رمزيات صورة عام 2008

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

رمزيات صورة عام 2008 ..... بقلم / الشيخ أبو جرة سلطاني


مقدمة

منتظر الزيدي يقذف بوش بالحزاء

تابع العالم كله مشهد صحافي عراقي شاب، وهو يقذف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بحذائه مرتين، وكان يتلفظ بكلمات دالة على أن هذا الشاب قد امتلأ –إلى درجة الانفجار- بمشاعر الكراهية على رمز رجل جعل محور سياستة الخارجية "فرض الديمقراطية" بالعسكر أو احتلال البلد بالدبابة..وكلاهما خياران مرفوضان حتى ولو كان العذر "قتل الدكتاتور" وتخليص الشعوب من الأنظمة المستبدة..ومن معجزات الأقدار أن هذه الحادثة جاءت في ذكرى اعتقال الرئيس العراقي السابق لتأكيد رمزيات كثيرة.

1- رموز ودلالات : في المرحلة الملكية الأولـى، وقبل أن تتاح حرية العبادة للرعيل الأول من الصحابة (رضي الله عنهم) كانوا يجتمعون الثلاثة والأربعة والخمسة نفر..في لحظات مخطوفة من غفلة المشركين ليتعاونوا على تجسيد خمس عبادات كانت فروض وقت، وهي :

- نقل ما نزل على الرسول (ص) من القرآن وتعليمه وحفظه..

- تفقيه بعضهم بعضا بجديد ما علمه جبريل (ع) للرسول (ص).

- أداء الصلاة في صورتها الأولى والتدرب عليها وعلى الوضوء والطهارة

- تذاكر أحوال المستضعفين وأخبار تعذيبهم على أيدي جبابرة قريش

- ملاقاة الرسول (ص) والتباحث معه في شؤون الرسالة والدعوة..

ومع أن هذه "الحريات" كانت تمارس بعيدًا عن أعين المستكبرين، ولم تكن لها أية علاقة بالشؤون السياسية و"مصالح" الكبار ومكاسبهم وشؤون ديناهم.. إلاّ أنها كانت تزعجهم وتقضٌ مضاجعهم، فكانوا يتجسسون على أصحابها ويحاصرونهم ويعلمون على منعهم من عبادة ربهم..بل ويتحرشون بهم ضحكا وتغامزًا واستهزاء بهم وبدينهم كما قال الله تعالى حكاية عنهم : "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنو يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون..".

وفي إحدى المرات تطاول أحدهم على مجموعة من المستضعفين وبالغ في التطاول وفجر في الكلام والاستهزاء فما كان من سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) إلاّ أن التقط فك بعير قد رمّ ولطمه به فشجه، ومع أن الرسول (ص) كان قد أنكر على سعد فعلته هذه وعدها بداية شؤم على الصف الإسلامي المستضعف، وقد حصل ما توقعه الرسول (ص) إلاّ أن هذه "اللطمة" كان لها ما بعدها في الاتجاهين.

فمن جهة معسكر الشرك :

- تناقلت وسائل إعلامهم هذه الحادثة وضخمتها ونفخت فيها المخاوف

- اشتد الخناق على المسلمين، وكذا العداوة والحقد والحسد واشتدت معها سياسة التعذيب والتنكيل

- تحركت مخاوف سادة قريش واتجهت الأنظار تلقاء بيت كل مسلم تفتيشا ومصادرة..

- تهيكل الشرك وتلاقت المصالح وتقاطعت المكاسب وتنادوا بالتكتل وتنكيل والثارات


أما من جهة معسكر الإيمان

بدأت المرحلة السرية تطوي أشرعتها لقدوم مرحلة من المواجهة غير المتكافئة

ضاقت الدوائر عليهم واكتشفت مواقعهم ومحاضنهم التربوية

اشتد عليهم التعذيب وبدأت أولى قوافل الشهداء تودع هذه الدنيا

بدأت الهجرة الأولى إلى الحبشة بأمر من رسول الله (ص)

تعاقدت خناصر الشرك على كتابة الصحيفة وبدأ حصار شِعب أبي طالب.

ومع أن الظاهر كان يشير إلى أن الأمور قد اشتدت وتعقدت، وأن "اللطمة" التي وجهها سيدنا سعد قد جرّت على الصف الإسلامي الويلات، وكانت سببا في حدوث كثير من القلاقل والمشكلات..إلاّ أن "بركات" هذه اللطمة ورمزياتها كانت واضحة خلال الخمس إلى السبع سنوات التالية لحدوثها..

فقد شاع خبرها، وشاع معه خبر الإسلام والمسلمين، وعرف الناس أسبابها وبواعثها فتعاطف بعضهم مع المستضعفين، وقامت حركة دعوة سرية تنشر الإسلام في كل بيت داخل مكة..بل خارجها على سكك الحج، وفي المواسم التجارية بأسواق العرب القديمة.

وصارت هذه "اللطمة" بداية لتحولات إستراتيجية مهمة بدأت بحصار الرعيل الأول في شِعب أبي طالب وانتهت بالهجرة المباركة التي طوت المرحلة المكية وفتحت باب المرحلة المدنية التي حررت المسلمين من ضحك واستهزاء المشركين بهم وبدينهم، ورفعتهم إلى مقامات عالية لم يعودا بحاجة إلى استخدام عظام الإبل وبقايا الهياكل العظمية لحيوانات نافقة بعد أن صارت لهم دولة وجيش وقيادة ومؤسسات.

هكذا تبدأ الأمور رمزية بلطمة صغيرة لها دلالاتها السياسية بعظم، أو بفك، أو "بوكزة عصا" أو "ببصقة" امرأة شجاعة على وجه جبار متغطرس (كما فعلت سمية رضي الله عنها في وجه أبي جهل) وهو المشهد البطولي لآل ياسر الذي بدأ بتعذيب سمية، وعمار، وياسر، ولما طال التعذيبتحدت سمية طاغوت قريش وبصقت في وجهه فأغمد في بطنها رمحه..وعندئذ تمايز الطريق :

لقد فتحت سمية بهذه الحركة الرمزية طريق الشهادة (كونها أو شهيدة في الإسلام) في حين فتح أبوجهل بإعدامها جبهة التحول من السرية إلى إعلان الإسلام فأسلم حمزة، وأسلم عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) وتوالت قوافل الذين "يحبون الإسلام ولكنهم يكرهون الطغيان" فلما أسلموا كانوا خيارًا في الإسلام لأنهم كانوا خيارًا في الجاهلية..وبأمثالهم سجل التاريخ لقطتين صغيرتين :

مؤمن مستضعف يلطم مشركا متغطرسا بعظم قديم رمزًا لبداية الثورة..

ومؤمنة تبصق (تحت التعذيب) على وجه جلاد لم يرحم أنوثتها..بداية للتحرر من الخوف..

وكان أول الغيث قطرة. ثم انهمرت سيول الحق لتجرف غثاء الباطل..

وبين الأمس واليوم تغيرت الوسيلة ولكن الرموز مازالت هي الرموز..

2- حذاء الزبيدي : لو استخدم هذا الصحفي الثائر مسدسه أو حمل معه حزاما ناسفا أو قنبلة انشطارية..أو حتى سلاحا للدمار الشامل..لقالت وسائل الإعلام إنه "إرهابي" خطير تمكن من مغافلة حواجز الأمن وتنكر في زي صحافي تابع للحكومة أو لأجهزة المخابرات..وتمكن من فعل فعلته التي فعلها..ثم انتهى كما ينتهي أي "إرهابي" يستخدم سلاحًا أعمى لا يفرق بين مجرم وبريء، أو بين مستهدف بالعملية وحاضر، قضاء وقدرًا، في مكان الحادث لحظة التفجير..

لقد كان حذاء الزبيدي مبصرا..ووصل إلى هدفه بدقة متناهية..

إن سعد بن أبي وقاص لم يستخدم سفينة ولا رمحه..وإلاّ لتحول إلى "محارب" لا يتعاطف معه أحد، وأن سمية لم تستخدم سكينا كانت سيفه داخل ملابسها وإلاّ لقالوا عنها مجاهدة استلت سلاحا فرد عليها قاتلها بضربة رمح دفاعا عن نفسه..وضاعت قضيتها..وأن "أطفال الحجارة" لم يستخدموا كلاشينكوف ولا (RBG) وإلاّ لقال عنهم الرأي العام "خارجين عن القانون" ومهددين للسلم والأمن الدوليين !

وكذلك لو استخدم منتطر الزبيدي سلاحًا..أو قنبلة..أو حتى كاميرا تصوير..لقالوا هو "عميل" لجهات خارجية تريد أن تفسد العلاقة بين الحكومة العراقية وصاحب الفضل عليها الذي جاء يستلم جائزة "نهاية المهمة" أو "نهاية الخدمة" من الذين أعطاهم مالا يملك، وأخذوا منه ما ليس من حقهم !؟ أو هكذا صارت القضية في فهم الشعوب. بعد أن فشلت ديمقراطية المارينز!؟

لكن العبقرية أن الرجل استخدم حذاءه (ولعله من صنع عراقي) ليبلغ للعالم كله –وعلى البث المباشر- أربع رسائل شديدة الوضوح، عميقة الدلالة، واسعة الأثر..سيكونلها ما بعدها بلا ريب :

  • أولها، أن أسلحة الدمار الشامل الحقيقية أنما تمتلكها الشعوب لا الأنظمة، وأن فردا واحدًا بإمكانه أن يستخدمها في أية لحظة ليدمر بها ركزيا كل ما "بنته" القوى العظمى خلال ست (06) سنوات، فالإهانة لم تكن لأمريكا وإنما كانت لنظام بوش! وسياسة الاحتلال التي نقلت الحرب على الإرهاب من الأفراد والمجموعات إلى الدول والمؤسسات والحكومات، حتى كادت أن تتحول إلى حرب على الإسلام تحت ذريعة نشر الديمقراطية..! لقد انهارت ديمقراطية الدبابة، وديمقراطية المواجهة، وتبددت خرافة "العدالة المطلقة" التي كانت تحلم أن يستقبلها العراقيون بالورود ففاجأها استقبال من نوع خاص : رجم بالأحذية كرسالة واضحة على أن السخط قد بلغ منتهاه، وأن على الضمير الإنساني العالمي أن يستيقظ فجر 2009 على وقع حذاء جديد!؟
  • وثانيها، أن الذي لا "يفهم نفسه" بعد سقوط 1،5 مليون من البشر (من بينهم أبناء شعبه) لابد أن يقف في وجهه من يذكره –في آخر زيارة وداع- بأن حضارة عمرها 15 قرنا لا يمكن أن يتم تدميرها بإرادة فردية تعترف للعالم –بعد فوات الأوان- بأنها بنت قرارها على معطيات مضللة وعلى معلومات مغلوطة..

فهل نعتذر لمليون ونصف من القتلى العراقيين وأمثالهم من أبناء أمريكا وأبناء الدول الحليفة للحرب على العراق بأنهم ذهبوا "ضحية" تقارير مغلوطة؟ وهل يكفي أن نقول للناس إننا كنا نمارس سياسة الدب لحماية "أبنائنا" من الذباب المزعج فطاردناه ثم رجمناه بصخور "شجت" وجوه الأبرياء، بل فلقت رؤوس "أحبابنا"؟؟


هل هذه هي نتائج الديمقراطية المنشودة في قواميس الكبار؟؟

وثالثها، أن أبلغ تعبير عن هذا "العبث" العولمي الذي لا تفسير له منذ بداية الزحف على العراق –بعد تحرير الكويت- هو هذه النهاية الرمزية التي لا يمكن الرد عليها عسكريا ولا دبلوماسيا ولا سياسيا ولا حتى قانونيا..الخ

فما هي عقوبة من رمي أحد "الزوار" بحذائه؟ وهل يوجد نص قانوني في التشريعات الأرضية "يُحرَّم" من قذف في وجه رئيس انتهت عهدته بزوج من الأحذية تعبيرًا عن الإحساس بالهوان الذي صار عليه أهله في العراق؟ وأيهما أكثر جرما وبشاعة : هذه اللقطة التاريخية التي أخطأت أهدافها المادية ولكنها أصابت جميع أهدافها المعنوية (السياسية، والحضارية، والعسكرية، واللغوية، والإعلامية، والنفسية، والأدبية، والعراقية، والأمريكية، والعربية، والإسلامية : الشيعية والسنية..الخ) فوحدت مشاعر كل المستضعفين في العالم .. هل هذه أبشع وأشنع أم "الحذاء الأمريكي" العسكري الرسمي الذي قالت كل شعوب العالم إنه كان شديد الوطأة على الشعب العراقي، منذ أن اتخذ بوش الابن قراره الانفرادي بغزو العراق واحتلاله بحجج واهية .. فعارضته شعوب العالم كله بما في ذلك الشعب الأمريكي، ولكن "بوش" وحده أصر على أن "يدوس" بحذائه كرامة كل الأحرار في العالم.

لقد عبّر هذا الصحافي أصدق تعبير ورد على العنجهية بأوضح وسيلة.


  • والرابعة والأخير : هناك رمزية سوف يفهمها العالم كله قبل نهاية هذا العالم، وهي أن السياسات العالمية لم تعد تفهم إلاّ واحدة من لغتين فقط لا ثالث لهما :

إما لغة القوة والقهر والاستبداد لتركيع المستضعفين وتجويعهم (حال فلسطين، وغزة ..إلخ)

وإما لغة تمريغ وجه الاستكبار في الهوان وما دون الهوان في وحل الأحذية! رمزيات الشعوب وحين أدرك هذا الشاب الثائر أن قلم الصحافي لم يعد يقنع أحدا بما يقال ويكتب قرر أن يكسر قلمه ويكتب ثم يوقع على آخر مقال له بحذائه، وكان أبلغ بيانا من كل ما كتبه جميع المراسلين.

سوف تتعلم البشرية درسا جديدًا خلاصته أن بعض زعماء القرن الواحد والعشرين لم يعد يقنعهم شيء لأنهم لا يقرأون ما تبثه القنوات من أنات الشعوب وصيحات المستضعفين، فقد ماتت ضمائرهم ولا يمكن لضمير ميت أن "يسمع كلا ما" وأنجع طريقة يمكن أن تردهم إلى رشدهم هي أن يكسر الصحافي قلمه ويكتب ويوقع بحذائه خبرًا صحفيا لمراسل عسكري من ساحة القتال عنوانه : صحافي يرشق رئيس دولة بحذائه.


خـاتمة : قضت حكمة الله أن تنتهي حياة الكبار عادة على أيدي الصغار، فالنمرود أنهت حياته بعوضة، وجالوت طوى أحلامه مقلاع طفل، وأمية بن خلف قتله "عبده" بلال (رضي الله عنه) وأبو جهل تداول عليه ثلاثة "أطفال"..والقائمة طويلة ومؤسفة لأنها تفتح الباب واسعا أمام إحدى نهايتين :

إما أن يتوب الاستكبار ويتواضع، ويحترم إرادة الشعوب.. وهذا هو الأصل.

وإما أن تنتهي حياته ببعوضة أو رمزية حذاء..أو انتحار في ظروف غامضة..

وسوف تتحول هذه "اللقطة" إلى صورة عام 2008 لأنها أضافت إلى مفردات الصحافة "توقيعا" جديدا أبلغ من كل مقال .. أما العالم فقد احتفظ بكثير من "صور" الطغيان والاستكبار (نموذج حصار غزة) ..ونحن نودع عاما ونستقبل عاما جديدًا ندرك أن دوام الحال من المحال، ولو دامت لغيرك ما وصلتك : "وتلك الأيام نداولها بين الناس" وقد ضمن الله التداول، ولكنه لم يحدد الكيفيات.. ليفهم الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية – وغيره من زعماء العالم- أن آخر شوط في الحياة السياسية لسلفه قد ختمت "بفردة حذاء" وأن هناك أحذية كثيرة في كل العالم هانت على أصحابها..وهم مستعدون أن "يضحوا" بها ويسيروا طوال حياتهم حفاة، ذا كان ذلك ثمنا للحرية.


المصدر : نافذة مصر