سيف عبدالفتاح يكتب: كلاب الحراسة وانكلاب السياسة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف عبدالفتاح يكتب: كلاب الحراسة وانكلاب السياسة


(8/9/ 2015)

سيف عبدالفتاح

قديما كتب بعض أجدادنا من أهل الفكر (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، وهذا ما أظهره التاريخ والواقع، لكن الانقلاب جعل من الكلاب ظاهرة مركزية تفسر كثيرا من مظاهر انتكاسات السياسة في مصر . فما حكاية الكلاب في السياسة المصر ية منذ 3/7؟ وما معنى أن يتصاعد حضورها في المشهد العام إلى الدرجة التي تجعل الإشارة أوضح من العبارة.

استيراد 1400 كلب من بلجيكا، سبقته قصة الكلب رامبو الذي أرسلوه على بعض رموز الحياة السياسية وثورة يناير في معتقل العقرب، سبقتهما قصة الكلب الذي ذبحه بعض الناس فقامت دنيا الانقلابيين ولم تقعد يطالبون بأقصى العقوبات دفاعا عن حقوق الحيوان.

لكن القصة لا تقف عند هذا الحد، فقد لاحظ البعض ازدهار تجارة كلاب الحراسة على مستوى القرى والأحياء والمدن، وبعدما كان الشائع أن يقتني الأثرياء أصنافا من الكلاب سواء للحراسة أو للصحبة والتدليل، صار لافتا أن شبابا كثيرين في الأحياء الشعبة والبسيطة يتجولون ممسكين بكلاب ضخمة، وربما يقيمون لها مكانا للاستعراض وإظهار مهارات الترويض والتحكم في الكلاب.

وكثيرا ما تكون هذه الكلاب أداة إرهاب وتفزيع للمارين.

منذ أيام وعقب هجمة مدوية مما يسمونها ولاية سيناء على مواقع للجيش أسفرت عن خسائر فادحة، خرج المنقلب الأشقى يدعي أن الأمور صارت تحت السيطرة ويتلعثم وهو يردد أنها أصبحت أكثر من مستقرة، بينما هو يكرر تصدير رسالة الخوف والتخويف إلى الشعب والجيش ومتبعيه قبل رافضيه.

فقد حرص لأول مرة على أن يظهر مصطحبا معه "حراسة خاصة" بلباس مدني معروف عن حراسات "البودي جارد" من ذوي الأجسام الضخمة، لكن هذه المرة بين قيادات الجيش وجنوده.

صحبة غريبة والأغرب الحرص على إظهارها بهذا الشكل الفج حين يقف هؤلاء الحراس الشخصيين بينه وبين قيادات الجيش وجنوده.

ويبدو أنها أصبحت سياسية ثابتة: ففي حضوره حفل تخريج دفعة جديدة من طلبات الكليات العسكرية، يظهر جالسا وواقفا وراء لوح من الزجاج الواقي من الرصاص، يفصل بينه وبين قيادات المستقبل كما نعتهم مدير الكلية الحربية.

بينما تظهر إحدى صور الحفل المنقلب يميل ضاحكا وهو يتابع مشهدًا لعرض "كلاب الحراسة" وهي غالبا لحراسة الحدود، وكأن لسان حاله يقول: انظر هذه القوة العسكرية لم تتطور بعد، لا تزال على مهمتها القديمة قبل الانقلاب، تحمي الحدود، لا تعرف أن الكلاب ستتحول للحرب على الإرهاب، هاهاها.

يأتي هذا مزامنا لمعلومة تكررها بعض الصحف الأجنبية: أن قائد الانقلاب ليس له مقر إقامة أو مبيت معروف، وأن ذلك صار من أهم أسرار عملية تأمينه، وأن يحيط نفسه بدوائر تأمين غير مسبوقة، وسط تكهنات باحتمالات تعرضه لعملية اغتيال من هنا أو هناك، الأمر الذي تذكره بنوع من التأكيد صحف إسرائيلية موالية للمنقلب وانقلابه.

للكلاب تاريخ طويل مع السياسة وخاصة في عهود الاستبداد؛ فهي تستعمل في حراسة المستبدين الخائفين من غضبة شعوبهم، وتعبر عن ضعف ثقتهم بالحراس والأعوان من البشر أن يستكملوا معهم مسيرة الخيانة ويغدروا بهم، فلسان حالهم: الكلاب أوفى.

خاصة حينما يستخدمها من انقلب وغدر فالغدار تطارده غدرته مع كل إنسان يحيط به وحتى يتخلص من نظراتهم المريبة المشيرة الى غدره وغدرته ، ومن ثم كانت حراسة الكلاب أهون لهم ، ولكن الاستبداد يتفنن في فنون استخدام الكلاب، فاشتهر استعمالها في التعذيب وإرهاب الأسرى والمعتقلين، فقد عرفنا كيف استعمل زبانية الطغاة في عهد عبد الناصر ومن شابهه الكلاب في التنكيل بالخصوم، يعرضون الكلاب لجوع شديد، ثم يرسلونها على الأسرى المستضعفين تنهشهم وتقطع أجسادهم، وربما تقتلهم، وعلى كل حال هي كلاب إذلال وامتهان وإرهاب.

وهذا ما يجدده مجدي عبد الغفار وحسن السوهاجي وزبانية الانقلاب مع أشرف الناس وأعظم الرجال على نحو ما نقل لنا البطل محمد البلتاجي.

فقد زج الكلاب بالبلتاجي في زنزانة ضيقة قذرة ومنعوا عنه الطعام والشراب وسربوا غليه طفح الصرف الصحي أسابيع، ثم لما غاظهم صبره وصموده، أخرجته الكلاب إلى ساحة السجن وتحلقوا حوله يحاولون كسر استعلائه على التعذيب، بالسب والشتم، فلما ردهم بأدبه ورباطة جأشه، دفعوا إليه "رامبو" المعبر عنهم بلهاثه ونباحه وتوحشه ودناسته.

فشخصية رامبو في المخيال العالمي –عبر السينما- هي ذلك الجندي المقاتل المناضل من أجل الحرية، لكن انقلاب السياسة في بلادنا جعل من رامبو كلب حراسة للمستبدين الظلمة ثم كلب إرهاب وعذاب وافتراس للأحرار المستضعفين، ثم نموذجا لكل كلب من كلاب الانقلاب.

فالانقلاب بالكلاب لا يقف عن حد، ووظيفة الحراسة اختلطت بساحة السياسة اختلاطا غير مسبوق، وعملية الافتراس لكل مختلف ومخالف للمقدس الانقلاب يعمل بها ولها كلاب كثيرون.

فقد تحولت الكثير من المؤسسات والفعاليات إلى ظواهر كلابية وانكلابية، تتكالب على حراسة انقلاب غادر بشيطنة الأحرار وتلفيق التهم لهم وتهييج الناس ضدهم وسفك الدماء الزكية وهتك الأعراض الشريفة واختطاف الشباب وإصدار أحكام الإعدام بالجملة والتغييب في مقابر تدعى بالسجون.. الخ.

تقوم كلاب الانقلاب اليوم بإدارة عملية كبرى للفتك بالإنسان المصر ي بكل سبيل ووسيلة.

فما يقوم به إعلامي مزور ينبح ليل نهار بالأكاذيب ويروج للأباطيل، فيعظم الحقير ويسود صورة كل مخالف له، ويعمل على إرهاب الرافضين أو من يفكرون في الرفض ونقل رسائل التهديد نيابة عن أسياده وكافليه.. هذا الإعلامي وأمثاله ظاهرة كلابية انكلابية وانقلابية واضحة.

وذاك الذي يعتلي منصة لعدالة ليهرتل ويرعد ويزبد بكلام لا يمت لقانون ولا لعقل بصلة، ويصيح بصياح كالنباح، ويرنو ببصرة بنظرات بلهاء ومتوحشة في آن واحد، ثم يتلو نابحا أحكام سيده على خصومه، كاشفا عن عمالة وتبعية فجة، فإذى وقف أمامه أحد كلاب الحراسة أو ممثل لأسياده تراه يهش لها ويلاطفه ويبرئه من كل التهم.. لا يمكن أن يذكرنا هذا إلا بالظاهرة الانكلابية التي ينسب إلى الشافعي قوله فيها:

حتى الكلاب إذا رأت رجل الغنى

حنت إليه وحركت أذنابـها

وإذا رأت يومـا فقيـرا ماشـيا

عوت عليه وكشرت أنيابها

وهذا الذي يتلذذ بالشتائم والسباب، ثم بالتعذيب والتنكيل، الذي يستمتع بصرخات فرائسه ويصورها ويصور بنفسه لحظات توحشه وحيوانيته، وتراه على كل حال يلهث وراء الإيذاء والشر، ليس إلا شيطانا أو كلبا من كلاب النار. وذاك الذي يرقص على الدماء ويصفق لأسياده مهما اقترفوا من شنائع وفظائع لا يعدو أن يحمل في صدره قلب كلب لا يعي ولا يشعر، وفي عقله بيادة عسكر، وقدر رأينا بعضهم حملها وربطها فوق رأسه.

إن انقلاب السياسة في مصر بفعل حفنة عسكر أغبياء وتطبيل من منتفعين أذلاء، يتجلى بصور لا تحصى، ولكن توحشه هو أخطر هذه التجليات، إنه يعني موت الإنسان واغتيال الشعور بالإنسانية، لتحل مظاهر البهيمية والوحشية في أرجاء الوطن والمجتمع، ويحكمنا ذئاب، ويلعب بنا ثعالب، وتفترسنا ضباع، وتنبح في وجوهنا كلاب، وتعايشنا في كل مكان حشرات لا تقع إلا على كل ما هو خبيث.

وإذا كانت الكلاب والبهائم لا تنطق فلعلها إن نطقت تقول: لقد ظلمتمونا حين تشبهون هؤلاء بنا، وارجعوا إلى ما قاله أجدادكم الحكماء من قبل: فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب.

فكلاب البشر أخطر من كلاب مسعورة بأفعالها المنكرة المتغطرسة الطغيانية والقمعية المغرورة

المصدر