دولة فلسطينية في سيناء (مشروع عبد الناصر للتوطين)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دولة فلسطينية في سيناء (مشروع عبد الناصر للتوطين)


المقدمة

كانت اخطر مرحلة تعرضت فيه القضية الفلسطينية للتصفية ، كانت على يد جمال عبد الناصر في الفترة من (19531955) !!

ففي اثناء فترة رئاسة عبد الناصر للحكومة الثانية بعد انقلاب 1952 تم بدء مشروع توطين اللاجئين الفلسطينين في سيناء باتفاق بين عبد الناصر بصفته رئيس الحكومة وبين أمريكا ومن خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين (الانروا) .. ولم يفشله سوى الشعب المفلسطينى وقواه الحية

عندما يغيب الدور الحقيقى للاعلام الكاشف للحقائق ، فمن السهل حينذاك تحويل اشد الاحداث كارثية الى إنجازات وطنية .. يفوز فيها الزعيم ويخسر فيها الوطن .. في هذه الورقة نلقى الضوء على هذا المشروع وحقيقة موقف عبد الناصر منه وكذلك موقف القوى الوطنية الفلسطينية منه ..

الإدارة المصرية للقطاع

بعد حرب 1948 جرت مفاوضات فى رودس (فبراير 1949) ، تم بموجبها توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر والمحتل الإسرائيلي ، وكذلك إعلان إشراف الحكومة المصرية على إدارة قطاع غزة .. واستمرت تلك الإدارة من ذلك التاريخ الى 1967

(إسرائيل) ليست العدو .. بل الإخوان المسلمين

لقد كان عبد الناصر مشغولا بعداءه مع الإخوان المسلمين اكثر من انشغاله بدولة الاحتلال الاسرائيلى ! هذا ماذكره الصحفى الفرنسي إريك رولو (يهودى من اصل مصري) وكان رئيسا لقسم الشرق الأوسط فى جريدة لوموند ، ومن أبرز العارفين بشئون الشرق الأوسط ..

يقول انه على إثر تولى عبد الناصر مسئولية الحكم فى مصر ، حدد فى حديث لصحيفة "فورين أفيرز" الأمريكية فى عددها الصادر فى ديسمبر 1954، حدد أعداء الشعب المصرى الثلاثة كالتالى: "الشيوعيون، والإخوان المسلمون والسياسيون المنتمون للنظام القديم" !

وعلى خلاف مااشيع عن عبد الناصر ، سعى عبد الناصر طويلا الى السلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلى .. هذا ماذكره احد مساعدى الخارجية المصرية السيد (سيد قاسم المصرى)

الموقف من فلسطيني القطاع

كان للإدارة المصرية لقطاع غزة وجهان احدهما ايجابى والأخر سلبى وكلاهما كان انعكاسا لطبيعة الإدارة ذاتها في مصر

الوجه الايجابى:

  • جعلت الإدارة المصرية التعليم الابتدائي والثانوي العام حقيقة واقعة لأول مرة ، وقدمت منحاً دراسية للفلسطينيين في الجامعات المصرية ، ووعدت بتوفير وظائف حكومية لخريجي الجامعات .
  • باعت الإدارة المصرية قطع الأراضي بأسعار منخفضة للغاية لموظفي الخدمة المدنية وجعلت غزة منطقة معفاة من الرسوم الجمركية ما شجع على تطوير الفنادق والمطاعم لتلبية احتياجات المتسوقين.
  • وفر وجود الإدارة المصرية جو من الامن داخل القطاع مما انعكس بالتأكيد على إحساس اهل غزة بالاستقرار والأمان .

الوجه السلبى:

  • على الوجه الاخر كانت الإدارة المصرية في فترة عبد الناصر صارمة في مواجهة اى نشاط سياسى مستقل خاصة من التنظيمين الوحيدين في القطاع آنذاك الإخوان المسلمون والشيوعيون .
  • كانت الإدارة المصرية تنظر إلى سكان القطاع على أن كل فرد منهم تهديد محتمل مشتبه به ، مما دفعها إلى الاعتماد على التجسس وتوظيف المخبرين . خاصة تجاه أي شخص يملك آراءً "سياسية" !
  • المسئولون الذين أُوكلت لهم مهمة إدارة قطاع غزة من الجيش المصري كانوا في أغلبهم من رجال المخابرات الذين اعتادوا على القمع وعدم الثقة في الجماهير حتى أولئك الذين كانوا يشرفون على دوائر الصحة والتعليم والشئون الاجتماعية فقد كانوا من رجال المخابرات حتى وصل الأمر إلى أن كثيرا من المدرسين الذين جاءوا في البعثات التعليمية لمدارس القطاع كانوا ضباطا في المخابرات المصرية !!

عبد الناصر ومشروع التوطين

كيف حاول عبد الناصر فرض توطين الفلسطينيين في سيناء ؟! وكيف استخدم القمع المفرط للفلسطينيين الذين خرجوا رافضين لذلك المشروع ؟!

خطورة هذا المشروع بالذات

برغم وجود محاولات سابقة لتوطين الفلسطينين، الا ان مشروع التوطين الذى تم طرحه في 14 تشرين الأول 1953 كان هو الأكثر عمقاً وعمليةً ودمويةً وللأسف بيد عربية (عبد الناصر)

وذلك للأسباب التالية:

  1. كانت تلك اول مباحثات مباشرة تفضى الى اتفاق ملزم بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة المصرية ومندوبي وكالة الغوث فى عام 1953 حيث تم طرح مشروع مفصل لتوطين لاجئي قطاع غزة في صحراء سيناء .
  2. جرى المشروع بموافقة الحكومة المصرية (عبد الناصر) وبتعاونها تعاوناً تاماً مع وكالة الغوث (الاونروا)
  3. المشروع الوحيد الذي يمكن وصفه بالمشروع المتكامل والمنظم وبدخوله حيز التنفيذ العملي.

بنود المشروع

ويضيف الدكتور إبراهيم حمامي أن بنود مشروع التوطين ألزمت مصر بتقديم الآتي:

  1. 230 ألف فدان من الأراضي شمال غرب سيناء إلى وكالة الغوث لإجراء اختبارات زراعية عليها ، مع إعطاء الحق للوكالة بانتقاء 50 ألف فدان صالحة للزراعة من أجل اللاجئين .
  2. إيصال 1% من حجم مياه نهر النيل سنوياً إلى هذه الأراضي بسيناء.
  3. أن تتمَّ التجربة بدايةً على عشرين ألف لاجئ فلسطيني داخل قطاع غزة، ومن ثمَّ إرسال الدفعات الأخرى من اللاجئين والبالغ عددهم 59500 لاجئ من كل ربوع فلسطين .
  4. إعطاء الفلسطينيين سلطة للحكم المحلي لهذه المخيمات في سيناء، وذلك في محاولة لتسوية النزاع العربي-الصهيوني.

وعلى الرغم مما جاء في تقرير خبراء الأونروا من اعتراف المختصين باستحالة الحياة في تلك المنطقة، لقلِّة المياه والتكاليف الباهظة لاستصلاح التربة، ورأي الأطباء عن الأمراض التي ستداهم اللاجئين وتُهّدّد حياتهم. إلا أن مشروع التوطين قد حَمل في ذات الوقت موافقة خبراء وكالة الغوث والمضيِّ قدمًا في تنفيذه بمساعدة الحكومة المصرية.

إجراءات التوطين

  1. تم تشديد الحصار على المخيمات الفلسطينية بقطاع غزة من قبل وكالة الغوث إضافة إلى بعض المخاتير في بعض المخيمات !
  2. بالإضافة إلى تشديد الحاكم العسكري المصري سعد حمزة إجراءاته القمعية مثل إلغاء حق الاجتماع والنشر والتظاهر ، وكان يذهب إلى مخيمات في وسط قطاع غزة مثل البريج والنصيرات والغازي، ليصرخ في اللاجئين "الأفضل أن تذهبوا إلى سيناء في اللوريَّات بدل أن تذهبوا إليها مشيًا على أقدامكم".
  3. ملاحقة المعترضين على مشروع التوطين ؛ وارسال بعضهم إلى مصر ليحاكموا بتهم تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد !!
  4. بدأت إسرائيل في الغارات على المخيَّمات في قطاع غزة من أجل تفكيكها بغرض الضغط على لاجئى غزة للقبول بتوطينهم في سيناء !!
  5. في 28 فبراير 1955 قامت عصابات من الجيش الصهيوني بالتسلل إلى مدينة غزة ومحطة القطارات تحديدا حيث قتلت العشرات من حرس الحدود المصريين والحرس الوطني الفلسطيني حديث الإنشاء فيما كانوا نيام في مهاجعهم بالمحطة ..
  6. توجهت قوة أخرى لتنقض على نقطة البوليس الحربي المصري المشرفة على طريق غزة-رفح عند وادي غزة فأبادت الجنود المصريين المتواجدين في تلك النقطة ..

انتفاضة قطاع غزة عام 1955

عندما علم الفلسطينيون أن الوكالة انتهت من اختيار الأرض وبدأت في إعدادها لنقل العائلات الفلسطينية ولو قسرا إليها .. اجتمع وجهاء القطاع وقادته واتفقوا على مقاومة هذا المشروع الامريكى المصرى !!

حقيقة تعاون الإخوان المسلمين مع الشيوعيين

لم تكن القوى السياسية الموجودة في قطاع غزة ذات وزن نسبى واحد من حيث الشعبية ، ولم تكن كذلك لها ذات الموقف من الاحتلال الاسرائيلى !

القوى السياسية بالقطاع

في اعقاب انقلاب 52 نجحت حركة الإخوان في استقطاب العديد من أبناء القطاع لا سيما من فئة الشباب والطلاب خلال عامي 1952-1954 م ، وقد قامت حركة الإخوان المسلمين في القاهرة بإرسال بعثات دينية رسمية إلى القطاع عرفت باسم بعثة "الوعظ والإرشاد" ، وقد ظهر ذلك في شعبية الإخوان في قطاع غزة ..

ففي انتخابات اتحاد طلاب مدرسة فلسطين الثانوية - وهي المدرسة الثانوية المتكاملة الوحيدة في قطاع غزة – فاز بكل المقاعد شباب الإخوان المسلمين ولم يفز احد من الشيوعيين وكذلك جرت انتخابات نقابة المعلمين لمدارس اللاجئين التابعة لوكالة الغوث الدولية .. ففاز بمقاعدها جميعا الإخوان المسلمون باستثناء مقعد واحد فقط للشيوعيين

كل ذلك اعطى وزنا كبيرا لجماعة الإخوان المسلمين في إدارة الانتفاضة الشعبية لاهل القطاع ضد مشروع التوطين .. والى جانب الإخوان المسلمين نشط الشيوعيون الذين توجسوا في البداية من حركة الجيش في 52 اذ اعتبروها مؤيدة من قبل الأمريكيين

حقيقة الموقف من (إسرائيل)

ففى حين تبنى الإخوان المسلمون محاربة (إسرائيل) واسترجاع الحقوق الفلسطينية منها ، وتحرير فلسطين .. لم ينادى الشيوعيون مطلقا بمحاربة (إسرائيل) ، او يهتفوا ضدها !! فقد بقوا على موقفهم من الإيمان بحق (إسرائيل) في الوجود على ارض فلسطين !

طالب الإخوان المسلمون بإلغاء مشروع سيناء لأنهم عدوه (وأداً للقضية الفلسطينية) وهتفوا ضده وحاربوه في 28-فبراير-1955م. أما الشيوعيون فقد حاربوا مشروع سيناء ، وهتفوا ضده لأن (أمريكا) هي التي اقترحته ، ولو جاء الاقتراح من طرف الاتحاد السوفيتي لباركوه ولدافعوا عنه !

هذه هي أهم الفروق بين موقف الفريقين اللذين قادا تلك المظاهرات ، وقد فسر بعض السياسيين ومنهم اليساريون، بأن الهجوم الصهيوني إنما جاء لإرغام مصر على الدخول في "حلف بغداد"، وهذا تفسير مجانب للحقيقة في واقع الأمر، فقد دأبت (إسرائيل) على القيام بمثل هذا الهجوم قبل ظهور حلف بغداد، وعلى دول عربية كانت في حالة تعد معها أقرب ممن دخل في حلف بغداد، فقد تعرضت الأردن لاعتداءات مماثلة بل أشد في قرية "قبية" وغيرها.

ولأول مرة ذهب (معين بسيسو) احد قادة الشيوعيين ومعه جملة من رفاقه إلى المسجد العمري الكبير في غزة لأداء الصلاة الى جوار قادة الإخوان المسلمين (فتحى البلعاوى) .. فقد كان الخطب جليل وكانت حالة الغضب العام لم تسمح لأي فئة من مكونات الطيف السياسي أن تتخلف عن موقف الشعب الفلسطيني كله.

نعم كان هذا اللقاء قصير العمر ، إذ سرعان ما انحاز الشيوعييون إلى نظام جمال عبد الناصر وصاروا أهم حلفائه على الصعيد الشعبي، سواء في مصر وفي قطاع غزة وفي غيرھما من البلاد العربية .

الشارع الفلسطيني ينتفض

تم تجييش الشعب الفلسطيني - بكامله في قطاع غزة ضد هذا المشروع كان الفلسطينيون بكل اطيافهم السياسية يقفون في صف وامريكا ودولة الاحتلال وحتى عبد الناصر نفسه يقف في صف اخر !!

  • فعلى إثر هذا الهجوم الغادر على حرس الحدود المصريين والحرس الوطني الفلسطيني 25/2/1955 ، ساد الغضب انحاء قطاع غزة وتحوَّلت حصص التاريخ في المدارس إلى حصة لفضح مشروع التوطين في سيناء ..
  • ثم انضم الشيوعيون الى تلك المظاهرات وأخذوا يهتفون هتافاتهم الخاصة التي لم تناد أبدا بالانتقام من (إسرائيل) أو محاربتها ولكن محاربة الأمريكان وعملائهم ، انطلاقا من شعورهم كعملاء للاتحاد السوفيتي ، فكان هتافهم (لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان)
  • قامت القوات المصرية بقمع المظاهرات بشدة لكن أعمال الاحتجاج تواصلت عشرة أيام متتالية تقودها نقابة معلمي الوكالة التي شكلت لجنة وطنية لرفع مطالب الجماهير للإدارة المصرية وكان على رأس اللجنة فتحي البلعاوي من الإخوان ومعين بسيسو من الشيوعيين
  • قامت الإدارة المصرية بإعلان حظر التجول في قطاع غزة كلها .. لكن لم يستجب له أحد فظلت الجماهير الغاضبة تجوب الشوارع .. تصدت القوات المصرية للمظاهرات في قطاع غزة بعنف بالغ فقامت الشرطة بمواجهة المتظاهرين باطلاق النار فسقط حوالى 30 شهيد
  • تزايد الغضب الجماهيري الفلسطيني مما أدى الى هرب اللواء عبد الله رفعت الحاكم الإداري للقطاع إلى مدينة العريش، وإرسال سعد حمزة الحاكم العسكري للتفاوض مع اللجنة الوطنية العليا والتي تم انتخابها من جموع المتظاهرين لمعرفة مطالبهم ..
  • في 10/3/1955 التقى سعد حمزة الحاكم العسكري بأعضاء اللجنة العليا (معين بسيسو عن الحزب الشيوعى ، وفتحي البلعاوي عن الإخوان المسلمين) والذين نقلوا مطالب الشعب الفلسطيني الرافض لمشروع التوطين

والتي تمثلت في أربعة مطالب:

  1. رفض وإيقاف مشروع توطين اللاجئين في سيناء .
  2. تعزيز الحراسة على الحدود وتشكيل جيش تحرير فلسطين .
  3. محاكمة المسئول عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين .
  4. التعهد بعدم محاكمة أى من المشتركين في المظاهرات .

فاضطر الحاكم العسكري المصرى سعد حمزة - بتكليف من الحاكم الإداري الهارب من القطاع اللواء عبد الله رفعت - ليعلمهم بأن مشروع سيناء أصبح غير ذي موضوع ، ووعدهم بإصدار قانون لتدريب وتسليح المخيمات وفرض قانون للتجنيد الإجباري، والعمل على منح كل الحريات في القطاع. وأقسم على عدم المساس بأي شخص شارك في مظاهرات مارس 1955.

وهكذا فشل مشروع التوطين بيد الفلسطينيين .. الا ان طرحه ومحاولة فرضه من جهة الإدارة المصرية للقطاع يؤكد وجود قدر كبير من التفاهم المشترك بين حكومة عبد الناصر في حينها ووكالة الغوث من أجل تصفية القضية الفلسطينية .. وقد تجاوز مرحلة التفاهم إلى مرحلة الاتفاق الرسمي، وتخصيص الأموال بتفاصيل واضحة لتفي باحتياجات المشروع ومكملاته لفترة طويلة

لكن هل سيفى عبد الناصر ببقية وعوده للفلسطنيين ام انه سيغدر بهم ؟

موقف عبد الناصر من تسليح المقاومة

سقط مشروع التوطين بعد نزلت شعبية عبد الناصر في القطاع وفى عموم فلسطين بسببه الى الصفر . لكن تراجع عبد الناصر عن بقية وعوده التي أعطاها لاهل غزة بالا يتم اعتقال المتظاهرين او قيادة الحركة الوطنية ، وبتسليح المقاومة الفلسطينية !

تراجع عبد الناصر عن وعوده

  1. شعرت الإدارة المصرية بأن نقابة المعلمين (لمدرسى مدارس اللاجئين) والتي كان يسيطر عليها بالكامل الإخوان المسلمون ستكون شوكة في حلقها ، أمرت بحل نقابة المعلمين المذكورة ، ومنذ ذلك التاريخ لم يسمح للمعلمين بعمل نقابة لهم !
  2. في ليلة 9 آذار/ مارس 1955، هاجم البوليس ورجال المباحث والمخابرات بيوت الوطنيين وكانت أكثريتهم الساحقة من الإخوان المسلمين ، وكان بينهم عدد من قادة الشيوعيين ومن ضمنهم أعضاء اللجنة العليا للانتفاضة الذين بلغ عددهم قرابة السبعين مناضلاً ، ورُحّلوا إلى سجن مصر العمومي حيث اُسْتقبلوا بالهراوات والتعذيب
  3. ظل المعتقلون الفلسطينيون في السجن حتى عام 1957 ، وكان المعتقلون قد رفضوا عروضًا للإفراج عنهم مقابل عدم عودتهم إلى القطاع ، فأعلنوا إضرابًا عن الطعام استمر سبعة أيام ثم فكوه مقابل الإفراج عنهم على دفعات وإعادتهم جميعًا إلى قطاع غزة . وبالفعل صدر قرار الإفراج عنهم وعادوا الى غزة ..
  4. وردا على فشل مشروع التوطين ، بدأت القوات الإسرائيلية باستخدام مدافع الهاون الثقيلة ، فصار القصف المدفعي الكثيف يوجه إلى أحياء مدينة غزة المكتظة بالسكان ..

فقد قام الإسرائيليون بقصف شارع عمر المختار وبجانبه سوق الخضار والحي القديم من غزة (حارة الدرج) وذلك في بفترة ما بعد العصر، حيث يكون الشارع وسوق الخضار والأزقة المؤدية إليه في أشد حالات الزحام !

وخلال نصف ساعة من القصف سقط عشرات الضحايا ، وقد تناثرت أشلاء الآدميين والتصقت بالجدران ، وظلت رائحة تلك الأزقة تغثي النفوس حتى بعد انقضاء بضعة أشهر على الحادث نتيجة لما التصق بها من أشلاء ودماء الآدميين، ولم يكن من السهل تنظيفها .. ولم تسلم المستشفيات من القنابل المتساقطة .

عبد الناصر وحقيقة المقاومة في غزة

عندما أصبح البكباشي (المقدم) عبد المنعم عبد الرؤوف - يرحمه الله - قائدا للكتيبة الفلسطينية عام 1953م زار بعض شعب الإخوان في القطاع ، وكان يحدثهم قائلا: " إنكم مخطئون إذا اعتقدتم أن مصر ستقوم بمحاربة (إسرائيل ) وتحرير فلسطين" .. فبدأ الإخوان المسلمون يتدربون مع الضباط المصريين المتعاطفين مع الإخوان والقضية الفلسطينية ومنهم الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف

وحينما بدأ مشروع التوطين على الأرض ، قام الإخوان المسلمون بأعمال فدائية تستهدف تخريب ما جرى من اتفاقات وما تبعها من ترتيبات لتنفيذها ، وما ينطوي عليه مشروع سيناء من خطوات لتصفية القضية الفلسطينية ..

أدى تكرار هذه الحوادث إلى إحراج كبير لحكم جمال عبد الناصر، خاصة بعد ان اضطر الى التراجع عن المضي بمشروع التوطين بعد ان تدنت شعبيته بسببه في القطاع وفى عموم فلسطين وفى الوطن العربى فلجأ عبد الناصر الى قطع الطريق على الإخوان خاصة بعد اختلافه معهم في عام 1954

فكون كتائب من الفلسطينين خاصة المعتقلين في السجون المصرية تحت اشراف ضابط مصري (مصطفى حمزة) .. ولم يكن لك عن رغبة حقيقية من عبد الناصر لمواجهة دولة الاحتلال الاسرائيلى انما فقط لقطع الطريق على الإخوان حتى لايستأثروا وحدهم بشرف مقاومة الاحتلال

ومع النشاط المتزايد لتنظيم الإخوان المسلمين في قطاع غزة وانتقاله التدريجي علي يد الطلبة الغزاويين من جامعات القاهرة نحو مخيمات القطاع بادر جمال عبد الناصر لاستيعاب نمو الحركة الاسلامية في القطاع من خلال تحييد واستمالة الشيخ عيد أبو جرير بعد فترة من اعتقاله ، فسمح له باقامة التكايا والزوايا والمساجد، ونشرها بين قطاع غزة ومناطق صحراء سيناء

وتبع ذلك قيام الرئيس الراحل عبد الناصر خطوة إضافية في احتواء حالة الغليان في القطاع عام 1956، وأمر بتشكيل الوحدة الفدائية الفلسطينية 420 تحت قيادة الضابط المصري المقدم مصطفي حافظ

كان هدف الحكومة المصرية في قطاع غزة أيضا سحب البساط من تحت أرجل الإخوان المسلمين الذين كانوا يتزعمون المطالبة بشن حرب فدائية ضد (إسرائيل) لإرغامها على إعادة حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة

وهكذا سقط مشروع التوطين الذى وافق عليه عبد الناصر بالاتفاق مع الأمريكيين ومن خلف ظهر الشعب الفلسطيني في غزة ! ولم يسقط ذلك المشروع الا بانتفاضة القطاع في وجه عبد الناصر وكلفه ذلك 30 شهيد برصاص الإدارة المصرية في القطاع ! كما لم يكن تحريك عبد الناصر للعمل الفدائى الا قطعا للطريق على الإخوان المسلمين الذين سبقوه في هذا المضمار !