العسكر ومذابح القضاة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العسكر ومذابح القضاة


يعتبر القضاء من الأركان القوية التي دعمت الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في يوليو 2013م، حيث كان بمثابة رأس الحربة ضد التجربة الديمقراطية التي شهدتها البلاد، في محاولة للمحافظة على مكتسباتهم التي حظوا بها خلال فتراتهم السابقة، والتي ظنوا أن التجربة الديمقراطية الوحيدة التي شهدتها البلاد، ستعمل على تقويض أركان دولتهم التي بنوها على انقاض هذا الوطن.

وبالفعل ظل القضاء يعمل ويدعم اركان الانقلاب، ويرسل المعارضين إلى حبل المشانق، أو تغيبهم في غياهب السجون مئات السنين بأحكام يتيقن الجميع أنها ليس في القانون من شيء ولكن تلبية لرغبة الحاكم العسكري في مقابل أن يحافظ لهم على مملكتهم التي بنوها ويرغبون في توريثها لأولادهم من بعدهم.

إلا أنه في الفترة الأخيرة شهدت البلاد بعض محاولة الحاكم العسكري السيطرة على هذه الدولة القضائية، بأن سن القوانين التي يتحكم بها في تعيين الرؤساء واختيارهم، وذلك لجبر الجميع أن يسمع ويطيع لكل ما يملي عليهم.

وعلى الرغم من ذلك إلا أن الجو لم يعد صافيا بينهما، وأصبح ملبدا بالغيوم والشك، وتكاد تحدث أزمة بين الطرفين، على غرار ما قام به عبد الناصر عام 1969م ضد مؤسسة القضاء. وفي هذا الوريقات نعيش مع هذه الأزمة التي عصفت بمئات القضاة في أكبر مذبحة حدثت لهم حتى الآن.

المُستشار - يحيي الرفاعي يروي تفاصيل (مذبحة القضاة):

" عبد الناصر شرَّدَ 200 من قُضاة مصر بتهمة العداء للنظام. كان من بين انجازات الحقبة الليبرالية في مصر قبل قيام حركة ضباط 23 يوليو 1952، ضمان استقلال السلطة القضائية واحترام أحكامها، وعدم تدخل الدولة في شئون القضاء والقضاة، وعاش قضاة مصر أزهي عصور الاستقلال خلال حكومات الوفد، في إطار قانون استقلال القضاء الصادر عام 1943 في عهد حكومة مصطفي باشا النحاس.
وفي أعقاب حركة 23 يوليو، وتأميم الحياة السياسية والديمقراطية في مصر، شهدت العلاقة بين ضباط الجيش والقضاة صدامات حادة وعديدة، نظراً لرغبة حركة الجيش في فرض هيمنتها والاستئثار بجميع السلطات
لذلك كان طبيعياً أن ينتهي الأمر بصدام مروع بين الطرفين وهو ما عرف تاريخياً في أغسطس 1969 باسم "مذبحة القضاء" والتي قام خلالها الرئيس عبد الناصر بالتخلص من أكثر من مائتين من قضاة مصر بعزلهم بالمخالفة للقانون، نتيجة لتقارير كاذبة من أعضاء التنظيم الطليعي تتهم القضاة بالعداء لنظام 23 يوليو.
وشهدت هذه الفترة الكئيبة علي قضاة مصر، تطاولاً علي أحكام القضاة عبر صفحات الجرائد، وخضع عشرات القضاة لعمليات تجسس من قبل الأجهزة الأمنية. "الوفد" في حوارها اليوم مع المستشار يحيي الرفاعي، رئيس شرف نادي القضاة مدي الحياة، تناقش أوضاع قضاة مصر خلال عهد عبد الناصر، خاصة أن المستشار يحيي الرفاعي، أحد الذين عزلوا خلال مذبحة القضاة، حيث كان سكرتير عام نادي القضاة، ونجح بقائمته بالكامل في انتخابات النادي في مواجهة قائمة التنظيم الطليعي.
أولاً هذه المذبحة نفذت في 31 أغسطس 1969 وتم خلالها عزل رئيس محكمة النقض، وأكثر من نصف مستشاريها وناهز عدد القضاة المعزولين حوالي مائتي قاضٍ من القضاة المتمتعين بحصانة عدم القابلية للعزل بغير الطريق التأديبي طبقاً للقانون، أما أسباب هذه الكارثة، وإذا شئنا الدقة فقد كان وراءها سبب غير مباشر وهو هزيمة يونيو 1967 وما تبعها من آثار نفسية وعصبية علي القيادة السياسية
وعلي من كانوا علي صلة بها من أعضاء التنظيم السري الطليعي في الاتحاد الاشتراكي، وللأسف الشديد فقد كان بعض رجال القضاء ومجلس الدولة منخرطين في هذا التنظيم كما تبين لنا فيما بعد، وكانوا معدودين علي أصابع اليدين وكان بعضهم يكتب التقارير السرية عن زملائه إلي القيادة السياسية يومياً بما كان يدور من أحاديث في نادي القضاة، ومجالس القضاة الخاصة
حيث كانت هذه مهمة أعضاء ذلك التنظيم وبهذا الأسلوب بدأوا في إثارة غضب الرئيس "جمال عبد الناصر" بصورة متصاعدة ضد القضاة. وفي الوقت ذاته، كان الرئيس "عبد الناصر" يلح علي المستشار "عصام حسونة" وزير العدل في أن يشكل تنظيماً سرياً من القضاة!! وكان الوزير غير مقتنع بهذه الطريقة لتعارضها مع أخلاق القضاة
فكلف "عبد الناصر" وزير الداخلية "شعراوي جمعة" بتشكيل جماعة قيادية لهذا التنظيم، فشكلها من عدد من رجال القضاء ومجلس الدولة، وإدارة قضايا الحكومة، والنيابة الإدارية، واسماهم هيئات قضائية، وهي واقعة حدثت لأول مرة في تاريخ القضاء المصري منذ نشأته وحتي هذه الكارثة التي أطلق عليها "مذبحة القضاء".
  • وبعد تولي المستشار "محمد أبونصير" وزيراً للعدل هل وجد من يوافق من السادة القضاة علي الانضمام للتنظيم السري في القضاء؟
بعد تعيين الوزير "محمد أبونصير" قام بتشكيل تنظيم سري من القضاة!! وكانت نواة هذا التنظيم وجود قضاة أشقاء بعض الوزراء آنذاك، وأخذت هذه الجماعة تعقد جلسات دورية برئاسة الوزير "محمد أبونصير" الذي بذل جهداً كبيراً في سبيل تكوين تنظيم طليعي داخل القضاء، واستعان بتكوينه ببعض الذين خضعوا لنفوذه ونفوذ عملاؤه، وهنا تزايدت التقارير اليومية علي مكتب الرئيس "عبد الناصر".
وناقش الوزير مع اللجنة العليا هذا التنظيم، وطالب الجواسيس في توصياتهم بإعادة تشكيل هيئات القضاء، ودمجها في النيابات الإدارية وإدارة قضايا الحكومة، وإجراء التنقلات بين القضاة إلي هاتين الجهتين، وإلي غير ذلك من المقترحات الهدامة والمبالغات الجسيمة في حق الشرفاء من رجال القضاء.
  • كيف نفذت مذبحة القضاة؟
ظل الجواسيس يكتبون التقارير ضد رجال القضاء الشرفاء إلي أن قام الرئيس "عبد الناصر" بتكليف د. جمال العطيفي بصياغة مجموعة قرارات جمهورية لتنفيذ المذبحة، وبدأت العجلة تدور، حيث تم تشكيل لجنة في رئاسة الجمهورية لتحديد الأسماء الواجب فصلها، والأسماء التي سيكتفي بنقلها إلي جهات حكومية أخري.
وأعهدت اللجنة تلك الكشوف من واقع تقارير التجسس التي كانت تفيض بالحقد علي القضاة والشرفاء، ولا تنسب لهم أكثر من أنهم أعضاء الثورة المضادة الذين يقذفون في حق الرئيس عبد الناصر في جلساتهم اليومية بنادي القضاة. فصدرت قرارات المذبحة من "عبد الناصر" باعتبارها قرارات جمهورية، وتضمنت حل مجلس إدارة نادي القضاة، وتعيين مجلس آخر لإدارته من بين شاغلي المناصب القضائية بحكم وظائفهم.
  • وما أثر تلك المذبحة علي القضاء والقضاة؟
بهذه المذبحة انتهت الحرية الاجتماعية للنادي وقاطعه الأعضاء بعد أن أصبح مقراً للجواسيس، ولكل من خان الأمانة تقرباً للسلطات، وظلت الأوضاع بهذه الصورة، وبالطبع انعكست علي بعض الأحكام القضائية بما أثمرته من افتقاد للأمن والأمان بين الأوساط القضائية إلي أن توفي الرئيس جمال عبد الناصر.
وأريد أن أذكر واقعة تحضرني، وهي أن زميلاً لنا في القضاء وهو من عائلة "أبوشقة" كان متزوجاً من سيدة ألمانية وحين فصل في مذبحة القضاء ثارت هذه السيدة عليه ولم تصدقه، وقالت له: انت خدعتني وأنت لست قاضياً فالقاضي لا يعزل في أي دولة، وأنت كذبت علىّ!! لولا أنها عرفت الحقيقة فيما بعد من الصحف الأجنبية لكانت كارثة بالنسبة له، فالمواقف التي شابهت ذلك كانت متعددة ومؤلمة لأصحابها.
بما أن هذه الكارثة المسماة بـ"مذبحة القضاء" كانت أمراً جسيماً اهتزت له مصر من أقصاها إلي أقصاها، فقام الرئيس "السادات" حين تولي الحكم بإصدار قرار بإعادة بعض المعزولين إلي محكمة النقض في الدعوي التي اقمتها فور صدور المذبحة بانعدام هذه القرارات قانونيا
ثم أصدر الرئيس "السادات" قانوناً بإعادة القضاة المعزولين الباقين الذين لم يتجاوزوا سن التقاعد، وتمت إحالة اثنين من الجواسيس إلي المحكمة التأديبية، وانتهت بعزلهما ولهذا السبب رفع "السادات" شعار العفو عن الباقين فتوقف نظام التأديب عن محاكمتهم لأن المحاكمة بنص القانون تتوقف بناء علي طلب من الوزير برفع الدعوي التأديبية.
  • معني هذا أن نظام يوليو بهذه المذبحة قد سفك دم العدالة؟
بالطبع وهذا صحيح مائة في المائة لأن قرارات هذه المذبحة علي أية حال كانت سبة في جبين النظام كله، ووصمة عار في نظام يوليو، وهي نتيجة لهزيمة يونيو 1967، وما ترتب عليه من حساسية وعصبية والرغبة في الاستقواء والاستبداد إلي الحد الذي مس كرامة كل مصري من شعب مصر.
  • قيل حينها إن سيادتك مع المستشار "ممتاز نصار" - رحمه الله - قمتما بتوزع بيان إلي السفارات الأجنبية.. فما حقيقة ذلك؟
هذا اتهام ساخر وساذج وجرت العادة خاصة في تلك الفترة علي إلصاق مثل هذه التهم بكل الشرفاء الذين لهم آراء مخالفة للسلطة وذلك لمحاولة النيل من سمعتهم وشرفهم فضلاً علي أنه اتهام واضح التلفيق، والمبالغة فيه.. لأنه ببساطة شديدة جداً ومن غير المعقول ولا المقبول أن يتردد رئيس نادي القضاة في مصر وسكرتيره العام علي السفارات ليوزعا بياناً للقضاة..
ولكن ما حدث بالضبط أن النادي قام بطبع ثلاثة آلاف نسخة من ذلك البيان ولم تكن كافية فتلقي النادي طلبات كثيرة جداً من المواطنين والنقابات والهيئات بطلب نسخ أخري من بيان القضاة، وكان النادي يعتذر لنفاد الكمية المطبوعة، وأخيراً اضطر لطبع عشرة آلاف نسخة أخري لتلبية طلبات الأعضاء وغيرهم من أساتذة الجامعات وأمثالهم ممن يهتمون بما حدث بقضاء مصر الشامخ من الذين أرادوا أن يحولوه إلي قضاء تابع لسلطاتهم وأهوائهم!!
  • بعض المؤيدين لثورة يوليو قالوا بما أنها أجرت تغييرات شاملة لكل الأوضاع التي كانت قائمة فيحق لها أن تتخطي القوانين أو تلغيها وتحكم بما يسمي بالشرعية الثورية؟
أولاً قلت في سؤالك ثورة وفي الحقيقة لم تكن 23 يوليو ثورة قام بها الشعب، وإنما كانت انقلاباً عسكرياً قام به لفيف من الضباط وكانوا يطلقون علي أنفسهم الضباط الأحرار، ويشكلون تنظيماً سرياً داخل الجيش وهؤلاء الضباط هم الذين أطلقوا علي حركتهم تسمية الثورة!!..
واحترفوا تجنيد العمال بالمال والإرهاب المحاكمات العسكرية، والمحاكمات الاستثنائية، وقد عرفنا جميعاً من خلال مذكرات عبد اللطيف البغدادي وهو أحد أعضاء تشكيل ما يسمي بالضباط الأحرار.. كيف كان العمال يؤجرون لعمل المظاهرات؟
بل وصل بهم الأمر إلي حد توجيههم لضرب "عبدالرازق باشا السنهوري"، في مكتبه وهو رئيس مجلس الدولة بمعرفة حفنة من البلطجية، وهؤلاء العمال اقتحموا علي "السنهوري باشا"، مكتبه اعتدوا عليه.. وثبت أيضاً أن "السنهوري باشا" رفض مقابلة "عبد الناصر" عندما زاره في مساء ذلك اليوم للاطمئنان عليه ولنفي التهمة عنه وهذه الواقعة ثابتة وذكرها "البغدادي"، بأن زعيم المعتدين قبض من "جمال عبد الناصر" أربعة آلاف جنيه ثمناً لفعلته هذه، وللعجب كانت هذه المظاهرات المأجورة تهتف بسقوط الديمقراطية والحرية وكانت تنادي بالديكتاتورية!!..
وهذه كانت أول ضربة توجه للقضاء، وبالتالي توجه أيضاً للحريات والديمقراطية.. واستمرت المحاكم الاستثنائية في الفترة الناصرية تمارس أعمالها القضائية وتصدر أحكامها الظالمة علي بعض فئات الشعب بطريقة مهينة، ومشينة مهملين قضاء مصر الحقيقي.
  • هل وصل أمر التجسس علي وزير العدل المستشار "عصام حسونة" ورئيس محكمة النقض المستشار "عادل يونس" وبعض المستشارين أمثال "ممتاز نصار وعلي عبدالرحيم"، وسيادتك واتهامكم بأنكم أعداء للرئيس عبد الناصر وللنظام؟
للأسف الشديد كان يتم ذلك التجسس من بعض المستشارين الجواسيس الذين كانوا يكتبون التقارير والوشايات الكاذبة، ولذلك قام "عبد الناصر" بتشكيل لجنة برئاسة "السادات" لكتابة كشف بأسماء بعض رجال القضاء بناء علي هذه التقارير المكتوبة وقامت اللجنة بالتوصية بإحالة مائتن من خيرة رجال القضاء إلي المعاش، وكان منهم جميع أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة في ذلك الوقت.
وكان نص القرار الذي أصدره عبد الناصر هو عزل جميع رجال القضاء في مصر ثم إعادة تعيينهم بعد استبعاد 200 منهم احيلوا للمعاش، وآخرون نقلوا لوظائف مدنية بوزارات الحكومة ومصالحها المختلفة!
  • وما الذي جعل علي صبري يتهمكم في جريدة "الجمهورية" بأن "رجال العدالة لم يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي المهم في المجتمع الاشتراكي"؟
في الحقيقة أن "علي صبري" كان يكتب في جريدة "الجمهورية" سلسلة مقالات يومية اتحف منها القضاء بثمانية مقالات كلها تهجم علي القضاء والقضاة، وهاجم فيها أحكام البراءة لعدم كفاية الأدلة، وهاجم فيها أيضاً كبار رجال القضاء، وأعضاء محاكم الجنايات والنقض، بدعوي أنهم طبقة خاصة تحكم بالبراءة للشك في الدليل أو لبطلان الدليل، وتعرض لهذه الأحكام بالنقد والتجريح
لأن هذه الأحكام كانت في نظره خطأ جسيماً.. وقد أسهمت هذه المقالات في إشعال الفتنة، وغضب القضاة وإثارة الطوائف في وقت كانت مصر فيه أحوج ما تكون إلي التوحد والديمقراطية الحقيقية حتي تستطيع أن ترغم إسرائيل علي الجلاء من سيناء، وأخذت هذه المقالات تنادي بوجوب خضوع القضاء لتشكيلات الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد في مصر في ذلك الوقت.
  • إذن الحكم العسكري سحق المواطن المصري وكان كالفجر الكاذب؟
نعم وكل الاحترام والتقدير لكل من يري ذلك فالحكم العسكري كانت له سلبيات وتجاوزات كانت أفدح وأخطر أثراً علي بناء المواطن المصري والقوة الذاتية لمصر نتيجة لسحق النظام الدستوري، واحتكار القانون، وهو الأمر الذي مازالت مصر تعانيه من حكم فرد مطلق..
والآثار قائمة مثل تفشي آثار البلطجة وشيوع الفساد في جميع مرافق مصر والإطاحة باستقلال القضاء، وتفريغه من مضمونه المنصوص عليه في الدستور، والإطاحة باستقلال الجامعات والتوسع في تزوير الانتخابات، علاوة علي إفساد تكوين الأفراد نتيجة لضياع الحريات وممارسة إرهاب الدولة، وإهدار كرامة المواطن في أقسام الشرطة
وغيرها من ضياع الاحساس بالكرامة الذاتية، وضياع حقوق المواطنة وتحويل البلاد إلي عزبة يملكها أي حاكم بأمره دون مساءلة وإشاعة النفاق والرياء، وكل الأخلاق الفاسدة، وتحويل برامج التليفزيون إلي برامج بعضها يندي له الجبين.. وأصبحت مصر مركزاً لحكم الفرد وقدوة للتسلط، واحتقار الإنسان، وكل هذه الأشياء إفرازات طبيعية لحكم الضباط الأحرار.
  • هل هذا هو تقييمك لنتائج حكم 23 يوليو؟
نعم لأن الانقلاب العسكري الذي حدث في 1952 كان انقلاباً تأخر بالبلاد وتخلف عن ركب الحضارة العالمية، وأعطي في المنطقة العربية أسوأ قدوة للحكم.
  • ولماذا لم تذكر مراكز القوي؟
نعم.. كانت توجد مراكز قوي وكانت مسيطرة ومتشعبة وكان وجودها نتيجة طبيعية لرسوخ نظام حكم الفرد، والطوارئ، والاعتقالات والتعذيب الذي كان يتم للمعارضين وإرهاب الدولة علي النحو السابق ذكره، في حين لو أن رجال يوليو أخذوا بالنظام الديمقراطي، لكانت مصر أصبحت دولة مؤسسات بالفعل.. ولم تكن ستعرف مراكز القوي، ولا النفاق السياسي ولا سوء الخلق علي نحو ما هو وصل إلينا من مساوئ نظام يوليو.
استطيع أن أقول إن تأميم قناة السويس كان أحد هذه الإيجابيات.. ولكن غيري قد يختلف معي ويقول كان يجدر بنا عدم اتخاذ قرار التأميم وكانت القناة ستعود بعد انتهاء فترة الامتياز من خلال 12 سنة بدلاً من أن تؤمم القناة وتكبد مصر أموالاً وأرواحاً غير ذات حصر في سبيل ذلك التأميم.
  • في الفترة الناصرية هل طغت السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية والسلطة القضائية وإلي أي حد؟
طغت السلطة التنفيذية علي كل السلطات لدرجة أن أحكام القضاء كانت لا تنفذ خلال الحكم العسكري، خصوصاً التي كانت تصدر علي غير هوي الحاكم فتعتبر هذه الأحكام لا قيمة لها وكانت لا تنفذ وأيضاً لا يعاقب أي مسئول عن عدم تنفيذها، وكان هذا هو السبب الرئيسي في هز الثقة العامة في الدولة، وإشاعة البلطجة بدلاً من احترام القانون وهذه صورة من صور ضياع استقلال القضاء، في حين أن احترام احكام القضاء هو التزام يقع في الدول المتحضرة علي عاتق الجميع!
ابتداءً من رئيس الجمهورية حتي أصغر موظف فيها باعتبار ذلك أساساً جوهرياً من أسس سيادة القانون واحترام الدولة.. وإذا فقدت السلطات الثلاث "تشريعية، قضائية، تنفيذية" شرط التوازن فيما بينها كما حدث في الحقبة الناصرية، حيث تغولت السلطة التنفيذية علي السلطتين الأخريين "التشريعية - القضائية" كان طبيعياً أن تضيع حقوق الناس وحرياتهم، وشاع الخوف وعدم الأمان والاستقرار.
  • الرئيس عبد الناصر البعض ينفي عنه صفة الديكتاتورية متعللين أنه كان يحكم بالثورية الشرعية؟
كان النظام كله نظاماً يكتاتورياً أسفر عن حكم فردي ديكتاتوري، ونظام قمعي في ظل دساتير شمولية متعاقبة، وأوامر عسكرية، وحتي أحكام القضاء الصادرة عن محاكم أمن الدولة طوارئ كان لابد أن تخضع لتصديق الحاكم العسكري عليها، والديكتاتورية ألغت الانتخابات الحقيقية في كل المؤسسات والهيئات، حتي في الجامعات.. إلي أن وصل الأمر الذي أصبح فيه العمد في القري يعينون وكل ذلك نتيجة لنظام يوليو الديكتاتوري.
قلت لك من قبل وأصر علي أن ما حدث ليس بثورة ولكنه انقلاب عسكري، وهذا الانقلاب حدثت له عدة ضربات موجعة، ومؤثرة أسرعت بنهايته، منذ استئجار المظاهرات وضرب السنهوري باشا فكان هذا أول مسمار في نعش هذا الحكم، ثم قمع الحريات، وتأميم الصحافة
ومذبحة القضاء والهزيمة في 1967، واستفحال مراكز القوي فالسلبيات كانت كثيرة ومنها الدسائس والوشايات، والمؤامرات والصراعات وكلها كانت تؤثر في قرارات عبد الناصر إلي أن توفي وتولي السادات وتم القضاء علي مراكز القوي وفي تلك الفترة التي سحقت المواطن المصري