اللغة العربية .. المشكلة والحل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اللغة العربية .. المشكلة والحل

أ.د/جابر قميحة

مقدمة

أولا: المشكلة

أهمية اللغة العربية الفصحى ، ومصدر هذه الأهمية :

تعتبر اللغة العربية الفصحى بالنسبة للأمة العربية أهم من أية لغة أخرى بالنسبة للأمة التي تتكلم بها ، ويرجع ذلك لتفرد اللغة العربية بعدد من السمات والملامح لاتتوافر للغات الأخرى :

1-فهي لغة القرآن : والقرآن هو الكتاب المنزل الوحيد المدون باللغة التي نزل بها ، بينما نزلت التوراة والإنجيل باللغة الآرامية أو السريانية ( لا اللغة العبرية كما هو معروف خطأ ).

2-وهي لغة قومية : جمعت العرب من قديم في وحدة لغوية متماسكة – على الرغم من تعدد اللهجات المحلية ، وعلى الرغم من المحاولات المتعددة لهدمها والقضاء عليها .

3-هي لغة تراثية : بمعنى أنها كانت – ومازالت – الوعاء الذي حفظ التراث العربي والإسلامي ، وصانه من الضياع ، يستوي في ذلك العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية , إنها حفظت من الضياع كثيرا من شرائح التراث اليوناني الذى ترجم إلى اللغة العربية ، وضاعت أصوله اليونانية ، فترجمه علماء اليونان بعد ذلك من العربية إلى اليونانية .

4-وفى اللغة العربية من الملامح والخصائص الذاتية ما لايتوافر في كثير من اللغات الأخرى (وعلى سبيل التمثيل : حروف العطف ، اختلاف صور الفعل باختلاف المسند إليه ، وخصوصا فعل الأمر ، قضية الترادف ، وزيادة الوصف .... الخ ).

محاولات هدم العربية الفصحى :

وهي محاولات ارتبطت أغلبها في وجودها بحركات التنصير والإستشراق ، وتولي كبرها كثير من العلمانيين الذين ساروا على درب المنصرين والمستشرقين بالوعي أو باللاوعي ، ومن هذه المحاولات التي نجح بعضها ، وباء بعضها الآخر بالإخفاق :

1- زرع اللغات الأجنبية – والإنجليزية بخاصة – ومزاحمتها للغة العربية الأم ، حتى انفردت دون العربية بالتدريس ، كما نرى في كليات الطب ، والهندسة بجمهورية مصر العربية .

2- الانتصار للعاميات بإنشاء معاهد وأقسام مستقلة لما يسمي بالأدب الشعبي

3- محاولة الهدم بدعوى تسهيل اللغة العربية ، وقد أخذت هذه الدعوى أو هذا الادعاء صورتين .

الأولى : المناداة بإلغاء الإعراب ، وتسكين أواخر الكلمات .

الثانية : اختصار حروف الأبجدية ( بمعنى أن يكون للحرف صورة واحدة في الكلمة سواء أكان موقعه في أولها أو وسطها أو نهايتها ).

4- تغليب العاميات في وسائل الإعلام ، وأسلوب الأداء في التدريس .

مظاهر المشكلة وأسبابها

وتتعدد مظاهر أزمة اللغة العربية وأسبابها ، وتتداخل المظاهر والأسباب حتى يصعب الفصل بين ماهو مظهر وما هو سبب ، وأنا أكتفي بأوضحها ، وأغلبه يعتمد على الملاحظة الميدانية بعيدا عن التبريرات والتعليلات النظرية .

وأهم هذه المظاهر والأسباب

فى مجال الصحافة والإعلام

1-انكماش الصفحات المخصصة للأدب في الصحف اليومية ، والمجلات الأسبوعية والشهرية ، وهي لاتتسع غالبا إلا للون من الأدب الحداثي الذى لايتفق مع قيمنا الأدبية ، واللغوية .

2-ضعف الأسلوب الصحفى وغزارة الأخطاء فى صياغة المقالات ، والأخبار ، والشعر والإعلانات .

3-ضعف الإعلاميين لغويا، وخصوصا مقدمي البرامج، ونشرات الأخبار ، ويلجأ كثير منهم إلى تسكين أواخر الكلمات هربا من مسئولية الخطأ ، مع أن التسكين – في غير موضع الوقفات - يعد خطأ لا يقل عن الخطأ في ضبط الكلمات .

فى مجال التربية والتعليم

1-اضمحلال الكتاتيب فى القرى ، وقد كانت محاضن طيبة لتحفيظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة .

2-هبوط مستوى الطلاب فى اللغة العربية ، وخصوصا النحو ، ولعل من العوامل التي ساعدت على ذلك ضآلة الدرجة المرصودة للنحو في المدارس المصرية ، وهى (8) درجات لشعبة العلوم (10) درجات للشعبة الأدبية ، في السنة النهائية من المرحلة الثانوية ، وكذلك ضآلة الدرجة المرصودة للغة العربية بكل فروعها وهى (50) درجة للعلمي و(60) درجة للأدبي ، وهي قرابة ثلث الدرجة الممنوحة لمادة الرياضيات .,

3-ضعف المستوى اللغوي والأدبي والثقافي لمدرس اللغة العربية ، ويرجع ذلك لاسباب متعددة أهمها :

أ)هبوط المستوى الثقافي العام في الوطن العربي وخصوصا مستوى الثقافة الأدبية واللغوية .

ب)اعتماد نظام ترقيات المدرسين – في جوهره – على الأقدمية المطلقة بصرف النظر عن المستوى العلمي ، والقدرة على العطاء ومدى تطورها . فلا غرابة أن يعتبر أغلب المدرسين تخرجه وتعيينه مدرسا بداية حاسمة لقطع صلته بما يسمي( التثقيف الذاتي) الذي يعتمد على الإطلاع الواسع ، ومحاولة اكتساب الخبرة الميدانية في مجال عمله .

ج)قلة إقبال الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة ، والثانوية الأزهرية على الالتحاق بالكليات التي يتخرج فيها مدرسو اللغة العربية ومنها على سبيل التمثيل :

1-إلغاء كلية دار العلوم بمصر للمسابقة التي كانت تعقدها لاختيار الطلاب اللائقين للالتحاق بها ، وكان امتحان الاختيار ، أو التصفية بها في فقه العبادات والمعاملات ، وتاريخ النبي ، والخلفاء الراشدين ، وأدب العصر الحديث ، والتعبير ، والبلاغة تحريرا ، وشفويا زيادة على حفظ عشرة أجزاء من القرآن الكريم .

وما يقال عن دار العلوم يقال عن الكليات الأزهرية التي كانت تشترط – بصفة أساسية – حفظ القرآن الكريم على من يريد الالتحاق بها .

2- فتح الأبواب لمن لفظته الكليات الأخرى اعتمادا على " نظام التنسيق " الذي لا اعتبار فيه إلا لمجموع الدرجات الكلية بصرف النظر عن درجة المادة التخصصية المناسبة للكلية المرشح لها الطالب ، ومن ثم يرشح لدار العلوم مثلا أكثر المجموعات هبوطا حتى لو كان الطالب حاصلا على النهاية الصغرى لمادة اللغة العربية (25/50 في شعبة العلوم ،30/60 في الشعبية الأدبية ) .

معالم على طريق الحل

وأزمة اللغة العربية أعمق ، وأبعد آمادا من أن تتناول – تشخيصا وعلاجا – في مثل هذه الوريقات ، ولكن ذلك لايمنع من أن أقدم بعض التوصيات التي أزعم أنه يمكن اتخاذها معالم وصُوي على طريق الحل . وهي تتناول المشكلة من أربع زوايا هي:

-اللغة العربية لغة دينية قومية .

-اللغة العربية مادة تعليمية .

-مدرس اللغة العربية .

-التوجيه الفني للغة العربية .

اللغة العربية لغة دينية قومية

1-إنشاء ما يمكن أن نسميه ( المجلس الأعلى للنهوض باللغة العربية) على مستوى الوطن العربي كله ، وتكون مهمته وضع خطة طويلة المدى ذات مراحل مدروسة للنهوض باللغة العربية ، وتخليصها من عوامل الضعف ، والركة والغثاثة .

وينبثق من هذا المجلس الأعلى مجالس ، أو لجان فرعية للتخلص من مشكلات اللغة العربية المحلية على مستوى البلد الواحد ( لجنة مصر- لجنة السعودية ..) على أن يكون هناك متابعة جادة للإنجازات .

2-إعداد الإعلاميين إعدادا سليما راقيا رشيدا حتى يكون العطاء سديدا .

3-أن تكون العربية الفصحى هي أداة التعبير الوحيدة في وسائل الإعلام وخصوصا التلفاز والإذاعة .

4-الإكثار من الأمسيات الثقافية والبرامج اللغوية والتعليمية في وسائل الإعلام وخصوصا التلفاز .

5-أن تكون المادة الترفيهية المقدمة (الأفلام والمسرحيات والتمثيليات ) باللغة العربية السهلة البعيدة عن التقعر ، وقد تأخذ الناس الغرابة أول مرة ، ولكن التدرج في التطبيق سيجعل من ذلك أمرا طبيعيا لاغرابة فيه . وقد يعترض على هذه الدعوى بما يأتي :

أ‌-من العقبات التي تعترض ذلك أن الأعمال الجاهزة حاليا من الأفلام والمسرحيات ، أغلبها الغالب بالعاميات .

ب‌-صعوبة استساغة هذه الأعمال الجديدة بالعربية الفصحى ، وخصوصا بالنسبة للأطفال ويمكن تفنيد هذين الاعتراضيين بما يأتي :

أ‌-التدرج الكمى فى تقديم هذه المادة العربية الفصحي كفيل بخلق التعود والاستساغة.

ب‌-أن هذه الأعمال- كما ذكرت آنفا – ستكون بالفصيحة السهلة الميسرة مما يسهل فهمها واستساغتها .

ج -ثبت أن الأطفال – بخاصة – لايرفضون مثل هذه الأعمال ما توفر فيها عناصر التشويق ، وجمال العرض ، ورقي المضمون ، وقد رأيت أبنائي الصغار يقبلون بحرص شديد على بعض أفلام " الكارتون " الناطقة بالعربية الفصحى ، أكثر من إقبالهم على نظيرات لها بالعربية، لأن الأولى فيها من مظاهر الجمال الفني ما لا يتوافر فى الثانية .

اللغة العربية مادة تعليمية :

1 جعل اللغة العربية مادة أساسية فى الجامعات العربية بكل كلياتها ، بما في ذلك الكليات التجريبية .

2)تعريب المواد العلمية ، والهندسية وأن تكون اللغة العربية هي لغة تدريس هذه المواد.

3)إنشاء شعبة اللغة العربية التخصصية في السنة النهائية من المرحلة الثانوية ، تمهيدا لالتحاق طلابها بكلية دار العلوم والكليات الأزهرية ، وأقسام اللغة العربية بكليات الآداب والتربية .

4)رفع درجات اللغة العربية بفروعها المختلفة – فى السنة النهائية من المرحلة الثانوية إلى (150 درجة ) بدلا من (50أو60 درجة ) كما هومعمول به فى المدارس المصرية .

5)تشقيق فروع العربية – ابتداء من الصف الأول بالمرحلة الثانوية – إلى " وحدات " بحيث يكون لكل وحدة كيانها المستقل تدريسا وتقييما ( نجاحا ورسوبا ) على النحو التالي:

أ- التعبير والقراءة 50 درجة

ب- النحو 50 درجة

ج –النصوص والأدب والبلاغة 50 درجة

6)اختصاص المدرس بتدريس " وحدة واحدة " من الوحدات الثلاث السابقة ولايقوم بتدريس أكثر من وحدة إلا لضرورة ملحة ، ولا شك أن هذا (التخصيص) سيمكن المدرس من التوفر على مادته ، وتعمقها والتمكن منها .

7)إضافة مادة جديدة في السنة النهائية من المرحلة الثانوية هي مادة ( جماليات القرآن الكريم ) يرصد لها (50) درجة تبرز ما في القرآن من السحر البيانى ، والقيم التعبيرية والتصويرية بوصفه إعجازا بيانيا .

وواضح أن هذا النوع من الدراسة يختلف عن التفسير الذى يعطي اهتمامه الأكبر للشرح اللغوي وإبراز القيم الدينية ، والاجتماعية والإنسانية .

مدرس اللغة العربية :

والمدرس هو قطب الرحى فى هذا المجال . ومما يؤسف له أن مدرسي اللغة العربية حاليا هابطو المستوى وخصوصا الذين تخرجوا حديثا ، للأسباب التي ذكرتها آنفا .

وحتى يستعيد مدرس اللغة العربية مستواه الطيب كي يتمكن من العطاء السليم السديد اوصي بما يلي:

1)نشر مراكز تحفيظ القرآني في القرى والمدن وتشجيعها ، ومنح القائمين عليها ، والملتحقين بها حوافز مادية قيمة .

2)إعادة المسابقة ( امتحان القبول) لدار العلوم ، واشتراط حفظ القرآن أو نصفه على الأقل بالنسبة للملتحقين بالكليات الأزهرية .

3)منح الطلاب حوافز مادية شهرية مشجعة ( وكان هذا النظام معمولا به من قبل في دار العلوم والأزهر ).

4)إلغاء نظام الترقية بالأقدمية المطلقة ، بحيث لايرقى المدرس ترقية مادية أو أدبية ( من الإعدادي إلى الثانوي ، ومن مدرس عادي لمدرس أول ، ثم إلى وكيل ، أو ناظر أو موجه .... الخ ) إلا بعد أدائه امتحانا جادا في عدد من الكتب الأدبية ، والنقدية ، والتربوية ، وبعد مقابلة جادة عادلة مع لجان تشكل من رجال مشهود لهم بالكفاية في مجال العلم والتعليم والترية .

5)إدخال مادة التربية ، ومادة طرق التدريس فى السنتين الأخيرتين فى مرحلة الليسانس فى الكليات التي يتخرج فيها المدرسون ، على أن يرصد النصف الأخير من السنة الأخيرة للتربية العملية .

التوجيه الفني للغة العربية

وظيفة الموجه من الخطورة بمكان، لأن توجيهاته تؤدي إلى ما يمكن تسميته " بالنتائج المركبة أو المزدوجة "، فهو يوجه مدرسيه ويرشدهم ، وهذه التوجيهات تنعكس على التلاميذ إذا أخذ المدرس نفسه بها . ومن هنا تأتي خطورة مهمته . لذا أوصى في هذا المجال بما يأتى :

1-ألا يختار لهذه الوظيفة إلا من كان على مستوي رفيع جدا – لا من العلم والثقافة فحسب – ولكن من القدرة التربوية على التوجيه والإرشاد كذلك .

2-تخفيف العبء عن الموجه ، بحيث لا يزيد نصابه علي:

35 مدرسا في المرحلة الابتدائية .

25 مدرسا في المرحلة الإعدادية ( المتوسطة ) .

20 مدرسا في المرحلة الثانوية .

3-تكون مهمة الموجه ذات شقين : شق عملي ، وشق تقييمي تقديري

أ- الشق العملي التعليمي : ويتحقق بقيامه بالتدريس الفعلي في فصول المدارس التي يشرف عليها تدريسا نموذجيا بمحضر من المدرسين لحصتين أو ثلاث في الأسبوع ، بحيث يغطي كل فروع المادة كل شهر .

ب- الشق التقييمي التقديري : ويعني ما يسجله الموجه فى تقريره السنوي أو نصف السنوي عن كل مدرس من مدرسيه .

وواضح أن الشق الأول- الذي لا وجود له حاليا – هوالأهم وهو الأعمر بالفائدة ، لأن الموجه عمليا يكون مثلا ونموذجا يحتذي للمعلمين في تدريس اللغة العربية مادة وطريقة .

وعودا على بدء أقول أن ما قدمته في هذه الوريقات أقل ، وأضعف من أن يحيط بالمشكلة تشخيصا وحلا ، وكل ما قدمته لايزيد على كونه " ملاحظات ميدانية " ,ورؤية شخصية لما أزعم انه " معالم على طريق الحل " فإذا أصبت فلي أجران ، وإن جانبت الصواب أو جانبني الصواب فلي أجر واحد ، وأجر واحد ليس بالحظ اليسير في زمننا هذا . والحمد الله في الأول والآخر.

المصدر:رابطة أدباء الشام