انتفاضة الأقصى طريق الانتصار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


انتفاضة الأقصى طريق الانتصار

انتفاضة الأقصى

- معاريف الصهيونية: الاستشهادي تحول إلى سلاح إستراتيجي ومكافحته وجود.

- آفي ديختر: خسائرنا منذ بدء الانتفاضة تخطَّت كل خسائر الـ53 عامًا الماضية.

- شركة إيغد الصهيونية للنقل خسرت 200 مليون دولار خلال الانتفاضة.

تقرير: رجب الباسل

عام خامس جديد تدخله انتفاضة الأقصى التي اندلعت مع صبيحة يوم الخميس 28 سبتمبر، عندما قام السفاح الصهيونى أرييل شارون بتدنيس المسجد الأقصى في حراسة 3 آلاف جندى صهيوني، ولم يكن شارون حينئذٍ قد تولَّى رئاسة الوزراء بعدُ.. لقد مرت السنوات الأربع ولم يعتقد أحد أن الانتفاضة التي اندلعت دفاعًا عن الأقصى- ومنه استمدت اسمها- ستستمر أكثر من عدة أيام ولن تتعدى رد الفعل العاطفي والوقتي، ولكن أبناء الأقصى كان لهم رأي آخر، وامتلكوا العزيمة والخبرة التي جعلت انتفاضتَهم تستمر 1360 يومًا، ولا زالت مستمرةً، رغم محاولات التطويق والانقضاض على مكتسباتها من أطراف عدة داخلية وإقليمية ودولية، وبالطبع في المقام الأول صهيونية.

انتصار الاستمرار

فاستمرار الانتفاضة حتى الآن يعدُّ أول- إن لم يكن أهم- انتصاراتها، خاصةً في ظل التحديات والمعوقات التي واجهتها، فبعد أشهر قليلة من اندلاعها وصل السفاح أرييل شارون إلى رئاسة وزراء الكيان الصهيوني بشعار محدد، وهو (100 يوم للقضاء على الانتفاضة)، ومرَّ أكثر من ألف يوم منذ وصوله للسلطة وما زالت الانتفاضة مستمرةً، رغم أن شارون لم يدع وسيلةً ولا جريمةً إلا وارتكبها بحق الشعب الفلسطيني لتحقيق هدفه..!! يقول أحد الكتَّاب الصهاينة- في مقال له، نُشر بعد نجاح شارون بعدة أشهر- "إن استمرار الانتفاضة في حد ذاته انتصارٌ للفلسطينيين، فالانتفاضة أشبه بمباراة ملاكمة بين ملاكم من الوزن الثقيل- الصهاينة- وآخر من وزن الريشة- الفلسطينيون- وكلما ازدادت عدة جولات المباراة اعتُبر الأخير- الفلسطينيون- منتصرًا؛ لأن الطبيعي أن تنتهي المباراة غير المتكافئة بالضربة القاضية للطرف الأول".

ثم جاءت محطة تفجيرات سبتمبر 2001 م التي أكد البعض أن الانتفاضة سوف تتوقف، سواء رضي الفلسطينيون أم رفضوا بعد أن ارتفعت الأصوات بوقفها؛ حتى لا يتم الربط بينها وبين الإرهاب، واستمرت الانتفاضة، وكان ذلك انتصارًا لها أيضًا في ظل اختلاف وتعقُّد الظرف الدولي والإقليمي، وتحول الدعم الأمريكي للاحتلال الصهيوني إلى دعم سافر، وانتهى عصر الحياد الأمريكي الخادع.

استمرت انتفاضة الأقصى أيضًا، رغم التوسع الصهيوني في سياسة الاغتيالات التي طالت رموز وقادة الانتفاضة السياسيين والدينيين، وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والمهندس إسماعيل أبو شنب ، والشيخ جمال منصور ، والشيخ صلاح شحادة ، و أبو على مصطفى، وغيرهم، رغم أن شارون أعلنها صراحةً أن اغتيال قادة الانتفاضة سيقضي عليها، وثبت خطأ ظنه، وفشلت حساباته مرةً أخرى.

انتصارات شاملة

وإن كان استمرار الانتفاضة في حد ذاته انتصارًا لها إلا أن مسيرتَها لا تخلو من انتصارات محقَّقة على أرض الواقع، شملت الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواءٌ كانت بالسلب على الجانب الصهيوني أو بالإيجاب على الجانب الفلسطيني.. فالجانب الأمني- سواء للمغتصبين أو الجنود الصهاينة- تراجعت معدلاتُه بصورة كبيرة، ونجحت المقاومة حتى الآن في تثبيت مبدأ "توازن الرعب"، وإن كانت لم تصل إلى "توازن الردع "إلا أن ذلك من الناحية الواقعية ليس مطلوبًا منها، وإن كان البعض يخلط بين المصطلحَين وبين المطمَحَين في آنٍ واحد، وفي ذلك ظلمٌ للمقاومة وتكليفها أكبر من طاقتها.

فالدول العربية- مجتمعة- لم تحقق حتى الآن توازنَ الردع مع الصهاينة الذين تقوم إستراتيجية تسليحها على التفوق على الدول العربية، بل إن التقرير الإستراتيجي العربي للعام 2002 م أكد أن الإستراتيجية الصهيونية توسعت لتتفوق على العالم الإسلامي كله باعتبار أن الإستراتيجية الصهيونية حاليًا تَعتبر أن العالم الإسلاميًَّ كلَّه- وليس العربى فقط- دائرةُ عداء واستهداف.

الجانب الأمني

أما توازن الرعب الذي نجحت فيه المقاومة حتى الآن فيتمثل في إحداث رعب نفسي لدى الصهاينة من المقاومة ، مماثل للرعب الذي فرضه الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل، ورغم ضخامة الهدف إلا أن المقاومة - عبر عملياتها الاستشهادية في العمق الصهيوني، وصواريخها محلية الصنع الموجهة للمغتصبات الصهيونية في فلسطين المحتلة عام 1967 م أو جنوب فلسطين المحتلة عام 1948 م- نجحت في تحقيق ذلك الهدف.

فمعدلات الهروب من الجيش الصهيوني أو التهرُّب من الخدمة وصلت- طبقًا لنائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الصهيوني "غابي أشكنازي"، في جلسة برلمانية يوم 13/7/2004 م- إلى أن30% من الفتيات الصهيونيات, و38% من الفتية الصهاينة يرفضون التجنيد في جيش الاحتلال سنويًّا.

وتقول صحيفة (معاريف) الصهيونية إن "العمليات الاستشهادية أوجعت إسرائيل أكثرَ من 7 جيوش عربية بأسلحتها الجوية والمدفعية والمدرعات"، وقالت الصحيفة: "خلال الأعوام الأربعة الأخيرة أصيب (إسرائيليون) أكثر مما أصيب خلال الـ52 عامًا منذ تأسيس الدولة.. هذا العدد مُذهل حسب كافة الآراء.. الانتحاريون- الاستشهاديون- نجحوا أكثر مما نجحت فيه سبعة جيوش عربية بأسلحتها الجوية والمدفعية والمدرعات، خلال خمس حروب مضت".

وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع في الكيان "أصبح اليوم أكثر خطورةً بالنسبة للمواطنين، قياسًا بوضعية عناصر قوات الأمن.. الانتحاري- الاستشهادى- الفلسطيني تحول إلى سلاح إستراتيجي؛ ولذلك أصبحت مكافحته صراعًا وجوديًّا"، كما قال.

صواريخ القسام ترهب الصهاينة

بينما يرى المحلل العسكري الصهيوني أليكس فيشمان أن صاروخ القسام أصبح هو الآخر خطرًا إستراتيجيًّا، فيقول: "على الجهات الأمنية الإسرائيلية أن تشعر بشعور السباق مع الزمن؛ لأن قواعد اللعبة تتغير بصورة سريعة"، مضيفًا أن "عدونا الأهم الآن وطوال عدة سنوات قادمة هو صاروخ القسام وليس صاروخ شهاب (الإيراني)"..!! بل وصل الأمر إلى أن الكنيست الصهيوني أصبح لا يثِق في قدرة الأمن الصهيوني على حمايته، ليس من الاستشهاديين ولكن هذه المرة من صواريخ القسام.. فقد ذكرت صحيفة (يدويعوت أحرونوت) الصهيونية- في عددها الصادر يوم 14/7/2004 م- "أنه في أعقاب هذه التهديدات- المقاومة باستئناف عملياتها داخل الخط الأخضر- تدرس الأجهزة الأمنية استبدال سقف مبنى الكنيست لجعله منيعًا أكثر أمام هجوم جوي أو أمام عملية إطلاق نار، وتقوية أساسات المبنى".

أما آفي ديختر- رئيس جهاز ما يسمى بـ"الأمن الداخلي الصهيوني"- فقد أكد في اجتماع وزاري رسميٍّ أن "حجم الخسائر الصهيونية منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية- بما في ذلك حوادث القتل والإصابة- قد تخطت العدد الإجمالي للخسائر الناجمة عن هجمات أسماها بـ"إرهابية" ضد "إسرائيل" خلال الثلاثة والخمسين عامًا الماضية"، وبحسب ما ذكرته صحيفة (هاآرتس) الصهيونية فإن ديختر قد أوضح أنه خلال السنوات الأربع الماضية قد خسرت "إسرائيل" 11.356 ما بين قتيل ومصاب، مقارنةً بـ4.319 بين نوفمبر 1947 م- عندما صوتت الأمم المتحدة على تأسيس الدولة العبرية - وعام 2000 م.

هذه الخسائر على الجانب الأمني دفعت كاتبًا صهيونيًّا آخر وهو شلومو غازيت يكتب مقالاً بعنوان "رشَح أم التهاب رئوي"، يصف فيه الخروج من غزة مجرد رشح- زكام- بسيط.. أما الاستمرار فيها فهو بمثابة الالتهاب الرئوي الذي من الممكن أن يقضي على الكيان.

خسائر اقتصادية

وهي متعلقة بالشق الأمني مباشرةً أو ناجمة عن عمليات المقاومة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فميزانية الأمن في تزايد، وكذا تكلفة حالة التعبئة المعلَنة منذ اندلاع الانتفاضة، وبناء الجدار العنصري- إضافةً للخسائر الأخرى الناجمة عن عمليات المقاومة، مثل ارتفاع البطالة، والركود، وانخفاض الدخل القومي، وارتفاع معدلات الفقر، وانهيار قطاع السياحة، وتراجع الاستثمارات.

فقد ذكر تقرير بثته قناة (الجزيرة) الفضائية أن معدلات البطالة أخذت منحنًى صعوديًّا لتقترب من 11% مع نهاية العام الماضي 2003 م، وهو أعلى معدل منذ عشر سنوات, كما أن قطاع السياحة تكبَّد خسائر كبيرةً؛ حيث تراجع عدد السائحين بمقدار يقارب 3 ملايين سائح العام الماضي؛ لترتفع خسائر الكيان الصهيوني من السياحة- فقط- على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى حوالي10 مليارات دولار.

وفى قطاع النقل وحده أكدت شركة "إيغد" الصهيونية لنقل الركاب أن إجمالي خسائرها بسبب العمليات الاستشهادية بلغت 200 مليار دولار، وطبقًا لمدير قسم التسويق في الشركة "رون ريتنر" فإن الخسائر المباشرة بلغت 44 مليون دولار؛ نتيجة انخفاض عدد المسافرين في المواصلات العامة على خلفية العمليات الاستشهادية، التي استهدفت الحافلات، إضافةً إلى ازدياد مصروفات التدابير الأمنية المتَّخَذة في المواصلات العامة".

هذا التراجع الاقتصادى البيِّن دفَع وزير المالية الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى إعلان "خطة للتقشُّف "لمواجهة الآثار السلبية للانتفاضة، كان من قراراتها استقطاع ما يعادل مليار يورو من الضمان الاجتماعي وتخفيض مستحقَّات المعاش الشهرية لكبار السن.

الجانب الاجتماعي

وعلى الجانب الاجتماعي فقد الصهاينة أهم قيمة في حياتهم وهي الآمن، إضافةً إلى ارتفاع معدلات الإحباط والانتحار منذ اندلاع الانتفاضة.. إضافةً إلى الانخفاض الشديد في معدلات الهجرة إلى الكيان وارتفاع معدلات الهجرة العكسية.

ففي العام الأول للانتفاضة- طبقًا لصحيفة (يديعوت أحرونوت)- بلغ عدد الصهاينة، الذين "تقدموا بطلبات عن طريق مكتب الهجرة الأمريكي10 أضعاف نظرائهم في الفترة المماثلة من العام السابق لاندلاعها"، كما أن معدل الهجرة إلى الكيان الصهيوني- خلال العام الأول أيضًا- شهد انخفاضًا نسبته 20% عن العام السابق.. لقد أفشلت انتفاضة الأقصى أكبرَ مخطط صهيوني لاستقبال مليون مهاجر خلال خمس سنوات (2000 م- 2005 م)، طبقًا لما أعلنه "شارون" عام 2000 م، وهو ما لم يتحقق بفضل انتفاضة الأقصى.

لقد أصبح عدد الشهداء الفلسطينيين إلى القتلى الصهاينة 1: 3 على أقصى تقدير 2965 شهيدًا فلسطينيًّا مقابل أكثر من 1016 قتيلاً صهيونيًّا على أقل تقدير حتى أول سبتمبر 2004 م؛ وهو رقم لم تصل إليه أي حركة مقاومة في العالم من قبل.

رؤية مستقبلية

انتصارات الانتفاضة تلك لا تعني أن الشعب الفلسطيني لا يعاني من جرائم الاحتلال، ولا تعني أنه لم يخسر اقتصاديًّا وبشريًّا، ولكن هذه الخسائر في إطار حسابات أي مقاومة شرعية للاحتلال تصبح طبيعيةً، فللحرية ثمنُها كما أن للاحتلال ثمنَه.. لقد قدرت سلطة النقد الفلسطينية خسائر الاقتصاد الفلسطيني منذ اندلاع انتفاضة الأقصى بحوالي 7.33 مليار دولار، منها خسائر مباشرة تقدَّر بنحو 4,308 مليار دولار وخسائر غير مباشرة تقدَّر بنحو 3,020 مليار دولار.

كما ارتفعت- خلال الفترة نفسها- أرقام البطالة ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة، وأصبح أكثر من ثلثي الأسر الفلسطينية يعيش تحت خط الفقر.. هذه الخسائر ليس من المؤكد أنها ناتجةٌ عن عمليات المقاومة وحدها، ولكن ما هو مؤكَّد أن الفساد في السلطة وانخفاض التحويلات الفلسطينية من الخارج- على أهميتها القصوى- وضرب العمل الخيري الفلسطيني والإسلامي كانت أسبابًا رئيسيةً في ذلك الوضع.

إن محاسبة الانتفاضة ليس فيما حققته من إنجازات، فليس خطأ الفلسطينيين أنهم اختاروا المقاومة سبيلاً لنيل الحقوق، ولكنَّ الحساب لمن أعاق الانتفاضة و المقاومة ، وقبل أن نسأل المقاومةَ المحاصرة ماذا حقَّقت- وهي حققت الكثير- يجب أن نسأل انفسنا، وكل صاحب مسئولية، ماذا قدمنا نحن للشعب الفلسطيني الأعزل، الذي يواجه حربَ إبادة وحيدًا معزولاً؛ ثمنًا للدفاع عن حريته وعن الأمن العربي والمقدسات الإسلامية.

لا أحد ينكر أن الانتفاضة الأولى منعت الكيان الصهيوني من التمدد خارجيًّا لأول مرة منذ زرعه في المنطقة، كما أن انتفاضة الأقصى أذاقت الصهاينة هزيمةً لم يذوقوها منذ حرب العاشر من رمضان، ورعبًا لم يُعايشوه منذ أن وُجد الكيان؛ وأصبح الصهاينة- لأول مرة- يديرون حربًا مسرحُها الأرض التي يعيشون فيها أو قريبًا منها، بينما كانت كل حروبهم السابقة على أرض الآخرين.

المصدر : إخوان أون لاين