المسلمون على مفترق طرق.. وواجبنا التمسك بالإسلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
المسلمون على مفترق طرق.. وواجبنا التمسك بالإسلام


رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

رسائل.gif

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه..

لا يخفى على مسلم اليوم، بل لا يخفى على كل ذي عينين ما تعلنه دوائر أمريكية وغربية من عداءٍ للإسلام، وما يظهر في بحوث وكتابات ودراسات من مخطَّطات لمواجهة ما يسمونه بـ"الخطر الإسلامي"، وكذبوا.. فما هو بخطر؛ فالإسلام جاء رحمةً للعالمين، ولإقامة العدل في أرجاء الدنيا، ولتذوق الشعوب طعمَ الحرية والعزة والكرامة.

إن ما ينسبونه إلى الإسلام من أعمالٍ إجرامية أدانها كل عاقل ما هو بإسلامي، بل إن الإسلام منها براءٌ، ولينظروا إلى سياساتهم التي ينفِّذونها على الأرض اليوم في أمريكا وأوروبا، وتُنتهك فيها حقوق الأفراد والجماعات المسلمة في حرية التدين، وحرية التنقُّل، وحرية العمل وغيرها.. فضلاً عن احتلال الأوطان، ونهب الثروات، كل ذلك يمثِّل خطرًا يهدِّد البشرية في أمنها واستقرارها وسلامتها، وقد أصبح هذا اليوم حديثَ الساعة وكل ساعة

ومن عجب أننا لا نرى ردَّ فعل من الجانب الإسلامي، اللهم إلا بعثةً تذهب لتعقِد بضعة لقاءات؛ بهدف تصحيح صورة المسلمين في الغرب، بعد أن وُضع المسلمون جميعًا في قفص الاتهام، فهل ذلك هو ما يجب علينا تجاه هذا التحدي الخطير؟!

إن الحملة التي انطلقت ضد الإسلام اليوم اتَّسمت بالشمول:

- فهي تستهدف عقيدة المسلمين في الله، وتنطلق ألسنةٌ رسميةٌ تَنْعت إلهَنا الواحد الأحد- جل جلاله- بأبشع الصفات..!!

- وهي تستهدف شعائر الإسلام، فها نحن نرى محاصرةً لفريضة الزكاة؛ لمحاولة منعها وتحجيم دورها..!!

- وهي تستهدف قرآن المسلمين، ونسمع عن محاولات لتأليف كتاب هزيل وطباعته، والسعي إلى تسويقه في أطراف العالم الإسلامي وعلى شبكة الإنترنت، مع الضغوط المتتالية للتقليل من أعداد المصاحف المطبوعة.

- وهي تستهدف كذلك ثقافة الإسلام ومناهج التعليم في المعاهد الإسلامية في الأزهر والسعودية وباكستان واليمن وغيرها، والتدخل بالحذف والإضافة فيها؛ حيث يقصد منع تداول مفاهيم، كالجهاد وتعديل مناهج تتعلق بالمرأة وغير ذلك، فضلاً عن السعي الدؤوب لإغلاق المعاهد الدينية، وعدم بناء معاهد جديدة؛ بهدف تقليص أعداد الدارسين للإسلام والدعاة الذين يبصِّرون الناس بحقائق الدين.

- وهي تضع حضارة الإسلام أمامها كهدفٍ تريد القضاء عليه ومنع المسلمين من التواصل مع بقية الحضارات في العالم والتأثير المتبادل معها، رغم كل الدعاوى والصيحات حول احترام الآخر والتعددية وحقوق الإنسان، فالهدف هو أن تنفرد حضارة واحدة بالتأثير في العالم كله؛ لتصطبغ بها الأجيال الجديدة، وتنشأ ناشئةً لا تعرف شيئًا عن دينها وعقيدتها وثقافتها وتاريخها وحضارتها.

وموجة العداء الحالية للإسلام ليست إلا حلقةً في سلسلة متصلة يواجهها المسلمون من قديم.. (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة: من الآية217)، ولقد انكسرت الموجات القديمة وبقيَ الإسلام أقوى حجةً وأصلب عودًا، وخرج المسلمون من هذه المعارك- حتى ولو انكسروا فيها أحيانًا- ليواصلوا مسيرتهم وجهادهم؛ حيث لم يفرطوا في دينهم ولا عقيدتهم، وكانوا حال الهزيمة أقوى بفكرتهم وأعلى بعقيدتهم، فدخل المنتصرون كالتتار في دين الإسلام بعد انتصارهم العسكري على المسلمين.

إننا ندرك أن هذه الحملة تهدف إلى منع المسلمين من امتلاك أسباب القوة والمنعة؛ حتى تصبح بلادهم وثرواتهم ومقدراتهم نهبًا للطامعين من قوى الاستعمار الحديث، الذي كشَّر عن أنيابه، وعاد بأحذيته الغليظة ليطأ بلاد الإسلام بعد أن فشلت النظم العلمانية- التي زرعها في بلادنا- في حماية مصالحه، واستشعر خطر صحوة الشعوب ومطالبتها بالحرية والديمقراطية على مصالحه المتمثلة في الثروات وفي مقدمتها النفط، وفي حماية هذا الكيان الصهيوني الدخيل، الذي بات يترنَّح أمام تواصل المقاومة الفلسطينية الباسلة، وأصبح مستقبلُه في مهب الريح؛ بسبب الضغوط السكانية والنفسية والعسكرية، وبعد أن انكشفت مخططاته أمام الرأي العام العربي والإسلامي، الذي اصطفَّ خلف المقاومة يساندها بكل قوة، رغم الاستبداد والديكتاتورية.

إن هذه الحملة على الإسلام تستهدف وصم الإسلام بالإرهاب، عن طريق تسليط الأضواء على أعمال إجرامية بشعة، تقوم بها جماعات مجهولة لا يَعرف أحدٌ مَن وراءَها ولا من يخطِّط لها، وإن كانت الأيدي التي ترتكبها أيدي مسلمين، إلا أننا ندرك عمقَ التخطيط والاختراقات التي تتقنها أجهزة المخابرات والأمن، ثم يتم تسليط الإعلام على هذه الحوادث المشينة وخلق شخصيات، قد تكون وهمية، لتصبح هي الممثلة للإسلام، والإسلام من أعمالها براء، وعموم المسلمين وكل قادة الرأي والفكر والحركات الإسلامية والعلماء يستنكرون هذه الحوادث ويحذرون منها.

ومع ذلك يستمر المسلسل الإجرامي، فلا يكاد يهدأ في بلد حتى يشتعل في أخرى، ولا تكاد شخصية تختفي من على شاشات الفضائيات حتى تظهر لنا شخصيةٌ أخرى، تصبح هي محورَ حديث الرئيس الأمريكي والزعماء والمحللين، وللأسف الشديد تشارك أجهزة الإعلام العربية في خلق هذه الأساطير وتذيع كلامًا منسوبًا إلى مسلمين، يسيء إلى الإسلام، ويشوه صورة المقاومة في بلاد المسلمين.

إن هدف هذه الحملة الإجرامية- وما يصاحبها من زخم إعلامي- هو خلط صورة المقاومة بالإرهاب؛ حتى تتوقف المقاومة الباسلة في فلسطين والعراق، أو ينصرف عنها تأييد المسلمين في العالم، ولن تفلح هذه الحملة بإذن الله تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد: من الآية 17) (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (الأنفال: من الآية 37).

إن مواجهة هذه الحملة الظالمة لا يكون بجهود فردية مبعثرة هنا أو هناك، ولا بخُطَبٍ تُلقى في الغرب، ولا بمؤتمرات تهدف إلى تحسين صورة الإسلام والمسلمين.. إن هذه المواجهة تقتضي تضافر كل الجهود: الأفراد، والجماعات، والحكومات، والهيئات الإسلامية، والجامعات، وحركات المقاومة، وكذلك المسلمون في الغرب وأمريكا، كلٌّ يقوم بدوره وواجبه الذي أمره الله به.

إن المواجهة الحقيقية هي:

- أن نطبِّق الإسلام في حياتنا، فتنهض به أمتنا..

- أن نقيم حياتنا كلها على أساس الإسلام، عقيدةً وشريعةً..

- أن نُعلي قيم الإسلام في العدل والشورى والحرية وكرامة الإنسان والمساواة..

- أن ننهض من كبوتنا وعثرتنا التي طالت..

- أن ننفض الاستبداد الذي رانَ على حياتنا..

- أن نخرج من التخلف العلمي والتقني الذي أعاقنا وأخَّر أمتنا..

- أن نقيم العدل في توزيع الثروات مع التنمية الحقيقية في بلادنا؛ حتى لا نصبح من بين أفقر أمم الأرض، نستجدي المعونات والقروض من أعدائنا الذين نهبوا ثرواتنا..

- أن نغلق المعتقلات التي ضجَّت من أنَّات المعذبين؛ بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية..

- أن نعلن إنهاء حالات الطوارئ التي قيَّدت المجتمعات الإسلامية..

- وأخيرًا أن نطلق الحريات التي وأدتها الحكومات العلمانية.

إن الإسلام الذي ننادي به ليس مجرد تشريعات قانونية يريد خصومُه حصره فيها، بل هو نظام شامل كامل للحياة، يسمح بالتعددية الدينية، ويحترم عقائد وشعائر المخالفين في الدين، ويطلق التعددية الفكرية والثقافية، ويحترم التعددية السياسية الحزبية، ويقوم على التنمية الإنسانية في كافة مجالات الحياة، فالإنسان هو محور الاهتمام؛ لأن عليه عمارةَ الكون كلِّه، بالإيمان والعمل الصالح، فلا يصبِح مجرَّد كائن مستهلك، بل هو أساس العملية الإنتاجية.

إن إقامة الإسلام في حياتنا هو الذي سيطرد الصورة المشوَّهة المغلوطة، التي تريد الدوائر الاستعمارية في الغرب حصرَ الإسلام فيها؛ بهدف الصدِّ عن سبيل الله، ومنع الناس من الالتفات إلى هذا الدين العظيم، الذي يَدخل فيه مئات الأفراد يوميًّا، رغم كل هذه الحملات الظالمة، فهو الدين الوحيد الذي يزداد أتباعُه يومًا بعد يوم؛ مما يثير القلق في هذه الدوائر الاستعمارية.

لقد واجَهْنا مثلَ هذه الحملات في القرن الماضي، ونجَح الإخوان وغيرهم من الحركات الإسلامية في إعادة الصورة الحقيقية للإسلام، وانتشرت الصحوة الإسلامية في كل بلاد العالم حتى وصلت إلى أوروبا وأمريكا، وأصبحت النهضة الإسلامية قاب قوسين أو أدنى من تحقيق آمال المسلمين في استئناف حضارة إسلامية عظيمة تضاف إلى الحضارة الإنسانية، وتقدِّم الإسلام إلى العالم كله، فإذا بالمؤامرات الجديدة تريد وقْف هذا التقدم، ولكن هيهات هيهات..!!

إننا على يقينٍ من أن هذه الحملة إلى بوار، كما سبقها من حملات.. (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: 8)، وذلك وِفق سنن الله تعالى بأن نقوم بواجباتنا، وأن نتمسك بعقيدتنا، وأن نظهر شعائرها، وأن نفخر بديننا وحضارتنا، وأن نعمل بجدِّ واجتهاد لإقامة نظام الإسلام في كل حياتنا.

كما أننا على يقينٍ من أن صمود إخواننا في فلسطين وفي العراق- وفي كل مكان يقاوم فيه المسلمون هذه الحملات العسكرية، ويقفون في وجه هذا المشروع الأمريكي الصهيوني- سيُكلَّل بالنصر، رغم كل المؤامرات ضد المقاومة وكل المحاولات لتشويه صورتها.

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21)..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القاهرة

في: 13من جمادى الآخرة 1425هـ

1 من يوليو 2004م.