ذكرياتي مع الإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
ذكرياتي مع الإخوان المسلمين


ذكرياتي.jpg


بقلم:محمد عبد الحميد أحمد

تقديم الأستاذ / محمد حامد أبو النصرالمرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن سار على نهجه ومن والاه وبعد..

المؤمنون بالله تعالى كثيرون ولكن من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ومن هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه أخى الكريم الأستاذ المربى الرائد" محمد عبد الحميد أحمد" وما أحسبه إلا كذلك ولا أزكى على الله أحدا.

إن الأخ الكريم صاحب هذه الرسالة " ذكرياتى مع الإخوان المسلمين " هو أحد رجال جماعة الإخوان المسلمين , ومن الرعيل الأول, إذ أن أول من حمل فكرة الإخوان المسلمين واقتحم بها الجامعة المصرية " فؤاد الأول" وغزا بها قلوب الشباب وجمعهم على كلمة التوحيد فاعتزوا به واعز بهم , ومن ثم انتشرت الدعوة الإسلامية ى جميع دور العلم , وقاموا بنشرها فى حماس وفهم واستقامة على أمر الله.

إن هذا الأخ الكريم الذى حمل هذه الرسالة قد بذل فى سبيل نشرها كل غال وثمين واستطاع فى قوته وشبابه أن يلج كل المجتمعات حاملا هذه الراية دون كلل أو ملل بل إنه تعرض لكثير من المتعب والمشقات وقامت فى سبيله كثير من العقبات لكنه استطاع بفضل الله تعالى ومنّة أن يزيل العقبات وأن يجمع الصفوف ,

وأن يجعل كلمة الله تعالى هى العليا فى وقت كانت فيه الأفكار المحاربة للإسلام هى السائدة والمزودة بكثير من الإمكانات ولكن صبر الرجل وصابر وعمل فى دأب حتى لقى الله صابرا محتسبا لم يغير ولم يبذل حتى استطاع أن يورث ذلك الجيل من الشباب الذى تعتز به الدعوة الإسلامية والذى حملها بدوره إلى الأجيال التى تعاقبت.

[ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون].

إن هذه المذكرات التى بين ايدينا تحمل الكثير من الزاد والتجارب والخبرات والعلم الذى يملأ قلوب المتعطشين إلى رؤية حقيقة هذه الدعوة المباركة ويرغب فى العمل على تحقيق أهدافها.

كما أن الأخ الكريم من أوائل من نشروا دعوة الإخوان المسلمين فى العراق الشقيق حيث عمل مدرسا هناك فبذر ونمت الشجرة وامتدت فروعها هناك وإنها كما وصفها صاحبها

" روح وريحان فى ذكريات الدعوة" فعلى الشباب المتطلع الذى وهب نفسه لدعوة الله تبارك وتعالى أن يقرأ ويتمعن ويشرب نفسه وقلبه بهذه المعانى التى ساقها الكاتب الكبير بين سطورها لتكون زاد لشباب اليوم أمل المستقبل.

وقد سجلت هذه الذكريات فى شكل حوار بين فضيلة الأخ المؤلف والأخ الكريم الصحفى الأستاذ صلاح عبد المقصود فجاءت لى هذا النسق الطيب وبهذا النهج المبدع الذى جعل فى هذا الثوب القشيب المحبب للنفس.

نسأل الله تعالى أن يجعلها فى ميزان كاتبها يوم القيامة وأن ينفع بها شباب الأمة فيزدادوا بها إيمانا وقدرة على العمل والفداء ويكونوا خير خلف لخير سلف.

[ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين]

محمد حامد أبو النصر.

مقدمة

الصحوة اسلامية التى نراها اليوم جامعات مصر ليست وليدة العقدين الماضيين وإنما نبتة البذرة التى بذرت فى أواخر العشرينات من هذا القرن.

بدأت الصحوة الإسلامية فى الجامعة فى وقت كان يجثم فيه الاستعمار الإنجليزي على صدر مصر بخيله ورجله , وكان الاستعمار الفكري يجثم على عقول شباب مصر المسلم فى الجامعة.. وقتها كانت تدرس رواية " جان دارك" التى تسخر من رسول الإسلام على مرأى ومسمع من صرعى الغرب من الأساتذة المصريين الذين لم يحركوا ساكنا..

وشاء الله أن تلتقى ثلة مباركة من شباب الجامعة – على رأسها الأستاذ / محمد عبد الحميد أحمد بمجدد الإسلام فى القرن العشرين وباعث دعوته الإمام الشهيد / حسن البنا..وكنت بيعة تعاهدت فيها القلوب قبل الأيدى..

وانطلقت الكتيبة المباركة بقيادة نقيبها الأستاذ / محمد عبد الحميد أحمد .. الذى يعرف فى أوساط الإسلاميين بأبى الجامعيين.

انطلقت هذه الكتيبة المؤمنة لتصطدم بواقع الجامعة من اجتراء على رسول الله صلى الله عليه وتآمر على الإسلام وغزو لعقول أبنائه, ونشر للتفسخ والانحلال , ومحاولة للقضاء على الهوية الإسلامية وعلى غيرة الشباب وشامته..

وبدأت هذه الثلة المؤمنة تتعامل مع هذا الواقع بالحكمة والموعظة الحسنة باللين تارة وبالثورة تارة أخرى..

وما هى إلا أيام وأسابيع.. وهتف الشباب المسلم فى وجه الغازى ( الله أكبر ولله الحمد) ووقف أمام الاجتراء على رسول الله والهجوم على الإسلام يصرخ فى وجه الباطل ( نريد حرية الفكر لا حرية الكفر).

وتحت ضغط الإيمان الصادق الذى ضمته هذه القلوب استجابت الجامعة ومنعت تدريس هذه الرواية..

واضطر مؤلف الرواية إلى الاعتذار عنها, وأسس الطلاب أول مسجد لهم بالجامعة ورفع الأذان لأول مرة وهتف الطلاب:

فى سبيل الله قمنا

نبتغى رفع اللواء

فليعد للدين مجده

أو ترق منا الدماء.

ما لحزب قد عملنا

نحن للدين فداء

وانتشرت الدعوة المباركة , وبعد أن كان دعائها فى العام الأول ستة أصبحوا فى العام الثانى أربعينا, وفى العام الثالث ثلاثمائة, وفى العام الرابع عدة آلاف..

وكان غرسا أخرج شطأه بإذن ربه ...

وأعجب الزراع وأغاظ الحاقدين ..

وفى خطبة للإمام الشهيد حسن البنا فى طلاب الإخوان المسلمين من شباب الجامعة المصرية ألقيت عام 1938 قال:

" ولا يفوتنى فى مفتتح هذه الكلمة أن أحيّى تلك الساعة المباركة التى جلست فيها إلى ستة من إخوانكم منذ أربعة أعوام نتذاكر فيها واجب شباب الجامعة نحو الإسلام..

وفى نهاية العام الثانى جمع هذا الحفل أربعين من إخوانكم , وفى نهاية العام الثالث كان عددهم ثلاثمائة وها أنتم الآن فى عامكم الرابع تزيدون ولا تنقصون [ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه].

نعم لقد استطاع الستة

– بفضل من الله

– أن ينشروا هذه الدعوة بالجامعة رغم جثوم الاحتلال على صدر هذا الوطن, ورغم سيطرة الإنجليز بفكرهم وسلطانهم على الجامعة آنذاك ..

وأصبح الستة فى العام التالى أربعينا وفى العام الثالث ثلاثمائة, وعندما أقام الإخوان قسما للطلاب فى عام 1938م, دعا هذا القسم إلى مؤتمر عام بجمعية الشبان المسلمين حضره الآلاف من طلاب الجامعة وأساتذتها المهتمين بقضايا الإسلام , وتحدث فى هذا المؤتمر الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد نقيب الطلاب كما أسماه الشهيد مندوبا عن الجامعة وكان عنوانه كلمته" حاجتنا إلى الدعوة الإسلامية فى الوقت الحاضر"وانتشر المد الإسلامى بين الشباب حتى عمّ الجامعة المصرية فى الأربعينات وكان لهؤلاء الشباب دورهم العظيم فى الدعوة إلى الإسلام وخدمة قضايا الوطن والدفاع عنه على أرض فلسطين وعلى ضفاف القنال إذ قدموا كتائب الجهاد وقوافل الشهداء.

وكان أن تنبه الاستعمار الغربى لخطورة هؤلاء الشباب على وجوده فأوعز إلى تلامذته من بنى جلدتنا أن يواجهوا هذا المد ويقضوا عليه بشتى الوسائل, وبدأت المواجهات القمعية لهذا الشباب الطاهر بدءا من عام 1948,

إذ أعادوهم من ساحة الجهاد فى فلسطين ليزجوا بهم داخل السجون والمعتقلات وتحل جماعتهم ( الإخوان المسلمون ) فى 8 ديسمبر 1948 وتصادر أموالها وتغلق دورها وشعبها ومشروعاتها ثم يغتال مرشدها فى ليلة 12 فبراير 1949 فى وسط أكبر شوراع القاهرة وتقدم رأسه هدية للملك فى عيد ميلاده, وهدية للغرب باعتباره أخطر رجل فى العالم من وجهه نظر المستعمر.

وتستمر المسيرة وتأتى مواجهة 1954 ضد الإخوان المسلمين والتى قادها هذه المرة جمال عبد الناصر الذى أقسم للإخوان على المصحف أن يحكم الشريعة إذا نجح الإنقلاب بمساعدتهم ,

وبعد ما نجح الإنقلاب وتحول إلى ثورة وسيطر عبد الناصر على مقاليد الأمور سرعان ما تنكر للعهد واستجاب للمستعمر وانقلب على الإخوان المسلمين ليودع عشرات الآلاف منهم غياهب السجون, ويعقلهم على مقاصل التعذيب ويقدم قادتهم للإعدام..

ويعود النبت من جديد فى 1965 ليحاول عبد الناصر اقتلاعه مرة ثانية فيقدم آلاف الشباب لمحاكمات ظالمة تسفر عن السجن والإعدام لأطهر فئة عملت لصالح هذا الوطن.. وهكذا مرت العقود على هذه الدعوة المباركة وظن أعداؤها أن السجن والقتل والتعذيب قد أوهن من عزيمة رجالها..

ولكن نور الله باق ويأبى الله إلا أن يتمه .. فقد انتشرت الدعوة وامتدت فروعها حتى شملت كل بقاع العالم..

وأصبحت ملء السمع وملء البصر وتصدّر رجالها العمل فى سبيل الله خدمة لدينهم ولأوطانهم.. ولا زالت تعطى وتقدم البطولات على أرض فلسطين وأرض أفغانستان وغيرها وستظل رائدة لكل عمل جهادى بإذن الله.

ولعل من حق جيل شباب اليوم الذى حرم فى بعض البلاد من الوجود الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين وحرم فى بقاع أخرى من الاتصال بهذا الرعيل الذى حمل الدعوة وضحى فى سبيلها حتى وصلت مرفوعة راياتها.. بيضاء نقية..

فقدمها لهذا الجيل ليواصل المسيرة..

أقول ...

لعل من حق هذا الجيل أن يستمع إلى إخوان البنا الذين بايعوه ورافقوه ...

وحملوا الجهاد معه...

فى تجربتهم الفائدة الكبيرة لمن لم يعاصر الرجل الذى جدد دعوة وأيقظ أمة..

وهنا كان إلقاء مع واحد من هؤلاء الرعيل, رأيت أن الواجب يحتم علىّ أن أنقل تجربته إلى إخوانى الشباب..

فكان حوارا طويلا معه. نشرت جزءا منه فى مجلة لواء الإسلام , وأعيد نشره كله بعد حذف الأسئلة لأترك الحديث موجها مباشرة إلى الشباب والفتيات الذين أقبلوا على الإسلام يعملون له, ويجاهدون فى سبيله.

وأسأل الله أن يجعلنا من جنوده المخلصين.

وآخر دعوانا أن لحمد لله رب العالمين

صلاح عبد المقصود

فى قافلة الإخوان المسلمين

يقول الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد:

ولدت فى محافظة البحيرة مركز شبراخيت بتاريخ 23 سبتمبر 1911 وأبلغ من العمر 80 عاما تقريبا ونشأت فى أسرة دينية فالوالد والجد من الأزهريين وقد حصل الوالد على شهادة العالمية واشتغل بالمحاماة الشرعية فترة طويلة فى القاهرة وغيرها ثم التحق بوزارة الأوقاف إماما وخطيبا ومدرسا فى عدة مساجد ثم أحيل إلى المعاش فى سن الستين وتوفى – رحمه الله – 1971.

ودراستى بدأت فى كتاب القرية " محلة فرنوى" حفظت خلال هذه الفترة بعض سور القرآن الكريم ثم انتقلت مع والدى إلى القاهرة والتحقت بمدرسة الجمعية الإسلامية وحصلت على الشهادة الابتدائية والتحقت بعدها بمدرسة الإبراهيمية الثانوية وحصلت على الثانوية العام القسم الأدبى والتحقت بعد ذلك "

بالجامعات المصرية" كلية الآداب بقسم اللغة العربية والدراسات الشرقية " التركية والفارسية والعبرية" وتخرجت من الكلية سنة 1938 وعينت مدرسا فى مدرسة

" الإخوان المسلمين" بالإسماعيلية بعد فترة قضيتها سكرتيرا لتحرير مجلة النذير" وكان رئيس تحريرها المرحوم الأستاذ " صالح عشماوي".

فى مدرسة الإخوان المسلمين

وقضيت بمدرسة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية مدة عامين كنت فى العام الأول مدرسا للغة العربية والتربية وكان أكثر العاملين بهذه المدرية من الإخوان وفى العام الثانى عيّنت ناظرا للمدرسة وقد ركزت المدرسة عنايتها واهتمامها بالتربية الإسلامية العملية وذلك بتشجيع التلاميذ على حفظ القرآن الكريم وتقديم الجوائز السخية للممتازين منهم فى الأخلاق والسلوك.

وبالرحلات الهادفة والدروس لعامة والتوجيهات الإسلامية فى المساجد والأندية وتدريب الطلاب على الخطابة وكان زى التلاميذ موحدا وهو الزى العسكرى, وكان كل تلميذ يحمل فى جيبه المصحف الشريف شعارا له, وبعد نهاية دروس يوم الخميس من كل أسبوع يخرج التلاميذ من مدرستهم صفوفا منتظمة بعد تدريب عسكرى بارع رائع بقيادة شخصية عسكرية من إخوان " أبو صوير " الأخ" على خليل "

فكان يجوب بهم شوارع الإسماعيلية وأحيائها الإفرنجية وكان الجماهير من حولهم يكبرون ويهللون عند مشاهدتهم هذا المنظر العسكرى الرائع, وكان الموظفون فى المؤسسات والمصالح يدعون مكاتبهم ليروا هؤلاء الأشبال المسلمين وهم يحملون مصاحفهم ويسيرون سير الجند الشداد والمجاهدين الأبرار فى خطىّ منتظمة وعزائم مشتعلة وتكبيرات داوية وأناشيد حماسية هادفة.

ومن أجمل الذكريات فى هذه المدرسة أن أحد تلاميذى سأل زميله بعد سماع درس حول الرقابة الإلهية والتى تتجلى فى قوله تعالى ( وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) سأل تلميذ زميله خلال الفسحة المدرسية: هل فهمت درس الأستاذ فى الرقابة؟

قال: نعم طبعا, قال :

فأجبنى عن هذا السؤال كم عددنا أنا وأنت؟ أجاب التلميذ إثنان. فأجاب التلميذ : إن إجابتك هذه تدل على أنك لم تفهم الدرس. فقال الزميل: عجبا وهل واحد + واحد يساوى غير اثنين يا صاحبى؟

فأجابه : نعم لقد نسيت ثالثا, قال :

ومن هو ؟

قال: الله سبحانه وتعالى.

ووظيفتى الأخيرة إلى سنة 1985 كانت وظيفة محاضر فى كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى " بمكة المكرمة" وقد قضيت بهذه الجامعة مدة سبع سنوات مدرسا لأحاديث الدعوة والعقيدة ثم أخيرا مدرسا لمادة الثقافة الإسلامية للمستوى الأول والثانى والثالث وكان أكثر تدريسى للمستوى الأول " العقيدة" حسب رغبة رئيس القسم وحسب اختيارى لأهميته فى التوجيه والتربية المنشودة للشباب المسلم.

وكان من ضمن الأسئلة التى قدمتها لطلابى فى الاختيار التحريرى هذه الكلمة المأثورة لإمامنا الشهيد فى هذا السؤال :

اشرح هذه العبارة شرحا تفصيليا ومن قائلها:" لا رابطة أقوى من العقيدة ولا عقيدة أقوى من الإسلام".

ما قبل الإخوان

سألت الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد , عن بداية صلته بجماعة الإخوان المسلمين .

فقال:

تعرفت على الإخوان منذ أكثر من نصف قرن سنة 1933 وأنا طالب فى كلية الآداب وقبيل تعرفى على الإخوان كنت افكر مع مجموعة من زملائى الطلاب ومن بينهم الدكتور " محمد جمال الدين أفندى"

الأستاذ بكلية العلوم والأستاذ المعروف فى مصر والبلاد الإسلامية بثقافة العلمية فى الفلك والأرصاد الجوية وله مؤلفات عظيمة فى هذه الموضوعات ويعد من طلائع علماء الكون والفلك فى العصر الحديث.

وكنا نفكر فى تأليف جماعة إسلامية من الشباب المثقف وسميناها جماعة " شباب الإسلام" واتصلنا ببعض المفكرين والعلماء لنعرض عليهم فكرتنا ومشروعنا الجديد وذلك لننتفع بتجاربهم وآرائهم فى تأليف هذه الجماعة وكان من أشهر هؤلاء العلماء

الشيخ " طنطاوى جوهري" كتاب" الجواهر فى تفسير القرآن الكريم" الذى قدمه إلى مؤتمر الأجناس فى أوائل القرن العشرين وكتاب " أحلام فى السياسة"أصبحوا وكتاب " نظام العالم والأمم " وغيرها واسمه معروف أشارت إليه دوائر المعرف الأجنبية وقد عاصر الشيخ الجليل حركة أحمد عرابى وجمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده, والحركة الوطنية التى قادها الزعيم مصطفى كامل ومحمد فريد وقد زرنا فى صحبة من جماعتنا

" شباب الإسلام" هذا الشيخ فى منزله بحى البغالة قرب السيدة زينب وكنا ستة طلاب يمثل كل واحد منا كلية من كليات الجامعة من آداب وعلوم وزراعة وتجارة وحين سألنا الأستاذ عن أسمائنا ومعاهدنا تملكه العجب والإعجاب واهتز هزة الفرح والإكبار وقال :

" لقد فتحت مصر" وذلك عندما علم أن حضورنا إليه بقصد تزويدنا برأيه فى تكوين جماعة إسلامية ناجحة والوسائل التى يجب اتخاذها لتحقيق هذه الرغبة الإصلاحية وقد كان الشيخ فى ذلك الحين رئيسا لتحرير مجلة " الإخوان المسلمين"

وكان مصدر إعجاب الشيخ بنا أننا نطالب بتكوين حركة إسلامية ولم نكن من شباب الأزهر الشريف المختص بالدراسة الإسلامية فى الفقه والتفسير والعقيدة والشريعة واعتبر إقبال شباب الجامعة المصرية على العمل للإسلام دليلا على فتح جديد ونصر جديد للدعوة الإسلامية.

وقد حدثنا الشيخ مستفيضا عن حركة " أحمد عرابى" وصحح لنا أسبابها ونتائجها وأخطاءها التى أدت إلى فشلها الذى يرجع إلى اعتمادها على الحماسة الوطنية دون التربية الإسلامية والوعى القومى العام , وهذا ما دعا الشيخ " محمد عبده "

إلى عدم الاشتراك فى هذه الثورة لاعتقاده أنها لا تقوم على وعى شعبى وتربية إسلامية فاتهمه العرابيون بالتخاذل والجبن وأعلنوا ذلك فى الصحف.والمجلات .

وتحدث بعد ذلك عن حركة الحزب الوطني الذى أسسه الزعيم " مصطفى كامل " وكيف كان مصطفى كامل شابا يتدفق حماسة وغيرة وإخلاصا لمصر.

ونجحت حركته إلى حد كبير فى توعية الشعب المصرى بتاريخه المجيد ولا تنسى مصر دفاعه عنها فى حادث دنشواى الذى أدى إلى عزل اللورد كرومر فرعون مصر الذى كان الحاكم الأكبر المسيطر على سياستها وثقافتها واقتصادها.

وبعد ذلك انتقل الشيخ إلى موضوع الزيارة التى جئنا من أجلها وهى أرشادنا وتوجيهنا إلى طريق العمل الناجح للدعوة الإسلامية.

كانت خلاصة كلمته لنا نصيحته لنا بعدم القيام بالعمل للإسلام وحدنا وذلك لعدم خبرتنا وضعف تجاربنا فى الحياة وكان هذا عكس فكرتنا حيث كنا لا نحسن الظن بالجماعات الإسلامية التى كنا لا نرى لها تأثيرا واضحا فى المجتمع المصرى وكان يرى أن قيامنا وحدنا بالعمل للإسلام يكفلنا ما لا نطيق من الأعباء المالية فى اتخاذ مركز ملائم لدعوتنا وفى إصدار المجلات والرسائل والكتب التى تبشر بهذه الدعوة وتعلن عنها فى قوة.

وقد دعانا إلى الإنضمام إلى الإخوان المسلمين, تلك الجماعة التى تعتمد على الإسلام دينا ودولة وعبارة وتعتمد على التربية لا على الكتب والنظريات وحدها بل التربية العملية بالرحلات والكتائب والدعوات الفردية والجماعية فى المساجد والندية.

وتحدث لنا الأستاذ بعد ذلك عن شخصية مؤسس هذه الحركة الناجحة وهو الإمام الشهيد " حسن البنا" وكانت حركة بدأت فى مدينة الإسماعيلية وكيف أنشأ فى هذه المدينة التى كان يسيطر عليها المعسكر البريطانى والشركة الفرنسية أنشأ مدرستين إحداهما للبنين وأسماها " معهد حراء"

الإسلامى والأخرى للبنات وأسماها معهد" أمهات المؤمنين"

وقد اختار لهذين المعهدين أكفأ المدرسين والمدرسات أخلاقا وخبرة بأساليب التربية والسلوك وقد أهم الإمام بأسلوب التربية فى هذين المعهدين وذلك فى توحيد الزى الإسلامي المميز والذى يتجلى فيه شعار الإسلام بحمل المصحف وأداء الصلاة فى أوقاتها وكثيرا ما يخرج بتلاميذه إلى حدائق الإسماعيلية الغناء ويلقى إليهم دورسه بين هذه الحدائق متحررا من جدران المدارس وقيودها وينتهى الدرس لكن بصوت التكبير المستمد من الأذان لا يدق الأجراس المستمد من الكنائس.

ثم تحدثنا عن شخصية الأستاذ / حسن البنا وقال إن الزعماء الذين عاصرتهم فى حياتى أحد رجلين:" سياسى" حظه من الإسلام قليل أو زعيم " دينى" حظه من السياسة يسير ولهذا لم تنجح الحركات الإصلاحية فى مصر لعدم اكتمالها لعناصر النجاح.

ولكن شخصية الإمام " البنا" تجمع بين هاتين الظاهرتين الدينية والسياسية فهو فقيه ممتاز فى ثقافته الدينية يتجلى ذلك فى رسائله التى ألفها مثل كتاب " العقائد" وقد تولى تحرير مجلة " المنار"

التى يديرها السيد " رشيد رضا" بعد وفاته وحمل لواء الدعوة الإسلامية بعده وقد زكاه شيخ الأزهر " محمد مصطفى المراغي " ورأى أنه خير من يجمل لواء الدعوة بعد الشيخ" رشيد رضا" لما امتاز به من سعة الأفق وفهم الإسلام على طريقة السلف الصالح.

وقد أخذ الإمام الشهيد – رحمه الله – يفسر القرآن الكريم فى " المنار" بأسلوب جذاب رائع على نهج سلفى سلكه الشيخ" رشيد رضا" مستكملا ما انتهى إليه من تفسير تحت عنوان " إلى الميدان من جديد" وقد صدر من مجلة المنار عدة أعداد, ثم صدر أمر بمصادرتها خلال الرب العالمية الثانية وذلك فى سنة 1940 وكان من أعظم البحوث التى نشرها الأستاذ الإمام فى المنار رأيه فى آيات الصفات ورأيه فى استحضار الأرواح, وقد تقبلنا دعوته فى الانضمام إلى " الإخوان المسلمين".

أول لقاء بالإمام البنا

يقول الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد عن اللقاء الأول الذى جمعهم بالإمام الشهيد حسن البنا:

لقد كتب الأستاذ الشيخ طنطاوى وهرى بعد انتهاء زيارتنا له سنة 1933 رسالة الأستاذ حسن البنا يحدثه عن جماعتنا ورغبتنا الانضمام إلى الإخوان فرد الأستاذ البنا على هذه الرسالة وقد كان فى رحلة إلى المحمودية وشبراخيت ردا يعبر عن سروره البالغ بهذا النبأ الجديد بانضمام هذه الكتيبة المؤمنة من شباب الجامعة وحدد يوما للقائه معنا بمنزل الشيخ طنطاوى فالتقينا فى الموعد المحدد وتحدث إلينا فى هذه الجلسة الخالدة حديثا لا أنساه فى الدعوة الإسلامية وسر عظمتها وخلودها بروح الداعية القدير لا بثقافة الواعظ الأجير...

بروح يصبها فى أرواحنا شعاعا وهاجا يحرك مشاعرنا ويهز وجداننا ويكشف لنا سبيل العمل للدعوة الإسلامية وكيف عاش هو لهذه الدعوة جنديا مخلصا ورجل عقيدة لا رجل غنيمة مما شرح صدورنا جميعا وبايعناه على العمل تحت راية القرآن فى هذه الدعوة راضين مستبشرين ولقد صدقت شهادة الشيخ طنطاوى فى الإمام حين قال لنا إنه يجمع بين " قلب علىّ وعقل معاوية".

وقد اختارنى زملائى فى هذه الجلسة مسئولا عنهم وسمانى الأستاذ الإمام " نقيب الطلاب" وحدد لنا موعدا للقائه فى منزله الخاص المتواضع فى أحشاء القاهرة كما كان يسميها فضيلته فى حى السروجية عطفة نافع بك فاجتمعنا به فى الموعد المحدد وكان قد أعد لنا حفل شاى وكنا سبعة طلاب وكان معه عشرة من الإخوان أذكر منهم شقيق الأستاذ الإمام عبد الرحمن البنا والشيخ مصطفى الطير والحاج محمد شلش وتناولنا الشاى والحلوى فى هذا الحفل الإخوانى اللطيف .

وبعد انتهاء الحفل انتقلنا إلى غرفة الجلوس بدار الأستاذ وأخذ الأستاذ الإمام يتحدث لنا عن الدعوات الماضية فى العصر الحديث كحركة جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وحكة المهدى بالسودان وحركة السنوسية بليبيا وعن القائد الباسل عمر المختار وموقفه من المستعمرين الإيطاليين ويتحدث بإيجاز عن هذه الحركات ويبين عناصر نجاحها وأسباب فشلها.

ثم اجتمع بالطلاب بعد نهاية الحديث ودعانا إلى الحضور إلى منزله كل يوم خميس لنصلى المغرب جماعة ويتحدث إلينا بعد صلاة لمغرب حول الدعوة الإسلامية وبدأ بدراسة القرآن الكريم باعتبارهم عجزة الإسلام الكبرى وأساس الدعوة الإسلامية فيتحدث عن أسلوبه وموضوعاته وإعجازه.

وكنا نحضر كل يوم خميس ونحرص على حضور محاضرات الإمام الشهيد بعد صلاة المغرب وندعو من نتوسم فيه الخير من زملائنا الطلاب كل فى كليته فكان كل خميس يزداد عدد الحاضرين من الطلاب عن الخميس الذى مضى.

وبعد ذلك انتقل الأستاذ الإمام إلى تاريخ الدعوة الإسلامية والأسلوب الذى اتبعه الرسول عليه الصلاة والسلام فى نشر الدعوة والمحن التى صادفته فى الدعوة وكيف صبر المؤمنون على هذه المحن الجسام وثبتوا على الإسلام وضربوا الأمثال فى البطولة والتضحية رضوان الله عليهم

الإخوان المسلمون فى الجامعة

  • الأساتذة الإنجليز يعترضون على إنشاء شباب الإخوان لمصلى بكلية الآداب وعميد الكلية يشجع الشباب ويهديهم سجادة مكتبه.
  • الطلاب يفاجئون بسماع الأذان لأول مرة فى الكلية التى كان يسيطر عليها الإنجليز.
  • شباب الإخوان يثورون احتجاجا على كتب برنارد شو المقررة على قسم اللغة الإنجليزية والتى تتضمن الإساءة والتجريح لشخصية النبى صلى الله عليه وسلم.
  • برناردسو يعتذر ويقول:

إننى شخصيا أحترم محمد رسول الإسلام وقد أشرت إلى ذلك فى كثير من مقالاتى, والشتائم التى ذكرتها فى روايتى لم تكن رأيى الخاص وإنما على لسان شخصية أخرى.

الإخوان المسلمون داخل الجامعة

يقول الأستاذ/ محمد عبد الحميد أحمد:

كنا فى الجامعات نتوسم الطلاب الصالحين منهم فندعوهم إلى حضور المحاضرات الإسلامية بدار الأستاذ الإمام رحمه الله ومما ساعدنا على التعرف على هؤلاء الطلاب الصالحين حرصنا على إقامة مصلىّ بكل كلية من كليات الجامعة وأداء صلاة الظهر والعصر أحيانا فى محاضرات بعد الظهر فيقبل على الصلاة الشباب المؤمن فندعوه إلى الإخوان فيستجيب لنا أكثرهم بحمد الله وقد قمت بهذا الجهد فى كلية الآداب فاتصلت بالأستاذ العميد الدكتور منصور فهمي – رحمه الله – وكان معى الزميل عبد المحسن الحسيني وهو أول طالب استجاب لدعوتنا من كلية الآداب وبعده الزميل عبد الحكيم عابدين – رحمه الله – وبعد ذلك أقبل الكثير على الانضمام مثل الأخ إبراهيم العزبي والأستاذ محمد محمود السيد غالي بقسم اللغة الإنجليزية والأستاذ عبد المحسن شربي بقسم التاريخ وغيرهم.

ولما زاد عدد شباب الإخوان من الطلاب رأينا الاجتماع بدار المركز العام فى ميدان العتبة الخضراء تحت لوكاندة البرلمان وكان الاجتماع بعد صلاة المغرب من يوم الخميس ونستمع إلى محاضرة الإمام الشهيد فى موضوعات الجهاد فى الإسلام والإخوة فى الإسلام والقوة فى الإسلام.

وفى سنة 1938 فكر الأستاذ المرشد – رحمه الله – فى تكوين ثلاث كتائب من شباب الجامعة يوم الأحد الكتيبة الأولى, يوم الثلاثاء الكتيبة الثانية, ويوم الخميس الكتيبة الثالثة, ووضع لها نظاما ومناهج تربوية غاية فى الدقة والروعة.

وكان العمل الإسلامي داخل الجامعات يعتمد على جهود للكليات وكنت مندوب كلية الآداب وقد رأيت وزملائى عبد المحسن الحسيني وإبراهيم العزبي وعبد الحكيم عابدين أن نتخذ فى كليتنا مركزا للدعوة هو مصلى نجتمع فيه بالطلاب وندعوهم فيه بعد أداء الصلاة إلى العمل معنا للدعوة إلى الإسلام تحت قيادة الإخوان.

وقد وفقنا فى اختيار غرفة مناسبة مقابل دورة المياه بالكلية يستعملها أساتذة قسم اللغة الإنجليزية من الإنجليز لحفظ أروابهم الجامعية فتوجهنا نحن الأربعة إلى عميد الكلية الدكتور منصور فهمي وطالبناه بالسماح لنا باتخاذ هذه الغرفة مصلى نؤدى فيها الصلاة جماعة بعد انتهاء المحاضرات فما كان من العميد إلا أن وقفا محييا لنا

هذا الطلب الكريم وحيا فينا هذا الاتجاه الإسلامى الشريف وتفضل علينا بتقديم سجادة غرفته الفاخرة القديمة مكتفيا بالسجادة الجديدة وشكرنا لعميد على هذا اللقاء الجميل والهدية الثمينة التى أهداها لنا والثناء العطر الذى أثناه علينا.

وأعددنا المصلى إعدادا حسنا وذلك بوضع حاجز خشبى أمام المصلى وشراء بعض القباقيب " للوضوء والمناشف والشماعات لتعليق الجاكتات" عليها وثار الأساتذة الإنجليز على هذا العدوان فى نظرهم واعتبروا هذا العمل من جانبنا احتلالا! وذلك لأننا لم نستأذنهم ولكننا لم نحفل بهذه الثورة الهوجاء واعتبرنا عملنا استردادا لحقنا لمغصوب ولن يكون لمسترد لحقه معتديا ولا مغتصبا.

وبعد إعداد المصلى وتحديد القبلة قمنا بشراء بعض وكتب الفقه والشريعة ورسائل الإخوان ووضعها فى دولاب خاص داخل المصلى, وقد فوجئت الكلية قبل انصراف الطلاب بأذان الظهر بصوت داو غريب على أسماعهم فى هذه الكلية التى كان يسيطر عليها الإنجليز

بما كانوا يصنعونه لطلابهم بقسم اللغة الإنجليزية من مناهج تتعارض مع عقيدتنا وآدابنا وكانت عطلتهم الأسبوعية يوم الأحد ولم يكن بين المدرسين فى هذا القسم مدرس مصرى واحد وكانوا يشجعون الطلاب الذين يتأثرون بسياستهم وينتهجون نهجهم فى الأفكار والمبادئ والتقاليد بالمكافآت السخية والسفر على حساب القسم إلى انجلترا لاستكمال غزوهم الفكرى وكان من أبرز هؤلاء الطلاب الطالب لويس عوض الكاتب المعروف بتمجيده الحضارة الغربية وتجريح المبادئ الإسلامية وأبطال العروبة والإسلام وذلك على نهج سلامة موسى وطه حسين وغيرهما من صرعى الغرب وعملائه.

ثورة داخل الكلية

وقد حدث فى هذا العام 1938 حادث الثورة على الكتب المقررة فى قسم اللغة الإنجليزية وهو كتاب " جان دارك" وأحاديث خيالية للكاتب الإيرلندى المشهور ط برناردتشو" تناول فيه شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام تناولا يتضمن الإساءة والتجريح وإن كانت هذه فى صورة حوار بين اثنين ولكن القارئ لهذا الحوار يحس روح المؤلف فى السخرية والاستهزاء بالرسول عليه الصلاة والسلام وذلك لأن التجريح فى هذا الحوار لم يقابله من الطرف الآخر فتجلى لتجريح مسيطرا على أسلوب الكاتب فى هذا الحوار وقد رأيت إزاء هذين الكتابين أن أتقدم باسم طلاب الإخوان المسلمين وقسم اللغة الإنجليزية ولم يكن معنا فى الواقع إلا شباب الإخوان فقط من جميع الأقسام ولكننا تكلمنا باسم القسم كله لتعزيز طلبنا فما كان من الأستاذ العميد طه حسين إلا أن تعجب من هذه الثورة التى لا محل لها فى نظره قائلا:

إن طريق الدفاع عن الإسلام لا يكون بالثورة وإنما يكون بالرأى والإقناع فأجبته – ونشرت ذلك مجلة الإخوان – قائلا :

له إن الإقناع بالرأى والإقناع إنما يكون عند مقابلة الرأى بالرأى والفكر وإنما يعالج بالإحتجاج والثورة وهذا الذى قمنا به إزاء هذه الشتائم والإهانةات التى تثير المشاعر فهى كمن يصفع خصمه بيده فهل يدفع المصفوع نفسه بكلمة من الكلمات أو برأى من الآراء ؟

أم يدفع بصفعة أقوى وأردع؟

نجاح الثورة الجامعية

وقلد نشرت الصحف المصرية وعلى رأسها صحيفة المصري والأهرام أنباء هذه الثورة الجامعية وسرت أنباء هذه الثورة فى المعاهد والجامعات فقامت كلية أصول الدين بالجامع الأزهر بمظاهرة كبيرة محتجة على تقرير هذه الروايات الآثمة الطاعنة فى ديننا وعقيدتنا ورسولنا عليه الصلاة والسلام وكذلك بقية المعاهد الزهرية وقامت بعض المدارس الثانوية ومن بينها المدرسة الفاروقية بالزقازيق وغيرها بمظاهرات تهتف بسقوط الاستعمار الفكرى وتهتف :

نريد حرية الفكر لا حرية الكفر وتهتف:

نحن للإسلام قمنا

نبتغى رفع اللواء

فليعد للدين مجده

أو ترق فيه الدماء

وقد نجحت هذه الحركة المباركة بعد أن أسمعت القاصى والدانى فى جميع أنحاء القطر المصرى بل وتجاوزت القطر المصرى إلى الخارج فسمعنا وطالعنا فى الصحف المصرية دهشة المؤلف " برنارد شو"

من ثورة الطلاب على روايته " جان دارك" وقال إننى شخصيا أحترم محمد رسول الإسلام وقد أشدت به فى كثير من مقالاتى وإن الشتائم التى ذكرتها فى روايتى لم تكن رأيى الخاص وإنما هى على لسان شخصية أخرى فى الحوار تعبر عن رأيها الخاص فى هذا الرسول وإنى لا أحاسب الطلاب على ثورتهم على هذه الرواية وإنما أحاسب أساتذتهم الذين عجزوا عن تفهيمهم مضموم هذه الرواية!

ثم عقب على هذا بقوله الهزيل المتهافت:

ويكفى فخرا لمحمد فى روايتي أنى شبهته بالقديسة " جاك دارك" وهذا مبلغ تعظيمه لرسولنا العظيم كما يدعى أن يشبهه بجان دارك فيا للمهزلة ويا للإسفاف !

وقد نجحت هذه الحركة باجتماع مجلس الكلية ومناقشتهم هذه الثورة الجامعية وعلى الرغم من أنهم اعتبروها ثورة على غير أساس لأن المؤلف فى نظرهم لا يقصد الإهانة للرسول وإنما هى مجرد حوار يمثل روح العصر الصليبى إلا أنهم اضطروا إلى إلغاء تدريسها بقسم اللغة الإنجليزية خضوعا للرأى العام وثورة الطلاب الجامحة.

ولا ننسى فى هذا المقام الدكتور" محمد محمود غالي" رئيس قسم اللغة الإنجليزية السابق بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية فهو الذى قام بترجمة بعض فصول رواية" جان دارك"

مشيرا إلى الفقرات الخاصة بالطعن فى الرسول عليه الصلاة والسلام فى هذه الرواية فله منا الشكر , والشخصية الثانية التى تستحق منا الشكر هو الأستاذ " الغمراوى"

الصحفى بجريدة المصرى آنذاك فقد استقبل وفد شباب الإخوان أحسن استقبال ونشر احتجاجهم على تقرير هذين الكتابين بقسم اللغة الإنجليزية تحت عنوان :

تدريس الطعن فى النبى الكريم فى كلية الآداب وهذا المقال هو الذى أثار ثائرة الرأى العام فى مصر , وذلك لأن جريدة المصرى كانت جريدة وفدية لها شعبيتها الواسعة فى مصر وكان المحرر" الغمراوى موفقا فى كلمته الخاصة تحت هذا العنوان فهو لم يكتف بنشر الاحتجاج وإنما كتب كلمة مستفيضة بأسلوبه الصحفى الممتاز يعيب على المسئولين بالجامعة تقرير مثل هذه الروايات لشبابنا المثقف.

بعض الطلاب المنحلين والحزبيين كانوا يسخرون من طلاب الإخوان المسلمين وينظرون إليهم على أنهم صنف غريب كان ينبغى أن ينتمى إلى الأزهر لا إلى الجامعة المصرية.

• المؤتمر العام لطلاب الإخوان المسلمين انعقد فى سنة 1938 وحضره آلاف الطلاب وأستذة الجامعة المهتمين بالقضايا الإسلامية.

• قصة انشقاق بعض الشباب عن جماعة الإخوان ونظرتهم لأنفسهم على أنهم هم الإخوان فى مثلهم الأعلى وأن سائر الإخوان ما هم إلا أشباح وصور وهياكل.

• سألت الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد عن العوائق التى قابلتهم فى بداية الطريق فقال:

• لم تصادفنا عوائق بارزة فى دعوتنا إلى الإخوان داخل الجماعة فى بداية الدعوة إلا ما كنا نسمعه من الطلبة المنحلين والحزبيين من تهكم وسخرية من دعوتنا الإسلامية التى كانوا يعتبرونها دعوة رجعية لا تصلح للعصر الحديث وقد سمعنا من بعض هؤلاء الشباب أننا صنف غريب ما كان ينبغى أن ننتمى إلى الجامعة المصرية ولكن أولى بنا الإنتماء إلى الأزهر والجيل القديم.

• ولكن بعد حادث الثورة على الكتب بدأت الدعوة تنتشر بين طلاب كلية الآداب وجميع الكليات الأخرى وقد قام بعض أساتذة كلية الآداب بعمل تحقيق حول ثورة الطلاب على الكتب وكان من بين الطلاب الطالب " عبد العزيز كامل" وزير الأوقاف الأسبق وقد شعرت اللجنة بروح جديد يسرى بين الطلاب الكلية لم يكن معروفا من قبل ذلك هو روح الإخوان المسلمين الذى دفع شباب الكلية إلى الثورة على الكتب المقررة وقد علمت أن مثل هذه الآراء وأشنع منها كان يدرسها الطلاب من قبل ولم يثر أحد ولم يعترض أحد وقد دهش المحقق الدكتور "محمد عوض"

وهو يحقق مع الطلاب المتهمين بهذه الثورة وكان مما قاله وهو يتعجب كيف يثور طالب ينتمى إلى جماعة إسلامية على كتب مقررة مهما يكن فيها وعهدنا بالمسلم الملتزم تعوّده أن يصبر على ما يصيبه ولا يثور ثورة الشباب الطائش ويحتج هذا الاحتجاج الصاخب وهكذا كان رأى المحقق فى الشخصية المسلمة التى يراها فى نظره مثالا للاستكانة والصبر على اللطمات والإهانات!

وقد افلت أنا من هذا التحقيق بسبب تخرجى من الكلية هذا العام 1938 وعدم الانتساب إلى وظيفة رغم كونى أول المسئولين عن هذه الثورة ولله الحمد.

ولا أذكر أننا اصطدمنا بأحد من المنتسبين إلى الوفد أو حزب مصر الفتاة أو غيرها لسبب بسيط هو أنه لم يكن لهذه الأحزاب مجموعة منظمة كالإخوان داخل الجامعة.

مؤتمر الطلاب

وقد كان عام 1938 حافلا بالأحداث الجسام فقد أقام الإخوان فى قسم الطلاب مؤتمرا عاما بجمعية الشبان المسلمين وأعلنا عنه فى الجرائد وطبعنا بطاقات للدعوة إليه ودعونا الصحفيين والمصورين ومندوبى الجمعيات الإسلامية وأساتذة الجامعة المهتمين بالقضايا الإسلامية لحضور وقد زخرت قاعة جمعية الشبان العامة للمحاضرات بعدة آلاف من الطلاب والأساتذة وقد تكلمت أنا مندوبا عن الجامعة

" كلية الآداب" كلمة عنوانها " حاجتنا إلى الدعوة الإسلامية فى الوقت الحاضر " وقد كلفنى الإمام الشهيد بإلقاء هذه الكلمة باسم الجامعة وقد انتابنى شعور بالرهبة والهيبة فى وقوفى خطيبا فى مثل هذا المؤتمر الكبير الجامع لآلاف الطلاب والأساتذة الجامعيين ورغبت فى أن ينوب عنى فى إلقاء هذه الكلمة أخى" محمد فهمي أبو غدير" الطالب بكلية الحقوق وذلك لتفوقه فى الخطابة وقد أقنعته بذلك فاقتنع الأخ مشكورا بهذا الراى ثم عاد بعد عدة أيام قبيل انعقاد المؤتمر العام للطلاب يعتذر عن عدم رغبته فى إلقاء هذه الكلمة ولما سألته عن السبب فى هذا الاعتذار أجابنى :

إنى خشيت على نفسى الغرور ووجدت نفسى تتمثل النجاح الباهر فى إلقاء هذه الكلمة وسوف أكون موضع الإعجاب والإكبار من الجمهور المستمع لى فى هذا الحفل الكبير فأحببت أن أؤدب نفسى بحرمانها من هذه الشهوة النفسية الخفية شهوة حب الثناء والإكبار ثم سألنى وما يمنعك من إلقاء كلمتك أنت؟

قلت خشيت عدم التوفيق فى إلقاء هذه الكلمة وأرى نفسى دون هذا المقام التحدث فى هذه الجموع الكثيرة من الشباب فأجابنى إجابة شفت صدرى ودفعتنى إلى إكبار هذا الأخ الكريم فى قوله"

لقد حرمت نفسى من شهوتها فى إلقاء هذه الكلمة وعليك أن تجاهد نفسك بإلقائها فتحارب فى نفسك نزعة الرهبة وخشية نقد الناس وبذلك ينتصر كل منا على نفسه.."! وذكرتنى هذه الحادثة بموقف سابق للإخوان فى بداية الدعوة حيث انتقل مركز الدعوة من بيت كبير إلى بيت صغير فقال أحد الإخوان للإمام" أذلة بعد عزة يا استأذنا"؟

فأجاب الإمام الشهيد:

" بل تواضع بعد كبرياء".

وقد انتهى الأمر بقبولى إلقاء هذه الكلمة وحالفنى التوفيق فى إلقائها بحمد الله وقد تكلم الأستاذ " حامد شريت" عن معهد " دار العلوم"

كلمة طيبة حول الدعوة وقد كان موفقا فى إلقائه وفيما تناوله من موضوع الكلمة كما تكلم مندوب كلية اللغة العربية الشيخ" محمد نايل"

ومندوب كلية الشريعة الأستاذ " الجنيدى جمعة" وكانا موفقين فى الإلقاء واختيار الموضوع ولله الحمد.

وبعد ذلك نهض الإمام الشهيد فألقى كلمة رائعة حول موضوع الإسلام والسياسة وقد كان موفقا كل التوفيق فى هذه الكلمة وتوضيح معنى السياسة واعتبر السياسة جزءا

لا يتجزأ من الإسلام وضرب الأمثال من التاريخ الإسلامى فى مختلف مراحله لتأييد هذا الرأى الجرئ وقال إن كل جماعة تصرح فى مبادئها أنها لا تتدخل فى السياسة هى جماعة لا تمثل وعليها أن تدرس الإسلام من جديد! وتفهمه من جديد...

وانتهى هذا الحفل الباهر ونجح هذا المؤتمر بحمد الله نجاحا عظيما فى نشر مبادئ الدعوة وأطلق ألسنة الحاضرين بالثناء العاطر على نظام الحفل وكلمات الخطباء الهادفة الرائعة وقد نشرت جريدة الأهرام صفحة كاملة حول هذا المؤتمر وعرضت بعض الصور الشمسية لما كان يحويه من مستمعين ولخصت كلمات الخطباء والمتحدثين فى هذا وأتت بمقتطفات من أقوالهم وأذكر ما ذكرته من مقتطفات كلمتى "

لقد سئم الناس حكم الناس وتطلعوا إلى حكم الله" وقد هنأنا الكثير من الأساتذة الجامعيين وغيرهم على نجاح هذا المؤتمر وكان خير دعاية للإخوان وقد كانت جماعة الإخوان قبل هذا المؤتمر تقبل المنتسبين إلى الأحزاب فى جماعتها إخوانا مسلمين ولكن نجاح هذا المؤتمر اشترطت تجريد المشترك من أى حزب باعتبار أن الإسلام لا يقبل الشركة..

ومن الأحداث الجسام فى هذا العام سنة 1938 حادث انشقاق بعض شباب الإخوان عن الدعوة وهم " أحمد رفعت وصديق أمين وحسن السيد عثمان وكان يرأسهم السيد / عزت حسن معاون سلخانة قليوب"

وكانوا جبهة مستقلة داخل كيان الإخوان وقد ارتبط بعضهم ببعض ارتباطا كليا ورأوا فى أنفسهم أنهم هم الإخوان فى مثلهم الأعلى وأن سائر الإخوان ما هم إلا أشباح وصور وهياكل إخوانية لا حقائق إسلامية وكانوا ينقدون كبار الإخوان من السابقين ويرونهم مجموعة دراويش لا يصلحون للجهاد ولا للنضال فى الحياة وقد بلغ بهم الغرور إلى حد نقد الإمام الشهيد فى موقفه من قضية فلسطين حيث اكتفى بأن يقوم الإخوان بجمع المال فى المساجد للمصابين من أهل فلسطين فى قتالهم ضد الإنجليز وكان قد تفاهم مع مفتى فلسطين الحاج " أمين الحسيني"

على ذلك وكان رأى الإخوان المنشقين الذين أشرنا إليهم أن بيعة الإخوان للمرشد ومبادئ الإخوان التى تلقوها منه تلزمهم بالنفير العام إلى فلسطين فى ساحات القتال فى فلسطين وأن الاكتفاء المرشد بجمع المال فقط دون دعوتهم ميعا إلى القتال فى فلسطين يعتبر خيانة للدعوة وخروجا على مبادئها وكتب هذا الرأى

السيد/ عزت حسن رئيس المنشقين وسمح له الأستاذ الإمام بنشر كلمته فى مجلة الإخوان على ما فيها من رداّ على اتهاماته الباطلة بعد أن فند آراءه وناقشها مناقشة حكيمة مقنعة يا عزت أفندى لا تجعلها أحد قبل بدر ومع هذا استمر المنشقون فى غيهم وتجريحهم للإخوان وإمامهم فاستدعاهم الأستاذ فى المركز العام بالعتبة الخضراء فحضروا فى المركز وأخذ الأستاذ يناقشهم فى هدوء ولكنهم اندفعوا فى مناقشتهم اندفاعا كشف عن غرورهم وجهلهم حتى عندما استشهد السيد / عزت بالآية القرآنية التى يستشهد بها الإخوان فى أكثر خطبهم وأحاديثهم الخاصة والعامة[ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة] فتلاها السيد/ عزت خطأ ولم يوفق فى تلاوتها صحيحة وفى بعض كلماتها مما يدل على أن الله قد طمس بصيرته فى موقفه الباطل ضد الدعوة وقائدها المخلص وقد انتهى امر هؤلاء المنشقين إلى التشتت وانفرط عقدهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد تولى رئاسة قسم الطلاب بعدى الأستاذ/ محمد على المغلاوي, وكان من قبل فى الجمعية الشرعية ثم فى مصر الفتاة وقد كان شابا متحمسا متأثرا بروح مصر الفتاة فى حماستها الفياضة واندفاعها العنيف فى توجيهاتها ونقدها للأوضاع فى مصر وقد استفادت الدعوة من حماسته الفياضة ومقدرته فى التنظيم والتوجيه روحا جديدا حيث أمر بطبع بطاقات جديدة لقسم الطلاب تحوى اسم والمدرسة وعنوان المنزل وقيمة الاشتراك الذى يتعهد بدفعه لهذا القسم وكان على كل مندوب مدرسة أو جامعة أن يحمل معه مجموعة من هذه البطاقات ليملأها الطلاب الراغبون فى الإشتراك فى هذا القسم وقد انضم إلى قسم الطلاب بهذه الطريقة مئات كثيرة وقد انضم فى هذا الحين إلى قسم الطلاب الطالب " مصطفى مؤمن" وكان وقتئذ طالبا بالمدرسة الخديوية وقد التحق بعد ذلك بكلية الهندسة وكان زعيما لطلاب الجامعة بعد ذلك.

من وسائل التربية

يقول الأستاذ / محمد عبد الحميد:

كان الإمام الشهيد يعتمد فى تربية الطلاب التربية الإسلامية فى منهج الإخوان على عدة وسائل أهم من هذه الوسائل: نظام الكتائب وقد تحدثنا من قبل عن هذا النظام الفريد الذى امتاز بالجانب العملى فى صورة بارزة وذلك بانتزاع الشباب ساعات معدودة من حياتهم يفارقون فيها بيوتهم وأسرهم ويبيتون خلالها على الأرض فى المساجد ومعهم زاد يسير وغطاء خفيف ويحملون مصاحفهم ومأثرواتهم ويبيتون معا فى هذه المساجد ساعات مباركة ويقضون أكثر الليل فى تهجد وخشوع وتلاوة للقرآن الكريم فكنت تسمع لهم دويا كدوى النحل حتى إذا أذّن الفجر انطلقوا انطلاق الملائكة فى نظام وهدوء صفوفا وكان كل واحد يناحى ربه ويخاطب نفسه:

أذن الفجر فقومى للصلاة

لا تنامى بين غفلان ولاه

إنما الدنيا متاع للعصاة

وسباق البر فيها للتقاه

كيف يدعونى إلى الله الدعاة

ثملا أقضى عن الجفن كراه

وهكذا ينهضون إلى الله فى شوق المحبين وإقبال المخبتين القانتين فيصطفون صفوفا كالبينان المرصوص ويؤمهم الإمام الرشيد والمعلم الصالح " حسن البنا"..

فقرأ بهم فى صلاة الفجر كما يقرأ بهم فى صلاة العشاء مختارات من الآيات القرآنية من سور " آل عمران والأنفال والتوبة ومحمد والصف والحجرات" وهو حريص فى تلك التلاوة على ألايات القرآنية التى تتناول صفات الدعاة وأخلاق عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ....

ويطيل المرشد فى القراءة فى صلاته بصوت تخشع له القلوب , وتفيض له العيون ويهتز الشعور وقد حبا الله أستاذنا الإمام صوتا كصوت " داود" صوتا ليس هو كلمات وألفاظ يرددها الفم وإنما هى ىيات يتلقاها السامعون بقلوبهم وحيا غضا يحيى القلوب, ونورا متألقا يشع فى الظلمات...

وكنا نصلى بعد إطفاء الأنوار الكهربائية وكنا نحس أن نور التلاوة أزهى من نور الشمس والقمر...

وكان الإمام يتلو كتاب الله تلاوة تتجلى من خلالها معانى القرآن فلا تحتاج إلى تفسير وكنا نتمنى لو طال موقفنا فى هذه الصلاة حتى تطلع الشمس, فما كان مقامنا فى الصلاة مقام تعب وعناء ولكن كان مقام راحة وشفاء...

بل كان مقام متعة وصفاء.وكان من بين وسائل التربية إرسال مجموعات من طلاب الجامعة فى أجازة الصيف للدعوة فى أقاليم القطر المصرى من أقصاه إلى أقصاه وكان يجعل لكل مجموعة أميرا مسئولا عن إخوانه وكان الإمام يسلم هذا المسئول رسالة خاصة لمندوب الدعوة فى الإقليم الذى تتجه عليه البعثة, وكان يزودهم بالنصائح والتوجيهات التى يجب أن يكونوا على علم بها قبل رحلتهم حتى ينجحوا فى مهمتهم...

وكان الأستاذ رحمه الله يتخير من الشباب أكثرهم حفظا للقرن الكريم وأقدرهم على إقناع الناس وأوسعهم صدرا لمسائلاتهم وكانت هذه البعثات تتصل بمندوب الإقليم للتعرف عليه وليمدهم بمشكلات الإقليم وما ينبغى عليهم فى أحاديثهم من التركيز على بعض الموضوعات التى تهم هذا الإقليم دون غيرها...

وكنا نحرص على أداء الصلوات جماعة فى أشهر المساجد ثم نتحدث بعد نهاية الصلاة عن مشكلات هذا الإقليم وأسبابها وعلاجها بأسلوب سهل ميسر ونستشهد بما نحفظ من آيات الله ومن الأحاديث النبوية الصحيحة. وكان الناس يعجبون لهؤلاء الشباب الدعاة المتطوعين للدعوة إلى الله ويتأثرون بهم لما يلمسون من حماستهم وإخلاصهم .

وقد نجحت هذه البعثات – بحمد الله – فى مهمتها إلى حد كبير وعرف الناس من خلالها أن الإخوان قوم عمليون وليسوا مجرد جمعية خيرية مهمتها الوعظ والإرشاد وأذكر فى هذه المناسبة أن الأخ محمود عبد الحليم عين فى " فوة " إحدى الأجازات وترك فيها أثرا عميقا وزاد فيها عدد الإخوان والمشتركون فى المجلة فقلت لقد أضفت إلى " فوة" نقطة بجهادك فيها وجعلتها " قوة" لا"فوة".

ومن الوسائل الأخرى التى أذكرها من وسائل التربية عقد مؤتمر طلابى فى نهاية كل ستة يستعرض فيه نشاط الدعوة وأوجه هذا النشاط العلمية والعملية وكان مندوب كل كلية يتحدث عن الوسائل التى استعان بها فى نشر الدعوة وكانت نتيجة هذا الاجتماع انتفاع مندوب كل كلية من زميله بما يسمعه من هذا الزميل من وسائل نشر الدعوة فى كليته وينتهى هذا المؤتمر باتخاذ قرارات جديدة لنشر الدعوة وتجديد البيعة بعد كلمة توجيهية من المرشد للطلاب.

وأما القوى السياسية داخل الجامعة فلم يكن لها وجود رسمى وإن كان بعض الطلاب لهم انتماءات سياسية من حزب الوفد ومصر الفتاة والسعديين ولكن لم تكن لهم تنظيمات داخل الجامعة ولم يحدث اصطدام بين شباب الإخوان وهؤلاء الشباب الحزبى.

نظام الكتائب

وعن نظام الكتائب كأسلوب تربوى يقول الأستاذ /محمد عبد الحميد:

بدأ نظام الكتائب فى عام 1938 وتتألف الكتيبة من 40 أخا من طلاب الجامعات وكانت الكتيبة الأولى موعدها يوم الثلاثاء من كل أسبوع ويحضر كل طالب إلى المركز العام بميدان العتبة الخضراء ومعه غطاء" بطانية" ووسادة استعدادا للمبيت بالمركز العام وتقوم لجنة خاصة للتموين بإحضار عدة شطائر " سندوتشات" لأربعين أخا هم أعضاء الكتيبة وتبدأ الكتيبة بصلاة العشاء جماعة خلف الإمام الشهيد وكان – رحمه الله – يطيل التلاوة أكثر مما يفعل فى صلواته مع عامة الإخوان لأن الكتيبة تعتبر نظاما تربويا خاصا يحتاج إلى التركيز والاستزادة من معانى العقيدة وعناصر الدعوة الروحية وفى نهاية الصلاة يتحدث الإمام إلى الإخوان بكلمة توجيهية حول الآيات التى تلاها فى صلاة العشاء ويتحلق الإخوان حوله فى المسجد يستعمون إليه فى شوق وإنصات وإقبال بالغ فكانت كلماته – رضى الله عنه -

كلمات قلوب إلى قلوب لا كلمات أصوات إلى آذان ..

وكان يتناول الموضوعات التى تتصل بالتربية والتوجيه كالإخوة والحب فى الله والإخلاص وبعد نهاية هذا الحديث يتناول أفراد الكتيبة عشاءهم " البسيط" من هذه الشطائر ومعهم الأستاذ الإمام ويتجاذبون أطراف الحديث فى أدب جم وفى هدوء شامل وحديث حول الدعوة لا لغو فيه ولا تأثيم ولا جدال فيه ولا مراء ثم يتناول الجميع شراب الحلبة ولا يتناولون الشاى والقهوة لأنها كيوف تتعارض مع أسلوب التربية الذى يرمى إليه نظام الكتائب.

وبعد ذلك يستعدون للنوم فى مسجد المركز وهكذا السنة النبوية لا سمر بعد العشاء حتى يتسنى لهم قيام الليل والتهجد قبل صلاة الفجر وبعد ذلك يستيقظ الإخوان قبل الفجر بساعات ويتوضون ثم يتهجدون ويتلون كتاب الله ويمسك كل بمصحفه فتسمع لهم فى تلاوتهم دويا كدوى النحل وعند الفجر ثم ينتظمون صفوفا مستقيمة لأداء صلاة الفجر يؤمهم الإمام الشهيد وكان من عادته الإطالة فى هذه الصلاة واختيار السور التى تحوى مقام الدعوة أكثر من غيرها كسورة آل عمران والمائدة والأعراف والأنفال والتوبة وسورة الصف والفتح وغيرها فى نهاية الصلاة يتحدث حول معانى السورة التى تلاها فى الصلاة ويفسرها بروح الداعية لا بأسلوب الواعظ وبطريقة العلماء الربانيين لا بطريقة الشيوخ المتحذلقين فكانت كلماته تنزل على قلوبنا بردا وسلاما وتشع نورا وبهاء وهكذا المعلم الصالح تنفتح له القلوب قبل الآذان وينتفع بكلماته من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..

وفى جلسة للكتيبة يبايع أفراد الكتيبة واحدا واحدا فضيلة المرشد ويتعهد كل منهم أن يكون شعاره الطاعة فى المعروف وأن يلتزم فى معاملاته مع الناس وسلوكه معهم آداب الإسلام وتوجيهاته وأن يتجنب المكيفات جميعا وفى مقدمتها " الدخان" والشاى والقهوة وقد لاحظت أن أفراد الكتيبة كانوا يحرصون كل الحرص على الحضور فى كتائبهم بدافع العقيدة وروح الإخلاص لا بدافع المصلحة والغرض الشخصى وكان من أشهر شباب الكتائب الأخ حامد شريت والأخ محمود عبد الحليم والأخ عبد الفتاح البساطي والأخ جمال عامر والأخ محمود أبو السعود والأخ عبد البديع صقر – رحمه الله – والأخ عبد الحكيم عابدين والأخ إبراهيم أبو النجا والأخ عبد العزيز كامل والأخ طاهر عبد المحسن وغيرهم.

وكان الأستاذ يحرص على إعداد هذه الكتائب إعدادا إسلاميا كاملا يتناول الفكر والروح والجسم وكثيرا ما كان الإمام الشهيد لا يكتفى بالمركز العام لاجتماع الكتائب تدريب الإخوان رياضيا فى بعض الساحات خارج المساجد.

وقد استمر نظام الكتائب فترة طويلة استفاد فيها الإخوان ثقافة إسلامية وقوة بدنية وصفاء روحيا وقد تعرض أكثر هؤلاء الإخوان للاعتقالات ابتداء من سنة 1949 وكانت المعتقلات فيها معتقل " هاكستيب" بمصر الجديدة ومعسكر الطور وقد اثبت هؤلاء الإخوان ثبات الأطواد وذلك نتيجة تربيتهم الإسلامية ونظام الكتائب.

مواقف أثرت فى نفسى

وعن أهم المواقف التى أثرت فى نفس الأستاذ / محمد عبد الحميد يقول:

المواقف التى تركت فى نفسى أثرا عميقا فى صحبتى لإمامنا الشهيد – رحمه الله - كثيرة أذكر منها قصة استشهد بها فضيلته فى طريق الدعوة إلى الله وأسلوب الدعوة الذى ينبغى أن يختلف باختلاف الأشخاص المدعوين فقد كان ذات مرة راكبا الترام عائدا إلى بيته فحرص احد الشباب الذين يهزءون بالسنيين والملتحين من الدعاة والوعاظ وحرص هذا الشاب السافل أن يكون جلوسه إلى جانب الإمام الشهيد وبدأ الشاب فى استئذانه بسؤاله سؤالا محرجا ورجا الأستاذ البنا أن يجيبه عن سؤاله معتذرا عن هذا السؤال فأجابه الإمام الشهيد مرحبا كل الترحيب بما يسأل الشاب ألا يكون لسؤاله من أثر فى نفسه غير الرضا والارتياح فبدأ الشاب سؤاله بقوله :

لماذا أطلقت لحيتك يا أستاذ؟

فأجاب الأستاذ : اسمح لى اقول لك ليس فى موضعه وما كان ل كان تسأل هذا السؤال وإنما الذى من حقه هذا السؤال هو أنا فاسألك أنت لماذا حلقت لحيتك يا أخى؟

وهكذا تحول الأستاذ من موقف المدافع إلى موقف المهاجم فعجب الشاب من براعة الأستاذ فى إجابته التى لم يكن يتوقعها من المشايخ والوعاظ.

وأجاب الشاب : إنى أحلق لحيتى لأنى أعتبرها قذارة يجب التخلص منها.

فقال الأستاذ ولماذا لا تحلق بقية شعرك : شعر الرأس والحاجبين والشارب ما دام الشعر فى نظرك قذارة؟ فأجاب الشاب :

لا يا أستاذ ليس كل الشعر فى مستوى واحد فأنا أحلق شعر عانتى وإبطى بحكم الشرع الشريف باعتباره قذارة.

فقال الأستاذ الإمام: الحمد لله إذن فقد اعتبرت لحيتى من نوع شعر الرأس والشارب وأما لحيتك فقد اعتبرتهاأنت من نوع عانتك!

وهكذا كان هذا الجوالب البارع صفعة حرة لهذا الشاب الساخر ما كان ينتظرها وشعر بالخزى والخجل وقال حقا إنك أظرف سنى رأيته فى حياتى لقد أردت أن أسخر منك فسخرت أنت منى! فأجابه الأستاذ قائلا إن الإسلام قضيته أكبر من اللحى والصلاة والصيام ولكن الإسلام رسالة عامة تتناول الدين والدنيا ونظام الحياة ومنهاجها الكامل فى كل شئون الحياة وتحدث له الأستاذ عن عظمة الإسلام وآفاقه العليا بصورة موجزة فأعجب الشاب من هذا التصوير الجيد وسأل الأستاذ من أين تعلم هذا الكلام الرائع؟ فقال من " الإخوان المسلمين"

فسأله أين مقرهم فأجابه عن مقرهم المتواضع فى حى الناصرية قرب " السيدة زينب" ولم يعرّف الأستاذ نفسه أنه المرشد العام ليجتذب الشاب لدعوته.

البعث بعد الموت

ومن المواقف التى تركت فى نفسى أعمق الآثار موقفه من أحد الشباب المصرى العائد من أوربا يحمل سمومها الفكرية وإلحادها العلمى وجرى حوار بين الإمام وهذا الشاب حول موضوع البعث بعد الموت وعودة بعد الفناء والتحليل والتحول إلى تراب تكوينهم وقال الشاب لا يعقل أن يعود الموتى إلى حياتهم الأولى وقد تحللت أجسامهم تحلالا كاملا وتداخلت ذرات بعضهم فى بعض وتناثرت هذه الذرات فى الكون الفسيح ذات اليمين وذات الشمال فكيف تعود هذه الذرات لصاحبها بعد هذا التحليل والتناثر فى باطن الأرض وخارجها؟

فأجاب الإمام على الفور هداك الله يا أخى إلى الإيمان :

إن الإجابة على هذا الشك الذى سيطر على عقلك قد تولاه المولى القدير سبحانه بصورة حاسمة فى سور"ق" فى قوله تعالى " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" ألا ترى يا أخى أن الله سبحانه فى هذه الآية الكريمة لم يكتف بإثبات القدرة على كل شئ وإنما أضاف إلى جانب القدرة العلم بما يحدث من نقص الأعضاء وتناثر الذرات التى تشير إليها وأضاف إلى ذلك أن كله مسجل فى سجل دقيق لا يعتريه تغير ولا تبديل, فما كان من هذا الشاب المفتون بالغرب وفلسفته حين استمع إلى هذه الإجابة إلا أن أعترف بخطئه فى التفكير وإيمانه بالله العظيم القدير...

ومن المواقف التى تركت فى نفسى أثرا بالغا من خلال صحبتى للإمام رحمه الله ما حدثنى عنه اختباره النهائى فى الدبلوم فى معهد " دار العلوم" وكان أساتذته يرون فيه مثلا أعلى لشباب المعهد فى الحفظ والذكاء والأخلاق وعندما جلس الإمام بين يدى لجنة الممتحنين لم يسألوه عما يحفظ من الشعر لعلمهم بأنه يحفظ أكثر منهم مع الفهم الكامل والاستيعاب الشامل فسأله أحدهم:

هل قرأت يا حسن معلقة طرفة بن العبد؟ قال نعم وأحفظها كلها بيتا بيتا..

فقال الأستاذ الممتحن إنى لا أسألك عن الحفظ فنحن نعلم ذلك جيدا..

ولكننا نسألك هل سألت نفسك عند حفظها عن أبدع بيت فى هذه المعلقة أعجبك واثار انتباهك فقال نعم: لقد سألت نفسى ووصلت إلى الجواب الصحيح فى رأيى.. قال وما هو هذا البيت؟ فأجاب :

إذا القوم قالوا : من فتى خلت أننى

عنيت فلم أكسل ولم أتبلدا

فما سمع الأستاذ الممتحن هذا الجواب حتى كبّر تكبير الإعجاب ثم قال هل تعرف سبب هذا التكبير؟ قال : لا قال:

لأن هذه الإجابة كانت إجابة الأستاذ الشيخ محمد عبده, عندما سئل هذا السؤال نفسه فتقبل منى التهانى برفعة الذكر وسمو المقام فى حياتك وعندما سئل عما يستنبطه الإمام من هذا البيت المذكور قال : إنه يدل على الثقة بنفسه والاعتداد بها...و...و...

فقال له الأستاذ الممتحن كفى .... كفى حسبنا ما سمعنا ومنحه أعلى الدرجات وانصرف الأستاذ الإمام ظافرا مسرورا بما وفقه الله فى هذه اللجنة وهذا الاختبار.

فى مواجهة الانحراف

وعن جرأة الإمام الشهيد حسن البنا ومواجهته للإنحراف يحكى الأستاذ / محمد عبد الحميد فيقول: مما سمعت من الإمام الشهيد حسن البنا فى هذا المجال التعليمى أن أحد أساتذته وهو الدكتور"محمد صبري " كان يدرس مادة التاريخ الحديث للأستاذ وكان كثيرا ما يستطرد ويخرج عن موضوع المحاضرة ويتناول أحاديثا شخصية حدثت له فى " باريس" وفرنسا حيث كان المحاضر وقتئذ طالبا فى جامعة السربون بباريس فكان يصف خلال أحاديثه ما راعه من مناظر وما راقه من جمال وجلال وكان حديث عهد بالتخرج فى هذه الجامعة وحديث عهد بالتعيين فى " دار العلوم" أستاذ للتاريخ الحديث....

وبينما كان المحاضر يتحدث عن بعض ذكرياته ويصف بعض مغامراته وجلساته مع الزملاء والزميلات والأصدقاء والصديقات لمح فى وجوه الطلاب مظاهر الاستنكار لأنهم لم يكونوا يتصورون أن أستاذا فى معهدهم الذى أعد لتخريج أساتذة اللغة العربية والدين يتكلم بمثل هذه الموضوعات المنكرة ويصرح بهذه المواقف التى تشين صاحبها لن يقهرها الدين ولن يسيطر عليها بشر ولن يقضى عليها المصلحون إنما الناس كل الناس خاضعون سلطانها بفطرتهم رغم معرفتهم بحرمة هذه العلاقة الآثمة فى كل دين فما كان من أستاذنا الإمام إلا أن انتفض ثائرا على هذه الجرأة العارية وأخذ يرد على كلامه ردا منطقيا فيقول يا استاذ إنه من الخطأ فى التفكير أن يقيم الإنسان من قضية شخصية نظرية عامة! فأدرك المحاضر من هذه الكلمة ماذا يريد الأستاذ وانه يتهمه شخصيا بالانحراف والسقوط فحاول مهاجمته وتبكيه على هذا الاتهام ولكن الأستاذ لم يمهله بل انطلق فى حديثه قائلا:

إننى بحمد الله شاب مكتمل الرجولة وما وقعت يوما فى خطيئة جنسية وما حدثتنى نفسى بالوقوع فيها وشغلت وقتى بالعلم النافع والثقافة الإسلامية والدعوة إلى الله ووجدت فيها المتعة الكاملة واللذة لخالدة وأعتقد أن إخوانى وزملائى كلهم فى هذه الفرقة على شاكلتى فى العفة والطهارة فانضم جميع الطلاب إلى زميلهم المدافع عنهم وقال له بعضهم يا أستاذ إن معهدنا هذا أنشئ لتخريج أساتذة الدين واللغة وكلامكم الذى تقولونه وتعلنونه فى كل مناسبة وغير مناسبة يتضمن دعوة إلى الرذائل والآثام وهو تشجيع على الفسق والفحشاء فثار الأستاذ المحاضر وحاول إسكاته ولكن الطلاب ثاروا جميعا ضد الأستاذ المحاضر وحاول المحاضرة وسارع الأستاذ ناظر المعهد ولعله كان الأستاذ " أبو الفتح الفقي" بالقدوم وسأل عن سبب هذه الثورة وهذا الاحتلال فأجابه الطلاب عما حدث من الأستاذ المحاضر فما كان من المعهد بعد التحقيق الكامل فى هذا الأمر إلا أن طلب نقل الأستاذ المحاضر من " دار العلوم إلى كلية الآداب إذ ليس فى " كلية الآداب" جو المحافظة والتزام التعاليم الأخلاقية كما هو فى دار العلوم".

ودارت الأيام دورتها ومرت السنون الطوال والتقيت بهذا الدكتور نفسه فى معهد الدراسات الإسلامية " بالروضة" الذى أنشئ خاصة للأساتذة خريجى الجامعات ومدته سنتان ويدرس فيه التاريخ الحديث والفلسفة الإسلامية وتاريخ المذاهب والتصوف الإسلامى وكان ذلك سنة 19571958 وكان من بين أساتذته المنتدبين الشيخ " محمد عرفة" والأستاذ الدكتور" محمد البهي" والأستاذ " على الجندي" والأستاذ" محمد مصطفى حلمي"وغيرهم وكان الدكتور " محمد صبرى السربونى"- كما كان يسمى نفسه – يدرس التاريخ لمصر وكان ميعاد الدراسة بعد العصر وكنا نحرص على أداة صلاة العصر بمصلى المعهد المتواضع ثم نتلقى محاضرة الدكتور " صبرى" التى تستمر إلى ما بعد المغرب حين تحين صلاة العشاء فكنت وبعض زملائى نستأذن من الدكتور المحاضر لأداء صلاة المغرب قبل مجئ العشاء خلال المحاضرة فكان الدكتور " صبرى" يبدى أمام هذه الرغبة التذمر والإستياء قائلا إن حضوركم فى المحاضرة يعتبر فريضة لا تقل عن فريضة الصلاة على وقتها فقلت له أرأيت يا أستاذ لو استأذنتك للخروج لقضاء حاجة حصرتنى أثناء المحاضرة هل ترى سيادتكم ضرورة البقاء فى المحاضرة محتملا آلام الحصر؟

قال : طبعا....لا... قلت إن أداء الفريضة فى وقتها عندى أهم وألزم من قضاء هذه الحاجة الضرورية ! فما كان من الدكتور إلا أن نزل عند رايى وقال انصرفوا يا أساتذة إلى الصلاة ولست مقتنعا بوجهة نظركم القاصرة!

علاج حكيم

ومن المواقف التى تركت فى نفسى أعمق الاثار التى يتجلى فيها الأسلوب التربوى الذى امتاز به الإمام الشهيد فى علاج المشكلات النفسية لبعض الإخوان ذلك أنه حدث أن أحد الإخوان كان فى طبعه حدة وعصبية فكان يثور دائما لأوهى الأسباب ويسبب ثورته ضيقا فى نفوس الإخوان ويحاول بعضهم أن يقضى على ثورته الجامحة ويهدىء من روعة ما استطاع وكان الإمام كثيرا ما يتدخل فى ثورة هذا الأخ العصبى فتهدأ نفسه إلى حين ثم يعود بعدها إلى ثورة جديدة ولما طفح الكيل وضاق الإخوان وأستاذهم بهذا الأخ الذى كان لا يتورع عن إيذاء الإخوان وتجريحهم انتفض الأستاذ غاضبا وطلب إليه أن يخرج من دار المركز العام إلى بيته فما كان من الأخ الثائر إلا أن قال للأستاذ لن أخرج من هذه الدار...

إنها ليست داركم ولكنها دار الإخوان المسلمين! فما كان من الأستاذ إلا سيطر على غضبه ولم يندفع فى ثورته على هذا الأخ بل أجابه فى هدوء وسكينة صدقت فى قولك يا أخى إنها ليست دارى وإنما هى دار الإخوان ولكن لا تنسى أننى أبو هؤلاء الإخوان جميعا وإننا جميعا مستاءون من تصرفاتك معنا وثورتك المستمرة علينا وأوهعز الأستاذ للإخوان بمقاطعته فقاطعوه ولم يكلموه ولم يردوا عليه وترك الأستاذ الإمام مكانه فى الغرفة وخرج الإخوان معه كلهم فى صورة احتجاج ومقاطعة لهذا الأخ وظل هذا الأخ فى الغرفة وحيدا حزينا يفكر فى موقفه الذى ساقه إليه ثوراته وجمحاته وشطحاته وظل هكذا وحيدا يفكر فيما جنت يداه على نفسه وعلى إخوانه وعلى مرشده واغرورقت عيناه بالدموع دموع الندم والتوبة...

وبعد فترة قصيرة من الوقت دخل عليه الأستاذ فوجده على هذا الحال فما رآه الأخ حتى سارع إلى تقبيل يده والإعتذار إليه وإلى الإخوان الذين أساء إليهم مرارا فما كان من الأستاذ إلا أن ضمه إليه ضمة الحب والرحمة والإشفاق وقبلة الأب الرحيم والمربى الحكيم وأقبل عليه إخوانه يصافحونه ويعانقونه بعد أن أعتذر إليهم فما كان منه إلا أن استقام أمره ولم يعد إلى ما كان منه من جمحات وشطحات.

التوجيه بالإيحاء

وهكذا استطاع الأستاذ الإمام أن يعالج مشكلة هذا الأخ الجامح فلم يعالجه بالشدة والغلظة والزجر والثورة وإنما عالجه باللين والرفق ناهجا فى ذلك نهج النبى الكريم والمربى العظيم الذى يقول " بعثت بالسيف واللين فوجدت اللين أقطع".

ومن المواقف التربوية التى أذكرها للإمام الشهيد موقف أخ جديد انضم للدعوة بعد إقناعى له بأهدافها ومزاياها ولكنه كان يلبس خاتما من ذهب فحاولت أن أقنعه بنزعه فلم يستجب لى واشترك معنا هذ ا الأخ فى رحلة من رحلات الإخوان وكان معنا الأستاذ المرشد وعرفت هذا الأخ بأستاذنا الإمام فرحب به ودعا له ثم سألت الأستاذ المرشد عن حكم الإسلام فى خاتم الذهب الذى يلبسه هذا الأخ؟ فأجابنى الأستاذ فى أسلوب الضائق بهذا السؤال قائلا: وهل استكملتم كل آداب الإسلام يا محمد ولم يبق إلا خاتم الذهب؟

فأحس هذا الأخ من روح هذه الإجابة حرمة لبس هذا الخاتم فخلعه على الفور وقال لقد تبرعت بثمنه للإخوان! فحياه الأستاذ استطاع الأستاذ بأسلوبه التربوى أن يجتذب هذا الأخ للدعوة ولم يستعمل معه أسلوب التأثيم والتحريم وإنما استعمل معه أسلوب الإيحاء والتوجيه فى رفق وأناة وصدق الله سبحانه وتعالى فى قوله [ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك[.

طرائف الذكريات مع الإمام الشهيد حسن البنا

الحصان ليس من الإخوان

ويروى الأستاذ/ محمد عبد الحميد أحمد بعض لذكريات الطريفة التى يذكرها للإمام الشهيد حسن البنا فيقول:

من طرائف الذكريات قصة رحلة الأستاذ الإمام إلى مدينة " بنها فى زيارة لشعبتها الأولى فى مناسبة ذكرى الإسراء والمعراج وتحدث الأستاذ فى هذه الذكرى حديثا شرح الصدور وشفى النفوس وأمتع الحاضرين من العامة والخاصة والشباب والشيوخ بما فى الإسراء والمعراج من معجزات ومشاهد ومواقف وتوجيهات وبعد انتهاء هذه المحاضرة من معجزات ومشاهد ومواقف وتوجيهات وبعد انتهاء هذه المحاضرة الغراء انصرف المستمعون إلا قليلا ممن أدركوا أن وراء هذه الكلمات دعوة وداعية وليست مجرد كلمات ومواعظ فاستأجر بعض الإخوان للأستاذ عربة " حنطور" ليركب فيها إلى محطة بنها ليعود إلى القاهرة فى آخر قطار وذلك بعد أن جلس هؤلاء الإخوان القلائل من المستمعين للمحاضرة حول المرشد يسألونه فى كل ما يهمهم من أمر هذه الدعوة التى يحملها إليهم ويبحث عن

" رجال " ينهضون بها فى إيمان الأوس والخزرج وصدق المهاجرين والأنصار يفدونها بأرواحهم وأموالهم وجلس هؤلاء الإخوان مع الإمام ساعات طوالا ثم انصرف الأستاذ ومعه بعض هؤلاء يودعونه حتى محطة بنها وقد اكتظت العربة بمن فيها من الراكبين حوله فى العربة وقد رجا الأستاذ إخوانه أن ينصرفوا مشكورين إلى بيوتهم وعليهم أن يرحموا هذه العربة المكتظة فطمأنه أحد الراكبين بقوله لا تقلق يا أستاذنا من هذا الازدحام على العربة فإن صاحب العربة وسائقها من الإخوان!

فأجاب الأستاذ المرشد هذا الأخ بقوله ليكن صاحب العربة من الإخوان ولكن الحصان الذى يجر العربة ليس من الإخوان ! فكانت دعابة لطيفة من الإمام رحمه الله أثارت الضحك والسرور والإعجاب ف نفوسهم. وهكذا كان الأستاذ فى كل مجال رائدا يشارك الإخوان فى جدهم ومزاحهم وكان فى مزاجه على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقول إلا حقاّ...

البنطلون يمنعه من الصلاة

ويضيف الأستاذ / محمد عبد الحميد قائلا:

وفيما يتعلق بنشاطى داخل الجامعة أنى كنت حريصا على ضم كل طالب أتوسم فيه الخير وألمح فيه ملامح الرجولة إلى الدعوة وكنت أرى فى المصلى التى أنشأناها أخيرا فى كلية الآداب مقياسا للشباب الذى ننشده فالشاب المصلى والذى يستجيب لله والرسول إذا دعاه لما يحيه أقرب إلينا وأصلح للدعوة من الشباب القاسية قوبهم فكنت وإخوانى إذا أذن مؤذن الظهر فى مصلى الكلية كنا نشجع الطلاب المنصرفين إلى بيوتهم وندعوهم إلى الصلاة جماعة بمصلى الكلية وكان بعضهم يحتج بأنه يصلى فى بيته حرصا على وقته ولكننا كنا نقنعهم بالصلاة معنا بالكلية فيستجيب الكثير لنا ونجد فرصة للتحدث معهم فى الدعوة وكنا نكسب من شرح الله صدره وعلم فيه خيرا..

ومن طرائف الذكريات فى هذا المجال أن طالبا من هؤلاء الطلاب حين طلبت إليه أن يصلى معنا كان جوابه أن سجوده فى الصلاة يضيع طية ( البنطلون) المكوى وهو حريص على أن يكون مظهره وجيها!

وهذا الذى يمنعه من أداء الصلاة فعجبت لهذا التعليل الهزيل وذكرت هذه الحادثة لفضيلة الأستاذ فكان تعليقه على هذا الموقف رائعا حيث قال إن الله حين أنزل قوله تعالى[ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا..]

إن الله حين ذكر هذه الشواغل الكبرى من الآباء والأبناء والعشيرة والتجارة والمساكن كان يخاطب " رجالا" قد تشغلهم شواغل الرجال لا شواغل النساء والأطفال وهؤلاء المترفين المنعمين ولو كان الله سبحانه يخاطب هؤلاء المترفين وأشباه الرجال لقال لهم قل لو كانت طيّات(بنطلوناتكم) أحبّ إليكم من الله ورسوله الخ, ولله فى خلقه شئون!

موقف فى الترام

ومن طرائف الذكريات فى دعوتى الشباب إلى الإخوان خارج الجامعة أنى كنت ذات يوم راكبا " الترام" فى طريقى إلى كلية الآداب صباحا وكان " الترام" غاصا بطلاب الجامعة – من آداب وحقوق – وطالباتها فتعرض بعض الطلاب لإحدى الطالبات بكلمة نابية فيها تعريض قبيح فثار بعض الطلاب وأوسعوها هذا الشاب نقدا وتسفيها وكان من بين الطلاب طالب أعجبنى موقفه من هذا التصرف حيث قال:

واحسرتاه على هؤلاء الشباب المصرى الذى يحسب التقدم فى العلوم ولا يرى التقدم فى الأخلاق ! فحرصت على التعرف على هذا الشاب وتوسمت فيه خيرا للدعوة فقلت له صدقت يا أخى فى قولك وإنى أؤيدك فى هذا الرأى وأرى أن هؤلاء الشباب فى حاجة إلى من يعلمهم الآداب والفضائل كما يعلمهم النظريات والقوانين.. قال الشاب وأين لنا هؤلاء دعاة الخير والفضائل قلت له: لقد وجدتهم وظهرت بهم قال :

فمن هم ؟ قلت : جماعة الإخوان المسلمين .

قال :

وما أهدافهم وغايتهم فى الإصلاح قلت:

إنها جماعة إسلامية هدفها تجديد حياة المسلمين على هدى الدعوة الإسلامية الأولى التى بعث الله بها محمدا ( ص) فهى دعوة لإصلاح العقيدة من الخرافات والبدع ودعوة لإصلاح السياسة والإقتصاد والآداب والمعاملات فقال وما موقف هذه الجماعة من المسيحيين قلت له إن المسيحيين أقليةلم يبخسها الإسلام حقها فى الحياة فإذا استقاموا مع المسلمين فلم يحاربوهم ولم يتعاونوا مع أعدائهم كان لهم ما للمسلمين من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات ولكن إذا تآمروا على المسلمين وتكتلوا وتعصبوا ضد المسلمين كما يفعلون اليوم فهم أعداؤنا ولابد أن نوقفهم عند حدهم...

ثم سألت هذا الشاب عن اسمه بعد هذا البيان فإذا اسمه جرجس..!

فسقط فى يدى وندمت على مصارحتى له بهذه الحقائق وتواريت عن الأنظار, وعندما سمع أخى المرحوم الأستاذ" عبد البديع صقر" هذا الحوار الذى جرى بيننا قال لى كان عليك أن تسأله قبل دعوته عن اسمه وهذا مما دعانا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام.

من القادم؟

ومن طرائف الذكريات أنى كنت حريصا على زيارة إخوانى فى بيوتهم ويسرنى زيارتهم لى فى بيتى وإذا غاب أحدهم سارعت إلى زيارته للسؤال عن سبب غيابه وقد حدث أن أخا من هؤلاء الإخوان تأخر عن حضور المركز العام بميدان الحلمية الجديد عدة أيام على غير عادته فسارعت إلى زيارته فى بيته للسؤال عنه وطرقت الباب فإذا بأخيه وهو طفل صغير لا يتجاوز السابعة من عمره وكان يلازم أخه الكبير كثيرا فى زيارة المركز العام ويلتقى بى هناك إذا بهذا الطفل يتلقانى بابتسامة ويعود مهرولا إلى أخيه المريض على فراشه وهو يسأله من القادم؟

فيجيب الطفل أخاه دون أن يعرف اسمى ولا يكلف نفسه السؤال عنه من جانبى استحياء فيجيب أخاه  : القادم هو الأستاذ " الله أكبر ولله الحمد" وهو يقصد بهذا التعريف الجميل أن القادم هو الأخ المسلم الذى يجتمع بكم كثيرا فى دار الإخوان التى شعارها هذا التكبير .

والطريف أن هذا الأخ المزور أدرك من إجابة اخيه الصغير شخصيتى وعلم أننى الزائر دون غيرى وكان الإمام الشهيد يشير إلى هذا الموقف فى بعض شعب الإخوان فى القاهرة حين يطالب الإخوان أن يندمجوا فى دعوتهم اندماجا كليا...

ومن طرائف ذكرياتى أنى كنت معجبا بشاب انضم إلى الإخوان من حزب مصر الفتاة فى حماسة واعتزاز بالدعوة وكنت أزوره فى بيته بشبرا وكان له أخ صغير لا يتجاوز العشر من السنوات وفى يوم عيد زرته فى منزله وأخذت أداعب هذا الصغير قائلا له:

هل تحب أن أهديك فى هذا العيد علبة من الحلوى والشيكولاته أم مسدسا فأجاب الصغير على الفور : ما هكذا يكون عرضك ياع عمى للهدية المختارة؟

قلت وكيف ترى أن أعرضها. قال تسألنى هل تحب أن اقدم لك فى هذا العيد مسدسا أو مدفعا وأما الشيكولاتة فتصلح للصغار لا لمثلى وكان عليك أن تمسك عن ذكرها فى هذا العرض..

هكذا كان شباب بل صبيان بعض الإخوان فى هذا الوقت..

ومن طرائف الذكريات فى هذا العام أن شابا كان من مصر الفتاة" جلال عنبر" وكان معتزا بمبادىء مصر الفتاة , وكان يعتز بشارتها " الأهرامات الثلاثة" التى كان يعلقها فى صدره دائما ولما ناقشناه فى مبادىء الإخوان أظهر الإقناع بها إلى حد ما ولكنه لم ينسلخ من عقيدته فى مصر الفتاة فكان يحضر دار الإخوان وهو يحمل شارتها وبعد شهرين لاحظنا أنه خلعها وجاء يحمل شارة الإخوان ولما سألناه قال لم أخلع شارة مصر الفتاة إلا بعد أن اطمأن قلبى بهذه الدعوة ولقد سهرت ليلة أمس أفكر وأدعوا الله أن يهدينى للدعوة الحقة والصراط المستقيم فانشرح صدرى لدعوة الإخوان ووجدت فيها الهداية والرى والشفاء الصدور وقد الهمنى الله أن أناجيه بهذه القصيدة

وما كنت من قبل أنظم الشعر ولا عهد لى به وأذكر من قصيدته هذه الأبيات الثلاثة:

منية لروح بالتدنى

إن خفق الفؤاد خير بيان

إن هذا الفتى الذى ظل يدوى مصر فوق الجميع طول الزمان طلق اليوم مبدأ المجد للنيل فداء فى مبدأ الإخوان

وفى هذا العام وقعت أحداث " تحطيم الحانات"

التى دعا فيها هذا الحزب وعلى رأسه الأستاذ" أحمد حسين" رحمه الله دعا شباب حزبه إلى تحطيم الحانات وقد رأوا أن هذا النهى العملى للمنكر استجابة للحديث الشريف " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وانبرى شباب الحزب إلى الحانات الخمور وأكثرها للأجانب من يونانيين وإيطاليين وفرنسيين وأخذوا يقذفون هذه الحانات بالأحجار وغيرها حتى حطموا الكثير منها وهم يظنون أن هذا هو السبيل العملى للقضاء على هذه الموبقات المهلكات للشعب والمهددات له بالإنهيار والضياع والضياع وكانت النتيجة أن قبض رجال الشرطة على هؤلاءالشباب وكان أكثرهم من شباب الجامعات من الآداب والحقوق والزراعة والطب وأودعوهم السجون وحكم عليهم بأحكام قاسية حسب قانون الدولة واعتبرتهم الدولة مخربين مفسدين ولم يجد هؤلاء الشباب نصيرا لهم سوى الإخوان المسلمين فى محنتهم القاسية فقد كتب الإمام الشهيد فى مجلة الإخوان فى هذه المناسبة مقالا طيبا حول موضوع " تحطيم الحانات"

أشار فيه أن هذا العمل لا يوافق عليه الإخوان وليس من الحكمة والإصلاح الحقيقى الذى يؤدى إلى الغاية المنشودة فى الإصلاح والتغيير وكان الأجدر بهؤلاء الشباب ن ينهجوا منهج الإسلام فى التغيير والإصلاح وأن يكون شعارهم[ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة]

ولكنا مع ذلك نلتمس المعاذير لهؤلاء الشباب المخلص الغيور لأنهم رأوا هذه الحانات ويرها من الموبقات يرتكبها الناس جهارا وقد بحت أصوات الوعاظ والمرشدين والمصلحين فى دعوة الحكومة إلى لقضاء على هذه الحانات والموبقات فلم تجد سميعا فاضطروا إلى استعمال أسلوب القوة والثورة على هذه المهلكات بأيديهم اعتقادا منهم أن ذلك هو الطريق العملى للإصلاح والتغيير ولكن هيهات..

ورأى الأستاذ البنا أن هؤلاء الشباب ليس لديهم القصد الجنائى فى تحطيم هذه الحانات وإنما دفعهم حب الوطن إلى القضاء بأيديهم عليها وعلى هذا فمن الخطأ والظلم اعتبارهم مجرمين ولكنهم أرادوا الإصلاح فاخطئوا الطريق وعلى الدولة أن تنظر إليهم بهذه العين ولا تعتبرهم مفسدين فى الأرض وكانت النتيجة أن حوكم هؤلاء الشباب وعوملوا فى أحكامهم معاملة المجرمين للأسف الشديد وعادت الحانات إلى أفخر ما كانت بالتعويضات ولاحظت بعض الصحف تنهال نقدا وتسفيها لهؤلاء الشباب حتى احد كبار الكتاب كتب مقالا يدهش فيه لتحطيم هذه الحانات قائلا إن هؤلاء الحمقى يحاولون المستحيل فى القضاء على شرب الخمور التى لم يقض عليها حتى زمن السلف الصالح وما كان هذا إنصافا لهؤلاء الشباب ولا تقديرا لنياتهم وأهدافهم ولكنهم استنكروا عملهم كأنهم كانوا يهدمون المساجد والحصون والقلاع.

المحنة ..... لا الوعظ

ومن الذكريات فى هذا المجال أننى بعد تخرجى من كلية الآداب سنة 1938 كنت دائم الإتصال بالمركز العام بميدان العتبة الخضراء وكنت أبحث عن عمل كسائر المتخرجين الذين اتصلوا بعميد الكلية الدكتور " طه حسين" فألحقهم بتوصياته بالمدارس الأجنبية الفرنسية بمصر الجديد كالفرير والليسيه فرنسيه....إلخ

وكانت هذه المدارس تمنح مدرسيها مرتبات أسخى من المدارس الحكومية بوزارة المعارف وكنت أربا بنفسى أن أتصل بالدكتور العميد لموقفه من الدعوة الإسلامية وموقفه السابق من الكتب المقررة فى قسم اللغة الإنجليزية التى تتضمن الطعن فى النبى صلى الله عليه وسلم وقد وفقت أخيرا بعد عدة أشهر من تخرجى إلى العمل بمجلة " النذير" سكرتير مع الأستاذ المرحوم صالح عشماوي الذى عين رئيسا للتحرير.

وقد انقطعت عن العمل ما يقرب من أسبوع بسبب مرض ألزمنى الفراش ولاحظت أن أحد من الإخوان لم يزرنى فى بيتى ويسأل عن أخيه الذى انقطع عن المركز طوال هذه لامدة...

فآلمنى هذا الموقف كثيرا وكتبت لأستاذنا المرشد رسالة حول هذا الأمر شاكيا فيها الإخوان فى تقصيرهم فى زيارة أخيهم المريض الذى ما كان يقصّر فى زيارة إخوانه إذا تأخروا عن الحضور بدار المركز العام فكتب إلى أستاذنا رسالة قيمة أذكر منها قوله:

إن الإخوان إن لم يقوموا بالواجب نحوك فى زيارتك لأنهم لم يمروا بمحنة تشعرهم بروح الإخوة التى تشعر بها أنت بفطرتك فالمحنة هى التى تصقل الدعوة فى نفوس الإخوان وتدفع رجالها إلى النهوض بأعبائها لا الوعظ والمحاضرات والكتب والندوات.

شهادة أستاذ

ومن الذكريات فى هذا الصدد كلمة الدكتور " عبد الوهاب عزام" وكان أستاذ اللغة التركية فى هذا الوقت وقد عاد من فريضة الحج وكنت أحد تلاميذه فى قسم اللغة العربية وكان فى بعثة الحج الجامعية ومعه مجموعة من طلاب كلية الآداب أذكر منها الطالب " عبد المحسن الحسيني" والطالب " بخاطره نصر الشافعي"يثنى ثاء عاطرا على شباب الإخوان لما قاموا به من خدمة أساتذتهم فى الباخرة وظهورهم بالمظهر اللائق للشباب المسلم الملتزم بآداب الإسلام فى السلوك وتلاوة القرآن والأدعية والمأثورة دون غيرهم من شباب الجامعة الذى رأى فى هذه البعثة مجرد رحلة من الرحلات المعتادة لا تخلو من التهريج والتشويش والتنكيت...

وكان مما شهد به الدكتور " عبد الوهاب عزام" وقد أثبت شباب الإخوان فى هذه الرحلة أنهم... أنهم....

ولم يجد وصفا به إلا قوله ....

أنهم الإخوان المسلمون فى نظره الإخوة الإسلامية الحقة وأن الإخوان اسم على مسمى حقا.. ولقد انشرح صدرى بما سمعت من الدكتور " عزام" فى وصف الإخوان هذا الوصف الرائع وكانت هذه الكلمة وهذه الشهادة من الدكتور دعاية للدعوة أقوى من دعايتنا نحن الطلاب فى المسجد الجامعى.الصلاة بنصف الفاتحة!

ومن طرائف الذكريات أنى كنت حريصا على زيارة إخوان البعثات الأوربية إلى الأزهر الشريف وكانت هناك بعثة لا تزيد على طالبين من دولة " بولونيا" إلى الأزهر الشريف ليتعلما اللغة العربية ومبادئ الإسلام وكنت أتفاهم معهما باللغة الإنجليزية وحرصت على تعريفهما الإخوان المسلمين وأوصلتهما ذات مساء إلى دار الإخوان المسلمين وكان الإخوان قد فرغوا من صلاة المغرب فدعوتهما إلى الصلاة نحن الثلاثة وأراد أحد الشابين أن يقدمنى للإمامة فرفضت وأصررت دائما فى شئون الدين واضطر الأخ إلى أن يؤمنا وهو محرج فى هذه الإمامة التى لا ترى نفسه أهلا لها لضعف ثقافته الدينية ولاحظت أن هذا الإمام تلا فى الركعة الأولى فاتحة الكتاب إلى النصف فقط ثم بدأ يركع فعجبت لهذه الصلاة المبتورة وركعت معه مضطرا ثم تلا فى الركعة الثانية بقية الفاتحة ثم جلس جلسة التشهد الأولى وقام إلى الركعة الثالثة ولا أدرى ماذا تلا فيها ....

وأخيرا سلم الأخ التسلمية الأخيرة فامسكت به وقلت له ما هذه الصلاة يا أخ إسماعيل؟ لماذا لم تكمل الفاتحة فى كل من الركعتين الأوليين؟ فأجابنى أن الدين يسر ويكفى ما تيسر من القرآن! قلت له إن هذه الصلاة لا تصح يا أخى وعليك أن تقرأ الفاتحة كاملة وتحفظ ما تيسر من القرآن وأعدت صلاتى وما كان لى أن أقدم هذا الشاب للإمامة وهو لا يصلح أن يكون مأموما فكيف يكون إماما!

قصة الشيخ ساتى

ومن أعمق الذكريات التى كان لها الأثر الكبير فى نفسى اتصالى بأحد دعاة الإسلام فى أمريكا " وهو الشيخ " ساتى ماجد" وهو من جنوب السودان وقد رحل إلى أمريكا قبل عشرين عاما من اتصالى به وقد علمت منه أنه درس عدة سنوات فى الأزهر الشريف ثم تيسر له أن يرحل إلى أمريكا بطريقة غير رسمية ولا قانونية وتسلل إلى إحدى البواخر التى غادرت مصر من " بور سعيد"

وانتهى الأمر به إلى الوصول إلى أمريكا وهناك تعلم الإنجليزية وبدأ يدعو إلى الإسلام فكان أكثر ما يستجيب له من العنصر الأسود المنتشر فى أمريكا والمضطهد من الأمريكيين اضطهادا كبيرا فلهم مدارسهم الخاصة ومطامعهم الخاصة ويعتبرون فى نظر الأمريكيين فئة منبوذة وقد حدثنى الشيخ " ساتى"

فيما حدث أن الدعوة الإسلامية التى قام بنشرها فى أمريكا قد زاد إقبال الناس عليها يوما بعد يوم استطاع أن يتصل برئيس الدولة ويقنعه باعتماد الدولة لجماعته والتصريح له بإقامة مسجد لأداء الصلوات والسماح له بقطعة أرض لإقامة مقابر لدفن الموتى وقطعة أخرى لإقامة مدارس وناد للإجتماعات ووفق الشيخ فى الحصول على هذه المطالب بعد إلحاح وإصرار وحدثنى أن أول مسلم أمريكى دخل فى الإسلام من لاجنس الأبيض قد سماه" ابو بكر"

وأول مسلمة من هذا الجنس سماها" خديجة" إحياء لذكرى الدعوة الإسلامية وقد أطلعنى الشيخ على بعض الصحف الأمريكية التى أشارت إلى جهود الشيخ فى الدعوة إلى الإسلام فى أمريكا وتحوى بعض الصور للأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام وصورا للمسجد والنادى الإسلامى وقد حرصت على إيصال الشيخ " ساتى" لدار الإخوان وتعريفه بفضيلة وقد أعد الأستاذ المرشد للداعية السودانى حفل شاى فى دار الإخوان ودعا عددا من الإخوان للحضور فى هذا الحفل التكريمى للشيخ " ساتى" وأذكر من خلاصة الكلمة التى ألقاها الأستاذ المرشد – رحمه الله – فى هذا الحفل قوله :

إن هذا الداعية وهو رجل لا يملك من الدنيا إلا الكفاف من العيش ولم تساعده دولة من الدول ولم يتلق من التعليم إلا اليسير فى الأزهر الشريف ثم ينجح فى دعوته إلى الإسلام هذا النجاح الباهر فيسلم على يديه عشرون ألفا من الأمريكيين (20,000) سودا وبيضا ويقيم لهم فى أمريكا المؤسسات والمساجد ...

هذا الرجل هو حجة على علماء الإسلام فى مصر وغير مصر ممن يحصلوا على الشهادات العليا والدرجات الجامعية وإن هذا النجاح الذى أحرزه الشيخ " ساتى" ليؤكد لنا هذه الحقيقة الصادعة:

أن الإيمان الصحيح والعقيدة الراسخة والإخلاص فى العمل تفعل ما تفعله الجيوش الغازية والأموال الطائلة والمؤسسات الفاخرة.

وأن هذا الإيمان فوق الدرجات العلمية والشهادات الجامعية.

شجاعة المرشد

ومن الموقف التى أكبرت فيها شخصية الأستاذ الإمام – رحمه الله – فوق إعجابى بعبقريته الفكرية ومقدرته الخطابية وشخصيته القوية الفذة اكبرت فيه إلى جانب ذلك كله بغضه للظهور بمظهر البطولة امام الناس وتواريه عن النظار ليراه الله وحده وذلك يتجلى فى موقفه بين الإخوان فى مظاهرة قام بها الإخوان فى ميدان الأزهر يدافعون فيها عن فلسطين فيها ويهتفون بسقوط الإنجليزواليهود واضطر رجال الشرطة والأمن العام إلى إطلاق بعض القذائف النارية ضد المتظاهرين ليوقفوا هذه الحركة فتقدم المرشد العام هذه الصفوف يدعوهم إلى الإنصراف وتعرض لهذه القذائف فى شجاعة وإقدام وأطلق عليه بعض رجال الشرطة النيران فتلقاها عنه أخ كريم هو عامل صغير فى السكة الحديد تلقى هذه الشظايا النارية فى صدره ليحمى مرشده ويفديه بحياته وأدت هذه الشظايا إلى وفاة هذا الأخ الفدائى بتأثير هذه الإصابة وأشيع أن هذه الطلقات كان يقصد بها اغتيال المرشد العام فى هذه المظاهرة, ولكن الله سبحانه وتعالى كتب له الحياة.

وانتهت المظاهرة وعاد الإخوان إلى المركز العام ولم يصب المرشد فى هذه المظاهرة إلا فى إصبعه ويده التى اصابها بعض هذه الشظايا وسال دمها, عاد الإمام إلى المركز العام عودة الظافرين وبكى المرشد والإخوان الأخ الفدائى الذى حمى مرشده بنفسه وأذكر أن اسمه الشيخ" عبد الرحيم" " دريسة" فى السكة الحديد ولم يطلب المرشد أن يعالج من إصابته فى مستشفى من المستشفيات ليظهر بمظهر البطولة أمام الجماهير وليتوافد عليه الزائرون من كل مكان لكنه عاد إلى المركز العام فى الحلمية الجديدة وارتقى منصة الخطابة وتحدث فى الإخوان يدعوهم إلى العمل فى صمت وإخلاص وأن يتجنبوا أساليب الشغب والتخريب فى مظاهرتهم شأن المهرجين والغوغاء من الناس.

وقد آلمنى منظر إطبعه الدامية ويده المصابة بالشظايا ولقد سمعت منه كلمة لا أنساها مدى الحياة... الحمد الله الذى جعل إصابتى فى إصبعى على نهج الإصابة النبوية فقد اصيب رسولنا عليه الصلاة والسلام فى إصبعه فناداها بقوله المأثور:

وهل أنت إلا إصبع دميت

وفى سبيل الله ما لقيت.

طرائف وفكاهات ويتذكر الأستاذ / محمد عبد الحميد أحمد رائد العمل الإسلامى بالجامعة بعض المواقف الطريفة للإمام الشهيد حسن البنا فيقول:

كان للإمام الشهيد إلى جانب مواقفه البارزة الإيجابية فى الدعوة مداعبات طريفة يلمحها الإخوان فى جلسات الموائد الإخوانية فى المركز العام...

وأذكر من ذلك قصة أخ اشترك معنا فى إحدى هذه الموائد وكان معروفا بالتشدد فى معاملاته وقد سأل هذا الأخ فضيلة المرشد سؤال مداعبة  :

هل يحل أكل جناح الدجاجة؟ فضحك الإخوان لهذا السؤال الغريب , وقدم الإمام لهذا الأخ جناح الدجاجة قائلا: خذه يا أخى ولا جناح عليك!

وذكر الإمام قصة طريفة أخرى فى هذه الجلسة الإخوانية أن رجلا كان يؤلمه كثرة مذاهب المسلمين ما بين الشافعى وحنفى مالكى وحنبلى وسأل أحد الأئمة فى عصره قائلا ألا نستطيع أن نوحد هذه لمذاهب المختلفة فى مذهب واحد وذلك بأن نتعرف على مذهب رسولنا صلى الله عليه وسلم بين هذه المذاهب ! فضحك الناس لهذا السؤال العجيب وأجاب الإمام سئله بقوله:

إن الله سبحانه " مالكى" والنبى صلى الله عليه وسلم " شافعى" وأنا " حنفى والسائل " حنبلى"

فكانت إجابة طريفة أشاعت السرور والإعجاب فى نفوس السامعين.

ومن الفكاهات الإخوانية الطريفة أن أحد الإخوان كان معروفا بنشاطه فى الدعوة وحرصه على حضور الاجتماعات فى مواعيدها ولما تزوج هذا الأخ تكاسل بعض الشئ ولم يحرص على الاجتماعات كما كان فى أول الأمر ولما سأل عنه الأستاذ الإمام أجابه أحد الإخوان الظرفاء بقوله: الأخ مستتر جوازا ! قال : ومتى يستتر وجوبا؟ قال : إذا مات!

ومن الظريف فى هذا المجال أن أخا سأل أخاه عن عنوان بيته ليزوره , فأجاب : اسكن فى شارع حسن الأكبر.. فأجابه الأخ على الفور ولله الحمد.

ومن طرائف الأستاذ " عبد العزيز كامل" أنه قسم الإخوان إلى قسمين إخوان عاملين وعاملين إخوان ! ونرجو أن نكون نحن وإياه من القسم الأول..

ومن بدائع تشبيهاته لدعوة الإخوان أنه شبهها بالكرة الكاوتش المطاط كلما ضربت إلى أسفل ارتفعت إلى أعلى! وهو يعنى أن المحن تزيدها قوة على قوة.

ومن ذكرياتى الطريفة فى كلية الآداب أن زميلا لى فى قسم اللغة العربية فى خلال محاضرة استاذ " أمين الخولي" رحمه الله حول إعجاز القرآن تكلم بكلمة نابية عن القرآن الكريم فالتفت إليه الأستاذ " الخولى " مستنكرا وأشار إلىّ هو يعلم أنى مندوب الإخوان فى الكلية ما تقول يا عبد الحميد فى هذا الطالب المجترئ على القرآن ...

أليس ملحدا؟ فقلت يا أستاذ أنا لا أعدّه ملحدا بل دون ذلك... فقال ومادون ذلك ؟ فقلت إنه مليحد...

فضحك الأستاذ وجميع الزملاء وقال لقد سلحت عليه بوصفك هذا كما سلح الخطيئة الشاعر الذى هجا " الزبرقان بن بدر" بقوله:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى

وقد سأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه " حسانا" وهو يعلم ما فى البيت من هجاء لاذع هل ترى أن الشاعر قد هجا الزبرقان بهذا البيت ؟

وكان عمر رضى الله عنه يبغى التلطف وعدم إثارة مشاعر " الزبرقان" وهو شكوه إليه ولكن حسانا لم يفطن إلى غرض عمر ورغبته بل كان صريحا فى رأيه حيث أجاب أنه لم يهجه يا أمير المؤمنين ولكنه سلح عليه! وقد ذكرنى موقف عمر رضى الله عنه هذا مع الزبرقان بن بدر بموقفه حين هجا " النجاشى الشاعر تميم بن ابى – من بنى العجلان – فاستعدى عليه عمر رضى الله عنه فقال يا أمير المؤمنين هجانى فقال عمر يا نجاشى .. ما قلت؟ قال يا أمير المؤمنين قلت مالا أرى فيه عليه بأسا وأنشده: إذا الله جازى أهل لؤوم بذمة

فجازى بنى العجلان رهط ابن مقبل

فقال عمر: إن كان مظلوما استجيب له وإن لم يكن مظلوما لم يستجب له قالوا وقد قال أيضا:

قبيلة لا يغدرون بذمة

ولا يظلمون الناس حبة خردل

فقال عمر : ليت آل الخطاب كذلك قالوا فإنه قال :

ولا يردون الماء إلا عشية

إذا صدر الوارد عن كل منهل

فقال عمر : ذلك اقل للزحام...

اقولا فإنه قال:تعاف الكلاب الضاريات لحومهم

وتأكل من كعب بن عوف ونهشل

فقال عمر : يكفى ضياعا من تأكل الكلاب لحمه.

وقالوا فإنه قال:

وما سمى العجلان إلا لقوله

خذ القعب واحلب أيها العبد وأعجل فقال عمر: كلنا عبيد وخير لاقوم خادمهم.

قال تميم فسله يا أمير المؤمنين عن قوله:

أولئك إخوان العين وأسوة

الهجين ورهط الواهن المذلل

فقال عمر: أما هذا فلا أعذرك عليه فحبسه وقيل جلده.

موقف مع الدكتور طه حسين

ومن ذكرياتى مع الدكتور " طه حسين" أنه فى إحدى محاضرات الأدب العربى أعلن أن الحياة العقلية قد ارتفعت فى العصر العباسى وتطورت الثقافة العربية وتعمقت واتسع مداها فى هذا العصر بسبب ترجمة الكتب الفارسية واليونانية فى عصر الرشيد والمأمون وشاع المجون والأدب المكشوف فى شعر بشار وابى نواس وظهرت المذاهب الهدامة والفرق الخارجة على تعاليم الإسلام والنزعة الشعوبية المعادية للعرب وأعلن الدكتور طه حسين أن العقل إذا ارتقى ضعف الوازع الدينى فلم يعجبنى هذا الرأى ونهضت مناقشا ومعترضا هذا القول وقلت له : إن الإسلام يقرر خلاف ذلك فى قوله تعالى:

( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير) وهذا يدل على أن العقل البشرى حين يضعف تتحكم فى الإنسان شهواته فيسقط فى المجون والمعاصى ويهوى فى النار فضحك الدكتور وسألنى هل أنت من الأزهر ؟ فأجبته لا يا أستاذ .. أنا من حمله الثانوية العامة وما التحقت بالأزهر؟

فقال إن العقل الذى تشير إليه والذى يشير إليه القرآن الكريم ليس هو العقل الذى أقصد فى حديثى ...

العقل الذى تشير العقل الخلقى, والعقل الذى أقصد إليه هو العقل الاجتماعى فقلت إن مفهوم العقل كما افهم سواء كان خلقيا أو اجتماعيا كما يشير الاصطلاح الفرنسى الذى أشرتم إليه فالعقل الذى اشار إليه القرآن هو العقل الذى تسمونه " الخلقى" وهو الذى يحجز صاحبه عن الشرور والآثام.. وأما العقل الاجتماعى الذى تعم فيه المفاسد والموبقات المهلكات عما ينبغى أن يكون وأحدثك عما هو كائن وهكذا يتناول الدكتور الحقائق بزخرف القول وأسلوب المغالطات.

وفى موقف آخر استمع الدكتور " طه" إلى بحث لأحد طلاب قسم اللغة اعربية كلفه بإعداده وقد لاظ الدكتور أن الطالب يتحدث بأسلوب المسلم الغيور ويسمى الأشياء بأسمائها فيسمى الانحرافات فسوقا وفجورا ويسمى التجديد على غير قواعد الدين تبديدا وبعد أن انتهى لاطالب من بحثه الذى استغرق ساعة أثنى عليه وأشار إلى ما بحثه من مزايا ووجهات نظر يشكر عليها ولكنه أشار إلى أبرز عيوب هذا البحث العلمى لكى يكون عمله عمليا صحيحا عليه أن يتجرد من الدين والقومية والعواطف والمشاعر الشخصية..

ولم أسترح إلى هذا الرأى السقيم وقمت معترضا الأستاذ قائلا: كيف تطالب الباحث أن يتجرد من دينه عند بحثه العلمى والدين هو الذى يدعو إلى التزام الحق والعدل ى قوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وإذا تجرد الإنسان فى بحثه من الدين فقد وقع فى الأهواء وحاد عن جادة الصواب ..

وأما المطالبة بالتجرد نم النزعات القومية وغيرها فهذا لا اعتراض عليه فاعترف الدكتور بصحة رأيى قائلا: صدقت ولا ننسى أن ديننا الحنيف يدعونا إلى التجرد من الأهواء والأغراض الشخصية كما ذكرت ولكنى أريد بالدين هنا النزعات الدينية وليس العقيدة الصحيحة وهكذا خلص الدكتور من زلة فى براعة ومهارة كعادته دائما.

وفى موقف آخر مع الدكتور " طه حسين" أنه أشار فى محاضرة له عن طبيعة التغيير الاجتماعى فى الأمم والمجتمعات فقال إن السابقين فى هذا التغيير الاجتماعى هم المستضعفون من البشر لأنهم يطمعون فى الخلاص مما هم فيه من ضعف وفقر وعجز...

وأما العباقرة والأذكياء فهم يتأخرون فى المشاركة فى هذا التغيير حتى تبين لهم قرب انتصاره وسيطرته على الأوضاع السياسية والاجتماعية فيومئذ يبادرون فى الانتظام فى سلكه والإيمان به طمعا فى نيل حظهم من المناصب والدرجات العليا وضرب مثلا لذلك بإسلام " أبى سفيان"," خالد ابن الوليد" وهما من قادة العرب قبل إسلامهما وبإسلام " بلال " و"عمار"

وهما من المستضعفين قبل الإسلام فضاقت نفسى ذرعا بهذا الرأى يرى أن العقيدة وحدها لا تكفى للإيمان بها طمعا فيما عند الله وأن هدف المستضعفين والكبراء جميعا عند إيمانهم وإسلامهم إنما هو المناصب والمغانم الدنيوية وهذا هو رأى المستشرقين وأعداء الإسلام فقلت له إن إسلام أبى سفيان وخالد بن الوليد كان إسلاما يقوم على العقيدة والاطمئنان إلى صحتها لا إلى المصلحة والمطامع الشخصية والدليل على ذلك أن الرجلين قد أبليا فى الفتوح الإسلامية وفى الدعوة إلى الإسلام أحسن بلاء وقد صدقا ما عاهدا الله عليه فى حياتهما ولم يؤثر عنهما انتكاسا ولا تخاذلا ولا ارتيابا بعد إسلامهما...

ويكفى أن الرسول عليه الصلاة والسلام شهد لخالد بن الوليد رضى الله عنه بأنه سيف الله المسلول وهذه الشهادة تثبت إخلاصه وصدق عقيدته وأن إيمانه بالدعوة لم يكن لغرض من أغراض الحياة فقال الدكتور لو صحت هذه الشهادة عن الرسول لكان الأمر كما تقول ولكن ما يدرينا أن هذه الشهادة عن الرسول حقا فقلت إن أكبر دليل على صحة هذه الشهادة هى موقف خالد يوم عزله أمير المؤمنين " عمر ب الخطاب هذه الشهادة هى موقف خالد يوم عزله أمير المؤمنين " عمر بن الخطاب وهو فى ذروة انتصاره فى معركة مع الفرس فلم يعترض خالد على أمر عمر ويثر عليه محتجا بل استقبله فى رضا وارتياح وانتظم فى الجيش جنديا يعمل لله لأبى بكر ولا لعمر.

وهو الذى أنقذ المسلمين فى غزوة " مؤتة" بروحه الفذة وبانسحابه المنظم العبقرى أمام جيش الروم الذى أبلغ المائة ألف جندى فى مواجهة ثلاثة آلاف جندى مسلم فقط فقال الدكتور إن أحداث التاريخ فى الكتب ليست كلها حقائق.

فقلت له إن أستاذ التاريخ الإسلامى تناول فى محاضرته لنا هذا وأثبت صحته علميا فما كان من الدكتور إلا أن قال: إن الذى أريده من طلابي ألا يسلموا بكل ما يلقى على مسامعهم من آراء وأفكار عليهم أن يشكوا فى كل ما يعرض عليهم من ذلك ويكونوا هدامين لكل قديم فليس الجامعى الحق هو الذى يقول لكل ما يسمع آمين بل الجامعى الذى يطلب فى كل ما يسمع البرهان ولا دليل ..

قلت له كيف تطلب منا أن نكون هدّامين ولدينا حقائق قدسية لا ريب فيها من قرآن ودين .. قال إن الحقائق لا يستطيعون هدمها مهما حاولوا فقلت له ولكننا لا نحاول فى ذلك لأننا مؤمنون ..

وهكذا انتهى النقاش مع الدكتور الشك والطعون معتمدين على ما قلوبنا من إيمان ويقين والحمد لله رب العالمين.

ذكريات فى العراق

وينتقل بنا الأستاذ / محمد عبد الحميد أحمد إلى العراق ليحدثنا عن ذكرياته هناك فيقول:

لى فى العراق التى انتدبت للتدريس بمدارسها الثانوية سنة 1941 ذكريات كثيرة ..

ولقد كان انتدابي فى هذا العام على أثر هزيمة ثورة العراق بقيادة رشيد عالى الكيلاني على الإنجليز وتولى نوري السعيد رئاسة الوزارة واتسع نشاط المخابرات العراقية والبريطانية فى التنكيل واعتقال الشباب المعروف بنزعته القومية العربية وبعدائه للإنجليز وكل ما هو انجليزى حتى اللغة ..

وعينت أول ما عينت فى دار المعلمين الريفية بضاحية " الرستمية" مدرسا للغة العربية.

ودار المعلمين عبارة عن عدة مبان منها القديم ومنها الجديد وهى معدّة على النظام الداخلى لجميع الأساتذة والطلاب جميعا إلا القليل ويلحق التلاميذ بها بعد الحصول على الابتدائية ويدرسون بها الثقافة الزراعية بصورة خاصة على اعتبار ان الطلاب سيتخرجون فيها بعد أربع سنوات مدرسين ثقافة عامة بمدارس الريف فقط وذلك لإنهاض الريف العراقى ورفع مستواه الاجتماعى بأسرع ما يمكن.

الشباب يسأل عن أسمهان!

وأذكر أنى أول ما دخلت لفصل استقبلنى الطلاب بمظاهر الترحيب, وكنت محتفظا دون زملائى المدرسين المصريين بالطربوش تمسكا بمصريتى كثيرا لا سيما فى النواحى الفنية من تمثيل وغناء وموسيقى وصحافة وتصوير .. وكان أول سؤال سألته فى أول حصة درستها للتلاميذ :

إيشلون أسمهان؟

أى كيف حال هذه المغنية المشهورة فى ذلك الوقت..

فقلت للسائل :

إن مصر قد أسكرها طويلا صوت أسمهان وصباح وأم كلثوم وهى اليوم قد عرفت أنها أحوج ما تكون إلى أصوات جديدة وألحان فريدة , قالوا :

وما هذه الأصوات وتلك الألحان فى مصر ؟

قلت: إن الأصوات الجديدة التى عرفتها أمتنا العربية والإسلامية فى مصر هى أصوات الحق والقوة والحرية هى أصوات الدعوة الإسلامية الخالدة التى انبعث هذه الأيام من جامعات مصر.. الله أكبر .. إسلامية ربانية لا شرقية ولا غربية..

إنسانية قرآنية لا قومية ولا حزبية..

إن الأمم يا شباب العراق لا تحيا بالأغانى والأمانى ولا بأغاريد أم كلثوم وألحان أسمهان ولو امتد ذلك لزمن غلى عصرنا الحاضر لقلت لهم ولا بموسيقى الأطراش وأنات " نزار القبانى " شاعر المرأة, بل الشاعر المرأة كما سماه بعضهم...

وإنما تحيا الأمم بروح أبى بكر وجهاد عمر وبذل عثمان وكفاح صلاح الدين.. وقد اندفعت فى هذه التوجيهات الإسلامية وانصرفت لحظات طوالا عن موضوع الدرس الذى أعددته لهؤلاء الطلاب وأخيرا اعتذرت للطلاب عن خروجى عن موضوع الدرس إلى هذه التوجيهات فأجاب الطلاب إن هذه التوجيهات خير لنا من موضوع الدرس وحبذا لو كان حديثكم معنا دائما حول هذه الموضوعات التربوية النافعة!

فسارعت إلى العودة إلى الدرس المقرر فى المدة الباقية من الحصة وقد لاحظت أن الطلاب قد تأثروا بهذه الكلمات تأثرا عميقا..

وقد كنت أوجه الطلاب كما هى عادتى قبل حديثى فى درس التربية الإسلامية لأول مرة بسؤال مفاجئ من منكم أدى صلاة الفجر اليوم يا شباب؟ فنهض ثلاثة طلاب على الفور فقط وينهض طالبان اثنان فى تثاقل واستحياء, بل فى خجل وكان عدد طلاب الفصل يومئذ ثلاثين طالبا ففهمت أن الطلاب الثلاثة الذين نهضوا فورا عن السؤال هم الذين أدوا الصلاة حقا ولذلك نهضوا مطمئنين غير مضطربين وأما الطالبان الآخران فهما قد حرصا على الظهور بأداء الصلاة إرضاء للمدرس فقط ولذلك بدأ عليهما الاضطراب والخجل ففهمت من ذلك أن فريضة الصلاة وهى عنوان الإسلام الأكبر لا يقوم بها إلا عشر طلاب المدرسة تقريبا وبذلك كانت مهمتى صعبة فى هذا الشباب وفى توجيهه إلى مبادئ الإسلام.

وقد حدث أن زارنى فى مسكنى بالعراق خمسة طلاب من المعجبين بكلماتى وتوجهاتى وأخذوا يوجهون إلىّ الأسئلة الكثيرة حول الدعوة الإسلامية وكيف يؤدون رسالتهم نحوها وما لبثنا أن سمعنا أذان الظهر فدعوتهم جميعا إلى صلاة الظهر جماعة فاستجابوا لدعوتى وقد فهمت أن صلاتهم هذه هى أول صلاة لهم وأنهم لم يتلقوا من آبائهم وأمهاتهم أمرا بالصلاة ولا من أساتذتهم وذلك لأنهم لم يجدوا القدوة الصالحة لهم فى أداء هذه الفريضة..

فعلمتهم كيف الوضوء وكيف الصلاة... ولما بدأنا الصلاة لاحظت أن أحد الطلاب المصلين سبقنى فى الركوع والسجود فعجبت لذلك فى نفسى وفلت لعله نوى المفارقة على بعض المذاهب ولما قضينا الصلاة بادرت بسؤاله لماذا لم تصل معنا جماعة ولماذا انفردت فى صلاتك معنا؟ فأجاب لقد صليت معكم جماعة ولم أصل منفردا ! فقلت:

لماذا لم تتابع الإمام فى ركوعه وسجوده؟ فقال : وهى صلاة الجماعة تقتضى بهذه المتابعة فى الركوع والسجود؟ قلت : عجبا لك يا بنى! ألم تدخل مسجدا من المساجد وتلاحظ كيف يصلى المصلون وراء الإمام وأنهم يسجدون كما يسجد ويرفعون كما يرفع ؟

قال لم ألاحظ هذا الأمر ونشكر لكم يا استأذنا أن علمتنا لأول مرة ما لم نكن نعلم..

وقد سألنى بعض إخوانى فى مصر بعد عودتى فى أجازة صيفية عن حال الدين فى العراق فقلت له إن الدين فى مصر " يتيم" ولكنه فى العراق " لطيم" واليتيم الذى فقد والده صغيرا وأما اللطيم فهو الذى فقد والديه جميعا..

وقد اتصلت فى العراق بالشخصيات التى تدعو إلى الإسلام ومبادئه على نهج الإخوان فلم أظفر إلا بالقليل وأشهر هذه الشخصيات الأخ الأستاذ طه الفياض – رحمه الله – وهو صحفى معروف له نشاطه الصحفى فيما يكتب وفيما يدعو , وقد تعرض لمحنة الدعاة فى كل عصر فى عهد حركة رشيد غالى الكيلاني واعتقل فترة طويلة بتهمة اتجاهه القومى والإسلامى المتطرف ضد نظام الحكم!

كما اتصلت بجمعية الهداية الإسلامية وهى اشبه الجماعات بالإخوان فى مبادئها وتعرفت بسكرتيرها العام الأستاذ كمال الطائي وكنت أدعو طلابى إلى الحضور فى هذه الجمعية كل يوم خميس بعد صلاة المغرب وأتحدث إليهم فى شئون الدعوة وأهدافها كما كنت أدعو الدكتور " حسين كمال الدين"

أستاذ المساحة فى كلية الهندسة ببغداد إلى المحاضرة فى هذه الجمعية وقد وفق الله الدكتور " حسين" فبايعه على الدعوة الطلاب القوميون بكلية الهندية وكان بالكلية مجموعة من الشيوعيين هداهم الله على يديه وأنشأ فى الكلية مصلى كان يؤمهم فى الصلاة ويشرح لهم أهداف الدعوة بأسلوب سلس جذاب وقد كان الدكتور " حسين" محبوبا من طلابه وزملائه أساتذة الكلية وعميدها حتى أنه لما نوى إنهاء خدمته بعد وفاة والده طلبوا إليه البقاء بالكلية ويشترط ما يشاء من شروط فى المرتب والمزايا الأخرى فاعتذر الدكتور وأنهى خدمته بعد سنتين من عقده مشكورا وقد قام هذه الفترة الوجيزة بأ‘مال هندسية جليلة فى العراق كتحديد القبلة فى المساجد وغيرها من المشروعات الهندسية مما أطلق ألسنتهم بالثناء الجميل عليه وعلى إخلاصه وخدماته...

د.الصواف العراقى النابغة

وقد توّجت حركة الإخوان فى العراق أخيرا بالاتصال بالأخ الداعية المخلص الشيخ" محمد محمود الصواف" وقد عاد من مصر يحمل إجازة كلية الشريعة بالجامع الأزهر وقد حصل على هذه الإجازة بتفوق عظيم فى عامين اثنين فقط ومدة الدراسة فى الكلية أربع سنوات استطاع الأستاذ الصواف بمقدرته ونبوغه أن يختصر هذه السنوات الأربع إلى سنتين فقط وهذا يحدث لأول مرة فى تاريخ الكلية وأذكر أن مجلة الإخوان أشارت إلى هذا النجاح الباهر وكتبت كلمة عن الأستاذ الصواف تحت عنوان " عراقى نابغة"

وقد اتصل فضيلته فى مصر بالإخوان وتعرف بالإمام الشهيد واندمج فى سلك الدعوة ودعاتها ولا يزال بحمد الله من كبار الدعاة الإسلاميين ينطلق من مقر إقامته بمكة المكرمة إلى مصر وتركيا وباكستان والمغرب وغيرها ويتصل بالمجاهدين الأفغان ويؤلف الكتب القيمة فى التفسير والمخططات الاستعمارية وله رحلاته فى أفريقية وله المحاضرات القيّمة فى الكويت والإمارات زاده الله تفيقا وبارك جهاده وحياته ونفع بها المسلمين وهو عضو بارز فى الرابطة الإسلامية بمكة المكرمة.

وبعد انتهاء خدمتى فى العراق حمل لواء الدعوة الشيخ الصّواف وكان مستشار هذه الحركة المباركة فضيلة الأستاذ العلامة الشيخ أمجد الزهاوي – رحمه الله – وهو من العلماء القلائل الذين لا يخشون فى الله لومة لائم نحسبه كذلك ولا نزكى على الله أحدا!

وقد استقر رأى الإخوان فى العراق أخيرا على أن يقيموا الدعوة وضعا رسميا فسمحت الحكومة للدعوة بالقيام تحت اسم " الإخوة الإسلامية" واختير الأستاذ عبد الرحمن خضير المحامى رئيسا لها.

وقد أصدرت الجماعة ا بعض الرسائل الإسلامية فى التفسير والتوجيهات الإسلامية النافعة .. وقد اشترك مع الجماعة الأستاذ " طه الفياض" رحمه الله.

وفى العراق تعرفت على شخصيات فاضلة خدموا الدعوة أجل الخدمات فى بغداد والبصرة وأشهرهم الأخ السيد / عبد العزيز العلي المطوع والأخ عبد الذكير والأخ " عبد الفتاح غياس" وغيرهم ممن أسهم فى مشروعات الدعوة بماله وقلمه ورأيه جزاهم الله عن الدعوة خيرا..

ومن ذكرياتى فى العراق اختيارى مندوبا عن الهداية الإسلامية لإلقاء كلمتها فى مناسبة الاحتفال بذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام , وفى هذا العام كان الشاعر العراقى المشهور " معروف الرصافي" قد اصدر كتابا يسمى" رسائل التعليقات" تناول فيه شخصية رسولنا عليه الصلاة والسلام وصورة فيها بأنه مثال للعظمة الإنسانية رغم تعلقه وخضوعه وتأثره بالناحية الجنسية فى كثرة زوجاته وهذا الوصف السقيم لرسولنا عليه الصلاة والسلام أثار نقدا كثيرا وجهه إليه كثير من الأدباء نشر فى مجلة الرسالة التى كانت أشهر المجلات الأدبية فى ذلك الوقت وقد حاول كثير من الوعاظ وخطباء المساجد فى العراق أن يحملوا على هذا الرأى وسفهوا شخصية قائله " معروف الرصافي"

فحاكمتهم وزارة الأوقاف بالعراق واعتبرتهم متعصبين ضد الشاعر المعروف بحرية الفكر وأصدرت منشورا بتحريم نقد هذا الشاعر وقد الأهمنى الله سبحانه وتعالى فى كلمتى حول ذكرى المولد النبوى فى قاعة المحاضرات الكبرى أن أتناول شخصية " الرصافى" فقلت فى تمجيد الرسول وبيان عظمته أنها ليست كعظمة الإسكندر وأرسطو ونابليون وشكسبير وغيرهم ولكنها عظمة علوية ربانية لا تقاس بعظمة العلماء والشعراء والقادة بل عظمة النفس الرفيعة والقلب الحى المنير والروح الفياض بالسمو الإلهى والخفاق بأ‘لى المعانى...

ولقد دهشت لهذا الشاعر الصغير فى ميزان السمو الإنسانى يتناول شخصية محمد صلى الله عليه وسلم ويصفه بالخضوع للحياة الجنسية فقلت تعسا له ما أشبهه بالذبابة التى رأت بدر السماء فقالت يا لها من شرارة جارحة!

فأثارت هذه الكلمات الغاضبة عالية ممتدة من التصفيق من المستمعين الذين لم يصفقوا لجمال الوصف والتصوير وإنما صفقوا لأن هذه الكلمات يفيض بها قلب شاب يضطرم حماسة وغيرة فى روحه ونبرات صوته ولأنهم استراحوا إلى نقد هذا الشاعر الذى حرمت الحكومة نقده فى المساجد والندية فكان هذا الوصف تعبيرا عما فى نفوسهم واعتبروها جرأة وشجاعة محمودة تستحق التشجيع والإكبار وقلت إن عظمته (ص) تتجلى فى عظمة الخلق ولهذا كان أعظم وصف فى القرآن الكريم( وإنك لعلى خلق عظيم).

وهكذا انتهت هذه الكلمة المتواضعة التى لم تشتمل على بحث علمى ممتاز عن نواحى عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام كما تكلم الأساتذة الذين سبقونى فابدعوا فى البحث والاستقصاء ولكنها كلمة فطرية فاضت من قلب وعاطفة انبعثت من روح والحمد لله رب العالمين.

ولقد علمت أن هذه الكلمة نالت من الإعجاب والارتياح أكثر من الكلمات الأخرى رغم عدم عمقها واكتمال عناصرها وقد اعتبرها جمهور المستمعين الكلمة الأولى فى هذا الحفل وهكذا نرى الجماهير يستهويها الروح قبل الشكل والقلب فوق القالب .. كما علمت أن بعض المسئولين الذين حضروا هذا الحفل .

لم يستريحوا إلى كلمتى فى نقد شاعر العراق " معروف الرصافى" بصورة جارحة واعتبروها تدخلا منى فى شئون بلدهم وشاعرهم الخاص!

وعدت إلى بيتى بعد الحفل مستريح الضمير منشرح الصدر لأنى دافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلم دفاع المخلص المحب الغيور وحملت على ناقده حمله صادقة هبطت به إلى أسفل سافلين جزاء وفاقا فى الوقت الذى كممت فيه الأفواه.

ولما أقبل صباح هذه الليلة الغراء بشرتنى السيدة حرمى ببشرى طار بهاق لبى فرحا وسرورا وبهجة وغبطة وهذه البشرى تتخلص فى رؤيا منامية رأت فيها أحد الصالحين يقدم لها " حلة" جميلة رائعة تتلألأ نورا وقال لها إن هذه" الحلة" التى تزينها هى التى سيحظى بها زوجك فى الجنة وهى من نوع " حلة" زيد بن حارثة فسألتها هل الابتهاج وقلت إن " زيد بن حارثة"

هو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الرؤيا تدل على أن كلمتى فى الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الليلة الغراء قد سمت بى إلى منزلة الحب النبوى التى تمتع بها الصحابى الجليل " زيد بن حارثة" – رضى الله عنه – ويالها من منزلة دونها المنازل والدرجات!

وقد حضر هذا الحفل الكبير الدكتور" إبراهيم سلامة" وكان يعتبر عميدا للأساتذة المصريين المنتدبين بالعراق وقد زرته فى الفندق الذى كان يقيم فيه ببغداد ووجدته يعرف جيدا الإمام الشهيد ودعوة الإخوان ويثنى عليها أجمل ثناء وحدثنى الدكتور عن موضوعى الخاص الذى شغل وزارة المعارف العراقية مدة طويلة بسبب ردى على مدير المدرسة التى كنت أعمل بها " الإعدادية المركزية "

فى الرسالة التى حررها إلى عقب ظهور نتيجة اختبار الطلاب فى نصف السنة وكانت نتيجة مادة اللغة العربية التى أدرسها فى الصف الرابع الثانوى أقل من خمسين فى المائة وهى اقل كثيرا من نتائج الصفوف الأخرى التى يدرس فيها زملائى المصريين...

فكتب إلى مدير المدرسة الأستاذ " رشيد شلبي" يقول إن هذه النتيجة السيئة تدل أحد على أمرين: إما أن مستوى الطلاب ضعيف جدا فكان الواجب يقضى عليك بتنبيه.

المدرسة بهذا الضعف لتعالجه بزيادة الحصص الإضافية وإما إن سيادتكم لم توقفوا فى أداء الشرح كما ينبغى فيستفيد الطلاب كما استفاد زملاؤهم الآخرون فى الفصول الأخرى التى كانت نتائجهم تبلغ التسعين فى المائة.

ولقد أثارنى وآلمنى هذا الكتاب الذى حرره مدير المدرسة ورأيت أن أرد عليه دفاعا عن نفسى وكان خلاصة ردى أنى قد أديت واجبى فى شرح الدروس على أكمل وجه بحمد الله ولم أقصر فى عملى فى يوم من الأيام وقد بذلت جهدا كبيرا فى رفع مستوى الطلاب فى اللغة العربية بالإختبارات الشهرية بل الأسبوعية والإضافة..

وقلت له إن المدرس المخلص هنا يعانى كثيرا أكثر من غيره والمدرس الذى يجعل همه إرضاء رؤسائه يستطيع أن يقدم لإدارة المدرسة أعظم النتائج ولا يسأل عن عمله وتقديره..

وأحب أن اقنعكم أن مستوى اللغة العربية للطلاب عندكم – فى العراق – بصفة عامة ضعيف للغاية والدليل على ذلك أن رسالتكم التى أرسلتموها إلى وأنتم من المسئولين فى هذه الدولة ومن المربين البارزين تحوى أكثر من خمسة أخطاء نحوية وإملائية ! وكشفت له عنها...

وما إن وصلت هذه الرسالة الصريحة الجريئة إلى مدير المدرسة حتى ثار وهاج وأخذ يحدث كل من يتصل به من الأساتذة عن إهانتى له وثورتى الجامحة عليه بهذا الخطاب وأرسل الخطاب إلى المنطقة التعليمية ببغداد ووضع خطوطا حمراء تحت كلماتى الجارحة لمشاعره فكان خطابى هذا حديث الأساتذة ورجال الإدارة بالمنطقة التعليمية يتعجبون من جرأة موظف على مديره خلاف المعتاد حيث أن المعتاد أن ينافق المرؤوس رئيسه طمعا فى رضاه ورغبه فى نيل مصلحته الخاصة.

وقد أبلغت إدارة التعليم ببغداد الدكتور " إبراهيم سلامة" بموقفى الشاذ فى نظرهم من مدير مدرستى ولابد من نقلى إلى إحدى القرى عقوبة لى وذلك بناء على تقرير يكتبه الأستاذ إبراهيم سلامة عنّى فى زيارة تفتيشيه لى بالمدرسة ويقرر عدم ملاءمتى للتدريس فى المرحلة الثانوية " الإعدادية"

كما يسمونها ويطالب ينقلى إلى المدارس المتوسطة! فى إحدى القرى القاصية, وكان موقف الدكتور من هذا الطلب الظالم نبيلا لن أنساه له فقد أكد أن نقلى لا يحل المشكلة فالمدرس الفاشل سينقل فشله معه إلى المدرسة الجديدة!

ثانوية كانت او متوسطة ولكنه اقترح أن يصلح ما بين المدير والأستاذ بطريقته الخاصة وينصح الأستاذ المدرس بالإعتدال فى تقديره وعدم التشدد فى وضع الدرجات فوافقوه على رأيه وزارنى الدكتور الدكتور سلامة فى المدرسة وعاتبنى فى رفق وحكمة وقال لى:

كيف تجرؤ يا عزيزى على نقد مديرك بهذا الأسلوب الجارح المثير هذه روح صوفية لا تصلح للتعامل مع الناس فى عصرنا الحاضر وستسب بلك متاعب كثيرة فى حياتك وسوف أجمع بينك وبين المدير بعد نهاية الفسحة وأملى أن تسلم بوجهة نظرى ولا تتعصب لرأيك معى فإنى أريد مصلحتك وجئت اليوم دفاعا عنك بعد ما سمعتك فى حفل المولد النبوى ولمحت فيك الإخلاص وصدق الإيمان والعقيدة حتى أثنى عليك جميع الحاضرين من الشباب خاصة وهذا مما رفع راسي بين الشخصيات العراقية المسئولة التى حضرت هذا الحفل باعتبارنا مصريين..

ثم قال وعليك أن تعتذر لمديرك فى كتابة هذه الرسالة التى حررتها له بهذا الأسلوب المثير الجارح فقلت له أما الاعتذار فلا أرتضيه بحال من الأحوال لأننى قلت ما أراه حقا ولم أقصد الإهانة ولا التجريح..

وانتهت الفسحة ودخلت معه إلى غرفة المدير وبعد التحية بادرنى المدير بقوله يا أستاذ " عبد الحميد" إنى لا أحمل لك فى نفسى حقدا ولا سخطا وأنظر إليك نظرة الاحترام والتقدير لصفاء نفسك وصدق عقيدتك ولكنى كتبت إليك رسالتى التى كتبتها للمصلحة العامة فقلت له وإنى كذلك يا أستاذ كتبت ردى عليك للمصلحة العامة ولم أقصد التجريح ولا الإساءة....

وكان مما قاله ويدل على سوء نيته نحوى قوله لو كنت حاقدا عليك ما ما استطعت أن تدخل فصلا من الفصول وثار عليك الطلاب ثورة جامحة عارمة. وقد تذكرت فى أحد الأيام أن طالبا اندفع فى وجهى ثائرا بسبب تافه وتكلم باسم الطلاب عنى كلاما مهينا.. فما كان من طلابى إلا أن ثاروا فى وجه الطالب وعنفوه واعتذروا عن موقفه الأحمق ونفوا أنه يتكلم باسمهم وأنهم يرون فى شخصى والدا كريما ومربيا فاضلا...

وطلبوا من هذا التلميذ – بعد استئذانى – بالخروج من الفصل تأديبا له فقلت إنى سأسامحه إذا اعتذر ولا أحرمه من درسى باعتبارى والدا للجميع ..

فأعتذر الطالب وتبين لى فيما بعد أنه مدفوع من الخارج بهذه الثورة الرعناء... ولكن الله بدافع عن الذين آمنوا ...

والحمد لله رب العالمين..

وأخذ الدكتور إبراهيم سلامة يتحدث عن أسلوب التشدد فى وضع الدرجات وأنه كثيرا ما يؤدى إلى الظلم وضرب مثلا لذلك فى لجنة من لجان التصحيح فى مصر وقال إن المصحح الأول منح الطالب فى مادة " التعبير"

إحدى عشرة درجة وعند المراجعة لاحظ المراجع أن الدرجة دون ما يستحق الطالب فعرض الورقة على مصحح آخر فقال إنه يستحق فى نظرى خمسة عشرة درجة وقال آخر إنه يستحق سبع عشرة درجة وعلى هذا فالتسامح دائما خير من التشدد وعليك يا أستاذ عبد الحميد ألا تتشدد مع الطلاب ولا تعامل الطلاب فى العراق كما تعاملهم ف مصر فمستوى الطلاب فى مصر غير مستواهم فى العراق لا سيما فى اللغة العربية.. فاقتنعت بوجهة نظر الدكتور إبراهيم ووعدته بالتسامح وعدم التشدد فيما بعد وانتهت المقابلة بالصلح وانتهت الأزمة النفسية فيما بينى وبين المدير والحمد لله رب العالمين.

ومن ذكرياتى فى هذه المدرسة نفسها أنى كلفت بوضع أسئلة اختبار طلاب السنة الرابعة الثانوية فى مادة اللغة العربية مشتركا مع زميل لى مدرس فى المدرسة واخترت موضوع التعبير ملائما لمستوى الطلاب بهذا النص: أكتب فى احد الموضوعين الآتيين:

أ‌- الوطنية أخلاق وأعمال

ب‌- والموضوع الثانى الاختيارى كان من وضع زميلى الأستاذ

" صادق الأعرجى" وكان نصه هكذا:

" ما كذبت الأمين ولكن ائتمنت الخائن"وحاولت أن أفهم المراد من هذا الموضوع الذى اختاره الأستاذ الأعرجى فلم استطع..

سر الحروف

ومن الذكريات الجميلة التى لا تزال راسخة فى أعماق نفسى ما فتح الله على إمامنا الشهيد خلال محاضرات يوم الخميس من كل أسبوع لقسم الطلاب بالمركز العام وكان موضوع المحاضرة " دراسات قرآنية " تناول فيها موضوع الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور من القرآن الكريم مثل ( ألم, ق, ص,...... الخ).

وتناول آراء المفسرين فى دلالتها وحكمتها ...

ثم هداه الله وكشف فى هذه الحروف إذا جمعت وحذف المكرر منها تكوين عبارة تدل على أن هذه الحروف لها حكمة ربانية وسر إلهى ...

وهذه العبارة هى " نص قاطع حكيم له سر" وقد عرضت هذا التصوير الجميل على الشيخ الصالح "كامل حسن" وكيل كلية الشرعية سابقا – رحمه الله - فكان جوابه أن القرآن الكريم كما وصف الرسول – عليه الصلاة والسلام – لا ينتهى عجائبه وهذا فتح من الله يؤتيه الله من يشاء من عباده الصالحين والإمام البنا رجل قرآنى امتزج القرآن بلحمه ودمه فلا عجب أن يهديه الله بتأمله وتدبره إلى هذه الملاحظة البديعة حقا.

واعظ وليس داعية

ومن الذكريات التى تميز الدعوات والدعاة عن غيرهم من العلماء والوعاظ أن الأخ " عبد اللطيف أبو قورة" رحمه الله رئيس إخوان شرق الأردن " اتصل هاتفيا بالمركز العام وأجابه " عبد الحكيم عابدين" – رحمه الله- وكان ذلك فى شهر رمضان..

وقد طلب الأخ أبو قورة من المركز العام " داعية" إخوانيا يقوم بنشر الدعوة وأحكام الدين فى مناسبة شهر رمضان فاتصل الأخ عابدين بالمرشد العام واتصل المرشد بشعب القاهرة ثم شعب الأقاليم ليعثر على الداعية المطلوب المتفرغ فلم يظفر به وأخيرا اهتدى إلى واعظ قدير محب للإخوان ولما عرض عليه القيام بمهمة الدعوة فى " عمان " ولم يكن مرتبطا بالدعوة فى جهة من الجهات كدعاة الإخوان _ استجاب الأخ الواعظ شاكرا مشكورا وتوجه بعد أيام غلى " عمان" واتصل هناك بالإخوان وقام هذا الأخ بمهمته خير قيام فى عمان وما حولها من مراكز ..

وفوجئ المركز العام بمكالمة هاتفية من الأخ " أبو قورة" وهو يحدث الأخ عابدين حين سأله عن رأيه فى الواعظ ولكنه ليس داعية من دعاة الإخوان كما طلبت منكم فنظر إلى الأستاذ عابدين نظرة ذات معنى وقال لى ما كنت أتصور أن الحاج عبد اللطيف يفطن بهذا العمق والإدراك إلى الفرق بين الواعظ والداعية فقلت له متجاهلا وما الفرق بينهما فى نظرك؟

فقال إن الواعظ يتكلم بلسان العلم والفقه والداعية يفيض بروح الدعوة والعقيدة! الواعظ يقدم للسامعين كلاما طيبا يصل إلى الآذان والعقول والداعية يوحى للسامعين معانى ربانية تهز المشاعر والقلوب!

وما أجمل ما وصف الداعية الإمام الشهيد " حسن البنا" فى بعض مقالاته فى مجلة الإخوان بقوله :

استطيع أن أتصور المجاهد " الداعية شخصا قد أعد عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحى نفسية وجوانب قلبه فهو دائم التفكير, عظيم الإهتمام على قدم الاستعداد أبدأ إن دعى أجاب أو نودى لبى غدوه ورواحه وحديثه وآراؤه , وسروره وغضبه لا يتعدى الميدان الذى أعد نفسه له ولا يتناول سوى المهمة التى وقف عليها حياته وإدارته ..

تقرأ فى قسمات وجهه وترى فى بريق عينيه , وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم فى قلبه من جوى لاصق وألم دفين, وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة..

وأذكر حول هذا الموضوع أننى حرصت ذات يوم على زيارة خال والدى – رحمه الله – من كبار علماء الأزهر الشريف ومن رجال القضاء السابقين منذ أكثر من نصف قرن وقد حرصت على زيارته فى بيته وبصحبتى شاب إخوانى يفيض إيمانا ورجولة ويتدفق حماسة وغيرة وحمية وهو الأخ " عبد الفتاح البساطي"

رحمه الله وكان طالبا بكلية الزراعة وكان حريصا على لبس الزى العسكرى دائما فى غدوه ورواحه ويحمل المصحف فى جيبه الأعلى وذلك ليشعر أنه جندى من جنود الدعوة فى كل وقت وحين وأنه على استعداد أن يدافع عنها إذا دوى النفير نفير الجهاد ليلا أو نهارا , وقد كان الدافع إلى أن اصحبه معى فى هذه الزيارة هو إعجاب الخال الكبير" الشيخ عبد الحميد محمد أو أحمد"

بدعوة الإخوان المسلمين وبمرشدها العظيم.. وقد كان موضوع لحوار بين الأخ البساطى والشيخ الكبير يدور حول الرسالة كما ينبغى وكان يتكلم بحرارة فياضة يستشهد بها فى حواره مع الشيخ وكان يحفظ القرآن كله ويتلوه فى خشوع عميق وترتيل بديع مما كان يزيد الشيخ إعجابا وإكبارا بهذا الشاب الجامعى وتأثرا به حتى اعترف الشيخ بوجهة نظر الأخ البساطى فى تقصير الأزهر فى أداء رسالة الإسلام وكان مما قال إن الأزهر بدأ فى أول الأمر جامعة مستقلة عن الحكومة يتقاضى المشايخ معاشهم من أوقاف الأزهر وكان يصرف لكل أزهرى يوميا " الجراية" الخاصة به وهى عبارة عن عدة أرغفة من الخبز ويتقاضى مبلغا شهريا ضيئلا يستعين به على قضاء حوائجه من مأكل وملبس ومسكن..

وقد كان العلماء فى ذلك الوقت يجهزون بكلمة الحق لا يبالون ولا تأخذهم فى الله لومة لائم ولا يخشون أحدا إلا الله ولما خضع الأزهر للحكومة وكانت المؤامرة استعمارية نجحت فى تنفيذ سياستها وذلك بإغراء المشايخ بزيادة رواتبهم الأمر الذى أبهج قلوب المشايخ وكان مما قاله لهم شيخ الأزهر فى ذلك الوقت " الشيخ الإمبابى":

عجبا لكم أيها المشايخ! أيسركم زيادة الرواتب ولا يؤلمكم خضوعكم للحكام الذين يمنحوكم الرواتب ويسلبوكم حريتكم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ والله إنى لأخشى عليكم بمرور اليام أن تضيعوا الإسلام بموقفكم الذليل! واستمر الشيخ فى حديثه المؤثر قائلا: وهكذا يا بنى كادوا للأزهر وأضاعوا رسالته , وكانت رسالته من قبل هى رسالة دعوة الإخوان اليوم هى الجهاد فى سبيل الله بالنفس والمال والدم..

ثم قال الشيخ للبساطى حسب الشيخ" البنا" شرفا وفخرا أن ربى جيلا من شباب الإسلام أمثالكم..

وما انتهى الشيخ من كلمته حتى سمعنا أذان الظهر فتوقفنا عن الحديث واستعد كل منا لأداء الفريضة ولما طلبنا من الشيخ أن يؤمنا فى الصلاة أجاب أن أحقّنا بالإمامة هو " البساطى" فرفض الأخ أن يؤم الشيخ ولكن الشيخ أصّر على رأيه وقدم الأخ يدفعه بيديه للإمامة قائلا إن الطاعة خير من الحياء والأدب ..

وهكذا انتهى مجلسنا بعد انتهاء الصلاة .. وكانت جلسة طيبة نافعة لن أنساها مدى الحياة.

رجل المواقف

الإمام البنا وعمدة الصعيد

ومن الذكريات التى تكشف عن عبقرية الإمام الشهيد فى حل المشكلات وإنقاذ المواقف ما بلغنى من الأخ السيد " عبد الحي الخولي نائب شعبة سوهاج بالصعيد فقد حدثنى أن الشيخ " عبد الله المازني" عضو الهيئة لتأسيسية رغب فى تأسيس شعبة للإخوان فى قرية" نجوع مازن"

ولم ير داعيا فى للإستئذان من عمدة بلدته ورأى أن الإخوان أسمى من أن يستأذنوا أحدا فى هذا الشأن فاتصل رأسا بالمركز العام وطلب ممن فضيلة المرشد أن يفتتح بنفسه هذه الشعبة ومعه من يشاء من كبار الإخوان وأعد سرادقا كبيرا يسع لمئات من الناس وحدد اليوم الذى يحضر فيه وواافق الأستاذ المرشد ووعد بالحضور فى الموعد المحدد وبعد إعداد السرادق الكبير وفى اليوم الذى قدم فيه المرشد بلغ العمدة" عمدة القرية" هذا الإحتفال وذلك الإستقبال فعز على نفسه أن يتم كل هذا دون علمه وبغير استئذانه وهو عمدة البلدة فثار ثورة مضرية وغضب غضبه صعيدية وعزم على أن يتقلد سلاحه على رؤوس أصحابه ويقتل من يتعرض له من الإخوان...

وفى اللحظة الأخيرة بلغ المرشد هذه الثورة العارمة وذلك العزم الرهيب فما كان منه إلا أن سارع فى خطوات سريعة إلى بيت العمدة فالتقى به فى منصف الطريق ومعه عصابته بأيديهم الأسلحة والمعاول والحجارة فما كان من المرشد إلا أن اندفع إلى العمدة يحييه ويعرفه بنفسه قائلا" أنا حسن البنا" جئت أعتذر إليكم عما فعله الشيخ" عبد الله المازني" معكم فقد اقام هذا الحفل الكبير دون استئذانكم وقد جئت أطلب إليكم فرض عقوبة شديدة عليه لمخالفته آداب الإسلام فى موقفه هذا فما كان من العمدة إزاء كلمة المرشد إلا أن قال:

لقد سامحته يا شيخنا من أجل خاطركم فأجاب الاستاذ ولكنى لا أسامحه وأصر على عقوبته..

فقال العمدة: عفا الله عما سلف وطلب العمدة من رجاله أن يعودوا من حيث أتوا فقال الأستاذ لا داعى للعودة ويسرنى أن أدعوكم ومن معكم إلى حضور هذا الحفل ليزداد بكم سرورا وشرفا كبيرا..

فلبى العمدة ومن معه طلب الأستاذ المرشد راضيا مغتبطا واندمج العمدة ومن معه فى هذا الحفل يكبر مع المكبرين ويهلل مع المهللين.

وهكذا أنهى الله سبحانه وتعالى هذا الحملة النارية الحامية التى أدركها الإمام قبل اشتعالها وأطفأها بحكمته وتواضعه وقد آثر ألا يسترح لحظة بعد قدومه من السفر وقد علاه غبار السفر ولم يجف عرقه بعد.. تاركا المظاهر مظاهر القيادة والهتاف والتكبير والتعظيم فإذا بالنار المتأججة تتحول إلى برد وسلام وإذا بالخصومة المستعرة تنقلب إلى محبة غامرة وهكذا يعالج الإمام الشهيد المشكلات ويقضى عليها بنفحات إخلاصه وإيمانه وتقواه وتواضعه وإخلاصه وقديما قال حكيم لقد قضيت على أعدائى جميعا فقيل له وكيف قضيت عليهم وكلهم أحياء فقال قتلت عداوتهم وصيرتهم أصدقاء.

وهكذا ما فعله إمامنا الشهيد – رحمه الله –الإمام البنا وفتوة السبتية

ذكرنى هذا الموقف الجليل بحادث آخر يشبهه إلى حد كبير وذلك إن إخوان حى " السبتية" بالقاهرة رغبوا فى إقامة حفل كبير يتسع لآلاف من أهل الحى وما حوله.

ولما علم بذلك الحفل الإخوانى " فتوة" المنطقة المشهور الحاج " إبراهيم كروم" رحمه الله ثارت ثائرته كيف يقام هذا الحفل ولم يؤخذ رأيه ويستأذن وهو أسد الغابة المهيب الجناب وحارس المنطقة الهمام وأقسم أن يهدم هذا السرادق ويطرد من فيه مهما كثر عددهم عقوبة لهم على إقامة هذا الحفل دون علمه وبغير استئذانه وقد جمع بعض أعوانه من الشباب ومضى إلى هذا السرداق ليقلبه رأسا على عقب وتصادف دخوله هذا السرادق فى خلال كلمة الإمام الشهيد وهو يتحدث عن نواحى عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام وقد لاحظ الحاج" إبراهيم كروم" جو السكينة والهدوء يسود هذا الجمع الحاشد وكأن على رؤوسهم الطير فوقف يستمع إلى كلمات الإمام من شغف وإعجاب ..

وما هى إلا لحظات حتى انبهر هذا الفتوة الغشوم بهذه الكلمات الربانية النورانية التى يلقيها الإمام من أعماق قلبه فيهز الجماهير هزة الإعجاب والسرور ويندفعون بالتكبير والتهليل كأنهم فى " عرفات" وفى يوم الحج الأكبر فما كان منه إلا أن انتفض من غير وعى ولا شعور يصرخ بأعلى صوته الله أكبر...

يا نور النبى الصلاة والسلام عليك يا " أجدع نبى ورسول" وذلك بتعبير الفتوات..

ولم يسعه إزاء هذا الموقف إلا أن يجلس على الأرض بجوار منصة الإمام الشهيد ويأمر جماعته أن يجلسوا معه ليسمعوا هذه الكلمات الغوال التى تفوح عطرا وتتألق ضياء ونورا وسناء وبهاء ....

وانتهى الحفل بعد ساعات ووقف إبراهيم كروم يصافح الإمام ويحاول تقبيل يده ويعاهده على أن يعمل فى هذه الدعوة جنديا من جنودها ويلتزم بمبادئها وتعليمها ويودع ماضيه الحافل ..

ثم يقدم فى هذه المناسبة النبوية عدة كباش ويذبحها فى مناسبة المولد النبوى الكريم ويوزعها على أصدقائه وعلى الفقراء والمساكين من أهل الحى ابتهاجا بهذه الذكرى العطرة...

وابتهاجا بانضمامه إلى الإخوان..

وهكذا كان موقف هذا الفتوة الرهيب أشبه بموقف " عمر بن الخطاب" رضى الله عنه يوم إسلامه حيث كان يعتزم فى هذا اليوم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم – وعندما سمع آيات الله عليه خشع قلبه وسر الإيمان فى وجدانه..

وضربت " فاطمة" أخته أمامه المثل الأعلى فى الثبات على العقيدة ولم تبال بما أصابها من عمر الثائر الذى أسال دمها بسبب إسلامها وقد هداه الله بما سمع من القرآن فأسلم وكان إسلامه فتحا ونصرا وقد نال درجة الشرف الكبرى من الرسول _ عليه الصلاة والسلام – درجة " الفاروق" الذى فرق الله بإسلامه بين الحق والباطل..

كما نال " أبو بكر" رضى الله عنه بتصديقه الرسول – عليه الصلاة والسلام- لحادث الإسراء والمعراج لئن قال هذا لقد صدق : نال درجة " الصديق" وهى درجة عليا لا تسمو فوقها إلا درجة النبوة وأعظم بها من درجة.

ورحم الله الحاج إبراهيم كروم .. وأسكنه واسع جناته فقد التقى فيما علمت بالأستاذ المرشد " حسن الهضيبي" ذات مرة وهو يشكو ويقول :

أيرضيك يا فضيلة المرشد أن نكون فى صراعنا من المخدوعين والمغفلين أمام خصومنا رجال الثورة ؟ فأجابه المرشد وقال :

أما الخداع فلا يعيب الأحرار أن يخدعوا ولكن الذى يعيب الأحرار أن يكونوا مغفلين ثم قال الحاج إبراهيم " إذا نصرنا الله على هؤلاء المخادعين ألا ترى فضيلتكم أن نذيقهم الكأس التى أذاقونا إياها جزاءا.... وفاقا؟ فأجاب المرشد العام ... لا ... يا حاج إبراهيم إنما ينبغى أن يكون موقفنا إذا انتصرنا هو موقف رسولنا - عليه الصلاة والسلام – يوم فتح مكة وهو الفاتح المنتصر على قومه " اذهبوا فأنتم الطلقاء".

موقف مع أحد المرشحين

من الذكريات الجميلة التى سمعتها من شخصية غير إخوانية كان يعمل بالإسماعيلية فى أول عهد الإمام الشهيد بها.. وهذه الذكرى تدل على قدرة الإمام الفائقة على حسن التخلص والتصرف الحكيم فى المواقف التى يتورط فيها أكثر الناس ويضطرون إلى مجاملة الناس حرصا على رضاهم وإن كان ذلك على حساب الحق والأصول.

وذلك أن أحد المرشحين للانتخابات فى الإسماعيلية جرى على أن يستخدم كل وسائل الدعاية لنجاحه فى هذه الانتخابات اقترح عليه وذلك بكلمة يلقيها فى سرادق خاص أعد للدعاية وحين طلبوا من الأستاذ أن يتكلم كلمة تزكية للمرشح اعتذر بأنه لا يعرفه حق المعرفة فألحوا عليه وناشدوه أن يتكلم ما يشاء حول هذا المرشح ويؤكدون له صلاحه واستقامته فما ان من الأستاذ إلا أن استجاب لدعوة هؤلاء الأنصار ..

وكانت كلمته تدور حول معنى الإنتخابات والغرض الذى ترمى إليه ...

وأنها أمانة فى عنق كل مسلم وإذا انتخب المسلم رجلا يرى غيره خيرا منه فقد خان الله والأمانة وحوسب حسابا عسيرا كما أشار رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فى قوله " من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" ويقول أمير المؤمنين " عمر بن الخطاب " مؤكدا هذا المعنى من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين.

ووجه الإمام الشهيد كلمة للحاضرين فى السرداق قائلا: كنت أتمنى أن أكون على معرفة بهذا المرشح أقف فيها على أخلاقه وطباعه وفهمه لدينه وعمله بأوامره واجتنابه لنواهيه وحرصه على مصلحة وطنه و خدمة الناس. ولو كنت ممن يعرفون فى الأستاذ اكتمال هذه الصفات والمزايا لسارعت إلى انتخابه استجابة لله ورسوله وللمؤمنين ولا يكفى فى هذا المجال شهادة بعض الناس بفضله واستقامته بل لابد أن نتحرى فى الحكم..

وإنى أدعوكم إلى هذا التحرى حتى تطمئنوا إلى اختياره دون غيره غير متأثرين بقرابة أو دعاية أو مطمع من مطامع الدنيا...

وخلاصة القول أن الإنتخاب أمانة فليحفظ كل منكم أمانته وهكذا كان الإمام الشهيد موفقا كل التوفيق فى كلمته حول هذا المرشح فقد أرضى أنصاره بقبول الدعوة إلى الكلام عنه فى هذا السرادق ولم يتورط فى تأييده بغير بينة وشرح للحاضرين معنى الانتخاب , وضرورة انتخاب المرشح الذى تتوفر فيه الصفات الكاملة من دين وخلق وإخلاص وصلاح..