سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الفصل الثالث)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الفصل الثالث)
(مصر - تونس - ليبيا - اليمن - سوريا)

بقلم:س.ع

مركز الدراسات التاريخية

الفصل الثالث: الإخوان المسلمون وثورة 23 يوليو

مثلت ثورة 23 يوليو 1952 أحد المحطات التاريخية الهامة ليس فى تاريخ مصر أو الإخوان المسلمون وحدها بل بتاريخ العالم الاسلامى ومنطقة الشرق الأوسط كلها.

وسنتناول دور الإخوان فى هذه الثورة إجمالاً وليس تفصيلاً، فالشاهد أن الإخوان المسلمون لم يكتفوا بالرؤية التغييرية التى انتهجتها الجماعة على مر عقودها المحتلفة، بل كانت هناك ممارسات فعلية لإصلاح الحكم من خلال الثورة والمساعدة الفعالة بها وتعتبر ثورة 23 يوليو نموذج واضح على هذه الممارسة

فقد ساهمت الجماعة وبقوة من خلال قسم " الوحدات" وانتماء جمال عبد الناصر لهذا القسم فى مرحلة ماقبل الثورة فقد تمكن اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف من تجنيد جمال عبد الناصر وضمه "للجمعية السرية لضباط الجيش" عام 1944 ، وظل عبد الرءوف طيلة المدة من 1944 وحتى 15 مايو 1948 هو المسؤول عن التنظيم السري داخل الجيش ،متعاونا مع الفريق عزيز المصري والشيخ حسن البنا والصاغ محمود لبيب .

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته (أرغمت فاروق على التنازل عن العرش) تفاصيل انضمام عبد الناصر للإخوان المسلمين فيقول:

استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 ان أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذي نقل على قوة الكتيبة ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلي بحى السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة(توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام 1944 وواظبنا على اللقاء أسبوعيا في بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.
وكانت أحاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطنيين وتكالب الأحزاب على الحكم وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.

ويضيف عبد الرؤوف فيقول:

واتفقنا على دفع اشتراك شهرى قدره خمسون قرشا وتكوين مكتبة إسلامية للضباط الإخوان وكانت أمانة الصندوق طرف الصاغ محمود لبيب وكان المسئول عن المكتبة الملازم أول حسين حمودة وكنا كلما حل مساء الثلاثاء التقينا لنستمع إلى رأى الإخوان المسلمين فى مشكلات الساعة داخليا وخارجيا أو نستمع إلى محاضرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بين هتافات الإخوان التى تهز وجدان كل مسلم. وكنا حريصين على أن يكون ذهابنا إلى درس الثلاثاء وجلوسنا وعودتنا متفرقين اتقاء لعيون المخابرات.
وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفى ومصطفى بهجت ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضري وعبد الرحمن محمد أمين ومجدي حسنين وإبراهيم الطحاوي ومن المشاة فؤاد جاسر وجمال ربيع وأحمد حمدي عبيد ومحمد أمين هويدي. ومحمد كمال محجوب ووجيه خليل ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان.

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف تفاصيل بيعة جمال عبد الناصر للمرشد الامام حسن البنا فيقول:

استدعانى وصلاح خليفة الصاغ محمود لبيب وعرفنا بالمرحوم عبد الرحمن السندي الذى شرح لنا متى وكيف سيتم أخذ العهد وحلف اليمين وقد تم ذلك على النحو الآتى:
ذهبنا نحن السبعة فى ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق وبعد أن تكامل عددنا قادنا صلاح خليفة إلى منزل فى حى الصليبة بجوار سبيل أم عباس حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسأل: الحاج موجود؟
وكانت هذه هى كلمة السر ففتح الباب ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدا مفروشة بالحصير وفيها مكتب موضوع على الأرض ليست له ارجل فجلسنا على الحصير ثم قادنا صلاح واحدا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين فى حجرة مظلمة تماما يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تعرف شخصيته وكان سؤال الشخص المتخفى الذى يأخذ العهد: هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية؟
فكان الجواب من كل منا: نعم.
فقال : امدد يدك لتبايعنى على كتاب الله وعلى المسدس.
ثم قال الرجل المتخفى: إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة.
وبعد أن أعطى كل منا البيعة عدنا إلى الحجرة الأولى ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصا عرفنا بنفسه وذكر أن اسمه عبد الرحمن السندي وقال : إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين وهو تنظيم سرى مسلح يضم رجالا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت فى سبيل الحق والحرية.

وكان الذين بايعوا على فداء الدعوة الإسلامية فى هذه الليلة حب الأقدمية فى كشوف الجيش:

  1. النقيب عبد المنعم عبد الرؤوف من الكتيبة الثالثة مشاة (طيار سابق).
  2. النقيب جمال عبد الناصر حسين من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة ورئيس الجمهورية فيما بعد.
  3. الملازم أول كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد.
  4. الملازم أول سعد حسن توفيق (توفى إلى رحمة الله عام 1963).
  5. الملازم أول خالد محيي الدين من سلاح الفرسان وعضو مجلس قيادة الثورة. فيما بعد ورئيس حزب #التجمع الوحدوى الآن.
  6. الملازم أول حسين محمد أحمد حمودة من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
  7. الملازم أول صلاح الدين خليفة من سلاح الفرسان وهو يعمل الأن مديرا لشئون العاملين بمحافظة الجيزة.. (30)

كما يضيف حسين حمودة فى كتابه (أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين) فيقول:

كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد توفيق وخالد محيي الدين وحسين حمودة وصلاح خليفة.
وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتى 15 مايو 1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلى صفوف هذا التنظيم السري. واتسع نطاق هذا التنظيم وتكونت خلايا جديدة فرعية منبثقة من الخلية الرئيسية فشكل كل فرد من أفراد الخلية الرئيسية خلية فرعية وكل خلية فرعية لا تزيد عن سبعة أفراد على ألا يخطر أي واحد منا الآخرين بأسماء المنضمين معه في هذه الخلايا السرية مراعاة لأمن الحركة.
وكان محمود لبيب يحضر الاجتماع الأسبوعي للخلية الرئيسية ويحضر أيضاً الاجتماعات نصف الشهرية للخلايا الفرعية المنبثقة من الخلية الرئيسية. وأصبح بذلك محمود لبيب هو الشخص الوحيد في هذا التنظيم السري الذي يعرف جميع المشتركين فيه.. وصار محمود لبيب هو حلقة الاتصال بين الضباط المنضمين للتنظيم ليس في الجيش فقط بل وفي الطيران أيضاً.
وكان محمود لبيب بالنسبة لنا جميعاً في منزلة الوالد أو أكثر يحاول ربط أكبر عدد من ضباط القوات المسلحة على فكرة العمل بشريعة الإسلام.. (31)

ويضيف عبدالرؤوف:

نقلت من الكتيبة الرابعة مشاة بعد تمضية عدة شهور فيها بمركز شرطة عراق سويدان الذى اتخذته الكتيبة مركزا لقيادتها وخلال المدة ما بين عامى 1949 1950 رقيت إلى رتبة رائد ثم مقدم وخدمت فى كتبتين هما الكتيبة العاشرة والكتيبة الثالثة عشرة متنقلا بين غزة ورفح والعريش والشط(شرقى السويس) وأبو عجيلة وكانت خدمتي طيلة هذه السنوات شرق القناة بعيدا عن القاهرة وعن قيادة تنظيم الإخوان الضباط التابع لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش وكنت أمنح سبعة أيام أجازة كل ثلاثين يوما.
وقد وقعت عدة حوادث خلال تلك السنوات أثرت تأثيرا كبيرا على تنظيم الإخوان الضباط بالجيش وعلى مصر بصفة خاصة ففى عام 1949 اغتيل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وظهرت حركة عصيان وتفكك فى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة عبد الرحمن السندي
وعادت قواتنا المحاصرة فى الفالوجا يوم 11/3/ 1949 إلى القاهرة حاقدة على الملك فاروق وحاشيته هيئة أركان حربه وكان المقدم أركان حرب جمال عبد الناصر حسين وبعض الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من بين المحاصرين العائدين الثائرين فعقدنا عدة اجتماعات برئاسة الصاغ محمود لبيب انتهينا فيها إلى النتائج الآتية:
أولا: الثأر لمقتل الشهيد حسن البنا بعد التأكد من معرفة القتلة .
ثانيا: الحذر من أفراد الحرس الحديدى وبذل الجهود لمعرفة كل شىء عن أفراده
ثالثا: التخلص من النظام الملكى واستبداله بنظام إسلامى.
رابعا: الاستمرار فى تدريب ومد الإخوان المسلمين بالذخائر والأسلحة والمفرقعات لطرد الإنجليز من بلادنا.
وفى 25 من مايو 1949 استدعى جمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بحضور رئيس هيئة أركان حرب الجيش عثمان المهدي, ووجهت إلى جمال عبد الناصر تهمة الإنتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم ولكنه استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه.
وأسرع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق وأنهم لن يتخلوا عنه مما أثبت قوة ارتباطنا ماديا.
وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم(الضباط الأحرار) لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز.. (32)

وقد ذكر صلاح شادي في كتابه حصاد العمر، والأستاذ حسن العشماوي في كتابه الأيام الحاسمة وحصادها تفاصيل اللقاءات التي عقدت بين جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في صلاح شادي وحسن العشماوي وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وعبد القادر حلمي الذي كانت تعقد هذه اللقاءات في بيته في نصر الدين بالجيزة، وتنظيم الضباط الأحرار ممثلاً في جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وصلاح سالم وأنور السادات.

وقد توالت تلك الاجتماعات أيام 18 و 19 و 21 يوليو صباحًا ومساءً لتنسيق الجهود، والاطمئنان إلى تأييد الإخوان للحركة، وأخذ موافقة المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، واقتراحات لسيناريو ما بعد نجاح الحركة، ثم مساء 23 يوليو بعد نجاح الحركة، وظهر 26 يوليو بقاعدة الاجتماعات بإدارة الجيش بمنشية البكري، ثم ضحى 27 يوليو بحضور المرشد العام المستشار حسن الهضيبي؛وكانت اللقاءات لعقد وجهات النظر، وسبل دعم وتأييد الإخوان للحركة.

وعن دور الإخوان في الثورة فيفصله ريتشارد ميتشل بقوله:

"تم التوصل لاتفاق معين بين المجموعتين بخصوص الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان يوم الثورة، وحاول مخطط الاتفاق هذا أن يتحرى كل الإمكانات المحتملة والتي يمكن فيها استخدام "جيش مدني" جيد الانضباط والتدريب
أولاً: فالخطوة الأولى كانت تتمثل في أن يتعهد الإخوان حماية الأجانب والمنشآت الأجنبية بما في ذلك مراكز للنشاط التجاري والدبلوماسي، والأقليات (البيوت، الكنائس، أماكن عبادة اليهود)، والمراكز الإستراتيجية للمواصلات بالمدينة، وكان القصد من ذلك إحباط أية محاولات من قبل أي مجموعة لاستغلال الاضطراب المتوقع في ذلك اليوم.
ثانيًا: وإلى جانب الخطوة السابقة كان على الجماعة إن تنشئ شبكة من المخابرات حول تحركات المصريين المشتبه فيهم و"الخونة المحتملين"، ثم يأتي بعد ذلك وفي حالة عدم كفاية الحماس الشعبي لحركة الجيش أن تبادر الجماعة إلى ملء الشوارع لتشعل حماسها، ولتعلن التأييد الشعبي الفوري للانقلاب.
ثالثًا: في حالة فشل البوليس في التعاون مع الجيش، ستبعث الجماعة بجوالتها للانضمام لأي معركة قد تقع؛ ولتساعد في المحافظة على النظام والأمن.
رابعًا: إذا ما فشلت الحركة رغم كل إجراءات الوقاية والحذر فسيكون على الإخوان أن يساعدوا في حماية الضباط الأحرار، وتوفير سبل الهرب لهم، ومن المفترض أن هذه الإمكانية الأخيرة كانت المسئولية الأساسية لحسن العشماوي.
خامسًا: وهناك جزء خامس من الترتيب وإن لم يكن مؤكدًا بنفس الدرجة تلخص في التصدي لأي تدخل بريطاني محتمل الوقوع، ولقد قيل إن شادي زود بالسلاح، وطلب منه أن يضع في مواضع إستراتيجية على الطريق من السويس أفرادًا في زي مدني حتى لا يثيروا أية شبهات، مجهزين بالعتاد وبالأوامر بالتحرش والتصدي لأي عودة محتملة من جانب القوات البريطانية من القناة لاحتلال العاصمة، وكان ضروريًا إلا يعلم بأمر الخطة ككل إلا عدد قليل من الأعضاء، وذلك ما حدث بالفعل". (33)

وعلى ذلك فقد تقاسم الإخوان والضباط الأحرار الأدوار مناصفة للقيام بالحركة، بل يقع الجزء الأكبر على عاتق الإخوان في حالة وجود أي طارئ، وهي بذلك شراكة بين الإخوان والضباط الأحرار لا يستغني أحدهما عن دور الآخر، ولا تنجح الحركة بدونه؛أو بتعبير صلاح شادي حين قال:

"واتفق على أن يتولى الإخوان مسئولية الانقلاب وحمايته والدفاع عنه من الناحية الشعبية، أي أن الضباط الأحرار يقومون بالجانب العسكري في الانقلاب، ويقوم الإخوان بالجانب الشعبي". (34)

صحيح أن أغلب تلك الأدوار لم يتم لعدم الحاجة إليه، إلا أن ذلك لا ينقص من دور الإخوان فيها، فكان دورها الأول حماية الحركة، وتبديد مخاوفها، وتوفير التأييد الشعبي لها، والملاذ الآمن في حال فشلها.

وفي 18 يوليو 1952م طلب جمال عبد الناصر عقد لقاء هام وعاجل في تمام الحادية عشر مساء بمنزل عبد القادر حلمي بحضور جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر؛

يقول الأستاذ عبد القادر حلمي:

"وكانوا يرون وجوب الإسراع بالقيام بالانقلاب، وأن يكون في خلال عشرة أيام، وسأل عما إذا كان الإخوان موافقين ومستعدين لقيام بدورهم الذي سبق الاتفاق عليه، وتحمل المسئوليات بعد إتمام الانقلاب، وطلب ردًا سريعًا؛
ولكن الإخوان أفهموه أن صاحب الكلمة في هذه الأمور هو المرشد المستشار حسن الهضيبي، وأنه موجود بالإسكندرية، وأن الرد يحتاج على الأقل إلى 48 ساعة للسفر لاستطلاع رأى المرشد، وتحديد لقاء بعد هذه المدة، وسافرت أنا وعبد القادر حلمي ومعنا الأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ فريد عبد الخالق والمرحوم حسن العشماوي؛
واتفقنا على بقاء الأخ صلاح شادي في القاهرة لانتظار عبد الناصر في الموعد المتفق عليه في حالة احتمال تأخير عودة الإخوان من الإسكندرية، وقد تحقق فعلا هذا الاحتمال، وعندما حضر جمال عبد الناصر في الميعاد المحدد في 20 يوليو تأجل اللقاء العام حتى يعود مَنْ ذَهَبَ للقاء المرشد.

وهذه الرواية وإن كانت من جانب الإخوان المسلمين إلا أن لها ما يدعمها من شواهد وكتابات الضباط الأحرار، يقول اللواء جمال حماد عضو مجلس قيادة الثورة:

"وليست لدينا أية أسباب تدعونا إلى الشك في صحة هذه الواقعة التي رواها صلاح شادي فإن الدلائل والبراهين كلها تؤيد صدقها.. لقد اعترف معظم أعضاء لجنة القيادة للضباط الأحرار بحدوث هذا الاتصال بين التنظيم والإخوان المسلمين عقب اجتماع اللجنة يوم 18 يوليو، والذي استقر فيه الرأي على ضرورة الإسراع بالحركة؛
وكان الدافع للاتصال هو التأكد من مؤازرة الإخوان للحركة، ولكي يسهم متطوعو الإخوان مع قوات الجيش للسيطرة على طريق السويس، والتصدي للقوات البريطانية إذا حاولت الزحف إلى القاهرة لإخماد الحركة.
وقد ثبت أن القيام بالمؤازرة وتدعيم الحركة قد تما فعلاً بدليل اشتراك عدد من الإخوان المسلمين بعد قيام الحركة في حراسة المنشآت العامة والسفارات وأماكن العبادة خشية اندساس عناصر العملاء بين الجماهير لارتكاب أعمال تخريبية تكن ذريعة لتدخل الإنجليز كما حدث لإخماد ثورة أحمد عرابي.

وما دام هذا التعاون قد تم بهذه الصورة فلا يمكن عقلاً أن يحدث دون تنسيق مسبق وبدون الحصول على موافقة المرشد العام شخصيًا المتواجد بالإسكندرية في ذلك الوقت".

وقد ذكر كمال الدين حسين في مذكراته بمجلة المصور في عددها الصادر يوم 26 ديسمبر 1975م عن واقعة ذهابه مع عبد الناصر صباح يوم 22 يوليو إلى السيد صالح أبو رقيق

والتي قال فيها بالنص:

"وأخطرناه حسب اتفاقنا المسبق بموعد الثورة بهدف كسب تأييدهم لثورتنا، كما اتفقنا معه على أن تقوم قوات من متطوعي الإخوان بالمعاونة مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس لصد أي هجوم إنجليزي محتمل يستهدف الوصول إلى القاهرة صباح يوم الثورة".

إن هذه الأقوال التي لا يتطرق إلينا الشك في صحتها تؤيد تمامًا ما ذكره صلاح شادي، فإن الإخطار بموعد الحركة حسب الاتفاق المسبق يعني حدوث اتصالات ولقاءات سابقة قد جرت، وتم فيها الاتفاق على ضرورة إخطار الإخوان بموعد الحركة؛

كما أن طلب التأييد من الإخوان لحركة الجيش، والاتفاق على قيام متطوعي الإخوان بالتعاون مع الجيش لصد أي هجوم إنجليزي محتمل لا يمكن من الوجهة المنطقية أن يوجه إلى الإخوان قبل ساعات معدودة من قيام الثورة، وإلا كيف يتصور أحد أن يتمكن الإخوان من تجميع المتطوعين، وإعدادهم بما يلزمهم من سلاح وذخيرة لمقاومة الجيش الإنجليزي، وإصدار التعليمات الخاصة بهذه العملية المصيرية التي تتطلب الكثير من الجهد والإعداد في مثل هذا الوقت القصير؟". (35)

وقد عرض الإخوان ما تم التوصل إليه مع الضباط الأحرار على المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المتواجد بالإسكندرية، ووجه إليهم المرشد عدة استفسارات أهمها: مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام؟ ومدى إخلاصهم في قولهم بالعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؟ وهل تم الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر؟ وهل اتفق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في الانقلاب والمسئولية إزاءه والتعاون في تنفيذه وبعد نجاحه؟

وفى النهاية أعطاهم المرشد موافقته المشروطة بالأمرين السابقين، كما أعطاهم الحق في الاتصال بالإخوان لتنفيذ التعليمات في الوقت المناسب التي تترتب على قيام الانقلاب والمشاركة فيه بما فيهم ضباط الإخوان في الجيش لتنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادتهم.

وعندما عاد الأخوة متأخرين عن الموعد السابق عرفوا الموعد الجديد للقاء عبد الناصر الذي حدده معه الأخ صلاح شادي يوم 21 يوليو، وحضر عبد الناصر وحده مبكرًا في هذا اليوم إلى منزل عبد القادر حلمي قبل حضور صلاح شادي، وعندما تكامل الحضور اجتمعوا بجمال عبد الناصر وشرحوا له وجهة نظر المرشد بالتفصيل، وقد صدق عبد الناصر على جميع تحفظات المرشد، وأكد قبولها، وأنه سبق الاتفاق عليها معنا، وقال إنه تأكد له اليوم أن اسمه قد عرف لدي البوليس السياسي؛ لذلك فقد اتفقوا على القيام بالانقلاب في خلال يومين على الأكثر، وأنه سيعرفنا بالموعد ساعة الصفر". (36)

أربعة وعشرون ساعة تأخرها عبد القادر حلمي ومن معه في الإسكندرية للقاء المرشد العام أخرت قيام الثورة يومًا كاملاً للاطمئنان إلى رأي المرشد

يقول اللواء جمال حماد:

"وقد كان مقدرًا أن تقوم حركة الجيش ليلة 22 يوليو 1952م، وفي آخر لحظة تأجل موعد قيامها 24 ساعة لتكون ليلة 23 يوليو، ويذكر الجميع هذه الحقيقة دون أن يحاولوا دراسة أسباب التأجيل.
وقد استلفت نظري أن بعض من كتبوا من الإخوان المسلمين ذكروا أن السر الحقيقي في التأجيل يعود إلى تأخير وصول موافقة المرشد العام من الإسكندرية على تأييد الحركة ومؤازرتها، ومن رواية صلاح شادي يتبين لنا أن عبد الناصر عندما حضر إلى لقاء صلاح شادي يوم 20 يوليو أخطره أن المندوبين الأربعة لم يحضروا بعد من الإسكندرية؛
وضرب له موعدًا جديدًا للقاء وهو يوم 21 يوليو أي بعد 24 ساعة، ومن هذه الواقعة جرى الربط بين تأجيل موعد الحركة وتأجيل موعد المقابلة للحصول على موافقة المرشد العام، وكلاهما قد تأجل لمدة 24 ساعة" (37)
وعلى ذلك فإن جمال عبد الناصر قام بتأجيل موعد الحركة يومًا كاملاً رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر في انتظار موافقة المرشد العام للإخوان المسلمين، وذلك يدل على عظم وأهمية دور الإخوان في إنجاح الثورة، وفشل الثورة أو تأجيلها على أقل تقدير إذا رفض الإخوان المسلمون مساندتها، ولذلك فقد "بذل جمال عبد الناصر كافة جهوده لضمان وقوف هذه القوة الشعبية إلى جانب حركة الجيش بمجرد قيامها لتؤازره في الداخل، ولتسهم إلى جانب الجيش في الدفاع عن العاصمة في حالة تفكير الإنجليز في ارتكاب حماقة التدخل". (38)
في هذه الأثناء كان عبد المنعم عبد الرؤوف قد منح إجازة ميدان من 18 يوليو إلى 26 يوليو 1952م فعاد إلى القاهرة ، وفي صباح 19 يوليو ذهب إلى منزل صديقه عبد الحكيم عامر وهو لا يعلم شيئًا عن الحركة إلا أنه لم يجد عبد الحكيم عامر بالبيت، وفي طريق عودته التقى مصادفة بالصاغ صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات فيما بعد فقال له صلاح نصر: إلى أين ذاهب؟ ومن أين أنت قادم؟ فأجبته: إنني قادم من منزل الصاغ عبد الحكيم عامر الذي لم أجده. فقال لي: إنني ذاهب إليه لأنني على موعد سابق معه وقد ادعى المرض ليحضر إلى القاهرة لوضع الخطوط الأخيرة للحركة.
فقلت لصلاح نصر مستدرجًا كأنني أعرف معنى عبارة (وضع الخطوط الأخيرة للحركة): الحركة تحتاج إلى سرعة ودقة أكبر مما تتصور, فكيف تكون السرعة والدقة والصاغ أركان حرب عبد الحكيم يخلف الميعاد؟!
فقال صلاح نصر: إنني باعتباري قائد جناح التدريب في كتيبتي، ونقلت مع الفرقة الأولى مشاة منذ أيام من سيناء إلى القاهرة ، ومن الضباط الأحرار، فقد أعددت كل شيء لتوزيع الذخيرة على جنودي وقادم الآن لعبد الحكيم عامر لأعطيه تمام. فقلت لصلاح نصر: اذهب قبل فوات الأوان لتعطى تمامًا وأنا ذاهب للاستعداد.

وانصرفت قاصدًا المهندس حلمي عبد المجيد، والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي المسئول عن جماعة الإخوان الضباط الذين كانت تميزهم الصفات الخلقية وظلوا على المواصفات السابقة قبل أن يضم عبد الناصر إلى تنظيمه كل من هب ودب والدكتور المهندس حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين وأبلغتهم ما قاله لي الصاغ أركان حرب صلاح نصر، ثم عدت إلى منزلي مترقبًا ومنتظرًا أوامر مكتب الإرشاد والجيش" (39)

وعلى ذلك فقد طلب مكتب الإرشاد رسميًا وعلى عجل لقاء صلاح شادي لإبلاغه بحديث عبد المنعم عبد الرؤوف وصلاح نصر، وهم لا يعلمون الاتصالات السرية بين تلك المجموعة من الإخوان والضباط الأحرار

يقول عبد القادر حلمي:

"وفى هذه الأثناء اتصل بعض الإخوان تليفونيًا من المركز العام سائلين عن الأخ صلاح شادي، وأكدوا أهمية لقائه فاتفق معهم على الحضور في منزلي للقائهم، وتصادف وجود جمال عبد الناصر عندي بالبيت لترتيب الأدوار، وعندما عرف عبد الناصر أسماء الأشخاص الذين اتفق معهم على الحضور طلب عدم تعريفهم بوجوده وأسبابه، وقد انتقل عبد الناصر فعلاً إلى غرفة داخلية ليتمكن الأخ صلاح شادي من لقاء القادمين من الإخوان في غرفة الاستقبال، وزيادة في الاحتياط نقلت سيارة عبد الناصر من أمام المنزل إلى شارع خلفي.
وقد حضر الاجتماع الأخوة حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي ومعهما الضابطان عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي، وكان الأستاذ صلاح قد استشار إخوانه الأربعة فيما إذا كان من المصلحة تعريفهم مما يجرى من أمور في هذا الشأن أم لا ؟
واتفقوا أنه ليس من المصلحة الآن الكشف عما يجرى من اتصالات مع هذه الجماعة ، وأن على ضباط الجيش من الإخوان تنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادته، وقد التزم الأخ صلاح بهذا الرأي عندما قالا: إنهما باعتبارهما ضابطين في الجيش قد شعرا بتحركات للضباط الأحرار، ولما سألا الدكتور حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي لم يجدا عندهما معلومات بهذا الشأن، وقالا: إنهما ما جاءا إلا للاستفهام من صلاح عن هذا الموضوع، وقد انصرفا قبل انصراف عبد الناصر" (40)

أما عبد المنعم عبد الرؤوف فيقول عن هذا الاجتماع:

"وفى يوم 21/7/1952 دعيت والدكتور مهندس حسين كمال الدين والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي سعد للذهاب إلى دار الأخ صلاح شادي الذي لم يسبق لي رؤيته من قبل أو معرفة أي شيء عنه وكل ما خرجت به من هذه الزيارة أنه استقبلنا وودعنا بحفاوة وبالنظر لوجود ضيوف عنده في غرفة ملاصقة لم نطل الزيارة (علمت فيما بعد أن الضيوف كانوا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وآخرين)، وعلمت كذلك أنهم جاءوا يطلبون من الإخوان مؤازرتهم عند بدء الانقلاب" (41)

دور الإخوان في الثورة

صدرت التعليمات إلى أفراد الإخوان المسلمين بحماية المنشآت الحيوية والسفارات الأجنبية ودور العبادة؛ لتفويت الفرصة على أنصار الفوضى والتخريب

يقول الإمام يوسف القرضاوي:

"لقد استبشر الشعب بانقلاب هؤلاء الضباط الذين قالوا عنهم "حَمَلَة المصاحف" ، كما قالوا عنهم: إنهم تلامذة الشيخ محمد الأودن الذي زج به عبد الناصر في السجن رغم مرضه وكبر سنه بعد ذلك كما قيل: إن منهم عددًا من الإخوان.. وكان رجال الجيش يعدون الإخوان سندهم الشعبي، فلا غرو أن اعتمدوا عليهم في حراسة المنشآت، ومراقبة أي تحرك مريب.. لقد طلب منا نحن الإخوان أن نحرس المنشآت الأجنبية من احتمال تحرك أي أيد مخربة تحاول أن تصطاد في الماء العكر، والوضع حساس لا يحتمل وقوع أي حادث يكدر صفو الأمن، ويظهر وجود معارضة للانقلاب". (42)

وصدرت التعليمات لأفراد النظام الخاص بالمرابطة على طريق القاهرة السويس، والقاهرة الإسماعيلية في الزي المدني، وبالأسلحة التي يحتاجون إليها بجانب الجيش المصري؛ لإعاقة حركة الجيش البريطاني إذا فكر في التدخل العسكري على طريقة الثورة العرابية.

كما صدرت الأوامر لضباط الجيش من الإخوان بضرورة تنفيذ تعليمات قادتهم للتحرك في خدمة الثورة والمساهمة في نجاحها، ومن ذلك هذا الدور البطولي الذي سطره الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف الذي وقع على عاتقه مهمة محاصرة الملك فاروق بقصر رأس التين بالإسكندرية، وإجباره على التنازل عن العرش.

يقول عبد المنعم عبد الرؤوف:

"استدعاني قائد مجموعة اللواء السابع العقيد أحمد شوقي وسلمني قطعة من ورق النشاط كتب عليها الغرض المطلوب منى تنفيذه وكان الغرض:محاصرة قصر رأس التين, ومنع دخول وخروج أي شخص ومنع الاحتكاك.. على أن يتم ذلك قبل الساعة 730 ليوم 26 يوليو 1952م.
اتجهت بقوتي صوب قصر رأس التين وعلى يعد 300 ياردة ترجل الجميع، وجمعت ضباط والصف ضباط والجنود المعينين بدل الصف ضباط كل سرية على حدة، وقائد مدافع الماكينة وقائد تروب المدفعية وشرحت لهم خطتي لمحاصرة القصر.. وبعد تبادل بسيط لإطلاق النار استسلم اللواء عبد الله باشا النجومي ومعه أربعة من الضباط وسلموا أسلحتهم.. ثم استسلم كل من بالقصر وتوقف إطلاق النار.
توجهت إلى قصر رأس التين حوالي الساعة 1000 من نفس اليوم وقابلت حضرة صاحب جلالة الملك فاروق حيث كان مجتمعًا مع رجال الحاشية يتحدثون في الموقف وقال الملك فاروق: إنه قد وافق على التنازل رغبة في إنقاذ الموقف؛
لأنه يعتقد أن حكم البلد في صورة الأحزاب القائمة لا يأتي بخير، ولم يتمكن هو من توجيه التوجيه السليم، وأنه لو كان راغبًا في المحافظة على عرشه لقبل عرض الأسطول الإنجليزي الذي كان مرابطًا على مدخل الميناء من حوالي الساعة 600 من نفس اليوم؛ للسماح لهم بالنزول إلى الإسكندرية لحماية البلد ولكن أنا أضحى بألف عرش ولا أسمح لكلب إنجليزي أن يضع قدمه على أرض مصر ثانية.
وحوالي الساعة 1245 حضر المستشار سليمان حافظ ومعه ورقة التنازل لإمضائها من الملك.. وفى 28 من يوليو 1952 بعد نجاحي في محاصرة قصر رأس التين وتنازل الملك عدت إلى القاهرة واشتركت في محاصرة قصر عابدين". (43)

وهي شهادة في حق الملك فاروق الذي آثر التنازل عن العرش عن إراقة دماء المصريين أو الاستعانة بالإنجليز لحماية عرشه على حساب دماء المصريين وتضحياتهم، وهو درس نعيد الاستشهاد به فيما نمر به من ثورات الربيع العربي التي تراق فيها دماء الشعوب الحرة في سبيل الحفاظ على حفنة فاسدة مستبدة تأبي التخلي عن عروشها إلا بالدم، فكان الملك فاروق أكثر وطنية من أولئك الذين يتشدقون بها الآن. قتلاً وتشريدًا لشعوبهم.

وكذا قال الباحثون المنصفون الذين تناولوا بالبحث تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر، فيقول ريتشارد ميتشل:

"لولا المساندة المتحمسة من جانب الإخوان المسلمين لكان محتمًا أن تلاقي حركة محمد نجيب مصير الحكومات المصرية الستة التي سبقها في عام 1952 لقد شارك الإخوان مشاركة فعالة في انقلاب نجيب في الصيف الماضي وقسط كبير من النجاح الذي صادفه منذ ذلك الوقت يمكن أن ينسب إلى مساندتهم". (44)

وكان التأييد الرسمي من الإخوان المسلمين للثورة والضباط الأحرار بعد عودة المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين من الإسكندرية، وذلك في بيان رسمي نشرته مجلة الدعوة في 29 يوليو 1952م،وقد جاء فيه (45):

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد.. في الوقت الذي تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين في أنحاء الوادي أن يستشعروا ما يلقي عليهم الوطن من تبعات في إقرار الأمن، وإشاعة الطمأنينة، وأخذ السبيل على الناكثين ودعاة الفتنة، ووقاية هذه النهضة الصادقة من أن تمس روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا، وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال.

والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها، ويشدون أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح، وتحقق للبلاد ما تصبو إليه من عزة وإسعاد.وإن حالة الأمن لتتطلب منكم بوجه خاص أعينًا ساهرة ويقظة دائمة؛ فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالاً يُعرفون عند الشدة، ويلبون عند أول دعوة، فكونوا عند العهد بكم، والله معكم.

وستجتمع الهيئة التأسيسية في نهاية هذا الأسبوع بإذن الله لتقرر رأي الإخوان فيما يجب أن تقترن به هذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله، ويستكمل بها مجده ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40)، والله أكبر ولله الحمد.

المرشد العام حسن الهضيبي

وبعد نجاح الحركة اجتمع جمال عبد الناصر بالإخوان في مبنى قيادة الجيش بمنشية البكري، وأسندت الوزارة إلى علي ماهر كما اقترح الإخوان، وتشكل مجلس قيادة الثورة من رجال الصف الأول لتنظيم الضباط الأحرار.

وتتابعت بيانات التأييد من قطاعات الجماعة وتشكيلاتها المختلفة، وجاء تأييد طلبة الإخوان "يوم الخميس 7 أغسطس 1952م بمؤتمر الجامعات الذي عقد بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة فؤاد، وحضره آلاف الطلاب والأساتذة وضباط الجيش، فلا يُتصور أن تقوم هذه الحركة الكبرى دون أن يكون للشبيبة المثقفة والطليعة الواعية صوتٌ مسموع لتأييد الحركة وتوجيهها، وكان المؤتمر موفقًا من حيث الإعداد والتنظيم، ومن حيث المواضيع التي كانت مجال الحديث فيه.

تولى سكرتارية المؤتمر الأخ الأستاذ محمود الفوال، وافتتح المؤتمر الدكتور أحمد حسام الدين السكرتير العام لجامعة فؤاد الأول، ثم تحدث فيه الأخ جمال السنهوري مندوبًا عن طلبة السودان، ومما جاء في كلمته:

"نريد نظامًا غير النظام، ومنهاجًا غير المنهاج، ودستورًا غير الدستور.. نريد دستور السماء وشريعة الأنبياء، أما أنصاف الحلول، أما التردد في كلمة الحق فلن يقيم عثرة أو يقيم نهضة".

وتقدم بعده الأخ حسن دوح، فألقى كلمةً حماسيةً ضافيةً، جاء فيها تأييدٌ لحركة الجيش الباسل تأييدًا عمليًّا بلغة الدم والحديد، والبذل بالنفيس، وتطبيق حكم القرآن، وطالب الأستاذ حسن دوح في كلمته بالإفراج عن المسجونين، والتحقيق في قضايا الشهداء حسن البنا، وعبد القادر طه، وأحمد فؤاد، وأحمد شرف الدين.. وتحدث بعده مندوب القيادة من الضباط، وألقى كلمةً قويةً قوبلت بالاستحسان.

وانتهى المؤتمر بتلاوةِ القرارات التالية:

  1. يبعث المؤتمر بتأييده للحركة المباركة التي قام بها جيشُنا الباسل، ويحيِّي اللواء محمد نجيب، ويتمنَّى له السداد والتوفيق.
  2. يحمد المؤتمرون للمسئولين اتجاههم السليم نحو الإفراج عن الشباب الواعي الذي كان في طليعة الجيش الباسل في مقاومة الفساد، وكان جزاؤهم التعذيب والسجن مع الأشغال الشاقة، ويأملون أن يتم إطلاق سراحهم فورًا.
  3. تعبئة جميع قوى الشباب وكتائب الجامعة للحركة الوطنية والنهضة الجديدة، وفتح المعسكرات التدريبية للشباب، ونطالب بعدم تسمية الجامعات بأسماء الأشخاص، ونعلن أن اسم جامعة فؤاد من الآن هو جامعة القاهرة أو الجامعة المصرية.
  4. علن المؤتمرون إصرارَهم على إجلاء القوات الأجنبية من وادي النيل، ومقاومة أي نفوذ أو ارتباط بحلف إقليمي، كما يناصرون فلسطين في محنتها، ويتمنَّون أن تُحَل قضيتُها حلاًّ عادلاً يتفق وكرامة أهلها.
  5. محاكمة مجرمي حرب فلسطين والمرتشين ومستغلي النفوذ بما يليق بهم من جزاء.
  6. إعادة التحقيق في جميع القضايا التي شوَّهها العهد البائد وحفظها لدوافع تتعارض وأحكام القانون.
  7. يبارك المؤتمر الخطوة الموفقة في جعل قانون "من أين لك هذا؟" واقعًا مطبقًا من الآن، ويأمل أن يكون قانون محاكمة الوزراء رجعيًّا حتى يتم التطهير المنشود.
  8. إلغاء ألقاب الأمراء والنبلاء من الأسرة المالكة أسوةً بباقي الشعب.
  9. تحديد الملكية الزراعية، وفرض الضرائب التصاعدية.
  10. يطالب المؤتمر بعقد جمعية تأسيسية في أقرب فرصة لوضع دستور جديد، تُحدد فيه حقوق الأمة، ويتحقق معه التوازن بين السلطات؛ بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى،

وتوضح فيه الأهداف الآتية:

  1. شروط الحاكم.
  2. مسئوليته.
  3. تنظيم قانون الانتخاب بما يضمن إجراءها في حرية تامة" (46)

كان هذا دور الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو 1952م، شاركوا في تنفيذها، وسخروا كل أفرادهم وإمكانياتهم لإنجاحها، وآثروا أن يكونوا جنودها المجهولين؛ لتفويت الفرصة على المتربصين لها من أعدائها، ثم كان لهم شأن آخر مع العسكر بعد ذلك، وليس كل ما يتمنى المرء يدركه.