الذوق .. سلوك الروح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الذوق سلوك الروح



الإهداء

إلى الذين استجابت جوارحهم إلي إلهامات الروح وهواتف القلب. فانطلقت تعبر عن دقة الأحاسيس وسمو المشاعر ـ بما يضفي على حركة الحياة لمسات من الذوق الرفيع المكنون في فطرته ويترجم عن كنه الإنسان وعقيدته.


المقدمة

الأستاذ عباس السيسي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى بعثه الله تعالى هداية ورحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين الذين اهتدوا بهديه واستنُّوا بسنته إلى يوم الدين

أما بعد

فكل كتاب قصة.. وقصة هذا الكتاب بدأت بواقعة حدثت معي بدار النشر والصوتيات باسكندرية. حين كنت أجلس في حجرة المكتب أتحدث مع أحد الإخوة من الشباب جاء لزيارتي فدخل أخ واستأذن أن يتحدث معي في موضوع خاص فاستأذنت وخرجت معه إلى حجرة أخرى وطال الحديث بعض الوقت. فلما عدت الأخ غاضبا لأني تأخرت عليه.

فجلست وقلت له هل تظنني أخطأت في حقك؟ قال نعم. قلت: دعني أوضح لك الأمر لنعرف من المخطئ في هذا الموقف المفروض ياأخى أن هذه الحجرة مكتبي.

وكل من يريد مقابلتي أقابله بها فإذا جاء أحد الإخوة وطلب مقابلتي مقابلة خاصة يكون من الواجب عليك أن تستأذن في الخروج حتى ينتهى من حديثه.

فإذا كان عدد الموجودين أكثر من واحد فعليهم أن يستأذنوا في الخروج أو أخرج أنا.

فليس من المعقول أن كل من يريد مقابلتي. أقوم فأخرج معه. فما قيمة المكتب إذاً ! هذا يا أخي الحبيب هو المتعارف عليه والمعقول والمقبول شكلا وموضوعا.

كانت هذه القصة هي التي أوحت إليَّ أن أبادر إلى كتابة ما يقع بيننا من مثل هذه المواقف التي تبدو لصاحبها لاشبهة فيها.

بينما هي تكون مجافية للذوق أو العرف.

والعرف كثيرا ما يختلف بالنسبة للزمان والمكان. وأحياناً كذلك تكون بعض الكلمات في بلد ما لها مدلول مضاد في بلد آخر وهذا يسبب لقائلها حرجاً شديداً.

ولما كانت مثل هذه التصرفات تتكرر بدون توجيه إلى خطئها. فإنها تظل عادة عند صاحبها بل ربما تصبح لازمة يصعب تغييرها، وبعض الإخوة يلاحظون هذه التصرفات فيسكتون عنها خجلا ظانين أنها تصرفات عابره ولا داعى أن يصنع منها مشكلة تعكر صفو القلوب.. بينما الواجب تربويًّا أن يُتدارك هذا الأمر من أقرب طريق وبأدق وأرقي ما يغرس الحب ويحافظ على الإحساس والشعور بين الإخوة الذين أوجه لهم هذه النَّصائح أو التلميحات ليتذكرها وينتفع بها أخ في الله يدفعني حبه إلى أن أجنبه ما استطعت الوقوع في أي خطأ يتجافي مع الذوق السليم ولا ريب أني سأنتفع أيضا بهذه التوجيهات فقد أكون أنا هذا الإنسان "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" صدق رسول الله r.

وقد نبهنا عليه الصلاة والسلام إلى كيفية النصيحة فلا تكون في مواجهة جارحة والرسول r وأفعاله مثال للذوق الرفيع فكان لايجابه مخطئا وإنما يصعد فوق المنبر ويقول في مثل هذه المواقف: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا" وفي توجيهات الإمام الشهيد حسن البنا كذلك نجده يقول: ( يا أخي لتكنْ نصيحتُك لأخيك تلميحا لاتصريحا وتصحيحا لا تجريحا ).. لهذا فقد استخرت الله تعالى وعزمت على أن أسجل في هذه الرسالة نماذج واقعية من هذه الصورة التي عايشتُها وسمعتها. لاأقصد بها إنسانا بعينه لانها ليست وقفا على أحد بذاته لكنها وقائع تتكرر في حركة الحياة.

وهذه الملاحظات أو تلك التصرفات التي تحدث منا أحيانا والتى قصدت تسجيلها لا تمس جوهر الأخلاق بل هي كالطالب الذي ينجح بدرجة ممتاز وآخر بدرجة جيد وآخر بدرجة مقبول والجميع ناجحون والحمد لله. بيد أنهم في درجات النجاح يتفاوتون.

فكلنا نشترك في الأخلاق ونتفاوت في درجاتها والآيات والأحاديث توضح هذا حين نقرأ قول رسول الكريم r: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقوله "إنّ أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطأون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون".

وأعتقد أن الذوق هو الأخلاق حين نرتدي أجمل ثيابها وهو عطر الأخلاق ونفحاتها.. والذوق هو قمة الأخلاق حين تتألق في إنسان وتتجلي في أحاديثه وتعاملاته التي تنطوي على أجمل المشاعر وأنبل العواطف. فالذوق حركة من لطائف الروح وصفاء القلب.

والذوق هو سلوك الروح المهذبة ذات الأخلاق المرضية. وختاما فالذوق هو الإنسان في أبهى صورة وأرقى حضارة. وصدق الله الذى عظم شأن رسوله بالثناء على أخلاقه ] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [

المخاطبة بالهاتف ( التليفون )

المتليفون نعمة من نعم الله تعالى في هذا العصر، فلقد طوى مساحة الأرض في لمح البصر. ورحم الله عهد البعير والحمام الزاجل والسفر الشاق لتوصيل الرسائل والأخبار. واليوم والهاتف قد يسر لنا كل هذا فضلا عن أنواع الاتصالات المذهلة.

وقد لا نحسن في أحيان كثيرة الاستفادة بها ونسيئ استعمالها وقد عانيت من هذه الآلة بعض المتاعب فيما تحدث من أمور وتصرفات:

فقد يزورك زائر ولا يلبث إلا قليلا حتى تمتد يده إلى التليفون قائلا: تسمح التليفون، فلا مناص من أنقول له تفضل! ويبدأ حديثه بالسؤال عن أفراد الأسرة والأقارب ثم يمضي في تبادل الحديث الطويل معهم ويختتم الحديث المسهب بكلمات قليلة هي بيت القصيد! وكان يمكن أن يكتفى بها فلا يطيل المكالمة.

وذات مرة زارني اثنان من بلد عربي ـ واستأذن أحدهم ليتصل بأهله في مكالمة داولية، وأدار التليفون وكما هي العادة مع الأهل والأحباب.

طال المكث وكثر العتاب. وأنا أخرج حينا وأدخل حينا لعله يقتصر ويوجز، والذين يتحدث إليهم يظنون أنه يتحدث من حسابه الخاص فيتبادلون معه الحديث في شجون وإطالة.

وما يكاد يختتم حديثه وأتنفس الصعداء، حتى يستأذن الثاني في مكالمة وتستمر الرواية بنفس الأسلوب وتتكرر القصة. وأعيش في ضيق لا حزنا على ما سوف أدفعه من مبالغ كبيرة فحسب ولكن ألماً من هذا التصرف البعيد عن اللياقة.

ولا أكون مبالغا إذا قلت أن أحدهم نزل ضيفا على أحد الإخوة واستعمل تليفونه في مكالمات شخصية خارجية تجاوزت قيمتها راتبه الشهرى! فتصور ـ أخي الكريم ـ كيف تكون علاقة القلوب وحالة الجيوب! ( لو كان حبيبك عسل ماتلحسوش كله )

خرج الأخ من منزله صباحاً في طريقه إلى عمله. فوجد بعض الإخوة قد حضروا لزيارة زميل لهم فلم يجدوه. فدعاهم الأخ لينتظروه في مسكنه بعض الوقت.

فاستجابوا وحال جلوسهم، استأذن أحدهم ليتحدث تليفونيا خارج المدينة وبعد أن أنهى محادثته، أخرج ورقة بيضاء وأخذ ينقل أرقام التليفونات الخاصة الموجودة على المكتب دون أن يستأذن في ذلك!! في هذا الوقت كان أهل البيت قد قدموا لهم التحية الواجبة.

وبعد ذلك قال لهم الأخ المضيف أنه مضطر لمغادرة السكن ليلحق بعمله ولكنه فوجئ بمن يقول له: أنت تذهب إلى عملك ونحن نبقى هنا حتى يصل الأخ الذي ننتظره!!.. يقول الأخ أنه كاد ينفجر غيظاً لأنهم قد لاحظوا أن ذلك السكن تشغله الأسرة فكيف يسمحون لأنفسهم بالبقاء بالمنزل بعد انصراف رب الأسرة؟ لقد اتسع مفهوم العشم والحب في الله تعالى عند بعضهم حتى تجاوز العرف والعقل والمنطق!

أحيانا تأتي مكالمة تليفونية من أهل بيت صاحب بالمكتب. ونراه يتحدث إليهم بصوت منخفض بما يوحي أن المكالمة خاصة. وفي هذه الحالة يستحب أن ينسحب الحاضرون.

إلا إذا أشار صاحب المكالمة إليهم أن الموضوع لا حرج فيه.

يتصادف أن يجلس أحد الإخوه الزوار قريبا من التليفون، وحين تأتي مكالمة يسرع ويرفع السماعة واسمعه يقول ( أنا فلان ) والمقروض أن يذكر اسم صاحب المكتب أو صاحب المنزل، حتى يتأكد للمتحدث أن الرقم صحيح فيطمئن فلا يحدث عنده بلبلة حين يسمع اسما غير مألوف فيظن أنه أخطأ الرقم ويغلق الخط وينهى المكالمة.

أحيانا تتداخل الخطوط وتسمع حديثا بين زوج وأسرته أو غير ذلك. وتجد بعض الناس يحلو لهم الاستماع والتصنت.. وهذا يتنافي مع الأخلاق الفاضلة والقرآن الكريم يحذر من ذلك ] وَلَا تَجَسَّسُوا [ .

( آسفين للإزعاج )

كثيرا ما تسمع من محدثك كلمة تقليدية ( آسفين للإزعاج )؟ فإذا كان صاحبنا يعلم أن هذا الحديث في وقت معين يسبب الإزعاج فلماذا تجاوز الوقت المناسب؟ ولهذا تعود كثيرون أن يعزلوا التليفون في أوقات راحتهم أو نومهم... فقد تعود أحدهم أن يفتح الهاتف بعد الحادية عشر مساءً ويقول آسفين للإزعاج. فلما أفهمته أن صوت الهاتف في هذا الوقت مزعج ومقلق تأسف ولكنه عاود سيرته الأولي في المحادثة بهذه الكيفية.

فلما عاتبته بشدة. قال أنه يعود على بيته متأخرا وهذا هو الوقت الذي يناسبه! فقلت له وما ذنبي إذا استرحت أنت وأتعبتني أنا !؟ وأحيانا تكون بعض المكالمات من هذا النوع غير ملحة ولا ضرورية.

مكالمة لأمريكا

اتصلت اسأل عن صحة أحد الإخوان. فقيل أنه ذهب إلى أمريكا للعلاج فحصلت على رقم تليفون المستشفي ورقم الحجرة. وكانت الساعة وقتئذ السابعة مساءً. فأدرت قرص التليقون.

وجاءني صوته يسأل من المتحدث فقلت فلان.وسألته عن حاله وصحته وتمنيت له عاجل الشفاء. وقطع الحديث وسألني كم الساع عندكم الآن!؟ وفي الحال أدركت أنني قد وقعت في خطأ .. إذ أن الساعة الآن في أمريكا الثانية عشر مساءً!؟ فلم أتنبه إلى فرق التوقيت بين ألمانيا وأمريكا. فضلا عن أنني أخاطب مريضا في حاجة إلى الراحة وهدوء البال وهكذا وقعت في المحظور دون أن أدري.

بعض أصحاب الأعمال.. تزدحم مكاتبهم بالرُّواد.. وتأتيهم مكالمات تليفونية ويظل يستمع على محدثه الذي يطيل وكلما اقترب من النهاية فتح مجالا للحديث والرجل في حرج شديد. يريد أن ينهي الحديث، ولكن صاحبنا لا يرى ولا يشاهد هؤلاء الذين حضروا لإنهاء مصالحهم ويظن أن صاحب العمل قد تفرغ له وحده.

فعلى الذين ينفَرِدون بالحديث مع مثل هؤلاء أن يعلموا أن هناك الكثيرين مثلهم لهم نفس الحقوق والواجبات. فعليهم أن يختصروا رحمة بغيرهم ولعل من تمام الذوق على الذين يبدأ الحديث أن يختتم حديثه بنفسه.

الضيافة والزيارة

الضيافة سمة من سمات المجتمع العربي والإسلامي وخاصية من خصائصه الفريدة في العالم. وأسلوبها ينضبط بضوابط أخلاقية وشرعية على مستوى الفرد والجماعة.

وكلما توافقت الضيافة والزيارة مع التقاليد والأصول الشرعية قويت العلاقات وتوثقت الروابط.

تعوَّد كثير من الناس أن يفاجئوا أقاربهم أو أصدقاءهم بالزيارة. فحينا يجدونهم وتكون زيارة غير متوقعة وغير محسوبة.

فربما يكونون على موعد لمغادرة المنزل أو تكون لديهم من الظروف ما يحول دون إعطاء الزيارة حقها.

ومع كل هذه العوامل فلابد من استقبالهم بالبشاشة والترحاب. والمثل الشائع ( لاقيني ولا تغديني ) والقرآن الكريم قد نبه إلى وجوب الاستئذان قبل الزيارة قال تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [ [ سورة النور 27 ]

وقد يحدث للمضيف الحرج لظروف أسرية أو مادية أو ضيق في السكن. ولهذا جعل الله لمثل ذلك مخرجا ومندوحة في قوله تعالى ] وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [ سورة النور: 28 ] وعلى المضيف في مثل هذه الظروف أن يتصرف بحكمة ولباقة حتى لا يفسد ود القلوب. وعلى الضيْف أن يتقبل الرجوع عن الزيارة بصدر رحب ولعل بعض الإخوة لا يستريح لهذا ... والأولى أن يعاتب نفسه ويلزمها بأدب الإسلام والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

بعض الإخوة يتوجهون لزيارة أحدهم. فيطرقون الباب عدة مرات. وقد حددت الآداب الإسلامية قواعد الإستئذان في زيارة صديق أوجار وذلك بالطرق أو استعمال ( الجرس ) ثلاث مرات فقط. الأولى لإعلام صاحب الدار أن هناك من يود زيارته والثانية لاستعجاله إذا تأخر.

والثالثة بمثابة إعذار بأنه سوف يغادر المكان. ثم لا يزيد على ذلك. احتراما لمشاعر صاحب الدار فقد يكون غير متهيئ للإستقبال أو أن يكون غير موجود أصلا في المنزل.

وبعض الإخوة ينصرف ثم يعود بعد فترة ويعاود ما سبق دون جدوى. وأنصح الزائر قبل أن يتوجه للزيارة أن يجهز بطاقة يكتب فيها أنه قد حضر للزيارة ويأسف لعدم اللقاء ثم يحدد فيها ما يريد أو يحدد موعدا آخر أو يترك له عنوانه ورقم تليفونه كي يتصل به عند العودة.

ومن الحكايات التي تروى في مثل هذا الباب. ما قرأته عن الشيخ عبد العزيز البشري الذي ينفرد بأسلوبه في معالجة مشكلة الزيارات المفاجئة. فكان من عادته أن يضع عمامته وجبته خلف باب الشقة التي يسكن فيها.

فإذا طرق أحدهم الباب لبس جبته وعمامته وأمسك عصاه. فإذا كان الضيف مرغوبا فيه استقبله احسن استقبال وقال له: الحمد لله الذي دجاء بي من الخارج الآن.

وإذا كان الضيف ثقيل الظل وغير مرغوب فيه: قال له: الحمد الله الذي جاء بك قبل أن أخرج لأنني على موعد الآن!!

وبعض الأفراد مِمَّنْ عندهم فراغ أو متسع من الوقت ـ يقضون وقتهم عند من لايجد متسعا من الوقت لإنهاء ما تراكم عليه من واجبات ( فالوقت هو الحياة ) ( فعاون غيرك على الانتفاع بوقته )

وقد يتزايد الزوار بالتوالي ولا يفكر الزائر الأول في الانصراف لأن ( القعدة أحلوَّت ) وبعضهم وخاصة غير المتزوجين لاتحلو لهم الزيارة إلا في وقت متأخر وغير مناسب لأنهم لم يمروا بهذه التجربة بعد.

والمثل يقول ( يا بخت من زار وخفف ) وإذا أبديت بعض التلميحات تنبيها لمجافاة هذا السلوك للتقاليد والعادات قيل لك ( إننا نحبك في الله تعالى )! وليس الحب في الله تعالى إلاً في إطار الذوق والأخلاق وضوابط العُرف. وإذا نوهت إلى أن مثل هذه التصرفات ترهق وتضيع الوقت قيل لك ( اللي يعمل جمل لا يبعبع من العمل )!! وهل أنا جمل إنما أنا.. !!

الضيف يشارك

قال لي أحد الإخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه. وكان للمضيف ابنٌ شابٌ قد غاب عن المنزل منذ يومين ولم يتعرف على مكان تواجده مما سبب للأسرة قلقا بالغا.. وقد عرف الضيف الكريم ذلك ولاحظ وشاهد مبلغ الاضطراب الذي تعيش فيه الأسرة ـ ولكنه لم يبد أي شعور بالمشاركة الوجدانية، ولم يشارك بأية كلمة مواساة وبعد أن قضى الوقت المناسب وقمنا نحوه بالواجب غادرنا، ولم يتصل بنا بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا.

وهكذا يقول المثل ( الذي يحب نفسه تكرهه الناس ).

ضيافة الأسرة

قد ينزل عليك ضيْفٌ ومعه أسرته لأكثر من يوم. ولن تتحمل كثيراً من المشاق إذا كان المنزل فيه متسع يمنع الحرج الشرعي من الاختلاط أما إذا كان الأمر غير ذلك فإن عقبات كثيرة تحول دون الوفاء براحة الجميع.

ولعل أكثر المتاعب تأتي من نوعية الطعام. الذي يقدم للضيوف في هذه الحالة إذ أن البعض لا يرغب في نوع معين من الطعام، والآخر يحدد نوعا خاصا.

والمضيف في هذه الحالة ينفق بقدر ما تسمح به حالته وليس بيتهُ مطعماً عُموميا يلبي طلبات الجميع، ورسول الله r يقول ".... فمن اشتهى شيئا فليأكله ومن كره فليدع" ودعا رجل من المسلمين رسول الله r إلى طعام من الخبز والخل فما توقف رسول الله وما امتنع. بل قال كلمة تليق بمساحة الضيف وتحافظ على شعور المضيف.

فعن جابر t أن النبي r سأل أهله الإدام. فقالوا: ما عندنا إلا الخل. فدعا به فجعل يأكل ويقول ( نعم. الإدام الخل نعم الإدام الخل ) رواه مسلم وقيل في المثل ( بصلة المحب خروف ).

كلمات لا بد أن نعيش مع مدلولها السامي في التربية، وعلى المضيف أن يقدم ما تيسر عنده من طعام ولا حرج عليه.

وعلى الضيف أن يكون على مستوى الأخوة فلا يعتبر ذلك انتقاصا من قدره. فإذا تكلف المضيف فوق طاقته وظروفه المادية وربما الصحية كذلك عنده أو عند أهله، فإن هذا التعامل سوف يضيق، ابواب الأخوة وتصبح الزيارات أحمالا وأثقالا تقلل من مشاعر الحب والإيناس. ورسول الله r يقول لنا ( لا تكلفوا للضيف فتُبغضوه ) والمثل يتجاوب مع الموقف حين تسمع "اللي يفتح بابنا يأكل لبابنا" "البير الحلو دايما نازح"

وأحيانا يوجه أخ إلى إخوانه دعوة للغذاء أو العشاء ـ ويفاجأ صاحب الدعوة أن الإخوة الكرام قد اصطحبوا معهم بعض إخوانهم دون استئذان من صاحب الدعوة الذي يكون قد أعد مائدته على قدر العدد الذي دعاه متجاوزا بعض الشئ؛ فقد روي الإمام أنس بن مالك أن قوما من أهل المدينة دعوا رسول الله r إلى طعام له ولأصحابه وهم خمسة فأجاب دعوتهم فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس فماشاهم فلما دنوا من بيت القوم قال u للرجل السادس إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم! وفي رواية عن أبي مسعود البدري t أنه قال: دعا رجل النبي r لطعام صنعه له خامس خمسة فتبعهم رجل، فلما بلغ الباب، قال له النبى r إن تبيعنا فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع قال بل آذن له يا رسول الله وهكذا يعلمنا رسول الله r ـ هذه الآداب ـ التي تحمي ـ المجتمع ـ المسلم من التسيب وتضبط له قواعد السلوك.

وفي حالة وضع الطعام يستحب أن ينتظر الضيوف حتى يبدأ المضيف بدعاء الأكل ( اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار ) فيدعوهم إلى تناول الطعام والإشارة إلى هذا المعنى حين قال النبي لوط u للقوم الذين هبطوا عليه ] .... فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [ [ سورة الذاريات: 27 ] فهو الذي دعاهم إلى تناول الطعام.

الطعام عورة

والطعام عورة للآكل والمأكول على السواء.. فقد روي أنه قد دعي أعرابي على مائدة أحد الأمراء. فقال له الأمير وهو يرفع اللقمة إلى فمه الشعرة يا أعرابي في لقمتك وأراد الأمير أن يسحبها من لقمته، فضرب الأعرابي بيده قصعة الطعام وهو يقول أتراقبني مراقبة من يرى الشعرة في لقمة أخيه؟! والله ما أكلت من طعامك قط.. فقال الأمير استرها ياأعرابي بمائه من الإبل. فرضي الأعرابي وهو يقول ( معجَّلة )؟

وقيل أن أميرا دعا زائراً من الشباب إلى طعامه. فقال الشاب للأمير إنه شبعان: فدنا منه أحد حاشية الأمير وقال له يا هذا ــ إن الطعام مع الأمير للشرف وليس للشبع!!

ولاحظت أنك حين تقدم تحية لأحد من الزائرين ــ تراه يسرع فيعتذر بأنه ( لسه شارب قبل حضوره ) ولو أنه ارتشف قليلا من هذا المشروب لكان في ذلك مجاملة للمضيف؟

وقيل أنه من أدب المضيف أن يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم وأَلا ينام قبلهم ولا يشكو الزمان بحضورهم، وأن يبش عند قدومهم ويتألم عند وداعهم وألا يتحدث بما يروعهم وألا ينهر أحداً ولا يشتمه بحضرتهم.

دورة المياه ( الحمام )

ومن التصرفات التي تضايق الضيوف.. دخول الحمام الوحيد في السكن فبعضهم إذا دخل الحمام ينسى أن هناك غيره يترقب خروجه ليقضي حاجته وبعضهم يدخل الحمام ومعه كوب الشاي.

وآخر يدخل ومعه جريدة أو مجلة والذي ينتظر يعيش مع المثل القائل ( الصياد بيتقلى والعصفور بيتقلى).

زيارة الموظف في مكتبه

يحلو لبعض الإخوة إذا كان له صديق موظف في أي شركة أو مصلحة أن يذهب لزيارته في عمله سواء كان ذلك لطلب تأدية خدمة أو لقضاء بعض الوقت، ولا يستشعر الأخ نوع الحرج الذي يقع على الموظف، فلعل ظروفه لا تسمح ولا تتسع لوجوده في هذا الوقت، وكثير من الرؤساء يغضبون لمثل هذه الزيارات التي تعطل الموظف عن أداء عمله ويسبب ذلك في توتر العلاقات وقد تسوء.

وجاءني ذات يوم طالب أنهى امتحان ليسانس الحقوق ولم تظهر النتيجة بعد وطلب منى أن أعطيه توصية لمقابلة أحد المحامين المشهورين بالقاهرة ليتفاهم معه بشأن مستقبله.

فقلت له وهل ستدفع له قيمة الاستشارة؟ قال: أليس الدكتور المحامي من الإخوان!؟ فقلت بلي إنه من الإخوان ( وياويل الشجي من الخلي ).

زيارة غير لائقة

حدثني أحد الإخوة فقال: توجهت مع شقيقي وشقيقتي إلى القاهرة لخطبة إحدى الفتيات له. ونزلنا ضيوفا على أحد الإخوان الذي كانت حفلة زفافه مساء أمس.. فاستقبلنا وأفسح لنا مكانا في منزله لنبيت فيه.

وقد أفهمناه الغرض من حضورنا وطلبنا منه أن يسمح لزوجته أن تصاحب شقيقنا وشقيقتنا في زيارة أسرة الفتاة التي جئنا لخطبتها!؟

يقول الأخ الكريم وهو يروي هذه القصة، إنه كان يعتبر ما حدث يومئذ شيئاً عاديا بالنسبة لما بيننا من أخوة وحب في الله تعالي وأنه لم يخامره أي شعور بأن ما فعله مناف للذوق!؟ ( عروس ثاني يوم زفافها يُطلب منها زيارة لخطبة فتاة لصديق الزوج ولا يشعر هذا الصديق بأي خجل ؟ أو حرج؟! ويروي أحد الإخوة: وهو متزوج ويعول أربعة أطفال ويعيش في سكن محدود, أنه فوجئ في صباح أول يوم عيد الفظر بزائر كان يعرفه من سنين. فاستقبله بفتور واستمع له وهو يقول.. لقد تذكرت صداقتنا وأخوتنا القديمة. فدعني حبي وشعوري أن أقوم بزيارتك في الله تعالى لأقضي معك يومين من عيد الفطر.. يقول الأخ المسكين لم أستطع أن أرد عليه جوابا فقد عجزت عن النطق بكلمة واحدة.

فلما عرفت زوجتى الأمر قالت والله إن الأقارب لا يفعلون ذلك فإن أول أيام العيد يكون خاصا بالأسرة وزيارة هذا الرجل في مثل هذا اليوم تحتمل تأويلات شتى!؟ ولكن كان لابد من الصبر أو يجب أن نتعلم الصبر.

زيارة مريض

مرض الأخ أحمد حيدر بالقلب ودخل قسم الإنعاش في مستشفي التأمين الصحي بالإسكندرية. وجاء أحدهم لزيارته لأكثر من مرة ـ وقيل له أن الطبيب المعالج أمر بعدم الزيارة والتحدث معه ـ فقال: إننى أحبه في الله وأريد أن أراه ولن أجعله يتكلم سوف أكلمه أنا وأعفيه من الحديث ـ قالوا له إن الحاج أحمد لا يريد أن يقابل أحد. قال: لا بد أن أسمع ذلك منه بنفسي فاضطر المرافق أن يمنعه.

والعجيب أن هذا الإنسان اعتاد أن يزور إخوانه في وقت متأخر ويعتذر أن ظروفه لا تسمح إلا بذك وهو يعلم أن أكثرهم متزوج ومواعيد اعمالهم مبكرة، فتراه يجلس ويتحدث عن نفسه ومشروعاته ما وسعه الجهد من الحديث والذي يستمع له يصيبه الإعياء وقد تقول له في سياق الحديث أنك على موعد للسفر صباح الغد، أو أنك كنت عند الطبيب للعلاج، كل هذا لا يدعوه إلى الرحيل إلا إذا صارحته بأنك على موعد مع النوم.

في زيارة المريض

الذين قدر الله عليهم المرض هم الذين يشعرون بدقة الظروف وشدة الحرج الذي يتعرض له المرضى على أسرة المستشفيات. أحيانا يكون المريض في حالة لا تسمح بدخول الزوار،ولكن الزائر يحرض على أن يرى المريض أو يراه المريض كإثبات حالة ـ وبعضهم يصر على تقبيله وآخر يجلس إلى جواره على السرير، وينسى الموقف ويهز رجليه.

ولا يدرى كم يؤثر ذلك في نفسيه المريض وعلى راحته ويستحي أن ينبه الزائر إلى ذلك. وأحيانا يتألم أهل المريض لثرثرة الزوار وجلجلة أصواتهم مما يؤلم المرضي المجاورين.

والمريض في العناية المركزة أكثر طلباً للراحة والهدوء الكامل. فإن كثرة الزائرين تستهلك من قوة المريض ما يكون سببا في مضاعفة الوقت والعلاج ويكفي أن تترك بطاقتك أو تقابل أهل المريض للإطمئنان.

زائر آخر الليل

طرق بابي في وقت غير مناسب ليلا شخص يعرفني منذ أكثر من عشرين عاما. رحبت به كالواجب. ذكر في حديثه أنه موظف في إحدى الدول العربية الشقيقة وأن الله فتح عليه ورزقه مالا وولدا ومسكنا فسيحاً وأنه قد اعتزم هذا العام أن يؤدي فريضة الحج وزيارة قبر رسول الله r.

وأنه قد جاء لي لأعطيه عنوانا لأحد الإخوة الموجودين في مكة المكرمة والمدينة المنورة ـ كي ينزل عنده طوال الفترة.. فقلت له ــ لاشك أن هذا الأخ الذي ترغب في النزول عنده لابد أن يكون قد اعتزم أداء فريضة الحج مثلك.. لهذا فسوف لا تجد أحدا متفرغا لك. والمتبع عند عامة الحجاج أن ينزلوا على المطوف أو الفنادق!

ودارت بخاطري كلمات الرجل أن الله تعالى قد رزقه مالا وولدا وتعماً كثيرة ثم هو يريد أن ينزل على من لا يعرفه ويكلفه ويعطله.. وحزمت أمري واعتذرت له.. وانصرف وأنا لا زلت في دهشة من أمره وعجب.

ضيف في الفندق

نزل أحد الناس ضيفا على آخر في الله، ولما كان المضيف لا يجد وقتا يتسع للقيام بالواجب نحوه.. فقد حجز له غرفة في أحد الفنادق مكث فيها ثلاثة أيام. وبعد أن أنهى زيارته وودعه المضيف إلى المطار. توجه الأخير إلى الفندق ليدفع حساب الإقامة.

فوجد أن كشف الحساب قد تضمن قيمة مكالمات هاتفيه داخليه وخارجية. ومعلوم أن قيمة المكالمات في الفنادق تكون مضاعفة. وتضمن الكفشف قيمة الصحف والمجلات.

وتضمن قيمة غسيل الملابس وكيها.. فقلت للأخ أنه لم يتجاوز .. هبك أنزلته في بيتك أما كنت تتكفل بهذا كله؟ قال ليس إلى هذا الحد. قلت إذن عليك أن تتنبه بعد ذلك إلى الحدود الواجبة حتى لا تتورط!!

جزاء الإحسان

دعا أحد الإخوة شخصاً فأنزله ضيفا في سكن خاص وسلمه المفتاح.. وبعد أن أمضى الضيف الكريم مدته في نزهة وسياحة غادر المدينة دون أن يعيد المفتاح إلى صاحب الشقة الذي استضافه.

واتصل صاحب السكن به في القاهرة يستعجله ليرسل له المفتاح فقال إنه يبحث عن مسافر إلى الإسكندرية ليرسله معه! واستمرت الشقة مغلقة أياما وأسابيع. وأخيرا وجد الضيف من يحمل المفتاح إلى صاحبه.. وحين وصل إلى الإسكندرية تفقد المفتاح فلم يجده لقد ضاع المفتاح وضاع الوقت وضاع الوفاء مما يفقد الشعور بالثقة والاحترام.

في زيارة إلى فرنسا

دعيت لزيارة بعض الإخوة في باريس. وتحدد موعد الزيارة وموعد القطار ولما كنت لا أعرفهم ولا يعرفونني. فقد تحدد مكان أجلس فيه حال وصولى ليتعرفوا علىَّ .. ونزلت من القطار قاصدا المكان الذي اتفق عليه فلم أجد أحداً في انتظاري.. ولم يكن معي أي عنوان! وجلست انتظر حوالي ساعة ونصف حتى كثرت الوساوس وتعذر مغادرة المكان لأي سبب خشية أن يحضر أحد فلا يجدنى فتضيع آخر فرصة.

وفيما أنا في هذه الدوامة. إذا بشاب يقترب مني ويقول لي. حضرتك الأخ أبو معاذ.

فنظرت إليه غاضبا. وقلت له نعم ياسيدي أنا الأخ أبو معاذ قال: أنا متأسف لهذا التأخير حيث أنني كنت أصلي الجمعة في مسجد بعيد ـ فقلت له في غضب كان يجب في هذه الحالة أنْ تبعثوا لى وأحداً لا يصلي. فضحك واضطررت أن أخفف وقلت في نفسي ( أهل السماح ملاح) وقلت للأخ الكريم ( إذا كنت تريد أن تصالحني تغديني غداءً إسلامياً ) وذهبنا إلى مطعم أخ جزائري قدم لنا طعاما شرقيا شهيا.

وتوجهنا إلى المركز الإسلامي الذي وجدته في حالة ترميم وإصلاح على قدم وساق. وأدخلني الأخ حجرة صغيرة فيها مكتب وتليفون ومنضدة تصلح أن تكون سريرا ودعاني للمبيت فيها وكانت درجة الحرارة تحت الصفر فاعتذرت ـ فليس في الدار عوامل تدفئة.. ونزلت في أحد الفنادق المجاورة المجهزة بكل وسائل الراحة.

وهكذا كثيرا ما يتعامل الإخوة الشباب مع الإخوة الشيوخ بأسلوب الشباب غافلين عن عوامل السن والصحة والمرض ظانين أن شيوخ الإخوان وقد تحملوا المحن والصعاب والشدائد فهم على استعداد دائم لهذه الحالة في أي وقت وعلى كل وجه.. وهذا ليس من سنة الله في خلقه. ودوام الحال من المحال.

زائر من الكويت

اتصل بي أحد الإخوة المصريين وهو يعمل موظفا بدولة الكويت، وقال لي أنّ أحد إخوانه له ابن طالب في الجامعة يريد أن يقوم برحلة سياحية إلى ألمانيا ولما كان لا يعرف أحداً هنالك ليستقبله ويساعده. فقد طلب مني أن أستقبله عند وصوله بالطائرة على مطار فرانكفورت وهو مطار هائل يحتاج إلى دليل.

وفعلا توجهت إلى المطار ومعي الأخ صلاح الجعفراوي في سيارة خاصة وفي الموعد هبطت الطائرة. وترقبنا خروجه من البوابة وقد أعطوني أوصافه حيث لم يسبق لي به معرفة. وخرج شخصٌ تنطبق عليه هذه الأوصاف.

فلما أقبلت عليه إذا به يتجه إلى الأخ صلاح يتوقع ذلك، واستغرق في عواطفه ونسي أن هناك من جاء له خاصّة لاستقباله ـ حتى نبه الأخ صلاح إلى اسمي. فمد يده يصافحني بدون حرارة. ووجدت نفسي في موقف غير لائق.... وتركت هذا الضيف لصاحبه يقوم بواجباته. وذكرت قول الله تعالى ] أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [ والمثل الذي يقول ( اللي موش في القلب عنايته صعب ).

قال أبو يزيد(1): قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية، وكان رجلا مقصودا مشهورا بالزهد. فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقه تجاه القبلة. فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه. وقال هذا غير مأمون على آداب رسول الله r. فكيف يكون مأمونا على ما يدَّعيه.

رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

فيما مضى من الزمان كان حجاج بيت الله الحرام يعودون إلى بلادهم ومعهم هدايا قليلة وخفيفة مثل "طواقي للرأس"، " كوفيات"، "حناء" "دبل من الفضة" "ماء زمزم" "بلح تمر على شكل مسبحة" أما في هذه السنين فقد تطورت الهدايا وتنوعت بصورة مذهلة فقد كادت تختفي الهدايا السابقة وتصدرت الغسالات الكهربائية والثلاجات بكل أنواعها وماكينات خياطة الملابس والسجاد والبسط وغير ذلك.. والنساء أكثر خلق الله . استجلابا واستحواذا.

ويتعرض الرجال والشباب لحمل هذه ونقلها من السيارات دون النساء ويتحملون المتاعب والمشاق.

وفي صالة الفندق الذي كنت أنزل فيه. طلبت مني سيدة أن أساعدها في حمل حقيبة خاصة بها إلى الدور العلوي. وحملت الحقيبة ولم أكد أتحرك بها عدة خطوات حتى عجزت عن حملها فتركتها واعتذرت لها حيث كان بها أحمال ثقال وعدت إلى حجرتي حيث أصبت بالذبحة الصدرية ونقلت إلى المستشفي الملك بالمدينة المنورة وأدخلت قسم الإنعاش وحرمت من أداء فريضة الحج وعدت إلى بلدي وهكذا يحاول بعض الناس استغلال غيره دون مراعاة للظروف والشعور.

المغادرة

اعتاد بعض الإخوة المغادرون من قطر إلى آخر في زيارة أن يحملوا معهم في الذهاب والإياب بعض طلبات وهدايا لزملائهم من أهليهم هنا وهناك.

وحين يعلم الأصدقاء بموعد سفره تنهال عليه الأمانات من نقود وخطابات ومشالات متنوعة. وفضلا عن الإرهاق، الذي يصيبه فإنه قد يتورط في أن يدفع من ماله قيمة فرق الوزن وكذلك قيمة ما قد يكون من جمارك، وما أن يصل إلى داره حتى يبدأ في السفر إلى عدة أماكن كي يسلم ما معه من أمانات ومشالات. وكثيرا ما يتأخر الفرد في تسليم ما معه من أمانات إلى ذويها، وماذاك إلا كي يستريح ويأتنس بأهله بعد هذا الغياب الطويل ومع ذلك فغالبا ما يناله الكثير من عتاب إخوانه على هذا التأخير.

من أجل هذا الحرج فكر الكثير من المسافرين في عدم الإعلان عن موعد المغادرة وموعد العودة حتى لا تنهال عليهم أمثال هذه المعوقات والغرامات. ولو علم كل شخص أنه ليس وحده الذي يكلف أخاه بمثل ذلك لهان الأمر وصدق الله ] يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [ والمثل العامي المشهور ( خفف نشيل )

بسيف الحياء

شكا لي أحد الإخوة الطلاب... أنه كلما ذهب مع إخوانه في طريقهم إلى الكلية قدموه ليدفع قيمة تذاكر المواصلات على أن يتبادلوا ذلك في المرات القادمة ويتكرر هذا الأسلوب ويتحمل وحده ثمن التذاكر ويتهربون! ويتمادون أكثر حين يدخلون حجرته وهو غائب ويأخذون بعض ما يرد إليه من أهله من مأكولات ويفتحون حقائبه كل ذلك دون استئذان أو اعتذار. وإذا غضب ووجه إليهم عتابا اتخذوا من ذلك فرصة للضحك وتغطية الموقف.

مثل هذه التصرفات غير لا ئقة وغير كريمة. وإن مايأخذونه بسيف الحياء يورث الكراهية. ولاتستمر مع هذه التصرفات زمالة أو صداقة.. فقد قيل ( شرط الموافقة قبل المرافقة ).

قصة في صالون الحلاقة

من المتعارف عليه أن الدور يكون لمن سبق في دخول صالون الحلاقة. وهذا متعارف عليه في أكثر بلاد العالم.

وفيما كنت في طريقي إلى صالون الحلاقة وعند اقترابي منه وجدت شابا جاء من خلفي يريد أن يسبقني إلى الصالون حتى تحتسب له الأسبقية.

ولم أشأ أن أسرع الخطى مثله. فسبقني. ولكنني شعرت نحوه بشئ من الغضب، اعتبرته إنسانا أنانيا يفضل نفسه عن الآخرين. وأن من حسن الخلق أن يحدث غير هذا حيث كنت أسبقه فضلا عن أنني أكبر منه سنا.

ولقد قرأت في هذا المعنى حديثا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ( دخل رجل إلى رسول الله r وهو في المسجد قاعد فتزحزح له رسول الله r فقال الرجل: يا رسول الله، إن في المكان سعة ) فقال النبي r: إن للمسلم لحقا إذا رأى أخا أن يتزحزح له ).

ومثل هذه الصورة التي قدمها رسول الله r للمسلمين لهي ما يرطب النفوس ويؤلف بين القلوب ويشيع الحب.

موقف مع طبيب

أحيانا يزورني بعض الإخوة من الأطباء في وجود عدد من الزوار. قد لا يعرف بعضهم بعضا. وحال التعارف سرعان ما يدور الحديث عن الطب، وسرعان ما يتذكر بعضهم ما أصابه من مرض. وتوجه الأسئلة المباشرة إلى الطبيب. الذي جاء في زيارة يتخفف بها عن عمله اليومي.

وكثيرا ما يجد الطبيب نفسه في حرج فيوصي بالعلاج أو يكتب تذكرة دواء ( روشته ). وأجد نفسي في موقف شديد الحرج فأسكت على مضض. وذات يوم زارني طبيب كبير وتكرر الموقف ولكن الطبيب رد على السائل وقال له ( إن إمكانية الكشف الطبي على أي مريض لا توجد إلا في العيادة التي تتوفر فيها أدوات الكشف ) وبهذا وضع نهاية لهذه الصورة التي تتكرر دون فقه أو تقدير.

رؤيا منامية

اتصل بي أحد المعارف تليفونيا وقال إنه قد رأى لي رؤيا منامية ويريد أن يحدثني عنها. فقلت له أنا في انتظارك.

وبعد فترة استقبلته في منزلي. ثم بدأ يقص علىَّ رؤيا فقال: أنه قد رأى في نومه أن جماعة من الناس يسيرون في الشارع قبيل الفجر وهم يهللون لا إله إلا الله محمد رسول الله ويكررونها باستمرار.

فقام من نومه وفتح النافذه وسأل عن سر هذا التجمع فقالوا له ( البقية في حياتكم الحاج عباس السيسي توفي إلى رحمة الله ) ونظر إلىَّ يستوحي وقع هذه الرؤيا على أعصابي.

ونظرت إليه في دهشة وقلت له إن الشائع عند عامة الناس أن الموت في الرؤيا المنامية يبشر بطول العمر.. وشكرته وانصرف !!

خلع الأخذية عند دخول المنزل

الإسلام دين يحث أتباعه على النظافة والطهارة (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [ سورة البقرة: 222 ] لهذا ينبغي على كل مسلم أن يتوخى النظافة والطهارة والنظام في كل شئون حياته.

ومن العادات والتقاليد التي أخذناها من مخالطتنا للأجانب في مصر أننا في حالة زيارتنا للأقارب والأصدقاء لا نخلع أحذيتنا عند الدخول في مساكنهم فلاشك أن الأحذية أكثر احتكاكا بالأرض الملوثة بالزيوت والأوساخ والأتربة.

مما يكون سببا في تعريض الأبسطة والمفروشات للتلوث. فيما نحن نؤدي عليها الصلاة أحيانا مما يدعونا إلى المحافظة على نظافتها وطهارتها .

قد انتشرت عادة خلع الأحذية عند دخول المساكن في دُول الخليج العربي والواجب علينا تعميمها في بيوتنا ونعود إلى عاداتنا الإسلامية الأصيلة. ومن العجب أن تسود هذه التقاليد عادات أكثر شعوب دول أوربا وأمريكا فلا يدخلون مساكنهم قبل أن يخلعوا أحذيتهم في دولاب وضعوه عند مدخل بيوتهم. تحرزا من الأوساخ التي يقل وجودها هناك ونحن مازلنا متمسكين يتقليدهم في عدم خلع الأحذية من أنهم صاروا الآن يخلعونها فيا ليتنا نعتبر.

قيادة السيارات

يقولون إن قيادة السيارات فن وذوق وأضيف أيضا وتواضع. لأن كثيراً من اصحاب السيارات الفارهة يلبسهم شعور من الأنانية والاستعلاء وعلى قدر قيمة السيارة المادية وعلامتها التجارية العالمية. بقدر ما يتصور أن ما دون ذلك يجب أن يفسح له الطريق. حتى أن أصحاب ورش إصلاح السيارات يقدرون أتعابهم تبعا لقيمة السيارة وليس تبعا للجهد الذي يبذلونه!

فالسيارة التي تطل من طريق جانبي على شارع رئيسي يظل صاحبها يترقب من يتكرم فيوسع له الطريق، غير أن السيارات تسرع دون مبالاة.

فالذوق والتعاون الإنساني يوجب إعطاءَه فرصة فكلنا ذلك الرجل. وما أجمل وأمتع حين تراه وتسمعه يبتسم لك بإشارة أو كلمة شكر.

وما أجمل أن تسمع كلمة سيدنا عمر بن الخطاب حين يقول ( ثلاث يصفين لك ودّ أخيك ( أن تبدأه بالسلام وأن تناديه بأحب الأسماء إليه وأن تفسح له في المجلس ) كما تفسح له في الطريق.

فقد تتعطل سيارة أو يصاب صاحبها في حادث فتكون هذه السوابق الأخلاقية مما يدفع الناس إلى المشاركة الوجدانية والعلمية بصدق وإخلاص ( اللي يقدم السبت يلاقي الأحد قدامه) ورسول الله r يقول لنا ( من حسن مما شاة المرء لأخيه المسلم أن يقف له إذا انقطع شسع نعله ).

ومن حسن أدب من يُدعى ليركب سيارة .. أن يركب إلى جوار صاحبها إذا كان وحده. فإذا كان وحده. فإذا ركبت في هذه الحالة خلفه.

فإن هذا غير لائق إذ تصبح أنت في هذه الحالة صاحب السيارة. ويعتبر هو سائقها!!

ومن حسن الخلق ألاَّ تسابق مَن أمامك وألا تضيق عليه الطريق.

فإن ذلك تسبب عنه حوادث ووفيات وجنايات. وبعض السيارات تتعطل في الطريق ولا تضع إشارات ضوئية ــ وبعضها يتعطل ويترك على الطريق مخلفات من الزيوت والشحوم مما يسبب إنزلاق السيارات وبخاصة الموتوسيكلات.

وبعضهم يقذف بالبصاق بصورة بغيضة وآخرون يلقون بأعقاب السجاير وقشر الموز والبرتقال والمعلبات الفارغة وغير ذلك. ويذكر أن عساكر المرور في إحدى الدول.

يلتقطون مثل هذه الأشياء مع أرقام هذه السيارات ويرسلونها في طرود بريدية إلى أصحابها مع حكم الغرامة.

وبعضهم يقوم بتشغيل سيارته في أوقات غير مناسبة بعد الفجر حيث يقوم بتسخين السيارة فيكون صوتها مزعجا يقلق النائمين والأطفال.

وبعضهم يستعمل آلة التنبيه في تنبيه أحد زملائه في إحدى العمارات ليذهب إلى العمل ويستمر في ذلك بصورة مزعجة. دون مراعاة لشعور المرضى أو النائمين.

فعن المقداد ــ t في حدثه الطويل. قال: كنا نرفع للنبي r: نصيبه من اللبن يجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان ) رواه مسلم.

وكثيرا ما يحدث أن يصدم أحدهم سيارة واقفة خالية من صاحبها فيوسوس له الشيطان أن يتابع سيره قبل أن يتعرف عليه أحد! ولا أدري كيف يكون موقفه وشعوره إن الحق به أحد؟ ويكون جميلا لو أنك انتظرت قليلا فإن لم تتعرف على صاحب السيارة التي أصيبت بالتلفيات. فعليك أن تكتب له رسالة برقم تليفونك وعنوانك ليتصل بك حتى تسوّى معه هذا الذي حدث. وأعتقد أنك حين تفعل ذلك يكون رد الفعل المصالحة والتسامح وذلك أفضل.

ومن واجب صاحب السيارة أن يقف إذا لاحظ أن بعض المارة ينتظر عبور الشارع ولو لم يكن عند نقطة العبور الرسمية ــ فإن الوقوف للمارة حتى يعبروا الطريق هو بمثابة شكر لله تعالى أن أنعم عليك بسيارة تركبها وغيرك يمشي وإذا كان عندك فضل متسع في السيارة ووجدت من يحتاج إلى ذلك وعاونته فإن ذلك مما يؤلف بين القلوب.

إسقاط الكلفة والتكلف

بعض الإخوة يعتبرون أن الأخوة في الله تعالى ــ تبيح لهم أن يسقطوا في تعاملهم مع إخوانهم الكبار ما يسمى "الكلفة" "فالبساط أحمدي" فمثلا حين يدعي أحد الدعاة من العلماء الفضلاء من علماء الأزهر الشريف أو أساتذة الجامعات ليلقي محاضرة. فأنت تسمع الأخ الذي يقدمه على المنصة وهو يقول أقدم لكم ( الأخ فلان ) دون أن يسبق ذلك أو يشفعه بالألقاب العلمية التي حصل عليها والتي بوأته هذا المقام وهو حين يقدمه بها، لا ينسبها إليه من باب المجاملة فهي حق من حقوقه فضلا عن أنه حين يذكرها فإنها تعطى لجمهور المستمعين فكرة عن المحاضر ودرجاته العلمية.

وقد أمرنا أن نكرم العلم والعلماء وأن ننزل الناس منازلهم. والعجيب أن غيرنا في مثل هذه المواقف. يضفون على خطبائهم ومحاضريهم بعض الصفات والألقاب التي لا يستحقونها ليجذبوا بها المستمع.. أما نحن فنجردهم من حقوقهم إمعانا في التجرد والبعد عن حب الظهور بينما يجب أن نعطى كل ذي حق حقه ونكرم الدعوة والداعية.

وبعض الإخوة الدعاة يُدعون لإلقاء محاضرة في اجتماع عام سواء في مسجد أو غيره ويحدَّد له وقت محدد لإفساح المجال لغيره من الخطباء ويلاحظ أنه لا يتقيد بذلك ويستطرد في الحديث دون مراعاة للوقت. ولا يتوقف حتى تأتيه على المنصة ورقة تعلمه بانتهاء الوقت المحدد. وأعتقد أن المحاضر الذي تفاجئه هذه الورقة لا يختم حديثه بصورة تريحه نفسيا.

وبعض الخطباء حين يشعر بأنه قد أطال الحديث، يقول في سياق حديثه للمستمعين. " أنا لا أريد أن أطيل عليكم" ومع هذا فإنه يستمر وقد يكررها مرة ومرات حتى يرى بنفسه أن جمهور المستمعين بدأ يتسرب ثم يضطر لإنهاء كلمته في موقف غير مريح.


وفي إحدى محاضرات حديث الثلاثاء كان المحاضر عالماً جليلاً من علماء الأزهر الشريف، وبعد أن أنهى محاضرته في وقتها.

أسرع إليه أحد الشباب وانفرد بفضيلته في حديث خاص في مكان قصي، واضطر الشيخ أن يستمع إليه والشاب يطيل الحديث، الذي حجبه عن باقي الشباب الذين يريدون أن يُرَحِّبُوا به بصفته ضيفا. فذهبت إليهما وقلت لهذا الشاب أيا أخي دع الشيخ ليتعرف على إخوانه وأحبابه فليس الوقت مناسبا لمثل هذه الحكاية؟ فقال فضيلة الشيخ وهو يخاطبني مبتسما: يا حاج عباس دا مش مخضرم زيَّك؟!

تصرفات في المساجد

يحدث في المساجد القريبة من محطات السكك الحديدية. أن يتوجه أحدهم وهو على موعد مع القطار ليؤدي صلاة المغرب أو العشاء. فيصادفه إمام يقرأ بطوال السور القرآنية ويركع ويسجد في تأنٍ شديد. ممَّا يجعل هذا المأموم في قلق شديد خوفا من أن يفوته القطار ولا أظن أن مثل هذا كان يعيش حقيقة مع التلاوة. حتى إذا سلم الإمام انطلق كالريح. وأحيانا يخرج بعض المأمومين من الصلاة حين يأتي وقت القطار.

وقد حدث أن سافرنا إلى مدينة بعيدة لحضور عقد زواج أحد إخواننا. وحانت صلاة المغرب فقدمنا أحدنا إماما للصلاة وذكرناه بأننا سوف نصلي المغرب والعشاء جمع تقديم. وبعد أن أدينا صلاة المغرب أقمنا لصلاة العشاء، واستمر أخونا الإمام يسترسل في التلاوة وقد نسي أننا على موعد مع القطار الأخير. حتى غادر القطار المحطة.

وتخلف عدد من الإخوة وأجهدنا العريس وأهله في استضافتنا وعمل ترتيبات إضافية لم تكن في الحسبان وتأخر بعضنا في الصباح عن عمله الذي لم يستطع أن ينضبط مع موعده.

ويحدث أنه بعد الأذان وقبل إقامة الصلاة بلحظات يدخل أحدهم ويقف في الصفوف الأولى يؤدى ركعتي السنة أو تحية المسجد فيتسبب في تأخير الصلاة.. ويحدث أن يدخل المسجد بعض الشباب المتابين ويجلسون متجاورين فيأتي من يفرق بينهم في الوقت الذي يكون في المسجد متسع للكثير والرسول r يقول ( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما )(1) فضلا عن تخطي بعض المصلين الرقاب الذي نهينا عنه.

وتعجب أن ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إلى أعمدة المسجد فيعطل خروج المصلين.

وفي المحاضرات ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم على أعمدة المسجد بينما يكون بعض الشيوخ من كبار السن يجلسون إلى جوارهم بدون مسند فلا يخطر ببال هذا الشاب أن يتزحزح عن مكانه إيثارا لهذا الشيخ المسنَّ واحتراما لشيخوخته.

وبعض الشباب يحب أن يستأثر بالإمامة في الصلاة دون أن يستعرض من المصلين من يكون أولى منه بالإمامة. فإن تقديم الأعلم والأكبر أدعى للتقدير والإحترام.

هو الذي يعمل معي

زارنى أستاذ في إحدى الجامعات بدولة عربية. وفيما نحن نتحدث جاء ذكر أحد الأساتذه الذين يعملون في نفس الجامعة. فقلت للأستاذ حضرتك تعمل معه؟ فقال: لا هو يعمل معي! فاستدركت وقلت له آسف لأني لا أعرف كنه وظيفتك ولا مكانتك العلمية. فقال أنا أستاذه!!

كنت في رحلة مع مجموعة من الشبابـ، وتعرفت بأحدهم وبعد فترة من الحديث بيننا. سأله أحد الإخوة فقال له: كيف وجدت عمك الحاج عباس؟ فقال الشاب بأدب: هو الذي وجدنى فسله هو عنى ولا تسألنى أنا عنه!!

قد لا يتنبه بعض الإخوة حين يتحدثون عن غيرهم إلى ملاحظة الفوارق الاجتماعية فيمن يتحدثون عنهم. فأنت تسمع الطالب حين يأتى ذكر أحد الأساتذة الذين يدرسون له أو كانوا يدرسون له. فتراه يقول أن هذا الأستاذ كان معي في الكلية! والواجب أن يقول: أنا كنت تلميذه أو معه أو عنده في الكلية.

ونستعين بهذه الكلمات في فهم أسلوب المخاطبة حين سئل العباس عم رسول الله r ( أأنت أكبر أم رسول الله؟ قال t ( هو أكبر مني وأنا وُلدتُ قبله ).

فقه الهدف

قال لي الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العامللإخوان المسلمون. إنه وجّه الدعوة إلى فضيلة المرشد الشهيد حسن البنا لزيارة مدينة منفلوط وقد لبى الدعوة وأقيم بمناسبة حضوره حفل دعي له جمع كبير من الناس. وكان من الذين شاركوا في الحفل شاعر ألقي قصيدة في المناسبة ــ وقد لا حظ الشهيد حسن البنا من أحد الجالسين بجواره أنه يتابع النطق بأبيات القصيدة كأنه يحفظها.

فسأله هل أطلعك الأستاذ الشاعر على قصيدته؟ قال إن هذه القصيدة من تأليف جد السيد محمد حامد أبو النصر ولكن الشاعر نسبها لنفسه ويودي أن أراجعه في ذلك! فقال له المرشد الشهيد هل تريد أن تبهت الرجل وتحدث بينك وبينه فجوة؟ إن الشاعر يريد أن يكرمنا فهل يستحق منا أن نؤذي شعوره. لأن يبقى صديقا لنا خير من أن يعادينا. إن الإنسان ينسى الحسنة ولا ينسى السيئة!!

وقال لي الأستاذ محمد حامد أبو النصر. إنه قد حضر حفل عقد قران ابن أحد كبار علماء الأزهر وهو كبير عائلة شريت من ريفا محافظة أسيوط. ودعى على هذا الحفل فضيلة الإمام شيخ الأزهر الشريف.

والشهيد حسن البنا وقد حضرا.. وحين بدأ عقد القران تقدم عدد من أبناء العائلة إلى فضيلة المرشد حسن البنا ليتولى عقد القران.

ولكنه اعتذر عن ذلك بإصرار وقام بنفسه وقدَّم الإمام الأكبر ليتولى صيغة العقد وبذلك أرضي الجميع بهذه اللفتة الكريمة المؤدبة من أخلاق حسن البنا في تربية أبناء هذا الجيل. الذي يجب أن يخرج حظ نفسه من نفسه مع الجرائد والمجلات والكتب

يزورك أحد الإخوة وقبل أن يأخذ مكانه ويجلس على الكرسي تراه يسرع فيلتقط الصحيفة أو المجلة الملقاة على المنضدة ويستغرق في القراءة فيها وكأنه قد جاء ليطالع الصحف.. وقد أكون أستمع إلى أحدهم وهو يحدثني في مشكلة تستوجب الإنصات والمشاركة فتراني أشعر بالألم تجاه هذا الذي يعيش في واد ولا يشاركنا مشاعرنا.

وقد يزورك أخ لك في الله ويلاحظ أنك تحظى بمكتبه خاصة. فتراه يقوم يطالع عناوين الكتب. ثم يسحب بعضا منها ويضعها أمامه. ثم يلتفت إليك مستأذنا في استعارتها.

فأقول له خذ كتاباً واحد حتى إذا أنهيته تعال وخذ غيره. فيقول أن وقته لا يتسع لذلك. فأقول في نفسي وهل وقتى أنا يتسع لموالاة البحث عنه ومطالبته بإعادة الكتب!؟ فأعتذر لأن الإعتذار ربما يكون أبقى لمودة القلوب.

الأدب والذوق القرآني

( .... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [ النور: 58 ].

يتميز توجيه القرآن الكريم بالأدب العالي والذوق الرفيع الذي يتحرك به المسلم في كل المواقف وكل الحالات.

وقد أرشدنا الله تعالى إلى هذا كمنهج سلوك حضارى يتميز به المجتمع المسلم وأرسى هذه القواعد حتى يلتزم بها كل مسلم في سلوكه وأخلاقه.

والآية الكريمة تضع هذه القواعد التى ترشد الأبناء ألا يدخلوا على آبائهم وأمهاتهم في مخادعهم قبل الاستئذان.

حددت الآية الكريمة ثلاث مواقيت يحظر فيها على الإبن الدخول على أمه أو أبيه في فراشهما إلا إذا أذنا له وهي الفترة التى تقع قبل صلاة الفجر.

والفترة التي نخلد فيها إلى الراحة بعد الظهيرة. والفترة التى تلي صلاة العشاء وتستمر طوال الليل. وقد دهش أحد الصحابة عندما نزلت هذه الآية الكريمة.

فقال للرسول عليه الصلاة والسلام. هل أستأذن على أمي يا رسول الله فقال: نعم، فقال الصحابى: ولكنها أمي فكيف أستأذن عليها؟ فقال: له r في سماحة: هل تحب أن ترى أمك عارية؟ فأجاب لا. فقال: إذن يجب أن تستأذن قبل الدخول عليها في هذه الأوقات.

حفلات الزواج في المساجد

كثرت في هذه الأيام إقامة حفلات الزواج في المساجد نتيجة الصحوة الإسلامية المعاصرة.

وفي جو هذه الحفلات بدت بعض المشاهد غير ملائمة لجلال المسجد، مثل إقامة الزينات داخل المسجد ورفع الأصوات وإحداث هرج ومرج من وجود الأطفال وبعض السيدات غير الملتزمات. وكان يكفي زيادة الإضاءة في الداخل والخارج لإضفاء روح البهجة والسرور.

ومن المستحب افتتاح الحفل بآيات من قصار السور. ثم يتم كتابة صيغة عقد القران وتهنئة العريس(1) وأهل العروسين ــ والذين يتقدمون أمام الميكرفون للتهنئة ينبغي أن تكون كلماتهم قصيرة ليفسحوا المجال لغيرهم وأن تكون كلماتهم منتقاة تناسب المقام.

فبعض المتحدثين يريد أن يتلطف فيقول إن الشريعة الإسلامية أباحت للزوج أن يتزوج مثني وثلاث ورباع. وهذا يمس شعور الزوجة وأهلها.. ولْيحذر المتحدثون من الاسترسال فليس المجال مجال حديث أو محاضرة إنه مجال تهنئة.. ويتخلل هذه الكلمات بعض الأناشيد الإسلامية التي ينشدها الأطفال في زيهم الجميل وأصواتهم الرخيمة. وبعد ذلك يحيط الإخوة بالعريس في زفة إسلامية حتى يركب السيارة مع المحافظة على عدم تعطيل مرور السيارات.

التخلف عن الحضور في المواعيد

إن من أخطر الأمراض الاجتماعية التي أصيب بها المجتمع هو مرض ( الخلف في المواعيد المقررة ) مما يسبب للذين ينتظرون إضطراباً نفسياً، مثلما يحدث إذا غاب الإبن أو الإبنة عن موعد عودتهما من المدرسة ــ كما يسبب الخلف في ضياع كثير من الوقت في غير فائدة أو إنتاج، ويضعف الثقة بين الإخوان والأصدقاء ويتسبّب الخلف في ضياع كثير من الوقت في غير فائدة أو إنتاج، ويضعف الثقة بين الإخوان والأصدقاء ويتسبّب في صعوبة ضبط الحلقات وربط بعضها ببعض مثلما يحدث إذا تأخر قطار عن موعده فيترتب على ذلك خلخلة في كل المواعيد. وانتظام شئون الحياة لا يكون إلا بضبط الوقت كما هو الحال في دقة ضبط مواقيت الصلاة.

وتجربتي في هذا الشأن طويلة ومريرة ـــ فعدم الحضور في الميعاد المتفق عليه يسبب لى القلق والتوتر وقد اتوقف عن المنهج اليومي.

اللهم إلا إذا تعارفنا على أنه إذا تأخر أحدنا عن الموعد من خمس إلى عشر دقائق يكون الأخ المنتظر في حل الموعد أما الحالة التي لم يكن فيها مثل هذا الأتفاق. فإني في الموعد المحدد أكون في قمة السعادة والانشراح فإذا تحرك عقرب الساعة بعد ذلك يأخذ شعوري في الهبوط حتى يتلاشئ.

فإذا جاء صاحبي بعد ذلك كانت المقابلة جافة وتحولت إلى عتاب ولست أنا السبب في ذلك.

جاءني أحد الإخوة الكرام ودعاني لزيارته في بيته وحدد لذلك الثامنة صباحا وفي الموعد كنت مستعدا للخروج معه.

ولكن الساعة بلغت العاشرة ولم يحضر ولكنني راجعت نفسي فربما يكون الموعد هو الثامنة مساءً، وأسرعت إلى المنزل قبل الثامنة مترقبا حضوره ولكنه لم يحضر حتى الصباح.

ولم يصلني منه بعد ذلك أي اعتذار وسألت عنه ربما يكون له عذر لا أعرفه فلم أجد له عذراً.. إن هذا الموقف أليم شديد الوقع على النفس. فقد ضاع الوقت في مشغلة نفسية دون مبرر.

وأدهى من ذلك وأمر أن بْعضَ الإخوة يطلبون منك أن تدعوهم إلى الغداء ويتحدد الموعد بحضورهم ويوافقون عليه وآخذ الأمر بقوة وأجهز المائدة لهذا العدد وأكثر من باب الاحتياط. ويقترب الوقت ولا يحضر إلا نصف العدد.. فإذا سألت واحدا من الذين تخلفوا عن الحضور. فإنه يقول لك ببساطة ( دا أنا كنت فاكر إن كلامنا معك كان هذْاراً ) أي هذرْ هذا الذي يكلّف الإنسانَ وأهلَ بيته هذه الصدمات بعد أن أرهقوا أنفسهم في الإستعداد لهذه الزيارة والتجهيز لها؟!

وأذكر أنني وبعض الإخوة دعينا للطعام بعد يومين في الساعة الثانية ووصلنا في الموعد. وجلسنا ندخل في حديث ونصله بحديث آخر قتْلا للوقت وبعد حوالي ساعتين دعينا للطعام ولا شك أن هذا الوقت الضائع قد أوجد شعورا بالضجر حيث كانت لنا ارتباطات أخرى. حتى لو أن الطعام جاء في الموعد المحدد فإنه ماكان ينبغي علينا أن نطيل الجلسة حتى يتفرغ أصحاب الدعوة لشئونهم الخاصة.

وقد عافانا القرآن الكريم من الحرج فقد أوضح لنا أيّما إيضاح هذه الأمور التي تختص بالمعاملات النفسية والإنسانية حين يصعب على الإنسان المصارحة بها ــ حيث جاء في سورة الأحزاب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (1)... ) وهكذا كانت الآية الكريمة دستورا أخلاقيا يهذب طبائع المجتمع المسلم ويوفر معاناة تقديم الأعذار ويمنع الإحراج.

وكثيرا ما تضطرب المواعيد وتختلُّ الزيارات حين يعتمد الزائر على الذاكرة في معرفة العنوان المتوجه إليه. فقد يتحمل أعباء السفر الطويل معتمدا على ذاكرته وحين يصل يضل الطريق وعبثا يحاول أن يصل فيعود أدرجه دون أن يؤدى أي واجب. وأحتياطا لمثل هذا الموقف لا بدُّ من أن يتأكد من العنوان ولو برسم كروكي ويأخذ رقم التليفون إنْ وجد. وأحدهم يأتي للزيارة معتمدا على عنوان واحد فقط. فإذا وجد صاحبه قد غادر هذا العنوان فلا مناص من العودة. وكم يكون مؤلما لو أن هذا الإنسان ليس معه ما يكفيه ولا يعرف أحد غير الذي جاء لزيارته!!

موقف في التعارف

تعرّف إلى من تلقاة وإن لم يطلب منك ذلك. هكذا تعلم الإخوان من وسائلهم في نشر الدعوة. ولكن ليس هكذا بدون مناسبة مع ملاحظة الوقت والصحبة.

فقد حدث أن كنت أسير مع ضيف من إخوان القاهرة. وتقابلنا في الطريق مع أحد الإخوة الذي فاَجَأني بقوله.

أحب أن تعرفني بالأخ الكريم ومع أني أحفظ اسم الأخ الضيف جيدا إلا أني نسيت اسمه في الحال وارتج علىَّ وتصببت عرقا واستلهمت الله أن يذكرني ودخلت مع الأخ في حديث جانبي حتى يلهمني الله الإسم ووفقني الله أخيرا وخرجت من الحرج.

وتعلمت أنه في مثل تلك الواقعة أن أقول له ( هى فرصة طيبة أن تتعارفا معا ) وأرى أنه من المستحسن أن يكون التعارف في مثل هذه الحالة متروكا للأخ المضيف إذا رغب في ذلك.

ومن المواقف المحرجة في التعارف أن تسأل أحدهم. أأنت طالب في الجامعة؟؟ فيقول لك. بل طالب الثانوي! وتسأل آخر هل أنت طالب في الثانوي فيقول بل طالب في الجامعة أو موظف فتقع في التناقض. لهذا تعلمت أن أجعل السؤال على الدوام ( الأخ في أي مرحلة الآن؟) وهكذا أخرج من الحرج وكما يقولون الخسارة تعلم ( الشطارة ) المهارة.

التزلف

ذهبت إلى أحد المستشفيات التي أعرف صاحبها.

وهناك قابلني شاب موظف بالمستشفي لا أعرفه من قبل وقال لي أنه يعرفني. ولا حقني بالتدخل حين حديثي مع صاحب المستشفي موحيا إليه أنه صديقي الوفي. واستفاد من هذا الموقف في قضاء بعض مصالح خاصة له وفي زيارة أخرى أخبرني أنه قدم أحد أصدقائه ليعمل موظفا بالمستشفي بتزكيه منّي وطلب مني إذا سئلت عن ذلك أن أؤيد هذه التزكية. وتوالت عن المسئولين في المستشفي هذه الأساليب حتى صدر قرار بالاستغناء عن خدماته!!

موقف في المواصلات

تعبت من زحمة الركاب في وسائل المواصلات العامة. ففكرت في أن أركب الأتوبيس من أول محطة القيام حتى يتوفر لى مكان للجلوس.

وجلست على مقعد مستريحا مطمئنا. وبعد فترة امتلأ ( الأتوبيس ) بالركاب الواقفين. ووقفت إلى جواري سيدة تحمل طفلا.

تميل مع حركة الأتوبيس يمينا ويسارا ووجدت نفسي في ضيق وحرج. هل أتمادى في الجلوس وأتجاهل الدوافع النفسية التى تستنهضني للوقوف ودعوتها للجلوس مكاني. مع أني في عمر والدها.

ولكن هذا لا يشفع لي لأني ملتح. ومثلنا لا بد أن يتحمل الكثير طالما كان ملتزما وأخيرا قمت ودعوتها للجلوس. وتحملت التلاطم وقدماي لا تقوى على الوقوف وهذه ضريبة يدفعها الملتحي الذي يريد أن يُظهر الاسلام بصورته المثلى.

من حسن إسلام المرء

كثيرا مايٌقحم المسلم ــ حين يغيب عنه الخلق الإسلامي ــ ونفسه فيما لا يعنيه؛ كمن يمضي ــ حين يزور أخا له في بيته ــ يسأل عن قيمة أثاث حجرة الاستقبال، أو عن دخل صاحب البيت، وكيف استطاع أن يدبر تلك المبالغ الطائلة التي أقام بها بيته، وعن عدد أفراد أسرته وكم عدد من يعول، وعن إخوته وأخواته ومن تزوج منهم ومن لم يتزوج بعد... ولماذا؟، وكثيرا ما يحدث مثل ذلك بين النساء، إذ أنهن أكثر خلق الله تساؤلا وتدخلا، وقد حدث أن زارت وحدة منهن أختا لها حديثة عهد بوضع مولود، فذكرت لها أنه قد مضى على زواجها بضع سنين دون أن تنجب، ثم مضت تتعجب كيف استطاع زوج الأخت المضيفة أن يعثر على تلك الشقة الفسيحة ؟! في حين أن زوج الضيفة لم يستطع حتى وقت حديثها أن يعثر على شئ من ذلك!! .... إلى آخر تلك الأسئلة التي قد تحمل في ثناياها حسدا وغيرة فضلا عما تسببه من حرج بالغ لدى المضيفة ناهيك عما يعتورها من ضيق وألم نفسي لا بد وأن ينعكسا على حالتها النفسية سيما وقد كانت في حالة إرضاع، الأمر الذي سيتسبب ـ غالبا ـ في إلحاق بالغ الضرر بصحة الطفل الرضيع.

من آداب اللقاء والوداع

كثيرا ما يلتقي الإخوة بعضهم مع بعض، وقد يكون بينهم المُرد من الصبية ( وهم من لم تنبت لهم لِحىً ولا شوارب بعد ) فيكون العناق وتكون القبلات على الوجنات، ودفعا للحرج الشرعي فمن المستحسن والمستحب أن يقلع الجميع عن ذلك فإن غلبت العاطفة فلتكن القبلات على الأكتاف، وليمتنع الجميع عن تبادل القبلات مع المُرد امتثالا لهدى النبي الكريم r ودفعا للوقوع في حبائل الشيطان.

من آداب الزيارة

مَنْ لذلك الذي جاء يطرق باب أخيه في الواحدة صباحا فيزجره بأنه قد روَّع أخاه، بل وروَّع معه زوجة أخيه وأبناءهما جميعا، لقد أمر الأخ المَّروع ــ حين سمع الطرقات على الباب ــ زوجه المروعة يدورها أن تعد له حقيبته على عجل إذ أن زوار الفجر على الباب.. وانتابت الزوجة نوبة شديدة من الفزع كادت معها أن تسقط مغشيا عليها ثم لم يلبث الأخ حين فتح الباب للضيف المروِّع أن فوجئ به يعتذر له بأن الوقت متأخر وأن أمرا عاجلا هو الذي دفعه للمجئ في هذا الهزيع الأخير من الليل .. وإذا بالأمر تافه.. وبالخَطْب ليس بخجل.. وإنما هو فساد الذوق.. بل انعدامه.. وافتقاد للأدب الإسلامي الرفيع ــ ذلك الذي يأمر بالاستئناس.. أي تخير الوقت المناسب، واستشعار الضيف أنه سيكون مرغوبا فيه حين الزيارة.

الوقت هو الحياة

جاءني مبكرا واستأذن في أن يتحدث معي في موضوع ــ جلس وأخد يشرح لي بتوسع واستفاضه وأنا أسمع في النصف ساعة الأولي في انتباه واهتمام والنصف ساعة الثانية في نصف انتباه وفي الثالثة توترت أعصابي فالموضوع الذى يتحدث فيه لا يتصل بي مباشرة وليس لي فيه إلا صلة المودة.. والصديق العزيز يتحدث إلىّ في حماس وينقد كل نقطة كأنه محام يدافع عن قضية صاحبها غائب.. ودعوت الله تعالى أن يلهمه الحكمة ويخفف ويختصر، فلعل فراسته تنبئه عن طاقتي وصحتي وأنه ليس هو الوحيد الذي من حقه أن يزورني ويتحدث معي ـ وقد تذكرت ما يفعله بعض الذين ذاقوا مثلي هذا الموقف حين يتعبون ويريدون أن يقطعوا على المتحدث إعتذارا لظروفهم. فيقومون واقفين إيذانا بانتهاء الحديث! ولكن هذا الأسلوب لا يصلح مع الذين يظنون أن كل الوقت لهم مهما كانت الظروف ولو أدى ذلك إلى المرض متغافلين أن لكل إنسان ظروفه الخاصة.

ولعلى فهمت لماذا كان الإمام حسن البنا يكتب على رأس مكتبه لا فته تقول ( الوقت هو الحياة. فعاون غيرك على الإنتفاع بوقته ). ولا تعجب أن تعلم أن حديثه استغرق أكثر من ساعتين وأنا أتحين لفرصة لا تحرجه فأكون عديم الذوق!! ... حتى دوي آذان صلاة الظهر فأسرع مستأذنا.!!

حساسية مفرطة

تعود أن يزور صديقه التاجر في محل تجارته وكثيرا ما تجئ جلسته بجوار درج المكتب ( الخزنة ) الذي يضع التاتجر فيه أوراقه المالية المتداولة في البيع والشراء ــ ويحدث أن يطلب من صاحب المحل أن يترك المكتب لشئون العمل.

فيقوم بإغلاق الدرج ويأخذ المفتاح معه. حتى إذا رجع عاود عمله بفتح الدرج مرة ثانية وثالثة حسب ظروف العمل. ولا حظ صاحب المحل أن صديقه لم يعد يزوره كالمعتاد ــ وحين استفسر عن ظروفه من صديق لهما ــ قال له أن صديقنا يقول إنه كلما زارك في المحل، وحين تقوم تغلق درج المكتب الخاص بالنقدية مرارا وهو جالس إلى جواره فشعر أنه غير مؤتمن وآخذ على خاطره من هذا التصرف! فقال له صاحب المحل: إن صديقنا هذا يحمل الموضوع أكثر من الواقع. فالعمل التجارى له أصول لا تجامل الأصدقاء ــ وأن أترك الدرج مفتوحا عند مغادرتي المكتب، سوف يكون فيه قلق بالنسبة للطرفين. إذا حدث أي خطأ في الحسابات. فالظن ربما يفسد المودة لهذا كان من الواجب أن نقطع الشك باليقين محافظة على سلامة القلوب.

الخطابات والصحف والمجلات

1- كتابة الخطاب بالحبر الأحمر أو القلم الرصاص يفقد الخطاب احترامه.

2- أن يكون للخطاب هوامش منظمة يزيده قيمة.

3- الخطاب الذي تكون حوافه مشرشرة غير مستقيمة يرمز إلى شخصية المرسل.

4- إذا أرسلت خطابا باليد مع رسول ثقة فسلمه الخطاب مفتوحا كدليل على ثقتك فيه وعليه أن يقوم بإغلاقه أمامك زيادة في الثقة. أما إذا كان مسافرا إلى خارج البلاد فاطلب منه أن يقرأ الخطاب كي يطمئن على مافيه!!

5- وصول الخطاب إلى صاحبه دون أن يتكسر له بهجة.

6- لا يجوز أن تطلع رسائل الغير ولو بنظرة جانبية.

7- أن ترد على الخطاب في وقته أروح لك وتقدير واحترام لصاحبه.

8- أن ترد على الرسالة بأحسن منها هو تعبير عن شخصيتك فالرسالة شهادة لك أو عليك.

9- لا تكتب الرسالة وأنت غاضب فقد خرجت من سلطانك إلى سلطان الغضب.

10- إذا استعرت جريدة فالرجا أن تردها لصاحبها مرقمة الصفحات وعلى صورتها الطبيعية .

11- إذا استعرت كتابا فالمأمول أن ترده نظيفا كما كان.

خاتمة

هذا الكتاب قصدت به أن أضع صور لنماذج مختلفة من التصرفات كي أدق بها على قلوب الإخوة ووجدانهم حتى تفيق، ثم تفيض على المجتمع من نبع الأرواح الزكية ما يبهر الناس بحضارة الإسلام الرفيعة التى طوتها تقاليد جافة جامدة ــ وأسرها الانبهار بمظاهر الغرب والشرق التى تقوم على المادة والأنانية التى تجاهلت أثر الروح في مسيرة الحياة.

وسلوك الروح في حياة المسلم تضبطه وتوجهه قواعد أخلاقية سامية تستمد هديها من وهج الروح ونور الإيمان.

فسلوك الروح في كل مجالات الحياة زينة المرء المسلم وهو مصدر الإشعاع المترامي الذي تستجيب لهواتفه القلوب فتربط الناس بانسجام راق متدفق بالحيوية والصدق والإخلاص. وتتفاعل به النفوس البشرية من أعماق الشعور الفطري النقي.

الذى حجبته عن الظهور إنتكاسة في الأخالق وجحود وصدأ ران على القلوب. فأنطفأ النور أو كاد.

(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ )