د. رشاد البيومي: الإمام البنا استحق لقب مجدد الإسلام في القرن العشرين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. رشاد البيومي : الإمام البنا استحق لقب مجدد الإسلام في القرن العشرين

[07/09/2003]

مقدمة

المنهج العملي جعله مميزًا عن كل المصلحين الذين توقفوا عند المنهج النظري

استطاع بشخصيته البسيطة أن يؤثر في كل من حوله، فكان بالفعل مرشدًا للجميع

لم يكن الشهيد حسن البنا مجرد داعية ومجدد، أو مؤسس لجماعة إسلامية كبرى انتشرت في كل بقاع الأرض، وأثرت بفكرها على كل الاتجاهات الإسلامية، أو أنه كان زعيمًا، له وجوده وقبوله بين السياسيين والعلماء والمشايخ، لم يكن كل هذا فقط... وإنما كان أيضًا أخًا أكبر لكل من يعرفه، يهتم بأدق تفاصيل حياتهم ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم.

يقول الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه" أحداث صنعة التاريخ" أن تلغرافًا جاء للإمام الشهيد من أحد الإخوان بإحدى الشعب بالأقاليم أثناء اجتماع هيئة مكتب الإرشاد، يطلب من المرشد أن يختار له اسمًا لمولودته، فما كان من الإمام الشهيد إلا أن يقطع الاجتماع ويقول لسكرتيره أرسل تلغرافًا لهذا الأخ وأبلغه تهانينا له، واقترح عليه اسم مريم لمولودته.

هذا هو الإمام الشهيد حسن البنا الذي عرّفه الأستاذ عمر التلمساني بأنه الملهم الموهوب، أو هو أستاذ الجيل كما قال المرشد الثالث، وليس غريبًا أن يصفه من لقوه بذلك، بل هو أمر طبيعي أن يحدث مع شخصية كان لها تأثير في كل من حولها، ولكن عندما يصفه بذلك من لم يقابلوه أو يحدثوه، وإنما سمعوا عنه وقرءوا له وتأثروا بفكره، وساروا في ركاب الجماعة التي أسسها منذ أكثر من 72 سنة، فهو ما يستحق التوقف عنده.

والأسئلة التي تطرح نفسها علىمن تحدث عنه ولم يلقاه تكاد تكون معروفة وهي: لماذا؟ وكيف؟ وإلى أي حد؟ وهي الأسئلة التي طرحناها علي الدكتور رشاد البيومي الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة ووكيل نقابة العلميين، وأحد رموز الإخوان المسلمون والحركة الإسلامية بشكل عام، كما أنه أحد رواد العمل الطلابي، وله تاريخ طويل في جماعة الإخوان المسلمين . وبدأنا معه الحوار…

نص الحوار

  • كيف استطاع الإمام البنا أن يؤثر في كل الطبقات والفئات بمختلف ألوانها؟!
البساطة التي اتسم بها الإمام البنا كانت هي عنوانه لقلب من يستمع إليه أو يلقاه أو يقرأ له، وقد كان رحمه الله ينتهج المنهج الرباني القائل" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " وقد كان الإمام الشهيد رحمه الله يتمتع بكل هذه الصفات، مما كان يتيح له فرصة الانسجام مع الناس، وهو ما جعل مجتمع الإخوان مجتمعًا شاملاً، حيث استطاع رحمه الله أن يوضح جواهر الإسلام المخبوءة، ولم يكتف بالكلام النظري، بل كان الواقع العملي هو طريقه أيضًا لقلوب الناس والعباد، حيث جعل قواعد وأسس الإسلام واقعًا ملموسًا، وكان يهتم رحمه الله أن يكون رجل الإخوان علي هذا الشكل، أو بمعني آخر أن يكون صورة للفكر الذي يحمله، وهو ما أعطى للدعوة الاستمرارية والانتشار في وقت زمني بسيط.
إضافة لهذا كان رحمه الله حريصًا علي الموضوعية وخدمة الناس، وهو كما قلت جعل كلامه الذي ينادي به واقعًا عمليًا ملموسًا تجمعت عليه القلوب قبل أن تتفق عليه العقول، هذا إضافة لأسلوبه الفريد في الدعوة، حيث غزا رحمه الله المقاهي والنوادي وكل أماكن التجمعات ولم يكتف بالمساجد فقط، بل كان حريصًا علي توضيح دعوة وفكر الإسلام في كل المنتديات والتجمعات والجمعيات وبين كل الأوساط، وهو ما كان له تأثير علي كل رجال الدعوة بعد ذلك.
وكما قلت سابقًا إن الموقف العملي هو الأهم، وأتذكر عندما كنت في سجن" أبو زعبل" بعد محنة عام 54 أن قابلت أحد الإخوان الكبار في السن، وعندما سألت هذا الشيخ عن عمره، قال لي سنًا بسيطًا لا يتناسب مع هيئته وعمره الحقيقي، فنظرت إليه متعجبًا، فقال لي إن عمري الحقيقي يبدأ منذ أن تعرفت علي الإخوان، ثم حكى لي كيف تعرف علي الإخوان وهي بالفعل حكاية عجيبة، حيث كان هذا الأخ الفاضل مدمنًا إلى حد الشراهة، وفي يوم بعد أن خرج من الخمارة التي كان يسكر فيها وجد طابورًا منظمًا من الشباب يرتدون زيّ الكشافة، ويحملون أمامهم لافتة تدل علي أنهم من الإخوان ، وكان في هذا الشارع الذي تقع به الخمارة رجل بلطجي يمارس سطوته على كل من يمشي بالشارع، وحاول التعرض لطابور الإخوان، فما كان من قائد الطابور إلا أن أمر أحد الشباب أن يخرج ليتعامل مع هذا الرجل، وبالفعل لقنه درسًا وحمي الناس من شره، فما كان من هذا الشيخ إلا أن ذهب وهو ما زال سكرانًا لمكتب الإخوان طالبًا منهم أن يكون واحدًا منهم، واستقبله الإخوان حتي صار واحدًا منهم.

الدعوة الجامعة

  • جمعت دعوة الإخوان داخلها كل طبقات المجتمع من أساتذة وعمال وباشوات وفلاحين وعلماء وعوام الناس.. فهل يرجع ذلك لشخصية الإمام البنا نفسه؟
لاشك أن الإمام البنا رحمه الله استطاع بشخصيته أن يؤثر في كل هذا، ويجمعهم في جماعة واحدة لها فكر واحد وعلي قلب رجل واحد، وهو ما جعله ينقل الشخصية من السطحية إلى العمق، ولك أن تتخيل كيف استطاع الإمام البنا أن يذهب بدعوته للنجوع والقري والكفور، في وقت كانت الخرافات والخزعبلات هي السائدة في المجتمع المصري، وفي الحقيقة لقد استطاع الإمام البنا أن يظهر جواهر الإسلام التي خبئت عنوة من خلال التاريخ.
  • كيف استطاع إذن الإمام البنا أن يقوم بذلك؟!
لقد كان رحمه الله يحدث كل إنسان بلغته وكل واحد باهتماماته، إضافة للصدق في الدعوة إلى الله، ما يخرج من القلب لابد أن يصل للقلب، يضاف لذلك الإحساس بالجدية في كل مرحلة من المراحل وصورة من الصور، والنماذج العملية الحية.
  • إلى أي مدى كان تأثير الإمام البنا على الحركة السياسية بشكل عام؟
في بداية القرن العشرين كانت معركة التغريب ضد العالم الإسلامي قد وصلت لذروتها، حيث فشل الغرب في وأد الإسلام كفكر، فتعاملوا معه من خلال الأشكال الثقافية المختلفة بهدف زعزعته في نفوس المسلمين، ولك أن تتخيل أن المساجد في بداية القرن العشرين لم يكن يرتادها سوى الشيوخ وكبار السن، وكان نادرًا أن تجد شابًا يرتاد المسجد، وزاد هذا الأمر مع سقوط الخلافة الإسلامية، وهو ما كان له تأثير سلبي على الأمة الإسلامية كلها، ولذلك يعد الإمام الشهيد حسن البنا سببًا في إحياء قضية الولاء للإسلام وهو ما جعله يستحق لقب مجدد الإسلام في القرن العشرين، فالجامعة مثلاً لم يكن بها سوى مصلى صغير، وكان غريبًا أن تجد فتاة تضع علي رأسها "الايشارب" وليس الحجاب، ولم يمض على دعوة الإخوان سنوات عديدة حتى كانت المساجد تملأ الجامعة، والحجاب ينتشر بين جموع الطالبات، وكونه رحمه الله يحيي هذه المعالم في نفوس المجتمع الذي بدأ يعيش التغريب في كل صوره، فهو أمر ليس بالبسيط والهين، والأهم أن هذا الدور لم يقتصر علي مصر فقط، بل امتد إلى كل الدول العربية والإسلامية، وبدأ الحديث عن العودة إلى الأصول الإسلامية، وبيان عظمة الإسلام كنظام للحياة ينتشر بين كل الأوساط، ويتم التعامل معه كفكر جديد لابد أن يتم تطبيقه، ولعل هذا هو الدور الذي قام به الإمام البنا رحمه الله، وما جعله ليس كغيره من المفكرين أنه رحمه الله لم يكتف كما قلت سابقًا بالكلام النظري، وإنما كان المنهج العملي أهم عنده من المنهج النظري، مما جعل من الإسلام منهجًا يمكن تطبيقه بالفعل كفكر أصيل.

حادث الاغتيال

  • كيف أثر حادث اغتيال الإمام البنا على المجتمع المصري وقتها؟!
لاشك أن المجتمع خسر مجددًا حقيقيًا استطاع أن يدخل لقلوب وعقول الناس بدون عناء، إذا كان هذا إحساس جموع الشعب المصري، فإن الأمر بالنسبة للإخوان لم يكن سهلاً أو بسيطًا بكل المقاييس، وظن الإخوان وقتها أن الدعوة لن تستمر وأن الجماعة دخلت في مراحلها النهائية، فمؤسسها ومرشدها قتل، وهناك قرار بحل الجماعة، والدولة تحارب الإخوان بكل الطرق، وغير ذلك الكثير والكثير، إلا أن الله سلم وخرجت الجماعة من هذه الأزمة بسلام، إلا أن تأثير مقتل الإمام البنا ظل مع الجماعة لفترة ليست طويلة.
  • ما الكلمات التي تصف بها الإمام البنا رحمه الله؟!
هو رجل أخلص لله سبحانه وتعالى، فأفاء الله عليه بنعمة القبول، وهو رجل زكّى نفسه، وحرص علي أن يقدم الخير، فيسر له الله كل الأمور، وفي النهاية هو رجل تسلح بسلاح العلم، فكان مرجعية لكثير من الأمور والقضايا.. رحم الله الإمام الشهيد حسن البنا.

المصدر

قالب:روابط رشاد البيومى