الوجود القانوني للإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.


الوجود القانوني للإخوان المسلمين

دراسة تاريخية قانونية

تيار سلمي يعمل بالطرق السلمية

تتعرض جماعة الإخوان المسلمين على فترات متقاربة لحملات ظالمة لتشويه صورتها، ومحاولة صرف الناس عنها لدرجة أن ينفي فريقٌ من هؤلاء وجودها؛ فيقول حين يسأل عنها نافيًا وجودها: «مفيش حاجة اسمها إخوان مسلمين»، وهو في هذا يناقض نفسه حين يتهمها مرة بأنها أساس الإرهاب، ومرة أخرى يقول: «إنها تيار سلمي يعمل بالطرق السلمية»؛ فإن كانت جماعة الإخوان غير موجودة، فكيف توصف بتلك الأوصاف؟ وهذا الفريق لا يستحق الرد عليه؛ فهو كمن ينكر وجود الشمس وقت الظهيرة.

قد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ

ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماءِ مِنْ سَقَمٍ

وهناك فريق آخر لا ينكر الوجود الفعلي، ولكنه ينكر الوجود الشرعي للإخوان، وهذه المشروعية حقيقة لا تنكر، ويتراوح ردُّ الإخوان على هؤلاء مستندين إما للمفهوم الإسلامي للمشروعية، أو للمفهوم السياسي لها، ويبيِّنون من خلالهما مدى ما يتمتع به الإخوان من مشروعية.

أما عن الوجود الشرعي للإخوان بالمفهوم القانوني، أي: وجود الإخوان كجماعة معترف بها قانونًا؛ فلا يتحدث عنه إلا القليل، وهو موضوع دراستنا تلك التي نحاول فيها من خلال الدراسة التاريخية والقانونية الإجابة على سؤال: (هل جماعة الإخوان موجودة قانونًا أم أنها جماعة محظورة تمَّ حلها وفقًا للقانون؟).

لمحة تاريخية:

الجمعية بمعناها العام هي اتفاق بين شخصين أو أكثر للتعاون على تحقيق غرض ما، ولما كان هذا التعريف من العموم بحيث يشمل الشركات والجمعيات وضع الربح كضابط يفرق بين الجمعيات والشركات، فإذا كان الغرض الأساسي من اتفاق الأشخاص هو تحقيق الربح المادي؛ فنحن بصدد شركة، أما إن كان الغرض الأساسي أي شيء غير الربح المادي؛ فهي جمعية، وإنْ تحقق بعض الربح المادي عند ممارسة الجمعية لأنشطتها، وعلى ذلك فإن الجمعية بمعناها الفني لا تكون إلا عندما لا يكون الغرض الأساسي منها الربح المادي.

وقبل صدور قوانين تنظم عمل الجمعيات ترددت المحاكم في مواقفها من الجمعيات ذات النفع العام؛ فبعض الأحكام اعترفت لها بالشخصية المعنوية، وبعضها لم يعترف بالشخصية المعنوية، ولكنها في كلِّ الأحوال كانت تعترف بوجود هذه الجمعية، وغاية الأمر أنه لا يعترف لها بحقوق ولا التزامات تجاه الغير، أو أن يتصرف باسمها ممثل عنها، وكانت المحاكم تعترف بالشخصية المعنوية لشركات الأموال فقط، وفي 27يناير عام 1925م قضت محكمة الموسكي بأن الجمعيات ليس لها مبدئيًا وجود قانوني؛ لأن الأصل هو أن الأشخاص الحقيقيين هم الذين يكونون أصحاب حقوق؛ فالجمعيات التي هي هيئات غير حقيقية -أي: غير مادية- لا يكون لها وجود قانوني إلا إذا كان القانون قد منحها الشخصية الاعتبارية( ).

وكانت تلك القضية قد نظرت أمام القضاء عندما استأجر النادي السعدي «حزب الوفد» مبنى من وزارة المالية، وهو في الحكم، وقام بتوقيع العقد نيابة عن الحزب فتح الله بركات باشا، ولما تغيرت الحكومة أرسل وزير المالية الجديد خطابًا للحزب يعتبر فيه أن العقد لاغٍ، وأصدر أمره بالاستيلاء عليه، وقد استأنف فتح الله بركات باشا الحكم بصفته وكيلاً للحزب وأمينًا لصندوقه، فقضت محكمة مصر الابتدائية في 25مايو 1925م بإلغاء الحكم السابق، واستندت في ذلك إلى أن النادي السعدي في تكوين يجعله في عداد الجمعيات التي لا تسعى للربح، وأن الدستور المصري في المادة (21) يقرر حق المصريين في تكوين الجمعيات وفقًا للقانون، إلا أنه لم يصدر قانونًا ينظِّم عمل الجمعيات، ويبيِّن كيفية استعمال هذا الحقِّ، فيجب الاعتراف لتلك الجمعيات بالشخصية المعنوية التي لا غنى عنها للقيام بأعمالها الضرورية لكيانها ما دامت قد تكوَّنت لغرض مباح، وبنظام يجعل لها ذاتية مستقلة عن ذاتية الأعضاء المكونين لها( ).

تأسيس الإخوان المسلمين:

الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعةالإخوان المسلمين

وفي ظلِّ الأوضاع السالف ذكرها تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مارس عام 1928، وعملت حتى مايو 1929م كجمعية غير مسجلة رسميًّا، ولما احتاجت الجمعية لإنشاء مقر لها ومسجد ومدرسة لتمارس أنشطتها تمَّ تسجيل الجمعية في سجلات وزارة الداخلية؛ حيث كانت وزارة الداخلية هي الجهة المنوطة بها عمل الجمعيات، وذلك قبل إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية.

وكانت الجمعيات تميِّز نفسها عن الأحزاب بأن تذكر في قوانينها الداخلية أنها لا علاقة لها بالعمل السياسي، وعلى ذلك عندما صدر أول قانون للإخوان عام 1930م نصَّ فيه أن الجمعية لا تعمل بالسياسة، ولما عدل في عام 1932م نصَّ على نفس الأمر، وكان المقصود هو السياسة الحزبية، أو بمعنى أوضح أنها ليست حزبًا من الأحزاب السياسية، وقد وضح ذلك جليًّا في موقف لوزارة الداخلية من جمعية الشبان المسلمين التي نشطت مع الإخوان في بداية ثلاثينيات القرن الماضي في مساعدة الفلسطينيين في محنتهم؛ فقد تقدَّمت جمعية الشبان المسلمين لوزارة الداخلية لعمل بعض أنشطتها الخيرية، وكان في لجنة وزارة الداخلية التي تنظر في هذه الأمور عضو يهودي يدعى «هنري نوس»، وكان يشرف على جمعية الإسعاف وفروعها ويمثلها وأمثالها في اللجنة، واعترض ذلك العضو على هذا النشاط الخيري بزعم أن جمعية الشبان المسلمين لها أنشطة سياسية، واستدل على ذلك بتعرض الجمعية في جريدتها لشئون السياسة والحكم في مصر وأمثالها، وأبرز عددًا من جمعية الشبان المسلمين يثبت فيه ما يقول، وقد تابع ذلك العضو بعض الأعضاء المصريين، ولكن الدكتور «عبد الحميد سعيد» رئيس جمعية الشبان المسلمين تصدى لهم، وأوضح لهم أن السياسة التي يجب على المسلم الابتعاد عنها، ويجب على الجمعية الإسلامية ألا تخوض فيها هي السياسة الحزبية، وأن الإسلام لا يعرف التفريق بين الدين والسياسة( ).

ويبدو أن تلك الحوادث وهذا الفهم هو الذي دفع الإمام البنا عند إصدار قانون الإخوان في عام 1935م إلى استبعاد النص في قانون الجمعية ولائحتها الداخلية على عدم العمل في السياسة، وهو ما استمر الإخوان على العمل به بعد ذلك.

تنظيم القانون للجمعيات:

كان أول قانون يصدر وينظم حق تكوين الجمعيات هو القانون رقم(27)، والصادر في 5يوليو 1923م، وكان القانون خاصًّا بشركات التعاون الزراعي، والذي عدل بعد ذلك بقوانين أخرى، وهو خارج نطاق البحث.

أما أول قانون أثَّر على أنشطة الجمعيات فكان المرسوم بقانون رقم (17)، والصادر في 8مارس عام 1938م، والذي حلَّ جمعيات القمصان الزرقاء التي كوَّنها حزب الوفد اقتداءً بالنازيين في ألمانيا؛ لتأديب خصومه السياسيين، وكان يشرف عليها «محمود فهمي النقراشي باشا»، وكذلك القمصان الخضراء التابعة لجمعية مصر الفتاة، وقد قضت المادة الأولى من المرسوم بحظر الجمعيات أو الجماعات دائمة كانت أو مؤقتة، والتي يكون لها – سواء من حيث تأليفها أو عملها أو من حيث تدريب أعضائها أو نظامهم أو زيهم أو تجهيزهم – صورة التشكيلات شبه العسكرية خدمة لحزب، أو مذهب سياسي معين.

وفي المذكرة التفسيرية للمرسوم صرَّحت بأنه لا يندرج تحت هذا الوصف الجمعيات الرياضية، وجمعيات التربية البدنية، وهيئات الكشافة، بالرغم من ارتداء أعضائها لزي خاص أو حملهم لشعار معين( )، وبناءً على ذلك المرسوم بقانون حلت جماعات القمصان الزرقاء والخضراء، ولم يتم حل جوالة الإخوان المسلمين؛ لانضواء أنشطتها تحت لواء جمعية الكشافة، وليس لسبب آخر، كما ادَّعى البعض دون بينة، ولم تتأثر جماعة الإخوان المسلمين بذلك القانون.

وبعد إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية عام 1939م في وزارة «علي ماهر» أصبح الجزء الخيري من نشاط تلك الجمعيات يخضع للوزارة، وفي نهاية عهد وزارة الوفد التي أتى بها الإنجليز في 4فبراير 1942م، وتحديدًا في عام 1944م، فكرت تلك الوزارة في إصدار قانون للجمعيات؛ لتحد من نشاط الإخوان المسلمين، غير أن الوقت لم يسمح لها بإصدار ذلك القانون لإقالتها، وبعد استقرار الأمر للنقراشي بعد مقتل «أحمد ماهر» أصدرت حكومة النقراشي في 12يوليو عام 1945م القانون رقم (49) لسنة 1945م لتنظيم عمل البر بالجمعيات الخيرية، وقررت المادة الأولى من القانون أنه «تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر، سواء أكان ذلك عن طريق المعاونة المادية أم المعنوية، وتعد مؤسسة اجتماعية كل مؤسسة تنشأ بمال يجمع كله أو بعضه من الجمهور لمدة معينة وغير معينة، سواء أكانت هذه المؤسسة تقوم بأداء خدمة إنسانية دينية أو علمية أو فنية أو صناعية أو زراعية... أم بأي غرض آخر من أغراض البر أو النفع العام».

وقد أعطى القانون للجمعيات القائمة مهلة ثلاثة أشهر لتوفيق أوضاعها وفقًا للقانون، وإلا جاز لوزير الشئون الاجتماعية طلب حلها.

ولما كانت بعض أنشطة الإخوان تخضع لذلك القانون، كما أن بعض جمعيات الإخوان كانت تتلقى المساعدات من وزارة الشئون الاجتماعية، فقد دعا الإمام البنا الجمعية العمومية لهيئةالإخوان المسلمين للانعقاد، وأصدر قانونًا جديدًا للنظام الأساسي للإخوان المسلمين في 8سبتمبر 1945م، تمَّ فيه تعريف الإخوان المسلمين -لأول مرة في قانونهم- بأنهم هيئة إسلامية جامعة، تعمل لتحقيق أغراض علمية، وعملية، واقتصادية، واجتماعية، وخيرية، وكذلك أغراض قومية، وإنسانية عالمية.

وحدَّد أهداف وأغراض الجماعة؛ فكانت كالتالي( ):

البنا-وعلى-يمنيه-صالح-عشماوي-بهي-الخولي-د-كمال-خليفه-حسني-المليجي-عبد-الحفيظ-الصيفي-عبده-قاسم-وعن.jpg

أ- الغرض العلمي: وهو شرح دعوة القرآن الكريم شرحًا دقيقًا يوضحها، ويردها إلى فطريتها وشمولها، ويعرضها عرضًا يوافق روح العصر، ويرد عنها الأباطيل والشبهات.

ب- الغرض العملي: وهو جمع الأمة المصرية والأمم الإسلامية على هذه المبادئ القرآنية، وتجديد أثرها الكريم البالغ في نفوس أبنائها حتى تكون أمة قرآنية حقًّا، وتقريب وجهات النظر بين الفرق الإسلامية المختلفة.

ج- الغرض الاقتصادي: وهو تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها، والعمل على رفع مستوى المعيشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الأفراد والطبقات، والتأمين الاجتماعي لكلِّ مواطنٍ، وضمان تكافئ الفرص للجميع.

د- الغرض الاجتماعي الخيري: وهو المساهمة في الخدمة الاجتماعية الشعبية، ومكافحة الجهل، والمرض، والفقر، والرذيلة، وتشجيع أعمال البر والخير النافعة.

هـ- الغرض الوطني القومي: وهو العمل على تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعًا والوطن الإسلامي بكلِّ أجزائه من كلِّ سلطان أجنبي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كلِّ مكان على الوصول إلى حقِّها، وتأييد الوحدة العربية تأييدًا كاملاً، والسير إلى الجامعة الإسلامية سيرًا حثيثًا، ومناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظلِّ مُثل عليا فاضلة تصون الحريات، وتحفظ الحقوق، ويأخذ معها القوي بيد الضعيف حتى ينهض، وإقامة الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليًّا، وتحرسها في الداخل، وتبلغها في الخارج.

و- الغرض الإنساني العالمي: وهو المشاركة في بناء السلام العالمي والحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر المادة والروح، بتقديم مبادئ الإسلام العالمية -التي تعلن الأخوة، وترسم الطريق العملي للوصول إليها- للعالم المتعطش إلى حياة روحية فاضلة.

وقد حدث خلاف بين الحكومة والإخوان؛ فأغراض الإخوان أكبر بكثير من المسموح به في قانون الجمعيات، ورأت الوزارة أن تستفتي قلم قضايا الحكومة في صفة الإخوان المسلمين القانونية، وتكييف شخصيتهم المعنوية؛ فقرر قلم الحكومة في فتواه أن الإخوان المسلمين هيئة دينية اجتماعية سياسية، وأن قانون الجمعيات الخيرية لا ينطبق عليها؛ لأنه لا ينظِّم إلا نشاطًا واحدًا من أنشطة الإخوان، وهو البر والخدمة الاجتماعية.

وبناءً على ذلك نظَّم الإخوان نشاطهم في البر والخدمة الاجتماعية طبقًا لأحكام القانون، وسجلوا قسم البر والخدمة الاجتماعية كجمعية مستقلة إداريًّا عن الإخوان المسلمين، وأصبحت فروع ذلك القسم فروعًا للجمعية، كما سجلوا فرق كشافاتهم وجوالاتهم بجمعية الكشافة الأهلية، وطبقًا لأحكام قانونها، وكذلك سجلوا شركة المعاملات الإسلامية في المحكمة المختصة، وفي حدود قانون الشركات.

فأصبح للجماعة أربع كيانات قانونية: الأول هو النشاط السياسي والدعوي، وهو من الناحية القانونية يعتبر حزبًا من الأحزاب الموجودة، وتحكم مشروعية وجوده القانوني المادة (21) من دستور 1923م، كما كان هناك جمعية خيرية تخضع للقانون (49) لسنة 1945م، ونشاط الكشافة، وهو مسجل في الجمعية الأهلية للكشافة، ونشاط اقتصادي يتمثل في شركة المعاملات الإسلامية، وتخضع لقانون الشركات، ومسجلة في المحكمة المختصة بذلك( ).

وكانت تلك الكيانات الأربعة مستقلة عن بعضها من الناحية القانونية والإدارية، إلا أن الرابط بينها هو الرابط الحقيقي بين الإخوان المسلمين على مرِّ الزمن، وهو وحدة الهدف والدعوة والعمل للإسلام، والحب في الله، كما رسخت التربية التي يتلقاها الإخوان الأخوة الصادقة بين جميع أفرادهم؛ فكان الإخوان يشعرون بالتكامل بين تلك الكيانات لا التناقض، لذلك لم يظهر أي نوع من التفكك في صفوف الإخوان، رغم تعدد الكيانات القانونية، وكان المرشد على رأس الكيان الأول؛ لأن الحركة من خلاله كانت هي الأوسع والأرحب، ولم يشذ أي فرد من أفراد الإخوان من قادة الكيانات الأخرى عن الخط العام للجماعة.

صدور القانون المدني:

صدور القانون المدني

ثم صدر القانون المدني في 16يوليو 1948م -والذي لم يوضع موضع التنفيذ إلا في 15أكتوبر 1949م- والقانون المدني هو القانون العام للجمعيات، والذي يجب الرجوع إليه والتقيد بأحكامه، إلا إذا كان هناك قانون أولى بالتطبيق سواء كان هذا القانون سابقًا عليه أم لاحقًا له، ويؤيد ذلك ما نصت عليه المادة (80) من القانون المدني بقولها: «على أن الجمعيات الخيرية والتعاونية والمؤسسات الاجتماعية والنقابات ينظمها القانون، والأمر الثاني والذي يؤيد هذا النظر ما أورده المشرع في مذكرته الإيضاحية بأن القانون اقتصر على إيراد قواعد عامة ترسم للجمعيات والمؤسسات الحدود التي ينطلق فيها نشاطها لتحقيق أغراضها غير أن هذا لا يعني أن القواعد المتقدم ذكرها تستنفد نظام الجمعيات بأسره، أو تعتبر دستورًا جامعًا مانعًا؛ فللدولة -توخيًا لحماية السلام الاجتماعي من شوكة بعض الجمعيات، أو رعاية لأغراض اقتصادية- أن تنظم وجود الجمعيات بصورة أكثر تفصيلاً، وأن تحد من الأهلية التي يخولها إياها هذا المشروع، وهذا يكون بمقتضى تشريعات خاصة، لها صبغتها الإدارية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، والقانون رقم (49) لسنة 1945م الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية ليس المآل الوحيد الذي يمكن أن يساق في هذا الصدد»( )، وعلى ذلك لم ينشئ القانون المدني أحكامًا تؤثر على الشخصية المعنوية للجمعيات الموجودة قبل صدور القانون.

الحلُّ الأول للإخوان:

في 8ديسمبر عام 1948م، وبناءً على تعليمات سفراء إنجلترا وأمريكا وفرنسا أصدر «النقراشي رئيس وزراء مصر والحاكم العسكري» القرار العسكري رقم (63) لسنة 1948م بحلِّ جماعة الإخوان المسلمين، ومصادرة أموالها، واستند في إصدار هذا الأمر إلى البند الثامن من المادة الثالثة من القانون (15) لسنة 1923م الخاص بالأحكام العرفية، وقد تجاوز في هذا القرار الصلاحيات الممنوحة له بموجب ذلك القانون، والذي لا يتحدث إلا عن فضِّ الاجتماعات أو منع حدوثها، ولو بالقوة، ولكنه لا يشمل حلَّ الجمعيات وإعدامها وإنهاء حياتها القانونية أو مصادرة أموالها، ويعدُّ إصدار «النقراشي» هذا القرار تجاوزًا للسلطة المخولة له، واعتداءً على القانون والدستور قبل أن يكون اعتداء على هيئة الإخوان المسلمين، ولم يكن ذلك كله إلا تنفيذًا لرغبات الدول الأجنبية، وخضوعًا للاحتلال.

وقام الأستاذان «عبد الكريم محمد منصور» و«زكريا عبد الرحمن» باعتبارهما أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين برفع دعوى رقم (176) لسنة 3 قضاء إداري، وتمَّ إيداع صحيفة الدعوة في 3يناير 1949م، وطالبا فيها بوقف تنفيذ الأمر العسكري، وقد انضم إليهم الإمام الشهيد في جلسة 11يناير 1949م، وطلب من المحكمة اعتباره خصمًا ثالثًا، باعتباره رئيس الهيئة، ولكن محامي الحكومة دفع بعدم قبول الدعوى؛ لأن المدعين ليست لهما صفة التقاضي عن الهيئة؛ لأن هذه الصفة لا تثبت إلا لرئيس الهيئة أو سكرتيرها العام، وأن رئيس الهيئة «الإمام الشهيد» لا يجوز قبول طلبه؛ لأن طلبه استند إلى دعوى غير مقبولة.

وللاحتياط أقام الإمام البنا وسكرتير الجماعة الأستاذ «عبد الحكيم عابدين» دعوى أخرى في 13يناير 1949م، وهي الدعوى (190) لسنة 3 قضاء إداري، وقد طالبا فيها بوقف تنفيذ القرار العسكري رقم (63) لسنة 1948م، والأوامر المترتبة عليه، وذلك على سبيل الاستعجال، أما في الموضوع فالحكم بإلغاء تلك الأوامر.

واستمر الأمر يتداول في القضاء الإداري، وبعد سقوط حكومة الأحرار الدستوريين، ومتاجرة الوفد بقضية الإخوان، وما قامت به حكومة السعديين تجاههم من اعتقالات وتعذيب، فاز الوفد في الانتخابات البرلمانية بمساعدة الإخوان؛ فقامت حكومة الوفد بالإفراج عن المعتقلين، ولكنها أرادت إعدام الجماعة باعتبارها هيئة إسلامية جامعة، وجعلها جمعية خيرية كغيرها من الجمعيات؛ فأصدرت حكومة الوفد القرار بقانون رقم (50) لسنة 1950م الذي مدَّ العمل بالأحكام العرفية لمدة عام، أو للمدة التي تنتهي فيها الحكومة من إصدار قانون الجمعيات؛ لأن إلغاء الأحكام العرفية كان يعني سقوط القرار بحلِّ الإخوان، الصادر من الحاكم العسكري مستندًا فيه لتطبيق الأحكام العرفية، كما حاول «فؤاد سراج الدين» بيع المركز العام في المزاد العلني، وحوَّله إلى قسم شرطة الدرب الأحمر، ثم أصدرت حكومة الوفد بعد ذلك قانون الجمعيات في 26أبريل من عام 1951م، وهو القانون (66) لعام 1951م بشأن الجمعيات ذات الأغراض الاجتماعية والدينية والأدبية، وكان الغرض من هذا القانون تحويل الإخوان إلى جماعة دينية بعيدة عن السياسة، إلا أن قرار محكمة القضاء الإداري الصادر في 17سبتمبر 1951م لم يمكِّن حكومة الوفد من تنفيذ مخططها؛ إذ قرر أن جمعية الإخوان المسلمين تكوَّنت في ظلِّ الحقِّ الأصيل في تكوين الجمعيات الذي أعلنه دستور 1923م، وقرر قيامه، فاكتسبت صفتها القانونية، كما تمتعت بشخصيتها المعنوية من تكوينها وفق المبادئ المقررة من إسناد هذه الشخصية إلى كلِّ هيئة استوفت عناصرها، وتوافرت لها مقوماتها من إرادة خاصة ونظام تبرز به هذه الإرادة وتظهر.

وجاء الحكم في الموضوع في القضية (190) لسنة 3 قضاء إداري ليؤكِّد الحكم السابق، ويؤكِّد أن الإخوان هيئة إسلامية جامعة، وأن الإخوان وفقوا أوضاعهم وفقًا للقوانين المعمول بها، ومما يجدر الإشارة إليه أن الحكم اعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين تستند في وجودها إلى ما تستند إليه الأحزاب السياسية، وهو المادة 21 من دستور 1923م.

الحلُّ الثاني للجماعة:

ولما أصدر مجلس قيادة الثورة قرار تنظيم الأحزاب، وطالب بأن تطهر الأحزاب نفسها، تقدَّم الإخوان لتسجيل الجماعة كحزب سياسي، ولكن سحب هذا الطلب بناءً على نصيحة «جمال عبد الناصر»، ثم ما لبث أن تكشف الأمر، وصدر المرسوم بقانون رقم (37) لسنة 1953م بحلِّ الأحزاب السياسية القائمة وقت صدوره، وحصرها بالاسم دون أن يتضمن المرسوم اسم الإخوان المسلمين، وعلى ذلك فقد اعتبر هذا المرسوم الإخوان جمعيةً، وليست حزبًا، واستمرت الجماعة في مزاولة كافة أنشطتها في مجال العمل العام كسابق عهدها، باعتبارها هيئة إسلامية جامعة تعمل بالسياسة والدعوة الدينية والأمور الاجتماعية، وعندما أراد مجلس قيادة الثورة حلَّ الإخوان في يناير 1954م لم يبد أسبابًا إلا إلحاق الإخوان بالأحزاب، واعتبارها حزبًا سياسيًّا يطبق عليه المرسوم بقانون رقم (37) لسنة 1953م بحلِّ الأحزاب السياسية، وأيًّا كان الرأي حول صدور أمر الإلحاق من مجلس الوزراء، واغتصابه سلطة رئيس الجمهورية اللواء «محمد نجيب»؛ فإن الدولة بكافة مؤسساتها اعترفت ثانية بالإخوان بعد أحداث مارس 1954م، وسمحت لهم بإصدار جريدتهم، وأعادت للجماعة دارهم وممتلكاتهم وأموالهم، وقام مجلس قيادة الثورة بزيارة المرشد العام الأستاذ «حسن الهضيبي»، إلا أنه لم يصدر قرارًا يسحب القرار السابق أو إلغائه، وبعد تمثيلية المنشية اتخذت الحكومة كافة الإجراءات التي اتخذتها ضد الإخوان، ولم تصدر قرارًا جديدًا بحلِّ الإخوان، واستمرت في منع الإخوان، ومحاكمتهم بالقوة الجبرية دون سند من قانون، والذي لا زالت الدولة تمارسه حتى الآن.

واستمرت الدولة من عام (1954م حتى 1977م) تقوم على أساس التنظيم الواحد والحزب الواحد حتى صدر القانون (40) لسنة 1977م بتنظيم الأحزاب السياسية، وهذا القانون رغم معارضة الكثيرين له في بداية صدوره لما تضمنه من قيود إلا أنه كان أفضل حالاً مما أصبح عليه بعد إدخال التعديلات عليه، وفي تلك الفترة كان الوضع السياسي والقانوني يمكن أن يسمح بقيام حزب للإخوان وجمعية؛ فقانون الأحزاب كان يعطي الحقَّ لمن رفضت لجنة الأحزاب قيام حزبه بأن يطعن على ذلك القرار في محكمة القضاء الإداري، ثم الإدارية العليا، وقد استفاد حزب الوفد عند تأسيسه من هذه الميزة، والتي ألغيت في أول تعديل لقانون الأحزاب.

وسار قانون الأحزاب من سيئ إلى أسوأ، وكلُّ تعديل جديد لهذا القانون كان للأسوأ، وللتضييق على الأحزاب في ممارسة أنشطتها.

وقد قام الإخوان برفع الدعوى (133) لسنة 32 قضاء إداري، وكان رافعو الدعوة كلاًّ من الأستاذ «عمر التلمساني» والأستاذ «محمد حامد أبو النصر» والأستاذ «توفيق الشاوي»، وطالبوا بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحلِّ الإخوان، واستمرت الدعوى في التداول حتى عام 1992م حين قضت محكمة القضاء الإداري في 6/2/1992م بعدم قبول الدعوى؛ لعدم وجود قرار إداري بحلِّ الإخوان، وقررت في حيثيات حكمها:

«أنه من حيث المستقر عليه فقهًا وقضاءً أنه يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن يكون هناك ثمة قرار إداري سواء أكان هذا القرار إيجابيًّا أم سلبيًّا؛ فإذا انتفى مثل هذا القرار تعين الحكم بعدم قبول الدعوى، وإذا ثبت مما سلف ذكره أن ليس هناك قرار سلبي يمنع جماعة الإخوان من مباشرة نشاطها؛ فمن ثم يتعين والحالة هذه القضاء بعدم قبول هذا الطلب لانتفاء القرار الإداري».

وبناءً على ذلك الحكم؛ فإن القضاء الإداري يقر بأنه ليس هناك قرار يمنع الإخوان من ممارسة أنشطتهم، ورغم ذلك قام الإخوان برفع دعوى استئناف لذلك الحكم، ولم يحكم فيها إلى يومنا هذا، وهو حكم يحتاج إلى قرار سياسي أكثر منه إجراء قانوني.

وعلى كلِّ حال؛ فإن المحكمة لو حكمت بأحقية الإخوان بالعودة، فلن تعود كهيئة واحدة أو كيان واحد؛ لأنها لا بدَّ أن تتكيف حسب الأوضاع القانونية المعمول بها الآن، فيمكن أن يتشكل أكثر من كيان حتى تؤدي الجماعة وظائفها التي كانت تؤديها في السابق، فتكون هناك جمعية تقوم بالنشاط الثقافي والدعوي والتربوي، وهو النشاط الأساسي الذي تنبني عليه أنشطة الإخوان الأخرى؛ فهي التي تفرز الكوادر التي يمكن أن تنضم فيما بعد للحزب السياسي، أو تقوم بالنشاط الاقتصادي على أساس إسلامي. أما التمسك بعودة الجماعة ككيان واحد؛ فهو ما لا يمكن حدوثه في ظلِّ الأوضاع القانونية الحالية، كما أن الجماعة في ظلِّ الإمام الشهيد لم تكن تعرف هذا الكيان القانوني الواحد إلا في الفترة الأولى من حياة الجماعة؛ فقد انضم الإخوان لجمعية الكشافة في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، وفي عام 1939م أسست شركة المعاملات الإسلامية ككيان اقتصادي منفصل عن الجماعة، ومع صدور قانون (49) لسنة 45 تمَّ تنظيم أعمال البر عن طريق هذا القانون، وظلَّ الرابط الأساسي في وحدة الإخوان هو وحدة الهدف ووحدة الفهم مع التربية على ترسيخ معاني الأخوة الصادقة بين جميع من يعتنق ذلك الفكر، كان ذلك وسيظل هو العاصم من التفرق والاختلاف، وليس وحده الكيان القانوني، والاختلاف بين هذه الكيانات بهذه الطريقة هو اختلاف تنوع وتكامل، وليس اختلاف تفرق وتشرذم.

المراجع

(1) قلم محكمة الموسكي الجزئية سنة 1945م- مجلة المحاماة- السنة الخامسة- صـ356 وما بعدها- رقم 305.

(2) المحاماة صـ705 وما بعدها.

(3) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية- السنة الثالثة- العدد 71- 21شوال 1364هـ/ 27سبتمبر 1945م، مقال للشيخ محب الدين الخطيب.

(4) مجلة الحقوق- كلية الحقوق جامعة الإسكندرية- السنة الخامسة- العدد الأول والثاني- بحث مقارن للدكتور سعد عصفور- مارس 1951م.

(5) قانون الإخوان المسلمين الصادر في 8 سبتمبر 1945م.

(6) جريدة الإخوان المسلمين اليومية- السنة الأولى- العدد 50 - صـ4- شعبان 1365هـ / 1يوليو 1946م، مقال بعنوان: "نحن".

(7) سعد عصفور- المحاماة- السنة الخامسة- العدد الأول والثاني- صـ107.