شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 7 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.


عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 7 )

تنشر نافذة الفيوم الجزء السابع من مذكرات د. عبد المنعم أبو الفتوح والتي نشرتها جريدة الشروق تحت عنوان : " عبد المنعم أبو الفتوح  : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر " ، وها نحن نواصل نشر المذكرات ، فإلى الجزء السابع منها : -

الثورة الإيرانية

في نهاية السبعينيات بدأت نذر الثورة الإسلامية في إيران ، وقتها كنّا شبابا نفيض حيوية وتسيطر علينا روح ثورية ورغبة في التغيير واقتلاع أنظمة الجور والاستبداد والعمالة للأجنبي وتعطيل شرع الله، وكان شاه إيران بالنسبة لنا أحد طواغيت هذه الأنظمة ورموزها التي لم تعد تستحي من إعلان الاستبداد والعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت الثورة؛ ثورة شعبية إسلامية تريد اقتلاع طاغية من طواغيت العصر، وكان هذا كافيا للتعاطف مع هذه الثورة بل الإعجاب بها وتقديرها، فهي نموذج لثورة الشعوب على الظلم والاستبداد والفساد، وكنّا نرى فيها أملا لنا كقادة لحركات إسلامية تعيش إحساس الاضطهاد من قبل أنظمة ظالمة فاسدة.

والحقيقة أن موقفنا من الثورة الإسلامية في إيران كان جد معقد، فنحن أيدناها ورحبنا بها ورأينا فيها نموذجا يحتذى لكن كونها ثورة شيعية كان سببا في الحد من الانفتاح عليها والتفكير في الاقتراب منها والتأثر المباشر بها، كانت السلفية الوهابية حاضرة بقوة في تكويننا الفكري وقتها فأقامت حاجزا بيننا وبين هذه الثورة وهو الحاجز الذي صار جدارا شاهقا بسبب ما أحدثته هذه الثورة من خوف وهلع لدى الأنظمة العربية الحاكمة التي فعلت الكثير للتخويف منها خشية أن تقوم الدولة "الشيعية" الجديدة بتصدير الثورة إليها.

ورغم تأثرنا بالفكر السلفي ووقوعنا في دائرة الدعاية الرسمية المضادة فقد استقبلنا الثورة الإسلامية في إيران بحماس شديد، واعتبرناها نصرا للمشروع الإسلامي وأعلنا رفضنا للموقف الرسمي المناهض لها وانتقدنا موقف الرئيس السادات واستقباله للشاه المخلوع في القاهرة وإيوائه في مصر بعد أن رفضت دول كثيرة بما فيها حليفته أمريكا استقباله، فقد كان الشاه في نظرنا حاكما ظالما مستبدًا يستحق من شعبه أن يثور عليه ويخلعه ورأينا في سلوك السادات إساءة للثورة الإسلامية بل وطعنا فيها، وأذكر أننا حركنا المظاهرات المناهضة لموقف السادات واستقبال الشاه في مصر والمؤيدة للثورة في إيران .

كان مسؤول الاتصال بين الإخوان وقيادة الثورة الإيرانية إلى هذا الوقت الأستاذ يوسف ندا رجل الأعمال المصري المقيم في سويسرا ، وكان يوسف ندا مصدر المعلومات الرئيسي للإخوان عن الثورة ورؤيتها وأدائها وكل ما يتعلق بها من تفاصيل .وزار وفد من قيادات الإخوان خارج مصر إيران للتهنئة بالثورة وكان على رأس الوفد الأستاذ عبد الرحمن خليفة المراقب العام للإخوان في الأردن الذي كان وقتها نائبا عن المرشد العام ، وتم ذلك بناءً على اقتراح من يوسف ندا قبله الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام .

لكن حماسنا للثورة بدا يخفت تدريجيا خاصة بعدما بدرت منها روح طائفية في بعض المواقف والتي استغلت للتشهير بها وتقديمها على أنها دولة صفوية جديدة تكن العداء لأهل السنة، ثم جاءت الحرب بينها وبين العراق لتزيد من فتور مشاعر التضامن معها .

الغزو السوفييتي لأفغانستان

في نهاية عام 1979 اجتاحت الجيوش السوفييتية أراضي أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية في كابول، فقمنا لنصرة إخواننا في تعاطف فطري وبتصور بسيط بل ساذج لمفهوم الجهاد وإقامته. كنّا – خاصة القيادات الطلابية - نتصور أن المسألة سهلة لا تبعد كثيرا عمّا فعله الإخوان المسلمون في فلسطين في حرب عام 1948 .

نظّمنا عددا من الفعاليات الشعبية ومنها مؤتمرات في الأزهر الشريف دعونا فيها الشباب للتطوع من أجل الجهاد، وشارك في هذه الحملة عدد من العلماء والشيوخ في مقدمتهم عمر التلمساني ومحمد الغزالي وأحمد المحلاوي وحافظ سلامة.

في هذا الوقت دار نقاش طويل بين قيادة الإخوان حول الشكل الأنسب لدعم الشعب الأفغاني وقضيته. وبعد أخذ ورد استقر الرأي على أن تقتصر جهود الإخوان على الإغاثة والدعم المالي والتعريف بالقضية ونشرها. وكان هناك سببان لعدم المشاركة العسكرية، أولهما أنها كانت رغبة عدد من قادة المجاهدين ممن لنا بهم صلات مباشرة مثل عبد رب الرسول سيّاف وبرهان الدين ربّاني، فقد أكدوا لنا أنهم لا يحتاجون أفرادا أو جنودا، ولكنهم بحاجة إلى المال والمؤونة. أما السبب الثاني والذي لا يقل أهمية فهو عدم ثقتنا في الأنظمة العربية التي فتحت أبوابها أمام الشباب للجهاد، فقد كنا نشعر أن ذلك العمل ليس لوجه الله، وأن هذه الأنظمة لو كانت حريصة على الإسلام لكان أولى بها أن تعمل له في بلادها، وأنها لم تفعل ذلك إلا بعد أن أذنت لها أمريكا . وأنها من السهل أن تنقلب على أولئك الشباب الطيبين بعد ذلك، وهو ما حدث بالفعل!.

كان عدد من الإخوان القدامى يؤيدون المشاركة العسكرية والعمل الجهادي، لكن الاتجاه العام - الذي حسم موقف الجماعة - كان عدم المشاركة العسكرية والاكتفاء بالدعم الإغاثي والإنساني والمعنوي.

وللتاريخ أقول أن أول مسؤول عن الملف الأفغاني في الإخوان كان الأستاذ كمال السنانيري رحمه الله، ولكن لم يكن دوره ظاهرا في البداية خاصة أنه لم يمكث كثيرا حتى اعتقل في أحداث سبتمبر 1981 ثم استشهد من جراء التعذيب في المعتقل وكان في الزنزانة الملاصقة لي بالمعتقل، ثم تولي المسؤولية بعده عن ملف أفغانستان الدكتور أحمد الملط وكنت مساعده، ومعه كانت أول زيارة قمت بها إلى أفغانستان عام 1984 ، ومنها تفقدت تجمعات اللاجئين في بيشاور وكويتا.

الاحتقان الداخلي وبداية الصدام مع السادات

حين بدأ السادات مشروعه للصلح شعرنا بالتغير نحو الأسوأ في طريقة معاملته مع الحركة الإسلامية، وبعد زيارة القدس اتضحت الأمور أكثر، وكان أول ما لاحظناه هو تغير أسلوب تعامل إدارة الجامعة معنا، كان الدكتور صوفي أبو طالب نائب رئيس الجامعة حتى تخرجي سنة 1977 ، وكان لا يرد لي طلبًا بصفتي رئيس اتحاد الطلاب، ولكن سياسته معنا أخذت تتغير فيما بعد، فبدأ يعيق تحركاتنا ويعرقل عملنا في الجامعة.

وبعد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني سنة 1979 وبدء حملة قوية من الحركة الإسلامية ضدها بدأ الصدام يحتدم، وبدأت تسفر سياسة التضييق الأمني عن نفسها، فكان هذا دليلا على تغير الأجواء بين السادات وبين الحركة الإسلامية.

لقد بدأت في هذه الفترة سياسة التضييق على معسكرات الجماعة الإسلامية، وهذه السياسة وإن كنا رأيناها بعد اغتيال جماعة شكري مصطفى (أطلق عليها الإعلام: التكفير والهجرة) للشيخ الذهبي رحمه الله، إلا أنها اشتدت تدريجيا بعد مشروع السادات للصلح مع الكيان الصهيوني وما تولد عنه من رفض إسلامي واسع للسادات وسياساته.

بدأنا نواجه بعراقيل إدارية تضعها إدارة رعاية الشباب وتضييق من مشرفي المدن الجامعية تتمثل في التشديد المبالغ فيه في الإجراءات ووقف كل التيسيرات التي كانت تمنح لنا في السابق... وكذلك تقليص الوجبات التي تقدم لطلاب المعسكرات وضعف الخدمات عموما... كما بدأت تثار الشائعات كل سنة حول النية في إلغاء المعسكرات أو ضربها واعتقال السلطات لمن فيها!

وكان عام 1978 أول عام تواجه فيه الجماعة الإسلامية تضييقا شديدا في ترشيح أعضائها للانتخابات الطلابية واستبعادهم من قوائم الانتخابات. ثم حرمان الاتحادات التي يفوزون فيها من الدعم وكانت جامعة عين شمس من أولى الجامعات التي استبعد فيها طلاب الجماعة الإسلامية من الانتخابات الطلابية.

وفي عام 1979 أصبحت المواجهة سافرة وبدأ الصدام باعتقال عشرة طلاب من الجماعة الإسلامية في اتحاد طلاب جامعة المنيا، منهم الإخوان محي الدين عيسى وأبو العلا ماضي وكان رئيسا لاتحاد طلاب الجامعة ونائبا لرئيس اتحاد طلاب الجمهورية. وصدرت ضد هؤلاء العشرة قرارات بالفصل والحرمان من الدراسة... وكانت هذه أول مواجهة مباشرة من النظام للجماعة الإسلامية في الجامعة.

وتصاعدت المواجهة في عدد من الجامعات الأخرى بغرض ضرب النشاط الإسلامي حتى وصلت إلى الضربة الكبرى التي تمثلت في إصدار الدولة للائحة طلابية جديدة للقضاء على الحركة الطلابية ومحاصرتها... فصدر القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979 الذي يلغي القرار الجمهوري رقم 235 لسنة 1976 ... وقد جمدت اللائحة الجديدة الاتحادات الطلابية المنتخبة وجمدت أموالها وأغلقت مقارها وحظرت اجتماعاتها.

وتصاعدت الضربات تدريجيا فكان عام 1980 آخر الأعوام التي استطعنا فيها إقامة المعسكرات الإسلامية حيث أقمنا معسكرا منتصف العام – في فصل الشتاء- في قرية درنكة بمحافظة أسيوط وكنا قد اعتدنا على التخييم فيها لقربها من الجبل واتساع الأرض والفضاء بها، كما أقمنا معسكرا في إجازة الصيف في شاطىء أبو يوسف بالإسكندرية على أرض تابعة لرجل الأعمال الشهير المهندس طلعت مصطفى كانت قريبة من الشاطىء.

في عام 1981 ألغيت كل المعسكرات الطلابية بعد أن بدأ السادات يصعد من مواجهته ليس معنا وحدنا فحسب بل ومع كل القوى السياسية.

ربما كانت واقعة الصدام الشهيرة بين السادات وبين الأستاذ عمر التلمساني أهم المؤشرات على أن العلاقة بين السادات والحركة الإسلامية سارت في طريق مسدود، وأن الصدام قادم ولا يبقى عليه إلا القليل، فقد تعمد السادات في لقائه الشهير الحديث إلى الأستاذ عمر بأسلوب مهين على غير عادته، وزاد من الإهانة أن اللقاء كان يبثه التلفزيون كعادته في نقل اللقاءات الفكرية التي كان ينظمها السادات.

يروي الأستاذ عمر التلمساني، الواقعة في كتابه "أيام مع السادات" فيقول: "قمت بزيارة إلى وزير الثقافة والإعلام منصور حسن في مقر عمله بناء على طلب الوزير… وحاول أن يقنعني بحضور اللقاء الفكري للرئيس السادات بالإسماعيلية يوم 28 رمضان عام 1979 وفي النهاية ومع إلحاح الوزير وافقت على الحضور.

وعندما وصلت إلى مكان الاجتماع جلست في آخر الصفوف، وبعد دقائق جاءني المشرف على تنظيم الحفل، وألح وأصر على أن أجلس في الصف الأول، وقلت إن ذلك تكريماً منهم لي فتفاءلت خيراً، ولعل هناك بدءاً لتفاهم جديد، ولكن هذه الجلسة كانت لغرض كشفت عنه أحداث الحفل، فقد أجلسني منظم الحفل في الصف الأول على كرسي، لو مددت منه خطاً مستقيماً لوجدته ينتهي عند الكرسي الذي يجلس عليه السادات في المنصة، وكأنهم أرادوا بذلك أن أكون أقرب ما أكون من السادات عندما بدأ سيل اتهاماته المنهمر، يترامى من حولي شمالاً وجنوباً ويساراً ويميناً، رجاء أن يصيب مني مقتلا.ً تهم لي وللإخوان لا حصر لها بتخريب وعمالة وإثارة للطلبة، والعمالة والفتنة الطائفية، وكل ما في أجواء الخيال والانسجام مع الجو الشاعري الذي كنا نجلس فيه، بين أحضان حدائق الإسماعيلية الندية الوارفة الظلال، تهم من النوع الذي اعتاد السادات أن يلقيها على كل ما لا يرى فيه نابغة الزمان، وباتعة العصر والأوان.

وطال السباب وضاق الصدر، ونفد الصبر، واستثارتني عاطفة الحب للإخوان، فقاطعته قائلاً "إن هذا كلام يحتاج إلى ردود" فأجابني: "لما أخلص كلامي رد كما تشاء" ، وظل سادراً في غلوائه، وغاب الحاضرون في أنفسهم، والذين سمعوه على أجنحة الأثير، أنه كان في نهاية كل مقطع من كلامه يقول:"مش كده يا عمر؟!"، استنكر الشعب كله، حتى بعض من كان معه، أن يخاطبني باسمي مجرداً، غير مراع في ذلك حرمة السن، ولا طهارة شهر الله، ولا الصفة التي منحتني إياها الجامعة عندما أعطتني ليسانس الحقوق، ولا حرمة المنصب الذي يشغله، والذي يجب أن يزدان بكل لياقة وتهذيب، ولكن العيار انفلت، "والبيبة صهللت"، والخيال انفتح ولم يكن في كل عيب من العيب الذي يحلو له دائماً أن يردده، وإني لأحمد الله على أن أسلوبه لم يسؤني كما أساءه، ولم ينل مني كما نال منه، أليس البغي مرتعه وخيم؟!

وكان طوال مدة حديثي يشد الأنفاس الملهلبة، من بيبته الأنيقة، حتي ظننت أنها تدانيه بكل ما أراد، وتوحي إليه بما شاء من نسج الخيال، كان الله في عوني وعونه... عوني على الصبر، وعونه على الابتداع، وما إن انتهى من حديثه، حتى وقفت أمام الكرسي الذي كنت أجلس عليه، ولم يكن أمامي مذياع ولا مكبر للصوت، ولم يكن في ذهني رد معد، ولكن الله ألهم منظمي الحفل أن يأتوني بمكبر للصوت، أتحدث من خلاله، ولعلهم حرصوا من وراء ذلك أن يسمعوا العالم اعتذاراتي وأسفي وحسرتي على ما بدر مني، فيبعث ذلك الراحة إلى صدره المثقل بعدوانه للإخوان المسلمين، ولكن أراد عمراً وأراد الله خارجة، فكان في تصرفهم ما أوضح للناس جميعاً أن من بين من في مصر، من يقول للظالم لقد جُرت وتعديت.

فندت كل التهم التي وجهها إلي وإلى الإخوان واحدة واحدة، بالدليل والبرهان وختمت ردي بالعبارات الآتية:"لو أن غيرك وجه إلي مثل هذه التهم لشكوته إليك، أما وأنت يا محمد يا أنور يا سادات صاحبها، فإني أشكوك إلى أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، لقد آذيتني يا رجل وقد أُلزَم الفراش أسابيع من وقع ما سمعت منك"، وأشهد صادقاً أن البيبة ارتعشت بين شفتيه، وقال: "إنني لم أقصد الإساءة إلى الأستاذ عمر ولا إلى الإخوان المسلمين... اسحب شكواك بقى"، فأجبته بأنها رفعت إلى من لا أستطيع استرداد ما وضعته بين يديه... كانت أول مرة يخاطبني فيها بكلمة أستاذ، طوال خطابه الممل الطويل!! وانتهى الاجتماع وأرسل لي في أعقابه فوراً وزير الأوقاف ومنصور حسن وزير الثقافة والإعلام، يبلغاني أمام من كان موجوداً، أن سيادة الرئيس لم يقصد الإساءة إلي، وأنه سيحدد موعداً لمقابلتي."

ويبدو أن تسارع الأحداث وقسوة تيارات المعارضة في نقدها للسادات ومشروعه للصلح مع إسرائيل - على غير ما كان يتوقع- جعله يصبح حادا عصبي المزاج، مما أدخله في صدام مع كل القوى السياسية لم يبق له بسببه صديق.

في هذه الفترة وقعت أحداث الفتنة الطائفية بمنطقة الزاوية الحمراء في القاهرة سنة 1981 ، ورغم أجواء الاحتقان والتوتر تفاعل الإخوان المسلمون إيجابيا وكونوا سريعا فريقا للمصالحة بين المسلمين والأقباط ضم الأساتذة: عمر التلمساني ومصطفي مشهور وحافظ سلامة وأحمد المحلاوي وكنت عضوا بهذا الفريق معهم ... ونجحت المصالحة في وأد الفتنة التي لم يكن لها أسباب حقيقية وإن تفاعلت بصورة غريبة.

فقد بدأت الأحداث بسيطة بـ"خناقة" بين مسلم ومسيحي، فتم الاعتداء على مسجد بالزاوية الحمراء وكان الرد بالاعتداء على المسيحيين في المنطقة مما أدى إلى سقوط قتلى من الطرفين، وبدت الفتنة مرشحة للتفاقم أكثر من ذلك بعدما امتد التوتر والصدام إلى صعيد مصر حيث قام شباب الجماعة الإسلامية بمدينة المنيا بجمع الطلاب الأقباط في المدينة الجامعية واحتجزوهم في غرفهم، ووقتها اتصل وزير الداخلية بالأخ حلمي الجزار باعتباره أمير أمراء الجماعة الإسلامية، ورجاه التوجه إلى المنيا وحل المشكلة، فتجاوب الأخ حلمي معه ونجح في إنهاء الأزمة والإفراج عن الطلاب الأقباط .

والحقيقة أنني أحسست وقتها أن هناك أسبابا غير طبيعية للفتنة، وكنت أشعر مما يحدث- مثلا- في الصعيد بين شباب الجماعة والأقباط أن هناك جهة ما داخل النظام تريد أن تشعل الدنيا ولا تنطفئ النار... مثلا كان يصلنا أن بعض الشباب كانوا يهاجمون من يرونه يسير صحبة فتاة في الشارع، فكنا ننصحه بالتصرف القانوني وتحرير محضر في قسم الشرطة، ثم نسمع بأن هذه المحاضر تحفظ ولا تتصرف فيها الشرطة ولا تأخذها على محمل الجد رغم خطورة الموضوع، وهو ما كان يعطي الفرصة لزيادة تطرف الشباب واتجاههم أكثر إلى العنف، خاصة أن الشرطة لم تكن- وقتها- تتحرك إذا ما جاءها شاب قبطي يريد الإبلاغ عن واقعة اعتداء ضده ولا تقوم معه باللازم ضد من قام بالاعتداء.

وأتصور أن هذه الجهات داخل النظام كانت تتعمد ترك الشباب القبطي يضرب ويُعتدى عليه دون أن تتحرك رغبة منها في جره إلى الرد بالمثل ومن ثم دخول البلد في دوامة عنف… لقد بقيت أجهزة الدولة أمام أحداث الزاوية الحمراء، وكان الشباب المسلم يأتي إلينا- في بعض الأحيان- مستغيثا من أن بعض الشباب الأقباط يحملون السلاح دون أن تتحرك الدولة لمنعهم، وكانوا يطلبون منا السماح لهم بحمل السلاح لمواجهة الأقباط المتطرفين!

لقد ظلت الفتنة مشتعلة ثلاثة أيام كاملة في الزاوية الحمراء دون تحرك جاد لاحتوائها وكأنما كان هناك – داخل السلطة- من لا يريد وأدها أو التحرك لنزع فتيلها.

والآن أتساءل : هل كان هناك – داخل النظام- من يسعى لاستدراج الحركة الإسلامية للعنف والطائفية لضربها بين يدي اتفاقية كامب ديفيد وبيع فلسطين؟ أتصور أن هذا التفسير يبدو الأكثر قبولا عندي... وأتصور أيضا أنه كان حاضرا في ذهن الأستاذ عمر التلمساني الذي قاد مبادرة المصالحة لدرء هذه الفتنة لتفويت الفرصة على النظام.

ورغم ذلك يمكن القول أن السادات استغل- فعلا- حالة التوتر والاحتقان التي أدخل فيها البلاد لضرب الحركة الإسلامية وهو ما كانت إشارته قراره بإغلاق مجلة الدعوة لسان حال الإخوان عام 1980 مرة أخرى دون رجعة، وقد خطب- وقتها - خطبة هاجم فيها الحركة وأشاع فيها مناخا من التوتر، وأظن أن السبب الحقيقي لغضبه كان معارضة الإخوان لاتفاقية كامب ديفيد، وهو الموقف الذي أراد أن يستغله السادات لتحجيم التيار الإسلامي الآخذ في النمو والتضخم والتحول إلى تيار جارف.

ورغم أن مبادرة السلام كانت خطأ بل وسقطة كبرى للسادات في رأي الإخوان أو غيرهم من الاتجاهات السياسية الأخرى؛ إلا أن الموقف الذي واجهته به المعارضة كان بالغ القسوة والعنف وكان مسؤولا إلى حد كبير عن خروجه عن وعيه وفقدانه السيطرة على أعصابه… فعلى صفحات مجلة الدعوة وفي المؤتمرات وداخل الجامعة جرى الهجوم على السادات واتهامه بالعمالة والخيانة بعدما قال إن 99 % من أوراق اللعبة في يد أمريكا.

وبلغ عنف الهجوم على السادات أقصاه من الشيخ أحمد المحلاوي في الإسكندرية الذي انتقل إلى الهجوم على زوجته السيدة جيهان واتهامها باتهامات قاسية!.

كان صعبا علينا ألا نهاجم السادات أو نتهمه بالخيانة والعمالة؛ لكن الإخوان الكبار كانوا أعقل منا، فلم يتعرض أحد منهم لشخص السادات أو زوجته، بعكس الإسلاميين المستقلين الذين كان هجومهم عليه عنيفا وشخصيا كما فعل الشيخ حافظ سلامة أو الشيخ محمود عيد والشيخ أحمد المحلاوي في الإسكندرية.

ورغم رفضي لمبادرة السادات جملة وتفصيلا إلا أنني أذهب إلى أن هذا الإقدام على الصلح مع اليهود والصداقة معهم بعد هذه العداوة والحرب الكبيرة بيننا وبينهم لم يكن من صنع السادات فقط بل وبضغوط خارجية شديدة عليه.

المصدر : نافذة مصر