حول القضية الفلسطينية (6)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القضية الفلسطينية (6)
نظرة على الواقع الحالى

بقلم : د. محمد عبدالرحمن ... عضو مكتب الإرشاد


هل نحن بحاجة إلى مشروع جديد ؟

قد يتساءل الناظر للواقع الحالى لميدان المواجهة مع العدو الصهيونى، هل هناك حاجة لمشروع جديد؟ نقول إن الساحة ليست خالية أو المقاومة ليست مفتقدة حتى نبدأ بالبحث عن مشروع جديد بعد هذه المرحلة الطويلة من الجهاد.

وإنما ننظر ونقيم واقع المشاريع والتيارات العاملة فى الساحة، وبنظرة علمية محايدة نجد أن المشروع الإسلامى المتكامل الذى وضعه الإمام الشهيد ما زال هو المشروع الفاعل فى الساحة، وأنه هو الذى يقود الأمة فى هذه المواجهة، وأن له الريادة والتميز فى ذلك إذا أخذنا شمول رؤيته وتنوع واتساع مساحة الصراع الذى يخوضه ومدى ثبات وانتشار أصحاب هذا المشروع، ومدى كفاءتهم لهذا التحدى وما يمتلكونه من تجربة وتاريخ، وقد أوضحنا بعض هذه الجوانب فى المقالات السابقة.

إن التقييم العملى فى هذا الأمر يقوم على نقاط محددة :

هل مازال هذا المشروع موجوداً فى الساحة أم لا ؟

وهل هو يتقدم أم يتراجع ؟

وهل ما زالت منطلقاته وأهدافه ثابته أم طرأ عليها التغيير والتبديل ؟

وهل يأخذ بشمولية الحركة فى الصراع والمواجهة أم يحصر نفسه فى محور واحد ؟

وما هو مقدار ثباتة أمام عامل الزمن، واختبار الضغط والابتلاء وتجاوز المؤامرات ؟

هل هو قادر على الاستمرار والعمل فى جميع الأحوال والأجواء ؟

وهل رؤيته الشاملة مكافئة للواقع والمستقبل ؟

ثم تقييم لمدى ما قدمه، وحجم التضحيات التى قدمها، واستمرار أجياله فى تبنى مشروعها لا تحيد عنه، ومدى انتشار وتأثير هذا التيار فى الأمة .

إن الإجابة على تلك النقاط لتؤكد لنا نظرياً وعملياً أن المشروع الإسلامى المتكامل الذى أسسه وأطلقه الإمام الشهيد ودفع حياته فى سبيل الله من أجله، هو المشروع الرئيسى الرائد فى تلك المواجهة. وأنه هو المشروع المكافئ والمناسب لهذا التحدى ليس فقط من خلال إنجازه العملى الواقعى، وتواجده المؤثر بالنسبة للتيارات والمشاريع الأخرى، وإنما لأنه ينطلق من ثوابت الإسلام وأهدافه وبالتالى لا طريق غيره إذا كنا جادين فى تحمل المسئولية وأداء الأمانة والقيام بما أوجب الشرع. ويصبح الجهاد المطلوب يصب فى كيفية تطبيقه والسير بهذا المشروع الإسلامى، وليس مطروحاً أن نبحث على غير هدى عن مشروع آخر أو نراجع ثوابتنا ومنطلقاتنا وأهدافنا.

إننا لا نمانع من الاستفادة من أى إنجاز ومن أى فرصة ومستجد حتى ولو من الأعداء لكن هذا يكون فى الفروع والوسائل وليس فى المنهج والأصول، ويصب فى النهاية فى خدمة المشروع الأصيل.

وإذا كان لنا من تقييم، فإنه يختص بمدى تطبيقنا وانتظامنا فى هذا المشروع.

ولقد أشارت المقالات السابقة إلى نماذج مختصرة للأداء والإنجاز للرؤية والمسار تؤكد ما ذهبنا إليه من حقائق.


الرؤية بشأن التعامل مع الواقع

1. إن المعركة القادمة والمستمرة بين الأمة وهذا المشروع الصهيونى – الأمريكى ستستمر لعدة أجيال ولا يمكن حسمها فى جيل واحد وأن مصادر قوة المشروع الإسلامى تتبلور فى يقينه بالله وبالأمل فى تأييده ونصره وتحقيق أهدافه.

إن ربانية هذه الدعوة قد لا يفهمها البعض، لكن فى تاريخ الأنبياء وفى مصارع الطغاة الظالمين لدليل وبرهان على ذلك.

2. إن ما أنجزه التيار الإسلامى على أرض الواقع رغم الفجوة الضخمة فى الإمكانيات، ورغم اتساع صف الأعداء وقدرتهم على توظيف شريحة و نخبة من حكام وكتاب الشعوب الإسلامية لصالحهم وضد التيار الإسلامى، ليعتبر بفضل الله نصراً مبيناً، بل وشكل صدمة للأعداء ومن معهم الذين ظنوا غير ذلك... وإن ثبات هذا التيار الإسلامى واستعصائه على الاستئصال أو الإقصاء ليعتبر إنجازاً ومبشراً ومقدمة للنصر الكامل بإذن الله.

3. إن المشروع الإسلامى يركز فى هذه المرحلة على الشعوب وما يتعلق بها من مؤسسات وكيانات جماهيرية وأن تنتقل القضية والاهتمام بها وبكل أبعادها من جيل إلى جيل.

4. إن هذه المرحلة تشكل مرحلة الصمود والثبات وتأصيل العقيدة وتوعية وتوظيف الأمة الإسلامية، وأن يستمر لديها اليقين بحتمية الانتصار وتحقيق وعد الله عز وجل لها... وإن مظاهر تفاعل الملايين من ا لأمة الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها عند كل حدث يمسّ أرض فلسطين ليؤكد على نجاح هذه المرحلة والتى لابد أن تتواصل لتنتقل للمراحل الأخرى حتى تأتى مرحلة الحسم والمعركة النهائية.

5. وبالنسبة للحكومات، فلا تعول عليها هذه المرحلة كثيراً، وإنما تستخدم وسائل الضغط السلمية وطرق الإقناع المختلفة، لمحاولة توجيهها للتصدى للخطر أو عدم التجاوب مع مخطط الأعداء .

6. إن الأعداء الغاصبين لهم دولة قوية يدعمها المشروع الأمريكى الغربى، بكل قوة، ونعلم جيداً أنه لن يبطلها وينهى وجودها إلا دولة إسلامية قوية بمعنى الكلمة تقف معها كل الأمة العربية والإسلامية، لكن هذه المرحلة الطريق إليها يكون عبر مشروع متكامل متدرج يواصل المواجهة بوسائل متعددة فى الحركة وقدرة على التعامل فى الميدان.. ويضع التيار الإسلامى قناعته فى مقدرات الأمة الإسلامية وأنها من الحجم والقدرة بما يجعلها قادرة على دحر هذا العدوان، وذلك إذا تم إيقاظها وبث الروح فيها من جديد وحسن توجيهها وتوظيفها.

7. إن أصحاب التيار الإسلامي ليدركون سنن التاريخ وقواعد التغيير فى الكون ويدركون جيداً مصادر القوة عند الأمة الإسلامية، كذلك عوامل الضف والانهيار عند الجبهة المعادية حتى وإن لم تظهر نتائجها، وإن دورة التاريخ لقادمة بإذن الله لكن هذه السنن يستفيد منها العاملون المجاهدون وليس القاعدون المتكاسلون.

8. من الأهمية بمكان ترسيخ عقيدة المقاومة لهذا الكيان الغاصب، وأنه لن يتم دحره إلا بالقوة بكل أنواعها، وإنه مهما كانت مساحة المقاومة وتأثيرها صغيراً أو ضعيفاً، فإن وجودها كأصل واستمرارها ودعمها لتتطور بعد ذلك ليشكل ذلك مرتكزاً أساسياً فى الرؤية وفى الاستراتيجية. 9. ترفض الرؤية الإسلامية العمل بأسلوب رد الفعل فقط، أو الفورات المؤقتة التى تنشط وتهدأ كل حين، وإنما هناك أهدافاً أساسية ووسائل مستمرة متدرجة للوصول لهذه الأهداف وتحقيقها على كل المستويات الفردية والمؤسسية والشعبية.


منهجية التعامل مع المرحلة الحالية

إن و اجب المرحلة وفرضية الوقت ومتطلبات المشروع الإسلامى، تقتضى منا العمل على هذه المحاور:

1. أن نستمر على هذا المشروع الإسلامى المتكامل بكل محاوره، وأن تلتف حوله الأمة كلها، وأن تكون قضية فلسطين فى القلب منه بمنطلقاتها الإسلامية وأهدافها الشاملة.

2. أن نحرص فى هذه المرحلة على تعميق الوعى لدى الأمة والشعوب الإسلامية وبناء القناعات الراسخة لديها فى هذا الميدان لكل شرائحها، وجيلاً بعد جيل، ليس ذلك قاصراً على التيارات الإسلامية وإنما شاملاً لكل الأمة، مع تقوية ذاكرة الأمة حتى لا تنسى، وتقوية مناعتها ضد الكيان الغاصب الذى أجرم فى حقها.

3. أن يتحول الوعى وتلك العقيدة إلى إرادة قوية وإلى تحرك عملى يصب فى كل المحاور وبكل الوسائل المطلوبة.. لابد أن يتبلور ذلك على المستوى الجماهيرى والفردى، وأن ينبثق عنه مؤسسات وجمعيات وكيانات أهلية شعبية، ودولية، تساهم فى متطلبات تلك المرحلة وتحافظ على الفعاليات المناسبة.

4. هذه المرحلة التى نحن فيها، تركز على الأمة والجماهير، حيث أن الحكومات خرجت عن هذا المسار وتعاون أغلبها مع الأعداء، لكن وبإذن الله سوف تلحق بهذا الركب فى المستقبل عندما يتم إصلاحها بحق ضمن مراحل المشروع الإسلامى.

5. لابد أن ننتقل من واقع العواطف والكلمات إلى واقع الحركة الجماهيرية عند الأحداث والمواقف ولابد أن ننتقل من مجرد التعبير وتفريغ الطاقات إلى وسائل ضغط وتوظيف للإمكانيات لتصب فى صالح المقاومة والصمود.

ولابد أن يكون لذلك رأساً موجهة وليست حركة وتعبيراً عفوياً يهدأ وينشط كل فترة.

6. ولابد أن يشمل التحصين والتوعية ضد المساومات والاستدراجات ليصل وعى الأمة إلى أعلى مراحل النضج وأن تتمكن من التمييز بين المجاهدين والمخلصين، وبين عبث المتاجرين بالشعارات .

7. وأن يصل هذا الوعى إلى الإيجابية والذاتية فى حركة الأفراد والكيانات والجماهير لأنها أصبحت قضيتها تتفاعل معها وتعمل لها باستمرار.

8. التنبيه واليقظة لمحاولات العدو الصهيونى هدم المسجد الأقصى أو تقسيمه وبناء هيكلهم المزعوم، حيث بدأت خطتهم فى التسارع بهذا الشأن مستغلة ضعف الدول العربية وكثرة الصراعات فيما بينها، لهذا لابد من إجراءات وخطوات رادعة وردّ فعل جماهيرى قوى على مستوى الأمة يجعل العدو يعيد حساباته من جديد.

9. التأكيد على مشروع المقاومة ودعمها وترسيخ مسارها فى المعركة وتوسيع قاعدتها والتعاون مع كل فروع وتيارات المقاومة لبناء مرجعية ثابتة وداعمة لها تستمد تأييدها ودعمها من عموم الشعب الفلسطينى ومن جماهير الأمة العربية والإسلامية، وتحقيق التنسيق والتعاون ثم الوحدة فيما بينها.

10. الحرص على وحدة الصف الفلسطينى، ولكن لابد أن تكون هذه الوحدة على ثوابت القضية وليست وحدة أجسام قلوبها وأهدافها متباعدة ومتناقضة وإن الأصول ثابتة فمن شذّ عن الأصول والثوابت شذّ عن الصف وعن الوحدة وستلفظه الجماهير وسيدوسه الزمن ويتجاوزه.

11. كذلك الحرص على المقدرات الذاتية للدول والأمم الإسلامية والرقى بها وإحداث التقدم والتحرر الاقتصادى والسياسى والثقافى المطلوب. إن أى تنازع أو حروب بين هذه الأمم والدول ليصب فى خانة مصلحة الأعداء، وإن اى فوضى وتخريب فى مقدرات هذه الأمم ليؤدى إلى تحطيم قدراتها على المواجهة ويضعف ويؤخر انتقالها للمراحل التالية فى المعركة.. إن الحرص على الدم الإسلامى وعدم إراقته فى هذه النزاعات مهما رفعت عليها من أسباب وشعارت لهو عقيدة أساسية عند أصحاب المشروع الإسلامى الرائد، وهى تدرك أن ذلك من خطة الأعداء وضمن استراتيجيتهم فى المواجهة فهم يصنعون المؤامرات لإنشاء هذه الصراعات لإضعاف مقدرات الأمة كما يؤثر أيضاً على الارتقاء للوحدة العملية بين شعوبها .

12. أن تكون هناك خطوات جادة على مستوى الشعوب والكيانات الأهلية والاقتصادية للتواصل والتعاون والتكامل فيما بينها، تمهيداً لخطوات إعداة الوحدة والكيان الدولي للأمة الإسلامية.

13. وعلى المستوى الدولى يدرك التيار الإسلامى، الخلفية الكاملة لمواقف الدول الأخرى، والخلافات القائمة بين أطرافها، وعقم المؤسسات الدولية وكيف يتم توجيهها.

ولهذا فهم لا يبنون خطتهم على هذه الأمور أو يتعلقون بأوهام ووعود وآمال زائفة، فمصادر القوة للأمة تأتى من داخلها، لكنهم فى الوقت نفسه يوظفون هذا الواقع ويستثمرونه لصالح المشروع الإسلامى ولرفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى.

14. لابد من دعم الإعلام المؤثر الصحيح الخاص بهذه القضية ليصل لكل شعوب الأمة الإسلامية ولكل شعوب العالم ومؤسساته وأن نتحرك لمواجهة هذا الإعلام المزيف المنحاز للعدو وأن نفضح تلك الجرائم ونعمل على إيقاظ الإنسانية التى ما زالت فيها بقية من حياة رغم الركام والزيف الذى أحاط بها.

15. قطع الطريق على الحلول الاستسلامية، ورفض أى تنازلات وتراجع عن الثوابت والحقوق الفلسطينية، وفضح كل المؤامرات التى تحاك ضدها ومن يشارك فيها ويروج لها.. إن ما يفرضه البعض من تراجعات وواقع استسلامى للعدو الصهيونى والأمريكى على أرض الواقع نواجهه بالثبات على المبادئ والأصول، وبمنع إعطائه الشرعية التى يطلبونها، مع التعامل السياسى والإعلامى والميدانى معها بما يحقق دعم استمرار المقاومة ودعم صمود الشعب الفلسطينى وتحسين أحواله.

16. التواصل الفعّال مع أهل فلسطين والاستفادة من كل مستجد فى هذا الشأن لتخفيف العبء والضغط عنهم، والاهتمام بأبناء المهجر مناخا ومعيشة ووعياً والتواصل معهم بشتى السبل وكذلك الدعم الاقتصادى لأهل فلسطين داخل الأرض المحتلة حتى يقلّ اعتمادهم على اقتصاد العدو الغاصب.

17. التأكيد على منهجية إسلامية نبه إليها مراراً الإمام الشهيد حسن البنا وكان الشهيد أحمد ياسين يتمسك بها على الدوام، وهى عدم الدخول فى مهاترات مع الأطراف الفلسطينية أو غيرها التى نختلف معها، ولا نرد بأسلوبهم على التشويه والحملات الإعلامية فقد سمى الإمام الشهيد ذلك "كفاحاً سلبياً " يشغلنا عن مهمتنا الأساسية وعن العمل الإيجابى كما أنه يوغر الصدور ويخرج عن مبدأنا الثابت وهو "عدم تجريح الهيئات والأشخاص".

18. تشجيع التعاون والتواصل مع كل القوى والأفراد والتيارات التى تعمل على مواجهة العدو والتصدى له مهما اختلفت منطلقاتها ما دامت تجمعها الثوابت الأساسية فىظل المبدأ : " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ".

19. مواصلة الحرب النفسية ضد العدو الصهيونى، مع الاستفادة من الطبيعة الشخصية اليهودية فى قلقها وخوفها على كل ما يؤثر على حياتها والتأكيد على هزيمته الحالية والمستقبلية.

والواقع الحالى يشير إلى ثلاثة أمور يمكن توظيفها فى هذا المجال:

أ‌- فشل المشروع الصهيونى فى عقد السلام مع الشعوب أو أن تقبل به، فما زالت القضية حية عندها وما زالت روح المقاومة قائمة متجددة وإن العوامل التى ساعدت على ذلك وعلى رأسها التيار الإسلامى تزداد قوة يوماً بعد يوم.

ب‌- فشل المشروع الصهيونى فى القضاء على خندق المقاومة، بل انتقلت بقوة داخل فلسطين وسببت له إزعاجاً شديداً وتمكنت من الثبات ضد هجماته المتعددة، وتجاوبت معها الأمة الإسلامية.

ت‌- جـ) التأثير السلبى على الشعب اليهودى فى الدولة الصهيونية من جراء المقاومة الفعالة وتنامى الروح الإسلامية داخل فلسطين كلها مما كان له أثر سلبى كبير على الروح المعنوية عند الجنود الصهاينة وعند قادتهم.

20. فى ظل هذه الثوابت التى تتمسك بها الجماعة، فإنها تتعامل أيضاً مع الواقع الميدانى بمتغيراته المختلفة وفق الضوابط الشرعية، وما تحمله من موازين وضوابط تخصّ الحركة والمواقف العملية، فهىتدرك أن المعركة ممتدة وطويلة، وأن الفجوة بين الواقع وهذه الأهداف المرتبطة بتلك الثوابت واسعة وكبيرة، لكن ذلك كله لا يشكل قفزاً فوق تلك الثوابت أو تفريغاً لها من محتواها.

• فرق كبير بين التدرج والمرحلية العملية وبين التنازل المرحلى والتراجع الجزئى وفرق كبير بين الهدنة بضوابطها الشرعية طالت أم قصرت، وبين الاستسلام والإقرار بشرعية الغاصب وعدم مقاومته.

• وفرق كذلك بين السكوت عن أمر ميدانى تفرضه بعض الظروف، وبين الإقرار به وإضفاء الشرعية عليه.

• وإن ما يقدمه الأعداء أو ما يسمونهم بالوسطاء من حلول ومقترحات فى مقابل هدم بعض تلك الثوابت أو التراجع عنها، يرفضه أصحاب المشروع الإسلامى، حيث يرفضون ذلك التنازل حتى لو وافق عليه فصيل من الفلسطينيين. وفى نفس الوقت يوظفون الواقع العملى بشأن ذلك إذا تبناه أحد أو فرضه على أرض الواقع بما يخدم القضية ويدعم صمود الشعب الفلسطينى ومقاومته الفعالة.

• إنهم بفضل الله من الثبات والصمود بما يحقق استمرار المسار وسلامة الطريق والحفاظ على الثوابت مهما كانت التضحيات، وهم فى الوقت نفسه من الحكمة والمرونة فى مواجهة الأحداث والمواقف بما يستوعب المستجدات وينجحون فى توظيفها والاستفادة منها.

• وإذا كان هناك من أخطاء – حيث لا يدعى أحد العصمة أو القداسة – فإن ذلك يكون فى الوسائل وفى فرعيات العمل وليس فى الأصول، وتأتى المرجعية والتقويم مع اللجوء لله عز وجل لتجبر ذلك فلا يشكل منعطفاً أو عائقاً حقيقياً.


مخاطر مستجدة وكيفية مواجهتها

ما زال العدو يواصل مشروعة ويحاول أن يطوره ويدفعه على أرض الواقع، والمشاهد أنه أحرز بعض التقدم فى بعض المحاور، ويعانى من معوقات شديدة تصل إلى مستوى الفشل الاستراتيجى فى محاور أخرى، ونشير هنا إلى بعض هذه النقاط :

1. لقد نجح المشروعى الصهيونى بالتعاون والدعم مع المشروع الأمريكى فى إخضاع حكومات الدول العربية غالباً، والوصول إلى حدّ التوظيف لها، بل فى محاولة خداع شعوبها، والاستجابة لمطالب العدو ودعمه فى فرض حل على أرض الواقع فيه التنازلات عن الثوابت بحجة السلام المزعوم.

2. تمكن من عقد اتفاقيات حالية، وأخرى قادمة تعترف له بالشرعية وتساعده على تشكيل طبقة مرتطبة به من أصحاب المصالح ورجال الأعمال.

3. نجح العدو فى أن يتواصل معهم على المستوى السياسى ويكون منفذاً لهؤلاء الحكام لقضاء المصالح وتبادلها خاصة مع أمريكا.

4. نجح لأول مرة فى استمالة فصيل من أهل فلسطين – وإن كان عددهم قليلاً بالنسبة لباقى الشعب – يحاول دعمهم وتثبيت وجودهم . لأنهم يقبلون به ويتعاونون معه لفرض مشروعه الصهيونى على أهل فلسطين مقابل مكاسب زائلة.

5. انهيار منظومة الأمن القومى العربى.

• إن معركة فلسطين تشكل قلب الأمن القومى العربى، وهناك خطة من أمريكا والعدو الصهيونى لقلب هذه المعادلة بالمنطقة، محاولة استخدام وتوظيف أحداثاً كثيرة تساعدها على تهميش القضية الفلسطينية عند الأنظمة والدول العربية وإحلال قضايا أخرى فى بؤرة الاهتمام، ليؤدى ذلك إلى جعل الدول الصهيونية ضمن معادلة الأمن القومى العربى وذلك من خلال محاور عدة منها تصعيد الخلاف الشيعى – السنى، وإذكاء الصراع بين الدولة الإيرانية والدول العربية، ودعم النزاعات الأهلية بالمنطقة لتكون إسرائيل بعد ذلك هى القوة التى تعادل الخطر الإيرانى وأن تكون هى نقطة الارتكاز القوية وسط دول أنهكتها الصراعات الأهلية والنزاعات فيما بينها فتصبح بذلك فى قلب منظومة الأمن القومى العربى الذى بدأ يستعين بأمريكا ويقبل بتواجدها العسكرى – ولو مؤقتاً – فى حين أن هذا التواجد لها يدعم من الثقل العسكرى والسياسى للكيان الصهيونى.

• ومن هنا تتضح أهمية وضرورة المقاومة على أرض فلسطين لتنهكها وتسبب لها الوخزات المؤلمة التى تعرقل تفرغها لهذه الخطة، وكذلك دعم مقاومة التواجد الأمريكي الخادم للمشروع الصهيونى – الغربى، بكل وسائل الدعم وبكل صور المقاومة.

• ومن الأهمية أيضاً استمرار الحراك الشعبى لإسقاط هذه الاتفاقيات الجائرة التى تم عقدها مع الحكام وعدم اليأس من تحقيق ذلك بالوسائل السلمية والنضال الدستورى.

• كذلك يحاول المحور الأمريكى – الصهيونى، جرّ بعض القوى المجاورة للمنطقة العربية لدخول معادلة التأثير فى أحداث المنطقة، وأن يكون دخولها انحيازاً لمصالح إسرائيل وأمريكا، وأيضاً استخدام تكتلات دولية تخدم مثل هذا الأمر مثل التجمع اليورومتوسطى، وبالتالى تتضح أهمية التواصل مع تركيا وشعبها ليكون انحيازها مع المصالح العربية وأن يكون توجه حكومتها مؤيداً للحق العربى وداعماً له، وإضافة إيجابية لأمن المنطقة ومواجهتها للخطر الصهيونى.

• وكذلك نزع فتيل الصراع مع الدولة الإيرانية وحل المشاكل بالطرق السلمية وبناء آلية لحسن الجوار وحل الخلافات.

• إن على الشعوب واجباً كبيراً فى هذا المجال لإقناع الحكومات وإطفاء الصراعات.

• وكذلك هناك المحور الثقافى والاقتصادى والذى يريد الكيان الصهيونى وفق مشروع بيريز عام 1990 أن يمسك من خلاله بمنظومة المصالح الاقتصادية والمؤثرات السياسية بالمنطقة يدعمه فى ذلك مناخ ثقافى وإعلامى مؤثر فى المجتمعات لتكون هناك بيده شبكة قوية مؤثرة من العلاقات السياسية والاقتصادية يصعب الخروج عليها أو الابتعاد عنها من دول المنطقة.

• ومن هنا يتضح أهمية المقاطعة الاقتصادية والثقافية لهذا الكيان الغاصب وإبقاء القضية حية فى وجدان الشعوب، واعتماد آلية التعاون والتكامل الاقتصادى بين الدول العربية والإسلامية بدءًا من المستوى الشعبى وكياناته وارتقاءه إلى المستوى الرسمى والدولى.

• لابد من تطوير مجتمعاتنا وتنميتها واعتمادها على نفسها إذا كنا جادين فى الحفاظ على أمتنا ومكانتها.

• لابد من فضح مسارات العدو الصهيونى ومراكز إعلامه ومن يرتبط به فى تنفيذ خطته تلك.

• وكذلك تشجيع المبادرات التى تحلّ الخلافات بين كيانات ودول المنطقة العربية حرصاً على مقدرات الأمة ومنعاً لإراقة الدم العربى المسلم بيدنا نحن، وفى النهاية يصب ذلك فىمصلحة العدو الصهيونى.

• إن الحرص على استقرار دول المنطقة يساعد على التنمية والتقدم الاقتصادى لها، ولابد لمصر أن تستعيد دورها الرائد والمؤثر فى هذا الميدان وفى منع الخلافات أن تصل إلى إراقة الدماء، وأن عليها ان تخرج من دوامة التأثير الأمريكى وأن تدرك ان الأمن القومى العربى هو أمن قومى لمصر لا ينفصل عنه.

• كما يجب إعادة إحياء وتفعيل دور جامعة الدول العربية حيث أصبح ذلك حاجة ملحة فى هذه الفترة، وإلى حين أن يتحسن هذا الأمر، على النخبة الشعبية وعلماء الأمة أن تسارع لتشكيل تكتلات وكيانات أهلية على مستوى المنطقة تحاول أن تؤدى هذا الدور وتقطع الطريق على الخلافات والنزاعات.


خاتمة

إن الناظر للظاهر من الأعمال وبعض أنواع الحراك، قد يرى أن حجمه ليس كبيراً أو مؤثراً، لكن هذه النظرة السطحية لا تغوص وراء الأشياء، فكل هذه الأعمال والفعاليات مهما قلّ شأنها، لها دورها وتأثيرها مع أهمية الاستمرار بها وتطويرها إلى درجات أكبر من التأثير والاتساع.

وإن الذى نضعه فى الاعتبار هو استمرار وتقدم المشروع الإسلامى ومدى ثباته وقدرته على اجتياز المعوقات وأن يتكامل العمل على كل المحاور المتعلقة بهذه القضية.

إن المظاهر الشعبية التى تخرج فى مختلف الدول للتعبير عن دعم أهل فلسطين، من مسيرات ومؤتمرات وخلافه، لها تأثيرها العميق على المدى البعيد، فهى تحقق أموراً وترسل رسائل واضحة للأطراف كلها:- 1. لأهل فلسطين الصامدين، أننا معهم ولا يمكن أن ننساهم ونشاركهم معركتهم وصمودهم، وهذا الدعم المعنوى هام جداً ومؤثر لهم.

2. رسالة للعدو الغاصب أن الأمة لن تسكت وأن فيها من يواصل جهاده ضد مشروعهم وأهدافهم، وأن ما يفعلونه من تطبيع مع الحكومات التى استسلمت لهم لن ينفعهم او يقدم سلاماً لهم.

3. رسالة إلى الدول التى تدعم الكيان الصهيونى وعلى رأسها أمريكا: أن الأمة الإسلامية ليست غافلة عن قضيتها الأساسية وأنها ستستمر فى الدفاع عنها وأنها على يقظة مما يحيكون من مؤامرات.

4. رسالة إلى باقى أبناء الأمة الإسلامية واجيالها أن القضية ما زالت حية وأن على الجميع أن يتحرك لها.

5. أنه ضمن الوسائل التى تحاول عرقلة وإيقاف المخططات المعادية وعلى الأقل إبطاء مشروعهم، مع استخدام ذلك وغيره من وسائل الضغط لدفع حكومات الدول لاتخاذ موقف بهذا الشأن.

• إن الأمة حتى اليوم لم تدخل معركتها الحاسمة مع هذا العدو بعد، وإن ذلك لآت بإذن الله.

والمشروع الإسلامى يعمل على إعداد هذه الأمة الإعداد الصحيح المتكامل ويواصل إضعاف العدو وإنهاكه وإنزال الرعب لدى قادته وجماهيره تمهيداً للوقت الذى يأتى فيه الحسم، فالعدو دولة ولا يمكن أن يهدمها إلا دولة قوية متمسكة بإسلامها.

إن المعركة حالياً معركة استراتيجيات وصراع إرادات.

وإن المراقب ليلمس مدى التقدم والكفاءة التى تزداد يوماً بعد يوم، ففى فترة زمنية بسيطة إذا بالمقاومة الشعبية داخل فلسطين تتطور من الحجر إلى هذه الكفاءة العسكرية التى تتصدى لجبروت العدو وجيوشه.

ولقد رأينا كيف أن صواريخاً مصنوعة يدوياً تدوى على مدن الصهاينة فيحدث الهلع والانهيار النفسى للمئات من اليهود تمتلئ بهم المستشفيات فى حين على الجانب المقابل يصمد أهل غزة لقصف متواصل من الطائرات والصواريخ شهراً كاملاً متواصلاً فنجد الصمود والثبات من الأطفال والكبار، أليس هذا من مبشرات النصر والهزيمة للعدو؟

وعندما نجد كل هذا الرعب عند الجندى الصهيونى وهو مدجج بكل أنواع الأسلحة أمام المقاتل الفلسطينى البطل فى محاولتهم الفاشلة لاقتحام غزة أليست هذه هى الهزيمة قد بدأت داخل قلوبهم وستستمر حتى تتحقق مظاهرها العملية فى الميدان.

إن مبشرات النصر قائمة نستمدها من عقيدتنا وإيماننا، ومن وعد الله لنا، ومن الواقع العملى للمقاومة، ومن خبرتنا بدورة التاريخ وسنن الكون وإذا كان بعض الأفراد محبطين يائسين، فلأنهم غفلوا عن هذه الأصول، ولأنهم تأثروا بحملة الأعداء وزيف إعلامهم.

وختاماً نقول إننا نتحدث فى هذا الشأن كمحاور عامة أما خطط المشروع وتفاصيل عمله وتكتيكاته محلها المقالات وصفحات الإعلام فلها مكانها وأهلها، وتكون على أرض الواقع وفى ميدان المعركة، وهدف هذه الصفحات هو المساهمة فى نشر الوعى وفى رفع الواقع وحجم التحدى ورفع الهمة وعدم اليأس والدعوة للعمل الجاد والله يهدى إلى سواء السبيل.