رسالتان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالتان

بقلم: الإمام حسن البنا

أما أولاهما فهى:"مهمة المسلم ورسالة الاسلام"

كثير من الناس يُدعون إلى اعتناق المبادىء والتسليم بها والانتصار لها فيجيبون الدعوة فى لهجة المقتنع وإيمان الواثق المطمئن حتى إنك لترى فى وجوههم وألسنتهم مظاهر الاستعداد البالغة وآيات الحماسة الواضحة حتى إذا طالبتهم هذه المبادىء التى اعتنقوها بالعمل لها والجد فى سبيلها وأداء حقوقها تقاعدوا عن ذلك وتجاهلوه, لأنه عمل ولأنه جهاد والعمل و الجهاد يستدعيان العناء والتضحية وهما شديدان على النفوس قاسيان على من لم يتعودهما من الناس وإنك لتجد هذا المتقاعد عن واجب مبدئه الغافل عن مقتضيات عقيدته لا يزال يصف مبلغ اعزازه لها وتفانيه فى سبيلها كأنه يخادع بذلك نفسه أو يخادع الناس.

من هذا الصنف كثير من مسلمى هذا العصر بل كثير جدا سلموا بمبادىء الاسلام وأعلنوا اعزازهم لعقائده واستمساكهم بتعاليمه واستعدادهم للعمل له ثم إذا حاسبتهم بموازين الاسلام الصحيح رأيت البون شاسعا ومسافة الخلف واسعة بين القول والعمل وهم بعد ذلك يظنون أن مجرد الدعوى يكفيهم بدون إقامة الدليل.

للاسلام رسالة واضحة جلية ونشر هذة الرسالة بين العاملين هو مهمة المسلمين ولن يكون المسلم كامل الاسلام صحيح الايمان إلا إذا قام بقسطه الأوفى فى نشر هذه الرسالة وابلاغها للناس.

الاسلام دين عام للبشر وقانون واضح مفصل يشتمل على كليات النظم التى يجب أن تسير عليها الإنسانية لدنياها وآخرتها تلك عقيدة لا خلاف فيها بين أحد من المسلمين أشارت إليها الآيات الكريمة فى قول الله تعالى: ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) " النساء : 174

,وقوله تعالى: ( هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب)"ابراهيم:52" , وأخيرا فى قول الله تبارك وتعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) "سبأ:28".

والمسلمون هم حراس هذا الدين وهم المطالبون أمام الله تبارك وتعالى بتعميمه ونشره بين الناس أجمعين ولا يكفى أحدهم أن يكون متمسكا بآداب الاسلام عاملا بتعاليمه فى نفسه فقط بل عليه أن يقوم بقسطه فى تعريف الناس واجبهم نحو الاسلام وفى ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)"البقرة:143" فالرسول صلى الله عليه وسلم شهيد علينا ومبلغ رسالة ربه لنا وأستاذ لمن تلقوها عنه من أصحابه الغر الميامين وأمته من بعده شهداء على الناس مبلغون لهم رسالة ربهم التى جاء بها نبيهم ,أساتذة لمن يتلقاها عنهم من الناس فكل مسلم فى الأرض يجب عليه أن يشعر بأنه يحمل قسطا من الجهاد فى سبيل البلاغ العام الذى جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة النبى عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه وتابعيهم من بعدهم كلها صور رائعات ترى فيها المسلمين جيشا واحدا فى سبيل نصرة الحق ونشر الدعوة وكل مسلم جندى فى هذا الجيش يجب عليه أن يقوم بقسط الجندى المخلص المتفانى.

ولهذا ندب الله المسلمين إلى العمل فى آيات كثيرة حسبك أن تقرأ منها قول الله تعالى: ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله) "التوبة:41" ولأمر ما جعل الله نفس المسلم وماله ملكا لهذه الغاية ووقفا على انتشار الدعوة واشتراهما منه بثمن غال كريم ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)"التوبة:111" وما دام فى الأرض شخص واحد لم يسلم ولم يدخل فى طاعة المسلمين فالأمة جميعا مسئولة بين يدى الله تبارك وتعالى عن سكوتها على هذا الشخص واهمالها لشأنه لأنه ضال وقد كلفها الله هدايته فلم تقم بحق هذا التكليف.

فهم السلف الصالحون مهمتهم وما ندبهم الله إليه فرأيتهم وقد نفروا كما أمرهم الله فملأوا الدنيا دينا وتقى وانصافا وعدلا وعلما ونورا وقناعة وغنى وسعادة ورخاء, وسل التاريخ ينبئك وما شهدت الانسانية عصرا كعصرهم ولا استضاءت بنور كنورهم أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده.

ذلك لأن رسالة الاسلام وتعاليمه هى المنقذ للبشرية والمشيد للانسانية والعلاج النافع لكل أدوائها وأمراضها فلا رسالة تدعو إلى السلام والوحدة والحب والأخوة والتسامح والانصاف وبناء نظام الحياة الدنيا على أدق القواعد وأكثرها مسايرة لطبائع البشر واسعاد الروح بالسمو بها إلى أرقى مدارج السمو وقد أثبت التاريخ صدق ذلك وأيده بالوقائع التى لا سبيل إلى جحودها أو انكارها.

وأما الرسالة الثانية : فتلك رسالة الأوروبيين وهداية المدنية الحديثة للناس أجمعين.

فقد طلعت أوروبا على الناس بقوتها وبطشها وفضتها وذهبها وفتنتها ونسائها ومعارفها وعلومها ومخترعاتها ومكتشفاتها ومظاهر حياتها المادية الصاخبة المزخرفة بحواشى الترف والنعيم وملأ دعاتها الدنيا صياحا وجلبة أن قد ظهر النور ومضت عصور الجهالة وانقضت عهود الضلالة وبقى على الناس أن يؤمنوا بأوروبا ونظمها وأمريكا ونظرياتها وعليهم أن يخضعوا لهذا الأستاذ الجديد الذى يريد أن ينقذ العالم من براثن الشقاء إلى بحبوحة السعادة وبهذه الدعاوى مكن الأوروبيون لأنفسهم فى بلاد لم يكونوا لينالوا منها لو لم تنخدع لهم.

ولقد فتن زخرف هذه الدعوى كثيرا من العقول واستولى على كثير من القلوب وملك على الأمم الشرقية عواطفها ونفوسها فاندفعت فى تياره وجرت فى غماره وشادات بآثاره.

ولكن رحمة الله بالبشر لم تدع هذه الفتنة حتى تعم البشرية وتهلك بها الانسانية فأظهر للناس عجزها وأعلن افلاسها . نعم ,إن المدنية الأوروبية قد أعلنت عجزها عن قيادة البشر وافلاسها فى اسعاد الشعوب وها هى صروح عظمتها تندك صرحا قصرحا وأصولها تنهار أصلا فأصلا.

فسدت مبادىء القوم السياسية فهم بين ملكية مهددة وجمهورية زائفة ودكتاتورية مقنعة أو استبدادية ساخرة وفسدت قواعدهم الاقتصادية فها هى الأزمة تأخذ بخناقهم وتمسك بتلابيبهم وهم عن علاجها عاجزون وفى مؤتمراتهم فاشلون واختلت معاهداتهم الدولية وتسرب إليها التعطيل والتأويل والتغيير والتبديل وانتقضت أسسهم الاجتماعية فلكل أمة أساس تسير عليه ولكل دولة نظام تدعو إليه وانحطت غاياتهم العلمية فالعلم الذى هو أساس سعادة البشر وأصل هناءتهم قد اتخذ سلاحا لتدميرهم وسبيلا لاهلاكهم ,وماذا أقول لك وأنت ترى وتسمع فى الصحف اليومية كل يوم ما يعلن عجز القوم وافلاسهم ذلك لأن العلة الحقيقية مستترة وهم لا يريدون أن يعترفوا بها فدعهم يتخبطون ,لابد من نهاية لهذا الحال فإما حرب ضروس تطهر نفوسهم وتذهب درن قلوبهم وتعرفهم أين الحق ليتبعوه وأين الباطل ليجتنبوه وتهيء للكتيبة الاسلامية المغلوبة فرصة القوة والظهور إن أحسنت انتهاز الفرص وإما اهتداء إلى منهج الحق وطريق الصواب وهو أبعد الاحتمالين.

والذى يعنينا من ذلك أنها فرصة سانحة للمسلم الصادق أن يتقدم بمبدئه ويلن للناس رسالته وينادى فى العالم بتعاليمه لأنها دواء الانسانية والمنقذ من مشكلات البشر الفردية والدولية.

أيها المسلم قد هيأ الله لك الفرصة فلا تضيعها واعتقد أنك بذلك تخدم الانسانية باهداء الاسلام إليها أكثر مما تخدم الاسلام بانتشاره بينها.

أيها المسلم إن الاسلام لابد أن يسود البشرلأنه العلاج الوحيد للعالم,فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض,وإن لم يكن ذلك بك فسيكون بغيرك ممن يحبهم الله ويحبونه ويجاهدون فى سبيله ولا يخافون لومة لائم فاجتهد فى أن تكون ممن يحمل قارورة الدواء للانسانية المريضة فيحمل له تاريخها أحسن الجميل ويثيبه الله أجزل الثواب.

أيها المسلم لا تستبعد هذه الغاية ولا تستصغر نفسك فى هذه المهمة فإن أحلام الأمس حقائق اليوم وأحلام اليوم حقائق الغد ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)" الأنفال:17", و ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)"البقرة:249".

أيها المسلم إن الله قد أوضح لك الرسالتين فى كتابه فقال تعالى فى الرسالة الأوروبية: ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)"آل عمران:149" , وقال فى الرسالة الالهية: ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)"آل عمران:150", ثم يبشرك بأنه سينصرك بارعب وسيؤيدك بالتوفيق والتسديد فذلك قوله تعالى بعد هاتين الآيتين: ( سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب)"آل عمران:151" فإن كنت مصدقا بالقرآن الكريم فتقدم برسالة دينك غير هياب ولا وجل والله معك يسمع ويرى ولا تضع الفرصة سدى وإن كنت غير ذلك فخير لك أن تكون صريحا