السعيد الخميسى يكتب: الصحافة بين رسالة" القلم" ومرارة" الألم"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السعيد الخميسى يكتب: الصحافة بين رسالة" القلم" ومرارة" الألم"


بتاريخ : الخميس 10 إبريل 2014

  • الله عز وجل جعل سورة كاملة فى القرآن باسم " القلم " فأقسم بنون والقلم والكتابة .

" نون , والقلم ومايسطرون " وقال فى سورة العلق"الذى علم بالقلم" فبالقلم علم الله الإنسان مالم يكن يعلم .

وقالوا قديما : العلم علمان : علم الصدور وعلم السطور , ولولا السطور ماوعت الصدور.

وقال الشاعر : إذا إفتخر الأبطال يوما بسيفهم...وعدّوه مما يكسب المجد والكرم... كفى قلم الكتّاب فخرا ورفعـــة... مدى الدهر- أن الله أقسم بالقلم . ويقول "ابن المعتز" القلم هو الأخرس الناطق, وهو الكتوم البائح , وهو العريان الكاسي . وهو الأسير المحرر.

  • لكن للأسف الشديد من بين أصحاب الرأى والقلم اليوم من لايعلم قيمة القلم , ولايحترم رسالته , ولايقدر دوره , ولايعلم تأثيره .

بل إن شئت فقل إن منهم من يتاجر" بالقلم" ويجعل مداد قلمه رهنا لمن يدفع أكثر .

إنه لخير وأفضل للكاتب الحر الشريف ألف مرة أن يموت جوعا ولايبيع قلمه بثمن بخس , كما تموت الحرة ولاتأكل بثدييها .

لقد انكسرت رقبة القلم , وأهينت قدسية القلم , ولطخت سمعة القلم , فكانت مرارة الألم غصة فى حلوقنا لاتسيغه أفواهنا.

وسُكب مداد القلم فوق الأوراق البيضاء فاسودت من شدة النفاق .

ضاعت وتاهت رسالة "القلم" فضاعت الأمة وتاهت فى بيداء الحياة والحق أمامها واضح جلى كاالشمس فى رابعة النهار, فأضحت كالعيس فى البيداء يقتلها الظمأ , والماء فوق ظهرها محمول, أرأيتم كيف...!

  • سيظل القلم فى يد الكاتب الصادق الأمين أخطر من السلاح فى يد الجندى فى ساحة القتال فى كل الميادين.

إن كلمة واحدة صادقة قد يفتح الله بها أعينا عميا, وآذانا صما وقلوبا غلفا.

والكاتب الحق هو من يعقل لسانه إلا عن حق يوضحه أو باطل يدحضه أوحكمة ينشرها أو نعمة يشكرها .

وكما قيل : إحبس لسانك قبل أن يطول حبسك. فالكتابة ليست مجرد مهنة يسترزق منها الكاتب قوت يومه , بقدر ماهى رسالة شريفة وأمانة ثقيلة في أعناق أصحابها لأن الكلمة أمانة ومسئولية.

ولايمكن للكلمة الصادقة أن تقف حائرة مضطربة متذبذبة فى المنطقة الرمادية بين الحق والباطل ... بين النور والظلام...بين الأيبض والأسود. لأن الكلمة لابد أن تتحرر من قيود المادة ومن أغلال الحسابات السياسية الضيقة .

الكلمة لابد أن تكون حرة لوجه الله تعالى , وليست لوجه الذين يدفعون . الكلمة لابد أن تكون طليقة رقيقة وليست خشنة سميكة تخدش الحياء وتصطدم الفطرة الإنسانية. الكلمة لابد أن تكون ورقا لاشوك فيه , وليست شوكا لاورق فيه تؤذى أكثر مما تفيد وتضر أكثر مما تنفع وتهدم أكثر مما تبنى .

  • والفرق شاسع والفجوة كبيرة بين الكُتاب والكَتبة . والمسافة بينهما لايمكن رؤيتها بالعين المجردة . لأنها تحتاج إلى تدقيق وتحقيق .

الكاتب الحر الكريم غير الكاتب اللئيم الذليل . الكاتب الصادق غير الكاتب الكاذب . الكاتب النزيه غير الكاتب السفيه .

الكاتب الوطنى الأصيل غير الكاتب المأجور العميل . الكاتب الأمين الشريف غير الكاتب الخائن الخسيس.

الكاتب المحترم غير الكاتب البذئ . الكاتب الهادف غير الكاتب الساقط . الكاتب الهادئ الرزين غير الكاتب الأهوج الأحمق الطائش .

الكاتب الحق صاحب فكر وعلم وثقافة ورؤيا واضحة كالشمس فى رابعة النهار.

ينطق بكلمة الحق مهما كانت التكاليف والمخاطر والعقبات والثمن الذى سيدفعه مقابل كلمة حرة يقولها فى زمن العبيد , وكلمة مستقيمة يقولها فى زمن الغواية والانحراف .

وكلمة حق يقولها فى زمن الباطل... وكلمة شجاعة يقولها فى زمن الجبن والخسة والنذالة...! وكلمة حق فى وجه سلطان جائر أفضل مليون مرة من ألف خطبة وألف مقال بلامعنى نفاقا للسلطان وطمعا فى ذهب المعز.

    • نريد الكاتب الحر النزيه وليس الكاتب المكبل السفيه .

نريد الكاتب الذى يرى الباطل باطلا والحق حقا دون خوف أو وجل أو حسابات سياسية ضيقة .

نريد كاتبا نزيها يحمل فى أحشائه أجندة وطنية , لا كاتبا عميلا يحمل فى أحشائه أجندة خارجية من السفارات الأجنبية .

نريد كاتبا نزيها يشخص الداء ويصف الدواء .. لاكاتبا سقيما مريضا يزيد الجراح فى جسم الوطن فيستمر نزيف الدم إلى مالا نهاية.

نريد كاتبا يكون بلسما شافيا , لاكاتبا يكون خنجرا فى ظهر الوطن.

نريد الكاتب " القمة " وليس الكاتب " الرمة..! ." الكاتب الذى يرتفع بأفكاره وقيمة ليكون كالنسر فوق القمة الشماء .

ولانريد كتابا كالغربان لايحومون إلا حول الخرابات والأطلال. نريد الكاتب الذى ينشر الفضائل وليس الكاتب الذى ينشر الفضائح .

  • نريد الكاتب الذى يزن الكلمة بميزان دقيق. الكاتب له رسالة وهى فى عنقه أمانة يريد أن يؤديها.

إن تأثير مداد قلم الكاتب المستنير تفوق دم الشهيد فى ميدان القتال عدد سنين , لأن طعن اللسان أخطر من طعن السنان.

وحد السنان يقطع الأوصال وحد اللسان يقطع الآجال . وجرح الكلام أشد من جرح السنان .

والكلمة ترفع أقواما وتحط آخرين . والكاتب يكتب مايمليه عليه ضميره وما يرتاح إليه قلبه وماتطمئن أليه نفسه وما يميل إليه عقله, لاينتظر التعليمات ولايخضع للتوصيات ولايستجيب للإملاءات ولايسجد للدولارات.

الكاتب صاحب موقف ثابت لايعدو عليه تلون ولايعتريه تغير ولايؤثر فيه تحول ولايبيع قلمه لمن يدفع أكثر, لأن الكلمة ليست سلعة فى سوق الرقيق تباع وتشترى .

  • أما النوع الآخر وهم الكتبة فتصدر مطبوعاتهم من مطابع بير السلم بما يتناسب مع مستوى كلماتهم الهابطة الدنئية المبتذلة, هم مجرد موظفين أرشيف يسجلون البيانات وينفذون التعليمات ويركضون بل ويلهثون وراء الدولارات , هم العبيد فى زمن الاحرار , هم الرقيق فى سوق النخاسة , هم مرتزقة كل نظام , وخدمة كل فرعون .

وحاشية كل طاغية جبار , يرقصون على كل الاحبال , ويأكلون على الموائد , ويشربون من كل الكئوس , ويرقصون على كل الألحان , ويتحولون حسب ظروف كل زمان , هم كالغربان السود يتساقطون من أعالى الأشجار لينبشوا فى الأرض عن مواطن الدود.

عقولهم فارغة , نفوسهم خاوية , ثقافتهم هاوية , حياتهم لاهية. يخفون الحسنات ويفشون السيئات, يبحثون عن العثرات لينشروها, وعن الفضائح ليذيعوها, وعن الجرائم ليكتبوها, وعن السلبيات ليضخموها .

  • والكاتب صاحب الفكر والعلم والثقافة كنز استراتيجى يجب الحفاظ عليه وتشجيعه لأنه بمثابة الرئة التى يتنفس منها المجتمع. بل هو المرآة التى تعكس مميزات وعيوب المجتمع فضلا عن أنه كالجراح الناجح الذى يحدد بمشرطه موضع المرض والداء فيستأصله ثم يحدد العلاج والدواء .

كذلك الكاتب صاحب الفكر يكون بمثابة النبع الصافى الذى يرتوى منه كل ظامئ وكالواحة الفيحاء فى الصحراء يستظل بظلها كل عابر سبيل بل هو بمثابة حائط الصد ضد كل انواع الشائعات التى تنال من الشرفاء الأبرياء .

  • أما الكاتب الفارغ التافه فلا يجد سوى الكذب والتضليل والتدليس ولاعجب فقد سجل نفسه جنديا مخلصا فى نقابة إبليس.

لقد جعل الكذب والافتراء مصدرين رئيسيين لكسب المال الحرام , فلافكرة فى رأسه ولاعلم فى ذهنه ولاأدب على لسانه ولا خلق فى سلوكه ولاعمق فى كلمته ولااحتشام فى مفرداته , بل أنا أكذب إذا أنا موجود...! .

وانا أضلل الناس وأفسد وأهدم وأفترى , إذا أنا للدولارات قابض , وفى ميدان الفساد رابض , وفى قبلة الشيطان راكع ساجد.

  • يقول "الثعالبى " وهو من أئمة اللغة والأدب " البليغ من يحول الكلام على حسب الأمالى ويخيط الألفاظ على قدر المعانى والكلام البليغ ماكان لفظه فحلا ومعناه بكرا".

وهناك كتبة مرتزقة يخيطون الألفاظ ليس على قدر المعانى ولكن على قدر مايسمح به أسيادهم وهذا ماضاق به صدرى وأمرضنى وأعيانى .

فرسالة القلم رسالة مقدسة شريفة لايحترمها إلا العاقلون ولايؤدى حقها إلا الصادقون ولايقوم بما عليه فيها إلا المخلصون . ولقد أقسم الله عز وجل بالقلم .

ولن يقسم بالله بشئ إلا إذا كان شأنه عظيما وأمره جليلا ودوره كبيرا وتأثيره خطيرا.

آن الأوان أن نحترم رسالة القلم ولانكتب نفاقا لمخلوق أو رياء لبشر.

لابد أن تكون الكلمة خالصة لوجه الله ثم لمصلحة هذا الوطن وليست من أجل إ رضاء السلطان لأن ماكان لله دام واتصل وماكان لغيره انفصل وانقطع

المصدر