د. محمد محسوب يكتب: قانون مكافحة الإرهاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. محمد محسوب يكتب: قانون مكافحة الإرهاب


(8/18 / 2015)

ليتأكد كل قارئ أن هذا المقال – وفقا لقانون الانقلاب – هو جريمة إرهابية، وأن قراءته له هي مشاركة في الجريمة.. لذا لزم التنبيه

فالإعلان الدستوري الكارثي المسمى زورا تشريعا، برقم 95 لسنة 2015، غيّر حتى دستور الانقلاب، وأهدر ما تبقى من حقوق مكتوبة كان يهدرها عملا فأسقطها قانونا وقنن كل الجرائم التي تجري منذ 3 يوليو 2013 من قتل للأبرياء واغتصاب للأموال وإخفاء للمواطنين وتكميم للأفواه ومراقبة لشبكات التواصل، وإليك نماذج:

أولا: غيّر من سلطات رئيس الدولة بأن أنشأ – في المادة 53 - حالة جديدة غير حالة إعلان الطوارئ التي ذكرها دستور لجنة الخمسين في المادة 154 دستور ، وهي "حالة خطر الإرهاب" وهي حالة فضفاضة لا تعرفها تشريعات ولا تضبطها سوى أهواء المستبدين. ويُمنح رئيس الانقلاب نفسه، في هذه الحالة، سلطات غير مسبوقة لأي رئيس على وجه المعمورة، وهي: إخلاء بعض المناطق من ساكنيها – وعزل بعض المناطق – وحظر التجوال فيها..

بالطبع هو فعل كل ذلك، لكنه كان خارج نطاق القانون، فأصدر قانونا يشرعن ما أجرم فيه..

ثانيا: تلاعب بالألفاظ، فاستخدم مصطلح "الأعمال الإرهابية" ليصف بالإرهاب أي خناقة عادية بين شخصين، إلى مجرد الطلب من مأمور الضبط القضائي إظهار ما يثبت شخصيته، وصولا للحديث في أي شأن يخالف هوى السلطة أو ينتقد أداءها أو ينظر بعين رديئة لرموزها أو يخالف بياناتها..

أما عبارة "جرائم إرهابية" فعرّفها التشريع المعجزة "كمن عرف الماء، بعد الجهدِ، بالماءِ" ، فهي " كل جريمة منصوص عليها في هذا القانون" وفقا للفقرة 1-3.. ثم نص على أفعال عادية وطبيعية بالعشرات يمكن أن تتحول لجرائم بمجرد الزعم بأنها مقترنة "بقصد ارتكاب جريمة إرهابية"..، وعلى الدوائر الخاصة للمحاكم التي نص هذا التشريع على تشكيلها أن تثبت وجود هذا القصد الخفي..

فإذا جرى نظرك بين مواد هذا التشريع الأسطوري، فستكتشف أنه لم يترك شاردة ولا واردة من الأفعال التي يمكن أن تصدر من أي شخص عادي، سوى بعض الأفعال الثانوية.

ففعلك مُجَرَمٌ على شبكة الانترنت (م29) أو على صفحة جريدة أو على ورقة مطبوعة أو في خطبة تلقيها أو في كلمة عابرة أو في رأي تعلنه أو في تدريبك في النادي (والذي ربما كان تدريبا على أعمال عنيفة كالكاراتيه" أو حتى تدريب على إنشاء موقع على الإنترنت أو إنشاء صفحة فيس بوك (م15)، أو في جلسة وُد مع صديقين فتصبحون ثلاثة..

أو في مكالمة هاتفية مع صديق تكتشف أنه منضم لمجموعة صوفية أو فريق كرة قدم، لسوء حظه جرى إدراجه في القوائم الإرهابية.. ألخ.

بل إن سلوكك لو جرى تفسيره أنه دخول عنوة (بدون استئذان) لسفارة أو لمقر حكومي أو مركز شرطة أو مسجد أو كنيسة أو مدرسة أو مستشفى (وهذه جهات لا يُتصور بها استئذان إلا لو أصبح دخولها بتصاريح!!) ، فستصبح إرهابيا بتعريف المادة الأولى ومرتكبا لجريمة تستحق عليها سجنا (م 16) ومصادرة للمال، لأن كل حكم على كل من تعتبره سلطة الانقلاب إرهابيا سيكون سجنا ومصادرة للأموال (عقوبة تكميلية لازمة).

ثالثا: كنت أستغرب أن أموالي (المتلتلة) جرى التحفظ عليها قبل صدور أي قرار من النائب العام، فجاء هذا التشريع (الفلتة) ليشرح لي ما عجزت عن فهمه، وربما يشرح لمن مُنع من السفر دون أن يكتشف قرار النيابة بمنعه.. فهذا القانون شرعن ما هو واقع من قيام ما يُسمى بالجهات "السيادية" بالتحفظ على أموال المواطنين ومنعهم من السفر (م 47) بعد أن أشار إليهم القانون في عدة مواضع تحت عنوان "السلطات المختصة" مميزا بينها وبين النيابة العامة، بل والشرطة.

رابعا: الطيبون مازالوا يعتقدون أن الحصانة التي منحتها المادة 8 من هذا التشريع من المسائلة القانونية "للقائمين على تنفيذ هذا القانون" حتى لو قتلوا المواطنين هو للشرطة فقط؛ بينما المشرع الفطن يضحك لأنه ظن أنه خدع عموم الشعب وجميع النخب..

فالحصانة هي "للقائمين على تنفيذ هذا القانون"، بكل ما تتخيله من "سلطات مختصة"، وكل جهة تُمنح الضبطية القضائية مؤقتا أو للأبد أو حتى شركات أمن خاصة، يُوكل إليها حماية اشخاص أو مبانٍ أو منشآت؛ خصوصا وهو قد تجهز لذلك بمنح الشرطة والمخابرات حق إنشاء شركات أمن خاصة مُعفاة من أي رقابة أو التزام بالتسجيل لدى جهات الدولة..

خامسا: أيضا الطيبون أمثالنا يعتقدون أن نقابة الصحفيين لها خاطر كبير عند سلطة الانقلاب، لكن ذلك جرى تكذيبه بحبر المطابع الأميرية، فجاءت المادة 35 لتعاقب كل صحفي أو جريدة تورد رأيا مخالفا أو بيانات مخالفة لما يصدر عن سلطة الانقلاب (بغرامة).. البعض يفرح لأنها بغرامة مهما كبرت، فسيتجمع أهل الخير للدفاع عن الصحفي المسكين وإنقاذه بجمع نصف مليون جنيه يدفعها.. لكن الضحك سيكون كالبكا عندما تعلم أن التشريع قرر عقوبة تكميلة للصحفي هي شطبه من النقابة لمدة سنة..

سادسا: السياج من الصمت الذي يضربه هذا القانون على الشعب المصري، لا يشمل فقط منع أي رأي معارض في جريدة أو موقع إلكتروني أو مدونة شخصية أو في مسجد أو شارع أو ميدان، إنما أيضا في الجلسات.. فأصبح من غير الجائز بث مقاطع من المحاكمات أو تداول أخبارها إلا بإذن رئيسها (م 36).

سابعا: لم يعد التخابر (م 17) كما كان تواصلا مع دولة أجنبية بما يضر الأمن القومي، وإنما أصبح مجرد التواصل مع أي جماعة (ولو من ثلاث أشخاص) تعتبرها السلطة إرهابية، حتى لو كان مقرها داخل البلاد (كالإخوان المسلمون) أو خارج البلاد (كحماس) أو حتى جميعة للزكاة يكون بعض أصدقائك قد اسسوها في بلاد الغربة أو في قريتك..

ثامنا: الانقلاب بهذا التشريع الدستوري الأسطوري يقدم نفسه حاميا لأمن الدول الأجنبية، بعد أن حقق الأمن والأمان في ربوع مصر؛

- فيقرر بالمادة 4 أنه تسري أحكام هذا القانون على كل مصري أو أجنبي ارتكب جريمة من جرائم الإرهاب خارج مصر وذلك في الأحوال التالية .. 2- ... (ب) إلحاق الضرر بأي من المنظمات أو الهيئات الدولية أو الإقليمية.

- ثمّ ينص في المادة 17 على معاقبة "الدخول عنوة" بقصد ارتكاب جريمة إرهابية ولو من أجنبي بل ولو في خارج مصر، على:
- مقار البعثات الدبلوماسية
- المنظمات الدولية
- السكن الخاص بموظفيها

لا يمكن فهم أن يُعاقب تشريع داخلي على جريمة محتملة في بلد آخر تقع على مصالح أخرى إلا في نطاق جنون العظمة ولوثة التشريع التي أصابت الانقلاب بعد إصداره لمئات التشريعات دون رقيب أو حسيب.. فاعتقد أنه أصبح موكولا بالتشريع للعالمين بعد أن أسعد المصريين بتشريعاته..

إلا لو كان هدفه أن يستثمر سجونه ودواليب تعذيبه بأن يؤجرها للدول التي تخجل من بناء السجون وتوسيع المعتقلات ومباشرة تعذيب البشر فيرسلون له الزبائن..

وهي مهنة امتهنها نظام مبارك حيث درج على تلقي من ترغب الولايات المتحدة في تعذيبهم لانتزاع الاعترافات، لينوب هو عنها في القيام بالمهام القذرة..

عاشرا: جعلت المادة 18 استخدام العنف أو الترويع أو التهديد لمحاولة قلب نظام الحكم و/أو تغيير الدستور وشكل الحكومة ، جريمة إرهابية، دون خجل من أن الوحيد الذي ارتكبها يقبع على رأس هرم السلطة في مصر الآن.

حادي عشر: وحتى لا يُخطئ القضاء في استجلاء (القصد الإرهابي) – حيث إن كل مادة من التشريع الدكتاتوري تتحدث أن أي فعل هو إرهابي طالما صاحبه قصد ارتكاب جريمة إرهابية – فإن المشرع أراح الجميع بتشكيل "دوائر خاصة" من المحاكم بكل درجاتها للحكم في مثل هذه القضايا؛ وقضاة هذه الدوائر المختارة أدرى بعملهم، وأقدر على استنطاق القصد والكشف عن خبايا الإرهابيين، وقد أثبتت الدوائر الخاصة نجاعتها وفاعليتها على مدار عامين من الانقلاب بأحكام إعدامات ومؤبد وتغطية على عمليات القتل في السجون بما يؤهلها للارتقاء في سلك سقوط العدالة..

وأخيرا.. لم يعد لدينا لا دستور 2012 ولا حتى دستور 2014 لجنة الخمسين المعينة من الانقلاب..

إنما لدينا دستور الإرهاب..

المصدر