خواطر تربوية من القرآن الكريم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
خواطر تربوية من القرآن الكريم

بقلم:الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه خواطر ملكت علي نفسي في ظروف صعبة وساخنة قال عنها الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "إن هذا القرآن نزل في جو ساخن ولا يفهم إلا في مثل هذا الجو الساخن الذي نزل فيه".

وقد عشت مع أسماء سور القرآن الكريم كعناوين لدروس تربوية لابد من تدبرها والانتفاع بها في واقع الأمة؛ لأن هذا القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه معجز في كل جانب تنظر فيه، والجانب التربوي يؤكد المهمة الأولى والأساسية التي نزل من أجلها القرآن؛ ليصنع الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والأمة المسلمة على عين الله عز وجل، وذلك بالتزام القرآن والسنة اللذين إن تمسكنا بهما لن نضل بعد رسول الله أبدًا، ومع خواطر أسماء سور القرآن الكريم يوجد جانب من خواطر تربوية متفرقة حول بعض آيات الكتاب الكريم المعجز وجزء أخير حول الآثار التربوية للشعائر التعبدية.

ورجاء إلى كل قارئ وقارئة لكتابي هذا أن تسألوا الله لي القبول والرضا والعفو والمغفرة إن وجدتم فيه ما يفيدكم أسأل الله أن ينفعكم به تقبل الله مني ومنكم، فالصواب من الله وأما الخطأ والتقصير فهو من طبائع بني آدم، وابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، جعلنا الله وإياكم منهم وتقبل الله منا ومنكم.

1-الجانب التربوي في القرآن الكريم

القرآن الكريم هداية للإنسانية عامة وللأمة المسلمة خاصة، وتربية للفرد في محضن العمل المجتمعي المتوازن بين مسئولية الفرد ودور المجتمع وتأثير كل في كل.

وما اشتمل عليه القرآن في الجانب التربوي والإعجاز العلمي والإعجاز البلاغي والاقتصادي والاجتماعي والحربي والدستوري والقانوني والنفسي والتربوي، كل ذلك لإعداد الفرد الصالح الذي بصلاحه ينصلح الكون كله؛ لأن كل هذه الإعجازات والأسرار لو مكنت لعبد فاسد أو إنسان مفسد لأفسد الكواكب والنجوم إذا وصلها كما أفسد في الأرض بعد أن خلقها الله صالحة، وقد كان أ.د. زغلول النجار محقًا عندما عرض الأرقام المذهلة للنجوم والكواكب والمسافات بينها في المجرات ثم قال:"إن كل هذه الومضات المبهرة إنما هي لإخضاع الإنسان لربه وتعريفه بقدرة خالقه وفتح آفاق التفكير والسير في الأرض والكون لكي يكتشف ويستنبط القوانين المنظمة للكون والسنن التي يسير عليها ولكي يقوم بالابتكار والبحث والتنقيب والاكتشافات والاختراع فهو مهيأ لهذا".

أما وضع نظام لحياته وبرنامج لرعايته وهدايته من جميع الزوايا البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية والمستقبلية في عالم الغيب فلا يقدر عليها ولا هو مهيأ لها لذلك عجز عن توزيع ميراثه فوضع له بمقدار الثمن والسدس والربع وغيرها من الأنصبة الشرعية.

ولقد رأينا كيف أن شخصا واحدا ينخر الفساد في قلبه وروحه إذا ما تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، وكيف أن شخصا واحدا تعلق بربه ووضع له القبول في الأرض وجمع حوله القلوب أزاح الغمة عن الأمة الإسلامية كلها وأحيا الله على يده مواتًا وجلى به قلوبًا صدأت.

والتاريخ يشهد بأن الأمم التي لم تنشأ أفرادها على القيم والمبادئ والأخلاق التي لا مصدر صحيح لها لا دوام ولا استمرار لها إلا بالوحي الإلهي والقدوة النبوية الشريفة ومهما أوتيت هذه الأمم من القوة والإمكانات المادية فهي إلى زوال قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾ (هود).

وأعتقد أن من أعسر الأمور تناول مثل هذا الموضوع بما يليق به فيما يخص جميع جوانب تربية الإنسان في عقله وسمعه وبصره وقلبه وروحه وبدنه وماضيه وحاضره ومستقبله وحسابه وجزائه وعقابه وثوابه في كل مراحل حياته ذكرًا كان أم أنثى، وعلاقته بأبيه وأمه وزوجته وأولاده وأحفاده وجيرانه وأهله وأقاربه، وكل طبقات مجتمعه، ومعاملاته بكل أشكالها من قصصِ الأمم السابقة وما حدث لها، والدروس المستفادة منها للأجيال القادمة حتى لا تقعَ في مثل ما وقع فيه السابقون فيجري عليهم سنن الله، وتحت كل بندٍ من هذه البنود مشروع مُعالِج لها علاجًا ربانيًّا خاصًّا، وكل ذلك في القرآن الكريم.

كيف يمكن تناول كل ذلك في مثل هذا الجهد البشري الضعيف القاصر؟ آيات القرآن الكريم هذا هو نورها يضيء لك هذه الجوانب في وقتٍ واحد فأنَّى لمثلي أن يتصدى لذلك؟ فمثلاً في أية أو آيتين جُمعت العلوم البشرية التجريبية وفُتحت أمام العقل البشري كصفحاتِ كتابٍ يُسطَّر كل سطرٍ فيها بحثَ الباحثين وعلوم العارفين وتجارب العلماء واستنتاجاتهم، وانظر إلى ختامها لتعجب من ربط الدنيا بالدين ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾ (فاطر).

وفي القرآن خطاب الله للناس غير خطابه للمؤمنين، وخطابه للمؤمنين خلال خطابه للكفار والمنافقين، فخطابه للناس أظهر ما يجمعه حديثٌ مشتركٌ بين كل البشر من خلقٍ ورزقٍ وإحياء سلطان في الكون وفي النفس، وإقامة الأدلة والبراهين على وجوده ووحدانيته وبدء الخلق والموت والقيامة: ﴿وأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)﴾ (النجم).

ما دامت المرحلة الأولى تبدأ بالموت الذي يراه الجميع، وتأكد تمامًا عند كل البشر أنه لن ينجو منه أحد كما أخبر الوحي القرآني فكيف لا يكون الحديث عما يتبعه من النشور والحساب والثواب والعقاب حقًّا وصدقًا؟!

وأبدأ مستعينًا بالله- عزَّ وجلَّ- ببيان بعض الأمثلة لتوضع في إطار هذا الشمول الضخم المعجز، وليضيف كل قارئٍ ما أفاء الله عليه مما رأى في نفسه أو فيمن حوله أو من غيره من أدلة وبراهين تؤكد نفس الخط، وتنتج من تجربةٍ حيةٍ تشهد لله بالقدرة والسلطان والربوبية والألوهية وبالفضل على هذه النفس البشرية في رعايته لها، ولطفه بها مع عصيانها له.

فكم من نعمةٍ أنعم الله بها علينا قلَّ له بها توحيدنا فلم يحرمنا، وكم من بليةٍ ابتلانا بها قلَّ له عندها صبرنا فلم يخذلنا، وكم من مرةٍ رآنا على المعاصي فلم يعاقبنا ﴿وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الرعد: من الآية 6).

بل أكثر من هذا فإن ما يبتلينا به الله- إن أحسنَّا الانتفاع به- كان لخيرنا، لقد جاء في الأثر أن الله تعالى يقول: "فإن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ابتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب"، ومن قبل يقول الله في كتابه العزيز: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155)﴾ (البقرة)، فإذا بالعبد يطلب من الله الرحمة في البلاء، ولا يدري أن الله جعل له في ذات البلاء رحمة.

اللمحة الأولى التي تشعر بها أخي القارئ وتستطيع أن تتعامل بعدها مع القرآن الكريم ببعض ما يليق به من الإجلال والانتفاع وتقيس عليها أن الحرفَ في القرآن له معنى عظيم، بل ودور خطير في أثره على النفس البشرية، ولكن المشكلةَ في جهاز الاستقبال الذي في قلبك قبل عقلك، وكما ورد في الأثر "العلم علمان: علم في القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان فذلك حجةُ الله على ابن آدم".

فمثلاً لو عندنا جهاز تليفزيون وبه إيريال داخلي كان استقباله على قدر إمكانياته وقدراته فإذا زاد هذا قوة بتركيب إيريال خارجي زادت حساسيته لاستقبال الإرسال المحيط به في الهواء فإذا زاد بعد ذلك بقدرة أكبر من خلال ما عرفناه بالدش (الطبق الهوائي المستقبل) جدنا جهازنا يلتقط ما هو موجود منذ زمن طويل في الفضاء من إرسال، ولا يعني عدم مشاهدتنا له لقصورٍ فينا عدم وجوده، وهكذا كلما عشت مع القرآن بوجدانك كنت على موجة استقبالٍ تستطيع أن تتعرَّض بفضل الله لهذا؛ لأنَّ لله في أيامِ دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، وله كذلك في قرآنه نفحات فلنتعرض لها: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)﴾ (القمر).

تأثير تربوي عجيب لحرفٍ واحد من حروف القرآن الكريم

هل تتصور أن حرفًا واحدًا في كتاب الله يربي المسلم بل الأمة كلها على آداب النصيحة، إنه حرم اللام "أنصح لكم- إني لك من الناصحين- ونصحت لكم- وأنا لكم ناصح"، ولم تأت: أنصحك أو أنصحكم، وفرق تربوي كبير بين وجود اللام وغيابها، فالنصيحة هنا تكون لحسابِ المنصوح، وفي أنصحكم تكون لحساب الناصح لما تضمنته من شبهة الاستعلاء والاطلاع على غيبٍ يوجب النصح، أما النصح لك أو "أنا لكم ناصح" أو كما ورد في الحديث النبوي الشريف "فانصح له" أي كأنك تعمل لحسابه هو ولمصلحته هو، وهذا لب النصيحة الأمينة التي تؤتي ثمارها بإذن الله وتفتح قلب المنصوح بلطفٍ وحبٍّ ومودةٍ ليقبل النصيحة.

انظر إلى التشكيل فوق الحرف- هداك الله يا أخي- واصغْ سمعك للآية فإن الأمر الإلهي: ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾ (الأعراف: 4-2)، يعني من الممكن أن تستمع وأنت غير منصت لذلك لن تستفيد وأنت على هذا الحال من الانشغال، فالتشويش على الإرسال الذي يصل إليك يمنعك من التقاط الشفرة، أعط سمعك وانتباهك لقول الله عز وجل فيما يحكيه عن امرأة العزيز وهي تتوعد يوسف عليه الصلاة والسلام مهددةً ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا﴾ (يوسف: من الآية 32)، (وليكونًا)- ليست مشددة- ﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾، والزيادة في المبنى تعني الزيادة في المعنى، والعكس صحيح وهذا اعتراف منها وهي زوجة صاحب السلطان والتجبر بضمان سجن يوسف، وفي نفس الوقت عدم ضمان ذله ﴿وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ ولم تقل "وليكوننَّ من الصاغرين" فعز المؤمن في قلبه، وذل المسلم من نفسه، فهو الذي يُعطي الذلة من نفسه، هو الذي إذا اعتصم بالله استعصى على مَن يعاديه أن يذله، فعقيدته في قلبه كما يقول العالم الجليل الشيخ القرضاوي في نونيته:

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي

بالسوط ضع عنقي على السكينِ

لن تستطيع حصار فكري ساعةً

أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يدي

ربي وربي ناصري ومعيني

علاج ناجح لأمراض شتى

أخي المهموم، أخي المكلوم، أخي المظلوم، أخي المبتلى، أخي البائس، أخي اليائس، أخي المتقلب في نعم الله وأنت غافل، أخي المغرور بسلطان وجاهٍ زائل، يا كل أخ لي ولدته أمي أو ولدته أخت مسلمة في كل مكانٍ.. أعطني قلبك قبل أذنيك لينزل هذا العلاج على قلبك كما نزل على الحبيب المصطفى طبيب القلوب المريضة، وشفاء عضال العلل، تذكر حالة الصحة التي كنتَ فيها قبل أن تمرض، تذكر حالات الضعف التي كنتَ فيها وأنت في قوةٍ وحالات زوال الملك والسلطان وأنت في القمة، وحالات الفقر وأنت في غنى، وانظر حولك في تدبرٍ تجد حالات تخالف حالاتك أصحابها في رضا وقناعة أو في صبرٍ وضراعة، كما قال الرجل المبتلى بفقد بصره وقدميه ويديه، وهو يقول "الحمد لله الذي عافني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه" فقال له المسيح عليه السلام: "وما الذي عندك وعافاك الله به؟ قال الرجل: إن الله رزقني قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا".

اسمع يا أخي قول ربك- عز وجل- اسمع صوت الوحي الندي من جبريل عليه السلام حاملاً هذه الآية لينطلق بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ (إبراهيم: من الآية 5).

صبار: كثير الصبر بمزيدٍ أكثر من الشكر لأن مقابلها شكور وأختها صبور، وانظر في نفس المشكاة فهي التي يخرج منها نور النبوة لترى الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يعطيك بيده الشريفة جرعةَ علاجٍ طويلة المفعول مضادة لكل السموم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن نظر في دينه إلى مَن هو أدنى منه وفي دنياه إلى مَن هو أعلى منه لم يكتبه الله لا صابرًا ولا شكورًا" (رواه الترمذي)، ودعاء الحبيب- صلى الله عليه وسلم- الذي به القلب يطيب، وتذوب النفس خشوعًا وفقرًا وذلاً لخالقها: "اللهم أجعلني لك صبارًا، لك شكَّارًا، لك ذكَّارًا، واجعلني إليك أواهًا منيبًا".

أخي.. في رحلة شرح الصدر.. لكَ منا فيها نصيب تناله من خيرها: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ (الشرح)، بلى يا رب.. ﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)﴾.. بلى يا رب ﴿الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3)﴾ بلى يا رب ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾.. بلى يا رب ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)﴾ (الشرح)، وما مناسبتها هنا.؟ أليست تقال في ضيق بعد فرج؟ وعسر بعد يسر؟ يبشر ربنا بيسر بعده بل بيسرين سيهزمانه بقدرة الله.

فيا كل مَن نقصَ رصيده من النعمة والعافية، ومن الستر.. إلى أي درجةٍ كنت تعترف بما أبقاه لك المنعم المتفضل في دعائك المأثور عن نبيك محمد- صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أصبحت- أمست- منك في نعمة وعافية وستر، فأتم عليَّ نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة"، بل هذا يتضمن أنك دائمًا تتقلب في نعمةٍ من الله وفضل مهما سلب منك امتحانًا واختبارًا أو تطهيرًا وغفرانًا، وما زلت في أمسِّ الحاجة لمزيدِ فضل الله إلى أن تدخل الجنة، وهنا فقط تتم النعمة والعافية والستر في الآخرة.

فليكن هذا منهاج حياة لك.. أن تحمد الله- عزَّ وجلَّ- على الموجود، ثم بعد ذلك تطلب المفقود.

ولا يفوتني هنا أن أنبه إلى خبير الجواهر واللآلئ الأستاذ البنا- رحمه الله وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء- فقد اختار هذا الدعاء الجوهرة، وجاء بجوهرةٍ أخرى بجواره في الأذكار التي جمعها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليزداد كل دعاءٍ منهما بريقًا عندما يتجاوران:"اللهم ما أصبح- أمسى- بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر" أخي.. ماذا ظهر من معانٍ تربوية جديدة عندما التقى الدعاءان؟.

يا رب بعد أن أعترفتَ لك بفضلك عليَّ من نعمٍ لا تُحصى ولا تعد، أعترف بأنك مصدر تلك النعم ليس فقط التي عندي بل التي عند غيري، وقد لا يشكرك عليها فأنا أعتذرُ عن الذين لا يشكرون ولا يعرفون قدرك ولا يوفونك حقك، وأشكرك نيابةً عنهم ثم ألوذُ بجانبك يا رب ضارعًا متذللاً، فماذا أفعل يا رب وقد مسني الشيطان بنُصبٍ وعذاب.

الأمر بسيط وسهل ويسير على مَن يسره الله تعالى له، انتقل من هذه الحالة النفسية، اقتحم العقبة، احذر الفراغ القاتل، احذر أن تتبع الشيطان بخطواته الخبيثة الناعمة الكاذبة، فيتنصل منك ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ (إبراهيم: من الآية 22)، فلتتنصل الآن وقلها قبل أن يقولها، واهزمه قبل أن يهزمك.

كيف السبيل إلى ذلك؟ ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7)﴾ (الشرح)، اشغل بالخير دائمًا وجدد النية، ﴿وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ (الأنعام: من الآية 91)، ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ (المزمل: من الآية 11)، ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)﴾ (المدثر)، اتركهم لعقاب الله واشغل نفسك بمعية ربك، ومراد ربك منك، ولا تشغل نفسك بما ضمن لك عما طلب منك.

وقل هذه الكلمات الدرر الغالية في مناجاة ربك حيث لا يسمعك إلا هو: "فكم من نعمة أنعمت بها عليَّ قلَّ لك عندها شكري، وكم من بليةٍ ابتليتني بها قلَّ لك عندها صبري، فيا من قلَّ عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قلَّ عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني.. أسألك أن تُصلي على محمدٍ وعلى آل محمد".

ختام الآيات في القرآن الكريم هو آخر أثر تتركه الآية في النفس، وغالب الآيات إذا ختمت بصفة من صفات الله أو اسم من أسمائه- عز وجل- الحسنى أو ختمت باسمين منها كان لذلك أثره وكماله وجلاله.

وفي سورة يوسف مثلاً: "الواحد القهار" هما الاسمان الجليلان المناسبان للموقف، ولانتفاع صاحبي السجن وحالتيهما، وفي موقف الأحداث نجد الاسمين الحسنين "اللطيف الخبير"، وقس على هذا كثيرًا.

والغريب إظهار جهل الكافرين لأنهم يكفرون بالرحمن وليس يكفرون بالمنتقم أو القهار أو الجبار ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)﴾ (الفرقان) ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ (الرعد: من الآية30).

هذا تجاوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فأين استجابتك أنت؟

تفاعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كلمات القرآن ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)﴾ (الغاشية)، قل نعم قد جاءني، وتجاوب سيدنا عمر كما جاء في آخر سورة الحاقة: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42)﴾ (الحاقة)، وقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء: من الآية 41)، أبكت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عاش الكلمة في المشهد الواقعي.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾ (الفيل)، هو لم يحضر ولم ير، ولكنه سمع فقط ولكنه إيحاء لقارئ آيات الله أن ينظر بعيون القرآن إن صح التعبير.

أين أنت من الصحابة؟ وضمن مَن ذكرت؟ فقد ذُكِر الصديق ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33)﴾ (الزمر).. ابحث عن موقفٍ من المواقف المحمودة التي ذكرها القرآن وحاول تقليدها فإن التشبهَ بالصالحين فلاح.

إذا سمعت "والله يحب" فاجعل هذه الصفة تتحقق فيك لتكون ممن يحبهم الله، وإذا سمعت "والله لا يحب" فاحذر أن تكون فيك رائحة منها، كما قال العادل عمر لحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما "أناشدك الله يا حذيفة اشممني أتجد فيَّ رائحة المنافقين ؟