د/ محمود غزلان يكتب: الرئيس المظلوم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د/ محمود غزلان يكتب: الرئيس المظلوم


(29/07/2013)

د/ محمود غزلان يكتب: الرئيس المظلوم


عرف التاريخ آلافا مؤلفة من الملوك والرؤساء الظالمين، ولكن لم يعرف إلا عددا قليلا من الرؤساء المظلومين، من المجموعة الأولى فرعون لعنه الله، ومن المجموعة الثانية عثمان بن عفان رضي الله عنه. والذي اعنيه بمقالي هذا هو الرئيس محمد مرسي، وأنا لا أهداف بهذا المقال إلى استدرار عطف الناس، ولكن أرمي إلى عرض الحقائق التي شوهها الإعلام والسياسيون وأهالوا عليها ركاما هائلا من الاكاذيب، إضافة لعوائق وعراقيل وضعتها في طريقه الدولة العميقة بقصد إفشاله، الأمر الذي أدى إلى تأليب قطاع من الناس عليه والتظاهر ضده، الظروف التي استغلها بعض القادة العسكريين للقيام بانقلاب عسكري للسيطرة على السلطة، وقاموا باختطاف الرئيس وإخفائه حتى اليوم.

في البداية لم يكن في نية الإخوان المسلمين ترشيح أحد لمنصب الرئاسة،وترشحوا لمجلس الشعب والشورى وفازوا فيهما بأغلبية نسبية، وعندما طالبوا بتشكيل حكومة ائتلافية رفض المجلس الاعلى للقوات المسلحة ، بل تم التهديد بحل مجلس الشعب، وقال رئيس الوزراء وقتئذ الدكتور الجنزوري إن حكم الحل موجود في درج رئيس المحكمة الدستورية .

في ظل هذ الرفض وهذا التهديد، اضطر الإخوان لإعادة النظر في قرار عدم الترشح للرئاسة، وبعد مناقشات طويلة تمت الموافقة في مجلس شورى الجماعة على الترشيح للرئاسة بأغلبية قليلة، وترشيح المهندس خيرت الشاطر بأغلبية كبيرة، ومن باب الاحتياط ترشيح الدكتور محمد مرسي في حالة تعويق المهندس الشاطر، وبالفعل تم استبعاد المهندس خيرت الشاطر لأسباب واهية بعد اكتشاف اتساع شعبيته، والخلاصة أن الدكتور محمد مرسي لم يكن راغبا أو متطلعا إلى المنصب، ولكنه كلف بالترشيح من مجلس شورى الإخوان .

ترشح الدكتور محمد مرسي ولم يكن أمامه إلا 18 يوما للدعاية الانتخابية، ورغم تعرضه لحملات إعلامية معادية ، إلا أنه فاز بالمركز الأول في الانتخابات الاولى، وتقررت الإعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق، وهنا طالب بعض السياسيين الدكتور محمد مرسي أن يتنازل عن جولة الإعادة لصالح حمدين صباحي، ورغم أن هذا الطلب غير دستوري أو قانوني أو عادل أو يحترم الإرادة الشعبية إلا أنه كشف عن خفايا نفوس هؤلاء السياسيين وأنهم يريدون إقصاء الإسلاميين .

أجريت جولة الإعادة وقبل ظهور النتيجة تم حل مجلس الشعب بحكم مسيس من المحكمة الدستورية تنفيذا لتهديد الدكتور الجنزوري، وبذلك استعاد المجلس العسكري سلطة التشريع قبل أن يسلم سلطة التنفيذ للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي .

بدأ الرئيس عمله والدولة لها رأسان في ظل ازدواجية للسلطة بين الرئيس والمجلس العسكري الذي حاول ان تكون له اليد العليا في إدارة البلاد .

في محاولة من المجلس العسكري للهيمنة على السلطة أعد وثيقة وأوعز للدكتور على السلمي بطرحها وسميت باسمه كانت تتضمن مجموعة من المبادئ أسموها مبادئ فوق دستورية تجعل من الجيش وصيا على الحياة السياسية والدستورية، وبالتالي يكون له حق الانقلاب على أي نظام ديمقراطي منتخب تحت دعوى الحفاظ على الدستور، إلا أن الشعب تظاهر ضدها ورفضها حتى أسقطها .

في شهر رمضان الماضي حدث عدوان على نقطة حراسة في شمال سيناء راح ضحيته 17 جنديا مصريا، وعندما شرع الرئيس في حضور جنازتهم جاءته التقارير الأمنية أن هناك مؤامرة للاعتداء عليه بالسماح للبلطجية بالدخول للمسجد، فامتنع عن الذهاب، وبالفعل اعتدى هؤلاء البلطجية على رئيس الوزراء وعدد من الشخصيات العامة، وبعدها أصدر قرارا بإحالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان ورئيس جهاز المخابراتوقائد الشرطة العسكرية للتقاعد للتقصير في حماية جنود سيناء وللمؤامرة التي حيكت للاعتداء عليه، وعين الفريق عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع .

كان هذا أخطر قرار يتخذه بإبعاد الجيش عن السياسية، والقضاء على ازدواجية السلطة، واصبحت السلطة في مصر مدنية لأول مرة منذ ستين عاما .

بدأ الرئيس يعمل فواجهته قوى معادية كثيرة سعت لإفشاله من أجل إسقاطه وعلى رأسها أمريكا ودول الغرب لانتهاج الرئيس مسارا استقلاليا تحرريا فلم تعد مصر حليفا لامريكا مثلما كان عليه الحال أثناء حكم المخلوع، وكان حريصا على إنتاج الغذاء والدواء والسلاح، ولم يقبل إملاءات خارجية، ورفض تطبيق نموذج علماني، وأيضا سعت دول الخليج والسعودية إلى إسقاطه وبذلوا مليارات الدولارات لهذا الغرض لأنها لا تريد نظاما إسلاميا ديمقراطيا ناجحا يمثل منافسا له جاذبية اجتماعية وسياسية يؤثر على النظم الموجودة في هذه البلاد، وكذلك السياسيون المصريون العلمانيون والليبراليون واليساريون الذين يكرهون النموذج الإسلامي والإخوان على وجه الخصوص ويسعون لإقصائهم، وبقايا النظام السابق الذين فقدوا كل مميزاتهم المادية والمعنوية ويسعون لاستعادتها بكل السبل، واستخدام الجميع أجهزة الإعلام في أبشع حملة إعلامية شوهت صورة الرئيس وألبت الناس ضده، وللأسف فقد واجهها هو بأخلاق النبلاء وترفع تماما أن يرد عليها أو يعاقب مرتكبيها، الأمر الذي رسخ الأكاذيب في أذهان الناس، وكذلك كانت الدولة العميقة تعمل ضده، فالأجهزة الرقابية لا تمده بالتقارير وجهاز الشرطة يدعي العجز عن فرض القانون وتوفير الأمن في الوقت الذي كانت تتعاون فيه مع البلطجية وتحرضهم وتحميهم، وكان بعض قيادات الجيش تراودهم رغبة استعادة نفوذهم السابق بالهيمنة على السلطة والتحكم في مسار السياسة .

نتج عن هذا سعي السياسيين لهدم المؤسسات الدستورية كلما تم إنشاؤها فبعد حل مجلس الشعب وحل الجمعية التاسيسية الأولى استهدفوا حل مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية الثانية التي تم تشكيلها بالتوافق معهم، الأمر الذي دفع الرئيس لإصدار إعلان دستوري لحماية الجمعية التأسيسية ومجلس الشوري، إلا أن صياغته تضمنت بندين متجاوزين،الأمر الذي استغله المعارضون السياسيون وحرضوا الناس عليه وسارت مظاهرات معارضة انتهت بأعمال عنف وتخريب ومحاولة اقتحام قصر الاتحادية وتخاذلت الشرطة، مما اضطر المؤيدين للرئيس للنزول للدفاع عن الشرعية وحدثت مواجهات بين المؤيدين العزل، والمعارضين الذين استعانوا بالبلطجية المسلحين وسقط 11 شهيدا من المؤيدين وصحفيا كان يباشر عمله الصحفي . دعا الرئيس لحوار عام لرؤساء المعارضة والمؤيدين وشخصيات عامة،فرفض الأولون الحضور، وحضر الآخرون وتم تعديل الإعلان الدستوري،ووصف الرئيس المادتين المتجاوزتين بأنهما كانتا خطأ .

استمرت المعارضة في عراقيلها فانسحبت من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور عندما قارب على الانتهاء، إلا أن الجمعية استكملت أعضاءها من الأعضاء الاحتياطيين واستكملت إعداد مشروع الدستور، فقامت المعارضة بمحاولة تعطيل الاستفتاء عليه، ثم قال إنها ستقاطع الاستفتاء،وأخيرا اشتركت ورفضت الدستور وحضت الناس على رفضه وساعدتها وسائل الإعلام، إلا أن الشعب وافق عليه بنسبة 64% .

دعا الرئيس للاستعداد لانتخابات مجلس النواب فأعلنت المعارضةمقاطعتها لها، واعترضت المحكمة الدستورية على قانون الانتخابات وقانون مباشرة الحقوق السياسية أكثر من مرة .

طيلة هذه الفترة لم تنقطع المظاهرات في القاهرة والمحافظات وقادتها مجموعات تخريبية من البلطجية والبلاك بلوك واستخدمت العنف والقتل والحرق الذي طال المؤسسات الحكومية والمنشآت الاقتصادية بهدف تفاقم الأزمة الاقتصادية لإثارة سخط الناس، كذلك لم تنقطع المظاهرات الفئوية المطالبة بمميزات خاصة بكل فئة، والتي ترتب عليها توقف الإنتاج وقطع الطرق والسكك الحديد والمواصلات في بعض الأوقات .

دعمت هذه الحملات أموال ضخمة أتت من الخليج بقصد إسقاط النظام في ظل تواطؤ من مختلف الأجهزة .

ادعت الشرطة عجزها عن تطبيق القانون وتوفير الأمن ومع تعاونها مع البلطجية واحتياجها إليهم تغاضت عن جرائمهم التي نشرت الفزع وأفقدت المواطنين الشعور بالأمن، وبالتالي ازداد سخطهم على النظام .

تحول الإعلام عن وظيفته في نشر الوعي بين الجماهير إلى ماكينة جبارة لاختلاق الأكاذيب حول الرئيس وأسرته وجماعة الإخوان المسلمين، فكلما أبعد الرئيس مسئولا فاسدا عن منصبه وعين شخصا آخر بدأت الحملات الإعلامية بدعوى أنها محاولة لأخونة الدولة، لدرجة أنهم زعموا أن السيسي ومحمد إبراهيم إخوانيان لأخونة الجيش والشرطة، وزعموا أنه يكثر من السفريات للخارج للحصول على بدل السفر الباهظ وتبين أن لا يتقاضى مليما واحدا كبدل سفر، وقالوا إنه أدخل 12 ألف مقاتل من حماس لحمايته والآن وبعد ما حدث تبين كذب الادعاء وأنه لا يوجد مقاتل واحد غير مصري في طاقم حراسته، وزعموا أن زوجته أمرت بإنشاء حمام سباحة كلف ميزانية الدولة 15 مليون جنيه، في حين أنه كان يسكن في شقة بالإيجار قبل الرئاسة وأثناءها وبعدها، فأين أقيم حمام السباحة ؛ ووصفوه بأسوأ الأوصاف رغبة في إهانته فتحمل ما لا يتحمله بشر، ولم يسئء إليهم .

قام الغرب بتعويق قرض صندوق النقد الدولي لإحكام الحصار الاقتصادي حول مصر في نفس الوقت الذي امتنعت معظم الدول العربية البترولية عن مساعدتها في أزمتها، التي هى ميراث النهب والفساد المنظم طيلة ثلاثين عاما .

رغم كل هذه الظروف الخانقة والمؤامرة الكبيرة من البعيد والقريب والشقيق، فإن الرئيس وحكومته أنجزوا إنجازات محسوسة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية :

فكان إبعاد المجلس العسكري عن السياسة وتوجيهه للتفرغ لمهمته المقدسة في حماية البلاد من أهم القرارات .

وكان السير على طريق التحول الديمقراطي بإنجاز الدستور، ونقل السلطة التشريعية من يده إلى مجلس الشورى والاستعداد لإجراء انتخابات مجلس النواب، منهجا يثبت ديمقراطيته واحترامه لإرادة الشعب . وحل المشكلة المزمنة لرغيف الخبز على مستوى الجمهورية، ولأول مرة نسمع عن الرغبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بعدعدة سنوات لتحرير القرار المصري، وحل مشكلة أنابيب البوتاجاز،وزيادة وتحسين مقررات التموين .

حماية مصانع القطاع العام من البيع وتطويرها والاهتمام بالصناعة : صناعة السيارات، والتابلت، والتليفونات المحمولة .

طرح مشروع محور قناة السويس لمضاعفة دخلها عشرين مرة خلال عشرة أعوام حتى نستغنى عن المعونات الاجنبية، وكان هذا أحد أسباب عداء الإمارات لنا، لأنه سينافس مشروع دولة دبي .

زيادة مرتبات فئات كثيرة من العاملين ابتداء من أساتذة الجامعات إلى صغار العاملين وزيارة المعاشات، لأصحاب المعاشات وللمرأة المعيلة .

مد مظلة الرعاية الصحية للفقراء ولجميع الأطفال تحت سن المدرسة .

توسيع العلاقات الخارجية والخروج من تبعية سياسة مصر لسياسة أمريكا وإسرائيل، فسافر إلى الصين وروسيا والهند ودول عديدة في أفريقيا في محاولة لإصلاح ما أفسده نظام المخلوع وزيارة البرازيل وألمانيا وتركيا والسعودية لفتح آفاق للتعاون في مختلف المجالات من أجل مصلحة مصر وشعبها .

لأول مرة يعرف الشعب مقدار راتب رئيس الجمهورية، ولأول مرة يرفض مجلس الشورى وأغلبيته لحزب الحرية والعدالة زيادة مخصصات رئاسة الجمهورية، وتخضع هذه الميزانية لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وكذلك عرف الناس قيمة راتب رئيس الوزراء والوزراء .

إلغاء الوساطات في التعيينات وكذلك التوريث لا سيما في وظائف القضاء، وهذا كان أحد أسباب تأليب بعض رجال القضاء على الرئيس وإصدار بعضهم أحكاما مسيسة ولو على حساب المصلحة العامة .

تجميع جميع الهدايا التي تلقاها كبار المسئولين في الدولة وبيعها في مزاد علني ورد قيمتها لوزارة المالية .

  • إنشاء ديوان للمظالم لرفع الظلم عن المواطنين .

تشكيل هيئة استشارية قانونية من كبار رجال القانون والقضاء وإن كانت متأخرة بعض الشئ، كذلك هيئة استشارية لرعاية المصريين في الخارج ووصلهم بالوطن الأم والاستفادة من خبراتهم واستثماراتهم . المهم أن الإعلام والسياسيين أهالوا التراب على كل هذه الإنجازات وظلوا يرددون أنه لم ينجز شيئا على الإطلاق ويضخمون المشكلات التي يعاني منها الناس وغالبيتها كانت مفتعلة إلى أن تفاقمت مشكلة البنزين والسولار والكهرباء في الايام الاخيرة وعانى الناس منها بشدة، هذا في الوقت الذي كانت المافيا تسرق هذه المواد لتلقيها في الصحراء أو تبيعها في السوق السوداء أو تهربها إلى الخارج، بينما تقف أجهزة الرقابة والشرطة تدعي العجز عن التصدي لهؤلاء المفسدين .

عندما تأزمت الأمور دعا الرئيس المعارضة مرات عديدة لحوارات جادة حول كل شئون البلاد ودعاهم إلى المصالحة الوطنية لمصلحة الوطن وعرض أن يذهب هو إليهم في مقراتهم إلا أنهم رفضوا كل هذه الدعوات وبدأوا يحرضون الجيش على الإطاحة بالرئيس مخالفين بذلك أهم مبادئهم المعلنة من أنهم يريدون دولة مدنية ويرفضون الدولة العسكرية وكم نادوا من قبل بسقوط دولة العسكر، كل ذلك من أجل إزاحة الرئيس الإسلامي ولو خربت مصر، ولو تنكروا لمبادئهم .

وعندما استحكمت الأزمة بدأت الضغوط من الداخل والخارج، أمريكا وأوربا وجبهة الإنقاذ يطالبون الرئيس بتعيين البرادعي رئيسا للوزراء، وأن يرضى بأن يصبح رئيسا شرفيا، كل ذلك لتعود إدارة البلاد إليهم فيتم تغيير السياسة التحررية للرئيس، ويدخلها البرادعي في حظيرة التبعية للغرب، ولكن الرئيس رفض كل الإملاءات والضغوط .

وهنا بدأت خيوط المؤمرة تنسج بليل، وجرت اجتماعات بين بعض قادة الجيش وبعض قادة جبهة الإنقاذ، وتحددت ساعة الصفر بذكرى مرور سنة على تولي الرئيس الرئاسة، على أن يبدأ الساخطون من المشكلات الحياتية وأتباع أحزاب المعارضة والذين غسل الإعلام عقولهم بمظاهرة يستغلها قادة الجيش الإنقلابيون في القيام بانقلاب عسكري، وقد كان وتمت الإطاحة بالشرعية الدستورية : الدستور ومجلس الشورى واعتقال الرئيس وإخفاؤه في مكان مجهول لا يعلم عنه أحد ولا أهله شيئا، ولو تذكرنا كيف عامل الرئيس المشير طنطاوي والفريق عنان منذ عزلهما حيث أوصلهماإلى بيتيهما مكرمين، وكيف عامل الانقلابيون الرئيس عند الانقلاب غير الشرعي يتبين لنا الفارق في المستوى الأخلاقي والإنساني بين الإثنين .

وإذا كان السبب الاساسي الذي يسوقونه كذريعة لجريمة الانقلاب هو فشل الرئيس في إدارة البلاد خلال السنة الأولى من حكمه، فإنهم يتجاهلون أنهم كانوا السبب الاصلي في الإفشال حيث لم يتيحوا له فرصة الإنجاز والبناء كاملة، ومع ذلك فقد تحقق إنجاز كبير، إضافة إلى أن هبوط الشعبية لم تكن في الديمقراطيات الحديثة سببا في العزل،فالرئيس الأمريكي كلينتون هبطت شعبيته بعد السنة الأولى إلى 22% ولم يطلب أحد عزله وإنما أكمل مدته وفاز بمدة رئاسة أخرى، ومنذ نحو شهرين أظهر استطلاع للرأي في فرنسا أن 76% غير راضين عن أداء الرئيس الفرنسي أولاند إلا أن أحدا لم يطلب عزله ولا طلب من الجيش الانقلاب عليه .

هى إذا المؤامرة التي رأى فيها بعض قادة الجيش عودتهم إلى الحكم وسيطرتهم على البلاد وثأرهم من الرئيس الذي أبعدهم عن السياسة فخانوا الأمانة ونقضوا العهد وانقلبوا على القائد، وراحوا يرهبون الشعب بالمذابح المتتالية التي كانت آخرها مذبحة رابعة العدوية أمس، ورأى فيها السياسيون الذين فشلوا في خمسة انتخابات واستفتاءات شعبية أن يحصلوا على ثقة الشعب فقرروا أن يفرضوا أنفسهم عليه بقوة سلاح العسكري، ورأي فيها أهل الخليج تخلصا من نموذج إسلامي ديمقراطي من الممكن أن يؤثر على عروشهم ورأت في أمريكا ودول الغرب الخلاص من نموذج وطنى حر مستقل، ورأت فيه الفلول والدولة العميقة فرصة لعودة سلطانها بما يشمله من فساد واستبداد وتحكم في إدارة الدولة، بدليل انتهاء الأزمات الخانقة فورا، وبدليل انهمار مساعدات السعودية والخليج وتهنئتهم لقادة الانقلاب مباشرة، وبدليل موقف أمريكا والغرب المائع من الانقلاب العسكري، لدرجة أن أمريكا التي تملك أكبر مؤسسات بحثية في العالم تعجز عن معرفة ما إذا كان ما تم في مصر انقلابا عسكريا أم لا .

المهم أنهم يرون أن مشروعا للتحرر الوطني والاستقلال والنهضة والعدل قد تم إجهاضه، ولكن الشعب المصري له جولة أخرى مع المتآمرين الاشرار ظهرت ملامحها في ملحمة شعبية سلمية عارمة في شوارع المدن وميادينها، وسوف يحقق – بفضل الله تعالى – إنجازا لا يقل عن ثورة 25 يناير 2011.

المصدر