شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر ( 2 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر ( 2 )

تنشر " نافذة الفيوم " الجزء الثاني من مذكرات د. عبد المنعم أبو الفتوح والتي تحمل عنوان : عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر نقلاً عن جريدة الشروق ، فإلى الجزء الثاني من هذه المذكرات الهامة : -

على مفترق طرق إسلامية

التقينا في إجازة الصيف الأول لنا بالجامعة لننسق لعملنا في العام المقبل، وحين بدأنا العام الجديد كنا أفضل حالا من سابقه، ولكن ظل النشاط بسيطا لبساطة خبرتنا وإمكاناتنا... كان أبرز نشاطنا إقامة حلقات تلاوة القرآن الكريم، وكتابة بعض التوجيهات الدينية ونشرها في مجلات الحائط، ثم تطورنا فطبعنا أوراقًا بها أحاديث نبوية أو توجيهات ونصائح وكنا نوزعها على الطلاب، ثم تطورنا أكثر فصرنا نكتب الأحاديث النبوية على سبورات المدرجات ثم بدأنا نكتب بعض الحكم السياسية التي كانت تشير إلى ظلم الحاكم ومسؤوليته بين يدي الله... أو نسرد بعضا من المواقف للسلف فيها إسقاط على الحكام وخاصة من مواقف سيدنا عمر بن الخطاب الذي كان في وعينا ومازال رمزا للحاكم العادل... ثم تفاعلا مع أجواء حرب الاستنزاف التي كانت تعيشها البلاد بدأنا ندعو في خطابنا للصمود أمام الصهاينة وتحرير فلسطين .

كنا دائما ما نصطدم في نشاطنا هذا باتحاد الطلاب وقيادته المنتخبة التي كانت ترفض هذا الشكل البسيط من أشكال النشاط الديني في الجامعة وكانت تريد احتكار النشاط الطلابي... وقد سعينا وقتها إلى الالتزام بالشكل القانوني فصرنا نعمل تحت لافتة (لجنة التوعية الدينية) التي أسسها أستاذنا الدكتور عبد المنعم أبو الفضل وكانت تابعة للجنة الثقافية في الاتحاد.

وأذكر أننا كنا إذا طلبنا من طلاب الاتحاد بعض الأوراق لكتابة الأحاديث والتوجيهات الدينية كانوا يرفضون أي طلب لنا متحصنين بسلطتهم... فكنا ندفع من جيوبنا قروشا قليلة ولكنها كانت "تُضلعنا" وتجهدنا ماديا لأننا كنا فقراء أو ضعيفي الحال ولا نتحمل ذلك "العبء" المالي رغم قلته، كان أفضلنا حالا يأتي للجامعة – في بعض الأحيان- سيرا على الأقدام توفيرا لـ (تعريفة) أجرة الأوتوبيس... ولم يكن لدى أي منا سيارة أو حتى دراجة.

لم يكن لدى أي منا وقتها تصور معين أو رؤية دينية محددة... كنت – وكل مجموعتنا تقريبا – من المتدينين بالفطرة وبحكم النشأة الاجتماعية المتدينة... نزعتي للتدين كانت تأثرا بوالدي – رحمه الله - الذي كان متدينا بفطرته، وكذلك أمي التي كانت مثل أمهاتنا جميعا بسيطة أمية لا تقرأ ولا تكتب لكنها متدينة بفطرتها، وعنهما ورثت التدين الفطري كالتزام الحلال واجتناب الحرام والمحافظة على الصلاة والعبادات والتمسك بالعادات والقيم الطيبة.

كما أنني مدين في تديني للجمعية الشرعية التي نشأت في أحد مساجدها المجاورة لبيتنا... فقد كان المنتمون للجمعية الشرعية يحسنون تربية الناس على الأخلاق الطيبة والمحافظة على العبادات، وكذلك جماعة أنصار السنة التي كنت أذهب إليها دائما مع والدي وأواظب معه علي حضور الدروس الدينية التي يلقيها الشيخ حامد الفقي في مسجد الهدّارة بحي عابدين... وكان والدي عضوا بجماعة أنصار السنة وكان حريصا على دفع اشتراكها شهريا... كان رحمه الله يحب المواظبة على هذه الدروس وذكر لي أنه كان يحضر دروس الإخوان ولكنه لم يعجب بهم!!

في هذه الفترة كان ذكر كلمة الإخوان محظورًا، فقد نجح الإعلام في أن يصورها للناس على أنها جماعة دينية لها أغراض سياسية للسيطرة على الحكم وأن وسائلهم في ذلك هي العنف والقتل، وكان والدي مقتنعا بذلك وكان يردد هذا الكلام على مسامعي وأنا صغير... ولم يكن للناس في ذلك الوقت أي مصدر للمعلومات غير الدولة وإعلامها، وكان لجمال عبد الناصر كاريزما تجعلهم يصدقون كل ما يقوله بحق خصومه وفي مقدمتهم الإخوان.

أول لقاء بالإخوان المسلمين

كان من تداعيات موت الرئيس جمال عبد الناصر وتولي الرئيس أنور السادات السلطة أن سمح للمرضى من معتقلي الإخوان بالانتقال للعلاج خارج السجن، فجيء بهم للعلاج في المعتقل السياسي في كلية طب قصر العيني (مستشفى المنيل الجامعي) ولم يكن يسمح بذلك من قبل إلا للسياسيين من غير الإخوان المسلمين .

كان يسمح لنا بالدخول مع الأطباء للمنيل الجامعي باعتبارنا طلابا في كلية الطب، فكنا نرى بعضا من المعتقلين السياسيين مثل الصحفي الشهير مصطفى أمين مؤسس أخبار اليوم الذي كان مسجونا بعد اتهام النظام الناصري له بالتجسس لأمريكا، لكننا لم نقابل مساجين الإخوان ومعتقليهم إلا لاحقا، فقد كان الإخوان يعاملون أسوأ معاملة في السجون، ومن كان يمرض منهم يترك في السجن إلى أن يموت. ومع تولي السادات للسلطة تحسنت أوضاع الإخوان وبدأ السماح لهم بالعلاج، وكان ذلك ما بين عامي 1971 و 1972 على ما أتذكر، وكان من أوائل من رأيتهم من الإخوان الذين يعالجون الأستاذ فتحي رفاعي الذي اقتربت منه كثيرا في فترة علاجه وكذلك الأستاذ عمر التلمساني الذي ظل شهرًا تقريبًا في المستشفى.

كان بالنسبة إلي حلما أن التقي شيوخ الإخوان الذين كنا نسمع عنهم قصصا تثير الرعب والخوف، وحين رأيناهم وتحدثنا معهم وجدناهم أناسا آخرين غير الذين سمعنا عنهم من إعلام العهد الناصري. وجدنا مجاهدين ضحوا بأنفسهم من أجل دعوتهم ورفضوا المساومة عليها حتى لو كان مصيرهم السجن والتعذيب بل والقتل... وكانت سعادة ما بعدها سعادة لقاء هؤلاء والحديث معهم والاستماع إليهم، وقد سعينا للاقتراب منهم والتعرف عليهم.

وفي إحدى زياراتنا له استطاع الأستاذ فتحي رفاعي أن يسرب إلينا رسالة التعاليم وفيها الجزء الخاص بواجبات الأخ العامل، وكان قد أعاد صياغة ذلك الجزء تحت عنوان" واجبات الأخ المسلم" وحذف منه كل ما يشير إلى التنظيم، وكتبها بخط اليد. كان هذا أول لقاء لي وربما لجيلي مع كتابات الإمام الشهيد حسن البنا، فأخذنا نتداولها بيننا على أنها إحدى كتابات الأستاذ البنا وكنا سعداء ونحن نقرأ تلك المعاني العظيمة، ثم طبعناها بنفس العنوان الجديد لها، ووزعناها على الطلاب في الكلية، وكان لها تأثير كبير.

في هذا الوقت كان ذكر الإخوان محظورا، وكانت كتبهم كذلك محظورة. وكانت الكتب المنتشرة في ذلك الوقت هي كتب أنصار السنة والجمعية الشرعية، وكتب أبي الأعلى المودودي وكانت من الكتب التي أثرت فينا سياسيًا وفكريًا، والتي رأينا فيها المفهوم الشامل للإسلام ولكن بالشكل المتشدد، كما كانت هناك أيضًا كتب الاتجاه السلفي التي كانت منتشرة بغزارة، وكانت توزع علينا مجانًا في الجامعة، وكنا نسعد بها لأنها كتب دينية ولكننا لم نكن نعلم ما وراءها من الفكر المتشدد، وكانت هناك –أيضًا- كتب الأزهر الشريف، وكان من أشهر الكتب وقتها " فقه السنة" الذي كان مسموحًا به في ذلك الوقت مثله مثل كتب العبادات والأخلاق والفقه.

الدخول في الاتحادات الطلابية

كان عملنا في السنتين الأوليين تحت اسم (لجنة التوعية الدينية)التي أسسها أستاذنا الدكتور عبد المنعم أبو الفضل لكننا اصطدمنا بكون هذه اللجنة تخضع لسيطرة اتحاد الطلاب ومن ثم تضييق مسؤوليه من المنتمين للتيار اليساري، فقررنا أن نستقل باللجنة ونطلق عليها اسم "الجمعية الدينية" رغم أنف الاتحاد واصطدمنا بهم بسبب ذلك، في الوقت الذي كانت القبضة الأمنية قد بدأت تخف كثيرًا. كنا قد بدأنا ننتشر بين الطلاب أكثر فأكثر رغم معارضة الاتحاد والقوى اليسارية لنا، وكان أن ترتب على ذلك أننا صرنا نشتبك معهم فكريا وثقافيا، بل وكثيرا ما كنا نتبادل الضرب بالأيدي داخل الكلية حين تحتد المناقشات ويبدأ أحدهم في سب الإسلام أو السخرية من تعاليمه.

لم يكن الدخول في الاتحاد جزءا من همّنا في هذه الفترة، كان هدفنا الواضح والوحيد هو الوصول بدعوتنا للطلاب، وهو ما كان اتحاد الطلاب يسعى للحيلولة دونه، لذلك قررنا في عام 1973 - لأول مرة -خوض الانتخابات الطلابية ردا على الموقف المتعنت. وكان أول اتحاد قررنا دخوله اتحاد كلية طب قصر العيني باعتبارها معقل ومركز العمل الإسلامي وقتها، فترشحنا لجميع لجان الاتحاد الست!

كانت حركتنا قد اتسعت وصارت محل جذب للطلاب والطالبات، وكان الإقبال علينا واسعا بما يطمئننا على الفوز بالانتخابات، لكن كانت هناك عقبة كبيرة أمامنا تتمثل في صعوبة خوض الانتخابات في اللجنة الفنية، إذ لم تكن لدينا أي علاقة بالفن، إلا علاقة الرفض باعتباره رجسًا من عمل الشيطان!! لم يكن لنا أي تصور عن الفن يسمح لنا بخوض انتخابات من أجل السيطرة على اللجنة التي تديره وتوجهه… ولكننا فعلناها وقررنا خوض الانتخابات في هذه اللجنة… فقط لوقف ذلك الفساد الذي كان يعني الفن نفسه!!.

الطريف أننا رشحنا لتلك اللجنة الأخ حسن عبد ربه، وكان أخا ريفيًا بسيطًا لم يسبق له الخروج من قريته والنزول إلى القاهرة إلا عندما التحق بكلية الطب! في حين ترشح أمامه عدد من الشباب اليساري والناصري كانت لهم علاقة وثيقة بالفن هواية وممارسة. وحتى يوقعونا في الحرج جاءنا أحدهم وسألنا أمام تجمع من الطلاب: أين مرشحكم في اللجنة الفنية حتى أناقشه؟ وما برنامجه في اللجنة؟. كان حسن عبد ربه وقتها يقف خلفي مباشرة، ولما كنت واثقا أنه لا يعرف في الفن شيئا، وأنه لن يصمد أمامه لحظة واحدة، فقد قلت له: اذهب وابحث عنه!.

كان الفن أبرز نقاط ضعفنا ومن ثم كانت نقطة الضعف الكبرى في هذه الانتخابات ولزمن طويل بعدها هي اللجنة الفنية، ورغم ذلك استطعنا أن نفوز فيها وفي أربع لجان أخرى من اللجان الست، ولم نخسر إلا في لجنة الجوالة التي فاز فيها طلاب آخرون لم يكن لهم اتجاه فكري محدد ولكنهم كانوا مهذبين وغير معادين لنا، ومن ثم أصبحت قيادة الاتحاد معنا.

وحين فزنا باللجنة الفنية في الاتحاد لم يكن لدينا أي رؤية عن الفن سوى أنه حرام ومن ثم لم يكن لدينا أي تصور عن إدارة هذه اللجنة سوى إيقاف عملها تقربا إلى الله! ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا من خلال الجماعة الإسلامية نتبنى مفهوم الفن الهادف والفن الإسلامي الذي بدأ وقتها بالأناشيد الثورية والجهادية وكان عام 1973 أول عام ندخل فيه الاتحادات الطلابية لنفوز بمجالسها في كلية طب القصر العيني التي أصبح أول رئيس لاتحاد طلابها من الجماعة الإسلامية ومنها انطلقنا إلى بقية جامعات مصر .

من قصر العيني إلى جامعات مصر

كان الفوز بمجلس اتحاد كلية طب القصر العيني عام 1973 بداية قوية أعطتنا دفعة هائلة للعمل داخل جامعة القاهرة ومنها للجامعات الأخرى، في السنوات التي تلتها، فقد تحول مبنى اتحاد كلية طب قصر العيني (وكان مبنى ضخمًا وله ساحاته وملاعبه الخاصة) إلى المركز العام للنشاط الإسلامي لجامعات مصر كلها، حيث كان يأتيه الطلاب المتدينون من كل مكان في الجمهورية، فصارت كلية طب قصر العيني بحق هي الرائدة في العمل الإسلامي في الجامعة، وقد جاء ذلك كله بفضل الله وحده في صورة تلقائية قبل أن يصبح عملا منظما.

وكان معنا في نفس الدفعة سناء أبو زيد رحمه الله وكان قارئًا مثقفًا وظل حتى وفاته عام 2008 من خيرة الإخوان علما وعملا، ومحمد يوسف (يعمل أستاذا للباطنة في السعودية) وكانت دفعتنا هي التي بدأت النشاط الإسلامي الفعلي، ولكن كانت هناك بدايات لهذا التوجه موجودة قبلنا كان من رموزها عبد الرحمن حسن (ويعمل طبيبا في التأمين الصحي وأظن أن علاقته انقطعت بالعمل الإسلامي)، وأحمد اللبان (أستاذ جراحة).

ثم جاءت الدفعة التي تلينا وكانت متميزة ونشيطة ومن أبرز رموزها عصام العريان ومحمد عبد اللطيف، وكانا أبرز اثنين في الدفعة. وكان معهما محمد يوسف وهشام الصولي... ثم توالت الدفعات حتى كانت مجموعة أقوى وهي دفعة عام 1979 التي كان أشهر رموزها حلمي الجزار ومجموعته ومن أبرز أعضائها محمد مسعد وعبد الناصر صقر وأحمد سليم وإبراهيم مصطفى...وغيرهم.

لقد كانت هذه الفترة من أكثر فترات الحركة الطلابية في مصر نشاطا... وهي التي أخرجت معظم رموز العمل السياسي والنشاط العام في مصر... ولا أعني الرموز الإسلامية فقط بل أذكر أيضا أن من رموز التيارات الأخرى غير الإسلامية في جيلي... ففي العام التالي لهذه الانتخابات (عام 1974) كانت قد تبلورت في الحركة الطلابية في مصر ثلاثة تيارات أساسية، غير الطلاب التابعين للنظام، وكانت التيارات الرئيسية هي:

•التيار الناصري وكان يمثله نادي الفكر الناصري.

•وتيار الفكر الاشتراكي ويمثلهم اليساريون والشيوعيون وكان يمثله نادي الفكر الاشتراكي.

•التيار الإسلامي والذي تحول اسمه إلى الجماعة الإسلامية سنة 1973 .

كان من أشهر الطلاب اليساريين عادل فتحي وأشرف صادق وعايدة سيف الدولة بنت الأستاذ عصمت سيف الدولة المفكر القومي المعروف، وكان بعضهم يتطاول على الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم ويصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي.

كما ظهر من التيار الناصري حمدين صباحي الصحفي والنائب البرلماني ووكيل مؤسسي حزب الكرامة حاليا, الذي كان رئيسا لاتحاد كلية الإعلام ثم اتحاد الجامعة، وسامح عاشور نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب الذي كان رئيس اتحاد الحقوق سنة 1974 ، وكان قريبا من هذا التيار زياد عودة الذي كان رئيسا لاتحاد كلية الآداب بجامعة القاهرة وهو ابن الشهيد عبد القادر عودة القطب الاخواني... وأتذكر أيضا من طلاب التيار الوطني القريب من الدولة عدلي الملط رئيس اتحاد كلية العلوم.

في هذه الفترة التي بدأ فيها العمل الإسلامي بالظهور داخل الجامعة كانت البلاد على عتبات الحرب، وكانت قضية الحرب هي المسيطرة على وعي الطلاب واهتماماتهم... وقد كنا كطلاب إسلاميين نعيش هذه القضية كبقية الطلاب فنتكلم بين الطلاب عن ضرورة الثأر والانتقام من إسرائيل وتحرير الأرض... وكنا نصدر نشرات وبيانات عن المعركة الفاصلة بيننا وبين اليهود... وأذكر أننا كنا نشارك في التظاهرات التي تجتاح الجامعة وقتها... وأذكر أنني حضرت بعضا من مظاهرات الطلاب التي كان يقودها القائد الطلابي اليساري أحمد عبد الله رزة والذي كان يكبرني بعامين؛ خاصة المؤتمر الذي عقد في القاعة الرئيسية للجامعة... ولما بدأت الحرب بدأنا – خاصة في كلية الطب- في نشاط التبرع بالدم للجرحى.

لكن مما يسجل في هذه الفترة أن التيار اليساري كان هو المسيطر على الجامعة وقتها فيما كنا كطلاب إسلاميين- خاصة في عامي 1970 و 1971 - مازلنا نخطو خطواتنا الأولى في العمل الطلابي لذلك كان الصوت اليساري في هذه الفترة هو الأعلى... لذلك لم تجمعنا معهم فعاليات مشتركة خاصة مع حالة العداء الفكري بيننا وحالة التنابذ والصراع... كما أن كثيرا من فعالياتهم من أجل الحرب كانت تخرج عن أهدافها المعلنة لتصب في حالة المواجهة بينهم وبين النظام في قضايا لا صلة لها بالحرب.

كان دخولنا اتحاد الطلاب فرصة لزيادة نشاطنا في الجامعة، فازداد عدد الندوات حتى وصل إلى ندوة أسبوعيًا، كما كان له أثر كبير في الخدمات التي كنا نقدمها للطلاب، حيث تضاعفت قدرتنا على تقديم الخدمات نظرًا للميزانية الكبيرة لاتحاد الجامعة، وقد يسرت لنا تلك الميزانية أن ننشر زي الحجاب بين الطالبات وذلك ببيعه لهن، كما سمحت لنا بإصدار وطبع سلسلة كتيبات "صوت الحق" التي كانت منبرا لنشر أهم الأدبيات الإسلامية التي شكلت وعينا، وصدر منها "رسالة المؤتمر الخامس" للإمام الشهيد حسن البنا ، "المصطلحات الأربعة" و"نظرية الإسلام السياسية" لأبي الأعلى المودودي، و"هذا الدين" و"المستقبل لهذا الدين" للشهيد سيد قطب وكذلك فصولا من كتبه أو بعض رسائله مثل "لا إله إلا الله منهج حياة"، و"الطريق إلى الله" للشيخ محمد متولي الشعراوي، و"تفسير سورة الفاتحة" للإمام ابن القيم، و"حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" للشيخ ناصر الدين الألباني.

وكان الأخ محمود غزلان الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق وعضو مكتب الارشاد الآن صاحب دور كبير في إصدار السلسلة سواء في اختيار الموضوعات أو صياغتها وتلخيصها في بعض الأحيان.

وقد كنت أعرف الأخ محمود غزلان قبل التحاقنا بالجامعة من مسجد الجمعية الشرعية الذي كنت أصلي فيه في منطقة الملك الصالح بمصر القديمة، وكان بيننا ارتباط صداقة ومحبة كبيرة، وقد كان يميل للقراءة والثقافة أكثر من الحركة، لذلك لم يكن نشيطًا حركيًا في كلية الزراعة حين كان طالبًا فيها، والتي كان المسؤول فيها الأخ يونس فهمي.

كما كان لدخولنا في اتحاد الطلاب أكبر الأثر في التوسع في إقامة المخيمات الطلابية في الصيف والشتاء، وقد كان لهذه المخيمات أكبر دور في الحشد والتربية للأفراد، وكان يصل العدد للآلاف حيث كانت كل مباني المدينة الجامعية تمتلئ عن آخرها بالطلاب لمدة أسبوعين كاملين صيفًا.

وكانت المخيمات الطلابية فرصة كبيرة لنشر دعوتنا بين الطلاب لوجود عدد من الكبار والمؤثرين الحريصين على الحضور معنا مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي الذين كان لهم دور توجيهي تثقيفي كبير، فضلا عن قيام الليل والمحافظة على الصلوات الخمس والأذكار، والنشاط الرياضي وتعلم النظام والانضباط ، فكانت هذه المخيمات محضنًا تربويًا كبيرًا للطلاب في ذلك الوقت وفي أغلب الأحوال كنا نقيم المخيمات الجامعية في المدينة الجامعية المخصصة لسكن الطلاب.

وأذكر أن الدكتور أحمد كمال أبو المجد – وكان وقتها وزيرا للشباب والإعلام- حضر معنا أول مخيم جامعي يقام على مستوى جامعة القاهرة كلها، كان ذلك عام 1973 ، وقد تكرر هذا في العام التالي فأقمنا المخيم عام 1974 في المدينة الجامعية بعدما زاد عددنا وتضخم، وحضر المخيم من العلماء الشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي … وبعد ذلك صارت كل كلية تقيم مخيمًا صيفيًا إسلاميًا.

وقد كانت المخيمات ميدانا لصنع القيادات الطلابية الإسلامية بطريقة عفوية وطبيعية، وكنت شخصيًا لا أشعر بأي عقبة في إدارة تلك المخيمات والتجمعات على الرغم من أنها كانت تجمع خليطا من الأفكار والاتجاهات الإسلامية، وقد كانت مسألة الطاعة شبه العمياء للأمير تسيطر على الجميع فتساعد القائد في إدارة المخيم من دون صعوبات كبيرة، هذا كله مع نضوج مسألة الشورى بيننا تدريجيا حيث كانت المناقشات تدور بيننا في جو من الاحترام والود.

المصدر :نافذة مصر