تقييم الإتجاه الإسلامي السائد فى مصر وماليزيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تقييم الإتجاه الإسلامي السائد فى مصر و ماليزيا

المؤلف: جان ستارك JAN STARK

مقدمة

تقوم الدراسة على مقارنة طبيعة نشأة وتكوين الصحوة الإسلامية في كل من مصر وماليزيا مع سرد تحليل للتباينات التكتيكية في الديناميكية الإسلامية في هذه الدول، مع إجراء عمليات إسقاط فكري على مناهل الصحوة الفكرية والكاريزمية في كلا البلدين.


ملخص

لاشك في أن ظهور الخلايا الدولية للإرهاب الإسلامي يشكل أدق تفسير لظاهرة الإسلام السياسي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

لذا تحاول هذه الورقة أن تغوص في أعماق العلاقات بين الإسلامالذي يعلنه الإسلاميون المسلحون ويعتقدون فيه والإسلام الذي يرتضيه الغرب وسيطاً للتعامل مع المسلمين كما سنحاول مناقشة فكرة الخطر الإسلامي من أجل الوصول إلي نتيجة في التفرقة بين الإسلام "الرسمي" والإسلام "المعارض" أو من زاوية أخري بين المدنية والأصولية الإسلامية.

كما سنعرض جزءاً من المقارنة بين دولتين كبيرتين مثل مصر وماليزيا تدعيان أنهما قد حققتا قسطاً كبيراً من دعم الديمقراطية في كلا البلدين متمثلاً في تنامي القوي الإسلامية المعتدلة وتعاظم دور المجتمع المدني في الربع الأخير من القرن الماضي.

ويتضح ذلك جلياً من خلال التحالفات والفعاليات السياسية المشتركة مع تلك القوي ودورهم في النظام السياسي القائم في كلا البلدين ومن ثم نستطيع أن نري أهمية تلك الجماعات الممثلة في جماعة الإخوان المسلمين بمصر وحركة الشباب الإسلامي بماليزيا والحزب الإسلامي بماليزيا.

لقد شاركت هذه الحركات بالفعل في تشكيل المشهد السياسي إلي حد بعيد، بعيداً عن الاعتقاد الحالي بوصفهم خطراً إرهابياً.

لقد أدت ثقافة الحوار بالشكل التدريجي إلي الوصول إلي نتائج جديدة مرضية فيما يخص التمثيل السياسي لتلك الجماعات وكذلك دعم الديمقراطية علي مستواها التأسيسي.

مما لا شك فيه أن الجدل حول الإسلام السياسي قد تمتع بساحة واسعة من النقاش علي المستوي الشعبي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأمر الذي أدي في النهاية إلي وصف هذا الجانب من الإسلام بالإرهاب ليكون بذلك مادة علمية دسمة للإعلاميين والسياسيين و من ثم زيادة الطلب الإعلامي لخبراء الإرهاب.

في هذه الأثناء تم تسليط الأضواء علي منطقتين مختلفتين في العالم الإسلامي هما الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا لتكون مناط البحث في ظاهرة الإرهاب الإسلامي وخاصة في ضوء ظروف التطرف السياسي والثقافي المصاحب ليُكَون بيئة خصبة لما سماه هنتنجتون أخيراً بصراع أو صدام الحضارتين، الإسلامية والغربية.

ففي جنوب شرق آسيا المعروفة باستقلاليتها الإسلامية علي سبيل المثال، أخذت جوانب التطرف السياسي في السيطرة حسبما ورد في التقارير المنشورة عن مجابهة الإرهاب والتحليل الأمني لها، كان من ضمنها ما نشره روهان جوناراتنا وذاكاري أبوذا.

قد صرح الاثنان وجود خطر ما يسيطر علي منطقة شرق آسيا وتتحكم القاعدة في آليات تفعيل هذا الخطر الذي يستهدف المصالح الأمنية لدول جنوب شرق آسيا.

ينبع هذا الخطر أساساً من الأقاليم الحدودية مع أفغانستان و باكستان ويتمركز أساساً في خلايا عالية السرية يتم دعمها بخلايا عمليات أخري بالاستعانة بالتمويل المالي السري.

لذا ستكون المواجهة حتمية بين الدولة علي خلفية الإسلامالمسلح (ماليزيا و إندونيسيا والفليبين وكذلك معاقل باكستان) وبين الغرب ولن تسفر تلك المواجهة إلا عن فائز واحد بين الجبهتين.

وعلي مستوي الشرق الأوسط، تتمثل العلاقة المتوترة بين الخطر الإرهابي والدولة في هذا السياج الأمني المُشيد حديثاً بين إسرائيل والضفة الغربية الفلسطينية.ويضع هذا السياج إذاً حدوداً فاصلة بيننا وبين الآخر المعادي للفاشية أثناء الحرب الباردة.

من هنا تتصاعد حدة الجدل بين المفكرين الغربيين حول كيفية التعامل مع خطر الأصولية الإسلامية بضمه لإمبراطورية محور الشر أو نهج منهاج آخر مختلف عن ذلك. لكن ما زال الأمران مختلطان بتلك المخاوف إضافةً للاعتبارات السياسية الفاصلة بين الإسلام والغرب.

لكن الأمر الذي تمت مصادرته علي الإطلاق في هذا الإطار الجدلي يتمثل في حقيقة عمرها عشرون عاماً منذ بداية الصحوة الإسلامية حيث تم عرض مثل هذه الفروض الجدلية التي تؤكد نشوب صراع مستقبلي بين الإسلام والدولة، علي خلفية نظرية صراع الحضارات وصدامها،التي قامت بالسيطرة علي الخطاب الإسلامي من خلال مشاركتهم أحلامهم بالمدنية والتقدم الذي يأملون.

وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الاتجاه الإسلامي المعلن المحصور في هذه الفئة والنابع من الأصولية الإسلامية أن خرج إلي النور وأخذ موقفاً راديكالياً ليشكل في النهاية خطراً محدقاً لهذه السيطرة المزعومة من قبل السلطة كما هو الحال من القاعدة ورؤوسها في كل مكان.

تحاول هذه الورقة شرح علاقة الإرهاب وسيطرة الدولة التي ربما تحل لغز هذه القضية في محاولة لفهم الموروث الثقافي لتفسير الإسلام السياسي.

وتحاول استراتيجية أخري في هذا الصدد تجاهل الفروق الواضحة بين الإسلام الرسمي والإسلام المعارض وكذلك كل أشكال الأصولية للمدنية الإسلامية ومدنيات الأصولية الإسلامية الأخرى.

وفي هذا الإطار استبعد المجادلون في الإسلام السياسي علي مدي عشرين سنة مضت أن يكون للجماعات الإسلامية دور يذكر في عملية الدمقرطة ومن ثم قدرتهم علي إحداث تغيير في الواقع الاجتماعي.

وفي بحثنا في كلا المنطقتين في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وجدنا أن فئة الطبقة الوسطي تبدى قبولاً متزايداً للاتجاهات الإسلامية مع اختلاف البيئات والمناطق، الأمر الذي يُلَوح بوجود أواصر وثيقة الصلة بين المنطقتين.

فهناك العديد من المطالب الشعبية التي يلبيها هذا النوع من الإسلام لأتباعه ومنها حقهم في المشاركة السياسية التي ترفضها الدولة.

ففي حين أن هذا النوع من الإسلام الموجود بمصر قد ساهم في دعم ماليزيا لاحقاً علي يد محمد عبده ليربي هناك في ماليزيا المصلح المعروف هناك كاوم مودا وحركته في ماليزيا البريطانية في أوائل القرن العشرين، إلا أن ماليزيا الآن تملك المزيد لدعم هذا النوع من الإسلام السياسي المعارض في مصر.

لقد استفاد رئيس الوزراء السابق لماليزيا مهاتير محمد من تلك التنوعات العرقية والتعددات العقدية ومن ثم نمت رؤيته لتطوير البلاد ليصل بها إلي ما هي عليه الآن من تطور في فهم الإسلام علي مستوي جنوب شرق آسيا وكذلك تحقيق طموح دولة ماليزيا الحديثة.

وبما أن ماليزيا قدأصبحت خارج سيطرة مهاتير محمد وتسعي إلي الحصول علي أعلي فائدة من المرحلة الجديدة المقبلة،ويسعى مبارك في نفس الحين إلي توريث ابنه الحكم، تتطابق الرؤيتان بين مصر وماليزيا من جديد بعد مرور أكثر من عشرين سنة علي الصحوة الإسلامية لتصل إلي مرحلة ما بعد الأسلمة.من هنا سيصبح أمر سيطرة الدولة في كلا البلدين أمراً باعثاً للريبة أكثر مما كان.

الصحوة الإسلامية في ماليزيا

نشاط دعوي في ماليزيا

تعتبر حركة الدعوة الإسلامية في ماليزيا التي نشأت وترعرعت في السبعينيات هي العمود الفقري للصحوة الإسلامية الماليزية.تحركت الدعوة عبر الجامعات الماليزية التي اجتذبت العديد من الشباب المتحضر ليمثلها بعد ذلك سياسياً واقتصادياً، في حين كانت حركتهم تعتمد علي بعض المفاهيم منها مفهوم الأمة الإسلامية والعودة إلي المنابع الأساسية للإسلام ومن ثم نبذ هذا النوع من الإسلام الذي يرتضي العادات الهندوسية والبوذية.

وقد انبثق من رحم هذه الدعوة حركة الشباب الإسلامي في ماليزيا لتبدأ دورها الريادي في 1971 علي يد قائدها الأول أنور إبراهيم لتناهض هي الأخرى هذه السيطرة التي تمارسها الدولة آنذاك.

ومن خلال صب بالغ اهتمامها في القضايا الشعبية مثل الفقر والدعوة للتقدم والتطور خاصة بعد أحداث شغب بالنج وكدا في 1974، لعبت حركة الشباب الإسلامي دوراً رائداً في تشكيل رؤى الحكومة الإسلامية المأمولة ومن ثم سياستها كما يجب.

وبمشاركة أنور في إدارة مهاتير في 1981 وانخراطه في تكوين حزب ماليزيا الحاكم ومنظمة ماليزيا القومية المتحدة داخل جبهة التحالف القومي الحاكم، كل ذلك كان إيذاناً بصعود الدعوة بشكل ذاتي للسلطة ومن ثم أسلمة المجتمع بشكل تدريجي كما كان الحال في تأجيل تطبيق الشريعة علي المستوي الفيدرالي الاتحادي الأمر الذي أدي إلي زيادة الوعي الإسلامي بنسبة لا تُضاهي إضافة إلي وعي المسلمين وغيرهم المتزايد للحدود الاجتماعية الجديدة.

وفي الوقت ذاته، وعلي الرغم من تقدم الإسلام علي الساحة الاجتماعية إلا أنه لا يتماشى ورؤى الحكومة للسيطرة علي البلاد التي قامت بدورها في استبعاد هذه الفئة بالمزيد من الضغط السلطوي.

لقد شكلت بالفعل المحنة الدستورية التي منيت بها البلاد ما بين 1983و1984والتي دعت مهاتير محمد للتدخل لعرض رؤاه حتى قامت السلطة بحرمانه من هذا الحق بدافع أن الأمر يخص المملكة والبلاط الملكي الذي ظهر عن مهاتير محمد بغضه لتمييز هذا العنصر الملكي وإعطائه الكثير من الامتيازات علي حساب الأخرين.

لقد حاول السلاطين من جانبهم أن يستغلوا هذه المحنة لتكون مفتاحاً لهم للقضاء علي منافسيهم،إلا أن باب المنافسة ما زال مفتوحاً علي مصراعيه أمام القوتين المناوئتين، الإسلامية والأخرى السلطوية.

لقد أبقي مهاتير محمد علي النظام الاقتصادي الجديد بسياسة 1971 التي تعتمد علي التطوير عبر الأمانة العامة لكنه حَول فقط نظامه ليكون متماشياً والنظام الإسلامي حيث يكون الإسلام هو محور الأمانة بشكل كلي غير منقوص.

هذا وسيكون متاحاً للدولة كيفية التطبيق وآلياته فيما يتوافق مع المجتمع وأحواله وظروفه المتعددة. هذا ويؤكد الانشقاق الذي حدث داخل صف منظمة ماليزيا القومية المتحدة عامي 87 و 88 علي وجود توترات بين الصفوة السابقين الذين ملكوا الحل والعقد في البلاد منذ الأعوام التي تلت الاستقلال.

هذا وقد أشرك مهاتير معه في مكتبه تنجيكو رازاليج حمزة رغم أنه كان من العائلة الملكية والذي قام بدوره في تقديم حل اجتماعي اقتصادي حينما كان من الحرس القديم لمنظمة ماليزيا القومية المتحدة UMNO.

لقد عرض الأخير خطة محكمة لتنمية البلاد من خلال المشاريع الصغيرة التي تستهدف الطبقة الوسطي فما دونها الأمر الذي أدي بالكثير لوصفه امتداداً للرأسمالية ثم إن الحكومة بدورها تقوم بدعم هذه المشاريع مالياً وكذلك بالأماكن المناسبة للمشروعات هذه.

بهذه الأيدلوجية تكون الحكومة قد تمكنت من وضع خطط عملية لهذا الإسلام الذي يتوج حكم البلاد كما يتوج خطاباتهم عن قانون العمل الإسلامي وغيره في ظل هذه القيادة الحكيمة المتقدة.

فبما أن هذه الحركة الدعوية قد قامت علي التقاليد والتعاليم الإسلامية الصافية، فقد أدي تعاون الطبقة الملكية مع الحكومة كما هو وارد أعلاه إلي خلق جيل تعاوني مع الطبقات الأخرى ليكونوا النسيج الاجتماعي الإسلامي إضافة إلي تأصيل حركتهم والعودة بها لأصولها الدينية الأمر الذي أدي إلي إضفاء معاني حضارية جديدة.

ثم نشأت بعد ذلك حركة دار الأرقم التي انبثقت من الحركة السابقة والتي بنت علاقة حميمية بين الإسلام الممثل في الحكومة وقائدها وتلك الصحوة الصوفية الجديدة التي اجتذبت الأعداد الغفيرة من الشباب الماليزي الحاذق

لقد جاءت حركة دار الأرقم في 1968 قبل ظهور الحركة الوهابية هناك بثلاثة أعوام لتدعوا الناس إلي الصوفية التي عرفتها ماليزيا في القرن الخامس عشر والتي دعت حكام جنوب شرق آسيا آنذاك إلي تقبل الإسلامفأبدوا إعجابهم البالغ به، فنجحوا في ذلك أيما نجاح.

إذاً لقد تنامت بالفعل هذه العلاقات بين السلاطنة الماليزيين في سيلانجور و كيدا و كيلانتان وترينجانو وبين علماء الصوفية من باتني وبروناي وإندونيسيا تحت ضغط شديد من الدولة العلمانية آنذاك من ناحية والوهابية الآخذة في التصاعد في أوائل القرن العشرين في 1970 من جانب آخر.

هذا وتبدوا أفكار هذه الفرقة الصوفية مختلفة تماماً للاتجاه السائد في البلاد إذ يعتقدون في تعليمات المهدي الموجودة في كتابات الأشاعرة، فأراد الأرقم أن يستعيد هذا الميراث الصوفي من وسط آسيا من خرسان أو أذربيجان ومن ثم ما وجب علي المسلمين في أوائل القرن الخامس عشر من استعادة مجد الإسلام.

لقد شكل بالفعل تماسك هذه الفئة بما يعتقدون من أن المهدي هو الحل الوحيد لاستعادة الخلافة الإسلامية، شكلاً مناخياً صحياً لنمو الوهابية وغيرها من الفرق التي تري مخالفة ذلك تماماً ولا تري أصلاً صلاحية رؤى وسط آسيا لأن تغزو جنوبها الشرقي، فكان ذلك من أهم عوامل ظهور الوهابية وغيرها من الفرق التي تدعو للصحوة الإسلامية بما يناسب الواقع هناك.

لقد نتج عن هذا الفكر الصوفي المتشدد الذي يمشي عكس التيار السلفي والدعوي الذي لا يوافق الكثير والذي يجمع بين الكثير من المفارقات في أعراف الحكم السياسي للبلاد.

فقد تم توريث العرف السائد في الحكم في البلاد الماليزية وقامت UMNO بالموافقة عليه، لكن ما فعله مهاتير من جعل العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص كعلاقة الحامي للآخر كانت من آخر الإنجازات التي تم تقريرها في إطار خطة الخصخصة لعام 1990.

فبينما وصلت UMNO بالبلاد أن جعلتها وكأنها ولاية عربية تبعاً لالتزامها بسياساتها الإسلامية الخالصة، فقد استعانت أيضاً بجهود حركة الشباب الإسلامي بماليزيا ABIM من أجل أسلمة هذا المجتمع بأسلوب تدريجي بإزالة العوائق بين الدولة العلمانية والمجتمع الإسلامي المتنامي.

لقد عارض الكثير من الصوفية وغيرهم في ماليزيا هذا الاتجاه الإسلامي المسيطر، زاعمين أنه مخالف لما فعله أسلافهم في الماضي من إرساء الكثير من الأعراف الإسلامية التي جعلت البلاد منارة للإسلام وحضارته في جنوب شرق آسيا في القرن الخامس عشر.

لقد حاولت جماعة الأرقم مراراً أن تعارض حركة ABIM ومناهضة مشروعها لتطبيق الإسلام وإرساء القيم الإسلامية بدوافع سياسية وطموحات سلطوية لم تستطع أن تأخذها بالتعارك مع حركات ABIM و UMNO و PAS المعارضة.

لقد دارت رحى المعركة علي التطبيق الجيد للإسلام كما يراه الفريقان في أوائل الثمانينيات والتسعينيات ليؤكد هذا النوع من الاختلاف علي وجود أعراف سياسية مختلفة في بلاد جنوب شرق آسيا علي ما يقرب من 500 سنة خلت.

لقد أدي أسلوب الدعوة الحكيم الذي انتهجته جماعة الأرقم من حلقات الذكر المصحوبة بالأناشيد والموسيقي الهادئة بمجاهدي البيروقراطية الفيدرالية الإسلامية باعتبار جماعة الأرقم هذه حركة منشقة عام 1994.


الصحوة الإسلامية في مصر

علم مصر.jpg

قامت الصحوة الإسلامية بمصر علي نحو مشابه تماماً لما حدث بماليزيا.ففي السبعينيات صعد الإسلام في مصر ليكون أساساً أيدولوجياً مناوءاً للاتجاهات الموجودة علي الساحة مع اختلافها متبنياً خيار المواجهة المسلحة مع الدولة.

ففي حين أن مصر لم يكن الوضع فيها كما كان في ماليزيا التي تبنت حكومتها برامج الأسلمة رغماً عنها،إلا أن خطابات الرؤساء المصريين السادات ومبارك في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لم تخلو من المزج بين القومية والعلمانية والإسلام.

لقد تسلم مبارك مقاليد الحكم في 1981 خلفاً للسادات الذي تم اغتياله آنذاك وكان المجتمع قد تشبع بالفعل بالفكرة الإسلامية وتنامت عند طبقاته الوسطي وما تحتها من خبرات سياسية واجتماعية حينما قادت جماعة الإخوان المسلمين الدفة طور إعلانها الالتزام بإعادة الخلافة الإسلامية التي سقطت في 1924.

لقد اجتمعت جماعة الإخوان في مصر وحركة ABIM علي أساس واحد يتمثل في أن يكون القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان الملهمان لقيام الدولة الإسلامية كما قامت وسادت في الماضي حسبما وصف ذلك ابن تيمية (12681323).

لقد تمرس الإسلاميون في السبعينيات علي الأيدلوجيات الجديدة التي يجب عليهم أن يتبنوها لمجابهة الدولة العلمانية ومعرفة العوائق بينها وبين الإسلام.

لقد حاول حسن الهضيبي الذي خلف حسن البنا في قيادة الجماعة عام 1969 أن يعيد تفسير حاكمية الإسلام من جديد الأمر الذي أدي إلي لعب دور هام في كتابات القدس.

وبشكل مخالف لما ورد عن القدس الذين فرضوا الجهاد ليكون ضد أي حكومة تغتصب حكم الله في الأرض،أشار الهضيبي إلي ضرورة أن يكون الباب مفتوحاً أمام الجميع لعرض آرائه ومقترحاته السياسية والاقتصادية فيما يخص الحكومة الإسلامية المأمولة التي تحكم المجتمع الإسلامي.

لقد استبعد بالفعل بهذه الخطوة جماعة الجهاد التي قامت بدورها في أواخر التسعينيات بالتخلي عن نهجها في التغيير بالقوة حيث وقعت وثيقة مع الحكومة تتضمن ذلك.

حينما شارك الإخوان في انتخابات 1984 فقد أبدوا بذلك استعدادهم لخوض غمار العملية الانتخابية فلم يكن من المتوقع فوز الإخوان لأول مشاركة تحالفية لهم في الانتخابات التي تحالفوا فيها مع حزب الوفد الجديد.

ثم عادوا من جديد ليدخلوا انتخابات عام 1987 ليحرزوا كذلك نسبة من الأصوات تحت مظلة التحالف الإسلامي مع حزب العمل الاشتراكي والحزب الاجتماعي الليبرالي.

فرغم أنها لا تزال محظورة قانونياً حتى الآن،إلا أن تجربة التحالفات التي تحدثها تبدوا أكثر نجاحاً حينما تنجح في ضم الكثير من الأساتذة والمختصين والحصول علي رؤى جديدة ومتكاملة تسمح للتحالف بالاستفادة من الكثير من الفرص المواتية لبناء رؤى الإصلاح الاجتماعي ودعم الديمقراطية.

فعلي الرغم من أنه قد تم رفض مبدأ الديمقراطية الغربية وفوائده الحزبية التي رفضتها جماعة الإخوان،إلا أنه تم تقديم أشكالا أخري من المشاركة السياسية والفاعلية الاجتماعية ليس فقط علي مستوي الإخوان في مصر بل أيضاً في ماليزيا هي الأخرى.

ففي عام 1982 رفض الرئيس الجديد لـ ABIM كل مسببات ما يسمي بالعصبية لكنه قدم شكلاً آخر أكثر توائماً مع مبادئ الديمقراطية في هذا الأثناء, لقد حاول المذكور أن يفرق بين المجتمع المسلم ومن ثم حجم تطبيق الأسلمة فيه ليس فقط علي مستوي تطبيق مبدأ المقاومة ضد الدولة الظالمة ولكن أيضاً بتقديم خطاب مضاد للعنصر الإكليريكي الذي لطالما تم زجه في الخطابات الإسلامية لتشكل في وقت ما عنصراً أساسياً في الخطاب الديني ومن ثم تجاهل أهمية الفقه الإسلامي.

لقد اعتمدت التجربتان المصرية والماليزية علي أساس متين من الأيام الأولي للإسلام ومن ثم الحاجة الماسة للشوري كأداة للمشاركة السياسية.

وبتتبع مجالس الشوري للإخوان في مصر وأبيميداش بماليزيا نري هذا التنوع في الخلفيات الذي تتمتع به الطبقات الوسطي المتحضرة وكيفية تربية أعضائها علي تبني الحركة الاجتماعية شريطة ألا يعبئوا بالمواقف التي تبدوا مغايره لموقفهم مثل موقف القدس والجهاديين.

لقد انخرطت جماعة الإخوان مثلاً في الكثير من النشاطات الاجتماعية والسياسية بمشاركة بعض من لحقهم في حلفهم إضافة إلي العديد من المنظمات الخيرية الإسلامية الخاصة في بلد قد خيمت عليه السلبية بشكل غير عادي.

فبعيداً عن المساجد والعيادات وغيرهما من المنظمات،فقد طالب الإخوان بالمزيد من المشاركات السياسية خاصةً في النقابات المهنية للمحامين والأطباء والمهندسين والصحفيين.ففي أوائل التسعينيات ظهرت جبهة معارضة إسلامية تحت قيادة الحزب الليبرالي التي قادها عادل حسين وإبراهيم شكري.

لقد لوحظ بالفعل هذا التطور في جريدة الشعب التي تمثل هذا التحالف خاصة بعد اندلاع أحداث حرب الخليج في 1991.

لقد شكلوا بالفعل هذا التحول في الأيدلوجيات خلال فترة الجدل التي حدثت أواخر الثمانينيات ليصلوا به في منهاج التطبيق في أوانه الذي حان.

لقد ركزت هذه الحقبة بالفعل علي مستوي الطبقات الوسطي في كلا البلدين علي التأكيد في الخطاب علي الحث علي العلم والثقافة والتكنولوجيا ليكونوا بذلك عماد الوسطية ومن ثم أعضاء في إدارة مبارك وليكونوا جيل الشباب المنتظر في جماعة الإخوان.

وبهذا التعهد آن الأوان أن تنبت الجماعة وتفرز علماء الوسطية والديمقراطية والقومية الذين ينتهجون هذا النهج أمثال يوسف القرضاوي وطارق البشري ومحمد عمارة ليأخذوا منهج المجدد محمد عبده (18491905 ) ليأثروا علي مفكري ماليزيا وغيرهم من المصلحين.

فهذه المؤسسية التي يتمتع بها الإسلاميون تسهم إلي حد كبير في التقدم علي مستوي الأيدلوجيات كما بات ملحوظاً في الحزب الإسلامي بماليزيا PAS الذي شهد تقدما غير مشهود علي مستوي أيدلوجياته في التسعينيات.

لقد واجه الحزب في البداية الحركة القومية بماليزيا ثم أصبح أمامه تحدٍ جارف في مواجهة تلك العصبيات والإثنيات التي تستفيد منها ماليزيا لكن في ضوء عالمية الإسلام.

ففي حين أن الصحوة الإسلامية قد بلغت أوجها في أوائل السبعينيات،فقد اعتمد PAS الذي أصبح متجذراً في الأقاليم كما يجب أن يتحرك علي المستوي العشائري والشبكات العشائرية التي كونها في الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الماليزية الأمر الذي أثر كثيراً علي الحكومة الماليزية.

لقد تمركزت قيادات الحزب فيما يسمي بمجموعات أستاذ التي تخرجت من المدارس الدينية في كيلانتان وترينجانو ثم استمرت في بسط سياسات الحزب حتى تغيرت القيادة في 1985 .

هذا وقد تم تحريك الحزب PAS نحو العالمية المأمولة تحت قيادة فاضل نورويوسف راوا ومن ثم رغبتهم في إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية.

لقد كانت تجربة إيران 1979 الإسلامية والتي اعتمدت مجلس المرجعية الدينية كأساس للدولة ومن ثم يكون للعلماء مكان محجوز في الحكومة كصناع قرار وفي مجلس الشوري وفي ديوان العلماء حيث يتم تمثيلهم.

هذا وقد تم تعزيز دور العلماء منذ عام 1990 ومن ثم دور الفقه الإسلامي لتلبية الحاجات الأساسية لما يسمي بالبدعة السياسية.

لقد تم بث الكثير من العلماء للحزب في الثمانينيات حينما انقسمت حركة ABIM لأتباع أنور إبراهيم وحكومته وأتباع حزب PAS وما يرموا إليه من إقامة الدولة الإسلامية.

لقد جاءت حركة مهاتير وآفاقه الواسعة في إطار إقامة الدولة والوصول بها إلي تحقيق التقدم التدريجي علي جميع الأصعدة ومن ثم الاستفادة من كل التنوعات العنصرية التي سيطرت علي البلاد، جاءت رؤى مهاتير بشكل عام لتكون بمثابة الإلهام للأحزاب الإسلامية في العالم في توقيت مناسب حيث نهاية الحرب الباردة آنذاك.

لقد أدي الاعتماد علي الطبقة الوسطي في التمثيل السياسي وقيادة دفته إضافة إلي هذا التعاون الحثيث بين UMNO وحركة الدعوة إلي توضيح الرؤىة التي لابد علي حزب PAS أن ينتهجها في أن يركز علي عالمية الإسلام ومن ثم التخلي عن التجادل الذي حدث قديماً بينه وبين UMNO حول التمثيل الأفضل للإسلام.

وفي إطار تحقيق الحكومة الراشدة والعدالة والعدل الاجتماعي،حاولت حكومة كيلانتان التي شكلها حزب PAS علي الحصول علي فرصة تطبيق الحدود في 1992 وكذلك تطبيق حكم الإعدام في القانون الجنائي.

لقد تم اعتبار ذلك رمزاً للعدالة الإسلامية التي مثلتها هذه الحكومة معترضة علي سياسات UMNO أكثر من أن يكون هدفاً سياسياً مرحلياً.

لقد رأي الحزب فقط أن طريق الوصول من خلال التجربة الديمقراطية المتمثلة في الانتخابات التي خاضوها في 90و92 هي الأداة الشرعية الموصلة فقط.

ثم إن الحزب وفي مقدمته مهاتير محمد قد أعلنوا أن الشريعة الإسلامية هي الأداة الشرعية الوحيدة التي يعتمدون عليها في الدفع نحو المجتمع المهتم ومن ثم نقل السوق المادي إلي البشرية الإسلامية لتكون هي القيمة المسيطرة.

فحينما أدرك حزب PAS أن الطريق للفوز بالانتخابات لن يتحقق إلا عبر المشاركة في الوسط السياسي فقام بإنشاء جبهة المعارضة متعددة الأحزاب (APU).

لأول مرة في تاريخه.ورغم فشله في 1995،دفع حزب PAS بأحد أعضائه المبتدئين ليلتحق بالجبهة القومية الشعبية الحاكمة ليؤكد الحزب من خلال ذلك أنه يمكنه أن يغير النظام من خلال اختراق منظماته من الداخل ومن ثم استبدال الحكومة وليس من خلال تدمير مؤسساته.بدى ذلك واضحاً كما صرح به قائد الحزب فاضل نور الذي تم ترشيحه في 1995.

لقد اعتمد الحزب في خطته هذه علي تجربة مصر في التحالفات التي حدثت إبان قيادة مصطفي مشهور للإخوان.

لكن من أجل عرض قضيةالأسلمة بشكل ديمقراطي يتطلب خطوات ثابتة وراء تلك الهتافات التي تصف الحكومات مثلاً بأنها غير إسلامية متسلطة.

وقد حدثت هناك تصدعات وتغيرات هائلة علي المستوي التنظيمي الهيكلي داخل جهاز الحزب ذاته دفعت حزب PAS إلي ذلك دفعاً:تم الشك في شرعية قيادة العلماء كما كان الحال في العلاقة بين مجمع العلماء المنتخب بطريقة غير مباشرة (ديوان العلماء) واللجنة التنفيذية المركزية المنتخبة.

ولأول مرة في تاريخ الحزب،شارك العنصر النسائي في الانتخابات العامة المنعقدة في نوفمبر 1999.وبعد أن قدم نائب رئيس الوزراء أنور إبراهيم استقالته في سبتمبر 1998، أصبح الطريق مفتوحاً أمام حزب PAS لأن يستغل الفرصة المواتية لإرساء مبادئهم الديمقراطية الإسلامية بشكل واسع.

هذا وقد تم تشكيل جبهة معارضة بديلة لتثبت لغير المسلمين أن حزب PAS لا يشكل أبدأ جناحاً متطرفاً كما تسعي الحكومة لتوصيفه.

هذا وبالاطلاع علي البرنامج الانتخابي للجبهة نجدهم دفعوا بخيارات الإسلاميين للساحة السياسية العامة بل ربما نقول إنها هي الفرصة التي سنحت لهم ليعرضوا دور الإسلام المتحضر في ظل عمليات العولمة القائمة،كان منها:

المسائلة السياسية والعقد الاجتماعي والديمقراطية الحقة. كانت هذه هي القضية الأساسية للجنة العامة لحزب PAS التي اجتمعت في كوالا ترينجانو في يونيو 2000 .

لقد مضي عهد العلماء الذين قبضوا علي زمام الأمور بالحكم بالكفر علي المخالفين وإصدار مثل هذه الآراء غير المتوافقة.

لذا دعي الحزب المنظمات الغير حكومية للدخول في عملية الإصلاح ومن ثم المشاركة في إنشاء مجلس حركة العدل القومي.

وقد تجمعت جبهة شكلت حزب العمل الديمقراطي (DAP) إلي جانب الحزب الشيوعي الماليزي (PRM) وثمانية جمعيات حقوقية دعت إلي تحكيم القانون ويليه رفض تلك القوانين التي ترجع إلي عهد مهاتير في الثمانينيات.

وفي إطار حركة حزب PAS الشعبية، قام بدعم العلاقات مع حركة الدعوة لمساندته في عملية الإصلاح كما كان دعمه لحزب وان عزيزة للعدالة في الماضي حينما كان زوج عزيزة أنور إبراهيم أحد كوادر الحزب في الماضي حينما تضايق من UMNO وقرر الرحيل عنهم لـ PAS.

ومع قدوم الحادي عشر من سبتمبر بأحداثه الجثام، تم وضع الحزب من جديد تحت طائلة الاختبار. تحالفات جديدة، أحزاب جديدة: فإذا كانت هذه المرحلة الانتقالية في ماليزيا بالنسبة للإسلام المعارض من بدايته بخطابات معارضة للفتاوي المطروحة علي الساحة لتصل الآن إلي السعي وراء تحقيق مبدأ الديمقراطية كما يرون، فإن ذلك أيضاً لا يبدوا بعيداً عن الجو في مصر.

في هذه الفترة تم استحداث أُطر جديدة لحقوق الإنسان وكذلك دعت المشاركة السياسية للأقليات التي تتبني المشروع الإسلامي إلي إنشاء حزب إسلامي جديد كما هو الحال في حزب الوسط الذي تولد من رحم الإخوان المسلمين في مصر في 1996 .

لقد تمت إعادة تشكيل الليبرالية التي تحلت بها عقلية الطبقة الوسطي في الوقت الذي نادت فيه الدعوة بأن تكون هذه التشكيلة جزءاً من سياسات الحزب.

ففي ماليزيا شنت ABIM كياديلان في 1998 في محاولة لمقاومة ما تمارسه الدولة عليهم حتى بلغ الأمر مداه في الإطاحة بمشروع أنور إبراهيم بعد أن تم القبض عليه في أواخر 1998 وكل أعضاء ABIM الموجودين في الحكومة. وفي مصر رغم فشل تسجيل حزب الوسط مرتين في 96 علي يد مؤسسه الشاب المنشق من الإخوان قديما، إلا أنه نجح في إقحام الأسلمة للنسيج السياسي المصري.

فما زال هذا الحزب يشكل قوة كامنة في إقناع الناخبين الذين يعتقدون في الإسلام كأداة للتغيير ومن ثم مجابهة الحكومة.

تقوم الحزب بعد ذلك بدوره في التحالف مع الحزب الحاكم ليتم إقحام فكرة الأسلمة لأول مرة ويتم التغيير من داخل النظام ذاته.

فكما أن الرئيس مبارك لا يريد للإسلاميين أن يكون لهم قدم في أي من المؤسسات العلمانية الحاكمة للبلاد، فإن جيل السبعينات الذي يقود الإسلاميين الآن ما زال مثابراً في النقابات المهنية ويتمتع بتواجد قوي رغم هذا القانون الصادر في 1993 بشأن تنظيم انتخابات النقابات والذي يقضي بحرمانهم من الصعود من جديد.

فبما أن هذا الدور النقابي لم يعد يجدي كثيراً بالنسبة للشباب الجديد الذي نشأ داخل الإخوان، نري اليوم تراشقاً بالأيدلويجات بين هذا الجيل الوسطي الشاب الذي لا يري ضرورة لمثل هذا التحرك في هذا الآن، وجيل الحرس القديم الذي يري ضرورة الاستمرار في مجابهة الحكومة بالشكل المتبع منذ عهد بعيد.

فحينما أصبح حزب الوسط هذا خطراً علي جماعة الإخوان وأيدلوجيتها وتحركاتها، قامت الجماعة باستبعاد كل مؤسسي حزب الوسط من الإطار التنظيمي لها ومن مجلس الشورى الخاص بها.

بل إن المحافظين يلوحون بالاتهام علي أولئك الشبان الذين تركوا عملية صناعة القرار داخل الجماعة مما أضعف شوكتهم أمام الحكومة التي قامت بدورها في منعهم من استصدار رخصة الحزب من لجنة الأحزاب السياسية.

فاعتداء الحكومة علي قيادات الجماعة قبل انتخابات 1995ومن ثم اعتقال 54 من قادتها قد أكد المخاوف التي اعتصرت قلوب المحافظين من أن يُفعل بالجماعة ما تم فعله سالفاً في الثمانينات.

هذا وقد ولم تكن هذه الاعتداءات من جانب الحكومة علي الإخوان بغرض إقامة الحواجز بين الأول والثاني، لكن بغرض التأكيد علي هذه الحواجز وتعميق هذا التأكيد إلي حد بعيد.

لقد باتت خطوة الحكومة هذه بمثابة محاولة بائسة رغم تفائلها بحركة الوسطية الداعمة للديمقراطية إذ هي تعي تماماً أنه لا مناص من صعود الإسلاميين لسدة الحكم لكن ليس علي الأمد الطويل.

وقد أسهم هذا المناخ التنافسي بين جماعة الإخوان وغريمها الحكومة في عدم الموافقة علي حزب الوسط ورفضه مرتين في 1996إلي جانب رفضه في مايو1998 بعد ما قدم عريضة التسجيل آنذاك.

فإعادة التسجيل من جديد بعد يومين من هذا التاريخ تعني وجود انشقاق حقيقي بين الوسط والإخوان، فقد ظهر الوسط تحت مسمي جديد وبأجندة جديدة حيث سُمي بالوسط المصري أو حركة الوسط المصرية والتي ضمت العديد من المفكرين المستقلين والطبقة الوسطي المسيسة وبعض أعضاء الحكومة الأحرار الذين وضعوا وسطية الثمانينات لتكون الوسطية المعتمدة لأجندة الحزب.

وبعيداً عن تنظيم الإخوان قام الحزب بتشكيل خطرا واضحا لإدارة الرئيس مبارك الأمر الذي دعي لرفض تسجيل الحزب من جديد من قبل لجنة الأحزاب السياسية في يونيو 99.

لكن الإسلاميين في هذا الوقت قد تمرسوا إجراءات التضييق الحكومي الأمر الذي دعاهم للتغلب عليه بإعلان منظمة غير حكومية تسمي بمصر للثقافة والحوار والتي اعترفت بها وزارة التعليم في 2000 .

لقد أثبت أعضاء هذه المنظمة غير الحكومية من جديد أنهم قادرون علي عرض الإسلام بما يناسب الوضع الحالي فعملوا علي معارضة الحكومة من الداخل تماما كما فعل الإسلاميون بماليزيا حينما شكلوا أصواتاً إسلامية معارضة للحكومة من داخلها.

لقد سعت حركة الدعوة أيما سعي في طريق تحقيق المجتمع المسلم والذي يستلزم تغيير الواقع السياسي والاجتماعي لكن بشكل تدريجي حسبما رسم ذلك المودودي حينما كتب عن الشريعة الحركية ومرونتها، لكنها أنكرت بشكل جدي هذا الجانب المستبد الذي تسلكه الحكومة من جانب وهذا الذي يسلكه علماء السلطة من جانب آخر.

وجدير بالذكر، فقد عمل آخرون خارج طائلة الحزب علي المستوي الدولي الأمر الذي أصبح محل الاهتمام الدولي بعد الحادي عشر من سبتمبر،حتى انقسم الكثير من الراديكاليين الإسلاميين إلي انقسامات داخلية صعب السيطرة عليها.

إذاً لقد انتشرت الفكرة الراديكالية الإسلامية في كلا المنطقتين، في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، كما سماهم العامة إرهابيين وتم توصيف طرفي هذه المشكلة علي أنها تتمثل في مسلمين متمردين ودولة متسلطة.

هذا ويعتقد الكثير في مصر وماليزيا علي حدسواءأنهم مسلحون يخترقون النظام الحكومي وقواعده لكن الأمر ليس كذلك تماماً.

ففي ظل وطأة الحكومات وتسلطها وفي ظل السياج الأمني التي ترفضه البلاد تصبح مشكلة التسليح بالنسبة للجماعات هذه أمراً بسيطاً إذا ما قورن باستعدادت الحكومة وأجهزتها الأمنية التي تضع كل قواتها علي أُهبة الاستعداد.

لكن علي كل حال فقد استفادت الأنظمة من هذا التحول الأيدلوجي في أفكار الإسلاميين الذين انقسموا أيدلوجياً لفريق عام يضم الجميع وفريق آخر يبدو أصولياً بعض الشيئ يلتزم بجعل الإسلام فوق الدولة الإسلامية ويؤكد علي أُحادية الشريعة كمصدر للتشريع في البلاد وكذلك الالتزام بكل أدوات الأخلاق الإسلامية ونظامه المعيشي.وكانت النتيجة أن تقبل الشعب هذا الشعار الإسلامي ليكون النظام الإسلامي المرتقب.

ففي حين أن تجربة مصر في التعامل مع العنف السياسي ربما كانت أعمق منه في ماليزيا، إلا أن كلا الدولتين فشلتا علي كل حال في وقف هذا العنف الذي يستهدف الشعب رغم أن كلا الدولتين قد تعرضتا لأنماط التطرف الإسلامي علي حد سواء.

لقد فشلت جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية فشلاً ذريعاً رغم هذه المحاولات الإرهابية المتعددة حيث فشلوا في الأصل لتجييش واقع سياسي واجتماعي يتبنى فكرتهم ويدعمهم كما يجب.

لكن الإخوان يتميزون عنهم من حيث النجاح في خلق هذا الواقع السياسي والاجتماعي الذي مكنهم من التجذر في المجتمع وعمل الأرضية التي يتحركون من خلالها.

فمنذ اغتيال الرئيس لسادات في 1981، انتشرت الجماعات الإسلامية في الاتحادات الجامعية ونشطت حركتهم في السبعينات والثمانينات وفي عهد مبارك زاد نشاطهم بعض الشئ حينما فشل الأخير في تحقيق الإنجازات المطلوبة من تقليل معدل البطالة وإحقاق التقدم الاقتصادي لكنهم ظهروا بأيدلوجية أخري إضافية تضمن تحقيق النظام المعيشي الإسلامي بما يتوافق مع الواقع مع عدم إغفال فكرة قيام الدولة الإسلامية.

فمحاولة الجماعة الإسلامية اغتيال مبارك لأكثر من مرة في أديس أبابا في 1995وفي أحداث الأقصرفي1998حيث قتل 68 سائحاً قد أدي بهم إلي التخلي عن دورهم في الاتحاد ومن ثم عملهم في الجامعة بشكل عام.

لقد حدث بالفعل تشقق تنظيمي بين القيادات الإسلامية المتطرفة وبين قواعدها التنظيمية أو بين الطبقة الوسطي المتحضرة والطبقة الأخرى العاملة مما أدي إلي إضعاف شوكتهم إضافة إلي قيام مباركبممارسة العنف ضدهم بعد هذه الأحداث.

ثم قامت الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي بالتوقيع علي معاهدة وقف إطلاق النار مع الحكومة وقياداتها المعتقلة في غياهب السجون وأعضائها في الخارج كذلك.

فبعد أن قامت جماعة الإخوان بفتح حوار معهم وقام قادتهم بالتخلي عن هذا النوع من التطرف في الداخل والخارج بما فيهم من كان في أفغانستان وأوربا وغيرها، قاموا بتشكيل مجلس شوري يضم أعضائه الأكثر اعتدالاً وسط الجماعة بأسرها.

لكن الأمر لم يصل في ماليزيا إلي حد ما آل إليه في مصر، فقد أدي فقط عرف الولاء إلي اندلاع بعض أعمال الشغب في ماليزيا ضد التحالف الحكومي في مايو1969.

لكن بسبب إحكام الحكومة قبضتها علي البلاد،رأي الإسلامالسياسي أن يظهر في هذا الآن بشكل ما انشقاقي ليعبر عن نفسه.

حينما تصادم بعض المتعصبين للأفكار الصوفية في التصادم مع الدعوة الإسلامية في المراكز المتحضرة ليشكلوا بذلك حادثة لا تنسي سميت بحادثة ميمالي عام 1985 .

والجدير بالذكر فرغم هذه الانشقاقات والتصدعات التي منيت بها حكومة مهاتير، إلا أن مهاتير بصدره الرحب وفكرة المتطور نجح في رأب هذه التصدعات والاستفادة منها كما يجب ليكون هذا النسيج الوطني المتآلف في الثمانينات والتسعينات.

فبعد ذلك بقليل حدثت هناك تصدعات وانشقاقات في أواخر التسعينات أدت إلي فضائح عديدة علي المستوي السياسي ومن ثم أدت إلي أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلي جانب الأزمة المالية التي منيت بها آسيا، لكن قام مهاتير بعد هذه الحوادث الجثام ليعلنها مدوية في 2001 أن هذا هو التوقيت لإعلان ماليزيا دولة إسلامية مما أدهش الكثير وقتها.

فقد تحولت الدولة إذاً إلي حكومة ماليزية الجنسية وعلمانية الاتجاه حيث صادرت شتي أشكال الأسلمة الماضية.فلم يعد تحويل كل الأمور الخاصة بالممارسات الإسلامية في الدولة إلي الجهات السياسية:فقد أثر بالفعل أداء الدعوة علي سياسات UMNO وقادها إلي أسلمة المجتمع بأشكال تدريجية لتصل من منطلقات مهاتير لعام 2020 لتكون أقساماً دينية للسياسات الأصولية.

لذا لم كان متماشياً مع التعاليم الدينية ما فعلته رئاسة وزراء سيلانجور وجوهور وأعضاء UMNO من تقديم اختبار الإيدز ليكون شرطاً في صحة الزواج وكذلك عمل أسواق غير مختلطة إلي جانب إغلاق البارات وأماكن لعب القمار.

لقد باتت هذه المنافسة بين الفريقين في برامج أسلمة المجتمع أمراً مبالغاً فيه وربما بدا أكثر أصولية بل ربما نقول أنه ربما نحتاج إلي عاصفة إرهابية كما حدث في سبتمبر ليتم توصيف PAS علي إنه إرهابي في حين يتم توصيف UMNO علي أنه هو المتحضر.

لكن حزب PAS الذي تجذر في المجتمع لم يسمح لهم بذلك قيد أنملة. لقد تمتع هذا الحزب بعد حملاته الأخيرة ودعواته للحكومة النظيفة والمجتمع الإسلامي المنظم بشعبية جارفة زادت علي ما كانت عليه قبل ذلك، لكن باتت ملفات مثل الجهاد من أجل نشر السلام الدولي من الخطوط التي لا يجب تعديها لعدم الارتطام والمواجهة المحتملة مع الأمريكان.

في هذا الصدد، وصف رئيس الحزب فاضل نور ما فعلته أمريكا تجاه أفغانستان وقتها بأنه هجوم اعتدائي من جيش مسلح علي عزل لا يملكون طعامهم أو شرابهم تماماً كما تفعل إسرائيل اليوم مع الفلسطينيين، بهذه الاتجاهات يكون فاضل قد سلك مسلك القاعدة في معتقداتهم المناوئة لأمريكا وغيرها من المعتدين.

وبعدها بأيام تحرك العامة منددين بالاعتداءات الأمريكية ومطالبين بالجهاد ضد كل المعتدين المؤشر الذي يقول بأن تحرك العامة بهذه الأيدلوجيات لهو خير دليل علي تجذر الحزب ومعتقداته فيهم إضافة إلي برنامجهم لتطبيق الحدود الذي لاقي ترحيباً واستعدداً حتى يتوج البرنامج الإسلامي لهذا الحزب بالنجاح ويكلله بالتوفيق علي حساب غيره في UMNO.

ثم قاد الحزب نجاحات عدة علي مستويات مختلفة كان من أهمها تضييق الفجوة الحاصلة بين العلماء والأساتذة حيث عمد إلي هارون دين فضمه إلي الحزب بعد أن نشأ في الدعوة قبل ذلك ووضعه في منافسة انتخابية مع UMNO ثم تمت ترقيته ليصل إلي منصب يمكنه من التواصل مع ديوان العلماء المحافظين ومن ثم دعم أي تقارب ممكن.

ثم دخل الحزب في معارك جديدة علي خلفية رؤيته للتطور والدولة الإسلامية التي يعتقد أنها ليست آخر أهدافه بل هي جزء وفرع. ثم أوضح علي لسان نائب رئيسه مصطفي علي هذه الفكرة منوها علي عدم تطبيق حد المرتد وهو القتل الأمر الذي لم يلاق ترحيباً بالتطبيق بل الاستمرار في تطبيق الحكم كما تراه ترينجانو.

لقد احتدم الصراع بالفعل بين الأيدلوجيتين الإسلاميتين الموجودتين علي الساحة الآن، أحدها يري تطبيق مبدأ الدولة الإسلامية الكاملة دون الالتفات لغيرها من الأيدلوجيات، بينما يري الآخر إمكانية الدولة الإسلامية بأسلوب مدني وإمامهم في ذلك دول آسيا وازدهارها. في ماليزيا انقسم الإسلاميون هناك إلي قسمين:

الأغلبية وهم يريدون العمل بما تقتضيه الدولة المدنية ومن ثم الاعتماد علي أدوات التغيير المدنية، والأقلية الذين لا يعترفون بذلك ولا يرون إلا الجهاد ضد الحكومات للتخلص من وطأتها وتطبيق الدولة الإسلامية الكاملة وعدم السماح لأيدلوجيات أخري مدنية أن تقتحم الميدان.

كانت الصورة في مصر بالفعل مطابقة لما حدث في ماليزيا حيث رأي نفر من الإخوان أن يتبع أيديولوجية الجهاد ضد الحكومة كأداة للتغير بينما رأي الآخرون وهم الأغلبية ضرورة الاعتماد علي وسائل التغيير المدنية.

فعمد هذا إلي أسلوبه وذاك إلي أسلوبه حتى جاءت برامج الدمقرطة التي أعلنتها أمريكا وفرضتها علي الشرق الأوسط فعمدت الأكثرية إلي المطالبة بهذه العملية لكن في إطار إسلامي الأمر الذي أدي بهم إلي أن يسكنوا غياهب السجون وأن يخرج أولئك الذين سلكوا نهج العنف ضد الحكومة التي أقنعتهم بالتخلي التام عن أفكارهم.

إذاً وصل نظام مبارك إلي نقطة صعبة وهي أن يجابه المعتدلين من الإسلاميين علي حساب العنصر المتطرف.ثم عانت جماعة الإخوان بعدها من بعض الانشقاقات علي خلفية بعض المناصب ومنها تعيين نائب للمرشد الذي لم يكن له مكان قبل ذلك في مكتب إرشاد الهضيبي 2002،الأمر الذي نفته الجماعة لكن يبقي هناك عدم توازن في دائرة صناعة القرار لدي الإخوان حتى الآن لا يمكنها من الليبرالية المطلوبة علي ساحة المشهد السياسي.

لقد عمد الهضيبي إلي الحوار مع الدولة الأمر الذي أدخل الجماعة في منعطف جديد بآليات جديدة حتى بات مطروحاً علي الساحة تشكيل جبهة معارضة جديدة تضم مزيجاً من الأحزاب والجبهات التي تحالف الإخوان معها سالفاً.

لكن مع قدوم حرب 2003 علي العراق أبدي الإخوان استيائهم الشديد علي الهيمنة الأمريكية في المنطقة التي تمكنها من احتلال العراق وغيره فسارع الطلاب بتنظيم مظاهرات حاشدة في 21 فبراير 2003 منددين بهذا التدخل الأمريكي السافر ولم يلبث الطلب الشعبي المتزايد طويلاً حتى عمدوا إلي مظاهرة ضمت 40000 مواطن في إستاد القاهرة رافضين لهذه الحرب ولأمريكا وتدخلها في مصالح الأمة العربية.

الجدير بالذكر أن تزايد المطلب هذا عبر عن وجود فرق شاسع بين مصر النظام ومصر الشعب حتى بات من الضروري الدفع بجرعة ديمقراطية عاجلة للقضاء علي هذا الفارق الشاسع والآخذ في الاتساع بين النظام المشكل من الحزب الوطني وفئات الشعب المختلفة.

لكن بعد هذه التظاهرة الحاشدة التي جمعت كل الأطياف المنددة بالحرب من يسار ويمين وغيرهما، لم تتورع قوات الأمن المصري من اعتقال 800 شخصاً علي هذه الخلفية الأمر الذي بات يؤكد عدم استعداد الحكومة بالدفع نحو مزيد من الحرية والدمقرطة.

في هذا الإطار أعلن الحزب الوطني في مؤتمره الخامس والعشرين عن التنويه علي خطوة جديدة ستتخذها الحكومة في الفترة المقبلة، ظن الشعب أنها الديمقراطية وحلم الحرية لكن خاب ظنهم حينما علموا واستيقنوا أنه جمال مبارك نجل الرئيس الذي يريد أن يؤسس له حكمه ليخلفه في منصبه، وكان جمال مبارك قد عمد إلي عمل المزيد من التقريبات بين الحكومة والمعارضة علي هذه الخلفية.

يأتي هذا الحديث عن الديمقراطية في خطاب الحزب في هذه الأثناء ليدعم أمريكا وحربها المعلنة علي العراق بهذا الدافع.

ثم بدا من الواضح تفاقم الأزمة خاصةً بعدما تم تصعيد جمال مبارك ليكون نائب رئيس الحزب الحاكم بحجة الاعتماد علي سواعد الشباب الفتية، وفي المقابل مارس أبناء الطبقة الوسطي كافة أشكال المشاركة السياسية باحتفاظهم بتابعيتهم الدينية لحركتهم الإسلامية تماماً كما حدث في ماليزيا.

لقد هبت قوي المعارضة بعد ذلك ممثلةً في حزب العمل و الحزب الناصري و التجمع الوفد لإعلان جبهة معارضة مشتركة لتكون هي جسم المعارضة النابض كنتيجة للمعارضات التي حدثت قبل ذلك لتؤكد علي أن ما كان يحدث قبل ذلك في الخفاء يحدث اليوم علانيةً.

لقد سمحت هذه الجبهة بالعمل لكل التوجهات الإسلامية وغيرها ومن ثم شرح رؤاهم لكن يبقي الحل الإسلامي هو المهيمن والمسيطر رغم هذا التنوع، فيبقي الاتجاه الإسلامي في ظل هذه الفرص الجديدة والتحديات المستمرة هو الأعلى والمسيطر.

وقد خلف مهاتير في قيادة البلاد رجل ربما يكون نسخة من مهاتير في قيادة مجلس الوزراء وهو عبد الله بدوي الذي قام علي البلاد خير قيام وأكمل مشاريع مهاتير في أدوات البنية التحتية التي كلفت ملايين معدودة، وقد سلك مسلكاً في التعامل مع رجال الأعمال وأسلوب الخصخصة الذي نهجته الحكومة لا يعدو أن يكون نسخة أخري من أنور إبراهيم.

والأجدر بالذكر هنا أن بدوي قد أحكم البلاد بشكل ربما فاق مهاتير بمرات عديدة حينما قلص وجود المعارضة التي لطالما أقلقت مضجع مهاتير وحكومته منذ زمن قريب.

ومع خروج أنور إبراهيم من السجن من جراء تهم الفساد التي قد اتهم بها، ساهم وجوده علي الساحة في تعزيز مواقفه الحادة التي أراد حزب PAS أن يستفيد منها في تعزيز المساءلات السياسية التي طال انتظارها علي أجندة الحزب منذ عهد بعيد.

وبموجب وثيقة الدولة الإسلامية التي أعلنها PAS في 12 نوفمبر 2003 والتي تؤكد علي أن القيادة التالية للحزب ستكون أكثر محافظة من تلك التي كانت منذ فقط منذ عام مضي تحت قيادة فاضل نور الذي كان أكثر ليبرالية مما كان مطلوباً علي حد رؤيتهم.

وسيقود الحزب في مقعد الرئيس حاج عبد الهادي أوانج و حسن شكري في مقعد نائب الرئيس. لكن تم سحب الوثيق الثانية بعدما لقي فاضل نور مثواه الأخير في يونيو 2002 ثم ظهرت مرة أخري في ثوبها الجديد بعدما قام مجلس شوري العلماء بمراجعتها.

هذا وتخول هذه الوثيقة مجلس العلماء بالرجوع من جديد للحكم الذي لا يعتمد علي الليبرالية التي شكلت حكم مهاتير ومن ثم الحكم بالشريعة الإسلامية الخالصة لتكون هي المنهج الذي يحتكم له بدلاً من مفهوم الطاعة المنصبة لأوامر البلاد وتحمل المسئوليات التي لطالما كبلت الناس بقيود وأعباء ليبرالية لا علاقة لها بالدين.

لكنه بات من الصعب بين جمهور غير المسلمين أن يقبلوا مثل هذا المبدأ إلا أن يطعم بالمزيد من النقاط التي تضمن لهم حقهم كغير مسلمين، لذا قام هادي بوضع بعض النقاط الإضافية التي تقضي بحرية الممارسات الثقافية بغض النظر عن الدين والجنسية.

لقد هدف العلماء من وراء حملتهم هذه إلي إقامة خلافة إسلامية تمتد لتشمل كل ماليزيا الأمر الذي استلزم بعض التعديلات لكي تتوافق رؤاهم مع التعددية الحزبية والعرقية والدينية التي تتمتع بها البلاد.

اقترح هذه التعديلات هادي أوانج الذي صرح قائلاً "لقد تأكدت تماماً أنه لابد من مراجعة بعض الأمور الواردة في الوثيقة التي لم تأخذ حظها الكافي في المراجعة".

ويبدوا واضحاً الآن وجود هذين الفريقان الإسلاميان علي اختلاف مناهجهما في رؤية الحكم في البلاد، فأحدهما يري الليبرالية والتعاون والتحالف مع الآخرين أفضل حل لكسب كل الأطياف بينما يري الآخرون أنه لابد من أن يعلو حكم الإسلام وحاكمية شريعته فوق الجميع بغض النظر عن الأبعاد التنوعية الإختلافية للطيف الاجتماعي.

نضيف أيضاً هنا أن مصر لم تخلو من هذا الاختلاف الأيدلوجي بين الفرقاء الإسلاميين، فقد أفرجت الحكومة المصرية عن 1000 من أعضاء الجماعة الإسلامية بعدما أعدوا سلسلة طويلة من المراجعات لأعمال العنف والتخريب التي قدموها علي مدار السنوات الماضية الأمر الذي دعي حبيب العدلي وزير الداخلية المصري أن يصف ذلك مصرحاً بأن سلسلة الإفراجات هذه في 2003 جاءت بعدما أعلنت الجماعة نهجها في نبذ العنف وممارساته نافيين تماماً أن يكون ذلك أداة إصلاحية علي كل حال حتى استطرد العادلي مصرحاً أن هذه الخطوة ستكون بلا شك ضماناً للاستقرار في البلاد.

فمما لا شك فيه أن الأسباب والعوامل الاقتصادية تؤثر تأثيراً ملموساً وكذلك تردي الأوضاع المعيشية في تشكيل الإسلاميين وتزايدهم حيناً بعد حين.

ففي تقرير للبرلمان ناقش هذه الظاهرة وأكد علي أن فشل الرئيس مبارك وإدارته في تحقيق الاستقرار المطلوب ومن ثم رفع مستوي المعيشة وغيرهما من المشكلات الاقتصادية المتراكمة أسهم إلي حد واسع في تزايد أعداد الإسلاميين من الطبقات الفقيرة والأقل مستوي مستهدفين بذلك دعم روح المعارضة لتك الظروف الظالمة التي تزيد الحكومة منها يوماً بعد يوم.

فرغم أن الإخوان قد تنفسوا الصعداء بعد تولي محمد مهدي عاكف سدة الحكم إلا أن التضيقات التي تمارسها الحكومة من رفع كل نشاطات الإخوان تحت طائلة قانون الطوارئ، إلا أن أسامة الباز مستشار الرئيس مبارك لم يتحرج أن يصرح بأنه من الممكن أن تشارك جماعات إسلامية في مؤسسات خيرية اجتماعية وتنخرط في هذا الاتجاه لكن ليس لها الحق أن تدخل البرلمان أو أن تمارس عملاً سياسياً بهذا الاتجاه.

ففي حين تقبل الإخوان هذه التضيقات وعملوا بموجبها ونجحوا في هذا المجال من دعم الكثير من القضايا ذات الاتجاه الإسلامي، إلا أن تردي الوضع السياسي وتزايد مطالب الطبقات الفقيرة من الموظفين الكادحين الذين يحتاجون من يقف معهم لأخذ حقوقهم والتعاون معهم، تحول الإخوان بوجهتهم بعض الشيء ودخلوا من جديد في الصراعات السياسية مستعينين ببعض الموظفين رفيعي المستوي وغيرهم من صناع القرار بالتشاور والتحاور حول مستقبل البلاد في ظل الخطة التي يعدها الحزب الوطني لتولية جمال مبارك ليخلف والده في حكم مصر بعد هذا التغيير الطارئ في سياسات الحزب الوطني الحاكم.

خاتمة

لقد تركز هذا البحث في آليات تحرك الجماعات الإسلامية داخل النسيج الاجتماعي ورأينا سويا كيف تغلغلوا داخل الصف الاجتماعي وحصلوا علي التأييد الشعبي المستهدف علي طول عقدين من الزمان.

استهدفنا في هذا البحث دولتين هما مصر وماليزيا لعمق الشبه بينهما في هذه القضية في النشأة والتحركات والمراجعات والمساومات وفي كثير من الأُطر الاحترافية للإسلاميين في كلا البلدين.

لقد بدأ الإخوان في مصر وحزب PAS في ماليزيا بتعميق دور الشعب في التغيير ومن ثم اجتذاب العناصر التي يحق لها أن تحمل هذا الفكر حيث كان أغلبيتهم من الطبقة الوسطي المتحضرة.

ثم عمدالاثنان إلي تغيير كل المناهج التي تدعوا إلي التغيير من خلال السلاح والعنف السياسي حينما أثبتت هذه الأيدلوجية فشلها الذريع.

كما اعتمدوا في ذلك الشأن المشاركة السياسية النظيفة في إطار دعوتهم إلي الحكومة النظيفة والمجتمع المسلم حتى يتسنى لهم الوصول إلي تحقيق أغلبية معارضة داخل صف الحكومة بصوت إسلامي خالص.

إذاً كان نهج المعارضة السلمية من داخل قبو الحكومة هي المعتمدة داخل صف الإخوان والحزب معاً. ورأينا كيف أثرت قضايا مصيرية مثل حكم الدولة الإسلامية بمرجعية دينية أم بأسلوب مدني علي نهضة حزب PAS علي المستوي التنظيمي الذي أثبت بالوقائع فشل الحكومة ذات المرجعية الدينية أو بالتبعية لمجلس شوري العلماء.

كما رأينا كيف أثرت عوامل التنشئة وبيئتها القروية غالباً في تشكيل تنوع فكري غير مسبوق حيال قضايا مصيرية كالرؤية الإسلامية للدولة أو النماذج التدريجية لتطبيق الحدود.

كما رأينا كيف وصل الإسلاميون إلي عصرنا هذا ولم يتأثروا بالأفكار التي رحلت وبالدول التي انصرمت من القومية والشيوعية والاشتراكية وكيف تعاطوا مع السياسات المفروضة عليهم التي تجبرهم علي تقبل الواقع بدلاً من الأوصاف التي تجرح بنيان الدولة حتى وإن بدت غير إسلامية من أجل الوصول للاعتراف الشعبي علي الأقل بعيداً عن الاعتراف الحكومي والمؤسسي.

فعلي الرغم من التنوع الاصطلاحي لمفردات الإسلاميين وروافدهم المتعددة، يبقي هدفهم الأسمى في الحصول علي دعم داخل النظام السياسي أمراً لا يقبل المساومة بعدما بدا فشل التغيير المسلح واضحاً أمام العيان.