الداعية زينب الغزالي ... الجزء السادس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زينب الغزالي .. الجزء السادس


دورها في تعليم البنات في المملكة العربية السعودية

الكاتب الصحفي الأستاذ بدر محمد بدر عمل سكرتيرا إعلاميا للداعية الإسلامية الحاجة زينب الغزالي رحمها الله لأكثر من خمسة عشر عاما، عرفها خلالها عن قرب، وهو شاهد على الكثير من مواقفها الدعوية. وفي هذه الحلقات يحدثنا بدر محمد بدر عن انطباعاته وشهادته على هذه المرحلة التي قضاها بالقرب من الداعية الكبيرة رحمها الله.

كانت الداعية الإسلامية زينب الغزالي ـ رحمها الله ـ شديدة الإيمان بمبادئ الإسلام الحنيف, شديدة الثقة بقدرة هذا الدين العظيم على إقامة مجتمع إنساني أفضل, مجتمع تظلله معالم الإيمان والتوحيد, وتسيّره أصول الأخلاق والقيم, وكانت تدرك أن هذه المبادئ الجليلة في حاجة إلى الدعاة المخلصين, الذين يحملونها بصدق وإخلاص إلى المجتمع والناس, ويغرسونها بدأب وصبر في القلوب والنفوس والعقول, حتى تصبح سلوكاً عملياً حقيقياً, وهذه المبادئ في حاجة أيضاً إلى "سٌلطة" تفسح لهؤلاء الدعاة الطريق, وتيسر لهم الحركة, وتفتح لهم الأبواب.

وتلفتت حولها, فوجدت المملكة العربية السعودية.. هذه الدولة الفتية, التي قامت على أسس الإسلام, وتأسست دعائمها على منهج التوحيد, فاهتمت بمتابعة جهود المملكة في خدمة الإسلام, وشجعها ذلك على أن تنتقل من مرحلة التمني إلى الحركة, وبدأت ترسل رسائل للملك سعود بن عبد العزيز, تستحثه فيها على استكمال تطبيق الشريعة في كافة الميادين, وتقترح عليه الأفكار والموضوعات التي ترى أنها تخدم الإسلام, ومنها إنشاء بنك إسلامي لا يتعامل بالربا, حتى يكون نموذجا لمبادئ الإسلام في التعاملات المالية, كان ذلك في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي قبل أن يسمع الناس عن فكرة البنوك الإسلامية!

وعندما أصدرت مجلة "السيدات المسلمات" في عام 1951 م, شهرية ثم أسبوعية, كتبت فيها العديد من المقالات, التي عبرت فيها عن آمالها وأحلامها في دولة الإسلام, وظهر أول كتاب لها يحمل هذه الآمال والطموحات باسم "ملك وآمال شعب" والملك هو "سعود" رحمه الله, والشعب هو الشعب السعودي, وخلفه كل الشعوب الإسلامية, ورحب الملك "سعود" برسائلها ومقالاتها, وعندما زار مصر في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي, زار المركز العام للسيدات المسلمات, ونشرت المجلة صورة الملك أثناء الزيارة على صدر غلافها, وعندما كانت تذهب بعثة السيدات المسلمات سنوياً إلى المملكة لأداء فريضة الحج, كانت الداعية "زينب الغزالي" تنزل في ضيافة المملكة, وساعدها هذا القرب من الملك على اقتراح مهم حملته إلى الحكومة السعودية, وهو إقرار مبدأ تعليم البنات, فحتى الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي, لم تكن الفتاة السعودية تتلقى تعليما دراسياً رسمياً من قبل الدولة, وبدأت الحكومة تدرس الاقتراح بجدية حتى تمت الموافقة على إنشاء إدارة لتعليم البنات تتبع وزارة المعارف, في أوائل الستينيات من القرن الماضي.

وعندما كانت تذهب "زينب الغزالي" إلى المملكة, كانت تزور مدارس البنات وإدارتها, وتلتقي بطالباتها ومعلماتها وموجهاتها, وكانت تحث الجميع على الاجتهاد والمثابرة في تحصيل العلم, والالتزام بشعائر الإسلام العظيم, وكانت تبحث مشكلاتهن وتضع لها الحلول المناسبة من واقع خبرتها في العلوم الشرعية وفى المجال الاجتماعي.

كانت "زينب الغزالي" رحمها الله تؤمن بأن نهضة الإسلام لن تقوم على أكتاف الرجال وحدهم, بل على أكتاف الرجال والنساء معاً, فإذا نجحت المرأة في أداء دورها ورسالتها, وحملت الأمانة بصدق وإخلاص, كان هذه إيذانا بنهضة الإسلام من جديد, وعودة الأمة إلى سابق عزتها ومجدها من جديد, والمرأة لن تنجح في ذلك إلا إذا تعلمت ودرست واجتهدت في تحصيل العلم, حتى تكون على بينه من مسئوليتها ومن مخططات أعداء أمتها.

وعندما توفيت في أغسطس 2005, قال أحد تلامذتها, المهندس محمد الصروى ـ رحمه الله ـ في حفل تأبينها إن للداعية المجاهدة زينب الغزالي, فضل على كل فتاة سعودية تعلمت ودرست واجتهدت في طلب العلم.

وبهذه المناسبة أدعو الأساتذة والمسئولين الذين حضروا وشاركوا في تلك الفترة, أن يدلوا بما يعرفونه, حتى نتعرف أكثر على دور الداعية الكبيرة زينب الغزالي في هذا الموضوع. الجزء السابع صورة من قريب

عايشت الحاجة زينب الغزالي ما يزيد عن العشرين عاماً, وأشهد أنها كانت كلها لله, أحبته من أعماقها, وأحبت دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم, ما كان يشغلها عن هذا الحب شيء مما يشغل الناس, وما عملت لدنيا قط, وما ارتاحت ـ حتى وهى في السبعينيات وأوائل الثمانينيات من عمرها ـ وهى تعلم أن دينها وأمتها في حاجة إلى جهدها وعطائها, وما استثقلت الأعباء الجسام, ولا أعطت الدنية في دينها , بل خرجت من السجن, بعد ست سنوات ذاقت فيها مرارة التعذيب والقهر, وهى أكثر قوة وحماسة, كانت شامخة شموخ الأبطال في كل مواقفها.

عندما تنفق, تعطى عطاء من لا يخشى الفقر, المال عندها زائل, يقضى الله به الحاجات, فإذا أدى مهمته, فلا وزن له بعد ذلك, ولا يأخذ حيزاً من تفكيرها أو اهتمامها.. كانت تجد متعتها في الإنفاق والبذل والعطاء, وكأني بها تتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله بظله, يوم لا ظل إلا ظله، وأحدهم ".. رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". لم تكن تأخذ أي مقابل لجهدها في العمل الدعوى, فإذا كتبت مقالاً في صحيفة أو مجلة, وحُددت لها مكافأة على نشر المقال, كانت ترفض تسلمها, حتى أقنعتها بأن هذا حقها , ويمكنها أن تنفقه فيما ترى من أوجه الخير, فقبلت على مضض, ولم يكن يبيت عندها هذا المال أبداً, بل تنفقه كله في سبيل الله , وكانت تتساءل مستنكرة : كيف آخذ مقابل ما وفقني الله فيه لخدمة دينه ودعوته؟! .

وبالرغم من أنها اشتهرت بقوة الشخصية وصلابة الموقف والصمود في وجه الظلم , إلا أنها مع ذلك , كانت شديدة الرفق, غزيرة الحنان, رقيقة المشاعر, تسيل دموعها أنهاراً, مع أي موقف إنساني مؤثر, تبكى بجوار صاحبة المشكلة وتربت على كتفيها, وتحنو على اليتيم والمسكين وذي الحاجة.. كان هناك شاب من الإسكندرية يمر بظروف نفسية معينة, يأتي إليها حاملاً في يده "تورتة" مؤكداً أنها "أمه" وأن "حسن البنا" أبوه !.. وقبل أن تعرف ظروفه, قالت له إنها لم تتزوج من الشيخ حسن البنا, كما أنها لم تنجب أولاداً أو بناتاً, وسرعان ما اكتشفت أن الشاب طالب الطب, من إحدى العائلات الكبيرة في الإسكندرية, وأنه يمر بظروف نفسية, فبدأت تحسن إليه وتكرم ضيافته, وتستقبله كل عام داعية الله أن يتم شفاءه, وكانت تطمئن عليه حتى يعود إلى مدينته.

كانت زينب الغزالي شديدة التواضع, إذا دعت إلى طعام, قامت بنفسها على خدمة الضيوف, ولا تترك أحداً غيرها يقوم بهذه المهمة, وتسعد كثيراً بضيوفها وكانوا كثرة من كل أنحاء الدنيا.. من العرب وغير العرب.. من المسلمين وغير المسلمين, وكانت تجيد فن التعامل الإنساني مع الإعلاميين الغربيين, وتكرمهم أكثر, لأنها كانت تعلم أنها سفيرة للإسلام, تحب أن تظهره في أبهى صورة.

وقبل أن تجلس إلى مائدة الطعام, كانت تسأل عن خدم البيت: السائق والشغالة والسفرجي والجنايني.. هل تناولوا الطعام أم لا؟ فإن تأخر قامت بنفسها لتقدمه لهم!

كانت مولعة بحب القراءة, تقضى معظم نهارها وجزءاً من ليلها في المطالعة في مختلف فروع العلم الشرعي.. كانت تقرأ في التفسير والحديث والسيرة والفقه, مثلما كانت تقرأ في قضايا العمل الإسلامي المعاصر ومشكلات المسلمين, كما تقرأ في الأدب والسياسة والعلوم الإنسانية, وكانت تحرص على وجود الورق والقلم بجوارها دائماً, فالدافع للكتابة يمكن أن يأتي في أي لحظة, وعندما زارت إسلام آباد, زارت مسجد الملك فيصل رحمه الله, ورأت الكثير من فخامته وروعته ومظاهر الأبهة فيه, لكن خاطرة ألحت عليها فقالت: يوم كانت مساجدنا من جريد "النخل" حكمنا العالم!.. أي يوم كنا نهتم بالجوهر قبل المظهر, حكمنا العالم..

كانت صاحبة مظهر جذاب, ثيابها بيضاء ناصعة, وهندامها متناسق, وذوقها رفيع , وغرفتها طاهرة معطرة, جعلت منها مسجداً صغيراً, يخلع المرء حذاءه قبل أن يدخل لأمر ضروري, فيجد الغرفة وقد رتبت ترتيباً بديعاً, ولا تستقبل فيها إلا صديقات معدودات تفيض من كرمها عليهن بالدخول إلى غرفتها الخاصة.. رحمها الله رحمة واسعة