تحديات تواجه الثورة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تحديات تواجه الثورة

مقدمة

201127-07

تشير الأحداث الجارية إلى أن الثورة في مصر تواجه كثيرًا من التحديات والمعوقات؛ بغية إجهاضها- إن أمكن- أو تعطيل مسارها، على الأقل الأمور التي دفعت عديدًا من القوى الإسلامية والوطنية إلى عقد العزم على النزول في مظاهرات حاشدة في ميدان التحرير وعواصم المحافظات؛ لتأكيد سيادة الشعب وحقه في أن يمنح نفسه دستوره، دون افتئات من أي مجموعة تحاول فرض وصايتها عليه، وكذلك من أجل الدعوة إلى استقرار البلاد، ولمِّ الشمل، وعودة اللُّحمة إلى القوى الوطنية، وكذلك التدخل الخارجي في شئون مصر الداخلية، عن طريق إغداق المال السياسي على مجموعات ومنظمات بعينها، دون بقية القوى والمنظمات؛ الأمر الذي يقطع بالانحياز ونصرة فريق على فريق.

وعلى المستوى الإقليمي تأتي المأساة الإنسانية التي تحصد الأرواح وتهلك الحرث والنسل في القرن الإفريقي (الصومال وكينيا) دليلاً على الظلم الفادح الذي يعاني منه الفقراء في أنحاء العالم، بينما الأغنياء يعانون من التخمة والترف.

وعلى المستوى الدولي تأتي مذبحة النرويج البشعة محملةً بِمَعانٍ ودلالاتٍ في غاية الخطورة.

ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم تجاه الأحداث فيما يلي:

أولاً: الشأن الداخلي

  • وقعت خلال الفترة الماضية وبعد فعاليات الجمعة 20118/7/م، وبعد بيانات رئيس الحكومة والمجلس العسكري جملة من الأحداث، تمثلت في اعتصام مجموعات من المتظاهرين في ميدان التحرير والإسكندرية والسويس، وهذا لا اعتراض عليه إذا حدث بطريقة سلمية حضارية، بيد أنه للأسف الشديد رافقه إغلاق لميدان التحرير وتعطيل للمرور، ومنع لموظفي مجمع التحرير من أداء أعمالهم، ومنع أصحاب المصالح من قضاء مصالحهم، ومحاولة منع الملاحة في قناة السويس وأمور أخرى.
  • ثم حدث تصعيد جديد بتسيير مسيرات إلى مقر المجلس العسكري في القاهرة، وبعض مقرات الحكام العسكريين في بعض المحافظات، ومحاولة التحرش بالجيش، حتى حدثت الصدامات المؤسفة وغير المفهومة في ميدان العباسية بالقاهرة، ورافق هذا اعتراض على التشكيل الوزاري، واستعجال تنفيذ ما وعد به رئيس الحكومة في بيانه، والمطالبة بمطالب أخرى.
  • كما حدث أن حاولت فئة من فريق "الدستور أولاً" فرض مواد أسموها "حاكمة للدستور" على الشعب، ملتفِّين بذلك على الإرادة الشعبية، وعلى الاستفتاء، وعلى الإعلان الدستوري.
  • وحاولوا أيضًا فرض رغبتهم هذه على المجلس العسكري؛ كي يصدر وثيقتهم في إعلان دستوري جديد، مستخدمين طريقة الصوت العالي والضغط الإعلامي؛ مما أثار حفيظة قوى كثيرة من الشعب ممن لا يملكون وسائل إعلام، فقررت التظاهر للتعبير عن موقفها وإيصال صوتها والانتصار لإرادة الشعب وسيادته وحقوقه، وفي نفس الوقت للدعوة إلى الاستقرار الوطني وإتاحة الفرصة للحكومة لأداء واجبها وتنفيذ برنامجها في التطهير والمحاكمة العادلة وإعادة البناء، وكذلك لرفض الصدام بين الجيش والشعب الذي تتطلع إليه جميع القوى المتربصة بالثورة.
  • ولقد قررت هذه القوى التظاهر السلمي وعدم الاحتكاك بالمخالفين في الرأي، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وعدم الاعتصام، كما أنها ترجو من بقية الثوار من المعتصمين فضَّ اعتصامهم؛ حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، والمرور إلى سيولته، مع متابعة تنفيذ الحكومة لمطالب الشعب.
  • كما أننا ندعو إلى إعادة اللحمة بين القوى الوطنية، وذلك عن طريق احترام قواعد الديمقراطية؛ بأن تنزل الأقلية على رأي الأغلبية، وعدم محاولة الالتفاف عليه، وعدم محاولة فرض الرأي، واحترام القانون والدستور.
  • تتواتر الأخبار عن أن الحكومة الأمريكية تنفق مبالغ طائلة في الساحة السياسية المصرية؛ حيث ذكرت "آن باترسون"، السفيرة الأمريكية الجديدة في القاهرة، أمام الكونجرس، أن أمريكا أنفقت 40 مليون دولار في مصر منذ 25 يناير الماضي لدعم الديمقراطية، وذكر اللواء محمد العصار أن هذه السفيرة أخبرته بأن الولايات المتحدة قدمت 105 ملايين دولار لهذه المنظمات لمساعدتها على المشاركة في الحياة السياسية في مصر، كما أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة- على موقعها على شبكة الإنترنت- عن فتح الباب للراغبين من منظمات المجتمع المدني في مصر وتونس وبقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ للحصول على منح بموجب برنامج مبادرة الشراكة (مابي).
  • وهذا كله يقطع بأن الحكومة الأمريكية تدعم بعض القوى السياسية والمنظمات الأهلية؛ بغية استقطابها وشراء ولائها للانحياز للنموذج الغربي والسياسة الأمريكية، في محاولةٍ لإبقاء مصر في حظيرة التبعية للغرب، وهذا الأمر نعتبره تدخلاً في شئوننا الداخلية، وإفسادًا للحياة السياسية، ومن ثم نرفضه بشدة.
  • كما نهيب بكل الوطنيين الشرفاء والثائرين الأحرار أن يتعفَّفوا عن المال الحرام الآتي من الغرب، وكذلك نطالب كل الأجهزة الرقابية والحكومة والمجلس العسكري بالتحقيق في هذا الموضوع، وإعلان أسماء المؤسسات والشخصيات التي تلوَّثت بهذه الأموال، وكشف المصارف التي أنفقت فيها، فنحن نخشى على الثورة من هذه الرشى والعطاءات.

ثانيًا: الشأن الإقليمي

- إن الجفاف النازل بالقرن الإفريقي والذي أدى إلى مجاعة لم تحدث منذ عشرات السنين، أهلكت آلاف الأطفال والشيوخ ولا تزال تهدد مئات الآلاف، بل ملايين البشر بالموت، بعدما أباد الجفاف الزرع والضرع في كينيا والصومال، ودفعت منظمات الإغاثة الدولية إلى مطالبة الدول الغنية بتقديم الدعم من أجل توفير الغذاء والماء لهؤلاء الملايين، ولا تزال الاستجابة بطيئةً وغير كافية.

  • الأمر الذي يثبت أن التكافل الإنساني في أدنى مستوياته، وأن هناك من البشر من يموتون من التخمة والترف وهناك من يموتون من الجوع والعطش، وأن الدول الكبرى لا تتحرك إلا بعد وقوع الكوارث، وأولى بها- من المنطلق الإنساني- أن تتعاون مع الدول الفقيرة والمتخلفة والنامية؛ حتى تنهض ويرتفع مستواها المادي والعلمي والتقني؛ حتى تستطيع أن تواجه مشكلاتها وتحل أزماتها، أما أن تنتظر حتى تكون على شفا الهلاك ثم تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فهو سلوك لا ينمُّ عن الإحساس بأخوَّة البشر التي تحتاج إلى التضحية والعطاء والترفع عن الأثرة والأنانية.
  • وهنا تأتي مسئولية الهيئات الدولة والإقليمية، فهذا دور هيئة الأمم المتحدة، وأيضًا دور جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأيضًا سائر المنظمات الأهلية في العالم، ونخص منهم المنظمات الأهلية في الدول العربية والإسلامية وأثرياء المسلمين من منطلق إنساني وإسلامي، وإن مثل هذه الكوارث تستحق توجيه أموال الزكاة وغير الزكاة إلى هذه المناطق المنكوبة، بل إننا ندعو كل المنظمات الإغاثية في مصر- على وجه الخصوص- أن تنهض للقيام بعبء إنقاذ الأرواح المهددة، فإن من أحيا نفسًا فكأنما أحيا الناس جميعًا (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: من الآية 32)؛ لذلك نطالب الهيئات الإغاثية في مصر بالإعلان عن حساباتها ودعوة المصريين إلى التبرع فيها؛ حتى تستطيع القيام بدورها خير قيام.

ثالثًا: الشأن العالمي

- وقع خبر المجزرة التي ارتكبها شاب نرويجي أصولي مسيحي متطرف يكره الإسلام والمسلمين ويكره الأجانب بقتل ما يقرب من تسعين بريئًا من مواطنيه؛ لأنهم لا يرون رأيه، ولا يتطرفون تطرفه، وقع على نفوسنا وقع الصاعقة، فما الذي يدفع شابًّا في مقتبل العمر إلى أن يتحول إلى سفاح يقتل الآمنين، إنها عملية الشحن الطائفي والعنصري ضد الإسلام والأجانب، ولا ريب أن هذا الشحن يعتمد على تشويه صورة الإسلام وملء النفوس بكراهيته، وهذا عكس ما يدعيه الأوربيون من إيمانهم بالتعددية الفكرية والثقافية، ولو درسوا الإسلام دراسة منهجية محايدة لاحترموه– على الأقل– وأيقنوا مدى رقيه وعظمته، وحسبنا في هذا أنه أكثر الأديان اجتذابًا للناس في جميع أنحاء العالم، رغم أن أهله لا يمثلونه تمثيلاً صحيحًا.

وهنا عدة ملاحظات:

  • الأولى: أن أحدًا لم ينسب هذا العمل الإرهابي إلى المسيحية التي يدين بها هذا القاتل، رغم أنه أقر على نفسه بأنه مسيحي أصولي، في الوقت الذي ينسبون فيه أي عمل يقوم به أحد المسلمين المتطرفين ولو كان أقل من ذلك بكثير إلى الإسلام، والإسلام بريء دائمًا من الإرهاب وقتل الناس بغير حق.
  • الثانية: أن هناك أصواتًا في النرويج بدأت تطالب بعودة عقوبة الإعدام بعد إلغائها بزمن طويل، وهكذا يكتشفون أخيرًا أن حكم الله هو الحق والعدل، بعد أن انتقدونا طويلاً لتمسكنا به، وصدق الله العظيم؛ إذ يقول:(وَلَكُمْ فِي القَصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألباب لَعَلَّكُم تَتَّقُون(179)) (البقرة).
  • الثالثة: أن الإسلام هو دين السلام ودين التسامح ودين الحرية، فأولى بأهل الغرب أن يكفوا عن (الإسلاموفوبيا) وأن يكفوا عن التضييق على المسلمين في مساجدهم وفي لباسهم وفي حركتهم وحريتهم، وأن يستيقنوا أن شعار "صراع الحضارات" يجب أن يدفن، وأن يحل محله شعار "تعاون الحضارات".

المصدر