإسلام دولته وللخلافة هيبتها .....

وهكذا يصنع عظما الرجال وأقوياء الإيمان !!....

ب- من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما استولى الصليبيون على كثير من البلاد الإسلامية والمسجد الأقصي ما يقارب قرناً من الزمان ؟ حتى ظن الكثير من مسلمين وغير المسلمين أن لا أمل في انتصار المسلمين على الصليبين وأن لا رجاء في رد أرض فلسطين مع المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين !!...

ومن كان يظن أن هذه البلاد ستتحرر في يوم ما على يد البطل المغوار (( صلاح الدين )) في معركة حطين الحاسمة ويصبح للمسلمين من الكيان والقوة والعزة والسيادة ...حقاً ما شرف التاريخ ؟!!.

وهكذا يصنع عظماء الرجال وأقوياء الإيمان !!.

ج- من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما خرب المغول والتتار العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ونهبوا الأموال وداسوا القيم وفتكوا في الأنفس والأعراض فتكاً ذريعاً ؟!!. حتى قيل إن جبالاً شامخة وأهرامات عالية أقامها (( هولاكو)) من جماجم المسلمين !!.؟ ومما قاله المؤرخ ((ابن الأثير الجزري ))في هول هذه الأحداث :( لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر الحادثة استعاظاماً لها كارهاً لذكرها فكنت أقدم رجلاً و أؤخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب بيديه نعي الإسلام والمسلمين ؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فيا ليت أمي لم تلدني !! ويا لينتي مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً !!)

ومن كان يظن أن بلاد الإسلام بعد هذا الذي حدث ستتحرر في يوم على يد البطل المقدام ((قطز )) في معركة عين جالوت الحاسمة ويصبح للمسلمين من المجد والعظمة والرفعة ما فخرت به الأجيال ؟!!

وهكذا يصنع عظماء الرجال وأقوياء الإيمان !!.

(إن هذه الكوارث الثلاث التي وقعت في عصور مختلفة وانتفاضة الأمة الإسلامية بعدها ونهوض العرب يلتقي على نقطة واحدة وهي وجود قيادة مؤمنة راسخة العقيدة قوية الإيمان بوعد الله ونصره وبصلاح الإسلام وبالقوة الكامنة في شديدة التمسك بتعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقه مجردة عن كل أنانية وعصبية جاهلية ..ويلتقي هؤلاء القادة على أنهم كلهم كانوا يدعون إلى الإسلام ويقاتلون بسيف محمد عليه الصلاة والسلام واستحقوا بذلك نصر الله وتأييده الخارق للعادة وظهرت المعجزة فقد قال الله تعالى :{ أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون } وقال :{ وإن جندنا لهم الغالبون }.

إن التفاؤل بانتصار دين الله هو مقدمة الفوز والنصر وإن القوة المعنوية في كل أمة هي التي تدفع شبابها ورجالها إلى تحقيق المزيد من الانتصارات الخالدة في كل زمان ومكان ...والله سبحانه مع المتقين المخلصين المجاهدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والحافظين لحدود الله ..{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين }.

  • أما لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بثر أمة الإسلام بالعزة والسيادة .....فلأحاديث التي حدث بها من لا ينطلق عن الهوى :

روى الشيخان وغيرهما عن الرسول صلى الله ليه وسلم أنه قال :(( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة )) وفي رواية (( لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة )).....

فهذه الأحاديث تدل دلالة قاطعة على وجود طائفة من المؤمنين ظاهرة على الحق حتى قيام الساعة وأن هذه الطائفة في صراع دائم مع الباطل وإذا خبا نور الحق يوماً فإنه لا بد من إشعاعه وانطلاقته مرة أخرى فمن ظلمات اليأس ينبثق نور الأمل ...ومن دياجير القنوط يبزغ فجر التفاؤل !..

وروى البخاري ومسلم غيرهما عن أبي أمامه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين لا يضرهم من جانبهم ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك قالوا :يا رسول الله وأين هم ؟قال : بيت المقدس ))

وفي رواية البزار : عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( بينما أنا رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان حين قع الفتن بالشام )).

وروى أحمد الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام :(( طوبى للشام فإن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها )).

من خلال هذه الأحاديث الصحيحة يتبين أن ساحة الجهاد لإقامة دولة الإسلام هي بلاد الشام وأكناف بين المقدس ...

وهذه بشارة أخرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإسلام لابد أن يحكم وأن فلسطين لابد أن تتحرر وأن عز السيادة للمسلمين لابد أن تعود ...وهاهي ذي الظواهر تلوح بالأفق تبشر بنصر قريب بإذنه تعالى.

وروى الدارمي وأحمد وابن أبي شيبة ..عن قبيل قال :كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أم رومية ؟فدعي عبد الله بصندوق له حلق قال : فأخرج كتاباً فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً ؟ فقال : مدينة هرقل ( يعني القسطنطينية ) ؟ وقد تحقق الفتح الأول على يد الخليفة العثماني السلطان (( محمد الفاتح )) رحمة الله عام /1453 / م أي بعد /800 /سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ويستحقق الفتح الثاني لا محالة بإذنه تعالى ويسألونك متى هو ؟ فقل : عسى أن يكون قريباً !!

وروى الإمام أحمد والبزار والطيالسي .. قال الهيثمى :(( ورجاله رجال الثقات )).

عن النبي صلى الله عليه وسلم :(( إن أول دينكم نبوة ورحمة وتكون فيكم ما يشاء الله أن يكون ثم يرفعها الله جل جلاله ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله جل جلاله ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله وجل جلاله ثم يكون ملكاً جبرياً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله جلا جلاله ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل بالناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضي عنها ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدراراً ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته )).

فالذي يبدو من التسلسل التاريخي أن الملك العاض قد انتهى بالسلطة العثمانية والآن جاء دور الملك الجبري ومظهره تلك الانقلابات الكثيرة التي توصل أصحابها إلى الحكم بدون رأي الأمة وغصباً عن إرادة الشعب دكتاتوريا بدأها (( أتاتورك )) في تركيا تتابعت في كل مكان ..ولكن دلائل اليقظة الإسلامية تبشر بان ذلك لن يطول أبداً ولا بد أن يأتي اليوم الذي ستكون فيه الخلافة على نهج النبوة والحياة العامة على سنن الإسلام ولعل ذلك يكون قريباً إن شاء الله .

وإني متفائل أن هذا كله سيتحقق غداً بعونه تعالى على أيدي الدعاة وعزائم الشباب وجهاد العلماء ...وبذل الأغنياء ..وإن غداً لناظرة لقريب .

وروى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال :(( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيخبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر : يا مسلم هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ).

أخبر الصادق المصدق في هذا الحديث أن اليهودي يبلغون في زمن من الأزمنة الذرة في القوة والسيطرة وأنهم يتجمعون في بقعة واحدة ثم يتسلط عليهم المسلمون فيعملون بهم السيف قتلاً وسحقاً ...فينادي عليهم كل شئ حتى الحجر والشجر .

وهاهم اليهود اليوم يتجمعون في فلسطين وسيكون هلاكهم بإذنه تعالى على أيدي المؤمنين الصادقين والراكعين الساجدين الآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر والحافظين لحدود الله ....

هذه المعجزة كما تحققت أوائلها في سبيل التجمع الذي تصطنعه إسرائيل فسيتحقق أواخرها بمشيئة الله تعالى في حرب قادمة ..يقود جحافلها قادة مؤمنون وشباب مسلمون وجند صالحون ... سوف يعلم العالم نبأها بعد حين .

الذي أخلص إليه بعد ما تقدم :

إذا كان اليأس أخي الداعية في دين الله حراماً ....

وإذا كان التاريخ اثبت صفحاته أن للأمم المغلوبة التي تتوق إلى المجد انتفاضات وانتصارات ... وإذا كان الرسول صلى الله علي وسلم بشر في إخباراته أن أمة الإسلام مهما أصابها ضعف وتفكك ستبلغ قمة المجد وغاية القوة والسيادة .

الخاتمة

إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتملك الناس اليأس ويستحوذ عليهم القنوط ؟

ولماذا يعتري كثيراً من المسلمين لخوف وينتابهم الجبن ؟

فعليك أخي الداعية أن تصحح للناس المسار وأن تثبت فيهم روح الوعي والعزيمة والتفاؤل عسى أن ينهض المسلمون لبناء العزة وإقامة الوحدة وتحقيق الكيان من جديد وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم ....

تلكم أهم الصفات النفسية التي ينبغي أن يتحلى بها كل من يتصدى للدعوة ويقف مواقف التبليغ والإرشاد

- فبالإيمان بالله يتحلون بالشجاعة والكرم ومراقبة الله وتتوق نفوسهم إلى الشهادة والجنة .....

- وبالإخلاص يترفعون عن المصالح والغايات ويقصدون بأعمالهم وجه اله سبحانه .....

- وبالجرأة يقولون الحق أينما كانوا لا يخشون في الله لومة لائم ....

- وبالصبر يصبرون على البلاء ويثبتون عند اللقاء ويتجلدون أمام المكاره ......

- وبالتفاؤل ينطلقون في ميادين الدعوة والجهاد بابتسامة أمل ونفسية عزيز دون أن يتملكهم يأس أو يستحوذ عليهم القنوط ....

فما أحوج المسلمين إلى الدعاة يتحلون :

بالإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع ولا يلين .....

وبالجرأة الصادعة بالحق التي لا تعرف الخوف ولا الوجل.....

وبالصبر المستمر الدائب الذي لا يعرف الخور ولا الكلل ....

وبالتفاؤل البسام لا يعرف اليأس ولا التراجع ......

وفي الواقع ونفس الأمر أن هذه الصفات النفسية الخمسة هي من خصائص الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومن مزايا الدعاة الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله لأن أساس الإيمان القلب الذكي و أساس الإخلاص الفؤاد النقي و أساس الجرأة والشعور القوي و أساس الصبر الإرادة الفتنة وأساس التفاؤل النفس الطموحة ....

وهذه الصفات كلها لا تجتمع اشد ما تجتمع إلا في الشباب المؤمن الداعية الذين آمنوا بربهم واعتزوا بإسلامهم وانطلقوا في سبيل دعوتهم فحقق الله على أيديهم الخير ونفع بهم الأمم .....

ومن هنا كان الدعاة إلى الله قديماً وحديثاً في كل مرحلة من مراحل التاريخ عماد نهضة الأمة الإسلامية وسر قوتها ومبعث عزتها وكرامتها وحامل لوائها ورايتها وقائد شبابها إلى المجد والنصر....

{ أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده ....}.

فعلى الدعاة أن يدركوا جيداً مسئوليتهم ويعلموا المواصفات النفسية التي ينبغي أن يتصفوا بها إن أرادوا أن تكون أمة الإسلام عزيزة الوجود مهابة الجانب مرفوعة الكرامة قوية الكيان والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .