الشيخ محمد سنوسي: كوب شاي أنقذني من "محنة 1954"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٣٠، ١٨ أبريل ٢٠١١ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات) (حمى "الشيخ محمد سنوسي: كوب شاي أنقذني من "محنة 1954"" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ محمد سنوسي: كوب شاي أنقذني من "محنة 1954"



حوار- علاء عياد


مقدمة

الشيخ محمد عبد الله سنوسي من مواليد 14 يناير 1932 بمدينة قنا بصعيد مصر، حصل على الثانوية الأزهرية، ثم ليسانس اللغة العربية، وانضم إلى دعوة الإخوان المسلمين في فترة مبكرة من حياته.

سافر إلى ليبيا عام 1972 للعمل مدة أربع سنوات، ثم سافر إلى اليمن لمدة أربع سنوات أخرى، رزقه الله ستةً من الأولاد (خمسة بنين وبنتًا واحدة).

عرَف الشيخ السنوسي دعوة الإخوان بطريقة البحث عن الحقيقة، وبعد أن عرفهم لم يمنعه ذلك من أن يكون مديرًا لمدرسة الأقباط الخاصة، وأن يكون رئيسَ لجنة العشرين في الاتحاد الاشتراكي، لعبت الأقدار معه قصةً غريبةً فلم يمر بمحنة 54 بسبب كوب من الشاي، عايش الكثير من الإخوان وكان شاهدًا عليهم، التقينا به وكان هذا الحوار:

* في البداية نريد أن نعرف ظروف وملامح نشأتك؟

    • في الحقيقة.. إنه أحاط بي منذ صغري قلب والدي الممتلئ بحب الله سبحانه وتعالى، وبالرغم من أنه كان صاحب الطريقة الصوفية الخليلية، إلا أن عبادته كانت سليمةً من كل انحراف عن العقيدة الصحيحة، فكان تصوُّفه قلبيًّا مع الله سبحانه وتعالى، وبالرغم من أنه كان لا يقرأ ولا يكتب، إلا أن كل المحيطين به كانوا ملتفِّين حوله، كان لهذا الجوِّ المحيط بي بالغَ التأثير بكل ما فيه.

وقد وُلدت في 14 يناير عام 1932 في مدينة قنا، ولهذا الجوِّ الذي أحاط بي نشأت في جوِّ الكتاتيب ومدارس حفظ القرآن، إلى أن التحقت بالمدرسة الابتدائية، وفي هذه الفترة كان والدي قد التحق بوظيفة بالمعهد الديني بقنا، فكان هذا بمثابة فرصة لأن التحق بالمعهد الديني وأدرس فيه، وفي أثناء التحاقي بالمعهد تفاعلت مع جمعية "التقوى والإرشاد"، وأصبحت وكيلاً لرابطة "هب لنا" ولم يتجاوز عمري الثانية عشرة، وهذه الجمعية أسسها الشيخ محمد إسماعيل الشلبي- رفيق الإمام حسن البنا في الإسكندرية- إلا أنه جاء بدعوة جديدة غير دعوة الإخوان، بالرغم من أن الإخوان كانوا موجودين في هذا الوقت، إلا أن دورهم كان غير بارز.

فكانت هذه الجمعية قائمةً على عدة روابط، مثل رابطة "[قم الليل]"، ورابطة "الإصلاح بين الناس"، وكنا نلتقي كأطفال صغار في المسجد الذي تلقَى فيه مواعظه وأحاديثه، وانتهت الجمعية بعدما نقلتُ إلى الإسكندرية وجَفَّت كل ينابيع هذه الجمعية وأصبحت حبرًا على ورق.

ليالي الحلمية

* كيف عرفت الإخوان؟

  • كنت في المعهد الديني ألتقي بمشايخ منهم من يميلون إلى الدعوة، ومنهم من كان يتحدث فيها، إلا أنني تأثرت بجارٍ لي من الإخوان كان يحدثني كثيرًا عن الدعوة، إلى أن جاء الإمام حسن البنا في عام 1948 إلى قنا في مسجد سيدي عمر، وألقى حديثًا ما بين المغرب والعشاء، وكنت من بين الحاضرين، فتأثرت بهيئته ومقالته، وإن لم أستوعب كل ما قال، فكنت لا أزال صغيرًا.

وانصرف الإمام حسن البنا بعد ذلك إلى مقر شعبة الإخوان بقنا، وإذا بي وأنا أخرج من المسجد بعد صلاة العشاء أقابل شيخًا كان له في قلبي معزة؛ حيث كان خطيبًا في مسجد المغربي في قنا لمدة ست سنوات، وكنت حريصًا قبل دخولي الأزهر أن أستمع إليه، وهو الشيخ عبد المعز عبد الستار، وكنت أتأثَّر به كثيرًا؛ لأن خطابته كانت تهزُّ القلوب، وعندما قابلني قدَّمني إلى كبار الإخوان وقال: هذا ابن من أبناء قنا الذين أعتزَّ به، فدعوا لي دعوةً صالحةً، ثم انصرفت.

استمرت الأحاديث مع جاري إلى أن تشبَّعت بهذه الدعوة ثم جاء اغتيال الأستاذ حسن البنا فكان هذا تأكيدًا على أن هذه الدعوة المباركة هي الطريق الصحيح، ورغم الجو الرهيب الذي كان بعد استشهاد الإمام البنا إلا أن قلبي اطمئن لهذه الدعوة.

وفي عام 1950 جاءت حكومة الوفد التي سمحت للإخوان بمباشرة النشاط وفتح المركز العام، وكل الشعب، فقررت في صيف أولى ثانوي عام 1951 أن أقضي الإجازة في القاهرة، فذهبت وكلي حرصٌ أن أحضر لقاءَ الثلاثاء في المركز العام، الذي كان في ذلك الوقت في سكة راغب في الظاهر، وكان من أئمة هذا اللقاء الأسبوعي الشيخ محمد الغزالي والشيخ صالح عشماوي وعبد الحكيم عابدين، فاستزدت منهم ما ملأ قلبي ثقةً وإيماناً بهذه الدعوة، وكنت متحمسًا جدًّا للدعوة؛ لدرجة أني قضيت هذه الإجازة في مناقشات حامية مع العمال الشيوعيين ومصر الفتاة في ورشة ابن عمي في الموسكي، وبنهاية هذا الصيف رجعت إلى قنا لأندمج مع شعبة الإخوان.

ثم انتقل بعد ذلك المركز العام إلى الحلمية، وأخذت كلمة الحلمية في مسلسل ليالي الحلمية برأسي، آملاً أن يكون المسلسل يتحدث عن الإخوان ومركزهم العام هناك، إلا أنني وجدت أن كاتب هذا المسلسل رجل خدَع الشعب، ولم ينبس ببنت شفة عن الإخوان المسلمين، وعن المركز العام للإخوان مركز النور في هذه المنطقة، التي لم تكن فيها القهوة كما ذكر المؤلف في قصته.. المركز العام الذي كان يملأ الشوارع المجاورة له يوم الثلاثاء.


فتح كبير

* نعود إلى ذكرياتك مع الإخوان في قنا؟

  • أذكر اليوم الذي أعطي فيه الإخوان بقنا مفاتيح الشعبة التي أُغلقت بأمرٍ من الحكومة، فقرَّروا أن يعملوا مسيرةً لكل الإخوان، يلفون بها قنا كلها، بدأت هذه المسيرة من أمام الشعبة بالإخوان فقط، وانتهت بمسيرة لا تقل عن كيلو ونصف من البشر، وكانت الهتافات تدوي أرجاء قنا: "الله اكبر ولله الحمد، الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

وانضم كل شعب قنا من الشباب وغيرهم لهذه المسيرة، فكانت تبهر كل من يراها، وانتهت عند أذان المغرب، وكانت هذه المسيرة بمثابة الفتح الكبير لإخوان قنا؛ فقد انضم بعدها الكثير من الشباب إلى الشعبة.

وفي العام التالي جاء إلى قنا الشهيد سيد قطب، والشهيد عبد القادر عودة الذي ألقى محاضرةً عن التشريع الإسلامي، وكان يجلس في الصف الأول مطران كنيسة قنا وبعض القساوسة، ومن إعجابهم بكلام الشهيد عودة قام أحد القساوسة قائلاً: "كفى يا أستاذ عبد القادر.. إحنا هنأسلم"، فدوَّت الهتافات "الله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد" لمدة ربع ساعة، فكانت اجتماعات رائعة لو استمرت دون أن تقوم الثورة لكنا حققنا تربية المجتمع منذ زمن طويل.


الاتحاد الاشتراكي

* وماذا تذكر عن معارك الفدائيين في القنال؟

  • حضرت معارك الفدائيين بين الإخوان والإنجليز بالقنال التي كان يقودها الأستاذ حسن دوح- رحمه الله- وكنت معجبًا به؛ لدرجة إدماني لشخصيته؛ بسبب الدور الذي كان يقوم به في الدعوة قبل الثورة.

وذات مرة حضر في مؤتمر نقابة المهندسين؛ فكتبت له في ورقة صغيرة: أين أنت يا حسن دوح؟! فرد قائلاً أنا موجود، وبعد انتهاء المؤتمر قابلته في غرفة النقيب، فعرَّفته بنفسي وقلت له: أنا صاحب سؤال أين أنت يا حسن دوح؟! فأين دورك الآن هل أفرغت نفسك لتكتب صفحة في جريدة (الأخبار)، فماذا عن دورك في الدعوة؟!

هذه فترات مرت بنا وجعلت الإنسان رغم مرور السنوات البعيدة إلا أن الدعوة في قلبه، فمرَّت عليَّ أوقات كنت لا أجد فيها أحدًا من الإخوان أثناء محنة 54، وفي بعض الوقت كنت مديرًا لمدرسة الأقباط الخاصة ورئيسًا للجنة العشرين في الاتحاد الاشتراكي.

وجاءت حرب 1967 فأصبحت مقررَ لجنة التهجير من السويس، من خلال عملي في الاتحاد الاشتراكي، وبالرغم من أن أمين الاتحاد الاشتراكي في قنا كان "دكتور صيدلي" إلا أن الجميع كانوا لا يحترمون إلا كلمتي، رغم أنهم يعرفون هويتي، لكن كنت أتعامل معهم بحكم المشاكل التي يعيشها شعب السويس، وكان المحافظ حامد محمود يعرفني بالاسم، فكان في قنا 17 ألف مهجر من السويس؛ لأن رجل الدعوة ينفعل مع الناس ويتفاعل ويتعايش معهم دون أن يفقد شيئًا من دعوته.

كل ما في الأمر أن نقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" آمين يا رب العالمين.


تقرير أبيض

* قبل بدء الحديث ذكرت لنا أن كوب الشاي كان وراء عدم اعتقالك في 1954، فما هي تلك القصة؟

  • عافاني الله من محنة 1954 بكوب شاي، ولهذا قصة غريبة؛ حيث كان والدي أمين عهدة في المعهد الديني بقنا، وفي الامتحانات أصرَّ طلبة الشهادة الابتدائية والثانوية تحت التهديد بالسلاح في ذلك الوقت أن يدخلوا بالكتب للغشِّ؛ فجاءهم رئيس اللجنة وهم مجتمعون في مسجد سيدي عمر، ورفضوا أن يدخلوا اللجان إلا إذا دخلوا بالكتب ليتمكنوا من الغش، المهم أنهم في النهاية دخلوا بالفعل بالكتب، وكانت مكالمة من رئيس اللجنة بشيخ الأزهر، الذي قال له: دعهم يفعلون ما يشاءون، وبعد آخر يوم من الامتحانات نشر في الصحف إلغاء الشهادتين الابتدائية والثانوية في معهد قنا لإجبارهم على أن يدخلوا في ظل العصيِّ والسكاكين.

وبعد ذلك قرر الأزهر حراسة على المعهد، شرطي يستمر 24 ساعةً، فيجلس مع أبي ويشرب الشاي، ويشاء الله أن يحوّل أحد هؤلاء الشرطيين إلى المباحث العامة بقنا (أمن الدولة) ليصبح المسئول عن كتابة التقارير الأمنية عن الإخوان المسلمين وكان يعرف أني ابن الشيخ عبد الله فكانت تقاريري بيضاء لأن كوب الشاي له تأثير معه، بهذا كان كوب الشاي له قصة وراء أن لا أُبتلَى بمحنة 1954.


هذا رغم أنني عندما سُئلت قبل أسبوع من محنة 1954 في المباحث قلت محمد عبد الله السنوسي من الإخوان المسلمين، وكنت لا زلت في "رابعة ثانوي"، وفي الأسبوع التالي اعتُقل كل الذين ناقشهم الضابط إلا أنا!!


شارع الجيش

* وكيف سارت الأمور بعد ذلك؟

  • بعد ذلك دخلت الجامعة فسافرت إلى القاهرة، وكان معظم الإخوان في السجون خلف القضبان، والقليل جدًّا هم مَن كانوا خارج السجون، ولا يستطيع أحدهم أن يعلن أنه من الإخوان.

وفي السنة الثالثة بكلية اللغة العربية، في أحد الأيام كنت سائرًا في شارع فاروق (شارع الجيش) في القاهرة، فقابلت الأستاذ علي سيد الديب- مدرس اللغة العربية بالمعهد الديني بقنا- وكان مفاجأةً أن أقابل أحدًا من الإخوان الذين كنت أعرفهم، وسألني عن أخباري؛ فشكوت له عدم معرفتي بأحد من الإخوان في الكلية، ثم اصطحبني معه إلى البيت، وكان ابن أخيه طالبًا في معهد لاسلكي فعرَّفني عليه، وبعد يومين عرَّفني على شخص كان هو سبب معرفتي بالإخوان في الكلية، وتخرجت ثم حضرت إلى السويس فلم أجد أحدًا أعرفه من الإخوان؛ فكان معظم من تعرفت عليهم في السجن أو نقل من السويس.

وكنت قد هيَّأت نفسي للاعتقال وجاءت محنة 1965، إلا أن هذه المرة أيضًا مرَّت لأنها كانت بطريقة عمياء؛ فأغلب مَن تم اعتقالهم 65 هم من تم اعتقالهم في 54، وباشرت العمل في السويس إلى أن سافرت للإعارة في ليبيا عام 1972، لمدة أربع سنوات وعدت عام 76 "ناظر إعدادي".

* وهل وجدت الأمور قد تغيرت بالنسبة للإخوان بعد عودتك لمصر بعد غياب أربع سنوات؟!

  • بعد عودتي وجدت احتفالاً للإخوان في ميدان الحسين؛ فحضرته، وكانت الهتافات مدويةً؛ مما أكد أن الدعوة لن تموت، تأتي المحنة يعقبها منحة وهكذا، وإلا حدِّث نفسك أي دعوة تبقى حتى الآن منذ حسن البنا 1928 وإلى الآن، والدعوة مستمرة، إما بنا أو بغيرنا.


وفي عام 78 أقام الإخوان احتفاليةً بقنا في جمعية الشبان المسلمين، حضرها الأستاذ المرشد عمر التلمساني- رحمه الله- وألقى محاضرةً، وكان من وسط الحضور محافظ قنا والكثير من الشخصيات اللامعة في قنا، فاتسمت هذه المرحلة بحوار بين الإخوان والدولة، فكان الإخوان قد حصلوا على الضوء الأخضر، فعندما طلب الرئيس السادات من الأستاذ المرشد عمر التلمساني أن يقابله في استراحة القناطر، وحضر هذه الجلسة حسني مبارك- نائب الرئيس- ونبوي إسماعيل وزير الداخلية، وهذا جعل الأستاذ التلمساني يجوب القطر، وهذا يجعلنا- كإخوان- نؤمن بالمحن والمنح، ونقبل الاثنين؛ فهذا هو شأن الدعوات.


وفي زيارة الأستاذ التلمساني لقنا كانت مباحث أمن الدولة قد وافقت على أن يقام السرادق في أكبر ميادين قنا، إلا أن المحافظ رفض ذلك وحضر الحفل، واستمع إلى كلام الأستاذ عمر، وبعدما انتهى الحفل قال: "لو أعلم ما قاله الأستاذ عمر لصرَّحت له بأكبر ميدان ليقوله، وأنا آسف" وانصرف.


على الدرب

  • بالرغم من أنك لم تمر بمحنة 54 أو 65، إلا أنك كنت شاهدًا على هذه الفترة، بما فيها إعدام الشهيد سيد قطب!
    • لقد أخطأ عبد الناصر حين ظن أن الأفكار تُحارَب بالاعتقال والسجن والتعذيب والإعدام، فإنما تُحارَب الفكرة بالفكرة، ولا تُحارَب على الإطلاق بالقوة، ومحنتنا بدأت من الستة الذين استُشهدوا شنقًا سنة 1954 في تهمة الشروع في قتل عبد الناصر!! لأن أيًّا منهم لا يقل في نفوسنا عن سيد قطب، فكلنا كنا حلقةً واحدةً لا يُرى طرفُها؛ فسيد قطب مثل الشيخ فرغلي ومثل الأستاذ عبد القادر عودة ومثل محمود عبد اللطيف وغيرهم، كلهم إخوة، تآمر عليهم الضباط وكانوا شهداء، ويجب أن يكون هذا المعنى واضحًا جدًّا؛ فليس خبر استشهاد سيد قطب أشدَّ علينا من هؤلاء الستة، فدائمًا كنا في ألمٍ متواصلٍ طالما لنا أخ واحد خلف الأسوار.


أما سيد قطب فنحن بالفعل خسرناه كقوة مفكِّرة وعُجِّل به، ومع ذلك فهو لا يقل عن أكبر مشرِّع في العصر الحديث عبد القادر عودة الذي شرح الشريعة الإسلامية في قوانين في كتابه (التشريع الجنائي في الإسلام)، ولا يقل عنه الشيخ محمد فرغلي الذي كان قائد الفدائيين في الإسماعيلية وخط القناة، أو حتى يوسف طلعت المنفِّذ للعمليات الفدائية، ولكن نحن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وكلنا ذلك الرجل الذي ينتظر أمر الله سبحانه وتعالى، والمهم هو الثبات علي الدعوة.


وبالطبع نحن لا نتمنَّى لقاء العدو، ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ (العنكبوت)، فالمبدأ واحد، ونحن على الدرب وعلى الطريق، ونسأل الله الثبات حتى نلقى الله سبحانه وتعالى، وهذا يذكِّرني بهتافنا: "فليقم للدين مجده أو تُرَق منا الدماء"، ولكن ليست إراقة الدماء على طريقة الجماعات الإسلامية والشباب المتهوِّر، ولكن بالطريقة التي نعرفها، وهي طريقة الإخوان الذين قدَّموا أرواحهم بطريق الشهداء الذين أعدمهم عبد الناصر، ولكن نحن نحمد لله ونحتسب ذلك عند الله.

* وما هي قصة موتك؟

  • إن لم أكن محظوظًا مثل باقي الإخوان بالنسبة للاعتقال، إلا أنني خسرت أشياء مادية كثيرة بسبب الدعوة أحتسبها عند الله، فخسرت وظيفة مدير عام بسبب انتمائي للإخوان.

أما بالنسبة لقصة موتي، فكنت مرشحًا لمأذونية الأربعين، وحكم لي القاضي بالفعل مرتين، إلا أن الأمن تدخل في الأمر ليثبت أنني قد توفاني الله، وخضت معركة لإثبات وجودي وأني ما زلت على قيد الحياة، فأرسلوا مرةً ثانيةً وقالوا لا نوافق، وأنا أحتسب هذا عند الله، وأعتبر أن هذا ابتلاءٌ يعوِّضنا ما تعرَّض له إخواننا من ابتلاءات.

* وماذا عن برنامجك في رمضان ؟

  • في رمضان أكون حريصًا على درسين، درس أثناء العشاء والقيام ودرس بعد صلاة الفجر، أما القرآن فأحرص قدر الإمكان على التعايش الوجداني والروحي كما كان يفعل الصحابة، فهذا سيدنا عمر بن الخطاب عندما سمع ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)﴾ (مريم) يقع مغشيًّا عليه ويعودونه في بيته ثلاثة أشهر، وهذه السيدة عائشة عندما جاءها عبد الله بن الزبير ليقضي لها حاجاتها فوجدها تتلو ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)﴾ (الطور) فانتظرها وهي تكرر في الآية، فقال: أذهب إلى السوق لأقضي حاجه ثم أعود إليها، فلما عاد وجدها لا تزال تردد نفس الآية.

وبالنسبة للتلاوة فأقرأ ما لا يقل عن ثلث القرآن يوميًّا سعيًا وراء المكسب المادي من الحسنات؛ فالحسنة بسبعين ضعفًا، وفي رمضان أحب بعد التراويح ألا أسهر؛ حتى أستطيع أن أقوم ولو لركعات بسيطة قيام الليل؛ لأن النافلة كالفريضة، كما أحرص على زيارة إخواني، إلا أنها تكون محدودةً قليلاً، بعكس ما كان في الماضي، فتجد كيف يشتاق الأخ لأخيه بعيدًا عن الرسميات وخارج حدود الخدمة، فالخدمة الحقيقية كانت بالحب التي تدفعنا إلى أن نتزاور في الله.

وأتذكر أننا كنا في قنا ونحن طلبة كان الذي لا يحضر صلاة الفجر كان يذهب له كل الإخوان يفطروا عنده إذا كانوا عشرة أو عشرين، وتكون أم الأخ سعيدة أن يأتي لها أحد بهذه الطريقة.

* وماذا عن المصادفات في حياتك؟

  • بالنسبة للمصادفات في حياتي لا أنسى عندما كنت أعمل بعد تخرجي مدرسَ لغة عربية بإحدى المدارس الخاصة بالسويس، وحينما كنت أقوم بتحضير أحد الدروس وكان قصيدة بعنوان "من وحي سوسة" لشاعر من طنطا اسمه محمد حمام كان "مدرس ثانوي" في السويس، وعندما عاش في هذه البلد انسجم مع طبيعتها وألف هذه القصيدة، ثم طبعت وأصبحت مقررةً على طلبة الثانوي، فإذا بي وأنا أحضِّرها أقول لنفسي متى يأتي التعيين في الحكومة وأذهب لهذه البلد لأراها وكان هذا عام 1960م.

وإذا بالأيام تمر ليأتي تعييني مدرِّسًا وأقدم كل عام للسفر إلى الإعارة إلى أن تمت إعارتي سنة 1972 إلى ليبيا في محافظة الجبل الأخضر، وعندما وصلت نزلت بالاستراحة، إلى أن ذهبت إلى مديرية التربية والتعليم في اليوم التالي فإذا بي أجد اسمي في كشف مدرسة سوس الثانوية، عندئذ تذكرت الأمنية القديمة التي أصبحت حقيقةً بعد 12 سنةً، وكان ذلك بالنسبة لي درسًا بأن لا أستعجل في الدعاء على الإطلاق.