بصراحة.. هل في مصلحة الشعب الفلسطيني تحقيق ما يدعى "المصالحة"؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بصراحة.. هل في مصلحة الشعب الفلسطيني تحقيق ما يدعى "المصالحة"؟!
  • بقلم / بدر الدين حمدي مدوخ
المصالحة.jpg

قلما نجد كاتباً أو سياسياً إلا و ينادي بالمصالحة و إنهاء ما يسمى بالإنقسام ، وتوحيد الوطن الذي تم اختصاره بغزة و الضفة بما فيها جزء من القدس، أعني الشرقية! لكن لا أحد من هؤلاء يقدم برهاناً مقنعاً واحداً – في نظري – يدلل أن المصالحة - كما وردت في الورقة المصرية و كما يريدها العالم - فيها مصلحة للشعب الفلسطيني!

أذكر أني كتبت مقالاً سابقاً بعد عملية الحسم في غزة ، خلصت فيه إلى أن الوضع الفلسطيني آنذاك – وهو شبيه بالحال الآن- في أحسن أحواله ، وأذكر أني كتبت فيه و قلت أنه كان يراد من إدخال حماس للحلبة السياسية تطويعها لتصبح كغيرها من فصائل منظمة التحرير ، إما أن توقع على الاعتراف بدولة العدو كحركة فتح ، وإما أن ترفض لكن دون جدوى ، كحركات اليسار ، وكان يمكن أن يتحقق ذلك بأن تكون أغلبية مقاعد المجلس التشريعي للمنظمة بفصائلها، و يكفي حماس أقل من النصف فلا يؤثر اعتراضها لكن تكتب الأجيال أن المنظومة السياسية الفلسطينية وافقت على بيع فلسطين بوجود حماس ضمن هذه المنظومة. كما أذكر أني قلت إن وقف الانحدار أحياناً بحد ذاته إنجاز، وخصوصاً حينما يكون هناك تيار جارف يهدد الكل ، الوطن و الأرض و الإنسان و التاريخ و الفكر و الهوية و الثقافة و الذاكرة و العقل ،بل و الوجود!

أدرك تماماً أن حب الصلح فطرة فطر الله النفوس الصافية المؤمنة عليها ، وما كان لنبي أن يخوض معركة أو حرباً لو أن أعدائه لم يقفوا حائلاً بينه و بين دعوته من جهة و بين الناس من جهة أخرى ، وكذلك أتباعهم وعلى رأسهم الصحابة رضوان الله عليهم. كما أدرك بأن التاريخ و المنطق والواقع يفرض على كل شعب أن يتوحد ليحافظ على نفسه وعلى أرضه و على مكتسباته ، فما بالنا لو كان هذا الشعب يريد تحرير وطنه و إرجاع مقدساته و حقوقه ، فبالتأكيد تكون الوحدة آكد في حقه.

هذا الإدراك لا يمكن أن تكتمل صورته و لا أن يكون مجدياً دون التعريج على زوايا إدراكية أخرى أوجبتها العقيدة و التاريخ و التجربة و المنطق.

فمن هذه الزوايا الإدراكية ، أن الاختلافات بين شرائح المجتمع الواحد و بين قواه السياسية لتكون صحية يجب أن تكون اختلافات تنوع و تكامل لا اختلافات تضاد ، ولا تكون – هذه الاختلافات - قطعاً على الأسس و المبادئ و الثوابت ، بل تكون على الآليات ، وعلى قدرة كل طرف من أطراف العمل الاجتماعي أو السياسي من إقناع الجمهور بقدرته الحفاظ على مكتسباته و ثوابته و حقوقه. وهذا بدوره يعني أن الاختلاف و التناقض إن كان في الأسس و في الإستراتيجيات و على حساب الثوابت و المبادئ و صولاً للعقائد ، فإن الخروج منه لا يمكن إلا بتوحد الرؤى عند جميع مكونات المجموع الوطني على الأسس الوطنية الجامعة ، وما سوى ذلك غير مجدٍ، وربما ليس هنا الخطر ، بل الخطر حينما يراد من هذا الاختلاف أن تتآكل هذه الأسس و تلك الإستراتيجيات و المبادئ كشرط للتوحد و إنهاء الخلافات و الرجوع للوحدة. وهنا لا نتحدث عن مصالحة لأن المصالحة تتم بالوصول على قواسم مشتركة تجمع الأطراف دون المس بجوهر و لب الحقوق و خصوصاً إذا كانت هذه الحقوق مرتبطة بعقيدة الإنسان و إيمانه و أرضه. بل لا بد من القناعة التامة – وهذا أمر واجب شرعاً و تاريخاً و إدراكاً – أن أي مصالحة تقوم على الانتقاص من الحقوق التاريخية لأي شعب هي جريمة لا مصالحة وهي موت لهذا الشعب. فلا تصالح على حساب الحقوق و لا تصالح على حساب العقائد ، إنما التصالح يكون على حساب التمسك و الحفاظ على هذه الحقوق و تلك العقائد.

ولنكن أكثر وضوحاً ، فما هو المطروح عربياً و إقليمياً بخصوص المصالحة الفلسطينية؟ فهل تقوم مثلاً المصالحة في نظر هذه الأطراف جميعاً على التمسك بكل فلسطين؟ هل تقوم على تجريم التعاون مع العدو المحتل؟ هل تقوم على احترام إرادة الشعب فيمن يختار ليمثله؟ هل تقوم على احترام القانون و الدستور؟ هل تقوم هذه المصالحة على وجوب مقاومة المحتل ووجوب المحافظة على المقاومة و دعمها بكل السبل؟ هل تقوم المصالحة على محاربة الفساد و المفسدين؟ هل تقوم على إرجاع القضية الفلسطينية لعمقها العربي والإسلامي؟

ما من عاقل إلا و يجيب على هذه الأسئلة بالنفي، إذاً هذه ليست مصالحة بل انتكاسة هي أسوأ من هزيمة عامي 1948 و 1967 و أسوأ من انحدار اتفاقية أوسلو المشئومة ، لأن الصورة المصرية و العربية الحالية للمصالحة ومن خلفها الأوروبية و الأمريكية إنما تهدف لإنهاء القضية من جذورها ، والأخطر هو جر قوى الممانعة لمواقع الخنوع و الإستسلام ، حتى لا يبقى في الأمة من يطالب بحقوقها ، وهذا يهدف لتهويد العقلية الفلسطينية ومن ثم العربية ، فتصبح دولة العدو واقعاً في المنطقة و هذا ما يتطابق مع الهدف المرجو مما يدعى بالمبادرة العربية للسلام.

لكن هذا الإدراك يجرنا لسؤال آخر مهم ، ألا وهو : وماذا بعد؟ ما المخرج من هذه الأزمة؟ وهنا لا بد من التأكيد أن مفهوم الأزمة مختلف عند كل طرف من الأطراف و عند كل متسائل ، لكن هل في الحقيقة هناك أزمة؟ سؤال بحاجة إلى جواب لكن ليس بالسرعة و العفوية التي يتصورها الإنسان العادي ، لأن أي إنسان سيقول لنا هناك أزمة سياسية ، هناك أزمة اجتماعية ، هناك أزمة مالية ، وغيرها و هذا صحيح لكن الأصح و الأهم أن هناك أزمة فهم و أزمة منطق و أزمة ثقافة.

بالنسبة للبعد السياسي للأزمة كما يروج لها و يدعيها البعض: القدس تهود ، الناس يبعدون من الضفة لغزة و خارج الوطن ، المستوطنات تأكل الأرض ، الحواجز في الضفة ، الحصار في غزة ، العالم يقول أنتم منقسمون ، توحدوا لنعرف مع من نتحدث ، القنصل الأمريكي في القدس و الجنرال الأمريكي دايتون و المخابرات الصهيونية و الأمريكية تتحكم في الضفة ، حماس تقمع الناس في غزة ، حماس محاصرة في الضفة ، المقاومة غير موجودة كما يدعون لا في الضفة و لا في غزة ، غزة تعيش في بؤس بسبب الحصار ، و غيرها من مبررات الأزمة في عقول البعض! لكن السؤال البسيط البديهي هو: وهل هذه الأزمات و القضايا كانت غير موجودة قبل الحسم العسكري الذي قضى على محاولة انقلاب فتح على الحكومة الشرعية في غزة؟ هل قبل ذلك كانت القدس بعيدة عن التهويد؟ و هل كان الاستيطان متوقف؟ وهل غزة لم تكن محاصرة؟ وهل أعطانا العالم حقوقنا و أرجع لنا أرضنا حينما كانت منظمة التحرير تجول و تصول؟ هل كان الإبعاد متوقفا؟ الجواب طبعاً بالنفي و هو ما يضعنا أمام حقيقتين لا بد من التركيز عليهما لنستطيع معالجة الموضوع بشكل جيد:الحقيقة الأولى أن هذه الأزمات ليست وليدة ما يسمى الانقسام ، و الحقيقة الثانية أن إنهاء الوضع الراهن لن يحل أيا من هذه الهموم و القضايا ، و السبب: أننا أمام أزمة قناعات و رؤى و تصورات؟ نحن أمام أزمة فهم للحياة و التاريخ و الثقافة. كيف يمكن لمن يؤمن بما يسمى بالسلام كخيار استراتيجي ويرفض حتى مجرد التلويح بالمقاومة كحل بديل أو جزئي مع محتل ، كيف يمكن له أن يحل هذه القضايا؟ فما بالنا إذا كان لا يملك من أمره شيئا!

البعد السياسي للأزمة ليس في ما يروج له من نقاط سردناها ، بل البعد السياسي للأزمة في تباين الفهم لطبيعة الصراع عند التيارات الموجودة! تباين في فهم طبيعة المرحلة أهي مرحلة التحرير أم قيام الدولة؟ تباين في فهم الأولويات أهي لرغيف الخبز أم لحرية الفرد و الإنسان ؟ تباين في الفهم هل الراتب القادم من العدو الأوروبي و الأمريكي و الصهيوني أولى أم المحافظة على عزة و شرف و كبرياء الأمة؟ أزمة فهم هل المهم الدولة بأي شكل كانت أم الإنسان و الأرض؟ أزمة فهم في معنى التعايش مع المخالف؟ أزمة فهم في مفهوم الوطنية و العمالة؟

أما البعد الاجتماعي للأزمة كما يروج لها و يدعيها البعض: يقولون و يدعون الحمساوي لم يعد يزوج فتحاويا و العكس صحيح ، العائلات تنقسم في المآتم و الأفراح؟ الحقد انتشر بين أبناء العائلة الواحدة! الفقر و العتمة يلفان غزة فيزيدان ليلها حلكة ، الجيران يخشى كل واحد منهم وشاية الآخر ، وهكذا...

لكي أجيب على هذه النقاط و لنثبت أنها أزمة ثقافة و فهم و تحديد أولويات ، أود أن أرجع بالقارئ للسنوات التي سبقت انتفاضة الأقصى! لماذا حينما كان أبناء حماس تمتلئ بهم سجون السلطة لم نكن نسمع عن مثل هذه الأزمات؟ الجواب يكمن في طبيعة تثقيف كل فصيل لأبنائه! بل إن أبناء حماس كانوا وبرغم جراحاتهم النفسية و الجسدية ، كانوا يوجهون سهامهم للمحتل ، فأشعلوا انتفاضة الأقصى و لم ينتقموا من أبناء جلدتهم و لا ممن عذبهم ، و هذا ما فعله إخوان مصر فعفوا و صفحوا لأن هدفهم و غايتهم جسدها الشيخ أحمد ياسين بقوله: أملي أن يرضى الله عني. إذاً هذه المزاعم مفتعلة ، ولم نسمع في أحداث عامي 2006 و 2007 أن أخاً اعتدى على أخيه لأنه من فصيل آخر أو أن أحداً طلق أخته لأن زوجها من الفصيل الآخر! إذاً هي أماني. كل يوم نشارك في أعراس و أتراح في غزة و نرى الجميع مشتركا في تقبل التهاني أو التعازي. إذاً هي أزمة ثقافة و تخيلات. و هي نفس الأزمة التي لم يستوعب أصحابها أنهم أصبحوا في الصف الثاني سياسياً بعد أكثر من أربعة عقود وهم يحتلون الصف الأول عنوة أو تفويضا. إذاً هناك من يوجه أبناءه أن صراعنا مع المحتل، وهناك من يوجههم أن صراعه مع أخيه و يمكن له التنسيق مع المحتل لقتل أخيه!

قال لي أحد المحسوبين على حركة حماس ، إن المصالحة ستمنع حرباً أهلية قد تقع! قلت له العكس هو الصحيح ، إن المصالحة بهذه البنود قد تنشئ حرباً أهلية ، حينما يعود الهاربون من غزة بأسلحتهم و الحقد يملأ قلوبهم ، و أزمة الفهم الصحيح تطغى عليهم. وثقافة الجنرال دايتون تملأ قلوبهم. وفي المقابل سنجد أن من أبناء حماس من لا يستطيع أن يصبر على رؤية قاتل أخيه أو صديقه أو قريبه يمشي أمامه ، و لا ننسى أن عبدالله بن عبدالله بن أبي ابن سلول وهو صحابي جليل حينما ظن أن رسول الله قد يقتل أباه لبذاءته بحق رسول الله ، قال يا رسول الله إن كنت تريد قتل والدي فدعني اقتله لأني لا أريد أن أرى قاتل والدي فأقتل مسلماُ بكافر فأدخل النار، فإذا كان هذا أحد صحابة رسول الله فما بال المتأخرين من المسلمين!

إن الذي يمنع و منع حدوث حرب أهلية هي قوة الحق الذي امتلكها و ما زال يمتلكها المتنفذون على أرض غزة ، و كذلك ضعف شوكة الطرف الآخر.

لكن حقيقة أن البعد الذي يعاني من أزمة هو البعد الجهادي و المقاوم! و هنا نتكلم عن أزمة في الضفة و أخرى في غزة. أزمة الضفة في هذا البعد أزمة منهج أسقط المقاومة من حساباته، فكان لا بد من محاربتها و هي أزمة رؤية وفهم. أما أزمة غزة فهي أزمة فهم لكن بطريقة معاكسة! و هذه الأزمة أظهرت اضمحلال الفهم و قصوره عند بعض العقول ، فانحصرت المقاومة في ضرب الصواريخ! أما الاستعداد للمعركة و التصدي لهجمات العدو و النيل منه لم يعد مقاومة في نظر البعض.

بالرغم من كل ما سبق فهل توقيع المصالحة كما هي معروضة الآن ستنهي أزمة الجهاد و المقاومة أم ستفاقمها؟

إذاً ما الحل؟ ما العلاج؟ أنبقى هكذا؟

هذا سؤال غير بريء! الحل يجب أن يأتي ممن افتعل الأزمة و خطط للانقلاب على الحكومة العاشرة. الحل يكمن في الصراحة.

الصراحة تقول إننا لسنا منقسمين بالمفهوم الذي يروجه البعض ، لأنه لا يمكن أن نقول أن صلاح الدين الأيوبي و هو يقاتل أمراء بعض ولايات الشام التي كانت توالي الصليبين ، لا يمكن القول أنها كانت فترة انقسام! كما لا يمكن لأحد أن يقول أن الفرنسيين كانوا في حالة انقسام حينما كان الشعب الفرنسي يقاوم النازيين ، بينما جزء متهالك منهم بقيادة فوشي يحكم فرنسا بحماية المحتل النازي!

الغريب أن الكثيرين ممن يتناولون الوضع الفلسطيني ، يتناولونه و كأن أذهانهم منبتة عن تاريخ الأمم و الشعوب و الثورات. نحن لسناً بدعاً من التاريخ و لسنا استثناءً.

على قوى المقاومة و على رأسها حماس أن تقول للورقة المصرية و لأي شيء ينتقص من الحقوق و الثوابت لا بملء فيها ، و أن لا تنجر للطرف الآخر ، لأن سنن التاريخ و الشعوب و الكون ستسير علينا كما سارت على غيرنا ، ونتيجة هذه السنن حتماً أن المقاومة ستنتصر و أن العمالة ستندحر ربما بخيول العدو نفسه - كما حصل مع ابن العلقمي - قبل اندحارها بخيول الثوار و المجاهدين.. هذه هي الصراحة و ما دونها ضبابية و غشاوة.