النظام ينصر الإخوان!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
النظام ينصر الإخوان!



بقلم / د. رفيق حبيب

الدكتور رفيق حبيب

كيف يواجه النظام الحاكم جماعة الإخوان المسلمين في الشارع المصري؟ هذا السؤال له أهمية كبري، ليس بالنسبة للنظام الحاكم أو جماعة الإخوان فقط، بل أيضا بالنسبة للمجتمع المصري، والذي يمثل ساحة المواجهة الحقيقية بين النظام الحاكم في مصر وجماعة الإخوان المسلمين. ومن المهم النظر إلي تأثيرات ما يحدث في الساحة السياسية في المجتمع المصري، خاصة أن هذا البعد غائب عن النظام الحاكم

والذي يحصر نفسه غالبا في معاركه السياسية، دون النظر إلي تأثيرات ما يحدث في المجتمع المصري. وأهمية النظر إلي نتائج المواجهات السياسية علي المجتمع، لا تتوقف فقط علي رصد الآثار السلبية والإيجابية، ولكن تمتد أيضا إلي حقيقة مهمة، وهي أن المجتمع هو الذي سوف يحسم كل المواجهات في نهاية الأمر، حتي وإن تأخر دور المجتمع وتأثيره لفترة طويلة نسبيا.

الحاصل أن النظام الحاكم يلجأ إلي أكثر من وسيلة، تعبر عن اتجاهات مختلفة داخل النخبة الحاكمة، في المواجهة بينه وبين الإخوان. فمن جانب، نجد النظام يحدد موقفه من التيارات الإسلامية بناء علي دورها وموقفها من العمل السياسي، وليس بناء علي محتوي رؤيتها الإسلامية. ولهذا يلجأ النظام إلي توسيع مساحة عمل التيارات والجمعيات والحركات والرموز التي لا تعمل في المجال السياسي، وبعضها لا يكتفي فقط بعدم العمل في المجال السياسي، بل يدعو لطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه، وبعضها يدعو للبعد عن المجال السياسي برمته. ومن بين تلك الحركات التي لا تعمل بالسياسة، سنجد بعض تيارات الغلو الإسلامي، والتي تجد مجالا متسعا لها للحركة، دون تدخل من النظام الحاكم أو الأجهزة الأمنية، مما يساعدها علي نشر رؤيتها. وعلي صعيد آخر، سنجد أن مؤسسة الأزهر نفسها، تعمل من خلال السيطرة الكاملة عليها من قبل النظام الحاكم، وبهذا تخرج آراء تلك المؤسسة في المواضيع التي تهم النظام الحاكم بصورة تخدم النظام. ولكن في المقابل نجد أن مجمل ما تقوم مؤسسة الأزهر بنشره من رؤي إسلامية، يحتوي علي رؤي وسطية وأخري تتميز بالغلو والتشدد. وبهذا يترك لمؤسسة الأزهر نشر الفكر الذي تراه، حتي وإن ساد فيه أحيانا فكر الغلو والتشدد، مادام ذلك بعيدا عن التأثير في المجال السياسي. ومعني هذا أن تأثير الرؤي التي تنشر بين الناس والتي تؤثر في المجتمع، ليس محل اهتمام النظام الحاكم، وكل ما يشغله هو المواقف التي تؤثر في المجال السياسي، والتي تواجه النظام الحاكم، مما يجعل نشر الغلو الإسلامي متاحا، مادام بعيدا عن المجال السياسي.

وعلي صعيد آخر، نجد اتجاهات في النخبة الحاكمة تعمل علي نشر العلمانية، وتحاول علمنة القوانين في مصر. وتلك النخب تجد دعما من النظام الحاكم، وتتحالف معها النخب العلمانية الثقافية لنشر العلمانية في مصر، ومحاولة تحويل النظام السياسي إلي نظام علماني، وجعل العلمانية مرجعية للدولة، رغم تعارض هذا مع الدستور المصري في المادة الثانية منه، والتي تجعل دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. والأمر لا يتوقف علي نشر الرؤية العلمانية، ولكن يمتد كثيرا إلي بعض الجوانب الحساسة من المرجعية العلمانية، والخاصة بالحرية الفردية. حيث نجد محاولات لتوسيع نطاق الحرية الفردية التي يحميها القانون، خارج إطار القيم والأخلاق الدينية. وجعل الحرية مقدمة علي المبادئ الدينية، مما يسمح بممارسة الحرية علي حساب الالتزام بالقيم الدينية.

ويتم توسيع تلك التوجهات لتصل أحيانا إلي حماية قدر من الإباحية، والتي قد تظهر في الأعمال الفنية مثلا، علي أساس أنها نوع من الحرية التي يجب صيانتها. وأيضا نجد بعض النخب العلمانية التي تدفع من أجل حماية حرية نقد الدين نفسه، وجعل حرية الفكر والرأي غير مقيدة بأي قيود دينية، مما يفتح المجال أمام التعدي علي الدين نفسه. وهنا نجد ظهور أول تعارض من داخل توجهات النخبة الحاكمة نفسها، فهي تسعي لرفع الحصانة عن الدين، في حين أن مؤسسة الأزهر تصر علي حماية حصانة الدين، والنظام الحاكم يدعم الطرفين.

ونفهم من هذا، أن سلاح النظام الحاكم في وجه جماعة الإخوان المسلمين، يتمثل في توسيع هامش الحرية أمام تيارات الغلو، سواء كان الغلو الإسلامي أو الغلو العلماني. وهو بهذا يريد حصار جماعة الإخوان المسلمين، ليفقدها المؤيدين للمشروع والمرجعية الإسلامية، بجعلها تبدو متساهلة في نظرهم، من خلال نشر رؤية أكثر تزمتا من رؤيتهم. وفي نفس الوقت، يحاول النظام الحاكم إظهار جماعة الإخوان المسلمين وكأنها جماعة متطرفة، وذلك أمام بعض شرائح المجتمع التي تميل إلي التمادي في التيسير أو الشرائح المتأثرة بالثقافة الغربية، وبهذا يثير لديها الخوف من جماعة الإخوان، ومن احتمال وصولها للحكم. وتبدو هذه الاستراتيجية وكأنها فاعلة، فالنظام يحاول تشكيل أكثر من صورة عن جماعة الإخوان، بحيث يراها الشخص الملتزم دينيا بأنها متساهلة ولا تتمسك بالثوابت، ويراها الشخص المتساهل بأنها متطرفة، وبهذا تفقد جزئيا أو مرحليا مساحة التأييد التي يمكن أن تحصل عليها. ولكن هذه الاستراتيجية تتجاهل طبيعة التفاعلات المجتمعية الحادثة في الشارع المصري، وكيفية فهم رجل الشارع للرسائل التي تصله من النظام أو من جماعة الإخوان. وهنا يلزم علينا النظر في الأثر المجتمعي لتلك الاستراتيجية، والذي نظن أنه يختلف كثيرا عما أراده النظام الحاكم في مصر.

فأول ما يلاحظ، أن النظام الحاكم قد حصر جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يدري في خانة الوسط، وهي بالفعل جماعة تعبر عن المشروع الإسلامي الوسطي. لأنه جعلها في مواجهة مع الغلو أو الإفراط من جانب، وفي مواجهة مع التفريط من الجانب الآخر. وبهذا أعطي النظام لجماعة الإخوان الصورة التي تنادي بها وتبشر بها. ومن جانب آخر، جعل النظام جماعة الإخوان ملجأ لكل من يخرج من حالة الغلو والتطرف، لأن حالة الغلو هي حالة مرحلية لا تستمر طويلا. فالغلو يمثل حالة من التشدد علي النفس والتشدد تجاه الواقع، ولهذا يؤدي الغلو في الكثير من الأحيان إلي تعطيل الحياة أو تعقيدها بصورة كبيرة. ولهذا فإن حالة الغلو تمثل حالة مرحلية، ومعظم رموز أو حركات تيار الغلو، تغير موقفها وتتجه إلي المزيد من الاعتدال مع الوقت. وبهذا يصبح كل تحول في المنتمين للغلو ناحية الاعتدال، هو من مصلحة جماعة الإخوان ومشروع الوسطية، حيث يعد تأكيدا علي سلامة الطريق الذي اختارته. وفي المقابل سنجد أن مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، والمشروع الحضاري الإسلامي الوسطي، باتجاهات التفريط، والتي تميل إلي الغلو في التحرر، وتجاوز قواعد الدين، يعد مخاطرة كبري، فتلك الاتجاهات لن تنتشر بصورة واسعة في المجتمع المصري، وسوف تظل مرتبطة بفئة محدودة. وفي كل المجتمعات توجد فئة محدودة يكون لها نمط حياتها الخاص، ولكن تلك الفئة لا يمكن أن تفرض نمطها علي المجتمع، ومجرد معاداة هذه الفئة الخاصة، والغريبة عن المجتمع، لجماعة الإخوان المسلمين، يمثل عنصرا داعما للجماعة، حيث تراها الجماهير بوصفها الكتلة المحافظة علي القيم والتقاليد الدينية، والتي تمنع أي نوع من الانزلاق خارج إطار القواعد الدينية.

لهذا نقول إن إستراتيجية عمل النظام الحاكم في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، تنصر الجماعة في نهاية الأمر، لأنها تضع الجماعة في الموضع الذي أرادته لنفسها، بوصفها معبرة عن الوسطية الإسلامية. كما أن المجتمع المصري شأنه مثل كل المجتمعات، له هوية يعود لها في نهاية الأمر، فالغلو يتراجع في النهاية، والتفريط أيضا يتراجع، وتتزايد مساحة الوسطية والاعتدال، وهو ما يعضض من مكانة جماعة الإخوان. والقضية لا تتعلق فقط بمن يؤيد الجماعة أو من ينضم لها، ولكن تتعلق أساسا بمدي انتشار الوسطية الإسلامية بين الناس، فكلما انتشرت تلك الوسطية بين الناس، كان ذلك نجاحا للمشروع الذي تتبناه جماعة الإخوان، سواء كان كل من ينتمي للوسطية الإسلامية يؤيد جماعة الإخوان أم لا. فضرب جماعة الإخوان بالإفراط والتفريط، نصر لها وللوسطية.


المصدر : نافذة مصر