باكستان في 5 سنوات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


باكستان في 5 سنوات

بقلم / الأستاذ صالح عشماوي

خريطة باكستان

باكستان، أو الدولة المستقلة التي تضم مسلمي الهند، كانت فكرة تدور في بعض الرؤوس، وحلما جميلا يتراءى لبعض النفوس، وأنشودة رائعة يترنم بها "إقبال" شاعر الهند العظيم في أشعاره وقصائده، ودعوة كريمة يهتف بها القائد الأعظم "محمد جناح" في خطبه ومقالاته.

وفي ليلة القدر، ومنذ خمس سنوات، تحقق الحلم الجميل، وأصبحت الفكرة حقيقة ملموسة وتحولت الدعوة الكريمة إلى دولة عظيمة، وقامت باكستان دولة مستقلة ذات سيادة، باسم الله وعلى أساس تعاليم القرآن، فكانت هدية السماء إلى المسلمين في هذا العصر. وقد صرح مؤسس باكستان وباني كيانها المرحوم القائد الأعظم في هذه المناسبة التاريخية بقوله "إن ما ناضلنا في سبيله خلال السنوات العشر الماضية – ألا وهو تأسيس الباكستان قد أصبح اليوم بفضل الله حقيقة واقعة. فلقد كان الغرض من تأسيس الباكستان هو إيجاد وطن نستطيع أن نعيش فيه ونتقدم حسب ثقافتنا وميولنا وطن تسود فيه مبادئ العدل الاجتماعي الإسلامي.

ولقد شاهدت باكستان بعد مولدها بأيام، وكانت يومها تسبح في بحر من العرق والدموع والدماء، فما كاد تقسيم الهند يتم بين باكستان وهندستان حتى شن السيخ والهندوس هجومهم الوحشي على المسلمين في المقاطعات الواقعة تحت حكمهم، وسقط ما يقرب من مليون بين قتيل وجريح وفر بدينه، مجردا من متاعه وماله إلى الدولة المسلمة والأرض الطاهرة، إلى باكستان نحو سبعة ملايين من اللاجئين.

وكانت باكستان وليدة جديدة في مهدها، وكانت حديثة في كل شيء، ليس فيها مبان للأهالي ولا للمواطنين ولا للمصالح الحكومية، وكانت المصالح الحكومية في مبانيها المؤقتة ليس فيها مكاتب ولا أثاث، وكانت المكاتب خالية من كل شيء حتى من الأدوات الكتابية، وفي هذا الوقت، وقبل أن يشتد ساعد الباكستان وتقف على قدميها، تدهمها هذه الكارثة التي تدك الجبال وتزلزل الدولة الراسخة البنيان. لقد كان أصبع الاستعمار البريطاني من وراء هذه الفتنة، وكان أشد الناس تفاؤلا لا يستطيع أن يؤمل أن باكستان ستعيش فضلا عن أنها ستنمو وتزدهر، ولكن.. كانت عين الله ترعاها، وعناية الله تحفها، وروح الله تنفخ فيها وتسدد خطاها. ونهضت باكستان من عثرتها، وقامت على قدميها، وقامت تسير قدما نحو المجد والرقي والكمال.

الأستاذ صالح عشماوي فى باكستان

ومرة أخرى أسعدني الحظ بزيارة باكستان في عام 1948، فوجدت باكستان قد ضمدت جراحها، وكفكفت دموعها ومسحت عرقها، وحلت أكبر مشكلة وهي إيواء سبعة ملايين من المهاجرين وفرت لهم المأوى والملبس والطعام والعمل والإنتاج. وقد راعني من باكستان كيف نهضت وأدهشني كيف تخطت الأشواك وزللت العقبات، وبنت نفسها في سرعة وإتقان.

واليوم تحتفل باكستان بعيد ميلادها ولما يمض على مولدها غير خمس سنوات، فنراها دولة عظيمة ملء السمع والبصر، قد أخذت مكانها تحت الشمس كأكبر دولة إسلامية وخامس دولة في العالم من حيث الرقعة وعدد السكان.

ويرى القراء في هذا العدد – الذي نقدمه هدية متواضعة للباكستان في عيد ميلادها – مظاهر التقدم والرقي وآثار الوثبة الجبارة والنهضة الكبرى للدولة الإسلامية الفتية.

ولقد برت باكستان بعهدها، ووفت بوعدها، فقامت منذ أول يوم على أساس الإسلام وعلى قواعد الدين الحنيف. ووقف المرحوم الشهيد لياقت علي خان، رئيس الوزراء يقدم أهداف الدستور الباكستاني في البرلمان فيقول "لما كان سبحانه وتعالى الملك كله قرر المجلس التأسيسي الذي يمثل شعب الباكستان أن يضع دستورا تمارس الدولة به وظائفها وفقا لمبادئ الديموقراطية والحرية والمساواة في الكتاب الكريم والسنة".

وكذلك حاربت باكستان في بلادها الجهل والأمية، ونشرت المعاهد والمدارس والمستشفيات، أما الناحية التجارية والمالية فقد رسخت رسوخا تاما، كما تمكن رجال الصناعة من إنشاء كثير من المصانع، وتتجلى متانة الوضع الاقتصادي في الباكستان في ميزانية الحكومة. فقد نجحت الحكومة في تقديم خمس ميزانيات ذات وفر خصصت فيها اعتمادات كبيرة لتحسين الزراعة والنهوض بالصناعة وإرسال البعوث العلمية إلى الخارج، ونشر التعليم بين طبقات الشعب، ورفع مستوى الطبقات المتأخرة ورفع رواتب ذوي الماهيات الصغيرة.

أما في السياسة الخارجية فقد وقفت باكستان بجانب الدول العربية والإسلامية ودافعت عن كل قضية من قضاياها، فدافعت عن قضية فلسطين الشهيدة كما دافعت عن قضية ليبيا حتى فازت باستقلالها وكذلك نصرت قضية إندونيسيا ومصر ومراكش وتونس، وبالرغم مما قوبلت به باكستان من جحود وجفاء البلاد العربية، سارت في خطتها قدما مؤيدة لكل قضية عربية، ذلك لأنها تفعل ذلك – لا جريا على سياسة تبادل المنافع – وإنما قياما بواجب الأخوة الإسلامية، وانبعاثا عن فهم صحيح للإسلام وتعاليم القرآن. هذه هي باكستان ظلت ستظل دائما إن شاء الله وفية للمبادئ السامية والرسالة الخالدة التي اضطلعت بها وتتلخص في خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان، هذه هي باكستان قد وقفت على قدميها كالعملاق الجبار واستوى زرعها واستغلظ، يعجب الزراع ويغيظ الكفار، هذه هي باكستان الدولة الإسلامية الفتية نقدمها اليوم لقرائنا الأعزاء، أصدق تهنئة وأطيب التمنيات، كتب الله لها العزة والسعادة والرخاء وجزاها عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء.


المصدر : الدعوة – العدد (78) – 21ذو القعدة 1371هـ / 12أغسطس 1952م.

موضوعات ذات صلة