خليل العناني يكتب : عن ظاهرة "السيساويين العرب"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل العناني يكتب : عن ظاهرة "السيساويين العرب"


(6/9/2015)

خليل العناني

لا يتوقف الهوس بالجنرال عبد الفتاح السيسي عند حدود مصر، وإنما يتخطاه كي يصل إلى شريحة من المثقفين والإعلاميين العرب، خصوصاً في منطقة الخليج، الذين يدافعون عن الرجل، وكأنه قديس أو "نصف إله" لا ينطق عن الهوى.

وقد تجاوز بعضهم في هوسه وتعلقه بالرجل حدود المنطق والعقل، إلى الدرجة التي جعلته يدافع عنه وكأنه الشخص الوحيد في مصر، أو كأن مصر أصبحت هي السيسي فقط. بل الأكثر من ذلك، لا يدافع بعضهم فقط عن السيسي، بل أحياناً ينتقد حكومة بلاده، إذا فكرت في التخلي عن الجنرال، أو ظهر منها ما قد يؤشر على التراجع عن دعمه.

قبل أيام، نشر أحد "السيساويين العرب" مقالاً في إحدى الجرائد المعروفة، يدافع فيه عن السيسي، بطريقة مثيرة للرثاء والشفقة.

وهو الشخص نفسه الذي دافع، ولا يزال، عن الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وابنه جمال، وكان من أشد مؤيدي سيناريو التوريث في مصر.

في مقاله المذكور، لم يخجل الكاتب من أن يقرع رئيس البرلمان الألماني الذي رفض مقابلة الجنرال السيسي في أثناء زيارته ألمانيا الأسبوع الماضي، وإنما قام بوصلة من "الردح" السياسي، فيها من الإسفاف اللغوي والتدني ما يثير الشكوك حول دوافع كتابة المقال الذي بدا وكأنه إعلان مدفوع الأجر للدفاع عن الجنرال السلطوي، قبيل زيارته.

وهو الشخص نفسه الذي كتب مقالاً، قبل فترة، يطالب فيه صراحة، وبدون خجل أو مروءة، بأن يقوم السيسي بـ"إبادة" شاملة لسيناء، حتى يتمكن من حكم البلاد.

وهو الكاتب نفسه، أيضاً، الذي دافع، قبل عامين، عن عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات الأسبق، الذي تورط في عمليات تعذيب المعتقلين السياسيين، خصوصاً الإسلاميين، وفي صفقات سياسية واقتصادية فاسدة مع إسرائيل، على الرغم من ادعاء الكاتب مراراً أنه من أشد الناقدين والرافضين لها ولوجودها.

الطريف أن بعض هؤلاء المهاويس ذهب، في دفاعه عن الجنرال السيسي، إلى حد الشطط والتماهي الكامل معه، فتبنى خصومه ويهاجمهم، حتى وإن لم تكن هناك علاقة مباشرة بينهم.

بدا ذلك واضحاً في مناسبتين، أولاهما في أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزةالصيف الماضي، والتي انبرى فيها قطاع كبير من "الصهاينة العرب" (وهم، أيضاً، سيساوية مخلصون) للدفاع عن موقف مصر المخزي من الحرب، بشكل أثار تعجب نظرائهم الإسرائيليين وحيرتهم.

وكانت المناسبة الثانية، قبل يومين، حين فرح هؤلاء و"شمتوا" في عدم تمكن حزب العدالة والتنمية التركي من تحقيق الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية، ليس لشيء سوى أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هو الخصم السياسي الوحيد للسيسي في المنطقة.

ولو سمعت تعليقات هؤلاء السيساويين العرب على الانتخابات التركية الأخيرة، في الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، لشعرت بحجم مأساتهم وتهافت أطروحتهم.

فمن جهة أولى، جميع هؤلاء "السيساوية" هم من أهم داعمي السلطوية والاستبداد في المنطقة العربية، لذا، من غير المنطقي أن يعلّقوا على انتخابات نزيهة وديمقراطية، لا تعرفها بلدانهم، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه.

ومن جهة ثانية، لا يريد كثيرون من هؤلاء السيساوية لتركيا (وليس فقط أردوغان) أن تصبح دولة قوية ومؤثرة، ليس فقط بسبب التنافس الإقليمي والاستراتيجي معها، وإنما بالأساس حتى لا تصبح ظهيراً للإسلاميين في المنطقة.

ومن جهة ثالثة، ترتبط حكومات بعض هؤلاء المعلقين بعلاقات جيدة واستراتيجية مع تركيا ومع أردوغان شخصياً، لذا من الخلل وعدم الاتزان مهاجمة حزب العدالة والتنمية الذي يمثل حليفاً مهماً لبلدانهم.

ومن جهة أخيرة، يرى معظم هؤلاء في "النموذج التركي" سبباً للضيق والحرج، وبالنسبة لهم، إن تركيا ضعيفة أفضل بكثير من تركيا قوية تحت قيادة الإسلاميين.

بل وصل الأمر بأحدهم أن يصرّح، على إحدى الشاشات العربية الداعمة للسيسي، إن إسرائيل أفضل للعرب من تركيا وفق قاعدة (عدو عاقل أفضل من صديق جاهل)، وهو منطق ليس فقط فاسد سياسياً واستراتيجياً، ولكنه أيضا كاشف لحجم الخلل والانهيار الأخلاقي لدى السيساويين العرب.

وبوجه عام، إن صفات أربع تمثل قاسماً مشتركاً بين السيساويين العرب، أولها كرههم واحتقارهم الشديد للديمقراطية، قيماً وممارسة، مثلما هي الحال مع تركيا. وثانيها، رفضهم السياسي والأيديولوجي القاطع للإسلاميين، بل والتحريض عليهم في كل المحافل داخلياً وخارجياً.

وثالثها، كراهيتهم الربيع العربي وثوراته، واعتبارها "مؤامرة" كونية، لتفتيت المنطقة العربية، وعدم اعترافهم بالحال المأساوية التي تعيشها مجتمعاتهم.

وأخيراً، تماهيهم المطلق مع حكوماتهم والدفاع عن استبدادهم وسلطويتهم في مقابل الحصول على امتيازات مالية واقتصادية واجتماعية.

فكثير من هؤلاء معروف بعلاقاته وصلاته بدوائر "الثورة الإقليمية المضادة" في المنطقة.

ربما إحدى حسنات الانقلاب في مصر، وهي قليلة، أنه كشف حجم "الانحطاط" والتردي السياسي والأخلاقي، ليس فقط لدى النخبة السيساوية في مصر، وإنما، أيضاً، في المنطقة بأسرها، وهو ما يؤكده تفشي ظاهرة "السيساويين العرب".

المصدر