العسال: بيئة الطهر والاعتدال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
العسال: بيئة الطهر والاعتدال
220pc

بقلم الأستاذ الدكتور أحمد العسال *

عبر عصر الرسالة، شهدت عملية بناء الحياة الإسلامية مرحلتين أساسيتين، تمثلت أولاهما بالعصر المكي، وتمثلت أخراهما بالعصر المدني، ففي العصر الأول، الذي استغرق زهاء الثلاثة عشر عامًا كان الجهد ينصب على بناء الإنسان المسلم بالعقيدة وتوجيهه وفق مطالبها ومفرادتها، بينما مضى الجهد في العصر المدني، الذي استغرق زهاء السنوات العشر، إلى بناء المجتمع والدولة بالتشريع، مع استمرار الخط الأول؛ حتى لا يلبث البنيان أن ينهض قائمًا، واضحًا، متميزًا، متماسكًا، قادرًا على الاستمرار بتجذره في العقيدة، وتلقيه تشريعات السماء وشروح وإضافات الرسول- صلى الله عليه وسلم.

ومع البنيان العقيدي والتشريعي كانت تجري عملية بناء اجتماعي شامل، أو بعبارة أدق عملية تشكيل جديدة للبيئة العامة التي تحملها الدولة، ويتحرك فيها الإنسان المسلم، أي في إطار العقيدة والشريعة والمجتمع.

إن البعد العقيدي يوجه المسلم ويربطه بالله- سبحانه- الأمر الذي يمنحه قدرة أشد على الثبات والفاعلية في إطار الإسلام، ذلك أن أية مخالفة أو ميل أو تزوير في تفاصيل العقيدة وجزئياتها سيئول إلى غضب الله- سبحانه- وإلى عقابه الذي يخشاه المسلم الجاد، وفي المقابل فإن التزام مطالبها، والتحقق بها، والإحسان في تنفيذها سيئول إلى رضا الله، الذي يطمح إليه المسلم الجاد كهدف عزيز لكل ما يقوم به وينفذه في واقع الحياة.

والبعد التشريعي ينظم الممارسة، ويضع ضوابطها ويرسم مسالكها بالعلم الإلهي الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، والذي تجيء معطياته متوازنة ومتكاملة في مرونة ودقة وإحكام وانسجام مع مطالب الإنسان، وتوافقًا مع السنن والنواميس.

والبعد الاجتماعي يتكفل بتهيئة البيئة أو المناخ المناسب، بحيث يتسم بأكبر قدر من الإسلامية عن طريق رسم وتصميم العلاقات الموزونة المرنة بين كافة أطراف الحياة الاجتماعية بلا إفراط ولا تفريط.

إن التشريع الإسلامي لقضايا الجنس والمرأة والأسرة والطفولة، يقف عند نقطة التوازن، لا ينحرف، ولا يتفلت، ولا يميل، ولا يكبت ولا يهدر، وهو يلاحق كل حالة، ويعالج كل مفردة دون أن يغفل واحدة منها، هذه التشريعات أثبتت مصداقها وتفردها في مجابهة المعضلات قبالة كل صنوف الفشل والإحباط التي آلت إليها التشريعات الوضعية والدينية المحرفة، واليوم نسمع من الغربيين أنفسهم من مفكريهم ومن مشرعيهم والمعنيين بقضاياهم الاجتماعية أن التشريع الإسلامي هو وحده التشريع القدير على الديمومة؛ لأنه وحده الذي يناسب حجم التجربة ويستجيب- بإعجاز باهر موزون- لمطالب الإنسان!

ثم تأتي "البيئة" أو "المناخ العام" الذي يشكله الإسلام عبر نسيج الحياة الاجتماعية؛ حيث تجتث كل صنوف الإثارة والإغراء، وتقفل كل المسالك والأبواب إلى ظلمات الخطيئة وسراديب الانحراف، وحيث تصير الوقاية قاعدة الحياة اليومية، وحيث تسود العلاقات الاجتماعية بين سائر الأطراف مفردات العفة والتطهر والنظافة والاعتدال، وحيث يتشكل ما يمكن أن نسميه بالذوق العام، الذي يمارس نوعًا من الرقابة العفوية، والاحتقار الجماعي لكل انحراف مهما دق وخفي، ودونما همز ولمز، ودونما فضح وتشهير، أو تجاوز لأمن الآخرين وحرياتهم، ويكافئ في مقابل هذا وذلك- وبعفوية أيضًا- كل المتطهرين الذين يتجاوزون الدنس، ويعينون من هم أقل منهم قدرة على الاجتياز.

إنه مناخ يطبق قول الله- عز وجل: ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104)، ويدرك حقيقة قول الله- عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ (آل عمران: 110), وينأى عن "الميل العظيم" في قوله تعالي: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾ (النساء: 27).

إنه المناخ النظيف، الذي لا يؤزم، ولا يدفع إلى حافات الانهيار والسقوط، والذي يعين المسلم على اجتياز رحلة الحياة اليومية بأقل قدر ممكن من الإثارة والاحتكاك والاحتراق، وبأكبر قدر ممكن من الحث على التعفف والتجاوز والطهر، وإنا بمجرد أن نتذكر ما الذي يجري اليوم في شوارعنا ومؤسساتنا ودوائرنا وممارساتنا التعليمية وأنشطتنا الإعلامية, بل في بيوتنا وأزقتنا وأحيائنا، من إثارة متجددة لحوافز الجنس، تتسم بالحدة والانفلات بسبب تأثرنا وإعجابنا وتبعيتنا للحياة الغربية المنحلة، وما يترتب عليه من تلف في أعصاب المسلمين، الذين يتأبون على الانحراف، ومن دمار وتفكك لأولئك الذين تكتسحهم الموجة، والخسارة البالغة للحياة والمستقبل الإسلامي في كلتا الحالتين. . ونقارن هذا كله بالمناخ العام للمجتمع الإسلامي الملتزم المتعفف المتطهر النظيف، أدركنا فرصتنا الفريدة في التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة ومجتمعًا من أجل تمكين الإنسان المسلم من التحقق بأقصى درجات الطهر والاعتدال.

المصدر

للمزيد عن الدكتور أحمد العسال

وصلات داخلية

كتب متعلقة

متعلقات أخري

مقالات بقلمه

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

محاضرات صوتية للشيخ

وصلات فيديو