ثقوب في جدران الإخوان المسلمين .. الحلقة الأولى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ثقوب في جدران الإخوان المسلمين .. الحلقة الأولى


بقلم : عبده مصطفى دسوقي

55شعار-الاخوان.jpg

وزَّع الله طبائع البشر عليهم، كما وزَّع أرزاقهم، وجعل لهم عقولاً يتخلَّقون بها؛ لكي يتعاملوا بينهم في أنحاء المعمورة، حتى تستقيم أحوالهم.. وهذا في مفهومه العام، كله بتقدير الربّ الكريم ولحكمةٍ أرادها.

يقول سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13 سورة الحجرات).

ولئن طغت طباع على طباعٍ، وآثرت فئة من البشر التعالي والتعاظم على فئة أخرى، فما ذلك إلا من اختلال الموازين الباطنية في وجدان الإنسان، ذلك الميزان الذي لا يضبط توازنه إلا عقل راجح، وحكمة راشدة.

ولذا فطبائع الناس فيها اختلاف، فمنهم الهين اللين، السهل الرفيق، ومنها الصعب، ومنهم ما سوى ذلك، ومن الناس الطيب المؤمن، ومنهم الخبيث الكافر.

والاختلاف قاعدة كونية بينما التماثل والتطابق هو استثناء للقاعدة حيث أن التطابق يجعل الحياة فاقدة لروح التجديد، ولما كانت الظروف التي يعيشها البشر وبيئاتهم ومستوى وعيهم وثقافتهم وتجاربهم في الحياة مختلفة، بالإضافة إلى اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة واختلاف الأمزجة والنفسيات، كان من الطبيعي تبعاً لذلك الاختلاف، أن يكون لكل منا وجهة نظر أو رأي خاص به، قد يتطابق ويتفق مع الآخرين، أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته.

إن الاختلاف الايجابي البناء المثبت معناه أن يسعى كل واحد لترويج مسلكه وإظهار صحته وصواب نظرته دون أن يحاول هدم مسالك الآخرين أو الطعن في وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم بل يجب عليه السعي لإكمال النقص ورأب الصدع والإصلاح ما استطاع إليه سبيلا

أما الاختلاف السلبي هو محاولة كل طرف تخريب مسلك الأخر وهدمه ومبعث ذلك الحقد والعداوة والضغينة.

يقول الأستاذ جمال البنا "إذا كان القرآن الكريم قد وصف أمة المسلمين أنها واحدة فهذا يعني أنها واحدة في عقيدتها ولكنه لا ينفى عناصر التميز والاختلاف والتنوع بين شعوب وفصائل هذه الأمة داخل الإطار الفسيح للعقيدة الواحدة" (1).

وتتعدد أسباب الاختلاف بين الناس ومنها ضعف ثقافة الحوار، وتدني مستوى التعليم وانتشار الأمية، وانتهاك القانون وغياب العدالة، وانتشار ثقافة الاستهلاك على حساب الإنتاج، واختفاء مظاهر الإبداع والابتكار والاكتفاء بالتقليد.

ولذا لا غرو أن نجد الاختلافات في البيت الواحد أو المؤسسة الواحدة أو الحزب الواحد أو الجماعة الواحدة، لكن المهم أن يحفظ جميع الأطراف أدب الاختلاف فلا يصل الأمر للفجر في الخصومة.

وجماعة الإخوان المسلمين هى جماعة بشرية رضت العمل لدين الله وفق ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما وضح حسن البنا في الأصل الثاني من الأصول العشرين حينما قال: والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات (2).

لكن اختلاف الرؤى وارد لدى أفرادها-حتى ولو كان مبدأ السمع والطاعة متغلغل في أركانها- لكن هى جماعة ضمت بين جنباتها مختلف الأطياف من المؤهلات العلمية أو المستويات الاجتماعية أو الاختلافات المكانية مابين الريف والحضر والتي تختلف معهم الطباع حسب البيئة التي نشئوا فيها.

ولهذا فالاختلافات والانشقاقات شيء وارد في كيان بهذا الحجم، وهذا التأثير الحيوي في الحياة العامة.

أول الانشقاقات

قد يظن البعض أن كل الإخوان الموجودين في الجماعة التحقوا بها مؤمنين بفكرها أو العمل في إطارها لكن منهم من التحق بها لمنافع وأغراض قد تتحقق في الالتحاق بها، ولهذا تراه يسعى للوصول لمبتغاة بشتى الطرق، ولا يهتم بتربية أو فكر أو غيرها.

فقد وصف الإمام البنا في رسالة دعوتنا الناظرين للدعوة بأنهم أصناف أربعة وهم المؤمن بالفكرة والمتردد والنفعي والمتحامل.

وحينما انطلقت الدعوة في مدينة الإسماعيلية على أكتاف ستة نفر ذكرهم البنا بقوله: زارني بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبد الحميد "نجار بالحي الإفرنجي"، أحمد الحصري "حلاق بشارع الجامع بالإسماعيلية"، فؤاد إبراهيم "مكوجي بالحي الإفرنجي"، عبد الرحمن حسب الله "سائق بشركة القنال"، إسماعيل عز "جنايني بشركة القنال"، زكي المغربي "عجلاتي بشارع السوق بالإسماعيلية"، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقيها، وجلسوا يتحدثون إليَّ وفي صوتهم قوة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم، قالوا: لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريقة العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، ولقد سئمنا هذه الحياة: حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب، ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة، من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عدتها".

كان لهذا القول المخلص أثره في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما أدعو إليه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه، فقلت لهم في تأثر عميق: "شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، يرضي الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندًا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة". وكانت بيعة (3).

وانطلقت الدعوة تغزو القرى والمدن المجاورة،وانطلقت على يدي أنصار البنا فانتشرت في القاهرة والمحمودية وشبراخيث وبورسعيد وغيرها، حتى حقد عليها البعض وعلى فاعليتها وسط الناس فتقدم بعضهم بمذكرات تطعن في حسن البنا وتتهمه بالشيوعية وغيرها من التهم التي لم يكن لها سند، فكان رد البنا على ناظر المدرسة الذي أبلغه بهذه التهم: إذا كنا برءاء فاسمع قول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (الحج: 38)، وإذا كنا نخدع الناس بهذا الجهاد في سبيله، وهذه الدعوة إلى دينه، فإن محكمة الجنايات وجهنم قليل على الذين يخدعون الناس بلباس الدين، فلا تهتم ودعها لله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وأقسم لك أنه لن يكون إلا الخير (4). غير أن الوزارة رأت نقل حسن البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة ليكون تحركاته تحت أعينهم ومراقبتهم، مع العلم أن قاضي المحكمة الأهلية، ووكيل النيابة، ومأمور المركز، ومعاون البوليس وغيرهم شهدوا لصالح البنا.

كانت الدعوة في بدايتها تقوم على قرارات الإمام البنا في اختيار من يعاونه سواء في الشعوب أو المهام الكبيرة –لخبرته في اختيار الأمين ولخوفه على الدعوة- ولذا كان لابد من اختيار من يخلفه في الإسماعيلية.

وفي إحدى الأيام طلب الإخوان في الإسماعيلية أن يرشح لهم الإمام الشهيد من يقوم بأعباء الدعوة خشية أن ينقل الإمام الشهيد إلى مكان آخر دون ترتيب أمر الدعوة، فرشح الإمام الشهيد الشيخ علي الجداوي، وعرض الترشيح على الجمعية العمومية للإخوان فوافقت على اختياره وكان يعمل نجارًا، وكان هناك مدرس يعمل بمعهد حراء يتطلع لذلك المنصب، لكنه سلك سبيل الدس والوقيعة للوصول إلى ذلك المنصب، فصادق بعض أعضاء مجلس الإدارة ممن يعتقد أن لهم نفوذًا عند الإخوان، ولما رأى أن الإمام البنا قد رشح غيره ليتولى أمر الإخوان وهو يرى نفسه أكفأ وأعلم وأقدر وأكثر أهلية من هذا النجار الذي لا يحمل العالمية مثله، وليس له مواهب مثله، فهو يحسن قرض الشعر ويجيد الخطابة والقول ويعرف الكثير، وينشر الدعوة ويحسن الاتصال بالناس، ولذلك لابد له من عمل، ولما كان هذا الشيخ لا يمكن أن يذكر ذلك كله أو يطالب بهذا الأمر لنفسه، لذا فقد احتال على ذلك بصداقة أحد أعضاء مجلس الإدارة وظل يتردد عليه آناء الليل وأطراف النهار، ويحاول أن يقنعه بأنه أكفأ من أخيه وأقدر على حمل تبعات الدعوة منه، وأن الأستاذ قد هضم حقه بتعيينه الشيخ علي الجداوي نائبًا ولم يختره هو رغم تضحياته وسبق جهاده في سبيل تلك الدعوة، فكيف يتخطاه الأستاذ فضلاً عن أن اجتماع الجمعية العمومية لم يكن قانونيًا، وأثار بعض الشبهات حول الشيخ علي الجداوي والجمعية ومنها: أن الجمعية مدينة والشيخ علي الجداوي يتقاضى مكافأة على إمامة المسجد تبلغ ثلاثة جنيهات في حين أن الشيخ يمكن أن يقوم بذلك العمل متطوعًا أو نظير خمسين قرشًا فقط وبذلك فقد امتلأ قلب هذا الأخ بوسوسة الشيطان واتخذه مطية لأغراضه، وقد أصغى الأخ لهذه الوسوسة وأفضى بها لبعض أصدقائه من الإخوان حتى فشا هذا القول في وسط الإخوان، فجمع الإمام البنا هؤلاء الإخوة عنده واطلع على مطالبهم التي كانت تتركز على تعيين أخ آخر غير علي الجداوي نائبًا للمرشد، فاتفق معهم الإمام على إعادة الانتخاب مرة أخرى ووجهت الدعوة لانعقاد الجمعية العمومية وأعلن فيها عن سبب الاجتماع وهو اختيار نائب للمرشد، وقد اقترح فضيلة المرشد على الشيخ علي الجداوي إن ظهرت نتيجة الانتخاب في صالحه أن يتنازل عن راتبه، وظهرت النتيجة وفاز الشيخ علي الجداوي بأغلبية ساحقة وبعد ظهور النتيجة تنازل الشيخ علي الجداوي عن المكافأة.

ولم ترض النفوس بتلك النتيجة وأشاعوا كيف يترك الأستاذ الجمعية والجمعية مَدينة بمبلغ ثلاث مائة وخمسين جنيهًا من بقية نفقات المسجد والدار، وهل يستطيع النائب الجديد أن ينهض بأعباء الجمعية ويسدد دينها، فما كان من الإمام البنا إلا أن وحد الدَّين لأحد التجار وعرض عليه أن يقسّط هذا الدين بواقع ثمانية جنيهات كل شهر، فقبل، وكتب الإمام الشهيد على نفسه كمبيالات بهذا الديْن وأخذ منه مخالصة تفيد بأنه ليس له عند الجمعية شيء وبذلك لم تبق الجمعية مدينة لأحد.

فما كان منهم إلا أن قرروا الاستقالة من جمعية الإخوان، ولما علم تجار الإسماعيلية بالأمر جمعهم الشيخ حسين الزملوط وقاموا بتسديد المبلغ عن الإمام الشهيد، وقد نشرت مجلة الشبان المسلمين تحت عنوان "النفوس المسلمة" ما يلي: "منذ عامين قامت جمعية الإخوان بالإسماعيلية بعمارة مسجد ومدرسة، وقد تم المشروع بحمد الله، وبقي على الجمعية من تكليفه وبعض لوازمه مبلغ 335جنيهًا، فدعا حضرة الوجيه المحترم الشيخ محمد حسين المقاول بالإسماعيلية بقية أعيانها واجتمعوا بهذا الخصوص يوم الأربعاء الموافق 6من جمادى الأولى سنة 1351هـ، وقرروا الثقة التامة بحضرة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ حسن أفندي البنا والثقة التامة كذلك بمجلس شورى الجمعية الحالي، ودفعتهم الأريحية إلى أن يتقاسموا الدَّين فيما بينهم حتى تكون موارد الجمعية وقفًا على مشروعاتها النافعة (5).

ولم يكتف هؤلاء بذلك بل قام أحدهم بتقديم بلاغ إلى النيابة؛ يتهمون فيه الإمام الشهيد ببعثرة أموال جماعة الإخوان في الإسماعيلية ويبعث بها إلى أخيه في القاهرة وإلى شعبة أبو صوير وغيرها، فنصحه وكيل النيابة بأن يلتزم جماعته طالما هى موافقة على تصرفات مرشدها، حتى أن الشيخ حامد عسكرية حاول الإصلاح لكنهم رفضوا وتقدموا باستقالتهم من الجماعة.

لم يكتفوا بذلك لكنهم لجأوا إلى وضع تقرير لتشويه صورة الجماعة بين أتباعها وأمام الناس، وحينما سألهم الإمام البنا عن الغرض من ذلك قالوا: نريد أن ننوّر الرأي العام، فقال له الإمام: وهل تظن أننا عاجزون عن الرد على ذلك التقرير وتفنيد ما فيه وإظهار الحق لاسيما ونحن نملك الوثائق والمستندات ونملك الوسائل ولا تملكون.

ثم وقال له: إني مستعد إلى التصافي والتسامح ونسيان الماضي وتعودوا إلى صفوف الإخوان إما على قاعدة التسامح وإما على قاعدة التحاقق، وفي الحالتين فأنا مستعد أن أسامحكم وتسامحوني أو تختاروا حكمًا ليحكم بيننا ثم يكون التصافي.

لكن احدهم نشر التقرير فاضطر الإخوان للرد عليهم بالوثائق، وفي يوم الأحد الموافق 12 من ربيع الثاني سنة 1351هـ - الموافق 14أغسطس سنة 1932م اجتمعت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين برئاسة نائب الجمعية الشيخ علي الجداوي، وسكرتارية عبد الرحمن أفندي حسب الله كاتم سر الجمعية، وحضور أحمد أفندي السكري نائب جمعية الإخوان بالمحمودية وبحضور أعضاء الجمعية وعددهم 196عضوًا، قرروا فصل المجموعة التي عمدت لإثارة الفتنة ولم يستجيبوا للنصح أو يلتزموا بالمنهج العام الذي توافق عليه الجميع وهم عبد النبي سليمان وإبراهيم أيوب ومحمد الدسوقي ومصطفى يوسف ومحمود الجعفري وعبد العزيز غالي ومحمد إبراهيم وسليمان (6).

الهامش

(1) جمال البنا : التعددية في مجتمع إسلامي" ص 11 دار الفكر الإسلامي، القاهرة، 2001م.

(2) رسائل الإمام البنا، رسالة التعاليم، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2009م.

(3) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية صـ83.

(4) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية صـ 99.

(5) مجلة الشبان المسلمين – جمادى الآخرة 1351هـ / أكتوبر 1932م.

(6) جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الثاني، 2003م دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة.