العولمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العولمة



1-الصيغة الصرفية

الأرض.jpg

العولمة ترجمة لكلمة (Mondialisation) الفرنسية التي تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من المحدود المراقب إلى اللامحدود الذي ينأى عن كل مراقبة. والمحدود هنا هو أساساً الدولة القومية التي تتميز بحدود جغرافية وبمراقبة صارمة على مستوى الجمارك، تنقل البضائع والسلع إضافة إلى حماية ما بداخلها من أي خطر أو تدخل خارجي، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو السياسة أو بالثقافة. أما اللامحدود فالمقصود به "العالم" أي الكرة الأرضية( ).


على أن الكلمة الفرنسية المذكورة إنما هي ترجمة لكلمة (Globalization) الإنكليزية التي ظهرت أول ما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وهي تفيد تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل.


إذن فالدعوة إلى العولمة إذا صدرت من بلد أو جماعة فإنها تعنى تعميم نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل الجميع، العالم كله.


أما في اللسان العربي "فالعولمة" من "العالم" ويفصل بها فعل "عولم" على صيغة "فوعل" وهي من أبنية الموازين الصرفية العربية. ونلاحظ على دلالة هذه الصيغة أنها تفيد وجود فاعل يفعل.

وهناك صيغ أخرى عبر بها عن دلالة لفظ عولمة هي صيغة "كوكبة" التي فضلها كل من د. إسماعيل صبري عبد الله د. محمود إمام.


2- العولمة اصطلاحاً

لا يزال من الصعوبة بمكان تحديد تعريف دقيق للعولمة وذلك عائد إلى تعدد تعريفاتها و التي تتأثر أساساً بانحيازات الباحثين الإيديولوجية واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضاً أو قبولاً.


وهناك أوصاف عامة للعولمة تعطي فكرة مبدئية عنها، منها أن العولمة تصف وتعرف مجموعة من العمليات التي تشيع على مستوى العالم. ومن هنا فالعولمة لها بعد مكاني. من ناحية أخرى فالعولمة تتضمن تعميقاً في مستويات التفاعل والاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات والتي تشكل المجتمع العالمي.


وهكذا فالإضافة إلى بعد الامتداد إلى كل أنحاء العالم، يضاف بعد تعمق العمليات الكونية.


وإذا أردنا أن نقترب من صياغة تعريف شامل للعولمة فلا بد من أن نضع في الاعتبار ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها.


1- العملية الأولى: تتعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح شائعة لدى جميع الناس.

2- العملية الثانية: تتعلق بتذويب الحدود بين الدول.

3- العملية الثالثة: زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات.

وكل هذه العمليات قد تؤدي إلى نتائج سلبية بالنسبة إلى بعض المجتمعات وإلى نتائج إيجابية بالنسبة إلى البعض الأخر.


وأياً كان الأمر، فيمكن القول إن جوهر عملية العولمة يتمثل في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني( ).


•ولكن كيف تحدث العولمة؟ أو خلال أي قنوات يتم انتشار السلع والخدمات والأفكار والمعلومات والاتجاهات وأشكال السلوك عبر الحدود؟


•يرى جمس روز ناو، أحد أبرز علماء السياسة الأمريكي، أن عملية الانتشار تتم من خلال أربع طرق متداخلة ومترابطة.

1- التفاعل الحواري الثنائي الاتجاه عن طريق تقانة الاتصال.


2 – الاتصال الأحادي الاتجاه من خلال الطبقة المتوسطة.

3- من خلال المنافسة والمحاكاة.


4- تماثل المؤسسات.

عني أن ذلك لا يعني أن عملية العولمة تسير على النطاق القومي بغير مقاومة، فهناك صراع مستمر بين العولمة والمحلية. فالعولمة تقلل من أهمية الحدود بينما تؤكد المحلية على الخطوط الفاصلة بين الحدود. العولمة تعني توسيع الحدود في حين أن المحلية تعني تعميق الحدود، وفي المجال الثقافي والاجتماعي، العولمة تعني انتقال الأفكار والمبادئ وغيرها، بينما المحلية قد تميل في بعض الأحيان إلى منع انتقال الأفكار والمبادئ. ويشهد على ذلك موقف البلدان العربية من السماح للأفراد باستخدام شبكة الإنترنت بينما تجد بعض الدول تفرض حظراً على ذلك ولا تسمع سوى لأجهزة الدولة باستخدام الشبكة. ومن هنا يمكن القول إن قبول مختلف جوانب العولمة يختلف من بلد إلى آخر.


وخلاصة القول فالعولمة كما عرّفها المفكر السوري المعروف أستاذ الفلسفة د. صادق جلال العظم هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ.


تفسير ظاهرة العولمة

ظهر مفهوم (العولمة) أول ما ظهر في مجال الاقتصاد للتعبير عن ظاهرة آخذة في التفشي في العقود الأخيرة، ظاهرة اتساع مجال الإنتاج والتجارة ليشمل السوق العالمية بأجمعها. وينظر بعض الباحثين إلى هذه الظاهرة باعتبارها حركة تلقائية لسقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفياتي فهي من مميزات المرحلة الراهنة من تطور الرأسمالية، بمعنى أن تاريخها يبدأ فقط مع طغيان الصبغة المالية في الرأسماليه .


بينما يرى آخرون أن هذه الظاهرة تتويج لمسلسل من التطور والتوسع الاقتصادي يرجع منطلقه إلى القرن الخامس عشر، إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة. ويتمثل هذا التتويج فيما وفرته التكنولوجيا الحديثة في مجال وسائل الاتصال والإعلام، كما في وسائل قولبة المنتجات، من إمكانية خلق سوق عالمية واحدة تعمل على توفير نفس المنتوجات والمصنوعات في كل مكان وبأسعار متقاربة، وبالتالي توحيد الاستهلاك وخلق عادات استهلاكية على نطاق عالمي( ).


هكذا فُسرت هذه الظاهرة التي صارت ميزة هذه المرحلة الراهنة وفي ظل هذا التفسير فإن عناصر الطفرة الواضحة للعولمة خلال الثلاثين عاماً المنصرمة تتعدد إلى ما يلي:

1- انهيار أسوار عالية كانت تحتمي بها بعض الأمم والمجتمعات من تيار العولمة، ومن ثم اكتسح تيار العولمة مناطق مهمة من العالم كانت معزولة بدرجة أو بأخرى مثل الصين.

2- الزيادة الكبيرة في درجة تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين الأمم. وكذلك تنوع مجالات الاستثمار التي تتجه إليها رؤوس الأموال من بلد إلى آخر.

3 – ارتفعت بشدة نسبة السكان في داخل كل مجتمع أو أمة، التي تتفاعل مع العالم الخارجي وتتأثر به مثل مصر.

4 – ظل تبادل السلع ورؤوس الأموال هو العنصر المسيطر على العلاقات بين الدول حتى وقت قريب، ثم بدأ تبادل المعلومات والأفكار يصبح هو العنصر الغالب على هذه العلاقات.

5- أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات (Transnational Corporations) الوسيلة الأكثر فعالية ونشاطاً في تحقيق هذا الانتقال للسلع ورؤوس الأموال والمعلومات والأفكار، بل هي المهيمن على هذا الانتقال( ).


النشأة التاريخية للعولمة

يمكن القول إن للعولمة تاريخاً قديماً، وبالتالي فهي ليست نتاج العقود الماضية التي ازدهر فيها مفهوم العولمة وذاع وانتشر. ولعل ما جعل العولمة تبرز آثارها في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها العالم، هو تعمق آثار الثورة العملية والتقنية من جانب، والتطورات الكبرى التي حدثت في عالم الاتصال، والتي يمكن القول إنها أحدثت ثورة في العالم من خلال تطور الحواسيب الإلكترونية والأقمار الصناعية وظهور شبكة الإنترنت، بكل ما تقدمه للاتصال الإنساني بمختلف أنواعه من فرص ووعود.


وإذا حاولنا أن نتتبع النشأة التاريخية للعولمة يمكننا أن نعتمد على النموذج الذي صاغه رولاند روبرتسون في دراسته "تخطيط الوضع الكوني: العولمة باعتبارها المفهوم الرئيسي". ونقطة البداية عنده هي ظهور الدولة القومية المتجانسة والتجانس هنا بمعنى التجانس الثقافي إلى جانب عاملين اثنين هما مفاهيم (الأفراد) و (الإنسانية).


وينقسم النموذج إلى خمس مراحل كما يلي:


1- المرحلة الجنينية

استمرت في أوروبا منذ بواكير القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن الثامن عشر. هذه المرحلة شهدت نمو المجتمعات القومية، وإضعافاً للقيود التي كانت سائدة في القرون الوسطى.


2- مرحلة النشوء

استمرت في أوروبا أساساً من منتصف القرن الثامن عشر حتى عام 1870 وما بعده. فقد حدث تحول حاد في فكرة الدولة المتجانسة الموحدة وأخذت تتبلور المفاهيم الخاصة بالعلاقات الدولية. وزادت إلى حد كبير الاتفاقات الدولية، ونشأت المؤسسات الخاصة المتعلقة بتنظيم العلاقات والاتصالات بين الدول. وبدأت مشكلة قبول المجتمعات غير الأوروبية في "المجتمع الدولي". وبدأ الاهتمام بموضوع القومية والعالمية.


3- مرحلة الانطلاق

استمرت من عام 1870 وما بعده حتى العشرينيات من القرن العشرين وظهرت مفاهيم تتعلق بالهويات القومية والفردية وتم إدماج عدد من المجتمعات غير الأوروبية في المجتمع الدولي، وبدأت عملية الصياغة الدولية للأفكار الخاصة بالإنسانية ومحاولة تطبيقها. وحدث تطور هائل في عدد وسرعة الأشكال الكونية للاتصال.

وتمت المنافسات الكونية مثل الألعاب الأولمبية وجوائز نوبل. ووقعت في هذه المرحلة الحرب العالمية الأولى ونشأت عصبة الأمم.


4- الصراع من أجل الهيمنة

استمرت هذه المرحلة من العشرينيات حتى منتصف الستينيات. وفيها بدأت الخلافات والحروب الفكرية وركز فيه على القضايا الإنسانية لا سيما بعد حوادث الهولوكوست وإلقاء القنبلة الذرية على اليابان وبروز دور الأمم المتحدة.


5- مرحلة عدم اليقين

بدأت منذ الستينيات وأدت اتجاهات وأزمات في التسعينيات. وقد تم إدماج العالم الثالث في المجتمع العالمي. وشهدت نهاية [الحرب الباردة]، وازدادت المؤسسات العالمية. وظهرت حركة الحقوق المدنية، وأصبح النظام الدولي أكثر سيولة، وانتهى النظام الثنائي القومي. وزاد الاهتمام في هذه المرحلة بالمجتمع المدني العالمي، والمواطنية العالمية، وتم تدعيم نظام الإعلام الكوني.


ب – العولمة مشروع أمركة:

هذا وهناك من يفسر ظاهرة العولمة على أنها مبادرة تقدم بها بعض المنظرين في الولايات المتحدة عام 1965م طرحوا فيها ثلاث قضايا جعلوا منها برنامج عمل يضمن للولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة والسيادة على العالم هي:

1- القضية الأولى: تتعلق باستعمال السوق العالمية كأداة إخلال التوازن بالدولة القومية في نظمها وبرامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية.

2- القضية الثانية: تخص الإعلام بوصفة القضية المركزية التي يجب الاهتمام بها لإحداث التغيرات المطلوبة على الصعيد المحلي والعالمي.

3- القضية الثالثة: تتعلق بالسوق كمجال للمنافسة فقالوا إن "السوق" يجب أن تصبح مجالاً "اصطفاء الأنواع" متبنين هكذا بصورة صريحة النظرة الدراونية التي تقول بـ "البقاء للأصلح" في مجال البيولوجيا داعين إلى اعتمادها في مجال الاقتصاد على مستوى عالمي.


يتعلق الأمر إذن بإيديولوجيا صريحة تقوم على ثلاثة ركائز:

1- شل الدولة الوطنية وبالتالي تفتيت العالم لتمكين شبكات الرأسمالية الجديدة والشركات العملاقة متعددة الجنسية من الهيمنة والسيطرة على دواليبه.

2- توظيف الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة في عملية الاختراق الثقافي واستعمار العقول.

3- التعامل مع العالم، مع الإنسان في كل مكان، تعاملاً لا إنسانياً، تعاملاً يحكمه مبدأ "البقاء للأصلح" وفي إطار هذا المبدأ تبدو الخصخصة والمبادرة الحرة والمنافسة… الخ على حقيقتها كإيديولوجيا للاقتضاء والتهميش وتسريح العمال أخذاً بمبدأ كثير من الربح قليل من المأجورين( ).


مجالات العولمة

للعولمة مجالات متعددة اقتصادية وسياسية وثقافية وإعلامية وغيرها.

1- فالاقتصادية تظهر في عمق الاعتماد المتبادل بين الدول والاقتصاديات القومية وفي وحدة الأسواق المالية وفي عمل المبادلات التجارية في إطار لا حماية فيه ولا رقابة وأبرز شيء في ذلك إنشاء منظمة التجارة الدولية وهنا تثار مشكلة "أزمة الدولة القومية" ودور الدولة في العولمة الاقتصادية.

2- السياسة: تتجلى في سقوط الشمولية والسلطة والنزوع إلى الديمقراطية والتعددية السياسية. والمشكلة حول الديموقراطية أهي نظرية غربية خالصة أم لثقافات المجتمعات العالمية تأثير عليها؟ وهل هناك إجماع على احترام مواثيق حقوق الإنسان؟

3- العولمة الثقافية: تكمن في أن الثقافة العالمية قضاء على الهوية والخصوصية الثقافية.

4- العولمة الإعلامية: تدور حول البث التلفزيوني عن طريق الأقمار الصناعية وحول شبكة الإنترنت التي تربط البشر في كل أنحاء المعمورة.


المراجع

(1) د. محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية ط 1 بيروت، حزيران 1997

(2) أسامة أمني الخولي، العرب والعولمة، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية .

(3) صادق جلال العظم، "ما هي العولمة"، (ورقة بحثية) (تونس: المنطقة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1996)، عن شبكة الإنترنت.