النظام الخاص حقائق وافتراءات فى تاريخ الإخوان المسلمين الحلقة الأولى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
النظام الخاص
"حقائق وافتراءات فى تاريخ الإخوان المسلمين"

مقدمة

"الله غايتنا ، والرسول زعيمنا ، والقرآن دستورنا ، والجهاد سبيلنا ، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا"

شعار رفعه الإخوان المسلمون وجعلوه منهج حياة وعملوا فى سبيله ، فمنذ تأسيس الإخوان المسلمون سنة 1928م وهى تدعو إلى الإسلام بشموليته ،فقد ظن كثير أن دعوة الإخوان كانت فى بدايتها دعوة دينية ثم انتقلت إلى السياسة ،وهذا ينم عن جهل كبير، ولو التفت أحدهم إلى شعار الجماعة المصحف والسيفين وبداية الآية (وأعدوا) فى قوله تعالى :" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ " (60) (سورة الأنفال) لأدرك أن دعوة الإخوان تتمسك بفريضة الجهاد فى سبيل الله التى يحاول الغرب ـ جاهداـ اقصاءها من الأذهان وإماتتها أو تشويهها بمسميات مثل : الإرهاب ، التطرف ، العنف .

اقتنع رجال السياسة والحكم فى مصر بأن الإحتلال سيخرج بالمفاوضات ووعوده الكاذبة وعداً بعد وعد ومفاوضات يعقبها مفاوضات وأصبح حكام الأمة مقتنعين تمام الاقتناع أن الانجليز إذا قالوا فعلوا وإذا وعدوا أوفوا.....وهكذا اقتنعوا تمام الإقتناع أن الإحتلال يمكن أن يخرج بالوسائل السلمية ،من خلال المفاوضات وأن الاحتلال إذا وعد بالجلاء سيفي بوعده ،وبدأ سعد زغلول المفاوضات وسارت على نهجه الحكومات المتعاقبة فى المفاوضات مقتنعة تمام الاقتناع أنها الطريق الوحيد لتنال الأمة حريتها ، وكان نتيجة ذلك مراوغة الإنجليز وإطالة أمد المفاوضات فى سلسلة مفرغة لاتنتهى إلى شىء .

وكسب الإنجليز مكاسب كبيرة من خلالها ،فكانت اتفاقية 1936م التى أتاحت لقوات الإحتلال استعمال المطارات والموانى المصرية فى حربها ،ومساندة الحكومات للدولة الحليفة فى حربها طمعا فى أن ينفذ الإنجليز وعودهم بالجلاء عقب انتهاء الحرب ،وبعد انتهاء الحرب بدأت مفاوضات الجلاء من جديد ،لكن بلا جديد . ولعلنا نتعلم من التاريخ أنه لا توجد دولة فى العالم نالت حقها من المحتل بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات دون نضال وتضحية وتقديم شهداء .

وانظر إلى رأى محمد محمود باشا أحد هؤلاء السياسيين فى نتيجة المفاوضات إبان مفاوضات النحاس ـ هندرسون سنة 1930 يعترف محمد محمود باشا بأن طريق المفاوضات لا يحقق آمال البلاد ،ولكنه خطوة إلى الاستقلال ،وفى نفس الوقت هو الطريق لتحقيق آمالها فى المستقبل ، فيقول : "إنه ليس لمصري فى قلبه حبة من الإيمان الوطني أن يعتقد أن المفاوضات لا تحقق آمال البلاد ، فالمفاوضات لا تحقق هذه الآمال لأنها أخذ وعطاء ، وإنما نتيجة المفاوضات هى خطوة تستجمع البلاد فيها قواها وتسعى بعد ذلك لتحقيق آمالها وأمانيها ، وكل من يقول بغير ذلك فهو كذاب ومنافق ".

فبرغم اعترافه بفشل المفاوضات للحصول على مطالب البلاد كاملة إلا أنه فى نفس الوقت لا يتصور طريقا آخر للحصول على الاستقلال الكامل ... وذلك كما ورد في كتاب ماجدة محمد محمود " المعتدلون فى السياسة المصرية ": دراسة فى دور محمد محمود باشا ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1992 ، ص 130ـ131.

لكن ما النتائج التى قدمتها المفاوضات فى ربع قرن من 1924 ـ 1950 غير الخراب وضياع الوقت وتوقيع معاهدة 1936 التى ربطت مصر بانجلترا واتفاقية صدقى ـ بيفن سنة 1946 .إن إقدام هؤلاء الساسة على المفاوضات لأنهم لا يرون طريقا آخر يمكن من خلاله تحرير مصر ، فلابد أن يسيروا فيها سير المغلوب على أمره ، وإن استمرت المفاوضات أمدا بعيدا .،ونسوا لكى تأخذ حقك بالمفاوضات لابد أن يكون الطرفان متكافئين ،أما أن يكون طرف قوى ظالم مستبد وآخر ضعيف فلا يمكن للضعيف أن يسترد حقه بالمفاوضات إلا إذا امتلك وسائل القوة التى تمكنه من انتزاع حقه .

أما المفاوضات التى قامت بها الوفود العربية فى الأمم المتحدة فقد " عادت وفود الدول العربية إلى بلادها وقد أيقنت أن الحق والعدل ألفاظ لا مدلول لها ،وأن الدول صاحبة القوى العسكرية والاقتصادية هى صاحبة الكلمة النافذة ،وأن التفكير لذلك فى عالم أفضل ؛أو فى سلام عالمى دائم لا يعدو أن يكون ضربا من الخيال ... " كما ورد في كتاب د/ محمد حسين هيكل : مذاكرات فى السياسة المصرية ،دار المعارف ،القاهرة، ط2،1990 ، ج3 ص 40.

وهكذا لا أمل لاسترداد البلاد المحتلة عن طريق المفاوضات ، فقد مهد الإنجليز للهجرة اليهودية على أرض فلسطين الحبيبة ، فتكالب عليها اليهود من بقاع العالم وحقق الإنجليز وعدهم لليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين وجاهد الشعب الفلسطيني عدوين فى وقت واحد :اليهود والإنجليز .

وهكذا ترى أن الإنجليز إذا وعدوا اليهود أوفوا وإذا وعدوا العرب والمسلمين أخلفوا،وأعلن الإنجليز أنهم يأسوا من الوضع المتردى فى فلسطين وأنهم سيرحلون عنها سنة 1949م ، وفجأة ودن سابق إنذار أعلن الإنجليز فى 15 مايو 1948 انسحاب القوات الانجليزية عن أرض فلسطين بعد أن مكنوا اليهود من السيطرة على الأرض وليعلنوا قيام دولتهم فى اليوم نفسه ويرفع علمهم فوق أرض فلسطين فى اليوم التالى 15 مايو لتسير الأمور وفق ما خطط له الإنجليز واليهود لتعلن الدول العربية الحرب على إسرائيل المزعومة على حد تعبيرهم ، ويصرح الحكام العرب أن الحرب لن تستغرق إلا بضع ساعات يتم فيها إلقاء العصابة الصهيونية فى البحر المتوسط كما نشرته الصحف على لسانهم ، ولا يدرون أن الحرب نفسها لن تخلو من مؤامرة محكمة تضيع بعدها فلسطين .

وفى ظل هذه الأوضاع المتردية كان يجب على الإخوان أن يتخذوا موقفا لتحرير البلاد من الإحتلال ،وخاصة وهم يرفعون شعار الجهاد سبيلنا ، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا . لذلك أيقن الإخوان أن الإنجليز لن يخرجوا بالمفاوضات ، فلابد إذن من استعمال القوة لإخراج الإنجليز، ومن هنا لابد من التدريب على استعمال الأسلحة ووسائل القتال المختلفة.

منهج تناول النظام الخاص

لعلنا فى حديثنا عن النظام الخاص لن نعتمد كثيرا على كتب الإخوان ، لا تجريحا لهم ، ولا إسقاطا لعدالتهم ،لكن حتى يرى القارىء كتابات المنصفين عنهم وهى عين الحقيقة التى يرويها الإخوان وحتى لايظن غير الإخوان أنهم يجملون صورتهم ويتحيزون إلى أنفسهم ، وبالطبع فلن يتهم الإنسان نفسه ،لذلك نترك للأخريين التحدث عن الإخوان وعن القضايا التاريخية التى ثار حولها جدل كبير ؛لنراها فى ضوء العصر الذي وقعت فيه.

ولعل كل قارئ حصيف أن يدرك طبيعة البلاد أثناء وجود النظام الخاص، فلا يصح للباحث أن يحكم على أحداث جسام من خلال قراءته أو قناعته بشئ دون أن يتخيل نفسه يعيش في هذا الزمن، بكل ظروفه وضغوطه، حتى يستطيع أن يخرج بالتصور الصحيح للأحداث، فمثلا عندما اغتال السادات أمين عثمان ظل الرئيس السادات يفتخر بها طيلة حياته، ولم يجرؤ أحد على نعته بالإرهاب حتى بعد مماته، وغيرها من الحوادث التي شهدتها مصر والتي غيرت مجرى الأحداث التاريخية كمقتل السير لى ستاك وبعض أعضاء حزب الأحرار الدستوريين على أيدي الوفدين أثناء خروجهم من النادي السعدي.


(أ) مصادر دراسة النظام الخاص

والنظام الخاص بطبيعة تكوينه نظام سرى لا يُعرف عنه شىء إلا من خلال أعضائه التى شاركوا فى الأحداث والوثائق التى ضبطت فى السيارة الجيب والحكم فيها يعتبر حكما على الإخوان المسلمين بصفة عامة والنظام الخاص بصفة خاصة ، لذلك فإن معلوماته الحقيقة ليست متاحة للجميع ولا يعبر عنها إلا كتابات وروايات الإخوان الذين عاشوا الأحداث وشاركوا فى صناعتها ،وهى قليلة ، والوثائق التى تم مصادرتها فى قضية السيارة الجيب ، وتلك المصادر هى:

1- كتاب: حقيقة التنظيم الخاص لمحمود الصباغ.

2- كتاب: النقط فوق الحروف لأحمد عادل كمال.

3- كتاب: الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين لكامل الشريف.

4- كتاب: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ لمحمود عبد الحليم.

5- كتاب: حصاد العمر لصلاح شادي.

تلك هى أهم مصادر النظام الخاص والتى ينبغى أن نأخذ الأحداث منها .

ومن هنا فإن الكتابات التى تناولت النظام الخاص، ولم تعتمد على كتابات أعضاء النظام الخاص ، إنما هى كتابات من وحى الخيال لا تمت إلى التاريخ بصلة ، ولذلك فإننا نجدها تصفه بالتطرف والإرهاب والعنف، واعتمدت بصفة أساسية على محاضر التحقيق لمحكمة الشعب سنة 1954م التى تم تلفيقها ويتم الترويج لها لأهداف سياسية ،وانظر إلى ما قاله السادات ـ أحد أعضاء محكمة الشعب 1954م التى حاكمت الإخوان ـ عن سيادة القانون فى عهد الثورة فى أثناء حديثه عن المحامين الذين يترافعون عنه سنة 1946 فى قضية قتل أمين عثمان :" فقد كان الذين يترافعون عنا من أكبر محامى مصر ..وكان الواحد يتقاضى عن القضية الواحدة آلاف الجنيهات ، ولكن للأسف لم يكن هذا حالهم فى العشرين سنة الأولى للثورة بعد أن عطلت سيادة القانون ، فلم يصبح هناك أى مجال للمحاماة أو القضاء..وأفلس الكثير من المحامين أو كادوا"... "راجع السادات : "البحث عن الذات" ص 88،المكتب المصرى الحديث ، القاهرة" .

ترى ألا يدل ذلك على تلفيق تلك الأقوال والمحاكمات فى عهد الثورة ؟!.ومن ثَم فلا يصح الاعتماد عليها فى كتابة تاريخ الإخوان ، خاصة أن أحد أعضاء تلك المحاكمات يطعن فيها ، بل فى جمال عبد الناصر نفسه ، فيتكلم عن عدم وضوح الرؤية عند الثورة ، فيقول عنه :" ومنها أيضا عدم وضوح الرؤيا بالقدر الكافى لا فى وقت مجلس قيادة الثورة ولا بعد أن أصبح جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية.. فقد كان بطبعه كثير الشك ..ولذلك انشغل بأمنه عن الرؤية البعيدة وعن أهم وأثمن ما فى الوجود وهو الإنسان ..وليت الأمر توقف عند هذا الحد..ففى غمرة شكوكه وانشغاله بأمنه تحددت آفاق الإنسان المصرى وأبعاده ..وهكذا حدثت فى مصر للأسف أخطاء جسيمة ضد أخطر وأهم ما كان يجب أن نحرص عليه .. وهو آدمية الإنسان وإنسانيته..."السادات : "البحث عن الذات" ص 104".

ألا يدل ذلك على اختلاق محاولة الإخوان لاغتياله سنة 1954 و1965 و جسامة الجرائم التى ارتكبها عبد الناصر ضد الإخوان ، يقول السادات عن اتهام الإخوان سنة 1965 بعمل تنظيم لقلب نظام الحكم والتخلص من عبد الناصر :" ولكن كان من الطبيعى بعد فشل الوحدة مع سوريا أن يتكلم الناس، وأن يتناول بعضهم نظام الحكم بالنقد .... تماما كما حدث بعد سنة 1965 بالنسبةللإخوان المسلمين الذين هُيىء للسلطة الحاكمة فى ذات الوقت بأنهم يتآمرون ليقوموا ب[الإخوان والثورة|الثورة]] المضادة ، وقد ذهب ضحية هذا التصور الكثير ممن يحصون بالألوف، وصدرت ضد الكثيرين منهم أحكام وظل الجميع فى المعتقلات والسجون إلى أن صفيت أنا العملية كلها ، فأغلقت المعتقلات كلها مباشرة " ... "السادات :"البحث عن الذات" ص61".

ترى هل بعد هذا دليل على جناية عبد الناصر ضد الإخوان وشعب مصر ؟! والفضل ما شهدت به الأعداء .

(ب) تشويه تاريخ النظام الخاص

ولعلنا نلتمس العذر لمن لا يفهم ضرورة السرية لتنظيم عسكرى يهدف لمحاربة الإنجليز والصهيونية فى فلسطين ، فقد" كان بمصر فى ذلك الوقت خمسة أجهزة سرية هى البوليس السياسي والمباحث الجنائية والمخابرات الحربية للجيش والمخابرات الخاصة بالإنجليز وال C.I.A الأمريكية التى دخلت مصر بعد الحرب العالمية الثانية .. هذا بخلاف جهاز آخر خاص بالملك ويتبع السراى مباشرة ." كلها يهدف إلى القضاء على أى تنظيم ضد الإنجليز أو الملك ... "السادات :"البحث عن الذات" ص 114."

إن الحكم على الأعمال بالنجاح أو الفشل يكون بدراسة الأهداف مقارنة بما تحقق من نتائج ودراسة نسبة النجاح ،وهل هذه النتائج حققت الطموح الذى يسعى إليه الفرد فتصبح أعماله تلك إنجازا يضاف إلى إنجازاته ،أم أن عوامل الإخفاق والمعوقات كانت أكثر وبالتالي فالنتيجة أقرب إلى الفشل.

وفى كلا الحالتين يتم دراسة الأسباب التى دفعت إلي كل منهما وتقييمها بموضوعية .أما إذا انحرفت المقاييس الشخصية وانعدمت الموضوعية ومالت عن الصواب، فأظهر الكاتب ما يروقه من أعمال وأخفى ـ عن عمد ـ حقائق كان يجب أن يُشار إليها ،فإنه يمعن بذلك فى التضليل لهوى فى نفسه حمله على الابتعاد عن الإنصاف والعدل، وبالتالى يفقد مصداقيته وتكون كتاباته لاقيمة لها، وإن احتوت على مئات الصفحات ووفرة فى التفصيلات الخيالية، و جمال أسلوبه الأدبى فى العرض ، ليجعل القارىء مستمتعا بما يقرأ مؤمنا به أشد الإيمان ؛ فيظن أنه الحق لا جدال فيه.

والقارىء غالبا لا يدرى أن هذا الزيف ما هو إلا أكاذيب ساقها المؤلف بأسلوب خاص ليدفعه إلى الإيمان بوجهة نظره وتبنى قضيته التى يؤمن بها ،ولو كانت بعيدة عن الحقيقة .وقد تتناقل تلك الروايات المراجع ؛ فيجد القارىء نفسه أمام روايات شائعة فى كثير من المراجع ، ولا يدرى أن تلك الروايات التى تتناقلها المراجع إنما صدرت من مرجع واحد ، وقد يساعد على نشر الأفكار والترويج لها على نطاق واسع عوامل كثيرة ، منها ما توفره وسائل الإعلام المقروءة من صحافة وكتب تطبع فى المطابع ودور النشر الحكومية بأرخص الأثمان مما يتيح لأكبر عدد من جمهور الناس الاطلاع عليها .

إضافة إلى تسخير أجهزة الإعلام المرئية للترويج لتلك الأفكار فى صورة أعمال درامية يشاهدها القاصى والدانى والمثقف والعامى، وتصاغ بأسلوب شيق تدفع المشاهد إلى المواظبة على متابعته وانتظار الحلقة بعد الحلقة حتى يتشبع فى نهاية المطاف بتلك الأفكار البعيدة عن الصحة والتى ابتكر الأديب كثيرا منها من وحى خياله ويمزجها بشىء من الواقع مما يجعل الإخوان المسلمين ـ وغيرهم ممن عاشوا معهم ويعرفونهم عن قرب ـ يضحكون سخرية لما يعرض فيه ، وما يحاولون فيه من تضليل الرأى العام وإثارته ضد الإخوان ، لكن الشعب الذى رأى خدمات الإخوان فى المجتمع وجهودهم فى سبيل خدمة الوطن لا يعيرون مثل هذه الأعمال أهمية، خاصة وقد سبقته أعمال كثيرة تحاول تشويه تاريخ الإخوان المسلمين وقد باءت بالفشل .

وقد عرض التليفزيون المصرى فى شهر رمضان الماضى 1431هـ /2010م مسلسل بعنوان "الجماعة" قدم تاريخ الإخوان بصورة مشوهة ، والحقيقة إن هذا المسلسل لن يكون الأخير الذى يحاولون فيه تشويه تاريخ الإخوان ووصمهم بكل نقيص ،فهذه سنة الله فى مواجهة دعاة الإيمان .

هذا وقد ظهرت كتب ومذكرات حول الجماعة عمومًا، وحول جهادها في فلسطين وفي القنال، وحول موقفها من رجال انقلاب يوليو 1952 إلى غير ذلك ، وتعرض بعضهم في كتاباتهم إلى النظام الخاص من قريب أو بعيد ، وفى ذلك يقول الأستاذ محمود الصباغ أحد أعضاء النظام الخاص:

"فقد زالت دواعي السرية عن حقبة من تاريخ هذه الدعوة المباركة «دعوة الإخوان المسلمين» وقد كانت ضرورة من ضرورات عملها العسكري في سبيل الله، حيث يفرض ديننا الحنيف أن نستعين بالسرية والكتمان على قضاء حوائجنا، وبخاصة على أعداء الله الذين ينصر الله عليهم أحبابه وأنصاره بالرعب، فالسرية عنصر هام من عناصر الرعب والرهبة في القتال، وبها يضمن المقاتلون عنصر المفاجأة ومن ثم النصر.وعلى الرغم مما تحقق على أيدي أبطال هذه الدعوة من إنجازات زلزلت الخصوم والأعداء في مصر وفلسطين وأسهمت في طرد المستعمر من مصر والتخلص من أعوانه حقبة.... "محمود الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص" .

ولا شك أن طبيعة السرية التي يتصف بها مثل هذا النظام تجعل كل ما يقال عنه من غير أعضائه المؤسسين والمنفذين، موضع نظر حتى إذا كانوا من الأعضاء البارزين لجماعة الإخوان المسلمين الذين لم يلتحقوا بعضوية هذا النظام.

فما بالنا بوسائل الإعلام الحكومية المختلفة، التي تستخدم على أوسع نطاق في تأييد وجهة النظر الحكومية، إذا ما أعلنت الحكومة الحرب ضد الإخوان المسلمين، بقصد إبادتهم والقضاء على دعوتهم إنها حينئذ تستبيح لنفسها أن تكيل التهم جزافا إلى الإخوان المسلمين، ظنا منها أنها بتدعيم الحكومة في حربها الشرسة ضدهم، إنما تخدم الوطن وترعاه، وهي تستخدم في هذا الصدد جميع صيغ المبالغة والتضليل والتشهير دون تحفظ أو حياء، فهدفها هو أن يستقر في قلوب الناس أن الحكومة في حربها هذه، إنما تؤدي رسالة مهمة ، بل حيوية لحماية أمن الوطن والمواطنين، ضد وحشية جماعة ضالة مضلة تستحل الدماء، وتنشد الخراب لا البناء!!! وهي تعلم يقينا أنها تدعم الباطل الأثيم ضد الحق المبين.

فأنت تسمع من كل وسائل الإعلام في هذه الحالة أن الجهاد في سبيل الله يسمى إرهابا، وأن المجاهدين في سبيل الله هم الإرهابيون، وأن هدف هؤلاء المجاهدين قد تبدل في طرفة عين من إرهاب الأعداء المعتدين إلى إرهاب المواطنين الصالحين!!!

والشعب يقرأ ويسمع ، لكنه لا يصدق فهو يعرف هؤلاء الإخوان فردا فردا لأنهم جميعا من أعماق هذا الشعب الحر الأبي المكافح الصابر، الذكي الصامت يعرفون أخلاقهم وسلوكهم وإيجابياتهم في كل حركة وسكنة، لأنهم فتية آمنوا بربهم وأعلنوا الالتزام بمبادئ دعوتهم التي تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية أسلوبًا ومنهاجًا، سواء في حياتهم الشخصية أو في حياتهم العامة بقصد الإسهام في حماية الوطن وأمنه، والمشاركة في صلاحه وعزه بكل قوة ممكنة ، قال تعالى :"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"... [الأنفال: 60].

ويؤكد ذلك الأستاذ مصطفى مشهور بقوله :" والحقيقة أن معظم الذين كتبوا عن النظام الخاص من الإخوان لم يكن لهم سابق ارتباط بالنظام، وما كتبوه عنه طريقه السماع، وبسبب ظروف المحن الشديدة التي مرت بالجماعة وبأفرادها، كتب معظم هؤلاء مذكراتهم بعد مرور عشرات السنين على الأحداث التي ذكروها.. ومن ثم تعرضت هذه الكتابات إلى شيء من عدم الدقة لتعرض الذاكرة إلى النسيان بسبب طول المدة.. وقد تختلف الروايات، وكذا وجهات النظر حول بعض القضايا عند أصحاب هذه المذكرات.

لذلك أحب في هذه المناسبة أن أنبه السادة القراء إلى أنه ليس من الإنصاف أخذ كل ما ذكر في هذه الكتب والمذكرات عن الجماعة أو عن النظام الخاص كقضايا مسلمة للأسباب التي ذكرتها سابقًا.. فالأمر يحتاج إلى قدرة من التوفيق والتبين.. وربما تعذر ذلك على القارئ لوفاة الكثرة ممن ساهموا في صنع هذا التاريخ رحمهم الله جميعًا.... (الأستاذ مصطفى مشهور في مقدمته لكتاب حقيقة التنظيم الخاص لمحمود الصباغ )

وقد ظل الناس يسمعون عن النظام الخاص في دعوة الإخوان المسلمين وعن وسائله وعن أهدافه، من وسائل الإعلام الحكومية المختلفة، تستوي في ذلك الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية، وبرامج الإذاعة والتلفزيون. ولم يتح لهم حتى اليوم الاستماع عن هذا الموضوع المهم من أي من أعضاء هذا النظام المؤسسين والمنفذين طوال فترة هذا النظام من بدايته حتى أخصب فتراته وأعنفها .

ومن أكثر الافتراءات التى تم إثارتها ضد الإخوان لتشويه جهادهم كانت حول النظام الخاص للجماعة ،مستندين فى ذلك إلى بعض الحوادث ـ التى سنتعرض لها فيما بعد ـ بعيدة عن سياق الأحداث.

وأخذت المراجع تتناقلها وتضخم فيها حتى أصبحت محور الحديث عن الإخوان دون التعرض لإنجازات النظام الخاص والجوانب المضيئة التى يحاولون التغاضى عنها وتجنبها.

أشهر الإغتيالات والتشكيلات العسكرية فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين

قامت فى مصر تشكيلات عسكرية متنوعة تختلف فى أهدافها ،فمنها من قام لأهداف شخصية تهدف لحماية الحزب من خصومه ومارست نشاطها علانية، وتشكيلات عسكرية سرية قامت لأهداف وطنية.


(1) التشكيلات شبه العسكرية العلنية

تأسست تشكيلات شبه عسكرية علنية، لكن لم يكن هدفها تحرير البلاد من الإنجليز، أو القيام بأعمال وطنية ضدهم بقدر ما أنشئت بهدف حماية الحزب الذى ينتمون إليه من المنافسين له ، واتخذت التدريب العسكرى وسيلة لتحقيق أهدافها ، ،فقد أنشأ حزب مصر الفتاة فرقة شبه عسكرية هى :القمصان الخضر، وقد كانت سمة أساسية من سمات مصر الفتاة منذ بدايتها وكان لها القميص الأخضر مع مؤسستهم العسكرية ، ويقوم بالتدريبات شبه العسكرية .

  • راجع : Redefining the Egyptian Nation, 1930-1945, p21 :Israel Gershoni, James P. Jankowski


وأنشأ حزب الوفد فرقة تشكيل: القمصان الزرق في نهاية عام 1935 لمواجهة القمصان الخضر التابع لمصر الفتاة وزعيمها أحمد حسين ، ونتيجة للمشاحنات التي وصلت إلى العداء،وساعد التوتر بينهما إلى القيام بأعمال عنف يستفيد منها المستعمر الذى يعمل على تأجيج مثل هذا الصرعات والخلافات ،ففى سنة 1936 اشتبكا القمصان الخضر والقمصان الزرق فى معركة دامية تحطم خلالها واجهات المحال، وأتلفت بعض السيارات ،وخلفت وراءها أضرارا فادحة . ونظرا لأعمال العنف التى قامت بها ، فقد قام محمد محمود باشا رئيس الوزراء بإلغاء كل التشكيلات العسكرية سنة 1938 .

  • راجع 1938 ,p 136 James P. Jankowski:The Egyptian blue shirts and the Egyptian Wafd, 1935


يقول محمد حسين هيكل : فكما شكل موسولينى قمصانا سوداء تدفع بالبطش عن نظامه ،وكما شكل هتلر قمصانا من لون آخر تدافع عن نظامه ،ألفت الوزارة الوفدية يومذاك القمصان الزرقاء تدافع بالبطش عن نظامها .وطبيعى ألا يتلاءم وجود هذه القمصان التى تقوم بالاعتداء على خصوم الحكومة مع حرية الرأى ولا أى معنى من معانى الديقراطية ... "مذكرات فى السياسة المصرية ج1 ص352 "

وجاء العداء الكامن بين المجموعتين الى العلن عندما اشتبكوا في الأماكن العامة .

  • راجع: The Student Movement and National Politics in Egypt, 1923-1973 p4 -Ahmed Abdalla


ولعلنا ندرك الآن أن التشكيلات العسكرية العلنية لم تخدم الوطن ولم تنشأ لأهداف وطنية ،وإنما أنشئت لحماية الحزب التابع لها ،وكان ضررها واضح ،أما التنظيمات السرية فكانت أهدافها وطنية .

وقد شكل الملك فاروق تنظيماً من ضباط الجيش أسماه " الحرس الحديدي " خصص للقيام - بالمهام التى يكلفه بها الملك عن طريق مرتضى المراغي لمواجهة من يعارض السراي من الساسة ، أو ممن يشتم منه رائحة الخطر على النظام الملكي ، فمنهم من قام بمحاولة هدم منزل النحاس باشا ،ومنهم من قام بقتل عبد القادر طه وغير ذلك من الأحداث.... "صلاح شادى : صفحات من التاريخ .. الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد "

ولعله من المفيد أن نشرح ، طبيعة الجو الذي كان يجرى فيه هذا النشاط لأنه شكل إلى حد كبير اتجاه قسم الوحدات بعد ذلك إلى العمل الفدائي .


(2) التنظيمات العسكرية السرية وأهدافها الوطنية

لقد كان احتلال مصر دافعا للشباب الوطنى الذى ـ لا يملك إلا نفسه يضحى بها من أجل وطنه ـ يرى ما ينال وطنه من قيود الذل والاستعباد التى يمارسها الاحتلال مع الشعب الأبى ، لذلك آثار ذلك هؤلاء الشباب أن يروا وطنهم يهان بهذه الصورة ولا يفعلون شيئا ،لذلك سعى هؤلاء الشباب على التخلص من المحتل الإنجليزى فقاموا بعمليات اغتيال ضد الإنجليز والمتعاونين معهم ،وهم أخطر على الوطن من الانجليز ،وهؤلاء يقدمون للمحتل ما يحب ويشتهى ،ولا يستطيع المحتل أن يحصل على ما يريد إلا عن طريقهم ، ولا يجوز لأحد أن يقدح فى وطنيتهم مهما فعلوا أو الاعتراض عليهم ،وقد قاموا بتلك العمليات فرادى أو مجموعات .

ولعل ما كان من حادثة دنشواى 1906م وما تم فيها من الحكم بإعدام بعض المصريين دافعا للتخلص من المشاركين فيها ،وقد كان بطرس غالي أحد القضاة الذين حكموا على المصريين فى حادثة دنشواي إضافة إلى مواقفه الأخرى المساندة للإحتلال ؛ فكان من المؤيدين لمد إمتياز قناة السويس مما جعل أحد هؤلاء الشباب يسعى لقتله ،وقد نجح فى ذلك إبراهيم الورداني .

و كان اغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي ، في فبراير 1910 ، أول حادث من نوعه يتم في مصر لأكثر من قرن حيث إنها تعكس المزاج العام للشباب في مصر في ذلك الوقت.

ويعتبر هذا الحادث بداية اعتبار الاغتيال هو السبيل الوحيد لتخليص البلد من أولئك 'الخونة" ، وكوسيلة للتعبير عن عدم الرضا عن القوى السياسية والمعارضة فى ذلك العصر.

ولعل الظروف التى كانت تمر بها البلاد ساعدت على مثل هذا النوع من التفكير .

  • راجع:Malak Badrawi :Political Violence in Egypt 1910-1925: Secret Societies, Plots and Assassinations p22.


تشكيل الوفد الجهاز السرى للقيام بالإغتيالات

ومن هذا المنطلق الوطنى قامت تشكيلات عسكرية سرية تهدف إلى القيام بأعمال قتل واسعة للإنجليز وعملائهم ،وقد عملا كل من أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشي على تأسيس تشكيل عسكرى سرى للقيام باغتيالات واسعة للانجليز أطلق عليه (القبضة الحديدة) ،ولعله أول تشكيل عسكرى سرى أنشىء لأهداف وطنية ،ونظرا لأهدافه التى أنشىء من أجلها فكان لابد أن يعتمد على السرية، فلن يسمح الإنجليز بقيام تنظيم عسكرى للقضاء عليهم ، وقد كان نشاطهما فى هذا المجال دافعا لاتهامهم فى قضية قتل السير لى ستاك سنة 1924م.

وكانت هذه الجماعة تحت رئاسة سعد زغلول الذي قال قولته: "لا أستطيع مراقبة أفراد حزبي جميعًا، فلم يستطع أحد وصف سعد باشا أو حزبه بأنه أضاع البلاد أو أراق الدماء".

وقد اعتُقل أحمد ماهر بعد مقتل السردار الإنجليزي بالجيش المصري وأدانه الادعاء الإنجليزي ممثلاً في مستر "كرشو" وحكم عليه بالإعدام هو والنقراشي باشا ولكن المحكمة أصدرت حكمها النهائي ببرائتهما، وقد تعرض أحمد ماهر للقسوة من الإحتلال؛ ففي عام 1926 زج به الإنجليز في السجن لتواطئه في قضايا الاغتيالات السياسية التي كانت تقع بصفة مستمرة في مصر .

  • راجع: Donald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954,625


ولعل تنامى هذا الشعور الوطنى عند الشباب دافعا لهم للتخلص من كل متعاون مع الإحتلال ، وبالطبع فهم يعتمدون على رؤيتهم الشخصية وانطباعاتهم فى اتهام كل من يختلط بالاحتلال ، وقد يكون أخطأ فى تصوره وفى اتهامه لتلك الشخصيات بالخيانة وبعدم الوطنية لمواقف معينة ، وتسرع فى الحكم بضرورة التخلص منها .

وكانت حوادث 1910-1915 تتم تحت شعار الوطنية ، وقد قام الجهاز السري من الوفد تقريبا بكل محاولة الاغتيالات بين 1919 و 1923.

"The 1910-1915 incidents had been the work of Watanists, but the secret apparatus of the Wafd carried out nearly all the attempted assassinations between 1919 and 1923. The Wafd branded as traitors Egyptians

  • راجع: Donald M.Reid :POLITICAL ASSASSINATION IN EGYPT, 1910-1954,p626


بل عندما انشق محمد محمود باشا عن حزب الوفد المصري وكون حزب الأحرار الدستوريين قامت جماعة من الوفد باغتيال حسن عبد الرازق باشا وإسماعيل زهدي بك من حزب الأحرار الدستوريين، فلم يصف أحد حزب الوفد بأنه حزب دموي،كما اشترك إبراهيم عبد الهادي (رئيس الوزراء فيما بعد)، وعبد الرحمن فهمي بك بجرائم اغتيال سياسية فلم يتهمهم أحد بالخيانة.

وكانت هناك أيضا هجمات على المصريين ، بما في ذلك محاولة الاعتداء الفاشلة على عبد الخالق ثروت .....وفي الوقت نفسه حاول طالب مصري فى الطب قتل رئيس الوزراء سعد زغلول في 12 يوليو 1924. وقال المهاجم كان ينوي اغتياله لمنعه من الانضواء تحت لواء البريطانيين. وقد حكم عليه بأنه مختل وأدخلوه مستشفى للأمراض العقلية ، ولكن الشك اقترب من الملك فؤاد بأنه وراء الحادث، نظرا لأنه كان يكره سعد زغلول.

There were also attacks on Egyptians, including an abortive attempt on 'Abd al-Khaliq Tharwato…… a mutually acceptable settlement Meanwhile an Egyptian medical student tried to kill Prime inister Zaghlul on 12 July 1924. The Watanist assailant said he had intended to prevent Zaghlul from selling out to the British. He was judged deranged and hustled off to a mental hospital, but the suspicion lingered that King Fu'ad, who hated both Zaghlul .

  • راجع: Donald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954,627.-


وخيم الاكتئاب في جميع أنحاء العالم ومصر ، ومشكلة الإستقلال لا تزال دون حل ،لذلك خاضت عصابات الشباب و استمرت في الشوارع والنضال في الصحافة والبرلمان بلا هوادة. وأدى ذلك بالفعل إلى ثلاث محاولات لاغتيال رئيس الوزراء وزير إسماعيل صدقي في 1930.

he world-wide depression struck Egypt, the problem of independence remained unresolved, youth gangs fought each other in the streets, and the struggle in press and parliament continued unabated. Three attempts were indeed made on the life of Prime Minister Isma'il Sidqi in the early.

  • راجع: Donald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954,628


وقامت كتائب عز الدين عبد القادر بالهجوم على رئيس الوزراء النحاس في نوفمبر 1937 بزعمهم خيانته لمصر من خلال التوقيع على المعاهدة الأنجلو مصرية 1936. وكان عبد القادر من القميص الأخضر المتشدد التابع لمصر الفتاة ورئيسها أحمد حسين ،وقبل ذلك بعامين دعا أحمد حسين لاغتيال رئيس الوزراء وإلى شن هجمات على أقسام الشرطة ، وكانت حكومة النحاس على خلاف مع الملك فاروق ،وبعد بضعة أسابيع دافع أحمد حسين عن عبد القادر في المحكمة ، بحجة أن الفعل ينطلق من دوافع وطنية ومودة للملك ، وكان النحاس بالفعل خارج السلطة ، وكانت النتيجة تم الحكم عليه لمدة عشر سنوات مخففة .

in November 1937 for allegedly betraying Egypt by signing the Anglo 'Izz al-Din 'Abd al-Qadir's attack on Prime Minister Nahhas Egyptian Treaty of 1936. 'Abd al-Qadir was a Green Shirt militant from Ahmad Husayn's Young Egypt (Misr al-Fatat )o Two years earlier Husayn had called for the assassination of Prime Minister Nasim and for attacks on police officers. Nahhas seized the occasion for rounding up Young Egypt's activists, but his cabinet, at odds with young King Faruq, fell a few weeks later. Ahmad Husayn defended 'Abd al-Qadir in court, arguing that the deed stemmed from patriotic motives and affection for the king. With Nahhas already out of power, the result was a lenient ten-year sentence.,


ولما تولى أحمد ماهر منصب رئيس الوزراء سنة 1944م اختلف تفكيره تماما وأعلن انحيازه وانحياز مصر لصالح بريطانيا، وكان هذا في رأيه لتقوية الجيش المصري وتدريب رجاله واكسابه الخبرة والمرونة ، فإذا انتصرت انجلترا كان الجيش المصري عنصرًا خطيرًا ضدها وللضغط عليها لكي تعطي مصر الاستقلال ، وإذا انتصرت قوات المحور وقف الجيش المصري ليجعل من الصعوبة عليهم احتلال البلاد، حيث يكبدهم خسائر في الصحراء الحارة التى لا يمكنهم تحملها.

وقد وقفت مصر على الحياد إبان فترة وزارات علي ماهر وحسن صبري وحسين سري ومصطفى النحاس باشا (السادسة) لكن أحمد ماهر باشا أعلن رأيه كمعارض بضرورة انحياز مصر لصالح إنجلترا حتى يصبح لمصر جيش قوي تعتمد عليه البلاد لنيل الاستقلال بعد انتهاء الحرب، وأيضا لتشارك مصر فى مؤتمر الأمم المتحدة.

كانت الحرب على وشك الانتهاء عندما تولى أحمد ماهر رئاسة الوزارة وكانت المؤشرات تدل على انتصار بريطانيا.

وقف أحمد ماهر باشا في موقف حرج بعد إعلانه دخول مصر الحرب ضد المحور حيث ووجه بانتقادات شديدة وعنيفة من قبل الملك وحزب الوفد وأشيع عنه أنه موال لليهود، وتابع للإنجليز. وربما ما زاد موقفه ضعفًا أمام خصومه عدم لجوئه للشعب لمصارحته بموقفه.

في 24 فبراير 1945 اجتمع نواب البرلمان لبحث مسألة إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان، وكانت وزارة أحمد ماهر قد أعدت بيانًا وافقت فيه على إعلان الحرب، بعد أن ألقى أحمد ماهر باشا البيان في مجلس النواب، انتقل إلى مجلس الشيوخ لكي يدلي بالبيان فيه، أطلق عليه محامي شاب اسمه محمود العيسوي الرصاص عليه فأصابه إصابة أودت بحياته.

ونجح محمود العيسوى من الحزب الوطني فى قتل رئيس الوزراء أحمد ماهر فى فبراير 1945 لإعلانه الحرب على المحور بالرغم من المعارضة القوية، وتولى تحقيق قضية اغتياله النائب العام محمود منصور باشا بنفسه ، وكان رئيسا للمحكمة العسكرية وحكم على محمود العيسوي بالإعدام.

وبعدها تولى النقراشي غير أن شعرت بريطانيا بعدم الارتياح تجاهه لتولى الوزارة للمرة الأولى لتجدد ذكريات الإغتيالات التى شارك فيها من 25 سنة؛ لأنه كان عضوا في الجهاز السري للوفد، وكان النقراشي وقتها يقوم بتنظيم الاغتيالات بنفسه .

  • راجع: POLITICAL ASSASSINATION IN EGYPT, 1910-1954 * Donald M. Reid

ولما تولى النقراشى رئيسا الوزراء سنة 1946 انقلب على عقبه وعصف بالقوى الوطنية ، وعندما خرج الطلاب فى مظاهرة ضد الإنجليز والمطالبة بالجلاء فى فبراير من نفس السنة ، فإذا بالبوليس يحاصر الطلاب فوق كوبرى عباس ويطلق عليهم الرصاص ؛ فيصاب أعداد كبيرة منهم فيما يعرف بمذبحة كوبرى عباس.

وفى رئاسته للوزراء الثانية تعاون مع الإنجليز بدرجة كبيرة ونفذ توصياتهمبحل جماعة الإخوان المسلمين فى 8 ديسمبر 1948م مما كان سببا فى قتله بعد عشرين يوما من حل الجماعة كما سيأتى بيانه.

وهكذا استطاع الإنجليز شراء بعض القوى الوطنية بالمناصب مثلما حاولوا ذلك مع الإخوان مرارا، لكن محاولاتهم تلك مع الإخوان باءت بالفشل.

  • راجع: Donald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954,629

تشكيل السادات مجموعة عسكرية لإغتيال عملاء الإنجليز

وقد كون السادات جماعة سرية مسلحة تهدف للقيام بعمليات اغتيال للإنجليز وعملائها المصريين ، ويعبر السادات عن ذلك بقوله : "وما زلت أذكر كيف كنا ونحن طلبة نخرج إلى الشارع مرتين كل يوم ننتظر ذهاب النحاس إلى بيت الأمة وعودته منه لنراه ونهتف له ونصفق له .كان بطلا أسطوريا ورمزا فريدا للوطنية والفداء والعطاء ..أما بعد 4 فبراير فقد فقد كل شىء وأصبح فى نظرنا خائناً لمصر وشعبها يحتم علينا واجبنا الوطنى أن نزيله من طريقنا ..ولذلك قررنا التخلص منه .....كنت قد دربت أعضاء الجمعية على استعمال القنابل اليدوية ..وكان الذى سيقوم بالعملية هو حسين توفيق .. وفعلا ألقى القنبلة فى الوقت المناسب ، لكن سائق النحاس فوجىء وهو ينطلق من جاردن سيتى بعربة ترام فى شارع القصر العينى تكاد تصطدم به فأسرع لكى يتحاشاها .... فأصابت الشظايا عربة أتوبيس بها فتيات A.I.S.التابعات للقوات المسلحة البريطانية .. طبعا كنت أنا وبعض أفراد الجمعية السرية فى مواقعنا نرقب العملية فانسحبنا فى هدوء وحيث توجهنا إلى مقهى (أسترا) وفى نفس المقهى قررنا التخلص من أمين عثمان الذى تولى وزارة المالية طوال حكم النحاس بعد أن فرضه الإنجليز فى 4 فبراير، ولم يكن هذا هو السبب فى إدانتنا لأمين عثمان ... ولكنه كان أكثر من صديق للإنجليز ومساندا لبقائهم فى مصر بشكل لم يسبق له مثيل ....فقد أعلن أن مصر وانجلترا قد تزوجا زواجاً كاثوليكياً .. فحتى لو تركتنا هى يتحتم علينا ألا نتركها .وهذا التصريح كان بمثابة حكم الإعدام عليه" ..." السادات : البحث عن الذات ص 71 ـ72 .

وأعقبت ذلك الحادث محاولة فاشلة في ديسمبر 1945 لاغتيال النحاس باشا قام بها وطني شاب هو حسين توفيق، وقد أفلح في يناير 1946 في قتل أمين عمان باشا وزير المالية في زمن الحرب، والذي شاع اتهامه بأنه «عميل للإنجليز» ( واعترف توفيق مقدما باغتياله لعثمان باشا وبمحاولته الفاشلة لاغتيال النحاس، وقد صرح فيما بعد بأسماء زملائه، وكان من بينهم أنور السادات الذي سجن لمدة واحد وثلاثين شهرا ثم أطلق سراحه بعد أن برأته المحكمة . ومنذ قيام ثورة 1952 دأب السادات على الإعراب عن اعتزازه بالمشاركة في مسئولية هذا الاغتيال وبتنظيمه «لجماعة اغتيال» مهمتها تصفية عدد من الشخصيات الأخرى كانت لها مواقفها الخائنة. ولقد أشيد بالقضية في مصر بوصفها «قضية اغتيال سياسي» وعادت للظهور في الصفحات الأولى للجرائد عندما استطاع مغتال عثمان باشا الهرب في يونيو 1948 مصحوبا بالتمنيات الطيبة لعدد كبير ممن ساندوه في عمله البطولي ... "ريتشارد ميتشل :الإخوان المسلمون ،ترجمة : عبد السلام رضوان ، نسخة الكترونية"

وبالفعل نجحت مجموعة السادات فى قتله ، فقام حسين توفيق يوم 5 يناير 1946 بقتله ثم قبض عليه وكذلك السادات على ذمة التحقيقات فى القضية ،وقد حاولوا التخلص من أوراق القضية ، فقام الطيار حسن عزت محاولاً خطف ملف القضية لكنه فشل وقُبض عليه .ثم تمكن حسين توفيق من الهرب ، وحكم عليه غيابيا بعشر سنوات ، وتم تبرئة السادات بالرغم من أنه المدبر لقتله .

ولقد تخللت الأحداث الرئيسية للشهور التسعة التالية محاولتان جديدتان لاغتيال النحاس باشا: واحدة في أبريل في أعقاب الانفجارات التي وقعت في نادي الحزب السعدي وفي مبني الصحيفة السعدية: دار أخبار اليوم. والأخرى في نوفمبر والتي تقل خلالها اثنان من الحرس الخاص للنحاس باشا وفي المحاولة الأولى اتهم النحاس سكرتير إبراهيم عبدالهادي رئيس الديوان الملكي وأحد زعماء الحزب السعدي واتهم في المحاولة الثانية سكرتير النقراشي رئيس الوزراء السعدي. على أن تلك الأحداث نفسها غطي عليها الاهتمام الذي اشتد في ذلك الوقت بمجري الأحداث في حرب فلسطين ... "ريتشارد ميتشل :الإخوان المسلمون ،ترجمة : عبد السلام رضوان ، نسخة الكترونية"

ففي الرابع من ديسمبر أدت القلاقل الواسعة النطاق في الجامعة بسبب المحادثات المقترحة بشأن الهدنة في حرب فلسطين إلى خروج البوليس بكامل قوته وعلى رأسه حكمدار القاهرة الذي يبغضه الوطنيون، سليم زكي. و خلال معركة ساخنة مع الطلاب الذين تمركزوا في فناء كلية الطب وأخذوا يقذفون البوليس بكل ما تطوله أيديهم بما في ذلك المتفجرات، لقي سليم زكي مصرعه عندما أصابته قنبلة قذفت في اتجاهه، ورغم أنه من المتعذر تحديد هوية الفاعل في انتفاض جماهيري كهذا (كل واحد أراد قتله) إلا أن الإخوان المسلمين اتهموا في الحال بقتله ومما يدعو للاستغراب أنه لم يجر القبض على أحد في هذه القضية حتى 26 يناير 1949 ... "ريتشارد ميتشل :الإخوان المسلمون ،ترجمة : عبد السلام رضوان ، نسخة الكترونية"

وقد حاول أبناء الشعب المصري اغتيال سليم زكي حكمدار بوليس القاهرة ثلاث مرات الأولى 23/1/ 1922، والثانية في 23/ 4/ 1922 وهو برتبة يوزباشي، والثالثة في 10/10/ 1931 وهو برتبة قائمقام ، وقد قتل أخيرًا في إحدى المظاهرات سنة 1948، ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين قد ظهرت إلى الوجود عند المحاولتين الأوليتين، وكانت هذه الجماعة لا تزال وليدة وكان عمرها ثلاث سنوات، وبالنسبة للحالة الثالثة فلا علاقة للإخوان بها، مما يقطع أن قتل سليم زكي سنة 1948 كان هدفًا وطنيًا وليس خاصًا بالإخوان المسلمين بأي حال من الأحوال.وكان يتعامل بعنف مع المظاهرات الوطنية المعادية للانجليز ، وهو بطل مذبحة كوبرى عباس فى فبراير 1946، ومن هنا فإن قتل سليم زكي كان هدفا وطنيا تسعى إليه جميع الاتجاهات الوطنية ، وليس خاصا بفئة معينة.... "محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص ، ص71"

تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش

وقام داخل الجيش تنظيم سرى مسلح ، وهو تنظيم الضباط الأحرار ،وكان لابد من السرية حتى لا يتم التخلص منه والتنكيل بأفراده ،وكانت لهم اجتماعات دورية، وكان من أبرز أعضائه : جمال عبد الناصر ، والسادات ، وعبد اللطيف البغدادي ، وعبد الحكيم عامر، وحسين الشافعي ، وغيرهم .

في عام 1943 اشترك الضباط في إنشاء تنظيمات خاصة ، لمهاجمة أفراد قوات الاحتلال البريطاني، في مصر، والاستيلاء على الأسلحة والذخائر من المعسكرات البريطانية، التي كانت منتشرة في ضواحي القاهرة خصوصاً منطقة شارع الهرم. وكان من أبرز الأعمال، التي قام بها هو تدمير السفارة البرازيلية في القاهرة فى صيف عام 1947، وذلك بسبب أن البرازيل كانت عضواً في مجلس الأمن في ذلك الوقت إبان نظر قضية مصر في المجلس، وكان صوتها دائماً يرجح الجانب المعادي لمصر، على الرغم من إعادة التصويت عدة مرات .وقد فكر أعضاء التنظيم فى القيام بسلسلة من الاغتيالات لعملاء الإنجليز... "مذاكرات عبد اللطيف البغدادى، الجزء الأول ، ص 46 وما بعدها.وقد جاء الفصل الأول فى المذكرات بعنوان الجيش والتنظيمات السرية".

وفى ذلك يقول السادات : "وأذكر مثلا أنه فى سنة 1951 طرأت له فكرة (يقصد عبد الناصر) أن تبدأ الثورة بحركة اغتيالات واسعة ، وسألنى فى هذا ، فقلت له : غلط يا جمال .. ما هى النتيجة .. إلى أين ستصل ؟ إن الجهد الذى يبذل فى حركة الإغتيالات يساوى تماماً الجهد الذى يبذل فى قيام الثورة ... "السادات: البحث عن الذات ص 115".

واتخذ العمل السرى داخل الجيش خلال فترة الأربعينات أشكالا مختلفة وسلك مجالات متباينة فى سبيل تحقيق الهدف الأسمى وهو تحرير مصر من جيش الاحتلال .... "اللواء جمال حماد :أسرار ثورة 23 يوليو ج1 ، دار العلوم للنشر والتوزيع 1431هـ/2010 ص 42".

ويقول كولومب في وصفه للموقف عند نهاية 1947 محاولات إشعال الحرائق باستخدام زجاجات مشتعلة تلقي على واجهات المحلات... انفجارات. اغتيالات.. قذف قنابل.. تلك هي الوقائع انتهي العام بمظاهرات يومية تقريبًا في العاصمتين بالقاهرة والإسكندرية احتجاجا على قرار مجلس الأمن الصادر في 29 نوفمبر بتقسيم فلسطين، وهي المظاهرات المرتبطة بقضية فلسطين - قالبًا تخريبيًا معاديا للوجود الأجنبي.... "ريتشارد ميتشل :الإخوان المسلمون ،ترجمة : عبد السلام رضوان ،نسخة على النت موقع إخوان ويكي "


وفي الحلقة القادمة بإذن الله نتعرف نشأة النظام الخاص وأهدافه واعماله


تابع الجزئين الأخرين:

للمزيد عن النظام الخاص

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخري

وصلات فيديو