العروبة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

(الوطنية .. القومية .. الإسلامية) وخطاب الحراك الإسلامي المعاصر..!


العروبة .. دائرة تجمع وقوة وتدفع


قال تعالى: (إنا أنرلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) (يوسف: 2).

لقد ضج الصخب، وثارت الزوابع حول موقف الحراك الإسلامي المعاصر، وكيف أنه ضيع الوطنية، وأهمل العروبة والجامع العربي، مغادراً إلى الإسلامية العالمية، خالي الوفاض في سفره هذا من مقومات الوطنية والوحدوية الضروريتين لنجاح هذا المسعى العالمي ..!


وهنا لا بد من القول: إن كثيراً ممن تكلموا وخاضوا في هذا الاتجاه، وأصروا على اتهام التوجه الإسلامي العالمي بالالتباس الحاصل في فهمه للوطنية والإسلامية، كانوا شهداء زور، تحكمهم المواقف المسبقة، والقرارات المقننة في دوائر غير صديقة، وفي دواخل متنكرة لِهمّ الأمة الحقيقي .. فهم قد تجاوزوا الوقائع الأكيدة لأقوال الحركة الإسلامية وأفعالها منذ قامت وحتى اليوم، حيث اجتزأوا أقوالاً متفرقة، أطلقت هنا وهناك، بعد أن فصلت عن سياقها ومناسبة ورودها، وظروف التصريح بها، ليستشهدوا بها على ما قرّ في عقولهم ورسخ في دواخلهم من خصام وفصام، وعدم فهم وانتهازية وتسلق على حساب الحقيقة .. كيف القهر يساوم الضحية على افتعال الاعتراف، فتمضي الحقيقة محملة بالزور المشهود؟!!


منذ أربعة عشر قرناً أعلن القرآن - كتاب الهداية للأمة وللحركة الإسلامية - أن الفرقة مرض قاتل، إذ قال ربنا عز وجل: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)، وقال: (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم). كما أعلن أن الجامع العربي واجب شرعي وعقلي يفضي إلى القوة والعزة، إذ قال جل من قائل: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) .. وقد ظل هذا الاتجاه الجامع فاعلاً قائداً للأمة في ميادين الحضور العالمي، حتى إذا تأخر العرب عن القيادة، راح التشرذم والانفلات من قواعد الاجتماع المكين يذران قرنهما في الزمان والمكان، ثم جاءت الحركة الإسلامية الحديثة لتحيي حلقة الوحدة العربية، وتبعث فيها الحركة من جديد، على يد زعيم الحراك الإسلامي في العصر الحديث الإمام حسن البنا - رحمه الله - فإذا قطفنا من بستان تنظيره للحركة قوله: (ثم إن هذا الإسلام الحنيف نشأ عربياً ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين، وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين، وقد جاء في الأثر: (إذا ذلّ العرب ذلّ الإسلام)، وقد تحقق هذا المعنى حين دال سلطان العرب السياسي، وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم؛ فالعرب هم عَصَبَته وحراسه، ومن هنا كانت وحدة العرب أمراً لا بد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته، وإعزاز سلطانه، ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها ..).


أقول: إذا تدبرنا هذا المقتطف علمنا عبث القول بغير ذلك، من اتهام للإسلاميين بغموض موقفهم من الوطنية والوحدة العربية، وأنهم قفزوا عن ذلك إلى الوحدة الإسلامية دون توضيح موقفهم من الحلقات السابقة (الوطنية والوحدة العربية).


إن موقف الأستاذ البنا - رحمه الله - لم يكن رأياً منعزلاً أبداً، فكما أن النصوص والواقع التاريخي ألقيا الضوء ووضحا هذا الرأي، وأمداه بالتأييد والقوة فإن مجموع ما جاء من آراء تبنتها معظم فصائل الحراك الإسلامي في العصر الحديث، لم يخرج عن هذا الاتجاه، واعتبار الوحدة العربية حلقة ضرورية ومهمة في سبيل نهضة الأمة، وتأكيد حضورها على المستوى الإسلامي، ومن ثم العالمي، وأنت إذا رحت تطّلع على أدبيات الحراك الإسلامي المعاصر سواء أكان هذا الحراك فردياً أم فصائلياً، فلن تجد شذوذاً عن هذا الذي أوردناه، باستثناء بعض الفكر الشاذ الذي لا يحظى بامتداد جماهيري أو حتى نخبي؛ فالذي يرجع إلى الأفغاني ومحمد عبده والنبهاني ومحمد عمارة ومفكري الإخوان من سيد قطب إلى العوا، مروراً بالسباعي والتلمساني والهضيبي وسعيد حوى، والشيخ القرضاوي وغيرهم كثير، لا يجد عند هؤلاء جميعاً إلا ما يؤيد هذا التوجه ويبني عليه، فيجعل الانتماء متدرجاً يبدأ بالوطنية ثم يتوسع فيتطلع إلى وحدة العرب، ومن ثم ليحلق في الامتداد إلى أمة الإسلام، وأخيراً إلى الدخول في الإنسانية والعالمية، باعتبار أن الناس جميعاً ذوو رحم واحدة (كلكم لآدم وآدم من تراب).


ولقد كرس شعراء وأدباء وكُتّاب الحراك الإسلامي المعاصر، بمختلف تفرعاتهم هذه الحقيقة واقعاً تعيشه الأمة، فكتب الأدباء - خصوصاً الشعراء منهم - في قضية العرب الأولى (فلسطين)، منطلقين من الوطنية الفلسطينية، المدعمة بالحلقة العربية، والمتقوية بالعمق الإسلامي، ثم بالعون الإنساني الحرّ، الذي يتفاعل مع قضايا العدل، ولو أردنا التمثيل على ذلك لما كفتنا المجلدات التي تؤيد ما ذهبنا إليه من أن الإسلاميين المعاصرين لم يكن أمر الوطنية والوحدة العربية ملتبساً في أدبياتهم، بل كان واضحاً كل الوضوح عند كل من لم يبد القول في هذا الموضوع، وهو يحمل رأياً مسبقاً وتقريراً معلباً ومعداً للإدانة في مختبئات الضمائر والسرائر قبل بداية البوح.


ولقد جاء اشتراك العديد من الجيوش العربية في حربي حزيران 1967، وتشرين 1973، تصديقاً لهذه المشاعر، وإن كان بناء الجيوش في الحربين لم يُعِدَّ ويهيئ الأسس السديدة والتربية السليمة للجيوش، وذلك كي تؤمن لحالة الوحدة العربية عناصر النجاح وأساسات النصر، التي تتمثل في الالتزام والالتحام بدين الأمة وأخلاقها وتاريخها، ولقد كانت المفارقة كبيرة بين مآل حرب حزيران 1967 - ونحن الآن نمر في ذكراها الثانية والأربعين - ومآل حرب تشرين 1973؛ إذ كانت الهزيمة حليفة الحرب الأولى، يوم كانت شعاراتها تحمل معالم الفكر المستورد الغريب المناوئ لما عليه الأمة، بينما كان تحقيق بعض النصر في الثانية التي كان شعارها على الجبهة المصرية: (الله أكبر)، فقفزت به فوق الحواجز والخطوط الخطرة.


وكما قلنا عند الحديث عن الوطنية في حس الحراك الإسلامي وبعدها عن العصبية والفاشية، نقول بالنسبة للعروبة والوحدة في ذلك الحس، وأنهما العروبة والوحدة البعيدتين عن العصبية القومية الفاشية والآخذتين بقول ربنا جل وعلا: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) .. وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان؛ فمن تكلم بالعربية فهو عربي)، وإذن فالعروبة دائرة تجمع وقوة وتدفع.


المصدر : نقاط فوق الحروف بقلم: محمد السيد رسالة الإخوان 12-6-2009 / 19 جماد ثان 1430 هـ / العدد 597