المولد النبوي والفرد المسلم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المولد النبوي والفرد المسلم


بقلم:ا/ أمل صبري

%rasol.png

لم يكن مولد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حدث ولادة عاديٍّ كأي ولادة أخرى؛ وذلك ليس لطبيعة الولادة، ولكن لمكانة المولود في حياة البشرية كلها؛ فهو أول فرد مسلم في الرسالة الخاتمة، وأول رب بيت مسلم متكامل كما ينبغي أن يكون البيت المسلم، وأول مربٍّ كوَّن مجتمعًا مسلمًا يتحرك بالتوحيد، وأول قائد ومُنشئ للدولة المسلمة بكل ما تحمل كلمة دولة من نظم وسياسات وتشريعات، وصاحب أول رسالة عالمية لكل زمان ومكان.


حقًّا إنه مولد جديد للبشرية كلها؛ بما تحمل رسالته من الهداية والصلاح والعدل والإحسان والسلام والحرية.. للناس جميعًا مسلمين وغير مسلمين.. مولد أول فرد مسلم في الرسالة الخاتمة (1).


من صفاته قبل البعثة قبل الإسلام كان يتحلى بكل أخلاقيات الفطرة النقية.. الأمانة والصدق حتى لُقِّب بالصادق الأمين.


العبادة

وكان صلى الله عليه وسلم يُقيم في غار حراء الأيام والليالي ذوات العدد، يقضي وقته في عبادة ربه، والتفكَّر فيما حوله من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ولا منهج محدد يطمئن إليه ويرضاه.


وكان أكثر ما يُقيم فيه خلال شهر رمضان المبارك، يترك أم المؤمنين خديجة وينصرف عنها وينقطع بنفسه في هذا الغار للتفكر والالتجاء إلى الله جل وعلا.


لقد قام النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بأعمال عدة؛ منها رعي الغنم, التجارة، ولم يشرب خمرًا، ولم يقترف فاحشةً، ولم ينغمس فيما كان ينغمس فيه المجتمع العربي حينئذٍ من اللهو، واللعب، والميسر (القمار)، ومصاحبة الأشرار، والجري وراء القيد الكواعب (2) على ما كان عليه من فتوة، وشباب، وشرف نسب، وعزة قبيلة، وكمال، وجمال وغيرها من وسائل الإغراء.


لهذه الصفات والمميزات كانت المكانة الرفيعة له بين قومه، فكان يُدعى بالصادق الأمين، فهو صدوق عند قومه، وهو الأمين، فكان محل ثقة الناس وأماناتهم، لا يأتمنه أحدٌ على وديعةٍ من الودائع إلا أدَّاها له، فكانت قريش لا تضع أمانتها إلا عنده لما سُمع من أمانته وصدقه، ولا يأتمنه أحدٌ على سرٍّ أو كلام إلا وجده عند حس الظن به، فلا عجبَ إن كان معروفًا في قريش قبل النبوة (بالأمين) (3).



بعد البعثة

الأخلاق الإنسانية الراقية التي امتاز بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة أصبحت بعد البعثة تمتاز بثلاثة نقاط مكملة لها:

1- نية التوجه إلى الله.

2- الصبر على الخير والشر.

3- دائرة العمل بها كل الناس.. حريص على الناس جميعًا؛ أي على هدايتهم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليهم.. قال تعالى: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم﴾ (التوبة: 128).



مظاهر الفرد المسلم المتبع لنهج الرسول

1- سليم العقيدة..سلامة الاعتقاد معناه الإيمان بأن الله هو الفاعل لكل شيء في الكون إفراد الله سبحانه بالعبادة الكون كله يعبد خالقه ويوحد خالقه وكل ما في الكون من إبداع ونظام يدل على أن مبدعه ومدبره واحد، ولو كان وراء هذا الكون أكثر من عقل يدبر، وأكثر من يد تنظم، لاختل نظامه: واضطربت سننه، وصدق الله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)﴾ (الأنبياء)، ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)﴾ (المؤمنون).

2- صحيح العبادة: لخَّص العلماء تعريف العبادة بقولهم: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة، فمثال الأفعال الظاهرة الصلاة، ومثال الأقوال الظاهرة التسبيح، ومثال الأقوال والأفعال الباطنة الإيمان بالله وخشيته والتوكل عليه، والحب والبغض في الله. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذريات: 56)، ولأجل تحقيق هذه الغاية واقعًا في حياة الناس بعث الله الرسل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل: 36).

3- مجاهدًا لنفسه: مجاهدة تعني بذل الجهد والطاقة لا بد من المجاهدة لإصلاح النفس الإنسانية.. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ (العنكبوت).


وعندما ذهب أحد الصالحين لزيارة "ابن تيمية" في السجن رقَّ قلبه وبكى لحاله فما كان من "ابن تيمية" إلا أن قال له: "أتبكي لحبسي. أتبكي لأسري؟!! إن المحبوس من حُبِس قلبه عن الله، وإن المأسور من أسره هواه وشهوته".


4- مثقّف الفكر: أن تعرف شيئًا عن كل شيء، أول آية نزلت ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)﴾ (العلق)، ويقسم ربنا بأدوات الكتابة وحروفها فيقول: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)﴾ (القلم)، والقرآن الكريم دائمًا ما يدعونا إلى إعمال العقل وتقليب النظر ﴿لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ و﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ و﴿أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾.

5- قوي الجسم: إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والقيام بمهمة الخلافة في الأرض تحتاج إلى جهد وطاقات جسدية، حتى يتمَّ أداؤها على الوجه الأكمل، لذا حضَّت التربية النبوية الكريمة على بناء الفرد المسلم على أساس من القوة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" (رواه مسلم).

6- مَتِينُ الخُلُق: أي إنسان سجيته حسنة وطبعه ثابتًا قويًّا لا تغيِّره الأحداث، فمهمة النبي صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وصفته عائشة "كان خلقه القرآن"، و"كان قرآنًا يمشي بين الناس".

7- القدرة على الكسب: قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15).

8- منظمًا في شئونه: انطلاقًا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها.. قيل ثم أي؟ قال: بر الوالدين.. قيل ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".

9- الحرص على الوقت: انطلاقًا من قول الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (الأعراف:34). ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 77)؛ ليكون حاضرًا ومستعدًا بالإجابة على أسئلة القيامة؛ "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن عمله ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين أكتسبه؟ وفيما أنفقه؟".

10- النافع للغير: انطلاقًا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس".. "طُوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر"، فالمؤمن كل حركاته وسكناته نفعٌ لمَن حوله.



بعض الخطوات العملية نحو تحقيق الشخصية الإسلامية الصحيحة

1- إحسان التعامل مع الجسم وتوفير الاحتياجات اللازمة لقوته دونما إفراط أو تفريط:

صيانة الجسم والإسراع بمعالجة ومداوة أي خللٍ يصيبه، ويحسن في هذا العصر الذي نحياه مع كثرة الملوثات التي تُحيط بالإنسان أن يُجري كشفًا دوريًّا عامًا على بدنه ليكتشف أي علة أو مرض قبل أن يتمكن من الجسم والأعضاء والمسارعة بعلاجه؛ "ما خلق الله من داء إلا خلق له الدواء فتداووا".

2- أن يمارس الرياضة مثل الألعاب الجماعية أو حتى الألعاب القتالية الفردية وغيرها، والذي لا يلعب الرياضة فعليه أن يضع له برنامجًا يوميًّا يحتوي على المشي الجدّي لمدة ساعة مثلا وتمارين الإحماء لمدة ربع ساعة يوميًّا.

3- وعليه أن يتخلّص من العادات الصحية السيئة ممثلة في كثرة شرب المنبهات وغيره.

4- اجعل الناس تتعلم الأخلاق الإسلامية في أفعالك قبل أقوالك، كما كان حال السلف الصالح.. قال أحدهم "عظ الناس بأفعالك ولا تعظهم بأقوالك" قصة مصعب بن عمير رضي الله عنه مع سيدي: الأوس والخزرج سعد بن معاذ وأسيد بن حضير حينما استخدم معهما الخلق الحسن- الرفق والحلم والأناة- فأسلما على يديه، وقالا: لقد عرفنا الإسلام في وجهه قبل أن ينطق به لسانه، ثم دعا كل منهما قومه إلى الإسلام فلم يبق بيت إلا دخله الإسلام بفضل الله تعالى ثم بفضل الخلق الحسن.

5- العقيدة تعلو ولا يُعلى عليها: روى الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية قال: لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص- حين دخل بؤونة (أغسطس) من أشهر العجم- فقالوا: أيها الأمير، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها. قال: وما ذاك: قالوا: إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو: إن هذا مما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما قبله. قال: فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى (أغسطس وسبتمبر وأكتوبر)، والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيرًا، حتى هموا بالجلاء، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل.. فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد ، فإن كنت إنما تجري من قِبلك ومن أمرك فلا تجرِ فلا حاجةَ لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يُجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك".. قال: فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم.

وهكذا يكون حرص المسلم على سلامة عقيدته من أي شائبة تشوبها في اللفظ أو الفعل أو في الاعتقاد؛ لأن المسلم سليم الاعتقاد لا يذل نفسه إلا لله ولا يخاف ولا يرجو إلا الله.


6- المسلم عالم بزمانه مقبل على شأنه: لا يكون أبدًا المسلم مغيب عن حاله وزمانه.

7- إن كان مطلوب من الإنسان القصد في الإنفاق فلا إفراط ولا تفريط: فرغم إمكانية تعويض المال فيكون الوقت أولى بالقصد؛ حيث إنه هو الحياة، وكلما أنفقنا منه نكون أنفقنا من عمرنا الذي لا يمكن تعويضه ولو بكنوز الأرض لن يعود.


الهوامش:

(1) الصفات العشرة لبناء الفرد المسلم التي صاغها الإمام البنا (إخوان أون لاين) (موقع الملتقى).

(2) البنات الحسان اللاتي في سن البلوغ

(3) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة (1/235-237) دار القلم الطبعة الأولى.

المصدر:إخوان أون لاين