العالم المصري الداعية الدكتور عز الدين إبراهيم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العالم المصري الداعية الدكتور عز الدين إبراهيم

بقلم: د. محمد بن لطفي الصباغ

الشيخ عز الدين إبراهيم

توفي الأخ الحبيب، والصديق الوفي، والرجل الذكي، والخطيب المِصْقَع، الداعية إلى الله على بصيرة، والعالم العلامة، صاحب الخلق الكريم الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم، توفي يوم السبت 15 صفر 1431 هـ (30 كانون الثاني 2010م).

كان رحمه الله قد بلغ في الذكاء والنبوغ، وفي اللطف والدماثة الغاية، أوتيَ النبوغَ في وقت مبكِّر، فقد حدثني أخي الكبير العلامة عبد الرحمن الباني أن عز الدين كان خطيبًا بالقاهرة في حياة المرشد الشيخ حسن البنَّا، وكانت خُطبته متميِّزة، وأنه (أي الأستاذ الباني) كان يحرِص على حضورها.

وهو من أبرز الدعاة إلى الله.. وقد لجأ إلى سوريا أيام اضطهاد جمال عبد الناصر لرجال الحركة الإسلامية، فعمل مدرسًا في المعهد العربي الإسلامي، وأكرمه أهلُ دمشق، وإنه لأهلٌ لكل إكرام، وأعطَوه منزلة كبيرة، وتزوج فتاة من أسرة دمشقية كريمة، وأنجب منها ثلاثة أولاد، هم: الدكتور عبد الرحمن، والدكتورة هدى، والدكتورة دعاء.

كان عز الدين وسيمَ الخلقة، أشقرَ الشعر، أبيضَ اللون، لا تفارق البسمةُ شفتيه، له عينان تبرُقان بالذكاء، ولصوته رنَّة عذبة، وكان يخطُب الجمعة في بعض مساجد دمشق، ولاسيَّما مسجد الجامعة السورية.

وأذكر أننا خرجنا مرَّة ننكر بعض التصرُّفات الغاشمة التي كانت تجري في مصر، فشارك معنا، وجعل يحرِّض على ترديد بعض العبارات المؤثِّرة... ثم سافر إلى بريطانيا وحصل منها على شهادة الدكتوراه.

كان رحمه الله فصيحًا مبينًا؛ إذا خطب لا يلحَن، وكان إلقاؤه متميزًا محبوبًا، وكان يتقن الإنكليزية ويتكلَّمها بطلاقة.

كنا نلقاه في دمشق كثيرًا، وقدَّر الله أن أجتمعَ به زميلاً في جامعة الملك سعود؛ أستاذًا في كلية التربية.

وكان محبَّبًا جدًّا إلى طلابه، نشيطًا في مجال التدريس وإلقاء المحاضرات، ولقد سعدت بسماع بعض محاضراته النفيسة.

وأذكر أني حضرتُ محاضرة له في كلية التربية من جامعة الملك سعود، تحدَّث فيها عن ضرورة وضع سُلَّم في العربية للكلمات الأكثر استعمالاً، وذكر أن السلَّم الموجود الآن من صنع يهوديٍّ أيام الحرب العالمية الثانية! وكانت محاضرة قيمة، وعلَّق مُعجَبًا بها الدكتور علي فودة رحمه الله.

ومن محاضراته النافعة محاضرةٌ ألقاها عن الكتب التي كتبها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك الأرض يدعوهم فيها إلى الإسلام، وأورد سردًا لما ذكره العلماء عن هذه الكتب، وخصَّ بالذكر منها الرسالةَ التي أرسلها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى هِرَقْلَ التي حصل عليها الشيخ زايد آل نهيان، وأهدى إلى الحاضرين صورةً عن هذه الرسالة.

وقد كنتُ معه عضوًا في لجنة وضع مناهج اللغة العربية للمرحلة المتوسِّطة والمرحلة الثانوية، وكان يرأس تلك اللجنة الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، وأدهشني ذكاءُ الدكتور عز الدين في إدارة الحوار، وبراعته في مناقشة الآخرين ليقنعَهم بوجهة النظر التي يراها.

وكان رحمه الله كثيرًا ما يزورُني وكثيرًا ما أزورُه.

ومن كريم خلاله أنه وضع بين يديَّ صورةً لمخطوطة قديمة في المختارات الشعرية القديمة، واقترح عليَّ نشرها.

كان رحمه الله حريصًا على أن يظهرَ بأحسن مظهر في اللباس الأنيق، والحديث العذب، والوجه البشوش، وكان محبوبًا لا يعاشره أحدٌ أو يسمعه إلا أحبَّه وأعجب به.

وكان يمتاز بفكر نيِّر يعرضه بأسلوب لبق جذَّاب، يدلُّ على ذلك رسالةٌ موجَزة كتبها في (اتجاه الفكر الإسلامي)[1]. وهي تدلُّ على نظرة عميقة سليمة نافذة موجهة، وهي رسالة موجزة في خمس صفحات. قال فيها: ((الملاحَظ في السنوات الأخيرة أن التفكير الإسلاميَّ قد اتسم بالطابع العملي التطبيقي، فلو تتبَّعنا كتابات المفكرين الإسلاميين ومحاضراتهم لوجدنا أنها تدورُ في الأغلب حول الحلول العلمية التي يمكن أن يقدِّمها الإسلام لإصلاح الحياة من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقلَّما نجدها تمسُّ الجوانب الروحية في الإسلام: كالعقائد والعبادات والأخلاقيات.

ولعل الدافعَ إلى هذا الاتجاه العمليِّ أمران:

أولهما: يتعلق بالنهضة الإسلامية المرتجاة والتي يعمل لها كثيرون من المخلصين في كلِّ مكان... ولذلك حَرَصَ الداعون إلى إقامة هذه النهضة على إثبات صلاحية الإسلام للحكم بما ينشرونه من بحوث ودراسات تتعلق بالجوانب العملية التطبيقية أكثر من تعلُّقها بالجوانب الروحية.

وثانيها: يتعلق بالجوِّ الفكري العامِّ في العالم، فقد سادت العالم موجات فكرية طاغية، واهتم أصحابُ المذاهب المختلفة بإبراز مزايا مذاهبهم بشتَّى وسائل الإبراز، ولذلك كان من الضروريِّ أن يُعنى الداعون إلى الإسلام بإبراز مزايا مذهبهم، وخصوصًا الجوانب العملية في هذا المذهب؛ باعتبار أنها مجالُ الاحتكاك والمخاصمة بين المذاهب.

فلهذين السببين حَرَصَ المفكرون الإسلاميون من كتَّاب ومربِّين ومحاضرين على أن يعالجوا الجوانبَ العملية، وأن يفرُّوا من الجوانب الروحية، حتى إن بعضَ الوعاظ المستنيرين يعتبر الحديث عن الجنة والنار والحساب والعبادة والمثُل الخلقية وسائر الموضوعات الروحية ضربًا من التخلُّف والانتكاس في تصوُّر وعرض القضايا الإسلامية على الناس)).

ويقول: ((ونحن لا نعيبُ الاتجاه العمليَّ التطبيقي للفكر الإسلامي ولا ننتقده؛ لأن الدوافعَ إليه طبيعية ومنطقية كما قدمنا، ولأن الإسلام في حقيقته دينٌ عملي شامل يفي بمطالب الحياة جميعًا. ولكننا نخشى أن يؤديَ التمادي في هذا الاتجاه العملي، مع إغفال الجوانب الروحية، إلى أخطار وخيمة نكاد نلمس آثارَها من الآن في حقلين: في حقل الدراسة، وفي حقل التربية)).

ويقول: ((والجوانبُ الروحية الأصيلة فيما نعتقد ثلاثة: أولها العقيدة، وثانيها العبادات، وثالثها الأخلاق وقواعد السلوك)).

وختم رسالته بقوله:

((وبعدُ فقد عانت النهضةُ الإسلامية الحديثة في مبدأ أمرها من جمود المسلمين وعدم تفكيرهم في النواحي العملية للإسلام، ولذلك اهتمَّ المصلحون الإسلاميون كثيرًا بتأكيد الاتجاه العملي. واليوم نلاحظُ أن الاتجاه العمليَّ قد ثبت، ونخشى أن يطغى على ما عداه من الاتجاهات الأخرى الضرورية في تصوُّر الإسلام وتصويره وتوجيه نهضته، ولذلك لزم أن نناديَ بضرورة إيجاد التوازن بين اتجاهات الفكر الإسلامي بحيث تُعْنى بالجوانب الروحية والعملية معًا. فبغير ذلك لا تستقيم النهضة الإسلامية المرتجاة)).

كان رحمه الله داعية متحركًا ورحَّالة مغامرًا، لا يكاد يستقرُّ في مكان حتى ينتقلَ إلى آخرَ؛ إذا رأى أن ذاك المكانَ يتيح له العملَ للدعوة على نحو أفضل.

ومن ذلك أنه لما قامت الحكومةُ المصرية في عهد الملك فاروق باعتقال عدد من زملائه الشباب الدعاة استطاع عز الدين واثنان منهم أن يغادروا مصرَ عن طريق الصحراء إلى ليبيا، وقابلوا الملكَ السنوسيَّ فمنحهم اللجوء السياسيَّ بعد أن سمع خطبةً رائعة من عز الدين، وبعد هدوء الأحوال في مصر رجع عز الدين إليها وأسَّس مع بعض إخوانه (لجنة الشباب المسلم)، وكان لها نشاطٌ فكري مشكور.

ثم اعتُقل مع عدد كبير في عام 1954م، وبعد خروجه من السجن الحربيِّ توجَّه إلى سوريا، ثم إلى قطر، ثم إلى لندن، ثم عاد إلى قطر، ومنها إلى السعودية، وأخيرًا إلى الإمارات العربية.

وكان أينما يذهب يترك أثرًا طيبًا.

وكان له دورٌ مهم مع الشيخ عبد الله بن علي المحمود في ترشيد المسلمين السُّود في أمريكا، وإعادتهم إلى الإسلام الصحيح.

عمل الفقيدُ في التعليم الثانوي، والتعليم الجامعي، وكان ناجحًا فيهما أعظم النجاح، وتولَّى رئاسة الجامعة في دولة الإمارات، ثم عيِّن مستشارًا ثقافيًّا لرئيس دولة الإمارات الشيخ زايد آل نهيان، وكان العضوَ المؤسِّس للاتحاد العالميِّ لعلماء المسلمين.

أقول: وما يزال المجال رحبًا للحديث عن الكتب والرسائل التي ألَّفها، وعن الترجمات لبعض الكتب الإسلامية التراثية التي نقلها إلى اللغة الإنكليزية في الدعوة إلى الله، وهو مجالٌ جدير بالبحث والدراسة، وأرجو أن تُتاحَ لي الكتابة فيه.

رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عمَّا قدَّم لدينه وأمَّته خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين.

المصدر

موقع شبكة الألوكة


للمزيد عن الدكتور عز الدين إبراهيم

مقالات وأبحاث بقلمه

مقالات متعلقة به

.

تابع مقالات متعلقة به

أخبار متعلقة به