سياسة المبدأ ومبدئية السياسة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة في معالم سياسة المبدأ ومبدئية السياسة في رحاب المرشد الراحل الأستاذ مصطفي مشهور


من يراجع ما كتبه وأنتجه فضيلة المرشد الراحل مصطفى مشهور يرحمه الله سواء كان ذلك في شكل كتب ودراسات، أو مقالات ومقابلات، أو خطب ودروس ومحاضرات، مع تسليمنا بأنه رجل حركة وعمل وتربية بالأساس وليس من رجال الكتابة والتأليف، يستطيع من واقع تحليل علمي لمضمونها أن يحددها في المعالم السياسية التسعة التالية، أقول ذلك وقد أتيح لكاتب هذه السطور على امتداد فترة ما يقرب من ربع قرن متابعة منهجية متواصلة، اقتربت في بعض فتراتها الزمنية من معرفة طريقة وآليات إنتاج هذه الأفكار خاصة ما يتعلق بالجانب السياسي منها:


أولاً: السياسة جزء من رؤية الجماعة الكلية القائمة على الخط التربوي العملى

الأستاذ مصطفي مشهور

فهو ينطلق في رؤيته للمسألة السياسية من علاقة الدين بالدولة، فالسياسة والحكم جزء لا يتجزأ من الإسلام، والظاهرة السياسية تقوم على أساس من الظاهرة الدينية، ويرى "مشهور" من خلال كتاباته أن تغليب الجانب السياسي على الإسلامي التربوي يعد انحرافاً لابد من تقويمه؛ على اعتبار أن الإيمان لا يأتي إلا بعد التربية وهو السلاح الأقوى في مواجهة الأعداء قبل السياسة بأساليبها المختلفة، وأن هذه الأخيرة أي الأساليب العملية السياسية ينبغي أن تكون في إطار الأخلاقيات والمبادئ الإسلامية، وبالتالي فان الأطر الأخلاقية هي الحاكمة لأساليب العمل السياسي والنقابي، وهي التي تضفي على نتائجه المشروعية وتجعله مقبولاً من الإخوان.





ثانياً: الجماعة هي الخط الأصيل والحزب أداة لها وليس بديلاً عنها

كان مشهور يؤمن بفكرة الجماعة إطاراً تنظيمياً شاملا ًيتم من خلاله ممارسة دعوة الإخوان المسلمين بجوانبها وأبعادها المختلفة، وبأن وجود الجماعة على هذا النحو يوجبه الشرع الإسلامي وأنه هو الفهم الأصيل، ولايرى في الحزب بديلاً عن فكرة الجماعة الشاملة وإنما فقط إحدى أدواتها المتخصصة في العمل السياسي التي ينبغي السعي باستمرار لإيجادها، ومما يذكره في هذا الصدد "أن أسلوب الأحزاب السياسية لا يصلح في معركتنا إذا كان على حساب التربية والإعداد وتقوية الإيمان؛ فنحن نتعامل مع السياسة كجزء من الدين نضبطها بضوابطه ونوائم بينها وبين التربية والتكوين"، وكان مبدؤه في ذلك: "إننا لا نريد من يعطينا صوته فقط"، فالجماعة إذن تحتوي الفرد والأسرة بمختلف مناشطه السياسية وغير السياسية.


ثالثاً: الدولة الإسلامية العالمية هي غاية العمل الإخواني

، والعمل البرلماني والنقابي وسائل لتهيئة الرأي العام وتكوين القاعدة الاجتماعية للدولة الإسلامية المستقبلية:

تحتل فكرةالدولة الإسلامية العالمية مكانها البارز والمحوري في تفكيره وكتبه، وهي تجسيد لما سبق أن أكده الإمام البنا حين تحدث عن ضرورة عودة الخلافة الإسلامية، ومبدأ أستاذية العالم، وهو يستبطن فيما يكتب فكرة الأمة الإسلامية الواحدة، ويرى أن الدولة القطرية الوطنية والقومية التي قامت على أنقاض الخلافة العثمانية هي من ميراث الحقبة الاستعمارية وأنها تعبير عن فكرة الدولة المستوردة، وحين كتب تقديمه لدراستي في النظرية السياسية حول الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية منذ أكثر من عقد من الزمن إضافة إلى تقديم الدكتور محمود أبوالسعود يرحمه الله حرص على أن يؤكد هذا المعنى الجليل، وأن يؤكد أيضاً أن إقامة الدولة الإسلامية هي غاية العمل الإسلامي عامة والإخواني خاصة، وأن إسلامية الدولة ليست بمعناها الثيروقراطي "الديني" ولكن بمعناها الحضاري والمدني الواسع، ورأى أن الدولة تعد تعبيراً عن بناء ضخم يحتاج إلى أساس عريض وعميق ومتين، وبالتالي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين؛ وعلى اعتبار أن إقامة الأساس هو أشق مراحل البناء، ومن هنا يمكن فهم اهتمامه بالعمل البرلماني وقضية الانتخابات وكذلك العمل النقابي والخدمي والخيري، وبالدور والإنجازات التي يحققها الإخوان في هذا الصدد باعتبارها وسائل تسهم في تكوين وبناء الرأي العام المسلم الذي يشكل القاعدة الواسعة التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، وأيضاً تحمي المشروع الإسلامي الذي تحمله هذه الدولة المستقبلية القادمة التي كان يؤمن بأنها واجب الجماعة الأصلي الذي ينبغي أن تسعى إليه بكل الوسائل الشرعية الممكنة.


رابعاً: منهجية التغيير الجذري الطريق الوحيد.. والترقيع وقتي ولا يفيد

تمثل قضية الإصلاح والتغيير قضية محورية ألح عليها مشهور يرحمه الله تعالى دائماً في كتاباته، والتغيير في رؤيته له ثلاثة عناصر وسمات متكاملة وهى: الشمولية، والتدرجية، والجذرية، فالتغيير الذي يطالب به شامل يبدأ من تغيير النفوس التي ألح بصددها على التربية بوصفها الحل وأكد هذا المعنى باستمرار، كما أن التغيير ينبغي أن يكون متدرجاً يبدأ بالفرد، فالأسرة، فالمجتمع وهي نفس الخطوات التي نادى بها الإمام البنا وأفاض مشهور في التأكيد عليها، كما أن التغيير الذي دعا إليه هو تغيير جذري يستغرق وقتاً طويلاً؛ ولذلك لم يكن الزمن عنده "دالة" في التغيير، بل جعل الإنجاز وحجم التغيير هما الأساس كما قال أحد إخواننا وطلابنا بحق؛ وكان مشهور يرحمه الله تعالى يؤكد "أن الدعاة ليسوا مسؤولين عن النتائج بل عن العمل الصحيح"، وكانت نظرته المحورية "إننا لا نريد لبنائنا أن يقوم ثم ينهار"، وفي هذا الصدد كان يؤكد أن التغييرات الجزئية، أو الترقيعية لايمكن أن تدوم واقعياً وبالتالي لا ينبغي التعويل عليها كثيراً.


خامسا: أولوية الاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية الكلية، ومركزية القضية الفلسطينية

ودور الإخوان في التصدي للمشروع الصهيوني :

كانت قضايا الأمة المسلمة الكبرى الهم الأساسي والأولوية الكبرى التي شغلت الاهتمام لدى مشهور يرحمه الله تعالى في كل إنتاجه الفكري الذي كان ترجمة حقيقية لحركته، فلم توجد قضية من القضايا التي عانت الأمة أو الأقليات الإسلامية منها على امتداد عمره المديد إلا وكانت له فيها إضافة ورؤية فقد كتب عن اضطهاد المسلمين في كل بقاع الأرض في كشمير والهند والفلبين، وفي إفريقيا، وروسيا والشيشان، وقبل ذلك في أفغانستان.... إلخ ودعا لمناصرة المستضعفين في كل بقاع الأرض.


وتحتل القضية الفلسطينية في هذا الصدد في كتابات مشهور يرحمه الله تعالى وحركته مكاناً محورياً، فهي القضية المركزية لجماعة الإخوان المسلمين، وهو يرى أن المشروع الصهيوني الساعي للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي نقيض للمشروع الإسلامي عامة والإخواني تحديداً، وأن تحقق المشروع الإسلامي والإخواني يقتضي نفياً حقيقياً للمشروع الصهيوني، ومن هنا كانت كتاباته وتأكيداته يرحمه الله معارضة ثابتة ومستمرة لمسيرة التسوية والتفاوض مع الكيان الصهيوني منذ اتفاقيات كامب ديفيد المصرية مروراً بكل الاتفاقات حتى اتفاقات أوسلو العرفاتية... الخ، وكان إلحاحه على قضية الانتفاضة والمقاومة والجهاد باعتبارها السبيل الوحيد لاستخلاص الحقوق وتحرير فلسطين..


وكان مشهور يرحمه الله تعالى يرى انطلاقاً من هذه العقيدة والقناعة أن المواجهة لابد أن تكون على مستوى التحديات العالمية التي تواجه الأمة ككل، وأن الجماعة يجب أن يكون لها دورها العالمى، ومن هنا كان تفكيره في ضرورة تنسيق الجهد الإسلامي عامة والإخواني خاصة على المستوى العالمي الذي يناسب الرؤية العالمية للإخوان ومن هنا كان جهده الدائب والمشكور مع المرشد الأسبق عمر التلمساني يرحمه الله تعالى بصدد التنظيم الدولي كإطار داعم لمناصرة ومجابهة التحديات التي تواجه الأمة على المستوى العالمي وتنسيق سبل التصدي لها.


سادساً: القضية الوطنية المصرية الداخلية: تعانق قضية الحريات مع قضية تطبيق الشريعة الإسلامية

ولم يغفل مشهور رحمه الله تعالى القضية المصرية الداخلية، وإن كان لم يستغرق في جزئياتها وتفاصيلها، ولكنه أعطاها وزنها الذي تستحقه عملياً باعتبارها الإطار الذي تتحرك فيه الجماعة في مصر ويشكل ضابطاً لحركة الجماعة وضاغطاً عليها في آن معاً، ولعل القضيتين المحوريتين اللتين دارت حولهما جل كتاباته مع عدم إغفال تلك الكتابات التي تتعرض لأحداث ووقائع سياسية محددة هما:


1 قضية الحريات ومن مفرداتها: معارضة القوانين سيئة السمعة وبالذات قانون الطوارئ، والتعذيب، وتزوير الانتخابات، والاعتقالات... الخ، وقد اعتبر أن إحراز تقدم في هذه القضية شرط ضروري وإن كان غير كاف للقضية الأخرى البالغة الأهمية وهى قضية تطبيق الشريعة الإسلامية وهي المطلب الأساسي لجماعة الإخوان، وتعكس كتاباته إدراكاً واضحاً لشمولية مفهوم الشريعة الإسلامية وعدم اقتصارها على قضايا الحدود أو حتى الجوانب القانونية والفقهية.


2 أن المجتمع ينبغي إعداده تربوياً واجتماعياً لكي يتقبل تطبيق الشريعة التي اعتبر القبول بتطبيقها قضية مبدأ إسلامي لا ينبغي التهاون فيه، أما كيفية وطريقة التطبيق فقد أكد فيها ضرورة التدرج مع تهيئة المجتمع لهذا الأمر الجلل، وتلفت كتابات مشهور الانتباه إلى قضية بالغة الأهمية وهي أهمية استقلالية القرار الوطني وعدم الخضوع لضغوط القوى الكبرى وبالذات الولايات المتحدة وتحديداً في القضايا الجوهرية التي تشكل ثوابت هوية المجتمع وحضارته الإسلامية.


سابعاً: وحدة العمل الإسلامي على المستوى العالمي في مواجهة التحديات الدولية

تركز كتابات مشهور رحمه الله تعالى باستمرار على قضية وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد، وعلى امتداد العالم الإسلامي ويرى ذلك هدفاً ينبغي السعي إليه باستمرار، ومن واقع إدراكه لصعوبة تحقق هذا الأمر واقعياً كتب كثيراً عن ضرورة توافر الحد الأدني من التعاون بين كافة المتصدرين للعمل الإسلامي وفقاً لقاعدة "المنار" الذهبية "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" ويرى أن قضية العاملين للإسلام واحدة، وأن التحديات التي يجابهونها واحدة تستلزم هذا القدر أو الحد الأدنى من التعاون بينهم، وبالطبع فإن كتابات مشهور تؤكد حقيقة أن جماعة الإخوان هي "الجماعة الأم"، وأن منهجها الدعوي الوسطي، ومنهجها التغييري البعيد عن العنف هو الذي ينبغي التعاون على أساسه دون أن يعني ذلك ذوبان بقية الكيانات في الكيان الإخواني، ويؤكد مشهور أن التحديات التي تجابه العمل الإسلامي توجب كما أسلفنا تنسيق الجهود داخلياً وخارجياً، ومن هنا دعم مشهور وساهم في التحالفات التي أقامتها أو شاركت فيها الجماعة مثل التحالف الإسلامي بين الإخوان وحزبي العمل والأحرار عام 1987، وساهم في كل المناشط الداعية لتنسيق العمل الإسلامي وجهوده.. هذا البعد العالمي الأصيل في تفكير المرشد الراحل ليس وقتياً وإنما هو امتداد أصيل لمنطق الدعوة الإسلامية ذاتها وللرؤية التي صاغها الإمام البنا رحمه الله تعالى..


ثامناً: محورية رؤية الإمام البنا وتراث الإخوان في صياغة رؤيته ونظرته

يتضح لكل من يرصد مجمل كتابات مشهور رحمه الله تعالى أن رؤية الإمام البنا في كل القضايا واضحة جلية في مضمون كل ما يقول، فهي تعد بمثابة شرح أمين لها، وبالطبع فإنه يضيف لها رؤيته فيما يجري من وقائع وأحداث، ولا ينتمي مشهور الى تلك الرؤية التي تفتعل اختلافاً بين خط البنا والاجتهادات التي قدمها الشهيدان سيد قطب وعبدالقادر عودة في النواحي الفكرية والسياسية والاقتصادية، فهو يرى في هذه الاجتهادات امتداداً لرؤية الإمام البنا في الإصلاح والتغيير. وباختصار فإن هذه المصدرية لكتاباته رحمه الله تعالى جعلت منها ومن رؤيته معايير ضابطة للخط الفكري للجماعة حتى الآن.


تاسعاً: القضية المستقبلية في ضوء الرؤية الإيمانية

تؤكد كتابات مشهور يرحمه الله تعالى على محورية القضية الإيمانية في استشراف المستقبل، فهو يؤكد أن "أهم مرحلة في الدولة المستقبلية هي أساسها، فإذا كان الأساس متيناً يعلو البناء ويرتفع، أما إذا كان ضعيفاً فإن البناء ينهار، فهذه المحن التي يتعرض لها الإخوان هي للصقل، والتمحيص، وإعداد القيادة الصلبة التي يثبت عليها البناء".


"وما زلت أذكر ذلك التساؤل عن المستقبل الذي طرحه في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وقد كانت الجماعة في مصر تحرز تقدماً في كل انتخابات تدخلها سواء على المستوى البرلماني أو النقابي يومها تصور البعض من ذوي الحماس والرؤية المتعجلة دون إدراك لحقيقة موازين القوى في بناء السلطة والمجتمع المصري أن الجماعة اقتربت من تحقيق جانب كبير من أهدافها، وأنها أصبحت مستعصية على المحاصرة والضرب والتهميش!!


ويومها قال مشهور إن هذه الموجة من التقدم الإخواني سوف يعقبها تضييق ومحاكمات، وهذا ما حدث بالضبط بعد أقل من أربع سنوات، ولعلي في ذلك اتفق مع أحد الباحثين من إخواننا وطلابنا الذي كتب في هذا الصدد قائلاً : "هل لكل إنسان من مهنته نصيب؟ فالمرشد الراحل يرحمه الله تعالى عمل بهيئة الأرصاد الجوية، ويقوم عمله في الأساس على التنبؤ بما هو قادم وفق مقاييس علمية دقيقة، تقل فيها نسبة الخطأ إلى أدنى مستوياتها في بعض الحالات، وتنعدم في الأخرى، إضافة إلى أنه عمل يستشعر التغير القادم مع ظهور أدنى بوادره، والتي لا يفطن لها كثير من الناس، فتراه في حالات يجزم بأن ريحاً عاصفة في الطريق، رغم أن الناس ينعمون بجميل المناخ، وقد تراه مستبشراً وسط العاصفة لأنه يرى ما تحمله السحب من خير".


وحقيقة الأمر فإنه يصعب على المرء، مهما كان موقفه النقدي للأداء والفاعلية حين يكتب عن هذا الجيل السامق في جماعة الإخوان المسلمين "الجيل الإخواني الفريد" جيل التأسيس هذا الجيل المتجرد لدعوته ودينه، أن يوفيه حقه، واعتقادنا أن الله سبحانه وتعالى هو وحده القادر على أن يوفيهم أجرهم جزاء ما قدموا وجاهدوا وتحملوا من محن وأهوال وحافظوا على خط الدعوة السليم في وسط الأنواء والأهوال، ومن هذه الثلة المباركة وفي القمة منها المرشد الراحل مصطفى مشهور يرحمه الله رحمة واسعة.