حماد الحسنات: الشيخ ياسين قاهر العجز والاحتلال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حماد الحسنات: الشيخ ياسين قاهر العجز والاحتلال
حماد الحسنات الشيخ ياسين قاهر.jpg

رفيق درب شيخ الشهداء:

- ياسين تمتع بقوة لم نجدها في عشرات الأصحاء

- نظام عبد الناصر اعتقلنا خلال حربه على إخوان مصر

- بعد 67 تمتعنا بحركة أفضل من خلال المؤسسات الإسلامية

- الشهادة وتحرير الأرض.. أمنيات الشيخ طوال حياته وحتى وفاته

حاوره في غزة- براء محمود:

كان الشيخ أحمد ياسين صاحب رأي سديد، رغم قلة الإمكانيات التي لديه، وبما أنه كان رجلاً ربانيًّا فقد أودعه الله سبحانه وتعالى تلك القوة التي عجز عنها الأصحَّاء ذوو الأجسام القوية، وثبت ذلك على مرِّ السنين.

هذه الشهادة أدلى بها ، خلال حديثه لـ(إخوان أون لاين)؛ عن حياته الحافلة التي عاشها برفقة الشهيد الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

يشار إلى أن الشيخ الحسنات أحد أقدم قيادات جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، وأحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وواحد من مبعدي "حماس" إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992 م.

استُشهد نجله ياسر، وهو قائد بارز في المقاومة، ومن مؤسسي "كتائب القسام" بتاريخ 24/5/1992 م في اشتباك مسلَّح مع قوات الاحتلال في حي الصبرة وسط مدينة غزة، وأسفر الاشتباك كذلك عن استشهاد القائديْن القساميَّيْن مروان الزايغ ومحمد قنديل.

الشيخ الحسنات (75 عامًا) تحدث عن الشيخ ياسين والدور الكبير الذي لعبه في بناء الجيل الذي بهر العالم كله في الانتفاضة الأولى والثانية وفي الحروب المتكررة، بل وبهر الشعب الفلسطيني والاحتلال الصهيوني عبر فترة من الزمن، ما زالت مستمرة.

تعرَّف الشيخ الحسنات على الشيخ ياسين في بداية الستينيات من القرن الماضي وهو طالب في المدرسة، في ذات المرحلة التي أُصيب فيها بالشلل الذي عايشه من بداية شبابه الذي أصيب به نتيجة ممارسته للرياضة البدنية مع زملائه.

(إخوان أون لاين) التقى بالشيخ حسنات وأدار معه هذا الحوار عن الشيخ الشهيد:

  • أشرت إلى أنك تعرَّفت إلى الشيخ ياسين في مرحلة مبكرة جدًّا، وخاصةً في المرحلة التي أُصيب فيها بالشلل.. فكيف تعامل الشيخ مع هذه الإصابة؟!
    • رحم الله صديقي ورفيق دربي الشيخ ياسين، الذي أخذَت تلك الإصابة تعيش معه كلَّ حياته، وتطوَّرت معه، فكان في آخر حياته لا يتحرك فيه غير لسانه وبصره وعقله، لكنَّ الله سبحانه وتعالى أكرمه بأن جعل ذلك الضعف سببًا في قوته وتميُّزه عن غيره من الرجال، فقد عرفتُه وهو يسير على القدمين، لكن ليس بطريقة طبيعية والتفَّ حوله الشباب الصغار يتعلَّمون منه الكثير من الأمور.

وقد تميَّز الشيخ ياسين في حياته بصفات قلَّما تجد مثلها كما يقول الحسنات، منها قوة التأثير في الشباب، وتعلُّق تلاميذه به، وعمق الإيمان الذي كان يتميز به عن غيره من إخوانه، وقوة إيمانه بالحركة التي اعتقدها، بالإضافة إلى أنه كان قويَّ العقيدة والإيمان، هادئ التفكير والحركة، ثاقب البصيرة، ورغم أنه لم يتمكَّن من إكمال التعليم الجامعي فإنه جمع كثيرًا من العلوم، وخاصةً العلوم الدينية التي جعلت منه أستاذًا للأساتذة".

* احكِ لنا عن علاقتك بالشيخ ياسين.

    • تعرفت إلى الشيخ في أوائل الستينيات تقريبًا، وربطتنا الفكرة الإسلامية معًا، وأصبح بيننا كثيرٌ من الزيارات والأعمال من أجل الدعوة الإسلامية، كان من أبرزها اللقاءات الخاصة التي لم تكن بصورة علنية، ثم الرحلات مع بعض الشباب إلى ساحل البحر، وإقامة بعض المعسكرات التي تأخذ الطابع الاجتماعي، خاصةً أن الحركة الإسلامية كانت في ذلك الوقت مطاردةً من الحكومة المصرية التي كانت تحكم القطاع؛ الأمر الذي منع الحركة من العمل بصورة واضحة، رغم أن الحركة استمرت تعمل في الخفاء والشيخ ياسين من أحد أبنائها المربين.

* ما أبرز نتائج التضييق المصري على الحركة الإسلامية؟

    • التضييق كان شاملاً، خاصةً أنه بعد استشهاد سيد قطب وإخوانه في مصر على يد نظام جمال عبد الناصر عام 1965 م وضرب الحركة الإسلامية في مصر، نظَّم نظامُ عبد الناصر حملة اعتقال كبيرة طالت قطاع غزة، فاعتقلت مجموعةً من القطاع، ثم رحلت إلى مصر، ثم اعتقلت مجموعةً ثانيةً، "فكنت أنا والشيخ أحمد ياسين مع هذه المجموعة ومعنا بعض الإخوة، وقد مكثنا في السجن فترةً، وعندما فكروا في ترحيلنا قالت الحكومة المصرية إن القطاع لا يحتمل أكثر ممن أخذنا منه، فبقينا في سجن بغزة حوالي شهر ثم أُفرج عنا".

وقد واجهت الحركة مضايقاتٍ كبيرةً من قِبَل الحكومة المصرية، فبعد خروجنا من السجن وضع لنا نظام عبد الناصر نظام مراقبة عنيفًا جدًّا، وكان كلُّ واحد منَّا مُراقبًا من أحد رجال المباحث يرافقه في خروجه وفي عمله وفي أي تحرك، وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1967 م، فقُطعت حبال الاتصالات بيننا من 1965 إلى 1967 م، ولم نتمكن من رؤية بعضنا نحن وبقية الإخوة، وكان في هذه الفترة مضايقاتٌ شديدةٌ جدًّا مُنعنا خلالها السفر خارج القطاع، واستمرت المباحث تلاحقنا حتى 1967 م فقامت الحرب وسقط القطاع تحت يد اليهود.

* وماذا حدث بعد حرب 1967 م؟

    • حياة الناس تغيَّرت كثيرًا، وقد يستغرب البعض أننا تحرَّرنا بتلك الحرب، رغم أننا أكثر الناس ألمًا منها، ولكن الذي وصلنا إليه هو أننا أصبحنا كبقية الناس، لا مراقبة ولا متابعة علينا، وما يحدث للناس يحدث لنا، وبعد أن انتهت الحرب وعادت الحياة إلى الوضع الطبيعي أخذنا نتلمَّس الوسيلة لإعادة العمل الدعوي، وإعادة النظام للقطاع بعد أن تقطَّعت الخيوط بسبب الملاحقة من قِبَل المباحث المصرية قبل 1967 م.

وفي هذه المرحلة التي تلوَّنت بأصناف المعاناة لم يتخلَّى الشيخ عن متابعة جهوده لإحياء العمل الدعوي من جديد، فقد أخذ الشيخ- برفقة إخوانه- يتصل بالإخوة المعروفين قبل 1965 م وحدَّدوا مكانًا، والتقت مجموعة من الإخوة لأول مرة بعد الحرب في بيت أحدهم بغزة، "وفي تلك الجلسة اخترنا مجموعةً من بيننا لتدير العمل الدعوي في القطاع، وكان على رأس هذه المجموعة الشيخ أحمد ياسين فأخذ يرتب الشيخ وإخوانه المختارون أمورَ الدعوة بإعادة النظام والعمل الفردي والجماعي بين الأفراد، والتركيز التام على التربية لإعادة الروح الإسلامية عند الشباب التي فقدت طيلة عهد الحكم المصري.

حرية الحركة

* معنى ذلك أن الحياة اختلفت بعد 67 عمَّا قبلها!.

    • بالفعل، حيث استفدنا من نظام الحياة لدى الكيان الصهيوني؛ لأنه كان لديهم قانون ينص على حرية الأديان، بمعنى أن كلَّ إنسان حرٌّ في العمل من أجل دينه، وهذا المفهوم لم يكن لدينا قبل 67، فانطلقنا إلى جميع الجهات من أجل الدعوة، وعلى رأسها المجموعة المختارة التي يرأسها الشيخ أحمد، وبدأت تنتشر الدعوة، وأصبح بيت الشيخ ياسين مزارًا للشباب، فبدأ يرتفع ذكر هذا الشيخ وصوته في المساجد والمدرسة واللقاءات مع العامة، وأصبح له تلاميذ يقومون بكل المخططات التي يكون رأيه فيها بارزًا وعمله فيها واضحًا، وأداؤه فيها يعلو في كل مكان، فليست شخصية الشيخ أحمد ياسين الجسدية التي تعمل وإنما فكره، فرأيُ الشيخ وشخصيته مجسَّدان في تلاميذه الذين يقومون بنشر فكرته ودعوته؛ ما جعل هذه الدعوة لم تمكث طويلاً حتى أصبح يشعر فيها كل إنسان.

* بِمَ اهتمَّ الشيخ ياسين خلال هذه المرحلة؟

    • من عايش الشيخ ياسين أو قرأ عنه يعرف عنه اتجاهه لتكوين المؤسسات الاجتماعية والخيرية؛ حيث كان يمتلك شخصيةً بعيدةً وثاقبةً، فأدرك أنه لا بد أن يكون للحركة مؤسساتٌ رسميةٌ تقوم بدورها في المجتمع، فكان أول ما فكر فيه إقامة المجمع الإسلامي، وكان الصورة الأولى لعمل مؤسساتي إسلامي حتى الفترة التي سبقت الانتفاضة كان يسمَّى الشباب المسلم بـ"المجمعيون"؛ أي أتباع المجمع الذي يرأسه الشيخ أحمد ياسين.

كما استطاع الشيخ ياسين أن يحصل على ترخيص للمجمع الإسلامي على أنه جمعية عثمانية، وبدأ بالعمل ثم أنشأ الجمعية الإسلامية وكان اسمها في البداية الجمعية الإسلامية بالشاطئ، وجعل رئيسها الشيخ خليل القوقا، وكان ذلك في عام 1976 م، وبدأت هذه الجمعية تعمل، وأخذ العمل الإسلامي ينتشر في القطاع بشكل واضح، فبدأت الخلافات بين هذا التيار الجديد وبين الأحزاب العلمانية، فبرزت الحركة أكثر وأكثر.

وقد قامت الجمعية الإسلامية بالشاطئ بعد ذلك بفتح فروع لها ببقية القطاع، كان من ضمنها الجمعية الإسلامية في النصيرات التي افتتحت عام 1979 م، وقد توليت مسئوليتها، ثم فتحت بعض الجمعيات الأخرى لكنها قليلة، وعندما بدأت تظهر الجمعية وبعض فروعها أوقف الاحتلال ترخيص الجمعيات الإسلامية، ولكننا كنا قائمين كجمعيات بلا ترخيص، وبدأنا نفكر كيف نجعل من وجودنا وجودًا قانونيًّا، فالتقينا وقرَّرنا أن نعمل جمعيةً عموميةً للجمعيات الموجودة بوضع كلمة في القانون الأساسي؛ بحيث تعطي الجمعية الإسلامية حقَّ فتح فروع أخرى، فأتينا بالقانون الأساسي بالجمعية وأدخلنا عليه عبارة قصيرة "الجمعية الإسلامية في الشاطئ يحق لها فتح فروع"، وقدمنا القانون الأساسي للداخلية ووافقت عليه، وبذلك أصبحنا فروعًا رسميةً، وأصبح اسم الجمعية الإسلامية بغزة، وأصبح هو ترخيصًا لكل الفروع، وبذلك اتسع العمل الإسلامي؛ حيث فُتح في كل منطقة بالقطاع جمعية حتى أصبح عددها الآن 11 جمعيةً تقريبًا".

فضُّ المنازعات

* وماذا عن الدور الاجتماعي للشيخ ياسين؟

    • كان للشيخ ياسين دورٌ في الإصلاح وفض النزاعات وبعد عام 1980 م، اشتهر الشيخ ياسين بين الناس، وأصبح له قوة شبابية في المجتمع، فأخذ الناس يتجهون إليه في حل مشكلاتهم، ونجح نجاحًا كبيرًا في هذا الأمر؛ حتى أصبح كل إنسان لديه مشكلة يذهب إلى الشيخ، فكان لا يردُّ إنسانًا، وإذا ما قضى في أمر يُنفَّذ، واستمر في هذا الأمر حتى أيامه الأخيرة من حياته، فكان لا يخلو بيته من الناس الذين يريدون حل مشكلاتهم وممن يطلبون المساعدة".

رغم كل ذلك، عاش الشيخ أحمد ياسين حياةً لا تخلو من المتاعب، فكان منها المعتقلات والمرض، بالإضافة إلى تحمُّل عبء حركة عالمية يمثلها في قطاع غزة، فاعتُقل عدة مرات في عهد المصريين وفي عهد الاحتلال، فضلاً عن الإقامة الجبرية التي فُرضت عليه في عهد السلطة الفلسطينية، وفي كل مرة اعتُقل فيها كان يخرج قبل نهاية فترة الحكم المفروضة عليه، فكان قدر الله يلعب دورًا كبيرًا في هذا، كما أنه رفض خروجًا مشروطًا من السجن، كما أنه رفض أن يخرج بدون الأخ الذي يعمل على خدمته".

  • باعتبارك الصديق المقرَّب من الشيخ الشهيد، ما هي أمنيته التي كان يعيش من أجلها؟
    • الأمنية التي كان يرجوها الشيخ هي أن تعود فلسطين حرةً عزيزةً، وأهم أمنية له قبيل استشهاده كانت "الشهادة"، وعندما كان مريضًا زاره عددٌ من الإخوة وقالوا له: الحمد الله على سلامتك، فأخذ يردِّد: الشهادة، فهذه الشهادة تحقَّقت، وعودة فلسطين لم تتحقَّق بعد، "سوى أن أمرًا كبيرًا طرأ بعد استشهاده، يبشِّر بعودة فلسطين، وهو ارتقاء الحركة الإسلامية في القطاع، ووصولها لسدَّة الحكم".