الحركة الإسلامية في كردستان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٢٤، ٤ يناير ٢٠١٦ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركة الإسلامية في كردستان

الكتاب: الحركة الإسلامية في كردستان

المؤلف : مجموعة باحثين .

الناشر : مركز المسبار للدراسات والبحوث

التصنيف: دراسات إسلامية

الطبعة الثانية: فبراير (شباط) 2011.

مقدمة

يتناول هذا الكتاب فضاء حركيا إسلاميا، ما زال الاهتمام العربي والدولي به ضعيفا، ويكاد يظل منزويا بين جبال ووديان كردستان العراق، ألا وهو فضاء الحركة الإسلامية في كردستان، بعد أن استولت الجماعات الأخرى، من مصر إلى أفغانستان وإيران وإندونيسيا والجزائر وغيرها من البلدان، على جهد الباحثين والكتاب، الأجانب منهم والعرب. لهذا يأتي هذا الكتاب توثيقا لما أهمل وما اختلط مع الأحداث العراقية والإيرانية والمنطقة عامة.

ويكاد الباحث لا يجد في المكتبة العربية مصدرا مفيدا ومتكاملا حول تلك الجماعات الإسلامية الكردية، ما عدا ما كتب باللغة الكردية وانتشر محليا فقط، ونزرا يسيرا كتب باللغة العربية. تلك الجماعات التي شغلت المكان ووصل من وصل من أعضائها إلى باكستان وأفغانستان، حتى غدا على وشك أن يجعل من جبال شمال العراق، أو كردستانه مثلما يحلو للكرد العراقيين تسمية المكان بيشاور أو تورا بورا ثانية، وهي إن صح التوقع ستكون أخطر وأوعر من جبال أفغانستان وباكستان، لكن على ما يبدو كان وجود الأحزاب الأخرى، العلمانية على وجه التحديد ، واستعار القضية الكردية نفسها أحد الأسباب التي حالت دون ذلك.

وبالعراق بدأ الكرد كفاحهم في سبيل حقوقهم القومية بأحزاب علمانية أيضا، وما زالت الغلبة للحزبين المعروفين هناك، وهذا لا يمنع، في كل الأحوال من وجود شخصيات دينية، لكنها لم تتبن الدين حزبا أو سياسة، بقد ما هو تأثير إيماني ومحفز لنيل الحقوق وصد الظلم الاجتماعي، والحال نفسه يصدق على إيران وسوريا.

ساهم في هذا الكتاب نخبة من الباحثين والكتاب الإسلاميين الكرد، ومن المنطقة نفسها، ومنهم مواصلون لنشاطهم الحزبي، إلا أن إثارة تاريخ الحركة الإسلامية جعلت هناك شيئا من التشابه أو التكرار المفيد وغير الممل بين عدد من البحوث، وما اتفقت عليه البحوث كافة هو أن البداية كانت مع الإخوان المسلمين من داخل بغداد، حتى ظهر الفتور بين التنظيم الإسلامي الأم، حيث مركز الإخوان بمصر، وفرعه بالعراق، وبين الإسلاميين الكرد

وذلك بفعل الطابع القومي المختلف، فالتنظيم الأم إسلامي عروبي، وإن كان يدعي الأممية، كون الإسلام أمميا، لكنه تميز بالعراق بمزجه بين القومية العربية والإسلام بشكل صارخ، وهنا تثار مسألة هامة وهي: ما هو الموقف من الحقوق القومية الكردية، التي يصعد بها الإسلاميون الكرد في العديد من الأحيان إلى الذروة، حيث الدولة المستلة وإعلان الجهاد على نظام أو أنظمة مغايرة قوميا، هاضمة للحقوق ؟

بمحاولة الإجابة على هذا السؤال ونحوه يكون هذا الكتاب قد قدم قضية من قضايا الإسلام السياسي، والتي تعتبر هامة- على الأقل- لأربعين مليون مسلم، يعيشون فوق رؤوس جبال وبطون وديان أربعة بلدان متجاوزة: تركيا ، وإيران، والعراق، وسوريا. وما بعد في أراضي روسيا شمالا، وكيف بدأ انضمام السياسة إلى التدين هناك، وكيف تفاعل الخيال الصوفي ليظهر منه ثوار؟ وكيف اقتنع إسلام تلك الجماعة بالديمقراطية ؟ وكيف يمارسها ذلك التيار : أعن قناعة أم على مضض؟

تركي الدخيل - عبد الله بن بجاد

النشأة والتطور:التيارات الإسلامية في كردستان العراق

إدريس سيويلي

ترجمة عن الكردية: خالد ميرطة يي

تمثل التيارات الإسلامية عنصرا أساسيا من عناصر التكوين السياسي والاجتماعي للمجتمع الكردي العراقي، وقد كان ذلك نتيجة لمعطيات تاريخية مرت بمراحل مختلفة، ويحتوي هذا البحث على معلومات دقيقة، تعطي صورة عامة للقارئ وفي الوقت نفسه تطلعه على جذور العمل الإسلامي في كردستان العراق.

عندما نريد الحديث عن بدايات وجذور تاريخ التيارات الإسلامية في كردستان العراق، يصعب علينا أن نحدد له بداية دقيقة، ونقصد بالتيار الإسلامي تلك الصحوة العامة، التي ترى أن الإسلام منهج شامل ومتكامل، وليس عبارة عن علاقة الفرد مع ربه فقط، إذ تريد هذه الصحوة أن تعيد الإسلام إلى مسرح الحياة من جديد، وليس هذا غريبا، إذ يحمل رجال هذه الصحوة ثقافة واسعة عن هذا الدين، وبهذا يتميزون عن المسلمين التقليدين

ونستطيع القول إن هناك عاملين مؤثرين يمثلان بداية لتلك الصحوة: وهما:

  1. العامل الأول: ظهور عدد من الإصلاحيين في العالم الإسلامي، خلال نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أمثال: جمال الدين الأفغاني ، محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وقد تأثر بهم عدد من الشخصيات الكردية، مثل الملا الكبير الكوبي، وقد تأثر بهم عدد من الشخصيات الكردية، مثل الملا الكبير الكويي، الملا محمد بن عبد الله الجلي، والشيخ محمد الخال، وقد اتبع هؤلاء المنهج نفسه الذي اتبعه الإصلاحيون في إرشاد الناس، ولعبوا دورا مشهودا في هذا المجال.
  2. العامل الثاني: تفكك الخلافة الإسلامية عام 1924 ، والذي أثر كثيرا في المسلمين، الذين جاهدوا قدر المستطاع في سبيل إرجاع الخلافة وسيادة المسلمين ، ولم تكن كردستان بمعزل عن هذه الحالة.

وبعد إعلان دولة العراق عام 1921، تأسست عدة جمعيات إسلامية، وفتحت معظم هذه الجمعيات فروعا لها في كردستان، وقامت بنشاطات مختلفة، مركزة على الدعوة إلى الإسلام، والأعمال الخيرية والتربوية، ونشر الثقافة الإسلامية.

وهناك محطة أخرى لبدايات العمل الإسلامي في كردستان العراق، تتمثل في نشاطات تلك الجمعيات، التي أسستها جماعة الإخوان المسلمين، وذلك خلال العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين، ومنها جمعية (الآداب الإسلامية) 1946، وجمعية (الأخوة الإسلامية) 1949، وجمعية (إنقاذ فلسطين) 1948، وقد كان الشيخ أمجد الزهاوي مشاركا في جميع تلك الجمعيات، وهو ما أثر إيجابيا في توسيع دائرة نشاطات تلك الجمعيات في المدن الكردية.

كانت نشاطات الإخوان المسلمين في مدن كركوك، وأربيل، وحلبجة محدودة، وفي الوقت نفسه، التحق عدد من الطلاب الأكراد بكلية الشريعة في بغداد، وتعرفوا إلى فكر الإخوان، بتأثير من الشيخ محمد محمود الصواف وتشير بعض المصادر إلى أنه كان للإخوان المسلمين من 30 إلى 35 عضوا في كركوك خلال بداية الخمسينات.

وبعد ثورة 1958 ، بدأت مرحلة جديدة للعمل الإسلامي في العراق، إذ بدأت الشيوعية تشهد رواجا كبيرا، وفي المقابل حاول العلماء الأكراد وقياديو الصحوة الإسلامية- وبشتى الوسائل- الوقوف بوجه الشيوعية، وقد لعب كل من: الشيخ عثمان عبد العزيز، والملا صالح عبد الكريم، وهما من علماء حلبجة، دورا كبيرا في هذا المجال، واصدرا فتوى بتكفير الشيوعية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل شهدت مدينة حلبجة اشتباكات بين أنصار التيار الإسلامي والشيوعيين، أسفرت عن جرح عدد من الأشخاص.

وعندما تأسس الحزب الإسلامي العراقي، شارك عدد من العلماء الأكراد في المؤتمر الأول للحزب، الذي عقد في بغداد خلال يوليو (تموز) 1960، ومن هؤلاء العلماء: الملا صالح عبد الكريم، الملا عمر عبد العزيز، الشيخ عثمان عبد العزيز ، والشيخ جميل مفتي، وقد قدم الشيخ عثمان في ذلك المؤتمر مقالة باسم وفد السليمانية وحلبجة، غير أن المرحلة العلنية للإخوان لم تدم طويلا، إذ منع الحزب الإسلامي من العمل، لذلك عادت هذه المنظمة إلى المرحلة السرية، وبهذا الشكل شرعت في التنظيم والعمل الإسلامي، ولا سيما في مدن أربيل، وكركوك، وحلبجة.

وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان، كانت أنشط جناح للتيار الإسلامي في كردستان العراق خلال العقود الرابع والخامس والسادس من القرن العشرين، إلا أن أعمالها ونشاطاتها لم تسفر عن نجاح يذكر، وذلك لسببين:

  1. النخبوية: فأسلوب عمل الإخوان كان نخبويا، حيث لم يستطيعوا الوصول بتنظيماتهم إلى عمق المجتمع، بل كانوا يركزون في أعمالهم على فئتين هما: علماء الدين، وبعض طلاب الجامعات، ولا يخفى أن هاتين الفئتين كانتا عنصرين صغيرين من عناصر المجتمع الكردي في ذلك الوقت.
  2. السلبية: حيث لم تساند جماعة الإخوان المسلمين القضية الكردية، ولم تهتم بها/ الأمر الذي جعل الجماهير الكردية لا تجتمع حولها إلا قليلا.

وفي عام 1968، اقترح الشيخ عثمان عبد العزيز وعلماء آخرون على الملا مصطفى البارزاني، الذي كان قائدا للأكراد ولثورة سبتمبر (أيلول) 1661، تأسيس اتحاد علماء الدين

وكان وراء تأسيس هذا الاتحاد سببان:

  1. الاستجابة والمشاركة في ثورة الأكراد، والشعور بالمسئولية أمام الدين والقومية.
  2. تطرف الشيوعيين، حيث كانوا يضيقون الخناق على علماء الإسلام ، ويسخرون من مقدسات الإسلام، ويساندون الحكومة البعثية فيما بعد (خلال سنوات الجبهة بين الحزبين 1973- 1979).

قامت هذه الجمعية بدورها إلى حد ما ، ولكن مع انتهاء الثورة عام 1975، انتهى أيضا دور ونشاط هذه الجمعية، ولا ننسى أن عمل الإخوان في العراق قد توقف رسميا بتاريخ 4/ 4/ 1971، وبعد تلك الفترة لم يتخط عمل ونشاط التيار الإسلامي الإطار الفردي، فقد كان مقصورا على تدريس بعض الطلاب من هنا وهناك.

ما قبل انتفاضة 1991

الجمعيات التربوية

بعد توقف عمل الإخوان رسميا، تفككت تنظيماتهم، وأصبح العمل الإسلامي مقصورا على المحاولات الفردية، إذ جمع بعض قادة التيار الإسلامي- الذين كنوا على مستوى عال من العلم والثقافة- لفيفا من الطلاب حولهم، من أجل تدريسهم وتثقيفهم، فتشكلت عدة محاور، وبعد اقتراب تلك المحاور بعضها من بعض، أسس بعض الناشطين تنظيما آخر.

إلى جانب ذلك قام كتاب وخطباء بتثقيف هذه الفئة ثقافة عامة، وكانوا يساندونهم ، ويحثونهم على الثبات وإدامة العمل الإسلامي، كل ذلك أصبح لبنة أساسية لتنظيم إسلامي متين، ونقصد به التيار الإخواني التربوي، وليس التيار الجهادي ، وكان هذا التنظيم موزعا على جناحين:

(1) خط صديق عبد العزيز:

تعود بدايات عمل هذا الخط إلى عام 1979، ويعتبر أول تنظيم للإخوان يقوم بالعمل الإسلامي في كردستان، بعد إيقاف عمل الإخوان رسميا عام 1971، ويعد صديق عبد العزيز نفسه مؤسس هذا التنظيم إذ كان عضوا قديما في أول خلية تنظيمية للإخوان، في مدينة حلبجة، وكان هذا التنظيم في بداية تأسيسه مكونا من : الملا أحمد الشافعي، ناظم عبد الله، والملا فريدون، والتحق بهم كل من : محمد رءوف، أوميد ثارة زاني، ومولود باوه مراد.
حارب الإخوان القدماء هذا التنظيم الجديد، وذلك بحجة أن عمل الإخوان في العراق قد أوقف رسميا على لسان مرشد الإخوان، وليس لأحد الحق في القيام بالعمل من دون إذن منه، وعلى الرغم من ذلك فقد كثف هذا الخط نشاطاته، وذلك عن طريق إرسال ممثليه إلى مدينة السليمانية، وكذلك عن طريق إرسال بعض الطلاب إلى جامعات: الموصل، وبغداد، وصلاح الدين، فتوسعت أعمالهم ونشاطاتهم، وكونوا خلايا تنظيمية في المدن المذكورة.
ومع أن أصحاب هذا الخط، قد كونوا عدة حلقات تنظيمية في معظم مدن وقرى كردستان حتى عام 1985 فقد كانت لهم تنظيمات في بغداد والموصل أيضا، وكانوا يصدرون مجلة باللغة الكردية بسم " الوحي" ويقومون بتوزيع مواضيع مكتوبة ومترجمة على تنظيماتهم.

(2) خط صلاح الدين محمد بهاء الدين:

تعود بداية عمل هذا الخط إلى عام 1980، وبالتحديد مع اندلاع الحرب العراقية/ الإيرانية، فقد عقد في حلبجة اجتماع شارك فيه كل من : صلاح الدين محمد بهاء الدين، حسن شميراني، إبراهيم ريشاوي، وعلى محمد، وآخرون، وكان عقد هذا الاجتماع باقتراح من صلاح الدين محمد بهاء الدين، الذي كان عضوا قديما في تنظيم الإخوان، وقد اشرف بنفسه على تنظيمه وتقرر في ذلك الاجتماع إرسال وفد إلى مدن السليمانية، وأربيل، والموصل، كي يتحاور مع الأعضاء القدامي للإخوان، حول سبل القيام بالعمل الإسلامي، ولكن ذلك لم يسفر عن شيء يذكر.
ومع اندلاع الحرب العراقية / الإيرانية ، فر معظم الشباب إلى المناطق المحررة في كردستان، أو إلى إيران، خوفا من الوقوع في نار تلك الحرب، كما فر صلاح الدين محمد بهاء الدين إلى إيران، وكان ذلك سببا في فشل اجتماعاته وحواراته.
وخلال العامين الأولين لتلك الحرب، هاجر عدد من الأعضاء القدامي للإخوان، والشخصيات الإسلامية الأخرى إلى إيران، وبعد عقد عدة لقاءات وتبادل الآراء في مايو (آيار) عام 1982، اجتمع ما يقرب من 15 إلى 20 شخصا، في فندق (ألوندرود) في طهران، ومن هؤلاء المجتمعين: صلاح الدين محمد بهاء الدين، الشيخ عبد الرحمن ’زادي، فاتح كريكار، على محمد، حسن شميراني ، برهان محمد أمين، محمد حسن، دارا، أبو حميد، أبو داود، وراضي. وبعد المناقشة وتبادل الآراء، اتفقوا على تأسيس حزب باسم: (جماعة الأنصار الإسلامية) كواجهة لعمل الإخوان، ولكن هذا التأسيس للحزب المذكور لم يثمر شيئا، فقد افترق كل هؤلاء بعد فترة وجيزة.
عاد صلاح الدين محمد بهاء الدين إلى العمل المنظم، واستطاع أن يؤسس تنظيما للإخوان بين المهاجرين، وقام بنشاطات تربوية، فضلا عن إصدار مجلة باسم (نداء الغريب)، ونشر عدة منشورات داخلية، واستمر حتى عام 1985، وذلك عندما قام بزيارة الإمارات العربية المتحدة، والتقى هناك بقياديين من إخوان العراق، وأخذ منهم إجازة عمل رسمية، وبذلك أصبح المسئول الأول عن عمل الإخوان في إيران.

توحيد أجنحة الإخوان

على الرغم من أن نشاط جناح صلاح الدين محمد بهاء الدين كان مقصورا على العمل بين المهاجرين في إيرن، إلا أنه استطاع أن يكون علاقة تنظيمية مع بعض الأعضاء القدامى للإخوان، وبعض الشباب وقيادي التيار الإسلامي داخل كردستان العراق. وكان تكوين تلك العلاقة موازيا لازدياد نشاطات جناح صديق عبد العزيز، ففي بداية الثمانينات، وعندما التحق عدد من أعضاء جناح صديق عبد العزيز بجامعتي الموصل وبغداد، تعرفوا إلى جماعة أخرى للإخوان، وذلك عن طريق سيد أحمد عبد الوهاب، تلك الجماعة التي بدأت نشاطاتها في بداية الثمانينات تحت اسم (جماعة الراية)

ومن أبرز شخصيات هذه الجماعة: د. عبد المجيد (أبوذر) ، د. عصام الرواي، محمد فاضل السامرائي ، محمد إبراهيم، وعلى أبو الحسن ، وبعد أن تعرفوا إلى بعضهم بعضا عام 1985 وقع كلا الطرفين على وثيقة عمل مشترك، وبذلك اندفع عمل الإخوان في كردستان بنظيره في العراق، وأصبح الشيخ عثمان عبد العزيز مشرفا رمزيا على كردستان، ولكن المشرف الفعلي كان صديق عبد العزيز.

لم يدم توحيد أجنحة الإخوان كثيرا، وذلك بسبب وقوع عضوين عربيين في أيدي البعث، فانكشف التنظيم للمسئولين العراقيين، وقاموا بحملة اعتقالات شملت 75 شخصا، وفر عدد من الذين نجوا من الاعتقال إلى إيران أو خارج العراق، ومن بينهم صديق عبد العزيز.

وبعد فترة من الفراق، أعيدت النشاطات في بلاد الغربة (إيران) ففي 9/ 11/ 1988، وقع جناحا الإخوان: صديق عبد العزيز وصلاح الدين محمد بهاء الدين، وبإشراف د. عبد المجيد (أبوذر) على وثيقة بينهما، وبذلك توحد عمل الإخوان، وقاموا بنشاطات تربوية وتنظيمية وطلابية معا، واستمروا على ذلك حتى انتفاضة مارس (آذار) 1991، ورجوعهم إلى كردستان العراق.

الجماعات الجهادية

أولا: حركة الرابطة الإسلامية

يرجع تأسيسها إلى عام 1978 حين قامت عدة شخصيات بدور كبير في تقوية هذا التنظيم في مدينة السليمانية، منها: الملا محمد كونه فلوسي، الملا على بياره، الملا لطيف البينجويني، الملا أحمد القاضي، الملا محمد خورمالي، الشيخ محمد البرزنجي، على بابير، عبد الرحمن نورسي، حسن حمة خالد، كامل الحاج على، وكمال دولبه مويي، ويلاحظ أن معظم مؤسسي هذا التنظيم كانوا من علماء الدين، وكان هذا سببا في أن يعرف هذا التنظيم كمنظمة خاصة بالعلماء.

بقي هذا التنظيم في الإطار السري، إلى أن خرج عدد من أعضائه إلى خارج العراق في 14/ 9/ 1984 بقيادة الشيخ محمد البرزنجي، حيث أعلنوا تأسيس (حركة الرابطة الإسلامية في كردستان العراق) رسميا، وبدأوا في إقامة نشاطات علنية، وفي غضون أعوام 1984- 1987 ، قامت هذه الحركة بنشاطات إعلامية مختلفة، فضلا عن إصدار مجلة شهرية باسم (آفاق الإسلام) باللغتين الكردية والعربية ، وقاموا أيضا بعقد ندوات واجتماعات وحفلات في مناسبات مختلفة.

وفي المجال العسكري ، تأسس عام 1985 الجناح العسكري لهذا التنظيم باسم (جيش القرآن) ، حيث كان يتشكل من أربع قوات هي: قوة خالد، قوة صلاح الدين، قوة الشافعي، وقوة الفاروق، فكانت هذه القوات تمارس نشاطات عسكرية ضد النظام البعثي، وعلى الصعيد السياسي استطاعت الرابطة إبرام اتفاقيات مع عدد من الأحزاب الكردية والمعارضة العراقية.

ثانيا: الحركة الإسلامية

بعد كشف تنظيمات الإخوان عام 1986، وهروب بعض قياداتها إلى إيران، أصبحت مدينة حلبجة أقوى قاعدة للتيار الإسلامي في كردستان العراق، وفي 13/ 5/ 1987 شهدت تلك المدينة تظاهرة احتجاج ضد الحكومة البعثية، فكانت نتيجتها قيام البعث بتدمير بعض أحياء هذه المدينة، وكان ذلك سببا في أن يهاجر عدد كبير من علماء وشخصيات وجماهير حلبجة وضواحيها إلى غيران، ومن بين أولئك بعض قيادي الإخوان . وفور وصولهم إلى غيران، أعلنوا في بيان رسمي ثورة مسلحة باسم (جماعة العلماء المهاجرين) وكان ذلك يوم 24/ 5/ 1987.

ويجب الأخذ في الاعتبار : أن الشيخ عثمان عبد العزيز، الذي اختير كمسئول عن كردستان خلال توحيد أجنحة الإخوان، كان من بين المهاجرين، وبعد إصدار ذلك البيان، واستقبال مهاجري (حلبجة) من قبل كوادر التنظيم الإسلامي المسلح الوحيد في الميدان آنذاك- المهاجرين على العمل الجهادي.

إن الظروف التي كان يمر بها إقليم كردستان تطلبت أن يأتي إلى الساحة الكردية حزب إسلامي أقوى من حركة الرابدة، فتحقق ذلك بعد فترة وجيزة، ففي يوليو (تموز) عام 1987، وبعد عقد عدة اجتماعات، وتبادل الآراء، تحولت حركة الرابطة إلى حزب مسلح جديد باسم: (الحركة الإسلامية في كردستان العراق). وانتخب الشيخ عثمان عبد العزيز- بالإجماع- مرشدا عاما لهذه الحركة الجديدة، وذلك لمكانته الدينية والاجتماعية.

ومن اللافت للنظر أنه – عند إعلان الحركة الإسلامية- انسحب الإخوان القدماء من هذا المشروع المسلح، وعارضوا الحركة الإسلامية، إذ كانوا يرون أن هذه الحركة لا تتوافق مع استراتيجيه الإخوان، ويعد هذا الموقف السلبي خطأ تاريخيا وقع فيه (الإخوان) في العراق، وذلك لأن الشعب الكردي- خلال تلك الفترة- أصيب بشتى أساليب العنف والظلم والاضطهاد، فكان على جميع الأطراف أن يفعلوا ما بوسعهم ، من أجل دفع ذلك الظلم.

إن الحركة الإسلامية، ومنذ إعلانها- وإن واجهت كثيرا من المشاكل الداخلية والخارجية- كانت نشطة في مجالات مختلفة، منها المجال السياسي والعسكري والثقافي والإعلامي والاجتماعي والخدمي، ما جعل الجماهير الكردية تثق بها أكثر فأكثر، وتزايد أنصارها يوما بعد يوم.

أسباب ظهور التيار الإسلامي

كما أشرنا آنفا شهد التيار الإسلامي في نهاية العقد السابع، وبداية العقد الثامن من القرن الماضي انتعاشا كبيرا، وكان ذلك نتيجة لعدة أسباب، نشير إليها هنا باختصار:

(أ‌) أسباب داخلية:
  1. وجود كثير من النصوص الشرعية، التي تشير إلى وجوب استرجاع السلطة الإسلامية، (بعد فقدها بإلغاء الخلافة العثمانية- المحرر) ، ومن هذا المنطلق حاول جمع من الناس تنفيذ هذا الواجب الشرعي، فبدأوا يتحركون شيئا فشيئا.
  2. وجود جذور وخلفية لفكر الإخوان في كردستان، الذي تربى عليه مجموعة من الناس، وهم بدورهم قاموا بالعمل التنظيمي والتربوي،
  3. بروز مجموعة من الخطباء والكتاب، الذين تحمسوا للإسلام وحثوا الناس على الالتزام بمبادئ الدين العظيم، ومقاومة الظلم والاستبداد، فاستطاعوا بذلك أن ينشروا ثقافة إسلامية واسعة المدى.
  4. تطرف الأحزاب العلمانية الكردية، فقد كان أعضاء ههذ الأحزاب يحاولون- جهد أنفسهم- فصل الدين عن المجتمع الكردي، وهذا ما جعل حاملي الفكر الإسلامي أكثر ثباتا، في مواجهة تلك الأفكار الفاسدة.
  5. كانت الحكومة العراقية البعثية تمارس- وبكل قواها- سياسة الحرق والتدمير والترحيل والتخريب ضد مدن وقرى كردستان. وفي الوقت نفسه كانت تحاول إفشاء الفساد الإداري والأخلاقي فيها، ولا ريب في أن الإسلام يعلم أتباعه مقاومة الظلم والفساد، وذلك يحتم عليهم أن يقفوا – قبل الآخرين- بوجه هذه الحكومة.
(ب) أسباب خارجية:
  1. انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، الذي كان دافعا معنويا للمسلمين، وكنوا يرون أن إيران ستكون نموذجا للدولة العادلة، ولذلك كان أنصار التيار الإسلامي – في كل بقاع الأرض- يحاولون إعادة التجربة الإيرانية في دولهم، فبدأوا بالنشاط والتحرك.
  2. أصبح الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي السابق ، نموذجا للمسلمين في التضحية والفداء ومقاومة لاضطهاد، ولم يكن مسلمو كردستان بمعزل عن ذلك التأثير.
  3. وصول أدبيات الجماعات الإسلامية ، كخطب الخطباء المشهورين، من أمثال: عبد الحميد كشك، وكتب سيد قطب ، وأبي الأعلى المودودي إلى كردستان ، كان له أثر بالغ ومباشر في تحريك المشاعر والحماسة الإسلامية.

ما بعد انتفاضة 991

كان احتلال الكويت من قبل الحكومة العراقية، وهجوم قوات التحالف على العراق عاملا مساعدا لجماهير كردستان ، كي تنتفض في مارس (آذار) عام 1991، وتخرج القوات العراقية من أرضها. تلك الانتفاضة التي سارت بتخطيط من القوى السياسية، ومشاركة جميع فئات المجتمع الكردي، وشاركت الحركة الإسلامية- كونها قوة فاعلة في الساحة- مشاركة فعالة في تلك الانتفاضة ، وسجلت أروع البطولات في كثير من المعارك ضد القوات الحكومية، وقدمت العديد من الشهداء والجرحى.

وبعد الانتفاضة ، فتحت الحركة الإسلامية- كسائر الأحزاب الأخرى- مقارا لها في المدن والقرى الكردية، وبدأت مرحلة جديدة من مراحل العمل الإسلامي، تلك المرحلة التي كانت تختلف عن المراحل السابقة لها، إذ شاركت الحركة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية عام 1992، واستطاعت أن تحصل على نسبة 5،5% من الأصوات

وعلى الرغم من أنها حصلت على المركز الثالث بعد الحزبين الكرديين الجماهيريين: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، إلا أنها لم تحصل على أي مقعد برلماني، ووفق قانون الانتخابات- فقد وضع لكل مقعد برلماني نسبة 7% من أصوات الناخبين.

لم تمر المرحلة الجديدة من نضال الحركة الإسلامية بتلك السهولة، فقد وقعت في صراع مرير مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وكانت النتيجة عدة جولات من المعارك بين قوات الطرفين، وحدثت أصعب تلك الجولات في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1993، حين احتل الاتحاد الوطني الكردستاني جميع مراكز ومقار الحركة الإسلامية، أما الجولة الأخيرة، فقد كانت في عام 1997، والتي انتهت باتفاقية طهران بين الطرفين.

لا يتسع المجال هنا أن نفصل القول عن أسباب ونتائج تلك المعارك، ولكن الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن هذه المعارك أهدرت كثيرا من الطاقات المادية والبشرية، وأرى أن الحركة الإسلامية كانت أكثر تضررا من الاتحاد الوطني الكردستاني. استمرت الحركة الإسلامية في نشاطها وعملها إلى يوم 20/ 8/ 1999، حيث توحدت في ذلك التاريخ مع حركة النهضة الإسلامية، إذ أعلنا حزبا جديدا باسم (حركة الوحدة الإسلامية في كردستان العراق)، بقيادة الملا على عبد العزيز، وأصبح أخوه صديق عبد العزيز نائبا له.

لقد واجهت الحركة الإسلامية ، في السنوات الثماني التي تلت انتفاضة مارس (آذار) وحتى تأسيس (حركة الوحدة الإسلامية) عام 1999 حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في عدة معارك، وخسرت كثيرا من طاقاتها المادية والبشرية، إلا أنها لعبت دورا كبيرا في كثير من المجالات منها:

(1) المجال السياسي:

أرسلت الحركة وفودا إلى حكومات مختلفة، وقابلت شخصيات ومنظمات وهيئات إسلامية عالمية، وصححت تلك الفكرة الخاطئة، التي كانت تدور في أذهان هؤلاء والتي كان مفادها أن الحركة التحررية الكردية ما هي إلا حركة انفصالية تتحرك بتوجيه من أعداء الإسلام ، فقد وضحت وبينت لهؤلاء أن الحركة التحررية الكردية كسائر الحركات التحررية الأخرى في العالم الإسلامي، إنما قامت للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الكردي، ودفع الظلم الذي أصابه لذلك يجب على العالم الإسلامي (أجمعه) أن يساند تلك الحركة التحررية الشرعية.

وعلى المستوى الداخلي، فقد شاركت الحركة في العملية السياسية في كردستان وبيدها حقيبتان ورايتان، وبهذا وجدت فرصتها كي تساهم في الإدارة وخدمة المجتمع من خلال هاتين الوزارتين. هذا فضلا عن أنها حاولت- وحدها أو مع الآخرين- إيجاد حل سلمي للنزاع الدموي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.

(2) المجال الثقافي والإعلامي:

بعد انتفاضة مارس (آذار) 1991، تأسست أول محطة تليفزيونية في كردستان العراق من قبل الحركة الإسلامية، وذلك في منطقة رانيه وبشدر، وبثت برامجها للجماهير. ومن ثم تطور إعلام الحركة إذ فتحت إذاعة عامة وأربع إذاعات محلية، وثلاث محطات تلفزيونية في مناطق مختلفة، فشاركت هذه القنوات الإعلامية- إلى جانب القنوات الإسلامية الأخرى- في نشر الدعوة الإسلامية وثقافتها، والتأكيد على الالتزام بقيم الإسلام العليا، كما عقدت الحركة الإسلامية عشرات الندوات، ونظمت المهرجانات والمعارض والحفلات في مناسبات مختلفة، فضلا عن أن الحركة كانت تصدر جريدة خاصة بها، مع العديد من المنشورات والمجلات والكتب الدينية.

(3) المجال الاجتماعي والخدمي (الإعمار):

دمرت الحكومة العراقية- خلال سنوات طويلة- أكثر من 5000 قرية وقصبة في كردستان، وكانت معظم تلك القرى والقصبات تحتوي على مساجد، وكان هد\ف الحكومة من ذلك هو تفكيك رابطة الأسرة المسلمة، ونشر الفاسد الأخلاقي ، فكان على التيار الإسلامي واجب ثقيل وهو إحياء المثل الإسلامية العليا، وإرجاع دور الأسرة، ولا نبالغ إذا قلنا إنه لولا التيار الإسلامي بجميع توجهاته وأحزابه لوقع المجتمع الكردي في أزمة أخلاقية حقيقية

إذ لم تحاول الأحزاب الأخرى الوقوف بوجه تلك الممارسات التي قام بها حزب البعث، لذلك يجب أن يؤخذ دور التيار الإسلامي بعين الاعتبار في هذا المجال. أما في مجال الخدمات والإعمار فقد أنجزت الحركة الإسلامية وبتعاون مع الأخيار داخل كردستان وخارجه العديد من المشاريع الخيرية وقام ببناء وإعمار مساجد كثيرة.

حركة النهضة الإسلامية

تحدثنا في الصفحات السابقة، عن وصول جناحي الإخوان: صديق عبد العزيز، وصلاح الدين محمد ، إلى اتفاق لتوحيد العمل وذلك بتاريخ 9/ 11/ 1988، وقد شاركت تنظيمات الإخوان - إلى جانب الجماهير الكردية- في انتفاضة مارس (آذار) 1991، وبعد الانتفاضة، رجع الكثير من المهاجرين ونشطت تنظيمات الإخوان مرة أخرى.

والغريب أن الإخوان عند رجوعهم إلى كردستان، انقسموا إلى جناحين في العمل التنظيمي كما كانوا من قبل إذ كان كل جناح يرة أن اتفاقية 9/ 11/ 1988 تصب في مصلحته، وقد جاء في تلك الاتفاقية ما نصه: " يكون التزام جميع الإخوة العاملين في داخل العراق، نحو القيادة العامة للعمل الإخواني المنظم داخل العراق، ويلتزم جميع الإخوة العاملين خارج العراق، بقيادة العمل الإخواني العراقي للخارج، مدة بقائهم خارج العراق، كل في البلد الذي يقيم فيه" .

كان جناح صديق عبد العزيز، يرى أنه هو الذي يشرف على العمل داخل العراق، لذلك يجب على جناح صلاح الدين محمد أن يكون تحت إشرافه، لكن ا لجناح الآخر كان يرى أنه قد تك الاتفاق على توحيد العمل، ويجري العمل الآن في مجراه الصحيح، لذلك يجب أن لا ينقض أحد تلك الاتفاقية، فتعمقت الخلافات يوما بعد يوم

إلى أن وصلت إلى حالة اقتضت مجيء وفد من الإخوان من خارج العراق لحل الخلافات بينهما، ولكن ذلك لم يأت بحل مناسب، وأخيرا اعترف تنظيم الإخوان العالمي بجناح صلاح الدين محمد رسميا، وكانت نتيجة ذلك أن يئس صديق عبد العزيز من الإخوان، فأعلن عن تأسيس حزب جديد باسم حركة النهضة الإسلامية.

رفعت هذه الحركة شعار: " سلفية المنهج وعصرية المواجهة" ، فتبنت الفكر السلفي، وبدأ أعضاؤها العمل والنشاط على شكل تنظيم متين، ونظرا لإخلاص أعضائها، استطاعت هذه الحركة – خلال فترة محدودة- أن تجمع عددا كثيرا من الأنصار والأعضاء، وتبني قاعدة جماهيرية واسعة، وفي الوقت نفسه فتحت الكثير من المقار والمراكز في معظم مدن وقرى كردستان، وسارت على هذا النهج حتى يوم 20/ 8/ 1999 حينما توحدت مع الحركة الإسلامية، وأعلنا تأسيس (حركة الوحدة الإسلامية) ، كما سبق ذكره. وحول نشاطات وفعاليات (حركة النهضة الإسلامية) فيمكن تقسيمها إلى المجالات الآتية:

(1) المجال السياسي:

على الرغم من مشاركة بعض أعضاء هذه الحركة في المعارك التي وقعت بين الحركة الإسلامية والاتحاد الوطني، إلا أنها لم تشارك في المعارك التي كانت تقع بين الأحزاب الكردية نفسها، بشكل رسمي ومباشر. ومع إيمانها بالعمل الجهادي، وامتلاكها للمكتب العسكري، إلا أن ذلك لم يجرها إلى الحرب بل كانت تشارك في اللجان السلمية، وفي بعض المرات كانت تحاول –وحدها- أن توقف إطلاق النار بين الجهات المتنازعة، أما على الصعيد الخارجي، فقد فتحت الحركة مكاتب لها في عدة دول إسلامية، وحاولت – من خلالها- إرسال صوت الشعب الكردي وقضيته إلى تلك الدول.

(2) المجال الاجتماعي والإعمار:

لعبت حركة النهضة الإسلامية- إلى جانب الأحزاب الإسلامية الأخرى- دورا كبيرا في إعادة بناء شخصية الفرد المسلم، وتطوير القيم العليا، وإعادة بناء هيكل الأسرة الكردية، والحفاظ على العادات والتقاليد الكردية الرصينة، أما في مجال الإعمار فقد شاركت في إعمار كردستان، لا سيما وأنها أسست منظمة خيرية باسم (جمعية السلام الخيرية) التي بنت عدة مساجد، وأنجزت عشرات المشاريع الخيرية في مجالات مختلفة.

(3) المجال الثقافي والإعلامي:

أسست الحركة العديد من المنظمات المهنية، وعن طريق ذلك استطاعت فتح عشرات من الدورات المختلفة، والمعارض، والمهرجانات وأقامت حفلات كثيرة في مناسبات مختلفة، وكانت تحاول- دوما- تربية أعضائها على العلوم الشرعية، فلعبوا دورا مشهودا في هذا المجال. أما على الصعيد الإعلامي، فقد استطاعت حركة النهضة إصدار جريدة خاصة بها فضلا ع إصدار عدد كبير من المجلات والمنشورات والكتب.

الاتحاد الإسلامي الكردستاني

بعد نشاطات وفعاليات كثيرة، وبالتحديد في يوم 6/ 2/ 1994، أعلن جناح صلاح الدين محمد حزبا إسلاميا باسم (الاتحاد الإسلامي الكردستاني)، وأصبح صلاح الدين محمد نفسه الأمين العام لهذا الحزب، وقد رفع الحزب شعار"الإصلاح والاعتدال" وما زال مستمرا على هذا النهج، ويعد واجهة الإخوان المسلمين في كردستان العراق، وبدأ بعد هذا الإعلان بنشاطات فعالة بشكل أوسع من الأحزاب الإسلامية الأخرى، حتى وصل الأمر إلى أن يكون الحزب الثالث من حيث الجماهيرية.

بعد كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الأعمال الخيرية التي كان يقدمها هذا الحزب، بالتعاون مع المنظمات الخيرية الإسلامية إلى الناس، كان لها دور كبير في اتسع قاعدته الجماهيرية، فاستطاع فتح مراكز في كثير من المدن والقرى الكردية.

وقد شارك الاتحاد الإسلامي لأول مرة في الوزارة الثالثة، التي أسسها الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل عام 1996، بوزير للإقليم وفي الوزارة الرابعة بوزير العدل وما زال هذا الحزب يمارس العمل السياسي والتنظيمي، وبعد سقوط النظام البعثي، أصبح صلاح الدين محمد عضوا في مجلس الحكم العراقي، وقد شارك الاتحاد الإسلامي في جميع الانتخابات الكردستانية والعراقية، ويمثله الآن 5 أعضاء في البرلمان العراقي، و9 أعضاء في البرلمان الكردستاني، و10أعضاء في مجالس المحافظات ويشارك في حكومة إقليم كردستان بوزيرين اثنين.

أما نشاطات وفعاليات هذا الحزب، فيمكن تقسيمها إلى المجالات التالية:

(1) المجال السياسي:

أشرنا في ما سبق إلى مشاركة الاتحاد الإسلامي في البرلمانين : العراقي والكردستاني، وهذه المشاركة هي الجزء الأكبر من عمله السياسي، وفي الماضي وباعتبار أن هذا الحزب لم يؤمن بالعمل المسلح، كان ينظر إليه دوما كحزب مدني، وكثيرا ما حاول- وحده أو بالتعاون مع جهات أخرى- إيجاد حل سلمي للنزاعات الدموية، وعلى المستوى الخارجي، فمثله كمثل الأحزاب الإسلامية الأخرى، ‘ذ حاول تعريف ونشر القضية الكردية بالعالم الإسلامي، وإيجاد الأنصار والأصدقاء لها.

(2) المجال الاجتماعي والخدمي:

يلعب الاتحاد الإسلامي الدور الأكبر في هذا المجال ، بين سائر الأحزاب الإسلامية الأخيرة، ففي المجال الاجتماعي التزم بمنهج الإخوان المسلمين، الذي هو عبارة غن التسلسل التالي: تكوين الفرد- الأسرة- المجتمع- الدولة. وفي المجال الخدمي، وعن طريق التعاون مع المنظمات الإسلامية العالمية والخليجية ، استطاع بناء العشرات من المساجد والمدارس، والمراكز الصحية ، ونفذ العديد من المشاريع الخيرية في كردستان.

(3) المجال الثقافي والإعلامي:

قام الاتحاد الإسلامي بنشاطات فعالة، عن طريق المنظمات المهنية، وعقد عشرات الدورات والندوات والحفلات في مناسبات مختلفة، فشارك في نشر الثقافة الإسلامية، ومنذ إعلان الحزب وحتى يومنا هذا، فتح محطات إذاعية وتلفزيونية في كثير من مدن كردستان، ويملك الآن 11 محطة تلفزيونية و12 إذاعة، وهذه المحطات تنشر الثقافة الإسلامية يوميا، فضلا عن إصدار عدد من الجرائد والمجلات.

الجماعة الإسلامية

بعد توحيد الحركة الإسلامية في كردستان العراق، وحركة النهضة الإسلامية في 20 / 8/ 1999 وإعلان (حركة الوحدة الإسلامية) ، أصبحت الأخيرة أقوى حزب إسلامي في الساحة السياسية، إذ كانت تعد الحزب الثالث بعد الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، هذا على المستوى الداخل، أما على المستوى الخارجي، فقد كانت أميركا تنظر إليها كمعارضة عراقية، ولذلك كانت الحركة تشارك في معظم اجتماعات المعارضة العراقية.

ولكن في الحقيقة، كانت الحركة مقسومة إلى عدة كتل، تصارع في ما بينها، وبرز ذلك الصراع جليا خلال المؤتمر الأول للحركة عام 2000، وذلك عندما حصل جناح أو كتلة على بابير، الذي كان الجناح الرئيسي داخل الحركة الإسلامية السابقة، مع أكثرية جناح حركة النهضة، على أغلبية أصوات مجلس الشورى الجديد

وفي المقابل حصلت كتلة المرشد العام الملا على عبد العزيز، على اقل الأصوات، لذلك رفضت الكتلة الخاسرة نتائج الانتخابات، وبعد مرور فترة وجيزة، حاول البعض إيجاد حل للأزمة القائمة، لكن تلك المحاولات فشلت في مرامها. وفي نهاية المطاف قررت الأغلبية الفائزة بتاريخ 31/ 5/ 2001 تغيير اسم الحركة السابقة إلى (الجامعة الإسلامية في كردستان العراق).

اجتمعت جماهير حركة الوحدة المنحلة حول هذا الحزب الجديد، وبدأوا العمل تحت اسمه، وحاولوا أن يخلصوا أنفسهم من تلك العوائق، التي كانت تواجههن في زمن حركة الوحدة الإسلامية، ولكن ذلك لم يكن سهلا، فقد حدثت مجموعة من الحوادث على المستويين: الداخلي والخارجي ، ما سبب كثيرا من ا لمشاكل للجماعة الإسلامية، فعلى الصعيد الداخلي، أسس بعض الشباب تنظيم (جند الإسلام) وعلى الصعيد الداخلي غيرت تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 مواقف دول كثيرة تجاه الأحزاب الإسلامية المسلحة.

واجهت الجماعة الإسلامية الكثير من المشاكل ولكننا نتوقف عند اثنتين منها:

  1. قصف مقارا ومراكز الجماعة الإسلامية في 21/ 3/ 2003 من قبل القوات الأمريكية أثناء الحرب لإسقاط نظام صدام حسين، إذ تسبب ذلك القصف بقتل وجرح 50 عضوا من أعضاء الجماعة الإسلامية، مما أسفر عن هجرة الجماعة الإسلامية من مناطق تواجدها: خورمال وأحمدآوا.
  2. إلقاء القبض على أمير الجماعة على بابير في 10/ 7/ 2003 من قبل الأمريكيين، وذلك بتهمة صلته بالإرهاب، وظل معتقلا حتى أطلق سراحه بتاريخ 28/ 4/ 2005.

إن هذا الحزب، مع إيمانه بالعمل الجهادي، يؤمن كذلك بالعمل السلمي والمدني والانتخابات البرلمانية، حيث شارك في جميع الانتخابات الكردستانية والعراقية، ويملك الآن عضوا واحدا في البرلمان العراقي، و6 أعضاء في البرلمان الكردستاني، و4 أعضاء في مجالس المحافظات ويشارك في حكومة إقليم كردستان بوزير واحد، وله مراكز ومقار في كثير من مدن وقرى كردستان.

أما حول نشاطاته وفعالياته، فإننا نقسمها على المجالات الآتية:

(1) المجال السياسي:

إلى جانب مشاركة الجماعة الإسلامية في العملية السياسية الكردستانية والعراقية، كما أشرنا فإنها 0 وعلى المستوى الداخلي- تعد حزبا سياسيا رصينا، وله مواقف شجاعة، ودور مشهود في الساحة الكردية. أما على المستوى الخارجي، فإنه خطا خطوات جدية، نحو تعريف نفسه بالعالم الإسلامي.

(2) المجال الثقافي والإعلامي والاجتماعي:

استطاعت الجماعة الإسلامية، وعن طريق تنظيماتها ومنظماتها المهنية، أن تفتح العديد من الدورات المختلفة، وتقيم حفلات، وندوات، ومؤتمرات في كثير من المناسبات، فضلا عن أنها تملك الآن ثماني قنوات تليفزيونية محلية، وخمس إذاعات، فضلا عن إصدار جريد أسبوعية، وعدة مجلات.

وعلى الصعيد الاجتماعي، فإنها تلعب دورا كبيرا في التأكيد على الخلق الإسلامية الرفيعة، وتعد هذه الجماعة أكثر الجماعات الأخرى تهيئة كبديل للحزبين الديمقراطي والوطني الكردستاني، إن سنحت لها لفرص الحقيقية.

أنصار الإسلام

أشرنا إلى أن إعلان الجماعة الإسلامية، كان نتيجة لانفجار المشاكل بين الكتل في المؤتمر الأول لحركة الوحدة الإسلامية، لكن الكتلة الموالية للقاعدة، لم تلتحق بصفوف الجماعة الإسلامية، ولم تعترف بها، فتوحدت هذه القوة مع مجاميع إسلامية صغيرة أخرى، والتي أسسها بعض الشباب، وكانت ظروف كردستان مساعدة على ظهورها، لكنها لم تكن تملك قاعدة جماهيرية

ولم يكن لها تأثير في مسار الأحداث، ومنها منظمة الحماس الإسلامية، وجماعة التوحيد الإسلامية، وقد توحدت جميع تلك الجماعات في 1/ 9/ 2001 ، وأسست منظمة باسم (جند الإسلام في كردستان) ، ومنذ اليوم الأول أعلنت الحرب على الاتحاد الوطني الكردستاني، والقوى العلمانية الأخرى، الموجودة على الساحة الكردستانية، وفعلا هاجمت قوات الاتحاد الوطني الكردستاني عدة مرات.

وبعد عدة شهور من إعلان هذه المنظمة ، وفي 10/ 12/ 2001 ، وقع جناح فاتح كريكار على وثيقة مع جند الإسلام، وأعلنوا عن تأسيس حزب باسم (أنصار الإسلام في كردستان) وأصبح كريكار أميرا له. كانت منظمة (أنصار الإسلام) واجهة لخط القاعدة في كردستان، إذ كانت لها اتصالات تنظيمية معها، فضلا عن أخذ المعونات والمساعدات وأساليب العمل منها. كما كانت هذه المنظمة تقوم بأعمال غريبة جدا، بحيث كانت سببا في خلق مشاكل كثيرة لنفسها، وللأحزاب الإسلامية الأخرى.

وفي مارس (آذار) 2003، وقعت مقار هذه المنظمة تحت قصف الصواريخ الأمريكية، التي دمرتها، واستطاعت قوات الاتحاد الوطني الكردستاني أن تحتلها، وبعد أن قتل وجرح الكثير منهم، سلم البعض أنفسهم إلى قوات الاتحاد الوطني، وفر الآخرون إلى إيران

فانهارت صفوف أنصار الإسلام كاملة، ولكن الذين فوا إلى إيران- وكانت أفكار تنظيم القاعدة باقية في أذهانهم- دخلوا العراق سرا- والتحقوا بالمنظمات الإسلامية، وبدأوا أول مقاومة ضد القوات الأميركية هناك، وما زالوا ينفذون أعمالهم في العراق، ويعرفون الآن بـ (جماعة أنصار السنة)، أو (كتائب كردستان لتنظيم القاعدة)، وما زالت الخلفيات السلبية التي خلفتها أنصار الإسلام، باقية في أذهان الجماهير الكردية.

الأسس والمبررات: الحركات الإسلامية الكردستانية

مسعود عبد الخالق

شكلت كردستان مركزا مهما لنشوء الحركات الدينية منها: الصوفية، والجامعة الإسلامية، والثورات ضد المساومات على الولايات ودار الإسلام، ومن ثم الثورات ضد إسقاط الخلافة، ومن الصدفة أن يتزامن ظهور القضية الكردية وإسقاط الخلافة الإسلامية، لذلك كانت قيادات الحركات الكردية- من البداية- تتألف من العلماء والشيوخ ، أمثال: الشيخ عبيد الله، والشيخ عبد السلام، والملا سليم، والشيخ سعيد بيران، والقاضي محمد، واستمرت الحركات الكردية على هذه الوتيرة إلى حد فترة الملا مصطفى البارزاني عام 1975.

منذ بداية القرن التاسع عشر، لاحت في الأفق نشاطات فئة تغريبية معارضة للدولة العثمانية، وبنهاية القرن المذكور تطورت إلى منظمة معلنة، باسم تركيا الفتاة عام 1865، ثم إلى جمعية الاتحاد والترقي في عام 1889 وبموازاة ذلك التيار أعلن عن الحاجة إلى جامعة إسلامية، من قبل علماء الدين، من أمثال: محمد رشيد رضا، وعلى يوسف، وسعيد نورسي، وجمال الدين الأفغاني، بالتعاون مع السلطان عبد الحميد

وعند انقلاب 1908 وخلع السلطان عبد الحميد في 1909 دخلت المنطقة مرحلة جديدة، حينها أعلن الشيخ سعيد النورسي، من كردستان، عن ولادة جمعية معادية لهذه الحركات التغريبية، باسم "الاتحاد المحمدي" وقامت انتفاضات وثورات كثيرة ضد هذا الاتجاه، منها: ثورة ا لشيخ عبد السلام البارزاني، والملا سليم، وكان شعارهما: عودة الخلافة، وعدم المساواة مع العدو، لا سيما وأن الاتحاديين والعلمانيين والترك والعرب، بدأوا يبيعون الولايات الإسلامية، وكذلك اندلعت ثورة الشيخ سعيد على المسار نفسه.

استمرت الثورات والحركات على هذا النهج، وقادت مقاومة وثورة الشيخ محمود حزبا إسلاميا مركزه السليمانية، ثم نشأ حزب إسلامي آخر بعد العام 1924، في منطقة شهرزور، مؤلفة من شخصيات معروفة، أمثال: طيوي موكرياني، وكانت الأحزاب والجمعيات الأخرى (الوطنية)، فيها البعد الديني كجمعية - ذ- ك) وهيوا وحتى الحزب الديمقراطي الكردستاني في ظل قيادة القاضي محمد والملا مصطفى، ولكن بموازاة تلك الجمعيات، بدأت تتبلور جمعيات علمانية، أو جناح من العلمانية داخل الأحزاب الوطنية المذكورة، في الوقت الذي بقي محتوى الحركة الكردية ذا طابع ديني، واستمرت بهذه الطبيعة إلى حد انهيار ثورة الملا مصطفى البارزاني عام 1975.

وانتهت هذه المرحلة، وتحولت الحركة الكردية إلى محتوى علماني، شأنها شأن ا لحركات العربية والتركية وغيرها، وبدأت الحركة تنفصل عن الدين، والذي بدوره حصر في زوايا الجامع، عندها جاء دور الصحوة والأحزاب الإسلامية الكردستانية بشكل مستقل للأسباب التالية:

أسباب الصحوة الإسلامية

ظهر مصطلح الصحوة، بشكل جلي منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وعبر عن نمو المشاعر الإسلامية بعد جودها، ولهذه الصحوة أسباب علمية وسياسية واجتماعية عميقة، نذكر منها أن العلوم حتى القرن العشرين، كانت في حالة تصادم مع المفاهيم الدينية التقليدية، وشكلت أحد العوامل المساعدة على انهيار المسيحية في أوربا، ونشوء وتطور العلمانية في العالم الإسلامي

أما الاكتشافات الجديدة في مختلف الفروع العلمية، فأدت إلى التوافق بين الإنجازات العلمية والعقلية وروح الدين الإسلامي، وذلك بدوره أدى إلى تحول مسار الغزو الفكري، مع المدافع إلى المهاجم من قبل الفكر الإسلامي، وهي عملية أدت إلى نشوء وترقي الصحوة الإسلامية.

ومن تلك الأسباب أيضا اندلاع الثورة الإسلامية في إيران ونجاحها عام 1979، وانهيار دولة ا لشاه، التي كانت بمثابة قلعة حصينة للغرب، وثبتت لأول مرة تجربة إسلامية، لا شرقية ولا غربية، لا مثالية ولا مادية، لا رأسمالية ولا اشتراكية، ثم تلاها نجاح المقاومة الأفغانية في طرد الجيش الأحمر السوفيتي من أفغانستان، وبذلك أيقظت العالم لا سيما الإسلامي، وانتشر صداها وصحوتها، وتوالى ظهور الحركات الإسلامية، ثم إن انهيار الاتحاد السوفييتي، والمدرسة الاشتراكية الشيوعية في 1990 أدت إلى نشوء فراغ فكري خطير، وبقي الفكر الإسلامي المتنامي وحيدا في الساحة.

إن تزايد السكان والمشاكل الاقتصادية، والسياسية، والقانونية، والتربوية والاجتماعية والروحية، أدى إلى عجز الأنظمة الوضعية عن توفير الحلول العادلة لها: لذلك برز الإسلام كحاجة للعصر، وزادت تلك الحاجة إليه، بعد دخول المجتمع الدولي إلى العولمة، وتفاعل الحضارات والثقافات بشكل سريع، وأصبح المجتمع بحاجة إلى عامل مشترك أوسع من الوطنية والقومية

ولا يوجد ذلك في العالم الإسلامي سوى في الدين، وهو عامل الصحوة القوى، خصوصا وأن هناك آيات وأحاديث كثيرة، تدعو إلى اليقظة والتقدم، وقيام الجماعة، والدولة، والقيادة السياسية، بالإضافة إلى وجود نظام الإصلاح والتجديد في صلب المجتمع الإسلامي، ما يشير إلى أن المجتمع الإسلامي مجتمع سياسيا واع، وبالتالي حركي.

أثرت هذه الأسباب العامة في الجماهير المسلمة في كردستان، فضلا عن أسبابها الخاصة، وهي حالة كردستان المقسمة والمتخلفة، ولم تكن الساحة بحاجة إلى حركة إسلامية مستقلة، ما دامت تشريعات سلطة الثورة الكردية متفقة مع الشريعة الإسلامية، إلى أن تغير الوضع، واتجهت القيادة الكردية الجديدة إلى العلمانية الشرقية، ثم الغربية، بذلك حدث فراغ واسع، وأصبح ظهور حركة إسلامية حاجة دينية ووطنية، وهو عامل قوى للصحوة، ونشوء الحركات الإسلامية في كردستان، وعلى ضوئه ظهرت حركات إسلامية، بشكل علني بعد العام 1984، حيث اتسعت أيضا نشاطات حركة الإخوان المتجمدة في كردستان.

الأحزاب السياسية والحركات الإسلامية

عند بروز أنشطة الحركات الإسلامية في كردستان، كانت تنشط الأحزاب الكردستانية التالية، والتي نرتبها حسب حجمها:

  1. الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي): حزب عريق ، تأسس عام 1946 أسسه وقاده الملا مصطفى البارزاني ، ويقوده الآن مسعود البارزاني بتوجه قومي علماني، ويشغل حاليا 40 مقعدا من بين 111 هي عدد مقاعد البرلمان.
  2. الاتحاد الوطني الكردستاني: أسسه جلال الطالباني عام 1975، بعد انشقاقه عام 1966 عن البارتي، وهو ذو توجه علماني أيضا، بعد أن جرب الماركسية، وإليه يرجع الفضل في تفجير الثورة الجديدة، ووضعه في عدد المقاعد مشابه للبارتي.
  3. الحزب الشيوعي الكردستاني: انشق عن الحزب الشيوعي عام 1993 وقد تزعمه كريم أحمد، ثم حل محله، كمال شاكر، وكان لا يملك سوى مقعد واحد وبواسطة التحالفات.
  4. الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني: انشق عن الاتحاد الوطني عام 1979 ، يملك مقعدا واحد.

أما الحركات الإسلامية في كردستان، فبعد فترة وجيزة من تناميها: تبلورت فيها معالم تيارات ثلاثة:

  1. التيار اللا جهادي المسالم: وهو تيار ممثل – في أكثريته- بالإخوان المسلمين، والإسلاميين اللا حركيين، وأحيانا بالمجموعات الصوفية، وفي النهاية تمخض عنه الاتحاد الإسلامي في كردستان.
  2. التيار الوسط: الذي يمن بالجهاد وفي الوقت نفسه يؤمن بالتعايش السلمي مع القوى العلمانية والقومية والوطنية، ومن هذا التيار تكونت – في النهاية- الجماعة الإسلامية في كردستان.
  3. التيار الجهادي المتشدد: وهو التيار الذي تمخضت عنه في تسعينات القرن الماضي، حركة أنصار الإسلام في كردستان، ثم تحولت إلى أنصار السنة، المعروفة بارتباطها بالقاعدة.

وللمزيد من المعلومات : ينظر جدول المقارنة التالي:

المحدد التيار الاجهادي المتشدد التيار الجهادي المتشدد تيار الوسط
التغيير يؤمنون بتغيير طفيف يؤمنون بتغييرات عنيفة وثورية بالطريقين وفي الوسط بينهما
الإصلاح من الفرد إلى الجماعة من الجماعة إلى الفرد بالاتجاهين
الاتصال عبر الحوار عبر التبليغ التبليغ والحوار
الهدف الديمقراطية الطريق الوحيد للوصول إلى الهدف الجهاد الطريق الوحيد للوصول إلى الهدف الديمقراطية ، وأيضا الجهاد والطرق السلمية
المجتمع يتبرأون من المجتمع أو الوسط الذي يعملون فيه يعتبرون المجتمع مجرما يعتبرون المجتمع مريضا

أما أبرز التنظيمات الإسلامية وفق التسلسل التاريخي لنشوئها فهي على النحو التالي:

  1. الجماعة الإسلامية في كردستان: بزعامة الشيخ على بابير، وبإمامة لشيخ محمد شاندري، عملت في البداية تحت اسم الرابطة الإسلامية عام 1984، بقيادة الشيخ محمد شاندري والشيخ عبد اللطيف، وفي عام 1987، اتحدت الرابطة المذكورة مع مجموعة من العلماء المجاهدين لتكوين الحركة الإسلامية في كردستان، بقيادة الشيخ عثمان عبد العزيز، وجاهدوا في جبال كردستان ضد الحكم البعثي العلماني، وشاركوا أيضا في انتفاضة مارس (آذار) 1991، وفي الانتخابات التشريعية الأول في كردستان عام 1992، حصلت على المرتبة الثالثة، وتعرضت للمضايقات والمعارك أحيانا، من قبل السلطات الحاكمة في كردستان ، وشاركت لأول مرة في الحكومة الثالثة للإقليم، بعد أن قاطعت التجمعات العامة، كالجبهة الكردستانية، والحكومتين: الأولى والثانية، وتوسعت قاعدة الحركة، لتصبح إحدى الحركات السبع المؤثرة في المجتمع العراقي، حسب التصنيف الأمريكي المعروف، وفي 21/ 8/ 1999، اتحدت مع حركة النهضة الإسلامية، فأسستا حركة الوحدة الإسلامية في كردستان، وفي المؤتمر الثامن (المؤتمر الأول لحركة الوحدة)، وبعد فوز الجناح الإصلاحي في الانتخابات الداخلية: تغير اسم الحركة إلى الجماعة الإسلامية، وانشقت عنها جماعتان: الأولى باسم جند الإسلام، والثانية باسم الحركة الإسلامية، وتمكنت الجماعة الإسلامية في الانتخابات التشريعية الثانية من الحصول على 6 مقاعد، رغم أن أميرها (على بابير) كان معتقلا من قبل قوات الاحتلال الأمريكي.
  2. الاتحاد الإسلامي في كردستان: قامت هذه الجماعة بزعامة صلاح الدين محمد بهاء الدين، وتنتمي إلى التيار العالمي الأول. ترجع جذورها إلى مصدرين: الأول كردستاني كما ذكرنا ، والثاني إلى حركة الإخوان العالمية، وبدأت نشاطاتها بشكل خفي وبطيء في الخمسينات من القرن الماضي، وتوقف نشاطهم منذ عام 1971، وبعد الثورة الإيرانية 1979، وما رافقها من صحوة إسلامية ، عادوا بنشاط وحيوية أكثر، وعند تكوين الحركة الإسلامية في كردستان 1987، وشروعها بالجهاد المسلح. ظل عدد من الكوادر متحفظا على هذه الخطوة، وبعد انتفاضة 1991، تمخض عنها الاتحاد الإسلامي ضمن العراق، وكانت نشاطات أعضائه ضعيفة، إلى أن أعلنوا رسميا في 6/ 2/ 1994 عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وتحولوا من العراقية إلى الكردستانية، ومنذ ذلك التاريخ تمكنوا من تكوين قاعدة جماهيرية واسعة (بعد الجمود الذي كانوا يعانونه: بسبب عدم كردستانيتهم) وحاليا لهم تسعة مقاعد في برلمان كردستان، ونتيجة للطريقة التي انتهجوها في العمل الإسلامي السلمي، وعدم التصدي للمظاهر اللا إسلامية في كردستان، خرجوا بسلام من معظم المضايقات، التي تعرضت لها الحركات الإسلامية الجهادية الكردستانية الأخرى.
  3. جماعة أنصار الإسلام: قلما نجد أنصار هذه الجماعة في منطقة خالية من الصحوة الإسلامية المنظمة، ويعتبرون أنفسهم وسيلة وغاية بدلا من أن يكونوا هم الوسيلة والإسلام هو الغاية ، هكذا تبلورت هذه الحركة في كردستان ، بعد التسعينات في قوة عسكرية معينة داخل الحركة الإسلامية، وكانوا- في هذه الفترة- يوازنون بين خصائصهم الثورية الجهادية، وبين توجيهات القاعدة ، وتكيفهم مع طبيعة الحركة الإسلامية ، ولكن بعد فوز الجناح الإصلاحي المشترك، بين الشيخ على بابير والنهضة الإسلامية، لم تتمكن هذه الجماعة من العمل بشكل تقليدي، لذا أعلنوا عن أنفسهم في 1/ 9/ 2001 باسم : " جند الإسلام" بقيادة أبي عبد الله الشافعي، ومن ثم اتحدت مع جماعة الإصلاح (بقيادة الملا كريكار) في 5/ 12/ 200 باسم أنصار الإسلام، وتعرضت قواتهم ومقارهم، إلى قصف صاروخي أمريكي، أدت إلى تمزقهم وتبعثرهم.

مشكلات الصحوة

هناك بعض المشكلات التي واجهت الصحوة الإسلامية بشكل خاص في كردستان العراق، يمكن إجمالها في أن الفرد الكردي يشعر بأنه معرض لتهديد مباشر من قبل الدول والشعوب المجاورة، منذ زهاء قرن وأصبح هما مسيطرا على بقية همومه: لذا كان في حالة بحث عن منقذ للاطمئنان على حياته ومستقبله، وقد تصور- على الأقل في الظاهر- أن العالم العربي هو مصدر التهديد، والعالم الإسلامي ساكت، والعالم الغربي هو المنقذ.

ومن الواضح أن مدى الحركات الإسلامية في كردستان هو العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي تبدو عملية الصحوة له، كأنها إعادة الكرد إلى زنزانة الأنفال والكيماوي، لذلك من المستحيل تحت هذا الظرف، إقناع الفرد الكردستاني العادي بأن يطلق على عملية إسقاط الحكم البعثي عام 2003، الاحتلال ، حتى ولو أن أميركا نفسها أقرت بذلك.

والأغرب من هذا، هو أننا نجد هذه المتناقضة شاخصة الآن من دون حل، لذا فإن المواقف السلبية للعالمين: العربي والإسلامي، تجاه القضية الكردية، سببت حرجا للإسلاميين في كردستان، إذ لا تستطيع أن تقنع الفرد الكردي بأن الأمة الإسلامية أمة واحدة، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأمة بالسهر والحمى، ويغدو الأمر أكثر إحراجا وتعقيدا للحركات الإسلامية في كردستان، عندما لا يرى الشعب الكردي مواقف نبيلة من الحركات العربية الإسلامية أيضا.

وهناك مشكلة ثانية وهي أن الحكومات العراقية، سيما البعثية، كانت تطلق أسماء إسلامية على قطاعاتها العسكرية وعملياتها، كعملية "الأنفال" و " توكل على الله" ، و " محمد رسول الله" وذلك مع الدعايات المغرضة، مما يرم صورة مشوهة لذاكرة الفرد الكردي، بأن القادة الإسلاميين القدماء أيضا محتلون.

بين الكردستانية والعراقية

إن عبارات : الشعب العراقي، أو المجتمع العراقي، أو الأخوة العربية الكردية، والشيعية السنية، جميعها عبارات غير دقيقة في الميزان العلمي، لذلك نجد أن الأحزاب التي أسست على أساس الوطن العريض لم تنجح ، وخير مثال على ذلك، منذ تكوين الدولة العراقية، غلبت عليها أقلية على أكثريتين، فلم ينجح أي تنظيم يشمل جميع العراقيين، وتجربة الحزب الشيوعي والإخوان، وتجربة حزب البعث الأخيرة غنية عن البيان، لذلك نجد الآن أن معظم الأحزاب تتخلى عن عراقية العنوان ، ومن المفيد هنا أن ننقل نتائج الانتخابات النيابية عام 2006، ولنأخذ المحافظات الكردية كنماذج:

الحزب المحافظة عدد المقاعد
التحالف الكردستاني أربيل 21
الاتحاد الإسلامي أربيل 1
بقية القوائم وتضم جبهة الحوار العراقي، وقائمة مثال الألوسي، والجبهة التركمانية أربيل صفر
التحالف الكردستاني السليمانية 31
الاتحاد الإسلامي السليمانية 2
بقية القوائم وتضم جبهة الحوار العراقي، وقائمة مثال الألوسي، والجبهة التركمانية السليمانية صفر
التحالف الكردستاني دهوك 6
الاتحاد الإسلامي دهوك 1
بقية القوائم وتضم جبهة الحوار العراقي، وقائمة مثال الألوسي، والجبهة التركمانية دهوك صفر
التحالف الكردستاني كركوك 5
الجبهة التركمانية كركوك 1
جبهة التوافق العراقية كركوك 1

والأمر كذلك بالنسبة للمحافظات الجنوبية، حيث كانت نسبة القوائم الكردستانية والشيعية هي صفر أيضا، وقد تكررت الانتخابات وتكررت النتائج، وامتدت أصوات الائتلاف العراقي، مع امتداد ثورة العشرين ، وأرضية الأحزاب الشيعية، والانتفاضة الشعبانية، بينما امتدت أصوات الأحزاب السنية، مع امتداد نفوذ حزب البعث. أما الأحزاب اللاطائفية واللاقومية واللاعراقية، مثل: الحزب الشيوعي، فقد تدنت أصواته ومتطابقة مع خريطة المكونات العرقية والطائفية.

لقد كانت نشأة الأحزاب الشيعية والكردية، بمثابة رد الفعل على عنصرية الأحزاب السلطوية، والتي تستند إلى العرقية والطائفية، كما نجد ذلك في الأحزاب الكردستانية حتى الإسلامية منها، وفي الأحزاب الشيعية ، مثل: المجلس الأعلى، حزب الدعوة، منظمة العمل الإسلامي، التيار الصدري، كما تبين ذلك أكثر في انتخابات عام 2006.

وقد هيمنت العنصرية المذهبية على الدعوات الإسلامية أيضا، ولم تستطع الحركات الإسلامية تذويب الفوارق والخلافات بين المكونات الثلاثة، لا سيما بين الشيعة والسنة العرب، وأصبحت لكل منهم خصوصية تفوق أية عموميات، ومن هنا يجب أن نلفت الانتباه إلى تجربة الحركات الإسلامية الحديثة في كردستان،حيث لم يكتب في نهاية اسمها كلمة: _كردستاني)، بل كتبت من كردستان، مثل: الحركة الإسلامية من كردستان، الجماعة الإسلامية من كردستان

وهذا الحرف (من) يعبر عن معنى معين، أي أن الحركات الإسلامية ليست كردستانية أو كردية، بل نشأت في كردستان، لكي تشمل الإخوان العرب، لكنها لم تستقبل الجماهير العربية العراقية، وبقيت تلك الجماهير أقرب إلى حزب البعث، رغم أنه حزب علماني وليس دينيا، وعندما نشأ حزب خاص بهم، كالهيئة والحزب الإسلامي، والمقاومة، شاركوا بالأفواج.

هكذا، تبلورت بشكل موضوعي المكونات الثلاثة، إذ يتطلع كل مكان إلى أهداف ووسائل، تختلف عن الآخر، وبحاجة إلى أحزاب وجمعيات خاصة به، والحركات الإسلامية في كردستان ورثت هذا الواقع، ولا تستطيع تغييره على الأقل في المدى القريب.

والأمر يكون أكثر تعقيدا، عندما تنظر إلى التحليل التالي، نسبة الشيعة في العراق تشكل زهاء 55% والكرد 22% ، أما النسبة فنسبتهم لم تتجاوز الـ 20%، وبذلك ينتهي حكم الأقلية على الأكثرية، تحت العناوين البراقة، وفي رأينا أن السنة في مقاومتها، واحتجاجاتها الحالية، تطالب بعودة السلطة إليها، ومن ورائها الجامعة العربية والغرب، وكل من اعتصم بحبل سايكس /بيكو.

أما الشيعة والكرد، فعلى الرغم من أنهما الأكثريتان، لكنهما لا تملكان سندا دوليا فاعلا، لذلك يعتقد أن المشكلة العراقية لا حل لها في القريب العاجل، فإذا كانت الدعوة إلى الشيعية، أو السنية، أو كردستانية الحركات الإسلامية، هي طائفية وعرقية، فإن الدعوة إلى العراقية هي أخطر منها، لأنها تكريس للخطة الاستعمارية والصهيونية، كما سبقت الإشارة.

بين العلمانية والإسلامية

السؤال الأساسي في هذا الموضوع هو: هل المساحة المشتركة للحركات الإسلامية، في كردستان، مع الحركات الإسلامية في العراق، أوسع منها مع الحركات القومية والعلمانية في كردستان، أم العكس؟

من المفترض أن يكون الجواب الطبيعي هو الخيار الأول، ولكننا نجد العكس على أرض الواقع، رغم أن العلمانية الكردية شرسة أحيانا مع الإسلاميين، ليس لأن مصيرهم مرتبط بالعلمانية الكردية، وإنما هي مسألة حياة أو موت، ومن الواضح أن هذه الحالة فيها(خلل)، فهل هو على عاتق لإسلاميي كردستان، أم العراقيين والعرب؟

قلما نجد في برامج الإسلاميين العراقيين بنودا تشير بوضوح إلى تقرير مصير كردستان، أو نجد حلا مرضيا، يطمئن الجماهير الكردية على وجودها، لذلك فإن هذا الأمر يتطلب وقفة.

أما بالنسبة للحركات الإسلامية في كردستان، فإن الصورة قد تشمل القوى أو الأحزاب الوطنية ذان الحدود الكردستانية، فالوطن لا يعني حدود العراق، لأن العراق- كما يرونه- مكون من وطنين اثنين، ففي ظل عدم وجود حل عادل، واتفاق متوازن، سيبقى الأمن القومي للوطن الأول تهديدا للأمن القومي للثاني، والعكس بالعكس، وهذا معروف وفق مبدأ (مصائب قوم عند قوم فوائد).

فمنذ تكريس فكرة الدويلات القومية (بدل الخلافة)، وقعت الحركة الإسلامية في حالة حرجة، فالحركة الإسلامية في كردستان، ترتبط بالحركات القومية والعلمانية الكردية، عبر محور (التحرر الوطني)، أما علاقاتها بالحركات الإسلامية في العراق والعالم الإسلامي، فتصب في محور (التحرر الاجتماعي).

وهكذا، مرت كل بلدان العالم الإسلامي بهذه المرحلة، وتبلورت حدود البلدان، ومعها تبلورت حدود الحركات الإسلامية، وفق أوضاع الأقطار المنتمية إليها، فهناك بعض الحركات الإسلامية، ما زالت لم تسلم للأمر الواقع والحدود المصطنعة، وأبقت حدود تنظيماتها مفتوحة، وغير مقتصرة على بلد معين، كما كانت حركة الإخوان في بداية نشأتها، وحزب التحرير، والقاعدة على هذا النحو، إلا أنهم شكلوا فروعا لهم في بلدان أخرى، في ما بعد، وفي هذا أيضا تكريس للقطرية والإقليمية رغم اضطرارهم.

والحركة الإسلامية في كردستان لها خصوصية، كونها منتمية إلى بلد ووطن مختلف، ومتميز عن بلدان الحركات الإسلامية الأخرى بعامل إضافي، ألا وهو الاحتلال الأمريكي، ولكن في النهاية ليس مستحيلا أن يقوم في العراق نظام عادل، وأن تكون علاقة الحركة الإسلامية في كردستان عضوية مع الإسلاميين في العراق، ولكن بشرط أن تكون الحركة الإسلامية في العراق (أو أي قسم من أقسام كردستان المحتلة)، حاملة لهموم وأهداف كردستانية ووطنية وإنسانية

وذلك لأن إقليم كردستان يتميز بأنه في مرحلة تحرر، في حين أن القسم الآخر من العراق تخطى هذه المرحلة، فالواجب الإضافي الخاص، الواقع على عاتق الحركة الإسلامية الكردستانية، هو تبني القضية الكردية حتى التحرر من الاضطهاد والاحتلال، عندها ستصبح الحركة الإسلامية في كردستان، حالة من الحالات الإسلامية العامة في العالم الإسلامي (سلبية كانت أم إيجابية) ، سيطبق عليها ما يطبق على بقية الحركات الإسلامية. لذلك فإن حدود هذه الحركات لا يمكن إلا أن تكون كردستانية، على الأقل في ظل الظروف الدولية والإقليمية والداخلية الحالية.

وقد مرت الحركات الإسلامية والشيوعية بتجارب مغايرة، (أي لم تتبن القضية الكردية)، وتركت الأمر للحركات القومية والعلمانية، وهو ما أدى بها إلى الانعزال، وفي تجربة الحزب الشيوعي، أبدعوا ما سمي (لجنة إقليم كردستان)، التابعة للحزب الشيوعي العراقي، أبدعوا أو (فرع كردستان لتنظيم الإخوان العراقي)، ولم ينجحوا، لذلك عادوا جميعا إلى المربع الأول، وأخذوا بالمنطق أعلاه

وانقسموا إلى كردستانية وعراقية بشكل مستقل، وانشطر الحزب الشيوعي العراقي في 30/ 6/ 1994 إلى كردستاني، بقيادة (كريم أحمد)، وعراقي بقيادة (حميد مجيد موسى)، أما الإخوان فانقسموا في 6/ 2/ 1994- عقب إعلان الاتحاد الإسلامي في كردستان - على أنفسهم بقيادة صلاح الدين محمد بهاء الدين. إذ ، أيهما أفضل وأنجح: الحركة الإسلامية في كردستان، أم في العراق؟

مبررات الكردستانية

ما عرضناه سابقا، كان بمثابة الأساس لكردستانية الحركات الإسلامية، وبقي أن نتحدث عن مبررات كردستانيتها، من النواحي التاريخية، والواقعية، والقانونية، والشرعية الخصوصية الإدارية.

أولا: مبررات تاريخية وواقعية:

في العهد العثماني، وصل عدد الولايات إلى اثنتين وثلاثين ولاية، ومن ضمنها كانت ولايات: بتليس، وان، حلب، الموصل، سيواس، ديار بكر، تمثل إدارة كردستان بشكل رسمي، ووصل مستوى كردستان إلى الإيالة، بالإضافة إلى الدور الإداري للإمارات والسلطات الكردية، التي نشطت بشكل مستقل، واتسعت حدودها إلى خارج الولاية

وأحيانا إلى خارج كردستان، وحكمت بغداد، والموصل، والشام، ونجد العكس أيضا، أي أن هناك فترات أصبحت فيها ولاية معينة في كردستان تابعة لبغداد، لكن لم يكن أي جزء من كردستان تابعا للسلطة في بغداد، أو خارج السلطة الكردية إلا في إيران، وهذه الترتيبات الإدارية كانت تجري وتتغير باستمرار، فالخليج كانت تابعة لولاية البصرة، ولم يكن لك سندا لمعان سياسية.

وكانت كردستان مصطلحا إداريا رسميا على الخارطة العثمانية، وقد بقيت خصوصية الإدارة في كردستان، حتى بعد التقسيم والاحتلال، في العهد الملكي والجمهوري، وأحيانا سجلت في الدستور بتعبير الشراكة ، كما ظهر في أول علم عراقي، وفق المادة (4) من القانون الأساسي- دستور 1925، إذ وضعت نجمتان في العلم، للتعبير عن شراكة القوميتين: الكردية والعربية في العراق الجديد، من دون ذكر عروبة العراق

وفي مادة (5) من دستور: 1958 ، تكررت تلك الشراكة، وصدر عام 1966، بيان باسم 29 حزيران، وعام 1970، للإقرار بالحكم الذاتي، وسجل ذلك في المادة الأولى من الدستور، وفي آخر الدستور الصادر عام 2005، جاء إقرار بالفيدرالية في المواد 113- 117، الفصل الأول، الباب الخامس.

ثانيا: مبررات قانونية:

تمتد المبررات القانونية إلى جذور تاريخية، لا سيما الاتفاقات المعقودة، وما جاء في المواثيق الدولية والدستورية، فحتى بداية القرن العشرين، قلما نجد علاقة واضحة بين الثلاثي القانوني: الوطن، الشعب، السلطة السياسية ، لذلك كانت إقامة الدول والسلطات على أراضي الغير مسموحا بها، وكان ذلك عاملا لتشويه التاريخ، أي أن الأحداث التاريخية غير مرتبطة بمكان الحادث بالضرورة، ولكن بعد فجر الإسلام، استتب نوع من الأمن والاستقرار، وانتهت الفوضى والإغارة وفق قانون الغاب، ودخل السلم إلى النظام العالمي الجديد نسبيا، وتبلورت الهويات، ومعنى الاتفاقات، والعهود

وهنا نختار بعضا من المواثيق التي لها قيمة قانونية بالنسبة للكرد:

  1. اتفاقية كابان الكردي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإنشاء تنظيمات إسلامية في كردستان.
  2. اتفاقية القائد العسكري سعد ابن أبي وقاص ، مع ديلم الكردي وجيشه، الذي سمى فيما بعد" جيش الأحمر" ، وبواسطتها هزم روستم، وفتحت مناطق العراق وكردستان، الواقعة تحت يد الفرس.
  3. الاتفاقيات التي تمت بين القيادات الكردية والخلفاء الأمويين والعباسيين، ونشأت بموجبها إمارات: المراونية، والحسنوية، والشدادية.
  4. من أشهر الاتفاقيات الرسمية الموثقة، هو الاتفاق الذي جرى بين زعماء 23 إمارة كردية، مع السلطان سليم ياوز (1512- 1520) في سنة 1516، برعاية الشخصية الكردية المعروفة، الشيخ إدريس البدليسي، وكانت الاتفاقية مكونة من أربعة مبادئ أساسية، والتزم الجانبان بموجبها بالدفاع المشترك، وبواسطتها ساد نظام الولايات في العهد العثماني، وتحولت السلطنة العثمانية إلى الخلافة، بعد وصول القوات العثمانية- الكردية المشتركة إلى القاهرة

وأخذت البيعة من الخليفة العباسي (المتوكل) هناك، واستمر سريان هذه الاتفاقية حتى بدايات القرن التاسع عشر، رغم الصعود والهبوط، عندها دخلت الأفكار التغريبية المركزية الدكتاتورية إلى قلب العثمانية، وسيطرت فئة متأثرة بهم، وبالثورة الفرنسية 1789، وتحولت العثمانية إلى النظام المركزي الصارم، مما أدى إلى انهيار منظومة الولايات والإمارات، الكردية والعربية وحتى التركية.

وفي ظل تلك الاتفاقيات ، تنعمت كردستان بسلطة سياسية ذاتية، إلى درجة الدولة المستقلة، التي امتدت سلطتها- أحيانا- إلى خارج كردستان، وكان لها علمه، والنقود الخاصة بها، وكانت الجماهير تدعو لرؤسائها في أيام الجمعة، وهذا موضع الافتخار بعكس ما يصوره بعض الكتاب الكرد، الذين ينكرون هذه الحقيقة ، ويدعون أن الإسلام كان ولا يزلل جزءا من عملية التعريب.

ثالثا: مبررات شرعية:

تتركز هذه النقطة المهمة على عدد من المبررات الفقهية والواقعية، وفي الحقيقة أن الشريعة لا تجيز تعدد الحركات والمراكز، فكيف تجيز قيام حركات على أسس وطنية أو قومية؟ فالوطن الإسلامي هو " دار الإسلام" وليس دار الأحجار، كما قال د. وهبة الزحيلي ولكن الأمر تغير بعد معاهدة سايكس/ بيكو 1916، وفي ظل الخليفة أو المرجعية البديلة، اضطرت الحركات الإسلامية للأخذ بالأمر الواقع، ونشأت الحركات المذكورة كل في قطرها إلى حين.

لذلك من حق الحركات الإسلامية، مراعاة الظروف الخاصة لكردستان، ويبقى السؤال حول ما إذا كانت حدود هذه الحركات عراقية أم كردستانية، والجواب جاهز وبسيط، فالعراق نفسه ليست له مبررات شرعية، بل هو من صنع الاستعمار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن طبيعة الحكم في العراق ليست إسلامية، أي لا تحكم العراق حكومة إسلامية

بل هي علمانية منذ نشأتها وحتى العهد الجديد (والمستقبل مجهول). لذلك – بنظرنا- لا يوجد أي دليل شرعي يؤيد شرعية العراق، وإذا كانت المبررات هي الوحدة، فالأجدر أن يوحد الكل، وليست الوحدة على أساس الحدود التي رسمها الاستعمار.

إن كل الدلائل الفقهية تؤيد كردستانية الحركات الإسلامية، ولكن لا تجيز التعصب القومي والوطني، وكل هذه الأمور طارئة ومؤقتة، فالأمة الإسلامية و (دارها) واحدة وليست متعددة، ويلاحظ ذلك بوضوح في الحركات الإسلامية في كردستان، من خلال تسميتها حيث تنتهي أسماء الحركات بـ " من كردستان" وقلما تجد في خطاباتهم مصطلحات، مثل (الكردايتي، أمة الكرد..)

على الرغم من أن الكرد في محنة، بينما نجد ذلك في خطابات الحركات الإسلامية العربية، مثل: (العروبة، الأمة العربية، الوطن العربي..)، والمقطع الأخير من تلك الأسماء (من كردستان)، ولكن أهدافها البعيدة لم تنحصر فيها، أي منطلقاتها كردستان، ومداها العالم، لذلك دارت مناقشات سياسية وقانونية حادة ضد هذه العبارة، وأدى ذلك إلى تأخير منح الرخص القانونية- حتى الآن- للجماعة الإسلامية، صاحبة المقاعد الستة.

خاتمة

في خاتمة هذه الدراسة يمكن إيجاز رأينا في ما يلي:

إن الكرد والعرب تعايشا أخويا في ظل دار الإسلام، وليس في العراق، ولكن عدما دعي العرب إلى العروبة في بداية القرن العشرين، وحطموا الخلافة بالتعاون مع اليهود والغرب، ورضوا بدويلات قومية لهم، أنهوا بذلك تلك العلاقة الأخوية، فأية علاقة للكرد بالعروبة أو العكس؟ هذا هو سر المشكلة، وأغرب منها أن العلمانيين العرب في حينه

هم جزء من الخطة، ولكن كان من المفترض من الإسلاميين العرب أن يكون لهم موقف آخر، إلا أنهم لم يظهروه باستثناء تصريحات غامضة، وأحيانا متناقضة، فهم من جهة يقرون بأن الحدود بين العرب مصطنعة، وعندما يتحدثون في المسائل المتعلقة بالكرد، يقدسون الحدود ووحدة الوطن (العراقي مثلا).

وإذا عاد الجميع إلى الخلافة الإسلامية، واتفقوا على إزالة الدويلات الناشئة على أرض الإسلام، عندئذ سوف لا يكون هناك داع للكرد للمطالبة بحقهم وكردستانيتهم، كما جاء ذلك في شعار أول ثورة كردية، بقيادة الشيخ سعيد عام 1925، أما الشراكة المزعومة في وطن (مصطنع)، كأنها في دار الأرض إلى السقف للعرب، ومنه إلى السماء للكرد فلذلك خسر الكرد نصف وطنهم، تحت الشعارات الأخوية البراقة، وانحصرت حدود كردستان إلى النصف نتيجة التعريب.

وفي ظل هذا الظرف، من المنظور الإنساني والإسلامي، يحق للكردي أن يبني لنفسه مستقبلا، ويطمئن على عيشه آمنا ، والحركات الإسلامية أولى من العلمانية، للعمل من أجل كردستان، ولابد أن يكون نشاطها السياسي كردستانيا في هذه المرحلة، شأنها شأن (حماس ، وحزب الله، والشيشانيين والكشميريين...)، الذين جاهدوا من أجل أوطانهم.

الاعتدال والتطرف: الإسلام السياسي في كردستان العراق

كاوه نادر عبد القادر

الدين الإسلامي أحد مكونات المجتمع الكردستاني، وهو قوة روحية ومعنوية ومحرك لها. لكن الإسلام السياسي يسعى للاستفادة من مشكلات ذلك المجتمع، بغرض تحسين وتوسيع تنظيمه وشعبيته، من أجل الضغط على المؤسسات الإدارية والسياسية والجماهيرية، ومن ثم يهيئ لتغيير السلطة إلى سلطة إسلامية شاملة، منزوعة من بعدها الكردستاني، وإلغاء الديمقراطية والحريات السياسية، والمكتسبات والتفرد بالحكم.

لا شك أن الإسلام السياسي يسعى لفرض آرائه وتوجهاته بقوة السيف، ولو نظرنا إلى منشأة ، وتوجهاته الفكرية، والمصادرة التمويلية لأحزابه في كردستان العراق، يمكننا إقناع أنفسنا بأنها ظاهرة سليمة وطبيعية في كردستان العراق، ولكن لو نظرنا إلى أفعالها، وليس إلى أقوالها أو ما تدعيه، يظهر للعيان الكثير من التساؤلات ، وخصوصا من خلال علاقاتها بالقوى المعادية لطموحات الشعب الكردي، وكيف جرى استغلال هذه الأحزاب وإدخالها في موازين القوى الإقليمية ولأغراض معدية لتطلعات الشعب.

سنحاول- في هذا البحث- التركيز على تاريخ ومنشأ هذه الأحزاب والتيارات، وإلقاء الضوء على جزء من توجهاتها الفكرية.

البدايات

تأثر المجتمع الكردستاني- كسائر المجتمعات الإسلامية الأخرى- بإلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، وظهرت محاولات في كردستان، لأجل بقاء تلك الخلافة مع الاحتفاظ بالحقوق القومية الكردية، منها ثورة شيخ سعيد ثيران، وسعيد نورسي، ومحاولات تقارب الشيخ محمود البرزنجي من السلطات التركية، كما استنكر عدد من العلماء المسلمين والشخصيات الدينية والاجتماعية الكردستانية، سلوك التهور والتعصب القومي التركي لجماعة الاتحاد والترقي التركية، وعلى العموم فإن العواطف الدينية تغلبت على الحس القومي الوطني.

ولكن سياسة التتريك، التي بدأ بها الاتحاديون، أرغمت العناصر غير التركية في الدولة العثمانية على التفكير بذاتها، وفي تلك الفترة، قامت مجموعة من المثقفين الكرد بتأسيس النادي الكردي، وأول عمل قاموا به، هو إرسال مذكرة إلى كامل باشا الصدر الأعظم ، يطالبون فيها بإجراء إصلاحات في كردستان ، وكان من أهداف هذا النادي: محاربة الفساد، والخط القومي المتعصب للأتراك، والدفاع عن الخلافة العثمانية وإلى حد ما الدفاع عن المصالح الكردستانية.

ومن جهته طالب الشيخ عبد السلام البارزاني، مع مجموعة من الزعماء الكرد في مذكرة، أرسلوها إلى اسطنبول، النواب ومجلس الأعيان بأن تجري الأحكام بمقتضى الشريعة الإسلامية، طالما أن دين الدولة هو الإسلام. ثم حدثت أكبر انتفاضة، بقيادة الملا سليم وبعض الزعماء الوطنيين الآخرين، طالبوا الآخرين، طالبوا فيها بتنفيذ أحكام الشريعة وإبعاد الموظفين الأتراك.

كما تأثر عدد من علماء الدين في كردستان بتيار التجديد الإسلامي الذي حمل لواءه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، منهم ملا محمد كؤيي، والشيخ محمد الخال، وقد كتب الأخير عددا من المقالات حول هذا التيار، رغم اختلاف الرأي حول الخلافة، وعدم تمتع الكرد بحقوقهم المشروعة في ظلها، إلا أنهم " يعتبرون الخلافة رمزا روحيا لجميع المسلمين".

التوجهات الإسلامية

بعد تقسيم كردستان العثمانية في معاهدة لوازن 1923، إلى ثلاثة أقسام، ألحق إقليم (ولاية الموصل) بالدولة العراقية التي رسمها الاستعمار، وعلى الرغم من وجود حركة قومية وطنية قومية ظهرت حركات ذات توجهات إسلامية بحتة، خصوصا من بقايا جماعة الشيخ محمود البرزنجي، وظهر حزب باسم (الحزب الإسلامي الكردي) في حلبجة سنة 1934

وقد أسسه عدد من المثقفين، من أمثال: شاهؤ شاعير ومحمد سعيد بط سعيد، وبعد مدة قليلة، انضم إليهم نجم الدين حاجي ملا رسول محمد فقي هموندي وطيو موكرياني وخليفة على بسي (منمي) وإسكندر بط ثيلخاني، وكان لهم أعضاء في كلار وطويلة وبيارة وحلبجة وثينجوين وتبين في ما بعد أن هذا الحزب حاول- من خلال كلمة الإسلام- جمع الكرد حوله" وقد استمر هذا الحزب سنتين ونصف السنة فقط، وأصبح مصيره غير معلوم" .

وفي هذه الفترة، أنشأ عدد من التنظيمات الإسلامية العراقية فروعه في مدن كردستان العراق، منها: جمعية الشبان المسلمين، التي تأسست سنة 1928، وجمعية الهداية الإسلامية، وتأسست في السنة نفسها، واشترك فيها أمجد الزهاوي وملا محمد قزلجي.

بدايات الإخوان المسلمين

وفي سنة 1940 وفي عدد من المدرسين المنتمين إلى الإخوان المسلمين المصريين إلى العراق، وفي 1942 وبأمر من الإخوان أرسل كل من حسين كمال الدين، ومحمد عبد الحميد وأحمد كامل منوفي إلى العراق، وقد حاول هؤلاء نشر فكر الإخوان في العراق وكردستان العراق.

وفي مصر التقى محمود الصواف أحد الطلبة العراقيين الوافدين إلى الجمعيات المصرية، مع عدد من قادة الإخوان، وأعجب بهم، وعند رجوعه إلى الموصل نتيجة للحرب العالمية الثانية، حاول نشر تلك الأفكار في مدينته، وبعد انتهاء الحرب المذكورة التقى محمود الصواف بحسن البنا سنة 1946، وقد أسس الصواف مع الشيخ أمجد الزهاوي " جمعية الآداب الإسلامية"، وافتتح فروعها في الموصل، وكركوك، والسليمانية، وعدد من المدن الكردستانية الأخرى

وعندما أسسوا جمعية الإخوان المسلمين سنة 1949، كان عدد من الكرد بين مؤسسيها، وقد زار الصواف بصحبة الزهاوي كلا من سنجار ودهوك وزاخو وعقرة، وذلك في فبراير (شباط) 1953، كما زار الصواف مدينة حلبجة سنة 1954، وخطب في مسجد ثاشا، والتقى كلا من عثمان عبد العزيز وملا صالح كريم وفي أربيل التقى كلا من محمد صادق مختار وعبد الوهاب حاجي حسن وأحمد عباس وسيد محمد جباري.

وقد زاد الإخوان من نشاطاتهم في كردستان العراق، واستطاعوا فتح مقارهم في عدد من المدن الكردستانية من خلال تلك الجمعيات، وبعد إيقاف نشاطاتهم بشكل رسمي سنة 1954، استمروا بنشاطاتهم، ولكن بشكل سري" لكن إيقاف النشاط أدى إلى تحجيم نشاطاتهم، وأصبحت محصورة فقط في نشاطات فكرية".

وفي سنة 1955 أصبح ملا عثمان عبد العزيز مسئولا للإخوان في كردستان العراق، وأبعد إلى الناصرية سنة 1959، واشترك في تأسيس الحزب الإسلامي العراقي سنة 1960، وقد ألقى كلمة في مؤتمر الحزب، تحت عنوان " جماعة الإخوان في السليمانية".

وعموما رغم وجود نشاطات الإخوان في كردستان العراق، لم تستجب الجماهير الكردستانية لهم، وكانت نشاطاتهم محصورة ضمن عدد من رجال الدين، وداخل عدد من المدن، وضمن عدد من العائلات، وذلك بسبب وجود حركة قومية كردستانية قوية.

نشوء وتطور الإسلام السياسي

بعد توقف نشاطات الإخوان المسلمين، مرة ثانية في 4/ 4/ 1971 في العراق، كانت في كردستان العراق أعداد لا بأس بها من أعضاء الإخوان، خصوصا في كركوك، وأربيل- أو هولير كما تسمى محليا- والسليمانية، وحلبجة، وغيرها.

وقد التزم بعض منهم بهذا القرار، لكن البعض الآخر رفض ذلك، واستمروا في نشاطاتهم التنظيمية والفكرية، وبعد انتصار الثورة الإيرانية 1979، واحتلال السوفييت لأفغانستان، واختلاطهم مع بعض المصريين المتواجدين في كردستان العراق، والذين لهم ميول إسلامية، ووصول عدد من كتب ومنشورات (الإخوان) الجديدة عن طريقهم، فقد تشجعوا على توسيع النشاط، وكان لإفرازات الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت في 1980، أثر كبير في أنشطة هؤلاء.

ففي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، استفاد البعض من تقارب بعض الأنظمة العربية مع إيران، ومنهم عباس شبك وقيادة الجيش الإسلامي الكردي، وافتتحوا عدة مقار لهم في مدن إيران، والمناطق المحررة في كردستان، وهو أول تنظيم إسلامي أصبحت له جماعات مسلحة داخل الحركة الوطنية ا لكردستانية، وكان عباس شبك- في فترة من الفترات- عضوا في الإخوان المسلمين، وكان هذا التنظيم ذا توجه إسلامي وبعد كردستاني إلا أنه يفتقر إلى المبادئ والأسس الفكرية

وأنشئ هذا الحزب بمبادرة ليبية، وتسهيلات إيرانية، وبعد تطور الخلافات بين قيادة الجيش الكردي والسلطات الإيرانية ، واصطدامه المسلح مع الاتحاد الوطني الكردستاني، انهار هذا التنظيم ولجأ عباس شبك المسئول الأول لهذا التنظيم إلى سوريا، ومنها إلى فرنسا، وكان الانهيار السياسي والعسكري السريع للتنظيم، يدل على أنه يفتقر إلى الأسس الأيديولوجية ويعتمد – أساسا- على منافع شخصية، وعبر الاعتماد الكلي على دولة خارجية.

وفي السنة نفسها، التي شكل فيها الجيش الإسلامي الكردي 1981 تشكل حزب الله الكردي، بتشجيع من الحكومة الإيرانية، وانشق عنه حزب الله الثوري، بقيادة أدهم البارزاني، وتشكل في تلك الفترة الحركة الإسلامية للكرد الفيليين، وهو تنظيم سياسي من الشيعة الكرد.

أما بداية تشكيل الحركة الإسلامية في كردستان العراق، فتعود إلى 1978، كما يقول محمد البازياني:" تاريخ تأسيسها يعود إلى عام 1978، وبقيت الجماعة سرية غير معلنة، وتقوم بتربية الشباب نفسيا، وروحيا، وعقليا، وسياسيا، والإعداد للعمل الجهادي، واتسمت هذه المرحلة بخروج بعض العلماء في عام 1984، إلى المناطق المحررة من كردستان العراق، وتأسيس حركة الرابطة الإسلامية"

وخصوصا، عندما كان عبد الرحمن نورسي سكرتيرا لمدير أوقاف السليمانية، وأصبحت له علاقات حميمة ووطيدة مع أعداد من العلماء والأشخاص الدينيين في كردستان العراق، ونظمت حركة الرابطة الإسلامية ثلاثة مؤتمرات بعد تأسيسها، وفي مؤتمرها الأول، أصبح محمد نجيب البرزنجي مرشدا لهذه الحركة، وأصبح لها جناح عسكري يعرف بـ (جيش القرآن) عام 1985، وتحت قيادة ملا علي بياري.

وانتخب الشيخ عبد اللطيف في المؤتمر الثاني للحركة في سبتمبر (أيلول) 1986، مرشدا للحركة، بعد أن أفرج عنه من زنزانات البعث، والتحق بالحركة في السنة نفسها، وكان أستاذا وعالما في جامعة صلاح الدين- هولير، كما كان أغلب كوادر الحركة الملالي ورجال الدين، إلا أن هذا التنظيم كان يفتقر إلى المركزية والوحدة الفكرية، ويظهر أن هذا التنظيم قد تمرد على (الإخوان) وقاوم النظام البعثي أسوة بإخوانهم من الأحزاب الكردستانية الأخرى، ولكن اعتماده على الدولة الخارجية، خصوصا إيران، يعتبر من عوامل ضعف هذا التنظيم.

أنصار الإسلام والإخوان

باقتراح ورغبة من صلاح الدين بهاء الدين، نظمت في حلبجة جلسة مغلقة بين عدد من كوادر الإخوان السابقين، وذلك سنة 1980، غداة الحرب العراقية الإيرانية وقد اتخذوا عدة قرارات في هذه الجلسة، منها: تنظيم زيارة وفد منهم لمدينة كركوك، والموصل، وهولير (أربيل)، والسليمانية ، لكن تلك الزيارات لم تعط أي ثمار تذكر. ومع تطورت الحرب العراقية الإيرانية، ونتيجة لدعوة عدد من الشباب المنتمين إلى الإخوان إلى الخدمة العسكرية، فر معظمهم من الخدمة العسكرية، والتحقوا بصفوف البشمركة والمناطق المحررة، أو ذهبوا إلى إيران وسكنوها، وقد سهل الأمر إجراء اللقاءات المكثفة، والتماس المستمر بينهم.

وفي اجتماع حضره بين 15- 20 شخصا، من الكوادر في فندق في طهران عام 1985، أجمعوا على تأسيس حزب باسم (جماعة أنصار الإسلام)، واتخذوا عدة قرارات لأجل كسب ثقة الدولة الإيرانية، وفي هذا الاجتماع، انتخب عبد الرحمن ازادي مسئولا أول للحزب، وصلاح الدين بهاء مسئولا ثانيا، ولكن بعد فترة وجيزة، أصبح صلاح الدين بهاء الدين المسئول الأول، وقد تحركوا لنيل وكسب إيران، وتوسيع التنظيم بين اللاجئين الكرد فيها، وحاولوا فتح معسكرات للتدريب العسكري، لكن لعدم استجابة إيران ألغيت فكرة المعسكرات، وبعد سنة واحدة، غيروا اسم التنظيم إلى جماعة الإخوان المسلمين.

على الرغم من التزامهم بأفكارهم الإخوانية، إلا أن تشكيل تنظيم خاص وإعلان الجهاد على النظام البعثي العراقي، كان تمردا على المركز ، ورغم تفرق أغلب الأعضاء، بعد فقدان الأمل في حصولهم على الدعم المادي والمعنوي، من قبل إيران، إلا أنها ظلت جماعة صغيرة، استمرت في العمل السياسي، وقد أرسلوا اثنين من قادتهم إلى الداخل أي كردستان العراق، لأجل الاتصال، وكسب الكوادر السابقة المتبقية هناك

وعددا من الشخصيات في هولير، وسليمانية، وسيد صادق، وحلبجة، ولكنهم وجدوا أن جناح ملا صديق مستمر في العمل، مع تواجد عدد من الجماعات المتفرقة الأخرى، ومع كل هذا استطاعوا كسب عدد من الشخصيات والأعضاء القدامى، منهم: حسن ثينجويني وحمه رشيد ماواتي ومحيي الدين الطلالي وسيد صادق، وإبراهيم ريشاوي في حلبجة، ومحمد أحمد وهيوا ميرزا في جامعة الموصل.

وعلى الرغم من تواجد تنظيمهم في ساحة كردستان العراق، وفي أغلب مدنه حتى انتفاضة مارس (آذار) 1991، ظل شرق كردستان العراق، وفي أغلب مدنه حتى انتفاضة مارس (آذار) 1991، ظل شرق كردستان وإيران، الساحة الحقيقية لهم، وبعد عام 1985، استطاع صلاح الدين بهاء الدين السفر إلى الإمارات، واللقاء مع عدد من أعضاء الإخوان العراقيين، المتواجدين في ذلك البلد، وحصل على قرار شرعية التنظيم، والدعم المادي الكبير له، وبذلك أصبح عملهم جزءا من عمل المركز.

وفي سنة 1987، ونتيجة للأعمال التعسفية والقمعية البعثية، أعلنت مجموعة من الأعضاء القدامى من الإخوان، وعلى رأسهم ملا عثمان عبد العزيز، التمر على الحكومة البعثية، وأفتوا بالجهاد ضد النظام البعثي، وبمناسبة يوم المولد النبوي الشريف عام 1987 أعلنت حركة الرابطة الإسلامية تغيير اسمها إلى :الحركة الإسلامية في كردستان العراق، ومرشدها ملا عثمان عبد العزيز، ورغم محاولة ملا عثمان تجميع الإخوان ضمن تنظيمه الجديد، إلا أن جماعة صلاح الدين لم توافق.

وبذلك أصبح الإخوان متواجدين ضمن الحركة الإسلامية في كردستان، ومتفرقين مع كتلة ملا صديق وصلاح الدين بهاء الدين، وتمردت الحركة الإسلامية على نهج الدعوة إلى الجهاد ضد السلطة الحاكمة في بغداد.

استطاع ملا عثمان عبد العزيز الاتصال بعدد من أعضاء الإخوان العراقيين المتواجدين في الإمارات والسفر إليهم، واللقاء بهم، وقد سلم رسالة إلى أخيه ملا علي عبد العزيز، كانت موقعة من قبل الدكتور نعمان عبد الرازق السامر باسم مركز الإخوان يطلب فيها عدم الأخذ بالجهاد والكفاح المسلح، وقد أدى وصول هذه الرسالة إلى كارثة داخل صفوف الإخوان المتواجدين في إيران، حيث تفتتوا وتشرذموا في ما بينهم ، وقد التزمت جماعة صلاح الدين بهاء الدين ، بمحتوى هذه الرسالة

لكن الحركة الإسلامية في كردستان العراق لم تلتزم بالقرار، أما جماعة ملا صديق فانسحبوا من الحركة، وارتأوا الاندماج مع صلاح الدين، ومن الممكن أن تكون هذه الرسالة متفقا عليها من قبل مركز الإخوان مع جماعة صلاح الدين بهاء الدين مسبقا، لأجل احتواء الجهاد ضد النظام العراقي، وإخضاع جميع الكتل تحت إمرته، لكن انقلبت الآية المتفق عليها، فبدل الموافقة والخضوع تمردوا عليه.

ونتيجة لحالة التشرذم التي أصابت جماعة الإخوان، أرسلت الحركة الإسلامية، وكتلة ملة صديق، وكتلة صلاح الدين خورمالي، د. عبد المجيد (أبوذر)، مسئول الإخوان في العراق إلى إيران في محاولة لرأب الصدع بين تلك الكتل وتوحيدهم ثانية، واستطاع أن يوحد كتلتي الإخوان (ملا صديق وملا صلاح)، ويصبح عمر ريشاوي المسئول الأول

وانتخب مجلس شورى جديد للكتلة، كانت الأكثرية فيه من جماعة صلاح الدين، وقد سلم عمر ريشاوي المسئول للإخوان نفسه للسلطات العراقية سنة 1990، واستمر الإخوان بجهودهم داخل اللاجئين الكرد في إيران، رغم خمولهم الكلي داخل مدن كردستان العراق، حتى انتفاضة مارس (آذار) 1991.

ما بعد انتفاضة 1991

بعد انتفاضة مارس (آذار)، وانسحاب الإدارة العراقية من معظم مناطق ومدن كردستان العراق، كان التنظيم الرئيسي الموجود للإسلاميين في الساحة هو الحركة الإسلامية في كردستان العراق، مرشدها ملا عثمان عبد العزيز، وأيضا جماعة الإخوان المسلمين وجماعة الجهاد الإسلامي، والتي كان أميرها الملا وحزب الله الثوري، بقيادة الشيخ أدهم البارزاني، وحزب الله بقيادة شيخ محمد خالد، والحركة الإسلامية للكرد الفيليين، والحركة القومية الإسلامية في كردستان العراق، وكان أقوى تنظيم هو الحركة الإسلامية بقواته العسكرية.

أما الإخوان المسلمون، فقد ظلوا ملتزمين بقرارات الإخوان المركزية، ولم يعلنوا عن تنظيماتهم، وكان (المركز) له آراء سلبية تجاه الانتفاضة والمكاسب القومية، التي حصل عليها الأكراد من خلالها، حيث صدر بيان للإخوان في 27/ 4/ 1991 بشأن الأحداث الجارية في شمال العراق، مضمونه أن الانتفاضة هو مؤامرة لتقسيم العراق بأيدي قوى خارجية

وما صرح به الناطق باسم المرشد العام للإخوان- مأمون الهضيبي- في المؤتمر العام للمرشدين أثناء حرب الخليج الثانية من أن الكرد انقلبوا على الدين الإسلامي وخرجوا منه، هذا كان رأي الإخوان حول الانتفاضة، أما الحركة الإسلامية، فكما شاركت في حرب التحرير، فإنها شاركت فعليا في الانتفاضة.

أما (الحركة الإسلامية في كردستان العراق) في تأسست سنة 1987، واشتركت في حرب التحرير، والمقاومة ضد الاحتلال العراقي، ولها عدة عمليات عسكرية بطولية في هذا المجال، كما اشتركت في انتفاضة 1991، وظهرت خلافات فكرية بين كوادر الحزب، وتطورت فيما بعد، خصوصا عند ظهور الكرد الأفغان، وبمساندة العرب الأفغان، وقد أدى ذلك إلى التطرف والاصطدام مع قوات الاتحاد الوطني الكردستاني

فألحق بهم أضرارا فادحة من الناحية ا لعسكرية، وجرى أسر عدد من قادتهم، منهم المرشد العام المرحوم ملا عثمان عبد العزيز. وبعد اتفاقية طهران 1994، عادوا إلى مقارهم ، لكن البعض من كوادرهم لم يرضوا بهذه الاتفاقية، فانشقوا عنها، وكونوا تنظيما باسم حماس سنة 1998. هذا بالإضافة إلى القوة الثانية، والتي توحدت فيما بعد مع مجاميع متطرفة، وكونوا (أنصار الإسلام)، وشهروا السلاح على الحكومة الكردستانية.

وقد اشتركت الحركة الإسلامية في حكومة إقليم كردستان الثالثة والرابعة، وفي 21/ 8/ 1999، اتحدت مع حركة النهضة الإسلامية، بقيادة صديق عبد العزيز، وأسستا معا حركة الوحدة الإسلامية، لكن بعد فترة وجيزة، دبت الخلافات بينهم، خصوصا بين جناح ملا على عبد العزيز وملا صديق، ثم ظهر جناح آخر يؤيده الكثير من الكوادر بقيادة علي بابير، وجناح الإصلاح للملا كريكار، وجناح المركز من أنصار السنة، وقد انشقت الجماعة الإسلامية في كردستان، بقيادة على بابير، في عام 2000، وانكمش المستوى التنظيمي والدور السياسي للحركة، خصوصا بعد وفاة مرشدهم على عبد العزيز وانشقت أيضا جماعة الإصلاح للملا كريكار سنة 2001.

أما الاتحاد الإسلامي في كردستان، فيعد امتدادا للإخوان المسلمين في كردستان، وقد تأسس في 6/ 2/ 1994، كجماعة إصلاحية، وله وزير في حكومة إقليم كردستان، وتسعة أعضاء في المجلس الوطني الكردستاني ، وله خمسة نواب في المجلس الوطني العراقي، وقد كان صلاح الدين بهاء الدين الأمين العام للاتحاد الإسلامي عضوا في مجلس الحكم، بعد سقوط نظام صدام عام 2زز3، وكان له وزير هو عبد الرحمن صديق،

حركة الإخوان المسلمين في كردستان العراق

الخط الأول صلاح الدين بهاء الدين

سنة 1984 جماعة أنصار الإسلام في 6/ 2/ 1994

ية كطر تووي نيسلامي كردستان (الاتحاد الإسلامي في كردستان صلاح الدين بهاء الدين أمين عام)

الخط الثاني ملا صديق عبد العزيز 1979

حركة النهضة الإسلامية ت 2/ 1994 ملا صديق

حركة الرابطة الإسلامية في كردستان 1984

شيخ محمد نجيب البرزنجي: 14/ 9/ 1984

شيخ عبد اللطيف البرزنجي: 24/ 9/ 1986

الحركة الإسلامية في كردستان حركة النهضة

عثمان عبد العزيز ملا صديق

7/ 6/ 1987

حركة الوحدة الإسلامية في كردستان

ملا على عبد العزيز 21/ 8/ 1999

الحركة الإسلامية في كردستان العراق مرشدها الملا عبد العزيز 2001/ الجماعة الإسلامية على باثير 2001/ التوحيد عبد الله الشامي 2000/ قوة سؤران ناسوه ولير 2001 فرع القاعدة في كردستان العراق

نتيجة لعدم وجود وحدة فكرية داخل الحركة الإسلامية، خصوصا قبل مؤتمرها الثامن عام 2001، استفادت كوادر وعناصر متطرفة خصوصا الكرد الأفغان، من هذه الخلافات، وانشقوا عنها في بداية 1998، تحت لواء حركة حماس، ثم حركة التوحيد عام 2000، وأخيرا قوة سؤران الثانية عام 2001، مكونين معا حركة التوحيد باسم (أنصار الإسلام)، وحاليا باسم (أنصار السنة)

وقد كانت هذه الجماعات متأثرة بالقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، وحركة طالبان، وكانت جل انتقاداتهم موجة إلى الحركة، بأنهم متساهلة مع الأحزاب العلمانية، وحاولت هذه المجموعة الاتصال بالقاعدة في بعض الفترات، وبجهود وقنوات مختلفة، خصوصا أن القاعدة لا تثق في الأحزاب الإسلامية المتواجدة في كردستان العراق للقيام بأعمال جهادية متطرفة.

وبعد سنة 2001، اتحدت كل من حماس والتوحيد مكونتين (جبهة التوحيد الإسلامي)، ثم اتحدتا بدورهما مع قوة سؤران الثانية، مكونين (جند الإسلام)، وفي شهر سبتمبر (أيلول) 2001، اتحدوا مع جناح الإصلاح (ملا كريكار)، مكونين (أنصار الإسلام)، الذي شهر السلاح بوجه حكومة كردستان، وبعد تحرير العراق، وسقوط النظام ، تحالفوا مع القوة (الإرهابية) العراقية، مكونين تنظيما باسم (أنصار السنة)، ومشتركين في ما يسمى جمهورية العراق الإسلامية، وبذلك كشفوا النقاب عن الوجه الحقيقي لهم، وأعلنوا معهم الحرب على شعب كردستان ومكتسباته.

كانت القاعدة، ولا تزال، تشجع العناصر والكتل المتطرفة الإسلامية في كردستان العراق، وتحاول بشتى الوسائل التقرب إليهم، وتكوين جناح للقاعدة في هذه البقعة، وهناك أدلة قوية على أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة، كان وراء تكوين (المركز الإسلامي) في العام 1994، وهو مركز ثقافي داخل الحركة الإسلامية

لتربية وتثقيف شباب كردستان بأفكار متطرفة، وقد زاره وفد من تنظيم حماس، برئاسة عمر البازياني، ووفد من قوة سؤران الثانية برئاسة أبو وائل، وذهبوا في فترات متقاربة إلى أفغانستان، وقابلوا عددا من مسئولي القاعدة، سنة 2000، منهم أيمن الظواهري وأسامة بن لادن، وحصلوا على مساعدات مادية كبيرة.

واستطاع كل من أيمن الظاهري وأبو مصعب الزرقاوي، إقناع كل من التوحيد وحماس بالاندماج في تنظيم جديد سنة 2000، سمي بحركة التوحيد الإسلامية، وفي سبتمبر (أيلول) 2001، توحدوا مع قوة سؤران الثانية، وكونوا حركة جند الإسلام، وأميرهم عبد الله الشافعي.

وقد اشتد الخلاف مع جماعة الاتحاد الوطني الكردستاني، وجند الإسلام، خصوصا في منطقة السليمانية وارتكبوا جريمة بشعة بحق عدد من مسلحي الاتحاد في قرية خيلي حمة، حيث قاموا بقطع رؤوس لعشرات من بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني، وبعد احتدام الخلافات بين ملا كريكار وملا كريكار، وقد اقترح ملا كريكار ثلاث نقاط رئيسية لأجل عملية التوحيد:

  1. على الرغم من أن اسم جند الإسلام يعبر عن الجهادية، ولكن نتيجة لمعاركهم مع الاتحاد الوطني، ومجزرة خيلي حمة، أصبح اسما غير مقبول لدى الأوساط السياسية الكردستانية.
  2. جند الإسلام، تعبير عن حرب وقتال والميل العسكري أكثر من السياسي، لذا يجب اختيار اسم جديد، يعبر عن تاريخ إسلامي مقبول.
  3. من المحتمل أن يدخل التنظيم الجديد العملية السياسية، وخصوصا مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

التطرف الإسلامي في كردستان

بالرغم من أن قضية كردستان، قضية وطنية وقومية، يتعرض بسببها شعب كردستان إلى اضطهاد قومي لا إلى اضطهاد ديني، فقد ظهر في الساحة الكردستانية بعض الأحزاب الدينية، والبعض منها متطرف إلى حد بعيد، ينسق مع ألد أعدائها، لمحاربة مكتسبات الشعب، والحريات السياسية، التي وجدت بعد انتفاضة مارس (آذار).

وفي البداية، كانت بعض الكوادر والكتل داخل الحركة الإسلامية متطرفة، وقد تجمعت في تنظيمات سياسية دينية متطرفة، منها: جند الإسلام، ثم أنصار الإسلام، وقد وجد عدد من عناصر الكرد، الذين اشتركوا في حرب أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي، وعودتهم إلى كردستان بعد انتفاضة 1991، فأصبحوا كوادر ومسئولين في الحركات الإسلامية، بتشجيع من العرب الأفغان، وبمساعدة وإرشاد مسئولي القاعدة، خصوصا أيمن الظواهري، وأسامة بن لادن.

ومن تلك الكتل التي أسهمت في إنتاج وزرع التطرف في كردستان العراق:" جيش الدفاع عن الإسلام، ومركز تحفيظ القرآن، ومركز الدراسات الشرعية" وبعد عام 1993، تربى عبد الله شافعي وآذاد حجراني وأيوب الأفغاني في هذا المركز وأصبحوا – فيما بعد – من الكوادر الأساسية والمسئولين في الأحزاب المتطرفة والإرهابية في كردستان العراق، وقد قتلوا أثناء تنفيذ تلك العمليات

وأول تنظيم أعطى المجال للإرهاب – بشكل علني- هو (حماس) الذي انشق عن الحركة الإسلامية عام 1998، ثم التوحيد في 2000، وقوة سؤران وجماعة الإصلاح ملا كريكار 2001، والذين اتحدوا في حزب واحد، وفي فترات مختلفة، وكونوا أنصار السنة، ثم جماعة التوحيد والجهاد، وأخيرا انضموا تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي في (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين)

وقد قاموا بعدد من العلميات الإرهابية، ضد شعب ومؤسسات الحكومة الكردستانية، والحزبين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والتي أدت إلى خسارة عدد من الكوادر الأساسية من الحركة القومية الكردستانية: سامي عبد الرحمن، فرنسوهريري، وشوكت حاجي مشير، ومامؤستا سعد، وغيرهم.

وقد واجهت حكومة كردستان تلك الأعمال الإرهابية في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها زادت في المناطق الواقعة خارج سيطرتها، ويمكن ملاحظة مواقف الشعب تجاه الحركات والأحزاب الإسلامية، عندما أفتت تلك الأحزاب بتحريم احتفالات نوروز بعد عام 2004، لكن على العكس من ذلك خرجت جماهير حاشدة، وكرد فعل، وكموقف قومي تجاههم.

وقد أثرت تلك العمليات الإرهابية في التنظيمات الإسلامية، التي تدعي أنها معتدلة، في الانتخابات التي جرت عام 2004، وعام 2005 والتي تدنت نسبة نجاحهم فيها بشكل ملحوظ، مقارنة بالسنوات السابقة.

الجهات التي تمارس الإرهاب

يمكن أن نرصد أربعة تنظيمات إسلامية تقف وراء العمليات الإرهابية التي تقع في كردستان العراق على النحو التالي:

  1. حركة حماس: انشقت عن الحركة الإسلامية في كردستان العراق في 15/ 9/ 1997، بعد أن اتهمتها بأن موقفها ضعيف أمام الأحزاب الكردية، وأعداء القرآن وتساوم بدماء الشهداء. ورفضت اتفاقية طهران عام 1997، والتي بموجبها حصلت الحركة الإسلامية على حقيبتين وزاريتين، من إدارة السليمانية، وكان أمير حماس هو حسن صوفي والضي، والذي اغتيل بشكل غامض في حلبجة بتاريخ 8/ 9/ 1999، وأصبح عمر البازيارني خلفا له، ومكث عمر البازياني في أفغانستان ستة أشهر من عام 2000، التقى خلالها مع أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي، وقد قام المنتسبون لتلك الحركة – علنا- بتدمير الكثير من الكازينوهات، ومحال بيع الخمور، والصالونات النسائية.
  2. جماعة التوحيد الإسلامي: وقد بدأت فكرة هذا التنظيم من قبل عدد من الشباب المنتمين إلى الحركة الإسلامية، حيث اتفق أكثر من 30 شابا من المرتادين لجوامع أربيل، خصوصا الجامع الكويتي، على الانشقاق عن الحركة الإسلامية، وأعلنوا جماعة التوحيد في أبريل (نيسان) 2000، واتخذوا من حاج عمران (جبل كودؤ) مقرا لهم، وفي ليلة 30/ 8/ 2000، هاجمتهم إحدى مفارز الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعد معركة طويلة استمرت عدة ساعات، قتل خلالها 13 شخصا من جماعة التوحيد، ومن بينهم أمير الحركة أبو بصير، وبعد موته أصبح أبو بكر توحيدي خلفا له حسب وصيته، وبعد هذا الحادث انتقلوا إلى جبال هورامان (سورين)، ومن أعمالهم الإرهابية: اغتيال فرنسوهريري، مسئول الفرع الثاني الحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل : سيد حسن وعبد الجبار وكامران مورياسي.
  3. جند الإسلام: بعد مشاورات طويلة، بين جماعة جبهة التوحيد وقوة سؤران الثانية: أعلن الطرفان عن تشكيل جند الإسلام في 5/ 12/ 201 ويعتبر هذا التنظيم من أهم التيارات المتطرفة، التي ظهرت في ساحة كردستان العراق، ومن أهم أعمالهم الإجرامية (خيلي حمة) في 23- 24/ 9/ 2001 حيث ذبح 47 من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني.
  4. أنصار الإسلام في كردستان: تشكل هذا التنظيم بين جند الإسلام، وجماعة ملا كريكار، وأعلن عنه في جامع بيارة في 5/ 12/ 2001، ومن أعمالهم الإجرامية، الهجوم على دار د. برهم صالح رئيس إقليم كردستان/ إدارة السليمانية في 20/ 4/ 2002، ونبش قبور شيوخ النقشبندية في بيارة ليلة 19- 20/ 7/ 2002، واغتيال شوكت حاجي مشير القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني ليلة 8- 9/ 2/ 2003، من قبل هيمن باني شاري، وعدد من العمليات الإرهابية بحق قوات الآسايش في مناطق أخرى من محافظة السليمانية.

أبرز العمليات الإرهابية:

  1. اغتيال فرنسو حريري: في صبيحة 18 فبراير/ شباط 2001، وبالقرب من جامع سثي الواقع على الشارع الستيني في هولير، وقعت عملية اعتداء على موكب مسئول الفرع الثاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني، فرنسو الحرير، وقد أدت العملية إلى استشهاده هو وسائقه، وتبنت جماعة التوحيد الإسلامي العملية ببيان رسمي من قبلها.
  2. اغتيال شوكت حاجي مشير: في ليلة 8- 9/ 2/ 2003، وفي قرية طاميشتةثة، القريبة من حلبجة، تم اغتيال شوكت حاجي مشير، العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، واثنين آخرين، وقد نفذت هذه العملية من قبل هيمن باني شاري، أحد الكوادر الأساسية لجماعة أنصار الإسلام، التي تبنت العملية ببين رسمي من قبلها.
  3. محاولة اغتيال د. برهم صالح: قام قيس إبراهيم (أبو عاصم)، وكامران مورياسي، ومحمد أبو بكر عبد الرحمن (عبد السم) بالهجوم على دار د. برهم صالح في السليمانية، بتاريخ 2/ 4/ 2002، وقد أدت العملية إلى استشهاد خمسة من أفراد الحماية، وقتل كل من : كامران مورياسي، ومحمد أبو بكر عبد الرحمن، واعتقل قيس إبراهيم، وكانت تلك المفرزة تابعة لأنصار الإسلام، وقد نجا د. برهم صالح رئيس وزراء الإقليم من هذه العملية.
  4. عملية شورش الانتحارية: قام شخص انتحاري ، بتفجير سيارة مفخخة أمام دار، يعتقد بأنها تابعة للأمريكان، وذلك في العام 2003، وقد استشهد عدد من المواطنين، وألحقت أضرار مادية بالمنطقة.
  5. تفجير سيارة مفخخة أمام وزارة الداخلية: فجر انتحاري سيارة مفخخة، أمام وزارة الداخلية الواقعة – آنذاك- على طريق كركوك- هولير، في يوم 23/ 12/ 2003، وقد أدى الانفجار إلى استشهاد خمسة من أفراد الشرطة، وأضرار مادية أخرى، وأصدرت وزارة الداخلية بيانا رسميا، أوضح أنه في التاريخ أعلاه حدثت تلك العملية.
  6. عملية 1 فبراير/ شباط 2004(غزوة أربيل)، قام انتحاريان من جنسية عربية، بعملية انتحارية، داخل الفرع الثاني للحزب الديمقراطي الكردستاني والمركز الثالث لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في أربيل، وذلك أثناء استقبالهما لجمهور من المواطنين، بمناسبة عيد الأضحى في الساعة 40: 9 من 1 فبراير (شباط) 2004، أدت إلى استشهاد أكثر من 100 شخص، وكوكبة من قياديي الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد تبنت جماعة أنصار الإسلام العملية، ببيان أسمته (غزوة أربيل).
  7. عمليات زمرة الشيخ زانا: قامت هذه الزمرة بقتل وذبح عدد من المواطنين الأبرياء، من مدينة هولير، وقد اعتقلت تلك الزمرة، وأعدموا جميعا في سنة 2006.
  8. عملية هيري ناوخؤيي: قام انتحاري بتفجير نفسه، داخل حشد من المواطنين الموجودين أمام هيري ناؤخؤيي، القريبة من فندق زيتونة في أربيل وقد استشهد 51 مواطنا، وجرح ما لا يقل عن 51 آخرين، وقد تبنت أنصار السنة هذه العملية، وسميت (غزوة أربيل الثانية).
  9. حادثة مرور هولير _أربيل): في تمام الساعة الثامنة من صبيحة يوم 20/ 6/ 2005، انفجرت سيارة، وسط حشد من المواطنين، خلف مديرية مرور هولير، وقد أدي الانفجار إلى استشهاد أكثر من خمسة عشر شخصا، وجرح ما لا يقل عن خمسين آخرين، وتبنت أنصار السنة هذه العملية.
  10. تفجير سيارة أمام وزارة الداخلية: في صبيحة يوم : 9/ 5/ 2007 قام انتحاري، بتفجير سيارة (قلاب) أمام وزارة الداخلية، الواقعة على الشارع الستيني، القريب من الآسايش العام، وقد أدى إلى استشهاد أكثر من 19 مواطنا، وجرح ما لا يقل عن 50 آخرين، وقد تبنت دولة العراق الإسلامية وأنصار السنة هذه العملية.
  11. تفجير سيارة في خمور: بعد أيام من حادثة هولير يوم 13/ 5/ 2007، انفجرت سيارة مفخخة، كان يقودها انتحاري أمام الفرع 23 للحزب الديمقراطي الكردستاني في مدينة مخمور، وأدت العملية إلى استشهاد أكثر من 37 شخصا، وجرح ما لا يقل عن 100 آخرين، وقد تبنت العملية جمهورية العراق الإسلامية.

وهناك عدد من العمليات الأخرى، حدثت في دهوك والسليمانية، منها: محاولة اغتيال محافظ دهوك في 2005، ومحاولة اغتيال فاشلة لملا باختيار حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قرب فندق أبو سناء سنة 2006. خاتمة على الرغم من الاختلافات في الانتماءات الفكرية والتنظيمية للأحزاب الإسلامية في كردستان العراق، إلا أن ممارساتها وارتباطاتها هيأت أرضية لإرهاب، والتكفيرية الجهادية، فقد خرج أنصار الإسلام، من رحم هذه الأحزاب، وشهروا السلاح ضد حكومة كردستان، ومن المتوقع خروج المزيد والالتحاق بأسلافهم.

كيف يمكن اعتبارها حركات كردستانية التنظيم، في حين أن البعد الإسلامي، المثبت في برامجها من الناحية الفكرية، يمنعها من كسب أحد من المذاهب والأديان والقوميات الأخرى، المتواجدة في كردستان، وهي تتحالف مع ألد أعداء كردستان، وتتسلم مساعدات مادية، وأخرى معنوية منهم، أليس من حقنا أن نسأل : لماذا؟

وبعد الاستعراض السابق يمكننا استخلاص عدد من النتائج نجملها في النقاط التالية:

  1. إن الأحزاب المنتمية إلى مدرسة الإخوان، قد خرجت من رحم عراقي، وهي عراقية التفكير لمغطى بالعروبة، ولا يزال لذلك حيز كبير في تفكيرها السياسي والفكري والعملي.
  2. نتيجة لآلية المنشأ والتفكير والتمويل فإن الحركات الإسلامية في كردستان العراق تجد نفسها أمام تساؤلات وعلامات استفهام عديدة، ولكن هذا لا يعني أن الكل سواسية، ولا يمكن إنكار الدور البارز والمشرف لبعضها، في الفترات العصيبة التي مر بها نضال الشعب الكردي.
  3. نحصر الأحزاب الإسلامية بشكل رئيسي في بقعة جغرافية، وداخل عدد من العائلات.
  4. عندما تعاظمت الحركة الوطنية الكردستانية، خصوصا بعد الثمانينات من القرن الماضي، ازدادت محاولات تأسيس تلك الأحزاب الدينية، وتشكيل قوة عسكرية لها، لكن النقطة التي توقفني عن هذا الظن فقط، رسالة د. نعمان السامرائي إلى الملا على عبد العزيز سنة 1987، والتي يطلب فيها الكف عن العمليات الجهادية ضد النظام الصدامي.
  5. تفضل الأحزاب الإسلامية العقائدية الإسلامية على راية (كردايةتي) ويعتبرونها بدعة غريبة، لتفتيت المجتمعات الإسلامية في حين أن حماس في فلسكين وحزب الله في لبنان والحركات الإسلامية في الشيشان وكشمير وغيرها، تقود الدفاع عن الوطنية وأوطانها.
  6. الأحزاب الإسلامية تستفيد من الحريات السياسية والديمقراطية في كردستان العراق، من دون الإيمان بها، وتعتبر الديمقراطية بدعة غريبة، ومعادية لثقافتنا وتراثنا الإسلامي.
  7. أسماؤها تدل على إستراتيجيتها في كردستان (الحركة الإسلامية، الجماعة الإسلامية، الاتحاد الإسلامي) في كردستان العراق، وهذا يعني أنها لا تعتبر نفسها أحزابا كردستانية، غير أن الاتحاد الإسلامي في الآونة الأخيرة، غير اسمه إلى الاتحاد الإسلامي الكردستاني.
  8. الجيل الأول والثاني من الكوادر الإسلامية، كانوا من رجال الدين. أما الجيل الجديد فلا يزال القرار الأخير لهم، حيث دخل جيل جديد من الشباب، يشارك في مقاومة الاحتلال العراقي، _جيش القرآن) و (جيش الإسلام)، ومحاولات جماعة (أنصار الإسلام) البدائية.
  9. غلبة العقلية العسكرية على العقلية السياسية والتفرد بالقيادات نتيجة للتركيبة التنظيمية ، وتغلب الخطاب العاطفي، المحرض على الخطاب السياسي المدروس والمخطط.
  10. تعدد الأفكار والاتجاهات والارتباطات، ونتيجة لهذه الارتباطات الفكرية والمساعدات المالية، يزيد التساؤل عن الغرابة من الواقع الاجتماعي والاقتصادي الكردستاني، وتوجهاتهم المغلفة بالدين، لأجل تحريك الجماهير، واستغلال عواطفها لأغراض سياسية، خصوصا تسلم السلطة.

القومية والقضية الكردية من منظور الاتحاد الإسلامي الكردستاني

أبو بكر على

ينظر الاتحاد الإسلامي الكردستاني ، بوصفه حزبا إسلاميا وكردستانيا، من منظور إسلامي إلى القضايا المطروحة على الساحة، ومن ضمنها القضية القومية، إلا أن موقفه هذا لم يكن عاطفيا وعفويا، أو تقليدا أعمى للتيار الغالب، بل كان ناتجا عن منطلقات فكرية ورؤى منهجية في ضوء القيم الإسلامية ومقاصدها، كما سنوضح في هذه الدراسة.

كانت القومية أو الحركة القومية كمفهوم وتيار طوال القرنين الماضيين إحدى أكبر الحركات المؤثرة والمحددة للعلاقات، والموجهة للاستراتيجيات على مستوى العالم أجمع. وقد تزامن ظهور القومية مع بلورة نموذج جديد للدولة وهو نموذج (الدولة/ الأمة). كما كانت القومية جزءا رئيسيا من الثورات والانتفاضات والتي حدثت في العالم طوال القرن الماضي، ومنها الثورات في منطقتنا ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، دخل هذا المبدأ –أو الفكرة- القاموس السياسي الشرقي والمنطقة الإسلامية، وأصبح جزءا من هوية وتوجهات النخب السياسية.

وكسائر الإيديولوجيات والتيارات الحديثة الأخرى لم تستطع القومية أن تجتاز طريقها بصورة طبيعية، وتصل إلى أهدافها المنشودة، لأن القومية في الغرب، بجانب مهامها السياسية، ملأت الفراغ التي أحدثته الانتقادات الراديكالية لحركة التنوير بالنسبة للديانة المسيحية، في جسد الكنيسة الكاثوليكية، بينما في الوقت الذي شغل الدين الإسلامي لدينا حيزا كبيرا من الحياة الروحية والمادية للأفراد، وخلافا للتجربة الغربية، فإن القومية في منطقتنا لم تتحول إلى إطار لتطور الليبرالية السياسية، أو إرساء دعائم الديمقراطية.

إن اصطدام القومية مع المنظومة القيمية الإسلامية ، أحدث ردات فعل متعددة، ففي البداية ظهرت القومية كقالب لحب الوطن والتعاطف مع المواطنين، وفي هذا المستوى فإن القومية أا الوطنية، شكلا مع الثقافة الإسلامية التقليدية الموجودة، دعائم حركات المقاومة ضد الوجود الأجنبي والاستعمار الغربي في بلاد المسلمين أو الكثير منها.

وتجد تجربة كردستان العراق تعكس العلاقة نفسها، بدءا بالشيخ عبيد الله النهري، والبارزاني، والشيخ محمود حفيد، والشيخ سعيد بيران، والقاضي محمد وانتفاضاتهم. فهذه الانتفاضات حدثت لاسترداد الحق الكردي المغتصب بروح إسلامية مختلطة، ولكن بعد ظهور الإيديولوجيات العلمانية والأحزاب القومية المعاصرة، تغيرت الصورة على الأقل في جزء منها .

القومية والإسلام

يمكن القول إن هناك منهجين خاطئين حيال تناول ظاهرة القومية وعلاقتها بالدين الإسلامي.

المنهج الأول: يذهب إلى أن القومية لا تنبت إلا على حساب الدين، وأنها تعادي قيمه ومقاصده وبهذا المعنى يبدو الإسلام عائقا أمام الطموحات القومية للأمم الإسلامية، لأن الإسلام دين عالمي، وبني على تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر، ولا يعترف بالهويات القومية، بل يعاديها ويعمل على طمسها، وهذه المنهجية هي للعلمانيين المتطرفين الذين يؤمنون بإعلان الحرب على الإسلام باسم القومية.
المنهج الثاني: يتخذ المنحى السابق نفسه، ولكن من منظور مخالف، أي من منظور إسلامي راديكالي، ويركز أيضا على عداوة القومية للإسلام، ويعتبر القومية تجسد مؤامرة تتم حياكتها من قبل مستعمري العالم الإسلامي وأعدائه، لتمزيق وحدته وإثارة الفتنة والحقد بين أبنائه وشعوبه، كما أن القومية غريبة عن الإسلام ومبادئه.

وما بين هذين المنهجين، هناك منهج ثالث يؤكد على وجود القومية بدلالاتها الحديثة في صلب الإسلام ، ويعتبر كل كلمة للقوم الواردة في القرآن الكريم بمثابة أداة لتأصيل فكرة القومية وأصالتها، ليس في الإسلام فحسب بل في الأديان السماوية الأخرى، ولا يجد أصحاب هذا النهج ومشايعوهم، تعارضا بين الإسلام والقومية، بعضهم يربط فهمه هذا بشمولية الإسلام، أي أن شمولية الإسلام وتعرضه للمشاكل والمواضيع المتعلقة بالحياة البشرية كافة، تقتضي وجود حل للمسألة القومية.

وبشكل عام لا تخلو تلك المناهج من مآخذ عليها، ولا تعطي منهجية علمية متوازنة للخروج بنظرة واقعية، وذلك لأسباب عديدة منها:

أولا: إن القومية كما قلنا ظاهرة حديثة، لا يتجاوز عمرها في بيئتها الأصلية- أي الغرب- أكثر من قرنين، لذلك فإن أي امتداد لتاريخ ظهور القومية إلى فضاءات ما قبل الحداثة من قبل العلمانيين لاتهام الإسلام بمعاداة قوميات معينة لحساب القومية العربية، أو من قبل الكتاب الإسلاميين للبرهنة على وجودها في الإسلام ونعني نظرية الاصطدام الحتمي بينها وبين الإسلام، أو وجود حل إسلامي تاريخي للقضية كلاهما يواجه بانتقادات منهجية.
ثانيا: إن الإسلام والفكر الإسلامي التاريخي أو التقليدي، لم يتناولا شيئا اسمه القومية، وإن تكرار كلمة (القوم) في القرآن الكريم لا يدل على وجود القومية فيه بدلالتها الحديثة، بل إن الاستعمال القرآني للكلمة كما أوضحتها القواميس اللغوية بالدرجة الأولى يرمز إلى تنظيم اجتماعي يلعب الدم فيه دورا أساسيا. لذلك يصعب تناول علاقة الإسلام بالقومية في تاريخ ما قبل ظهور القومية بمفهومها الحديث.
ثالثا : استنادا إلى ما ذكره، لم يكن للإسلام موقف إزاء عرق أو لون أو قومية أو لغة معينة، بقدر ما كان دينا يخاطب الناس بعبارات وصيغ من مثل : " يا أيها الناس" و" يا بني آدم" و" يا أيها الذين آمنوا" بمعنى أنه توجه إلى الجمع والجميع. لذا فإن الشعوب التي دخلت الإسلام حافظت على الكثير من تقاليدها وأعرافها ولغاتها وثقافتها إلى حد ما، بل إن هذه الثقافات المختلفة تفاعلت مع الإسلام، وأنتجت نماذج متعددة للتجسيد الإسلامي على مسرح التاريخ. والاختلافات في بعض المراسيم والطقوس بين الشعوب الإسلامية في الوقت الحاضر، يعتبر مؤشرا على هذا المنحى العالمي للإسلام.
إضافة إلى هذا، وإذا نزلنا من مستوى الإسلام كدين، إلى مستوى الفكر الإسلامي كثمرة لتفاعل الإنسان والواقع مع الوحي والنص، سنجد من خلال 1400 سنة ماضية، غيابا ملحوظا للقومية كسؤال أو تحد أمام علماء المسلمين. فلا يوجد تراث فقهي أو فكري كلاسيكي إسلامي يعنينا في سعينا لاتخاذ موقف صحيح تجاه القومية في قلب الأحداث الدراماتيكية العصرية، والتاريخ الذي شكلت القومية الكثير من سماته ومكوناتها.
رابعا: في ضوء كل هذا، يمكن القول بأن الموقف المنهجي الصحيح، والروح العلمية، يتطلبان طرح المسألة عن طريق فهم العناصر المكونة للقومية ومبادئها، مثل حق تقرير المصير ومقارنته بالمبادئ العامة للإسلام وقيمه العليا وروحه العادلة، بمعنى طرح القضية من منظور قيمي إسلامي، وليس على مستوى الإسلام نفسه. لأنه لا يجوز إخضاع الإسلام إلى مفهوم القومية، ون نجعل منه ملكا لقومية معينة.

إن تناولا قيميا للإسلام في هذه القضية، والعمل في ضوء مبادئه العامة، ليساعدنا كثيرا في تحديد موقع القومية من منظور إسلامي مستمد من الإسلام، وطرح علاقة معينة بينهما للخروج بحل لقضية ذات صبغة إسلامية ، ومستوعبة للتجارب البشرية المختلفة على هذا الصعيد.

وبهذا الشكل، سيكون بإمكان الباحث والسياسي الإسلامي العصري، طرح إطار وحل مفعم بالقيم الإسلامية للقضايا القومية، ومن ضمنها القضية الكردية كأكبر قضية قومية باقية بدون حل على مستوى الشرق الأوسط، بل الكرد هم أكبر أمة على الأرض قاطبة ليس لديها كيان قومي، فالفكر الإسلامي والمفكر الإسلامي مدعوان إلى إيجاد حل في ضوء قيم الإسلام ومتطلبات الواقع الذي صاغته القومية طوال قرن كامل من الزمن، لأن أي إنكار للحقوق القومية في عصر القومية باسم الإسلام أخرى، يترتب عليه ظلم قومي.

ومن هنا يمكن الإشارة إلى مبادئ عامة وقيم ومنطلقات إسلامية، نستطيع من خلالها طرح تأصيل إسلامي لقومية معتدلة وإنسانية، ونقدمها كمنطلقات لفكر إسلامي معاصر لفهم القضية القومية وحلها، ومنها القضية الكردية والتي نحن بصددها.

رؤية الاتحاد الإسلامي

هناك بعض المنطلقات التي يحدد من خلالها الاتحاد الإسلامي الكردستاني موقفه المبدئي من المسألة القومية كظاهرة عامة، ومن القضية الكردية خاصة، على النحو التالي:

أولا: مسألة الخلافة والكرامة الإنسانية للإنسان، فالإنسان في الرؤية الإسلامية خليفة في الأرض، والله سبحانه وتعالى خلقه لاستعمار هذه الأرض وإعمارها، ووفر له فيها جميع متطلبات الحياة الكريمة الشريفة، التي تليق بمكانة الإنسان في الوجود وعند خالقه وهذا يتطلب حرية الإنسان والحفاظ على حقوقه، وفتح الأبواب لتنمية ومواهبه. واستخدامها في إغناء الحضارة الإنسانية.
لكن وبخلاف ذلك، فإن الإنسان الكردي والمواطن الكردستاني. يعيش تحت نير الظلم والحرمان والاضطهاد في أكثر من مكان، ويحرم من حقوقه الإنسانية، وتستحق قدراته وإمكاناته ويعامل في عقر داره ووطنه التاريخي كالغريب والأجنبي، ويتعرض لأنواع الأذى والتشريد والكوارث والويلات، فكيف يكون فإمكانه القيام بواجبات الخلافة، والمشاركة في عمارة الأرض. لهذا كان الجهاد والنضال من أجل رفع هذا الحيف وإعادة هذه الكرامة المغتصبة يتحول إلى واجب إسلامي أصيل على الحركة الإسلامية داخل أرض كردستان، ولجميع الحركات الإسلامية كل حسب استطاعتها.
ثانيا: إن وجود الشعوب والأمم المختلفة، هو انعكاس لإرادة الله في الوجود، وحقيقة كونية يقول الله سبحانه وتعالى:" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم" (الروم. 22) وبالتالي فإن القرآن يعترف بوجود مجموعات بشرية مختلفة على أساس اللغة والثقافة المشتركة والشعور بالخصوصية.
لذا فإن الاتحاد الإسلامي الكردستاني يعتقد بأن جميع المحاولات التي جرت وتجري لتغيير الهوية الكردية ولغتها وثقافتها، بقصد إزالة الكرد كأمة وإضعاف شعور انتمائها بالذات، يعتبر وثقافتها بقصد إزالة الكرد كأمة وإضعاف شعور انتمائها بالذات، يعتبر عملا ومحاولات غير إسلامية، تخالف قيم ومفاهيم الدين الحنيف، وأحد مظاهر الظلم الذي مورس ضد الكرد هو الظلم الثقافي، وحرمان أبنائهم من استعمال لغتهم، وتعليم أبنائهم بلغتهم الأم في المدارس الرسمية وهذا مناف لأبسط الحقوق الفردية والقومية.
ثالثا: إن مسألة مساواة الشعوب والأمم في ميزان الإسلام لا تحتاج إلى دليل، ولا يوجد ما يسمى بشعب الله المختار لأن الإسلام هو لجميع الشعوب والأمم في العالم وهو رسالة عالمية لذلك لا يختص بشعب أو أمة أو بقعة جغرافية معينة. وهذا لا يعني عدم وجود محاولات مغرضة لاستغلاله لمصالح قومية أو طائفية وفئوية. بل هذا ما حدث من هنا وهناك، وما محاولات ميشيل عفلق إلا نموذج من تلك المحاولات الرامية إلى إخضاع الإسلام إلى تفسير قومي متعصب وجغرافي متعسف.
إن القومية العربية من خلال عدد من رموزها، وفي بعض حلقات تاريخها، حاولت استغلال الإسلام وقامت بتفسير التاريخ الإسلامي تفسيرا قوميا، وحتى كمال أتاتورك- الزعيم التركي المتطرف في علمانيته- استغل الإسلام في بداية الأمر، واستفاد من زي العلماء لإثارة الرأي العام تمهيدا للالتحاق بمقاومته ضد الغزاة الأجانب.
على العموم لم يجعل الله من اللون واللغة والعرق ميزانا لفصل أمة عن أخرى، حتى يفهم البعض أن ظلم الآخرين وحرمانهم من حقوقهم واستغلالهم من أجل مصالحهم أمر مشروع. وبطبيعة الحال لا يقبل الشرع بهذا التفكير اللاأخلاقي، ولا يستسيغه العقل، ولا الضمير الإنساني، بل أكثر من هذا عد الإسلام ذلك التفكير تفكيرا جاهليا، خاليا من أي روح إسلامية من قريب أو بعيد.
إلا أنه على الرغم من هذا الوضوح الفكري والنظري للموقف الإسلامي، حيال الأمم والشعوب فإن الأمة الكردية طوال قرن كامل من الزمن وإلى حد الآن، حرمت من حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحيكت مؤامرات عديدة لطمس هويتها القومية، كأنها اقترفت جريمة عندما خلقت كردية بإرادة من الله سبحانه وتعالى.
ولهذا يرفض الاتحاد الإسلامي كل فكرة أو سلطة بنيت على أساس تفضيل أمة على أخرى، أو على أساس حرمان الآخرين من حقوقهم المشروعة، وتعرضهم للظلم بسبب انتمائهم القومي أو الوطني كما أن الاتحاد الإسلامي يعترف بما أقره سبحانه وتعالى من حرية الأفراد والشعوب، والرؤية الإسلامية المفتوحة على العصر لحقوق الشعوب والقوميات. ويعارض الاتحاد الإسلامي أيضا جميع الذين يبررون هذا الظلم القومي بتبريرات مختلفة لاستمراره.
ومن هنا لا يرضى لاتحاد الإسلامي بهيمنة وغلبة أية قومية أخرى على القومية الكردية كما شهدها التاريخ الحديث للمنطقة، ولا يمكن إزاء الظلم الذي يتعرض له أبناؤه ومعاملتهم كمواطنين منم الدرجة الثانية والثالثة، وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية والشرعية والدستورية.
لأن عدم المساواة والتوازن بين الشعب الكردي والشعوب الأخرى في المنطقة يوجه أكبر ضربة للرابطة الأخوية التاريخية فيما بينها، ويعرض السلم والتنمية فيه إلى الخطر، ويبقيها في الدوائر المغلقة للعنف والتطرف والتخلف، وأي مشروع إسلامي كردي أو غير كردي ليس بوسعه إيجاد حل جذري لهذه الامساواة واللاعدالة الموجودة.
رابعا: الموقف المتشدد للإسلام وللنظم الإسلامية إزاء الظلم والظالمين، والاغتصاب والغاصبين ، فإذا عدنا إلى جوهر الإسلام سنجده يركز على اقتلاع جذور الظلم بأشكالها المختلفة، وربما لا نبالغ في الوصف، إذا قلنا إنه لم توجد فلسفة أو فكرة تناهض الظلم بمثل ما هو موجود في الإسلام، والاتحاد الإسلامي بحكم مرجعيته الإسلامية يعلم تمام العلم بأن الظلم في دين الله حرام.
والشعب الكردستاني شعب مظلوم جراء تقسيم وطنه بين العراق وإيران وتركيا وسوريا، طبقا للمصالح الاستعمارية حسب اتفاقية سايكس/ بيكو 1916 الشهيرة والمشئومة، وتعرض في تاريخه الحديث إلى أنواع شتى من الظلم والاضطهاد ويعاني منه حتى هذه اللحظة.
إذا، فالقضية الكردية من وجهة نظر الاتحاد الكردستاني هي قضية شعب منكوب ومظلوم ، ولهذا فإن الاهتمام بها والسعي لإيجاد حل عادل لها، هو واجب إسلامي أصيل. والنضال من أجل خلاص الكرد والشعب الكردستاني برمته من هذا الظلم والاضطهاد التاريخي الجاثم على كاهله طوال قرن كامل، هو النضال ضد الظلم واللامساواة والحيف، وهذا النضال والجهاد في جوهره هو السمة المميزة لكل تجمع وحركة ومجتمع إسلامي، طبقا للمنظور القرآني والذي يقر بأن : " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" (الشورى:39)، والشعب الكردي في الوقت الحاضر هو من أكبر الشعوب المضطهدة على هذه الأرض.
وجعل القرآن الكريم النضال في سبيل خلاص المستضعفين جهادا ونضالا في سبيل الله ويهاجم كل الذين لا يبالون بالظلم الموجود ويرضون بالهوان والدونية، ولا يطالبون بحقوقهم واحترام كرامتهم الإنسانية، وحقهم في حرية التدين، وعدم تعرضهم للمهانة والظلم والتمييز. وإن موقف الإسلام إزاء الظلم واضح ولا يحتمل التأويل، ومن هذا المنظور الإسلامي الأصيل، فإن الاتحاد الإسلامي يضم صوته إلى الأصوات التي تطالب بنيل جميع الشعوب والفئات والطبقات والشرائح حقوقها المشروعة والمتساوية مع الآخرين من دون تمييز.
خامسا: مركزية العدالة في الفكر والتصور الإسلامي، حيث يعتبر إرساء دعائم العدل- والذي يتضمن إزالة أنواع الظلم واللامساواة في المنظور الإسلامي- مسألة محورية وأساسية، بحيث جعل الإسلام من تطبيق القسط وإيجاده هدفا وعنوانا كبيرا لإرسال الرسل وإنزال الكتب حسب قوله تعالى:" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" (الحديد: 25)
فالآية بتأكيدها على إقامة القسط بين الناس، تدل على شمولية هذا القسط من المنظور الإسلامي لجميع الناس، وليس فقط للمؤمنين بالرسالات السماوية، بل هذا القسط يجب أن يدخل في جميع العلاقات القائمة بين جميع الشعوب والأمم والمجتمعات والفئات والطبقات ، لكي ينظمها وفق قواعد من العدل والإنصاف، أمام هيمنة النزعات التسلطية من قبل هذه الأمة أو الفئة أو تلك.

ويعني هذا من جانب آخر أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى هو (البر) و(العدالة) استجابة لقوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" (الممتحنة: 8)، وفي الاتجاه نفسه يوجه خطابه للمؤمنين، لكي يحمسوا موقفهم لصالح نصرة العدالة والقسط والمساواة، حيث يقول: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله" (النساء: 135).

من هذه النصوص ونصوص ومبادئ أخرى كثيرة، يتبين بوضوح أن إحدى الخصائص الضرورية والرئيسية لأي شخص إسلامي أو حركة إسلامية، هي رفض الظلم واتخاذ موقف عملي ضده، والسعي من أجل الضغط للقضاء عليه على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والقومية والدولية، والعمل الدءوب من أجل إرساء دعائم العدل وتطبيق العدالة، وإرجاعها إلى داخل العلاقات في مستوياتها المختلفة، وهدم صرح اللامساواة والتمييز، والقضية الكردية في جوهرها قضية عادلة.

الاتحاد الإسلامي والقضية الكردية

في ضوء الحقائق سالفة الذكر، يحدد الاتحاد الإسلامي موقفه الفكري والنظري وسلوكه السياسي إزاء القضية القومية، وبالأخص القضية الكردية. وفي المضمار نفسه، يوضح الأمين العام للاتحاد الإسلامي الكردستاني، الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين، أن فهمنا للقضايا القومية، يقر بوجود القوميات كجعل إلهي فمن آيات الله أن يختلف الناس في لغاتهم وألوانهم، وجعل إلهي خلق الناس (شعوبا) وقبائل.

نحن نرى بأن للشعب الكردي قضية عادلة، والسعي من أجلها أمر مشروع، فهو شعب مسلم له قضية وقضيته حق، وللوصول إلى هذا الحق خطا خطوات، بمعنى آخر سعى من خلال (الحركات) و (الجماعات) وفي البداية كان هذا السعي ذا طابع إسلامي، وقادته شخصيات إسلامية وشعبية مثل: عبيد الله النهري، والشيخ سعيد بيران، وملا مصطفى البارزاني، يرحمهم الله. هذه المساعي كانت إسلامية وقومية في آن واحد. بعد ذلك وبسبب انتشار الأفكار الأخرى ظهرت حركات وأفكار علمانية تناضل من أجل القضية نفسها.

وإزاء هذا السعي الكردي لنيل حقوقه المشروعة برزت ردات فعل من قبل الحكومات. وكان هذا قدر الكرد، حيث تم تقسيمهم على عدة دول في المنطقة. وكانت معاملة هذه الدول مع الحركات والمطالب الكردية عنيفة ومتشددة، وكأنما اقترفوا كفرا بمطالبتهم بحقهم.

وكان من الطبيعي أن تعقد هذه المعاملة السيئة خيوط القضية، وأن توقع الجميع في الخطأ. نحن لا ننفي أنه كانت هناك أخطاء مرحلية أو إستراتيجية داخل الحركة التحررية الكردية، ولكن هذا لا ينتقص من عدالة القضية شيئا، لأن الحكومات واجهت القضية بشدة واستعملت القوة ومارست القمع. وكل هذا أوصل القضية إلى هذه المرحلة، فمثلا في العراق أعطت السلطات القمعية الشرعية للأنفال والقصف الكيميائي أو محاولة الإبادة الجماعية، فأي عقل هذا؟ وقبل هذا سعت الدول المدعومة من قبل الاستعمار الغربي إلى طمس الهوية الكردية، حتى حرمت أبناءها من الحقوق الإنسانية والمدنية.

من هنا القضية الكردية كقضية عادلة، وسعى رجالات هذا الشعب من أهل العلم والدين بداية، وبأساليب مختلفة، لاسترداد هذه الحقوق القومية والإنسانية المغتصبة. وينظر الاتحاد الإسلامي الكردستاني إلى القضية الكردية كقضية حق وعدل- وهي كذلك في الواقع- بعكس الدعاية المضادة للدول المضطهدة للكرد، هي قضية ملايين البشر، والغالبية الساحقة منهم من المسلمين، الذين تمارس بحقهم سياسة التطهير العرقي والعقوبة الجمعية، ويحرمون من حقوقهم المدنية والسياسية.

إن موقف دول المنطقة والعالم والمنظمات الدولية والأوساط المختلفة والحركات والجمعيات الكردستانية، ناجم عن كيفية تعريفها للقضية المذكورة، ونظرتها إلى طبيعتها، فعلى سبيل المثال إذا تصفحنا ملف موقف الحكومات العراقية المتعاقبة خاصة بعد العهد الجمهوري 1958 إزاء الحركات والثورات والانتفاضات الكردية في كردستان العراق، نرى بأنها اتهمت هذه الحركات والثورات وأصحابها بالتمرد والعمالة للأجنبي والذيلية لبعض الدول المعادية للعراق وللأمة العربية

وفي تركيا إنكار رسمي منذ عشرات السنين لوجود الأمة الكردية، وحتى الآن لا يعترفون بشيء اسمه القضية الكردية ويساوونها بالإرهاب، وفي ظل هذه الظروف فإن التفكير القومي المتطرف لا يرى بالإمكان إيجاد حل سلمي للقضية لأن أول خطوة نحو الحل هي الاعتراف بالمشكلة، وبحق الكرد في الاختلاف.

ومن وجهة نظر الاتحاد الإسلامي الكردستاني، كقوة إسلامية ووطنية في ساحة كردستان، فإن القضية الكردية قضية سياسية، وهذا يتطلب نضالا سياسيا مشتركا للقوى الكردستانية للوصول إلى لحظة الخلاص، وإيجاد حل سياسي من قبل المعنيين بالقضية من دول المنطقة والمنظمات الدولية والحركات الإسلامية، إضافة إلى الطرف الكردستاني نفسه. وبهذا تخرج القضية من كونها قضية لاجئين، أو قضية إنسانية لمجموعة من الجائعين والمشردين في مجتمعات سكنية خاصة بالمنكوبين.

إن القضية الكردية هي قضية أمة تسعى منذ عشرات السنين من أجل الحفاظ على الهوية والكيان الوطني وإثبات الذات القومية، وناضلت من أجل هذه الأهداف وضحت بآلاف الشهداء في هذا الطريق، وتحملت أنواعا شتى من صنوف العذاب والويلات والكوارث ونضالها هذا في سبيل الحرية وحق تقرير المصير والسلام والأمن في المنطقة مستمر حتى هذه اللحظة. إن الشعب الكردي يرفض جميع سياسات التعريب والتتريك والتفريس، والترحيل والتغيير الديموغرافي، ومحو الحدود التاريخية لكردستان ومعالمها الحضارية، بل يعد ذلك جريمة بحق شعب مسلم مسالم يدعو إلى المساواة، وإلى إنهاء ما يترتب على التركة الاستعمارية في المنطقة.

وقضية بهذه الأبعاد التاريخية والإنسانية والسياسية والقومية، لا تحل بالترقيعات الإدارية أو مساعدات إنسانية، وبناءا على ذلك يرى الاتحاد الإسلامي بأن الحل يجب أن يكون سياسيا، وقد سعى الاتحاد الإسلامي لتبيان الوجه الحقيقي لهذه القضية للرأي العام الإسلامي والعربي، وقام بتعريف القضية كقضية شعب مسلم محروم من حقوقه ومغلوب على أمره منذ عشرا السنين، داخل كيانات حديثة مغلقة

وعمل كذلك على تنوير الرأي العام بالحقائق التاريخية والواقع الموجود، بعيدا عن التشويهات والخدع وطمس الحقائق لحساب استراتيجيات جهنمية متبعة من قبل أنظمة مستفيدة، وفاقدة للشرعية والمشروعية، وأيضا اطلاع الأوساط والحركات والشعوب الإسلامية في المنطقة، على أن كردستان العراق ليست مشروعا لإسرائيل ثانية كما يدعي أصحاب الأيديولوجيات المغلقة والمتعصبة، لأن الشعب الكردي من الشعوب المسلمة العريقة، وله إسهام جهادي واسع في الحضارة الإسلامية.

الاتحاد الإسلامي وحق تقرير المصير

ربما هناك قلة من السياسيين الملتزمين بالقيم السياسية الحقيقية، والباحثين الجادين، الذين لا يعتقدون بأن الحل الجذري والكامل للقضية الكردية هو إعطاء حق تقرير المصير للشعب الكردي ومن ضمنها تشكيل الدولة الكردية، وإذا كان حق تقرير المصير هو الرجوع إلى إرادة الجماهير لتحديد موقفها السياسي، ونوع نظام الحكم وتقييم علاقاتها مع الشعوب والدول الجارة بعيدا عن التدخلات الأجنبية والوصاية من أي طرف فإن الاتحاد الإسلامي الكردستاني- بحكم حزبا إسلاميا وقوة كردستانية في الوقت نفسه- يعتقد بأنه يحق للشعب الكردي مثل بقية شعوب العالم أن يقرر مصيره.

هذا المطلب هو مطلب مبدئي لجميع الشعوب والأمم، وخاصة الشعب الكردي لأن القومية الكردية هي قومية حقوقية، أي تطالب بإرجاع الحقوق المغتصبة لأصحابها، وهي قضية أمة تطالب بحقها، وليست قومية توسعية تعمل على حساب حقوق الأمم والشعوب الأخرى.

والاتحاد الإسلامي الكردستاني يرة من حيث المبدأ، أن تشكيل الدولة الكردية وعلى أرض كردستان عمل مشروع وهذا الموقف للاتحاد نابع من نظريته الإسلامية لحق تقرير المصير على مستوى الفرد في القرآن الكريم في أخطر قضية، وهي قضية الكفر والإيمان فالله تعالى أعطى هذا الحق وهو الحرية للفرد: " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف: 29)، وأيضا: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا" (الإنسان: 3).

فإذا كان الله لا يفرض الإيمان على أحد فكيف يفرض عليه أن يعيش في إطار كيان سياسي رغما عن إرادته لتنظيم حياته في هذه الدنيا؟ إن الأصل في النظرة الإسلامية وفي القرآن الكريم، هو احترام الكرامة الإنسانية وحقوق هذا الكائن المكرم من الله وإقرار الاختلاف كحقيقة كونية وعلمية في هذا الوجود، واحترام ما يترتب على هذا الاختلاف من حقوق والتزامات وتنظيم علاقات.

ويجد الاتحاد الإسلامي الكردستاني في الفيدرالية والاتحاد الرضائي، صيغة ملائمة لحل القضية الكردية داخل حدود الدول الموجودة، في ظل احترام تعدد الهويات والحريات الفردية والعامة، وتبني الديمقراطية كآلية وكنظام لممارسة السياسة من خلالها. ولذلك فإن نظرة الاتحاد الإسلامي إلى النظام الفيدرالي إيجابية، حيث يرى فيه بديلا مناسبا وواقعيا للحالة الاستبدادية والمركزية القائمة.

ولرد كل الذين يريدون اختلاق تبريرات لمعارضة هذا المطلب الجماهيري في كردستان العراق، خاصة الذين يعبرون عن هذه المعارضة من وجهة نظر إسلامية يعلن الاتحاد بأن هذا الموقف مناوئ لتطلعات الشعب الكردي، وينبع من سوء الفهم، بل عدم الفهم الحقيقي لروح الإسلام وحتى لتاريخ المسلمين، لأن نظام الولايات كان هو المتبع في إدارة الإمبراطوريات الإسلامية، والنظام الفيدرالي شبيه بهذا النظام. ثم إن الفيدرالية تسمح بالمشاركة السياسية، وتقسيم السيادة الداخلية والثروة، ومشاركة الجميع في القضايا المصيرية، وتمنع من تمركز السلطة في العاصمة أو بيد قلة قليلة.

القضية الكردية والأخوة الإسلامية

كثيرا ما يهاجم الاتحاد الإسلامي من قبل بعض الأقلام العلمانية الكردية، ويتهم بأن ليس لديه حل لقضية الشعب الكردي، سوى ذوبان القضية في بوتقة الأخوة الإسلامية، وإرجاء الحل إلى مستقبل مجهول وفي المقابل هناك أصوات في الجانب الآخر، أي في الوسط العربي أو الإسلامي، تتهم الاتحاد بنزوعه نحو القومية، وتمييع شعاره الإسلامي لحساب الواقع الموجود في كردستان العراق، أي أن الاتحاد وقع في هذه المسألة بين المطرقة والسندان أما الحقيقة فهي لا هذا ولا ذاك فتلك الأحكام لا تعبر عن عمق أدبيات ومواقف الاتحاد الإسلامي حين تبحث بصورة علمية محايدة.

إن الاتحاد الإسلامي الكردستاني يرى في مبدأ الأخوة الإسلامية مبدأ عظيما، وأحد المقومات الرئيسية لمجتمع مسلم، وبين الشعوب الإسلامية، والقرآن الكريم كما هو معلوم أكد عليه، ولفت أنظار المؤمنين بقوة غلى أهميته في الحياة الإسلامية. والإسلام يفرض على المؤمنين التعامل فيما بينهم بروح الأخوة الدينية، وهذه الأخوة تلقي على كاهلهم واجبات وتعطيهم حقوقا في الوقت نفسه.

ونجد أحد الشعارات المركزية للاتحاد هو (الأخوة) ويطرحه لمجتمعه الكردستاني ، ولتنظيم العلاقة بين الشعوب الإسلامية، لتتضافر جهودها من أجل نهضة حضارية شاملة، والقضاء على أسباب التصدع والتشرذم والظلم فيها، وإعادتها إلى سابق مجدها بأسلوب عصري، وما تتطلبه المنافسة في ظل الحداثة السياسية والتكنولوجية، والمعايير التي تحكم العالم.

وخلافا للأقلام المناوئة للاتحاد من علمانيي الكرد، فإن الاتحاد يستخدم المبدأ نفسه، أي الأخوة الإسلامية لمحاكمة وانتقاد كل فكرة أو أسلوب أو طريقة، وكذا كل الأوساط والسلطات التي كانت لعشرات السنين تناصب الشعب الكردي العداء، متجاهلة دلالات هذه الأخوة، بل هي مناقضة لها بكل المقاييس.

ويرى الاتحاد أن لفرنسا وبريطانيا بصفتهما قوة استعمار سابقة دورا كبيرا في تقسيم كردستان وشعبه وحرمانه من كيانه المستقل، وترك هذا الجرح لكي ينزف من جسم الأمة لعشرات السنين، وزرع بذور التفرقة والعداوة بين شعوب المنطقة. وكان ثمرة هذه التركة الاستعمارية بالإضافة إلى العقلية المتعصبة لحكام المنطقة، استمرار القضية الكردية إلى الآن بلا حل، وإراقة دماء غزيرة وتفجر مشاكل لا تحصى مما لا يرضى به الإسلام ومبدأه السامي (الأخوة الإسلامية).

كما أن الاتحاد يرى أن تقسيم كردستان من قبل الاستعمار الغربي بهذا الشكل المعقد، وتقسيمه على كيانات مصطنعة بعد الحرب العالمية الأولى، ودعم القوى الاستعمارية لهذه الكيانات طوال عشرات من السنين وإنكارها لحق الشعب الكردي في ممارسة حقه في الوجود والتعبير عن هويته القومية كان هو الهدف الأساسي من تلك السياسة.

الأخوة بين الشعوب المسلمة في منطقة الشرق الأوسط، لا تأخذ معناها إلا بإيجاد حل للقضية الكردية، وإنهاء المظالم التاريخية التي مورست بحقه في ظل الأنظمة القمعية في هذه الدول، لأنه لا معنى لمبدأ الأخوة كقيمة عليا للإسلام في ظل هضم حقوق شعب مسلم وإنكار الحقوق المشروعة له، ولا معنى للأخوة في ظل التمييز القومي، وهيمنة قومية على أخرى ووجود التفاضل وعدم وجود المساواة بين الشعوب والأفراد والمواطنين وغياب العدالة في تنظيم العلاقات.

كما أن عدم الاهتمام بالشأن التاريخي للشعب الكردستاني وعدم استعداد الطرف المقابل لإيجاد حل سلمي لإنهاء معاناته، يناقض مبدأ الأخوة الإسلامية والقيم السماوية السمحاء. لذلك يعتقد الاتحاد الإسلامي الكردستاني بأن إيجاد حل واقعي وعادل للقضية الكردية وهي قضية عادلة في جوهرها ضرورة ملحة ومن واجبات الجميع.

خاتمة

في ضوء ما تقدم يجمل الاتحاد الإسلامي رؤيته في النقاط التالية :

  1. إن حل القضية الكردية حلا سلميا عادلا هو من واجبات كل إسلامي ، وكل محب للحرية والعدالة في المنطقة والعالم . خاصة الذين يسعون بجد وإخلاص وتفان من أجل السلم والاستقرار في المنطقة ، ويؤمنون بالعلاقة الأخوية الصادقة بين شعوبها .
  2. لا يسمح بحرمان شعب من الشعوب ، ومنها الشعب الكردي ، من حقه في تقرير مصيره بحجة الحدود المصطنعة أو السياسية الحالية ؛ لأن معظم هذه الحدود رسمتها أياد أجنبية ولم تراع فيها الحقائق الموجودة على الأرض . وباستطاعة إرادة الشعوب المسلمة إعادة تنظيم هذه الحدود ، بما ينسجم مع حقوق الجميع ، وإرساء دعائم علاقات قوية في ما بينها .
  3. إن حل القضية الكردية يخدم الأخوة بين شعوب المنطقة ، ويسهل القضاء على جزء من التركة الاستعمارية التي أدت إليه ، ويؤسس لحياة سياسية جديدة في هذه الدول ، على أساس من الديمقراطية وكرامة الإنسان والهوية الإسلامية لتلك الشعوب .
  4. إن الاتحاد الإسلامي ، وفي الوقت الذي يقر بأن الشعب الكردي جزء من الأمة الإسلامية ،فإنه يؤمن أيضا بأن للشعب الكردي الحقوق نفسها التي للشعوب الإسلامية الأخرى . طبقا لمبدأ مساواة الشعوب ومساواة المؤمنين أمام القانون والتصور الإسلامي

القومية والقضية الكردية من منظور الاتحاد الإسلامي الكردستاني

وأخيرا ، يجب أن لا يكون لشعب حقوق أكثر بالمقارنة بالشعوب الأخرى ، لأن الإسلام ينظر إلى المسلمين نظرة متساوية ، وكل أشكال التمييز القومي الحديث غريبة عن روح الإسلام ، وناجمة عن الوجه السلبي للحداثة الغريبة وإيديولوجياتها ومبادئها ومنها القومية .

واقع الصحوة الإسلامية : الجماعة الإسلامية الكردستانية نموذجا

زانا سعيد روستاي

أصبح الحديث عن الصحوة الإسلامية شائعا ، وكثرت الكتب والبحوث التي تتناول تلك الصحوة من زوايا متعددة ، وكانت معظم الدراسات عامة وشاملة ، وتخصص البعض في الحديث عن الصحوة الإسلامية في مصر ، والبعض عنها في الجزائر ودول أخرى ، إلا أن الأضواء لم تسلط على الحركة الكردية ، وتحديدا في كردستان العراق . لهذا كان من الضروري تعريف المسلمين بما هي عليه الحال في كردستان ، والمرحلة التي تمر بها الصحوة الإسلامية في هذه البقعة الجغرافية .

لا يخفى على كل ذي بصيرة ، أن المسلمين بعد أن فقدوا آخر مظهر من مظاهر الحكم الإسلامي ، والمتمثل في الدولة العثمانية ، بما فيها من مثالب ونواقص ، انطلقت هنا وهناك في ارض الإسلام وبين المسلمين دعوات ودعاة و فردي وجماعات ، يدعون الإسلام إلى الحياة السياسية ، والتحرك والعمل على تحكيم الدين ، وكانت الاستجابة واسعة بين النخبة من المسلمين ، وهذا ما تم الاصطلاح عليه ب (الصحوة الإسلامية) ، التي انطلقت إلى ميدان السياسة والحكم .

تمخضت هذه الصحوة ـ في بعض الدول ـ عن جماعات وأحزاب إسلامية ، بعضها سياسية ، وأخرى جهادية ، كلها تدعو إلى تحكيم الشريعة ، وتأسيس الدولة الإسلامية ، وإن اختلفت في الوسائل والأساليب التي تتبناها لتحقيق ذلك الهدف ، ولم تكن كردستان العراق بمنأى عن التأثر الكرد ، عن طريق الالتقاء بشخصيات إسلامية ، ووصول كتب ومقالات ، تتحدث عن ضرورة العمل على إعادة الإسلام إلى الحياة السياسية والتشريعية في المجتمع .

الإسلام في كردستان العراق

الكرد من الشعوب القديمة التي عاشت في الشرق الأوسط ، ويتوزعون الآن بين إيران ، والعراق و وتركيا ، وسوريا ، وروسيا ، وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى أن عددهم يتجاوز الأربعين مليون نسمة ،ويعيش معظمهم الآن في كردستان الشمالية (تركيا) ، ويتكلمون اللغة الكردية .

كان الكرد موزعين بين مناطق نفوذ الإمبراطورية البيزنطية والسا الساسانية ، وأصبحت كردستان مرات عديدة ميدانا للاقتتال بين الإمبراطوريتان ، حيث كانتا تستخدمان الكرد في جيوشهما ، ويحاربان بهم أعداءهما . وكان معظم الكرد على الديانة الزرادشتية ، واعتناق الكرد للزرادشتية ، التي هي ـ على الأغلب ـ ديانة سماوية ، ساعد على سرعة دخولهم في الإسلام .

فعندما بزغت شمس الإسلام ؛ كان أول اتصال للكرد بهذا الدين ، عن طريق (جابان الكردي) ، الذي أسلم في المدينة ، وروى الحديث عن الرسول و ومنها ما رواه عنه ابنه ميمون ، أنه قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، غير مرة ، حتى بلغت عشرا ، يقول : " أيما رجل تزوج امرأة ، وهو ينوي ألا يعطيها صداقها : لقي الله عز وجل زانيا " . كذا روى عن أبيه .

وبعد أن عاد جابان إلى أهله ؛ بدأ بنشر رسالة الإسلام بشكل سري بين بني جلدته ، وبعد أن وصلت جيوش المسلمين إلى العراق ، بعد هزيمة الجيش الساساني في القادسية ، كان ذلك بعد أن تلقوا مساعدة مؤثرة ، من كتيبة كردية خاصة من جيش كسرى ، والذين كانوا مسلمين سرا ، وممن استجابوا لدعوة (جابان) ، وكان عددهم خمسة آلاف مقاتل .

نظر الكرد إلى جيوش المسلمين كفاتحين ومحررين ، كما يقول الأستاذ مسعود محمد ، المؤرخ الكردي المشهور : " فرح الكرد بمقدم الجيش الإسلامي ؛ كي ينقذهم من الفرس والروم " ، وهذا يظهر جليا في عدم مقاومتهم لجيوش المسلمين ، وعدم وقوع مصادمات غلا نادرا ، على الرغم من أن بعض كتاب العلمانيين والسياسيين ، يدعون أن معارك ضخمة ودموية وقعت بين الكرد والجيش الإسلامي ، من دون أن يذكروا أي دليل ولا موقعة معينة .

وهكذا ، دخل الكرد إلى الإسلام بشكل عام ، واحتضنوا رسالته ، وحملوا لواءه ؛ فكان منهم قادة عظام ، وأعلام أجلاء ، وشعراء ، وأدباء كثيرون . كما أن تاريخ شعب كردستان ، إذا أخرج منه الإسلام ، لا يبقى منه شيء يذكر ؛ لأن الشعب الكردي ، تبني الإسلام دينا ومنهجا الحياة .

وكان العصر الذهبي للكرد ، هو الأيام التي عاشوها في ظل الإسلام ، حيث وصلوا إلى مراكز القيادة في الجيوش والإدارة ، وتصدروا مجالس العلم ، وكانت لهم ولايات وإمارات وحكومات ، وأحيانا دول خاصة بهم في مناطقهم التاريخية ، وأحيانا خارجها ؛ فقد تأسست أول حكومة كردية ، على يد محمد الروادي ، عرفت بالدولة الروادية ، وتوالى إثر ذلك تأسيس الإمارات ؛

وفي القرن الرابع الهجري و كانت هناك الإمارة الحسنوية (350 ـ 406 ه / 961 ـ 1015 م) ، والإمارة المروانية (373 ـ 478 ه / 983 ـ 1085 م) ، والإمارة العنازية (381 ـ 511 ه / 991 ـ 1117 م) ، كما سجل التاريخ أن أول من استخدم كلمة كردستان ، هم السلاجقة المسلمون في عهد السلطان سنجر ، الذي سمى أحد الأقاليم التي يحكمها بكردستان .

الكرد في ظل العلمانية

منذ أن جاء العلمانيون إلى الحكم في تركيا الحديثة في عام 1924 ، التي يعيش في إطارها بموجب اتفاقية سايكس / بيكو 1916 حوالي نصف الشعب الكردي ، منذ ذلك الحين والكرد محرومون من أبسط حقوقهم ، ومنها : التحدث بلغتهم ، والتسمي باسم القومية الكردية ، والدراسة ، والحقوق الثقافية ، والسياسة ، ونالهم ما نالهم تحت وطأة سياسة التتريك ، التي مارسها الطورانيون ، وأبسط مثال على ذلك المقارنة بين معاهدتي سيفر ولوزان ، ففي معاهدة سيفر سنة 1920

حيث كانت الدولة العثمانية تعيش أيام ةنتها الأخيرة ، وردت البنود (62 ـ 63 ـ 64) ، لمصلحة الكرد ، وأقرت حقوقهم المشروعة ، ومنها : حق الاستقلال ، وتقرير المصير ، ولكن بعد أن أحكم الكماليون قبضتهم على السلطة ؛ قاموا بإلغاء هذه المعاهدة ، وحلت محلها معاهدة لوزان سنة 1923 ؛ حيث تنكروا كليا لما ورد في معاهدة سيفر من حقوق قومية للكرد ، فكانت هذه أولى ثمرات العلمانية بالنسبة للكرد .

أما في العراق ، فالعلمانية متمثلة في حزب البعث ، لم تكن أقل شراسة من الكرد ؛ وكل ما يتذكره الكرد من الحكم البعثي في العراق هو عدم الاعتراف بالحقوق القومية والترحيل ، حيث هدم قرى ، ورحل سكان أكثر من 4500 قرية كردية سنة 1977 ، ومنها قريتا : روست الواقعة في أحضان سلسلة جبال حصاروست ، أعلى سلسلة جبلية في العراق ؛

وقد شاهدت بأم عيني ، وأنا حينها ابن تسع سنوات ، كيف فجر الجنود منزلنا بالديناميت ، وأحرقوا البساتين ، وأشجار الجوز ، وغمروا منابع المياه ، والتعريب و حيث جاءوا بعشائر عربية من الجنوب ، وأسكنوهم في قرى الكور ، بعد أن طردوا منها سكانها الأصليين .

والأنفال ، حيث راح ضحيتها أكثر من مائة وعشرين ألف إنسان كردي ، بين طفل ، وامرأة ، وشاب من المدنيين ، تم دفنهم أحياء تحت الأرض ، والإبادة الجماعية ، والضرب بالأسلحة الكيماوية ، حيث ضربت حلبجة سنة 1988 بالقنابل الكيماوية ، وقتل خلال دقائق من المدنيين أكثر من خمسة آلاف إنسان كردي ، والمقابر الجماعية .

وكذلك الحال في سوريا البعث ؛ حيث لا يزال الكرد مواطنين من الدرجة الثانية ، ولا يتمتعون بحق التجنس ، وفي إيران ، كونهم كردا ومن أهل السنة ، فهم مظلومون من الجهتين : القومية والمذهبية ، حيث إن المدن والقرى التي يسكنها الكرد ، تفتقر إلى أبسط الخدمات ، مقارنة بالمدن والقرى الأخرى ، التي تسكنها القوميات الأخرى . أما الدراسة باللغة الكردية فممنوعة ، وليست هناك أي خصوصية ، أو أي شكل من أشكال اللامركزية الإدارية ، وليس للكرد وزراء في الحكومات المتعاقبة في الجمهورية الإسلامية .

إن من يريد معرفة حقيقة الهوية التي يحملها شعب كردستان ، عليه دراسة تاريخه ، وتفحص حاضره و وبجهد قليل ؛ يتبين أن هوية شعب كردستان هي الإسلام ، ولا يقبلون بها بديلا ، وإذا كان هناك ـ من الكتاب ـ من يزعم أن الكرد دخلوا الإسلام كرها ، وبقوة السلاح ، فإن التاريخ والواقع يقولان لهم : كلا ! لو كان ما تزعمون صحيحا ؛ فلماذا ظل هذا الشعب متمسكا بدينه إلى يومنا هذا ، بحيث اختلط الإسلام بتاريخ الكرد ، وأصبح جزءا لا يتجزأ من كيانه ؟ فالأسماء التي يحملها الكرد أسماء إسلامية و ومدنهم من أكثر المدن التي تضم مساجد في العالم .

ومن الضروري ـ هنا ـ الإشارة إلى الثورات الكردية في عهد العلمانية التي جاء بها الكماليون الأتراك والاستعمار الغربي . فالعلماء والشيوخ الكرد هم أول من قاموا بالثورة ضد التيار العلماني ، وكان الشيخ سعيد بيران يقود ثورته في تركيا ، ومن مطالبه : إعادة الخلافة الإسلامية ، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الكردي ، وكذلك ثورة الشيخ عبد السلام بارزاني سنة 1911 ، ضد سلطة وسياسة الاتحاد والترقي و ومطالبه الشهيرة ، وهي :

  1. أن تكون اللغة الكردية لغة رسمية في مناطق الكرد .
  2. أن يكون المسئولون الإداريون المحليون من الكرد .
  3. أن يكون الحكم بالشريعة الإسلامية .
  4. أن يكون القضاء حسب المذهب الشافعي .

كذلك الحال بالنسبة لثورة الشيخ محمود الحفيد ضد الإنجليز ، وما تلاها من الثورات التي قادها علماء وشيوخ ، وكانت أهدافهم شرعية وإسلامية . وفي السنوات الأخيرة ، وعندما قام رسام كاريكاتير دانماركي بإهانة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قامت في عاصمة كردستان العراق مظاهرة حاشدة ، قدرت بعشرات الآلاف أمام برلمان الإقليم ورفعوا مذكرة باسم شعب كردستان ؛ ومطالبة الإسلاميين بأن تكون الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع ، وأن يكون الإسلام هو الدين الرسمي للإقليم ، وألا تسن ـ في الإقليم ـ قوانين تخالف ثوابت الإسلام المجمع عليها ، حيث يحاول العلمانيون إبعاد الإسلام عن حياة الكرد ، ولا يرضون بالشريعة كمصدر أساسي للتشريع .

لهذا نعتقد ان هناك نخبة قليلة من الساسة والمثقفين فقط ، من الذين انهاروا أمام الحضارة الغربية ، وهم يتنكرون لتاريخهم وأصالتهم ، ويدعون إلى العلمانية ، وقد حقت على هؤلاء قاعدة ابن خلدون : " إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب " ، حيث غلبت العلمانية الغربية على العالم الإسلامي عسكريا وسياسيا وثقافيا وعلميا ، أما معظم الشعب الكردي ، فهو شعب مسلم ، لا يرضى بغير الإسلام عنوانا وهوية له .

خارطة الحركات الإسلامية

ظهرت في كردستان العراق جماعات وأحزاب إسلامية عديدة، منذ الثمانينات من القرن الماضي، اختفى بعضها وبقي منها عدة أحزاب، سنقوم بذكرها حسب تواريخ ظهورها، والإعلان عنها وما آلت إليه الآن :

(1) الجيش الإسلامي:

ظهرت هذه المجموعة كقوة عسكرية سنة 1981 وأعلن عنها في إيران، وكنت بقيادة (عباس شبك)، وبدعم من ليبيا، استطاعت هذه المجموعة بما توفر لديها من الدعم المادي والعسكري، أن تجمع حولها أعدادا كبيرة من البيشمركة، وكانت لها مقار كثيرة في المناطق الحدودية بين العراق وإيران، إلا أنها كانت مخترقة من قبل أجهزة المخابرات العلمانية

وبخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي قضى على هذه المجموعة بعملية سريعة سنة 1982، واستولى على ممتلكاتها ومقارها، وهرب رئيس الجيش الإسلامي عباس شبك إلى إيران، واختفى عن الساحة السياسية نهائيا، هذه المجموعة لا تحتسب على الإسلاميين إلا من اسمها، حيث وصفها المسلمون الملتزمون بأنها ليست الجيش الإسلامي، ولكنها (الجيش الاستسلامي).

(2) حركة الرابطة الإسلامية:

تعود جذورها إلى سنة 1978 كأول خلية تنظيمية وأعلن عنها رسميا سنة 1984 وكان يقودها الشيخ محمد البرزنجي، وتكونت من مجموعة علماء وطنيين، حيث أعلنوا الثورة ضد النظام البعثي، وفتحوا مكاتب ومقار في المناطق الحدودية، قرب السليمانية، انضم إليهم العلماء والمثقفون والشباب، وشاركوا في عمليات جهادية ضد النظام البعثي

وكان لهم شهداء أولهم الشيخ عمر بياريي وهو عالم إسلامي مجاهد وبعد التطورات التي حصلت سنة 1987 وهجرة آلاف الكرد من مناطق حلبجة وشهرزورد إلى إيران، والتحاقهم بالرابطة هاجر شيوخ حلبجة المشهورون، خاصة الشيخ عثمان بن عبد العزيز، رحمه الله وإخوانه وتم تغيير اسم الرابطة إلى (الحركة الإسلامية في كردستان العراق).

(3) الحركة الإسلامية:

ظهر هذا الاسم، بشكل رسمي سنة 1987، بعد أن توسعت حركة الرابطة الإسلامية في كردستان، وانظم إليها علماء مشاهير وأعداد غفيرة من الشباب، عقدة الرابطة مؤتمرا تم على أثره الإعلان عن الحركة الإسلامية في كردستان العراق، وتم اختيار الشيخ عثمان مرشدا عاما للحركة، وكان من قياداتها: الشيخ على عبد العزيز، والشيخ عبد اللطيف برزنجي، حماهما الله، والشيخ محمد البرزنجي، والشيخ صديق السركتي، وانضم إليهم فيما بعد الشيخ على بابير، والشيخ الشهيد ملا مغديد وآخرون.

تطور أمر الحركة الإسلامية بسرعة، ودخلت في عمليات جهادية واسعة، ضد البعثيين ، وقوين تنظيماتها في مدن العراق وكردستان، ونسقت جهودها مع الأحزاب الكردستانية والعراقية، من دون أن تدخل معهم في جبهة سياسية، حيث تأسست الجبهة الكردستانية، وانضم إليها معظم الأحزاب الكردستانية، إلا أن الحركة الإسلامية آثرت عدم الدخول بسبب المآخذ التي كانت للحركة الإسلامية على الجبهة الكردستانية ومنها: مسألة فرض الجمارك، والتفاوض مع البعثيين.

شاركت الحركة الإسلامية في انتفاضة مارس (آذار) 1991، ودخلت قواتها العسكرية المدن، وسقط منها عشرات الشهداء ، وقاومت القوات الصدامية عندما عاودت الهجوم على المناطق الكردية، وكانت لها مآثر مشهودة في عدة جبهات، حيث استبسل مجاهدو الحركة وكان وجودهم في أية جبهة عسكرية يرفع معنويات بقية الفصائل من البيشمركة بما عرف عن أفراد الحركة من الإخلاص والشجاعة وحب الشهادة.

كما شاركت الحركة الإسلامية في العملية السياسية، التي جرت سنة 1992 ودخلت بقائمة مشتركة مع الإسلاميين المستقلين من الإخوان المسلمين إلا أنها لم تحصل على نسبة 7% التي وضعت في قانون الانتخابات، لهذا حرمت من مقاعد المجلس الوطني، حيث حصلت القائمة الإسلامية على (49108) صوتا، وهي تعادل 5،077% من أصل (967229) صوتا، وكذلك رشحت الشيخ عثمان عبد العزيز لمنصب قائد الحركة التحررية الكردستانية، وخاض المنافسة مع جلال الطالباني، ومسعود البرزاني، ومحمود عثمان، على الرغم من عدم حصوله على الأصوات المطلوبة، حيث صوت لمصلحته (38865) ناخبا من أصل (970050) صوتا صحيحا.

وبعد هذه الانتخابات ازدادت جماهيرية الحركة الإسلامية في كردستان، وزادت مكاتبها وأصبح يحسب لها حساب لهذا قام خصوم الحركة بالمؤامرة عليها، عبر مضايقات أمنية وسياسية سرعان ما تطورت إلى حرب أهلية مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، ولم تكن الحركة الإسلامية الحركة الإسلامية مستعدة لمثل هذه المواجهة، وكانت أول شرارة لهذه الحرب الأهلية، عندما نصبت قوات تابعة للاتحاد الوطني كمينا عسكريا لمجموعة من مجاهدي الحركة الإسلامية في مدينة (كفرى) القريبة من كركوك

وقتلوا أفرادا منهم، وكان للحركة ردة فعل مماثلة في مدينة (رانية)، التابعة لمحافظة السليمانية، وهكذا توسعت الدائرة إلى أن أصبحت عامة وشاملة في كل المدن والأماكن التي يتواجد فيها الطرفان، وبلغت المعارك ذروتها عندما هاجمت قوات الاتحاد الوطني مقر القيادة في بلدة (بيتواتة)، القريبة من (رانية)، وأسرت ا لشيخ عثمان عبد العزيز مرشد عام الحركة.

وسقطت المقار العسكرية الأخرى في الفترة ما بين 23/12/1993، وبعد ذلك بشهور عادت الحركة الإسلامية إلى الساحة، ونظمت صفوفها وخاضت معارك شديدة، لاستعادة حقوقها، ومقارها المغتصبة، وبعد جولة دامية اضطر الاتحاد الوطني الكردستاني إلى قبول المصالحة، وعادت الحركة إلى العمل الدعوي والسياسي بقوة، وشاركت في الحكومة المحلية بحقائب وزارية مختلفة منها حقيبة وزارة الزراعة سنة 1995، وحقيبة وزارة العدل في إدارة السليمانية سنة 1997.

أثرت هذه الحادثة في وحدة الصف الداخلي للحركة، وظهرت تيارات فكرية وسياسية متناحرة داخلها ما أثر في نشاطها الخارجي، وتوفي الشيخ عثمان عبد العزيز المرشد العم للحركة، بعد أن تم عزله عن منصبه بعدة وتولى أخوه الشيخ على عبد العزيز منصب المرشد العام بعده وفي سنة 1999 توحدت الحركة الإسلامية الكردستانية مع حركة النهضة الإسلامية، بقيادة الشيخ صديق عبد العزيز شقيق الشيخ على عبد العزيز وتم تأسيس حركة جديدة، تحت اسم (حركة الوحدة الإسلامية في كردستان العراق)، بقيادة الشيخ على عبد العزيز على أن يكون نائبه شقيقه صديق عبد العزيز.

(4) الاتحاد الإسلامي الكردستاني:

أعلن عن هذا الحزب يوم 6/ 41994 وأعضاؤه من الإخوان المسلمين حيث تعود جذورهم إلى الخمسينات، عندما وصلت فكرة الإخوان عن طريق الشيخ محمود الصواف، وتكونت خلايا تنظيمية، تابعة للإخوان في مدن السليمانية وحلبجة وأربيل، وكان عملهم سريا، وعلى شكل حلقات تربوية وقد أسسوا بعد فى منظمات خيرية، مثل: (الرابطة الإسلامية الكردية)، التي أسسها ورها إلى الآن الدكتور محمد القرداغي، وفتحوا فرعا لمنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية) وبدأوا ببناء المساجد وكفالة الأيتام والأعمال الخيرية الأخرى.

انقسم الإخوان في كردستان في ما بينهم سنة 1979 إلى خطين تنظيميين خط الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين، وهو الآن الأمين العام للاتحاد الإسلامي الكردستاني، والذي اعترف به مكتب الإرشاد العام كخط إخواني رسمي، وخط الشيخ صديق عبد العزيز، والذي لم يفز بثقة مكتب الإرشاد، فابتعد عنهم س تنظيما آخر تحول فيما بعد إلى (حركة النهضة الإسلامية)، وفي سن 992 شارك الإخوان المسلمون مع الحركة الإسلامية الكردستانية، في قائمة انتخابية موحدة في الانتخابات ، إلا أنهم لم يصوتوا لمصلحة الشيخ عبد العزيز، كمرشد الحركة للفوز بمنصب قائد الحركة الكردستانية، لأن ترشيحه لم يتم بالاستشارة معهم.

وبعد خلو الساحة من الحركة الإسلامية إثر معارك ديسمبر (كانون الأول) 13، رأى الإخوان أن الفرصة مواتية للإعلان عن حزبهم، فأعلنوا (الاتحاد الإسلامي الكردستاني) وفتحوا فروعهم ومكاتبهم، وتبنوا المنهج الإخواني المعروف، وركزوا على الدعوة والتربية، ودخلوا في الحكومة المحلية في إقليم كردستان بحقيبة وزير العدل لأول مرة سنة 2002،وبعد سقوط نظام صدام، واحتلال العراق سنة 2003 أصبح لهم دور على الصعيد العراقي أيضا

فشاركوا في مجلس لم وتولى الأمين العام للاتحاد منصب حاكم العراق بدوره لمدة شهر، وشاركوا في الجمعية الوطنية التي خلفت مجلس الحكم، ودخلوا الانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) 2005 ضمن قائمة التحالف الكردستاني، وكان لهم نواب في مجلس النواب العراقي، وتسعة نواب في برلمان كردستان

كذلك شاركوا في منصب وزير البيئة العراقي في الحكومة، ومناصب إدارية أخرى. وفي انتخابات المجالس البلدية، فازوا بعدة مقاعد وفي انتخابات مجلس النواب التي أجريت سنة 2006، شاركوا بقائمة مستقلة وفازوا بخمسة مقاعد، وتعرضوا على إثرها إلي مضايقات أمنية وإعلامية في كردستان راح ضحيتها أعضاء بارزون وخسائر مادية كبيرة، وخاصة في محافظة دهوك.

وبعد تشكيل الوزارة الخامسة لإقليم كردستان، شاركوا بمقعدين وزاريين للتجارة والإقليم. ويمتلك الاتحاد الإسلامي عدة قنوات تلفزيونية وإذاعية محلية، مع جريدة أسبوعية ومنظمات جماهيرية أخرى.

(5) جماعة الجهاد:

جماعة جهادية سياسية، أعلن عنها سنة 1992 بقيادة ملا أمين تعود جذورها إلى سنة 1985، على شكل تنظيم سري في محافظة أربيل، دخلت ضمن الحركة الإسلامية في كردستان بعد الانتفاضة، إلا أنها سرعان ما خرجت منها بعد خلافات مع قيادة الحركة الإسلامية وأعلنوا عن تأسيس هذه الجماعة وكانت مكاتبها معدودة، وبقي معظم أعضائها السابقين ضمن الحركة الإسلامية، وكانت علاقاتها مع الجماعات الإسلامية الأخرى متوترة، وحصلت بينها مواجهات قتل فيها عدة أفراد.

لقد خدمت هذه الم العمل الإسلامي في طورها التنظيمي، قبل انتفاضة تربت فيها كوادر قيادية، وتأهلت لشغل مواقع قيادية داخل الحركة الإسلامية فيما بعد. وفي سنة 1997 قتل ملا أمين وعدة أشخاص معه، في حادث غامض داخل أحد مقراته قرب أربيل أثناء الصلاة وضعفت الجماعة في ما بعد، إلى أن قررت حل نفسها والانضمام إلى الجماعة الإسلامية الكردستانية سنة 2002.

(6) حركة النهضة الإسلامية:

بعد انقسام الإخوان المسلمين في كردستان إلى خطين تنظيميين ، واعتراف مكتب الإرشاد العام للإخوان بخط الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين، اضطر الخط الثاني بقيادة الشيخ صديق عبد العزيز إلى انتهاج طريق آخر سنة 1979، فاستمروا في عملهم التنظيمي حتى سنة 1995، حيث أعلنوا عن تأسيس ح علني باسم "حركة النهضة الإسلامية" وبدأت نشاطاتها الدعوية والإعلامية، وفتحت مكاتبها في المحافظات الكردستانية، وتوحدت سنة 1999، مع الحركة الإسلامية في كردستان العراق، وأعلنوا معا عن (حركة الوحدة الإسلامية).

(7) حركة الوحدة الإسلامية:

نشأت هذه الحركة من خلال اتفاق سياسي وعلى إثر اتحاد بين الحركة الإسلامية في كردستان العراق بقيادة الشيخ على عبد العزيز وحركة النهضة الإسلامية بقيادة شقيقه الشيخ صديق عبد العزيز، وذلك سنة 1999، وكان الاتفاق يقضي بعقد مؤتمر بعد مرور سنة على الاتفاق، وبأن يكون الشيخ على عبد العزيز مرشدا عاما للحركة، والشيخ صديق عبد العزيز نائبا له

وتوحدت القيادتان بحيث أصبح كافة أعضاء قيادتي الحركتين أعضاء قياديين في الحركة الجديدة، وتجاوز بذلك عددهم الثلاثين ، وتم دمج مكاتب وفروع الحزبين، حسب قاعدة (5- 3) أي خمسة الحركة الإسلامية، وثلاثة من النهضة، وخلال هذه السنة تجاذبت حركة الوحدة الإسلامية توجهات فكرية متباينة وصراعات وتكتلات عدة، ما كان له أثر في نتائج المؤتمر الذي عقد في 31/ 8/ 2000 في بلدة طويلة الحدودية قرب حلبجة.

(8) الجماعة الإسلامية الكردستانية:

تعتبر الجماعة الإسلامية الكردستانية ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية في كردستان العراق يقودها الشيخ على بابرميرا، والشيخ محمد البرزنجي مرشدا. وعندما عقد المؤتمر الأول لحركة الوحدة الإسلامية في 30/ 8/ 2000 كانت التيارات الفكرية المتباينة داخل حركة الوحدة تخطط كل منها لما بعد المؤتمر، وطرحت كل منها رؤيتها ومشروعها للعمل الإسلامي، وكان أكبر هذه التيارات اهو التيار الذي أصبح يعرف فيما بعد باسم (الجماعة الإسلامية)، وتم عقد المؤتمر في جو عادي، وتحت إدارة لجنة تحضيرية متفق عليها، ولكن كل المؤشرات كانت تدل على أن هناك تغيرات جذرية، ستحصل في قيادات وهيكل الحزب وحضر 800 عضو يمثلون كل الفروع ومؤسسات الحزب.

استمر المؤتمر ثمانية أيام عصيبة، وجرت انتخابات القيادة في يومه الأخير، وبنزاهة تامة، وتحت سيطرة لجنة مشتركة وبعد فرز الأصوات أصبحت التوقعات حقيقية، ولم يفز معظم القادة التاريخيين بثقة أعضاء المؤتمر بل إن معظم الفائزين كانوا من التيار الذي يتزعم جناح الإصلاح في الحركة حيث فاز 26 عضوا من أصل 30 عضوا من هذا التيار

وأعلن مرشد الحركة الشيخ على عبد العزيز- الذي بقي في منصبه حسب تسوية خاصة ومشروطة درءا للفتنة والانشقاق- عن رفض نتائج الانتخابات بدعوى عدم نزاهتها، ووجود تكتلات وقوائم سرية وتحالفات مسبقة ولكن السبب الحقيقي كان عدم فوز أي من مؤيديه في القيادة بثقة المؤتمرين، ونشأت عن ذلك أزمة خطيرة، استمرت ثمانية أشهر، تخللتها مفاوضات ووساطات من الأحزاب الكردستانية وجمهورية إيران الإسلامية، وعلماء وشخصيات إسلامية.

أبدى الطرف الفائز في المؤتمر الاستعداد لإعادة عشرة أعضاء من أعوان الشيخ على عبد العزيز من الذين لم يفوزوا في الانتخابات إلى القيادة بالتعيين، إلا أن الطرف الآخر أصر على إلغاء نتائج المؤتمر وإعادة الحال إلى ما قبل المؤتمر، وبعد فشل كل الجهود اجتمعت القيادة الجديدة لحركة الوحدة الإسلامية وأعلنت صبيحة يوم 31/ 5/ 2001 بشكل رسمي عن نتائج الانتخابات وانتخبوا الشيخ على بابير ا لهم، وقرروا تغيير اسم حركة الوحدة الإسلامية إلى (الجماعة الإسلامية الكردستانية) وأعلن عن هذه الجماعة، حيث بدا وكأنه انقلاب أبيض، لنت معظم فرو كاتب الحزب عن تأييدها وولائها للجماعة الإسلامية، ورفعوا أعلامها على مكاتبهم

وعلى إثر ذلك أصبح الموقف في ذلك اليوم كالآتي:

  1. حاول الشيخ على عبد العزيز وأنصاره وبقوة السلاح إعادة سيطرتهم على بعض المكاتب والفروع والمواقع ووقعت مصادمات مسلحة قتل على إثرها شخص واحد هو سردار أحمد في ناحية خورمال، إلا أن الجماعة الإسلامية رفضت الرد عليهم بالسلاح وبقول في مقارهم في حالة الدفاع عن النفس.
  2. أعلنت بعض المقار العسكرية حيادها ولم تحدد موقفا واضحا وتمت تسميتهم فيما بعد (بالمحايدين).
  3. ثم تحول هؤلاء إلى قسمين هما: المتشددون والمتطرفون أعلن المتطرفون منهم عن تشكيل جماعة (جند الإسلام) بقيادة أبي عبد الله الشافعي، وكان لهؤلاء تكتل فكري وحركي خاص بهم داخل الحركة الإسلامية في كردستان، وكانوا السبب لمعظم مشاكل الحركة الإسلامية مع الأطراف السياسية.

أما القسم الآخر وهم المعتدلون بزعامة الشيخ محمد البرزنجي، فقد انضموا إلى الجماعة الإسلامية الكردستانية، بعد أن رأوا أن الجماعة أصبحت أمرا واقعا ، وأثبتت جدارتها وأصالتها وبعد أن التف حولها المخلصين.

هكذا ولدت الجماعة الإسلامية، واعتبرت نفسها الوريث الشرعي لحركة الوحدة الإسلامية، كونها فازت في مؤتمر شرعي، وتمثل الأغلبية أعلنت الجماعة برنامجها الإسلامي، وحددت برنامجها الإسلامي، وحددت أهدافها الإسلامية والوطنية، وأثارت الجماعة الإسلامية إعجاب السياسيين والوطنيين كونها تيارا إسلاميا معتدلا ذا توجهات كردستانية واستطاعت تجاوز مرحلة الخلاف مع الحركة الإسلامية بأقل الخسائر، مقارنة بأحداث مماثلة في الأحزاب الأخرى، والتي كانت الخسائر فيها بالمئات والآلاف.

وأمير الجماعة الإسلامية الكردستانية، الشيخ على بابير وتمان، من مواليد 1961، قضاء بشد من محافظة السليمانية أكمل دراسته في الثانوية الإسلامية، ودخل كلية الفقه في مدينة النجف وكن ملاحقة البعثيين له عام 1984 بسبب نشاطه الإسلامي، أرغمه على ترك الجامعة. عاش الشيخ على بابير متخفيا عن أنظار البعثيين في القرى التابعة لقضاء بشدر وخلال هذه الفترة درس على يد العلماء والمشايخ في كردستان إيران والعراق وبقي يمارس نشاطه الدعوي والإسلامي سرا، حيث كان مهددا من قبل البعثيين، ومن قبل الأحزاب الكردستانية المعارضة للنظام أيضا.

استطاع خلال فترة وجيزة حفظ القرآن الكريم وتعمق في دراسة العلوم الشرعية، وبحث في الأفكار والعقائد الأخرى، وخاصة الاشتراكية والماركسية وعقد مناظرات ومجالس للنقاش معهم. وألف في ذلك عدة كتب. كما ألف الشيخ بابير أول كتاب له وهو في سن الثانية والعشرين، وكان عن: (ئيسلام وريضكان)، وهو تفسير سورة الفاتحة باللغة الكردية وكان لمحاضراته ودروسه ومجالسه أكبر الأثر في منطقة رانية وبشدر

وتشكلت هناك نواة تنظيمية تؤمن بالإسلام كمنهج للحياة، وكان الشيخ في تواصل دائم مع بقية الرموز العلمية والحركية في مدن السليمانية، وحلبجة، وأربيل. التحق سنة 1987 بالحركة الإسلامية في كردستان العراق، وأصبح واحدا من مؤسسيها، وعضوا للمكتب السياسي فيها. وقاد قوة عسكرية مجاهدة في عدة عمليات جهادية، ضد النظام البعثي العلماني.

اعتقل الشيخ بابير من قبل القوات الأمريكية في 10/ 7/ 2003 وبقي في المعتقل (22) شهرا وخرج منه بعد مظاهرات مؤيدة له وتدخلات سياسية من قبل القيادات السياسية والشيوخ، وبعد أن ثبت بطلان ما نسب إليه من تهم.

مواقف بارزة للجماعة الإسلامية

(1) الصبر على الحصار الاقتصادي:

بعد الإعلان عن الجماعة الإسلامية مارست عدة جهات سياسيات عدائية، بغرض القضاء عليها فالجارة إيران اعتبرتها مجموعة من الوهابيين السلفيين، وعارضت قيامها، ولم تتعامل معها وكانت تضغط بوسائل عديدة من أجل العودة إلى أحضان الحركة الإسلامية، ولم تخف تأييدها لتلك الحركة في مواجهة الجماعة الإسلامية.

وبما أن منطقة نفوذ قيادة الجماعة الإسلامية قريبة من حدود إيران، وتعتمد اقتصاديا على ما يأتي عبر الحدود لهذا كان للموقف الإيراني تأثير كبير على الجماعة التي تمسكت بالرغم من ذلك بموقفها واستقلالها في قرارها السياسي، ولم تقبل من إيران فرض شروطها. ومن جهة أخرى انقطعت الميزانية المخصصة للأحزاب الإسلامية من إدارة السليمانية،وحرمت منها الجماعة في سنواتها الأولى.

والتي كانت لأمس الحاجة إليها ولكن كوادر الجماعة في سنواتها الأولى، والتي كانت بأمس الحاجة إليهم ، ولكن الكوادر الجماعة واجهوا تلك الظروف، وجاهدوا بأموالهم في سبيل الله. كذلك بعد اعتقال الشيخ على بابير، قطعت الميزانية مرة أخرى أو نزلت إلى حدها الأدنى، بحيث لا تلبي 10% من احتياجات الجماعة الإسلامية وكانت سنتا 2003- 2004 من أصعب ما مر بها، ولكن قيادة الجماعة مارست سياسة الترشيد الإداري، وألغت بعض هياكلها الإدارية، وسرحت المئات من كوادرها، وعالجت الموضوع بحكمة ودراية، وتجاوزت تلك العقبة بنجاح.

(2) عدم الانجرار إلى معارك جانبية:

مرت الجماعة الإسلامية بالظروف التي تلت تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) في أمريكا وما أعقبها من سياسات وتحركات لم تكن لمصلحة الإسلاميين، وخلال هذه الظروف برزت مواقف عديدة للجماعة نذكر منها تعاملها مع تحرشات الحركة الإسلامية في كردستان العراق، فبعد الإعلان عن الجماعة الإسلامية وانضمام معظم مكاتب وقيادات الحركة الإسلامية سابقا إليها لم تتحمل قيادة الحركة الإسلامية ذلك ، وخاصة مرشدها الراحل الشيخ على عبد العزيز الذي أوعز إلى مفارزه العسكرية بمقاتلة أعضاء الجماعة الإسلامية وطردهم، والاستيلاء على مقارهم في منطقة حلبجة/ خورمال.

وبالفعل هاجموا المقار، وحاولوا اغتيال بعض القيادات ووضعوا السم في طعام بعض المقار، وتسبب ذلك في مقتل سردار أحمد، وجرح عدد آخر من المجاهدين، لكن قيادة الجماعة الإسلامية ، لم تقابل النار بالنار وإنما بالانسحاب وصرف النظر والتهدئة وبعث الرسائل الأخوية، التي تحرم دم المسلمين.

(3) الموقف من القضية الكردية:

ترى الجماعة الإسلامية أن شعب كردستان له حق أصيل ومشروع كبقية شعوب العالم في أن يعيش حرا كريما مستقلا، له كيانه الخاص ، وأن كون دولته الخاصة ما دامت لكل شعب دولته بل إن بعض الشعوب لها أكثر من دولة. وكذلك تبنت الجماعة الإسلامية الفيدرالية كصيغة ملائمة لهذه المرحلة السياسية في تاريخ العراق كونه يتلاءم مع نظام الولايات الإسلامي، حيث كانت للكرد دائما ولاية أو أكثر، ضمن إطار الدولة الإسلامية، وشاركت الجماعة في صياغة الدستور العراقي، وشاركت بالتصويت لمصلحة الدستور بكامل ثقلها.

وفي ما يتعلق بكركوك والأماكن الأخرى المتنازع عليها والتي تم إدراج معالجتها في الدستور- تحت المادة 140- أيدت الجماعة الإسلامية تنفيذ هذه المادة في سقفها الزمني الوارد في الدستور، وعدم تأجيلها أو تعطيلها أو تعديلها. كما شاركت الجماعة الإسلامية في العملية السياسية، ودخلت الحكومة الإقليمية وتسلمت حقيبة وزارة البيئة ولها 6 أعضاء في المجلس الوطني الكردستاني (البرلمان)، وشارك الشيخ على بابير في المجلس الأعلى للأحزاب الإسلامية الكردستانية، وهو يمارس – في هذا المجلس- مهامه في صياغة السياسة الكردستانية.

أهداف ووسائل الجماعة الإسلامية

وردت أهداف ووسائل عمل الجماعة الإسلامية الكردستانية مفصلة في نظامها الداخلي، الذي تم إقراره في المؤتمر الأول للجماعة سنة 2005، على النحو التالي:

العقيدة والفكر:

نصت المادة السابعة في مجال الدعوة على تبليغ رسالة رب العالمين، وتربية الفرد والمجتمع على العقيدة الإسلامية في ضوء قوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" (البقرة: 143)، وفي مجال العمل السياسي نصت المادة العاشرة على العمل على جعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، وتطبيقها في كل نواحي الحياة، وضمان الحقوق المشروعة لشعب كردستان كافة

أسوة ببقية شعوب العالم، والقضاء على كل أشكال الظلم والعنصرية والاستبداد ومحو آثارها، والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية والقومية كافة، والدفاع عن الحريات السياسية والاجتماعية، الواردة في الدستور والعمل على تثبت وتحسين مبدأ الفصل بين السلطات وتنظيم قوات البيشمركة التابعة للأحزاب في إطار قوات بيشمركة كردستان والعمل على إعادة المناطق التي تعرضت إلى التعريب، وتثبيت حدود إقليم كردستان.

الرؤية الاجتماعية:

وفي المجال الاجتماعي نصت المادة الحادية عشرة على العمل من أجل حماية الأسرة، وتسهيل سبل بناء السرة أمام الشباب . وتنمية الأخلاق والآداب الإسلامية، والحد من كافة أنواع الجرائم والممارسات الشاذة والمنحرفة في المجتمع. وإصلاح ذات البين، وحل الخلاف بين العشائر والعائلات المتناحرة. تثبيت العدالة والقضاء على الظلم الطبقي والعنصري والقضاء على كافة أشكال الفساد. وضمان حقوق المرأة من قبل الدولة حسب المعايير الشرعية.

الرؤية الاقتصادية:

وفي المجال الاقتصادي نصت المادة الثانية عشرة على تنمية الأسس الاقتصادية السليمة، وتأسيس البنوك الإسلامية، والقضاء على الربا في النشاطات الاقتصادية، وإعمار وإصلاح البنية التحتية للاقتصاد العراقي عامة، والكردستاني خاصة مع تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستقلال الاقتصادي تشجيع الاستثمار ومراقبة النفقات. ورفع المستوى المعيشي للمواطن وتأمين فرص العمل للعاطلين، والضمان الاجتماعي للمرضى والعجزة والمعاقين والمنكوبين.

ونصت المادة الثالثة عشرة في مجال الإعمار والخدمات على إعادة إعمار القرى، والقصبات المدمرة في كردستان، وتقديم التسهيلات لعودة السكان إليها. وتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين، والخدمات المدنية كافة. ومنح القروض العقارية والزراعية، للعمال والفلاحين والموظفين والمواطنين من دون ربا.

الرؤية الثقافية والتعليمية:

وفي مجال التربية والعلوم والثقافة نصت المادة الرابعة عشرة على توعية كافة شرائح المجتمع، وتفهيمهم الإسلام بصورة صحيحة وسليمة وشمولية. وتصحيح النظام الدراسي، ومحو آثار التربية الخاطئة. ورفع اللثام عن التصورات الغربية، والضارة الدخيلة على المجتمع، والاهتمام بالعلوم المعاصرة وتطويرها، وكذلك مدارس العلوم الشرعية، والحفاظ على نتاج وتراث علماء الإسلام، وتأسيس وتطوير وسائل الإعلام: (المرئية والمسموعة والمقروءة) مع مراعاة المعايير الأصيلة والصحيحة.

وقد نصت المادة الخامسة عشرة على استخدام وسائل لتحقيق الأهداف السالفة الذكر وهي: الدعوة والإعلام والتربية والتأهيل والتنظيم، والعمل الجماهيري، وتقوية العلاقات، وتشجيع البر، والنهي عن المنكر، ودعم ومساندة المؤسسات الحكومية لخدمة المجتمع، والنضال السياسي، والمشاركة في الانتخابات.

المشاركة السياسية:

كانت المشاركة الأولى للجماعة الإسلامية، عندما كانت تحت اسم الحركة الإسلامية في كردستان حين خاضت انتخابات سنة 1992 لاختيار أعضاء المجلس الوطني الكردستاني، وكذلك اختيار قائد الحركة التحررية الكردستانية، وكانت هذه المشاركة فريدة من نوعها، وذلك لأنها الجماعة الإسلامية المسلحة (الجهادية) الوحيدة في العالم، التي جمعت بين الجهاد والمشاركة مع الأحزاب الأخرى في الانتخابات

ومن خلال الحركة الإسلامية الكردستانية أيضا، شاركت الجماعة الإسلامية الكردستانية في الحكومة المحلية، التي كانت تدير كردستان العراق، بعد انسحاب القوات العراقية التابعة للنظام السابق منها، بعد انتفاضة سنة 1991 فكانت المشاركة الأولى عام 1995 في ظل الإدارة الموحدة بين أربيل والسليمانية، وبحقيبتين وزاريتين ، هما: الزراعة، والإقليم (بما يقابل وزير الدولة)، والثانية: كانت في إدارة السليمانية سنة 1997 بحقيبة العدل.

كذلك شاركت الجماعة الإسلامية من خلال الحركة الإسلامية في كردستان في الانتخابات البلدية سنة 1997، وبعد الإعلان عن الجماعة الإسلامية الكردستانية سنة 2001 شاركت في الانتخابات التشريعية سنة 2004، لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية العراقية، حيث خاضتها بقائمة مستقلة، هي قائمة الجماعة الإسلامية الكردستانية حيث حصلت على مقعدين، وكانت الجماعة حينذاك تمر بأصعب أيامها، إذ أن أمير الجماعة الشيخ على بابير كان معتقلا لدى الأمريكان

وكانت الجماعة معرضة لاقتحام مكاتبها ومقارها مرارا من قبل قوات التحالف ، وكذلك كانت المضايقات السياسية على مستوى إقليم كردستان في اشد حالاتها، حيث الاعتقالات السياسية والاستيلاء على المقار في أربيل والسليمانية، واتهام الجماعة بدعم الإرهاب، وما إلى ذلك ولكنها مع ذلك حققت نتيجة فاجأت الجميع.

كما شاركت الجماعة الإسلامية الكردستانية، في انتخاب أعضاء مجلس النواب العراقي، ضمن قائمة التحالف الكردستاني المرقمة (730) سنة 2005، وذلك بمقعد واحد حرصا منها على وحدة الصف الوطني، على الرغم من قدرتها على خوض هذه الانتخابات كسابقتها. وعلى صعيد إقليم كردستان شاركت الجماعة في انتخابات برلمان كردستان في نهاية 2004 وفي ظروف لا تحسد عليها، وبالرغم من كل التجاوزات التي رافقت تلك الانتخابات من التزييف والتزوير

إلا أنها استطاعت الحصول على ستة مقاعد برلمانية، ومن ثم شاركت الجماعة في اللجان البرلمانية، والنشاطات السياسية الأخرى، ومن أهمها المشاركة في صياغة مسودة الدستور العراقي، كما شاركت الجماعة الإسلامية الكردستانية في انتخابات مجالس المحافظات، والتي جرت نهاية 2004 حيث كان للجماعة قائمتها الخاصة، وفازت بثلاثة مقاعد في مجلس محافظة السليمانية، وبمقعد واحد ضمن مجلس محافظة أربيل.

وتمثلت المشاركة الأخيرة للجماعة الإسلامية بأمير الجماعة الشيخ على بابير في المجلس الأعلى للأحزاب الكردستانية، والتي يترأسها رئيس الإقليم مسعود البارزاني، وتتألف من ا لحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية الكردستانية، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي الكردستاني، وحزب كادحي كردستان.

ومن المنتظر أن يمثل الآشوريون الكلدان بممثل واحد. والتركمان بممثل واحد. وهذا المجلس استشاري تأسيس سنة 2007 بناء على مطالبة هذه الأحزاب بالمشاركة في القرار السياسي الكردستاني، وعدم احتكار القرار من قبل الحزبين الرئيسيين، وحقق هذا المجلس إنجازات كبيرة في فترة قياسية وخلق جوا من التفاهم والتنسيق بين الأحزاب الكردستانية .

الإسلاميون في الحكم

يتحدد مستقبل العمل الإسلامي في كردستان العراق ويتأثر بعدة عوامل خارجية وداخلية، ولا شك أن إقليم كردستان له خصوصيته، ويعيش ظروفا أفضل من بقية مناطق العراق حتى الآن، وذلك من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية، ولكن بما أن إقليم كردستان هو في النهاية جزء من دولة العراق فإن الآثار الإيجابية والسلبية تكون متبادلة.

فالكرد اليوم شركاء في العراق، والمناصب العليا في هذا البلد هي بيد الكرد ومنها: رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية وحقائب وزارية أخرى إضافة إلى رئاسة أركان الجيش العراقي، وأصبح اليوم للعراق دستور ينظم الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، وعلى كل الأطراف –ومنهم الكرد- الالتزام به

واختار شعب كردستان الفيدرالية لتنظيم نوع العلاقة مع الدولة العراقية، وقبل العراقيون ذلك على مضض ، فما زال (الشمال الحبيب) يلفظ بدلا من (إقليم كردستان) والسياسيون العراقيون يظهرون براعتهم في إيجاد تفاسير للنصوص الدستورية والقانونية، بحيث يقلل ذلك من شأن الفيدرالية، ويتملصون من مستحقاتها.

لقد كان المستفيد الأول في العراق بعد سقوط النظام، ودخول قوات الاحتلال هم الإسلاميون شيعة وسنة، وهذا كان بخلاف رغبة قوات الاحتلال حيث كانت لمعارضة الشيعية معظمها إسلامية، والجماهير الشيعية مطيعة للمرجعيات الدينية ، وهم كانوا الأغلبية في الحكومة والبرلمان، وكل المحافل السياسية الأخرى، أما من جانب العرب السنة فكان الحزب الإسلامي وجبهة التوافق يمثلان التيار الإسلامي بين العرب السنة

وأصبح لهم بتأثير وتمثيل كبير في المجالس الحكومية والنيابية، ومع إضافة ممثلي الحركات الإسلامية في كردستان، تظهر الخارطة السياسية واضحة، أن معظم المناصب السياسية والإدارية، هي بيد الإسلاميين. فنواب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ومعظم الوزراء ورئيس البرلمان، وأحد نوابه، ومعظم أعضاء البرلمان هم من الإسلاميين وهم بذلك يشكلون ما يقارب الـ 80% من حكام العراق.

وبهذا الثقل الكبير استطاع الإسلاميون تثبيت المادة الثانية في الدستور العراقي، والذي ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي، وهو المصدر الأساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يخالف ثوابت أحكام الإسلام، وكان هذا في حد ذاته انتصارا لأهل الإسلام في العراق، وكان انعكاس ذلك كبيرا على إقليم كردستان والحركات الإسلامية فيه، حيث أصبح للإسلاميين عمق عراقي وسند وطني، لهذا ازدهرت الحركات الإسلامية في كردستان العراق، واستطاعت الوصول إلى برلمان كردستان ومجالس المحافظات، بعد أن كانت حكرا على الحزبين الرئيسيين: الاتحاد الوطني، والحزب الديمقراطي الكردستاني.

وأصبح اللإسلاميين صوت مسموع في أروقة البرلمان ووسائل الإعلام، يتبنون قضايا وهموم الناس، ويدافعون عن مقدسات المسلمين، ويحاولون أسلمة التشريعات وكانت المطالبة بالحفاظ على مكانة الإسلام والشريعة كمصدر أساسي للتشريع أكبر دليل على ذلك حيث إن إقليم كردستان يحق له أن يكون له دستور خاص به، لا يخالف مواد وبنود الدستور العراقي، وبدأ العمل في لجنة صياغة الدستور في إقليم كردستان، وكان للإسلاميين عضوان في هذه اللجنة، هما: خليل إبراهيم من الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وقادر سعيد من الجماعة الكردستانية (كاتب هذا البحث).

ومنذ الجلسات الأولى للجنة: ظهر الخلاف جليا بين المطالبة بعلمانية الدستور الكردستاني، من قبل الأحزاب العلمانية ، ومطالبة الإسلاميين بتثبيت ما ورد في المادة الثانية من الدستور الاتحادي. في دستور الإقليم، وكان ا لدليل القانوني والمنطقي والواقعي في مصلحة الإسلاميين، وهدد الإسلاميون باللجوء إلى المحكمة الدستورية الاتحادية إذا لم يرد المبدأ المتفق عليه، في المادة الثانية من الدستور الاتحادي في مسودة الإقليم

وانتقل النقاش حول هذا الموضوع، من اللجنة إلى وسائل الإعلام وجلسات الأحزاب السياسية، وتقدم العلمانيون بحل وسط حيث أوردوا نصا في المادة السابعة من مسودة الدستور الكردستاني، ولكن الإسلاميين رفضوه لأنه لا يلبي الحد الأدنى من المطالبة بدستور لا يتعارض مع الإسلام، ويجعل للشريعة دورا رئيسيا، كمصدر للتشريع ولكن الأمر لم يحسم بعد.

خطوات على الطريق

بما أن الصحوة الإسلامية في كردستان مرت بتجارب عديدة منذ ثمانينات القرن الماضي، فقد أصبح لديها سجل حافل بالتجارب واستطاعت قيادة الصحوة الإسلامية الاستفادة من الدروس السابقة، وقامت بإصلاحات وتبنت مواقف جدية تعتبر خطوات على الطريق الصحيح نذكر منها:

  1. تبني القضايا الوطنية والشعبية، واعتبار ذلك من صلب الواجب الشرعي تجاه المواطنين.
  2. التركيز على كردستانية المواقف والآراء، والتخلص من التأثير الإقليمي والدولي، بحيث تكون الجماعات الإسلامية في كردستان بعيدة عن الأفكار المستوردة من تجارب شعوب إسلامية أخرى، اعتمادا على قاعدة أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وأن كل بقعة من العالم الإسلامي لها خصوصياتها وما يصلح هناك قد يفسد هنا، وأن أهل الدار أدرى بما فيها.
  3. نبذ العنف والتطرف والإرهاب، وهذه كانت أصعب خطوة، وإن جاءت متأخرة، إلا أنها كانت الخطوة الأكثر جرأة، حيث فزع العالم من خطورة العمليات الإرهابية، التي تقوم بها مجاميع متطرفة ترفع شعارات دينية، لهذا بادر الإسلاميون بإدانة هذه العمليات ومرتكبيها، وبينوا أن الإسلام برئ من هذه الممارسات .
  4. نقل الحوار والصراع مع الاتجاه العلماني إلى أروقة البرلمان والمجالس الأخرى، بشكل حضاري وهادئ، ووجها لوجه مع المخالفين، وهذا أوجد أجواء من التفاهم وقبول الآخر.
  5. حسن استخدام وسائل الإعلام حسب الإمكانية المتوافرة حيث نشطت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للإسلاميين، وأصبحت منارات للتعريف بالإسلام، والحض عليه، ومحاربة الرذيلة والفساد وبناء مجتمع سليم.
  6. التنسيق والتآلف بين الجماعات الإسلامية، ونبذ الخلاف والصراع، وتفويت فرصة النزاع الداخلي على الخصوم.

خاتمة

يرى المراقبون أن إسلامي كردستان، وبالنهج الذي يتبنونه الآن سوف يجتذبون المزيد من القواعد الجماهيرية ومن المؤكد أن نمو الحركات الإسلامية لا يعجب مخالفيها لهذا فمن الطبيعي أن يلجأوا إلى شتى الوسائل لصد هذا التيار الجارف والقضاء عليه، أو الحد منه

ولكن بما أن الجماعات الإسلامية في كردستان، هي كيانات سياسية وقانونية، تتحرك ضمن القوانين السارية، وتمارس اللعبة الديمقراطية، لهذا فإن مقاومتها مستحيلة، كما أن الخطاب الإسلامي في كردستان في المرحلة الراهنة، يتصف بالهدوء، والحرص على المصلحة العامة، وعدم استفزاز الغير، وتشجيع القائمين في السلطة على العمل الخيري، وخدمة الناس وتبصيرهم بالسلبيات، عن طريق المجالس التي يتواجدون فيها.

وهكذا ، فإن هناك اتصالا مباشرا بين القيادات العلماء حوار وتبادل للرأي والبحث عن صيغ توافقية للتعايش السلمي، وهناك انكماش وتراجع ملحوظ للتيار العلماني المتطرف، الذي يعادي الإسلام، وخاصة على المستوى الرسمي، وكذلك هناك صحوة شعبية نحو الإسلام ويأس من تجربة العلمانية، خلال السنوات الماضية، حيث كانت السيادة لهم منذ 1992، وكانت فترة كافية لإثبات شعاراتهم، وبرامجهم وكفاءاتهم، ولكن ما يتذكره الناس عن هذه الفترة، هو الاقتتال الداخلي والفساد الإداري وحرمان الجماهير.

وهناك نقطة أخرى إيجابية، هي تخلي الأحزاب العلمانية عن الإيديولوجيات والدعوة إلى بناء وتأسيس أحزاب بعيدة عن الإيديولوجيات وهذا يسهل التواصل بين القطبين الإسلامي والعلماني، كما أن هناك محاولات هنا وهناك لنشر ثقافة التعايش، والبحث عن نقاط الاتفاق للعمل عليها، ومن رموز هذه المحاولات الشيخ على بابير، الذي نشر سلسلة من المقالات في إحدى أكثر الجرائد الأهلية انتشارا، صحيفة (هاولاتي)، تحت عنوان: " نقاط الاتفاق والاختلاف بين الإسلاميين والعلمانيين" وصدر أخيرا كتاب للباحث ملا جعفر طواني، تحت عنوان: " نحو فكر وسطي بين الإسلام والعلمانية" من منشورات وزارة الأوقاف والشئون الدينية سنة 2007.

إلا أن المحاولات التي يبذلها الجانب العلماني في سبيل هذا التواصل تكاد لا تذكر لهذا أرى أنه كلما تقدمت العملية السياسية في كردستان العراق وكلما سادت أجزاء الحريات السياسية، ومفاهيم حقوق الإنسان ، والانتخابات النزيهة، فإن الفرصة تكون أوفر أمام صعود نجم الإسلاميين، وحينها لا يبقى أمام الأحزاب الأخرى، إلا محاولة التواصل والتعايش السلمي مع الإسلاميين كونهم جزءا من معادلة الأمر الواقع .

وفي الختام، أود أن أشير إلى أن الصحوة الإسلامية في كردستان، أصبحت مدرسة مستقلة للعمل الإسلامي، وتحولت إلى نموذج يمكن الاستفادة منه على صعيد العالم الإسلامي، ولكنها مع ذلك لا تخلو من هفوات وسلبيات، يمكن إصلاحها كي تكون مرشحة بقوة لأن تشكل البديل السياسي في الإقليم، ولكن ذلك مرهون بتطوير أدائها السياسي، والاقتراب أكثر من هموم وقضايا الناس

وبناء إستراتيجية واضحة، وخطة مدروسة، وأهداف صحيحة، والعمل الشاق يقع على كاهل الجماعتين الإسلاميتين: (الجماعة الإسلامية الكردستانية) ، و(الاتحاد الإسلامي الكردستاني) في بناء جسور التفاهم والحوار مع الآخرين، وإعطائهم الضمانات المقنعة على مستقبلهم السياسي، كون الإسلاميين سيحافظون على التعددية والحريات السياسية والفكرية في إطار القانون والدستور.

وكذلك، على الإسلاميين توضيح ملامح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يهدفون إليه، ورفع اللبس والشبهة عما يقال حول الإسلام، ونظامه السياسي، ليس هذا فقط بل على الإسلاميين أن يخطوا أبعد من ذلك، ويبنوا جسور التفاهم والعلاقات مع الديانات الأخرى، والتأكيد على حرياتهم الدينية، والحفاظ على حقوقهم المشروعة، وبيان الصفحات المضيئة في تاريخ المسلمين، وتعايشهم مع الديانات الأخرى. هذه –بنظرنا- هي شروط تحقيق فاعلية أكبر للحركات الإسلامية، لإنجاز نجاحها المرجو في كردستان العراق.

الإسلاميون في كردستان العراق والمشاركة السياسية

د. محمد سيد نوري البازياني

للتيار الإسلامي في كردستان العراق مشاركات في الانتخابات التي جرت سوء في الإقليم بعد عام 1991 أو في العراق بعد 9/ 4/ 2003 تاريخ الاحتلال الأمريكي وسقوط النظام السابق، وكان له عدد من المقاعد في البرلمان العراقي والبرلمان الكردستاني، حيث إن للتيار الإسلامي في الوقت الحالي خمسة عشر عضوا في المجلس التشريعي الكردستاني، وستة أعضاء في مجلس النواب العراقي، ما أهله لأن تكون له المشاركة في الحكم والسلطة في المركز، وفي حكومات الإقليم المتعاقبة في كردستان العراق، عدا عن الوزارة الأولى والثانية للإقليم.

ينبغي أولا التمييز بين الفكر السياسي الإسلامي الكردي وبين التنظيم السياسي الإسلامي الكردي، حيث وجد الفكر أولا، ثم تلاه التنظيم فالفكر السياسي الإسلامي الكردي وجد في زمن الشيخ عبيد الله النهري والشيخ سعيد الحفيد والشيخ عبد السلام البارزاني في كتابات بديع الزمان سعيد الورسي

وفي بعض الأحيان تجسد هذا الفكر على شكل حركات إصلاحية تدعو إلى تصحيح المؤسسات الإدارية في الدولة العثمانية، ورفع الظلم والحيف عن كاهل الأمة الكردية، وتارة على شكل حركات مقاومة مسلحة ضد انقلاب الاتحاديين بتركيا في عام 1908، ثم الدعوة إلى إعادة الخلافة العثمانية، بعد سقوطها في عام 1924 وتارة أخرى في مقاومة الاحتلال البريطاني.

إلا أن التنظيم السياسي الإسلامي للكرد تأخر إلى فترة الخمسينات من القرن العشرين، في حين كان هنالك نهوض إسلامي/ حركي شهدته بعض أقطار العالم الإسلامي تمثل في شكل أحزاب وحركات إسلامية عالمية، امتدت إلى العراق، ومن هذه التنظيمات جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير ، أو ما وجد في داخل العراق من التنظيمات السياسية الشيعية، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين كانت أوفر حظا من حزب التحرير في القبول والانتشار في المدن الكردية ونجحت في كسب العلماء والمثقفين والشباب الكرد المتدينين

نظرا للمكانة العلمية والفقهية المتميزة للشيخ أمجد الزهاوي، وكذلك الشيخ محمد محمود الصواف، الذي تبنى منهج الإخوان المسلمين بعد لقائه بالشيخ حسن البنا بمصر لغرض الدراسة، وتشكيل " جمعية الأخوة الإسلامية" وجولات الشيخين الزهاوي والصواف في كردستان العراق لجمع التبرعات للفلسطينيين لمساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني.

مقدمات المشاركة السياسية

بعد الاجتياح البري للكويت، لتحريرها من الغزو العراقي في فبراير (شباط) 1991، أصدر الرئيس الأمريكي "بوش الأب" نداء إلى الشعب العراقي بواسطة الطائرات في الشمال والوسط والجنوب العراقي يحثهم فيه على الانتفاضة ضد النظام العراقي وإسقاطه.

وبالإضافة إلى عامل الهزيمة العسكرية لقوات صدام حسين ، فقد شكل هذا النداء دافعا إضافيا للمعارضة الكردية والمتمثلة بالجبهة الكردستانية والحركة الإسلامية المسلحة في كردستان العراق ، إلى أخذ زمام المبادرة والسيطرة على جميع المحافظات الشمالية، حيث انطلقت الشرارة الأولى من مدينة "رانية" على الحدود العراقية الإيرانية في صبيحة يوم 5/ 3/ 1991، وسيطر أهالي المنطقة وقوات البشمركة على كافة الثكنات العسكرية والإدارية في المدينة

ثم امتدت الشرارة واجتاحت باقي مدن كردستان، حيث تمت السيطرة على كل من مدن السليمانية في 7/ 3/ 1991، ومدينة أربيل صبيحة 11/ 3/ 1991 ومحافظة دهوك في 17/ 3/ 1991، ومحافظة كركوك في لم يستمر نجاح المنتفضين الكرد طويلا، فقد أرسل النظام العراقي القوات الجوية وسلاح المدفعية المدرعة إلى كردستان ليعيد استرداد المناطق التي استولى عليها المنتفضون، وتحت مرأى ومسمع قوات التحالف والرئيس الأمريكي بوش الأب، الذي كان قد دعا الشعب العراقي إلى الانتفاضة على النظام العراقي.

في هذه المرحلة وجدت قوات التحالف الدولي نفسها- وقد أرادت تجاهل الكارثة البشرية داخل العراق- مجبرة على ردع الحكومة العراقية حتى لا تأخذ أي إجراءات هجومية إضافية، وحدث غضب جماهيري عام في الغرب. ونتيجة لذلك أجاز مجلس الأمن في 5 أبريل (نيسان) 1991 القرار 688، والذي أدان عمليات قمع المدنيين العراقيين في أجزاء كثيرة من العراق

بما في ذلك المناطق التي يسكنها الكرد، كما طالب العراق "بأن يضع نهاية على الفور للإجراءات القمعية، وأن يسمح بوجود المنظمات الخيرية الدولية، وسهولة وصول خدماتها إلى كل من في حاجة إلى المساعدة في جميع أنحاء العراق" وكانت تلك هي المرة الأولى التي تصر فيها الأمم المتحدة على التدخل في الشئون الداخلية لدولة عض فيها.

وأدت المقاومة الصلبة لمجموعة من مقاتلي الحركة الإسلامية والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عند منتجع صلاح الدين التلي، وبالأخص عند (مضيق كؤرا) إلى وقف تقدم القوات العراقية في ملحمة بطولية سميت "ملحمة كؤرا" وتم تسجيل تلك الملحمة بدماء كوكبة من الشهداء ، كان على رأسهم القائد الميداني للحركة الإسلامية في محور أربيل الملا عمر وفي منتصف أبريل (نيسان) من عام 1991 أعلنت قوات التحالف إقامة منطقة " ملاذ آمن" لأكراد العراق، وحظر على الطيران العراقي التحليق شمال خط عرض 36.

ونتيجة لكل ذلك بدأت القوات ا لكردية في 28 أبريل (نيسان)، بالتحرك من على الجبال والمناطق المحررة بالزحف نحو المدن والقصبات، وبعد ذلك بفترة قصيرة بدأ الزعماء الكرد، ومن أبرزهم مسعود البارزاني وجلال الطالباني، مفاوضات الحكم الذاتي مع بغداد. إلا أن هذه المفاوضات فقدت مصداقيتها في شهر يونيو (حزيران) 1991، وفي الوقت نفسه قامت قوات فصائل الجبهة الكردستانية بالسيطرة على أربيل والسليمانية، وأجبرت القوات العسكرية العراقية على إعادة الانتشار خارج هاتين المدينتين.

وفي 26/ 10/ 1991 قامت الحكومة العراقية بسحب إدارتها من معظم المناطق الكردية، ووضعت الإقليم الكردي تحت الحصار الاقتصادي، وبهذا الإجراء وجد فراغ إداري وقانوني ولسد هذا الفراغ قامت الجبهة الكردستانية وبالتشاور مع الحركة الإسلامية (كأمر واقع) بالتفكير في تشكيل نظام برلماني في الإقليم لإدارة الإقليم وسيادة القانون، عن طريق انتخابات حرة ديمقراطية، أملا في كسب الاعتراف الدولي.

أولا: التيار الإسلامي والانتخابات

(1) انتخابات عام 1992:

قامت رئاسة الجبهة الكردستانية بتشكيل لجنة خاصة مكونة من 13 عضوا من القضاة والحقوقيين وممثلي أحزاب الجبهة الكردستانية ، وتمكنت هذه اللجنة خلال الفترة من 23/ 12/ 1991 إلى 28/ 1/ 1992 من وضع مسودة مشروع قانون انتخابي، قدمته إلى القيادة السياسية للجبهة الكردستانية من أجل المصادقة عليه، وبعد التداول ومناقشة المشروع من قبل قيادة الجبهة تمت المصادقة عليه في يوم 28/ 1/ 1992 وسمي القانون رقم 1 لعلم 1992 " قانون انتخابات المجلس الوطني لكردستان العراق".

وفي 19/ 5/ 1992 تم إجراء الانتخابات التي أدت إلى قيام برلمان كردستاني لأول مرة في تاريخ الكرد، وقد حصلت الحركة الإسلامية في كردستان العراق- ضمن القائمة الإسلامية- على المرتبة الثالثة بعد الحزبين الكرديين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وحصلت على نسبة 5،05% من أصوات الناخبين

وهي نسبة أعلى من مجموع نسب الأحزاب الأخرى: (الحزب الشيوعي العراقي/ إقليم كردستان 2، 17% والحزب الاشتراكي الكردستاني وباسوك 2،56%) لكنها بالرغم من هذه النتيجة المشرفة، إلا أنها لم تمثل في البرلمان الكردستاني لحصولها على نسبة أقل من المطلوب قانونا (7%) للتمثيل في البرلمان حسب لوائح الانتخابات.

وترى بعض الأحزاب الكردستانية بأن الانتخابات كانت ديمقراطية، إلا أنها لم تكن نزيهة بالكامل، ومن هذه الأحزاب الحركة الإسلامية ولكنها وانطلاقا من حرصها الشديد على الوحدة الوطنية في تلك الفترة الزمنية الحرجة تنازلت عن حقها.

(2) انتخابات عام 2005 بعد سقوط النظام:

لقد فاقت المشاركة في الانتخابات العراقية، التي جرت في 30 يناير (كانون الثاني) 2005، ميع التوقعات فقد أدلى حوالي 8،5% مليون مواطن بأصواتهم وساعد أكثر من 170 ألف عراقي في تنظيم عملية الاقتراع بينما عمل ألف موظف آخر في مقر المفوضية المستقلة للانتخابات

وقد تنافس أكثر من 8 آلاف مرشح على مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 275 مقعدا، وخاض 11 ألفا الانتخابات في كردستان و18 محافظة، وقد اشرف على الانتخابات 96 ألف عراقي مسجلين ككيانات سياسية أو كمراقبين مستقلين، وحصل التيار الإسلامي في كردستان العراق على ستة مقاعد، حيث كان نصيب الاتحاد الإسلامي خمسة مقاعد والجماعة الإسلامية مقعدا واحدا.

ثانيا: المشاركة في الحكم

(1) الحكومات المتعاقبة في الإقليم:

تجدر الإشارة إلى أن الإسلاميين لم يشاركوا في الحكومتين الأولى والثانية لإقليم كردستان، بحجة عدم حصولهم على النصاب القانوني لتمثيلهم في البرلمان، إلا أنه كانت هناك محاولة لمشاركتهم بوزارة الأشغال أو العدل، غي الاقتتال الداخلي بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم (الحزب الديمقراطي الكردستاني بأربيل، والاتحاد الوطني الكردستاني بالسليمانية) كان عائقا أمام تلك المشاركة، وتم في حينها مناقشة تلك المشاركة من قبل المكتب السياسي للحركة الإسلامية في كردستان العراق، وذكر أن المرشحين لشغل الوزارتين هما الشيخ محمد نجيب البرزنجي، إمام ومرشد الجماعة الإسلامية الحلي، وزيرا للعدل أو المهندس مسعود وزير للأشغال والإسكان .

بعد إعلان نتائج انتخابات عام 1992 وتشكيل البرلمان الكردستاني تم انتخاب السيد جوهر نامق عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني كأول رئيس للبرلمان الكردستاني ، وتم تكليف الدكتور محمد فؤاد معصوم بتشكيل أول حكومة كردستانية ، وتمت المصادقة على هذه الحكومة يوم 4 / 7 / 1992 من قبل البرلمان .

بعدها تشكلت الحكومة الثانية لإقليم كردستان بتاريخ 25 / 4 / 1993 ، وأسندت رئاسة الوزراء إلى السيد كوسرت رسول على عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني ، ضمن اتفاق ثنائي بين الحزبين الرئيسين المشكلين للحكومة (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) ، واستمرت هذه الحكومة إلى عام 1996 .

إلا أن الحكومة الثالثة لإقليم كردستان العراق ، التي تشكلت في 26 / 9 / 1996 ، شهدت مشاركة فعلية للتيار الإسلامي في الحكم ، حيث ذكر السيد مسعود البرزاني أثناء زيارة وفد المكتب السياسي للحركة الإسلامية ، برئاسة الشيخ على بن عبد العزيز نائب المرشد العام للحركة ، بشأن التفاوض حول الحقائب الوزارية التي تسند إلى الحركة ، بأنه لن يشكل أية حكومة من دون مشاركة الحركة الإسلامية .

وقد حظيت الحركة الإسلامية في كردستان العراق في حكومة السيد مسعود البارزاني بوزارتين هما وزارة الزراعة والري ووزارة الإقليم ، حيث شغلت حقيبة وزارة الزراعة والري من قبل الدكتور محمد سيد نوري البازياني ، ووزارة الإقليم من قبل السيد ملا عبد الغني البزاز ، كما حظي الاتحاد الإسلامي الكردستاني بوزارة الإقليم ، ممثلا في السيد هادي علي ، عضو المكتب السياسي للاتحاد الإسلامي الكردستاني .

وفي العام 1999 كلف البرلمان الكردستاني السيد نيجيرفان إدريس البارزاني بتشكيل الحكومة الرابعة ، ولم تشارك الحركة الإسلامية في هذه التشكيلة ، لكونها اشتركت ومنذ عام 1997 في التشكيلة الوزارية الإدارية في السليمانية من قبل السيد كوسرت رسول . إلا أن الاتحاد الإسلامي كان له حضور واضح بوزارة العدل .

أما الحكومة الخامسة ، والتي شكلت في مايو (أيار) 2006 ، ولا تزال قائمة حتى كتابة هذه السطور ، فقد ترأسها السيد نيجيرفان إدريس البارزاني أيضا ، وهي حكومة ائتلافية تضم عددا من الأحزاب السياسية . والتحالف يعكس تنوع المجتمع الكردستاني ، من الكلدان والآشوريين والتركمان والكرد وغيرهم .

وذلك عبر الحزب الديمقراطي الكردستاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني ، وحزب كادحي كردستان ، والحزب الاشتراكي الكردستاني ، والاتحاد الإسلامي الكردستاني ، والحزب الشيوعي الكردستاني ، والجماعة الإسلامية ، وحزب الإخاء التركماني . وكان هنالك من بين أعضاء مجلس الوزراء عدد من الوزراء الكلدان والآشوريين ومن الكرد الفيليين والكرد الأيزيديين والتركمان .

كان للإقليم إدارتان ، واحدة في السليمانية تدار من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني ، في حين كان الحزب الديمقراطي الكردستاني مسئولا عن إدارة أربيل ودهوك . بعدها توصل الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى اتفاقية لتوحيد إدارتي حكومة إقليم كردستان ، وتحقق ذلك بتاريخ 21 / 1 / 2006 .

وبعد أقل من أربعة أشهر ، وبالتحديد يوم الأحد 7 / 5 / 2006 ، بدأت جلسة برلمان كردستان في أربيل في تمام الساعة 12.55 وبالتوقيت المحلي . حيث ألقى السيد عدنان المفتي رئيس المجلس الوطني لكردستان العراق كلمة ، أشار فيها إلى عمل وبرنامج جلسة البرلمان التي سيتم من خلالها أداء القسم القانوني ، من قبل السيد رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني ونائبه عمر فتاح ، ووزراء الحكومة الخامسة في إقليم كردستان الموحد .

وشدد المفتي على أن تكون حكومة الإقليم قوية ، وشارك فيها جميع أطياف شعب كردستان ، لمعالجة المشاكل التي يعاني منها ، وتلبية متطلبات شباب كردستان ، وأكد ضرورة بناء المجتمع المدني وتوطيده في الإقليم ، والقضاء على الفساد الإداري في دوائره كافة .

ثم قدم رئيس مجلس الوزراء السيد نيجيرفان بارزاني أمام البرلمان للتصويت على منصبه كمرشح لمنصب رئاسة حكومة الإقليم ، وبالإجماع صوت أعضاء البرلمان لصالحه ، ومن ثم قدم عمر فتاح كنائب لرئيس حكومة لإقليم ، وتم التصويت على منصبه بالإجماع كذلك . وبعد ذلك قدم نيجيرفان بارزاني أسماء الوزراء التي تمت المصادقة عليها من قبل برلمان إقليم كردستان . وكان للاتحاد الوطني الكردستاني 11 وزارة في حكومة الإقليم ، وكذلك للحزب الديمقراطي الكردستاني 11 وزارة ، والوزارات المتبقية للأحزاب والجهات الكردستانية الأخرى .

(2) المشاركة في الحكم في بغداد:

بعد إسقاط النظام العراقي من قبل الأمريكان في عام 2003 أصبح السيد صلاح الدين محمد بهاء الدين ، أمين عام الاتحاد الإسلامي ، عضوا في مجلس الحكم المحلي العراقي في بغداد ، والسيد عبد الرحمن صديق . العضو القيادي في الاتحاد الإسلامي ، وزيرا للبيئة في أول حكومة عراقية تشكلت بعد السقوط . وهذا التمثيل كان يشكل نقلة نوعية للتيار .

وفي انتخابات عام 2005 حصل التيار الإسلامي على ستة مقاعد في البرلمان العراقي ، خمسة منها للاتحاد الإسلامي ، ومقعد واحد للجماعة الإسلامية ، وبهذه النتيجة حصل الاتحاد الإسلامي على تمثيل وزاري في حكومة نوري المالكي بوزارة الدولة لشؤون الحوار الوطني ، والتي أسندت للسيد محمد علي ، وأصبح للاتحاد الإسلامي كتلة في البرلمان تسمى كتلة الاتحاد الإسلامي ، وترأسها الدكتور محمد أحمد .

إيجابيات وسلبيات المشاركة

المشاركة في الحكم من قبل إسلاميي كردستان ـ كأي عمل إنساني وسياسي ـ لها إيجابيات وسلبيات ، ونتيجة للاستبيان الخاص الذي أجريته مع معظم الوزراء الإسلاميين ، وتجربتي الخاصة أثناء ممارستي لمهامي كوزير للزراعة والري في الحكومة الثالثة للإقليم في عام 1996 ، توصلت إلى أهم الإيجابيات والسلبيات

أولا : إيجابيات المشاركة

نتيجة الاستبيان توصلت إلى أن للمشاركة إيجابيات جمة ، منها :

(أ) على الصعيد السياسي

  1. تقليص هوة الخلاف بين التيار الإسلامي والتيار القومي والعلماني في كردستان العراق ، نتيجة التفاهمات الحاصلة بينهم وتقارب وجهات النظر في شتى القضايا والمسائل المتعلقة بالمصالح العليا للمجتمع الكردي والعراقي ، وتوحيد المواقف السياسية على صعيد الإقليم ، مما ساعد على إيجاد الاستقرار والسلام في ربوع الإقليم ، مما كان سببا مباشرا لرفع المستوى المعيشي والاقتصادي للمواطن الكردي ، سيما أن طريقا تجاريا استراتيجيا حدوديا كان معطلا نتيجة الصراع المسلح القائم بين الحركة الإسلامية في كردستان العراق ، والاتحاد الوطني الكردستاني ، وبالأخص في نقطة الحدود الإيرانية والأقضية والنواحي والقرى التابعة لمحافظة السليمانية العراقية ، حيث دب في هذه المنطقة نشاط تجاري متميز .
  2. وقف نزيف الدم بين مقاتلي فصيلي الحركة الإسلامية في كردستان العراق والاتحاد الوطني الكردستاني ، والحفاظ على أرواح المواطنين .
  3. إزالة جميع الأوهام والشكوك التي كانت تثار ضد التيار الإسلامي وبالأخص الحركة الإسلامية في كردستان العراق ، نتيجة للحملات الإعلامية التي كانت تشن ضد الإسلام كدين بصورة عامة ، وضد الحركات الإسلامية بصورة خاصة ، والتي كانت تهدف إلى إضفاء صفات التزمت ، وعدم قبول الآخر ، وعدم الرغبة في التعددية و علاوة على سمات التخلف والرجعية ، وعدم الرغبة في مواكبة روح العصر ، حيث فندت المشاركة تلك المزاعم والحملات والإدعاءات ، وأثبتت حقيقة مفادها أن الإسلاميين يتملكون الكثير من مقومات النماء والإبداع .
  4. أثبتت المشاركة للقاصي والداني بان الإسلاميين في كردستان العراق ، يقفون مع تطلعات وآمال وآلام شعبهم ، وأنهم عنصر إيجابي في العملية السياسية في الإقليم .
  5. مشاركة الآخرين من الأحزاب والحركات الموجودة ، لتحقيق المصالح العليا للشعب والإقليم والدولة .
  6. المشاركة ساهمت في إيصال الحقائق ، وبالأخص الشعب إلى الحكومة ، من أجل إحقاق الحق وإيصال الأصوات المكبوتة إلى المسئولين في الدولة ، ولمنع السلطات من الممارسات القمعية واللاقانونية تجاه أبناء الشعب ، قدر المستطاع .

الإسلاميون العمل على الحفاظ على الأسس الإسلامية في القرارات الصادرة من الدولة والبرلمان ، والحفظ على الدولة الإسلامية ومعارضة أي قرار يخالف تعليمات الإسلام السمحة .

(ب) على الصعيد الاقتصادي

أما الإيجابيات على الصعيد الاقتصادي ، فتتلخص في تأمين حصة لا بأس بها من ميزانية حكومة إقليم كردستان العراق للتيار الإسلامي ، والتي كانت محرومة منها قبل المشاركة ، وأسهمت هذه الحصة في رفع بعض المعاناة عن أسر التيار الإسلامي ، وبالأخص مجاهدي الحركة الإسلامية في كردستان العراق ، في زمن كان يعاني فيه جميع الشعب الكردي آلام ومعاناة حصارين ، حصار من قبل الأمم المتحدة ، وحصار من قبل النظام العراقي .

(ج) على صعيد الإداري

ترجمت الإيجابيات على الصعيد الإداري ، والأداء الوظيفي،عبر تطوير دوائر السلطة الإدارية ، بالنسبة للمناطق التي كانت تدار من قبل حكومة إقليم كردستان ، سواء في الحكومة المشكلة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني ، أم الاتحاد الوطني الكردستاني ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نشير هنا إلى وزارتين ، هما وزارة الزراعة والري في الحكومة الثالثة للإقليم المشكلة من قبل الحزب الديمقراطي عام 1996 ، ووزارة العدل في الحكومة المشكلة برئاسة كوسرت رسول من الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1997 .

كانت وزارة الزراعة والري من أنشط وزارات الحكومة الثالثة ، وحسب الإحصائية المذكورة في كتاب تحت عنوان الأنشطة والمشاريع التابعة للحكومة الثالثة لإقليم كردستان في الفترة من 26 / 9 / 1996 إلى 31 / 12 / 1997 ، حيث خصص في هذه الإحصائية موثقة من قبل رئاسة مجلس الوزراء في 1999 .

أما بالنسبة لوزارة العدل ، فيمكن أن نسجل هنا أبرز الإيجابيات الإدارية والوظيفية حيث أجملها الأستاذ عبد الرحمن النورسي وزير العدل في النقاط التالية :

  1. عملنا على تطوير دوائر السلطة القضائية بالنسبة للمناطق التي كانت تدار من قبل حكومة إقليم كردستان (إدارة السليمانية) ، وإيمانا بأهمية القضاء من وجهة نظر الإسلام ، قمنا بفتح وتشكيل المحاكم والدوائر العدلية الأخرى ، كدوائر كاتب العدول ومديريات التنفيذ في مركز العاصمة (السليمانية) ، وجميع الأقضية وعدد من النواحي المهمة ، إحقاقا للحق وتحقيقا للعدالة ، وهنا نذكر بأن مشاركتنا كانت بمثابة نقطة تحول ، ومرحلة انعطاف في تاريخ القضاء الكردستاني ، فمنذ بدأ تشكيل الحكومة العراقية من عشرينات القرن الماضي ، وحتى مباشرتنا بالعمل في الوزارة في عام 1997 لم يتعد عدد القضاة في منطقة إدارة الإقليم 11 قاضيا ، وهذا العدد لم يكن ليكفي ولا ليناسب عدد السكان ، ولا الأنشطة التجارية والاقتصادية وتشابك المصالح وتعارضها ، التي لا شك تنجم عنها خصومات ونزاعات لابد من فضها من قبل السلطة القضائية ، الأمر الذي دفعني كوزير للعدل وكممثل للحركة الإسلامية المشاركة في إدارة حكومة الإقليم للعمل على تعيين عدد كاف من القضاة . فقد بلغ عدد القضاة تسعة وثلاثين قاضيا عندما تركت المنصب في عام 2002 .
  2. تم رفد المحاكم والدوائر العدلية بأعداد كبيرة من خريجي كليات القانون وذلك عن طريق المطالبة بتعيينهم ، عدا أعداد كبيرة أخرى من مختلف الاختصاصات والدرجات في جميع الدوائر العدلية الأخرى ، من مديريات وملاحظات التسجيل العقاري ، وقد ارتفع عدد منتسبي تلك الدوائر من 200 موظف وموظفة إلى 800 موظف وموظفة .
  3. نظرا لحساسية العمل الوظيفي في الدوائر العدلية ، ومساهمة منا في رفع المستوى المعاشي لجميع منتسبي الوزارة ، وحرصا منا على تحصين العاملين في الدوائر العدلية من أي انزلاق وظيفي محتمل ، فقد عرضت على السيد رئيس الإقليم الأستاذ جلال الطالباني في زيارته التفقدية الأولى للوزارة ، أن يخصص لمنتسبي وزارة العدل مبلغا مناسبا من ميزانيته الخاصة ، وقد وافق مشكورا على ذلك ، فكانت هذه المنحة حصرا وقصرا على منتسبي الوزارة دون غيرهم .
  4. اقترحنا على رئاسة مجلس الوزراء، وعلى الأستاذ جلال الطالباني، بناء مجمع عدلي يضم جميع الدوائر العدلية في محافظة السليمانية، وفي جميع الأقضية، إضافة إلى تشييد دور للقضاة ومسئولي الدوائر العدلية الأخرى، وقد نال مقترحي القبول فقد تم بناء المجمعات العدلية في العديد من الأقضية، والمجمع الرئيسي في مركز المحافظة في المراحل الأخيرة من التشييد.
  5. عندما سحبت حكومة البعث جميع الدوائر الرسمية إلى المركز، سحبت معها الأموال من البنوك أيضا، ومن ضمنها أموال كانت تعود لمديرية أموال القاصرين، إحدى الدوائر التابعة لوزارة العدل، حيث أصبحت أعمال المديرية المذكورة شبه مشلولة، لأنها لم تكن لتستطيع الإيفاء بالتزاماتها أمام مراجعيها من القاصرين الذين كان معظمهم من الأيتام، وقد طلبنا من رئاسة مجلس الوزراء تخصيص مبلغ مناسب لتمويل المديرية المذكورة حتى تنهض ولو بجزء يسير من التزاماتها تجاه هؤلاء ، وأكدنا في مجلس الوزراء بأن حكومة الإقليم ملزمة بأداء الحقوق المترتبة بذمة دوائر الدولة، حسب القانون الدستوري لأنها الحكومة البديلة، وأن التزامات الدولة السابقة تنتقل إليها.

وقد قرر مجلس الوزراء تخصيص مبلغ مناسب لذلك، وبهذا العمل استطعنا أن نعيد لمائتي قاصر أموالهم، وكذلك دعم بعض القاصرين بمبالغ تصل إلى ألفي دينار أي ما يعادل 200 دولار أمريكي في حالات الإصابة أو المرض التي تستوجب علاجهم في مستشفيات بغداد أو إيران ، وهذا العمل كان إحدى إيجابيات المشاركة المهمة في إسعاف هؤلاء المحرومين.

ويمكن بالإجمال القول إن هذه المشاركة أعطت للإسلاميين خبرة جيدة في إدارة الدولة والحكم، وكونت لديهم قناعة وثقة تامة بأنهم أهل لقيادة المجتمع إلى بر الأمان لو أعطيت لهم الفرصة.

ثانيا: سلبيات ومعاناة المشاركة

يمكن الإشارة إلى بعض سلبيات ومعاناة مشاركة التيار الإسلامي في الحكم كالآتي:

  1. إن التيار الإسلامي في كردستان العراق المشارك في الحكومات المتعاقبة، سواء في إقليم كردستان العراق أو في الحكومة العراقية لم يعط حقائب وزارية سيادية حتى يبرز فيها.
  2. شارك التيار الإسلامي في كردستان العراق في حكومات الإقليم، والتي شكلتها قوى غير إسلامية، فإذا ظهر الفشل أو الفساد أو أية أمور أخرى سلبية في الحكومة فإن الإسلاميين يتحملون وزرا منها، لأنهم جزء من الحكومة بالرغم من أن هذه السلبيات تعود إلى القائمين على رأس الحكومة والأغلبية، وليست الأقلية المشاركة.
  3. تم وضع عراقيل كثيرة أمام الوزراء الإسلاميين، وبالأخص وزارة الزراعة في الحكومة الثالثة على سبيل المثال، حتى أن الوزير اتهم بأنه جعل من الوزارة مرتعا للإسلاميين، وإن لم يتدخل القائمون بأمور الحكومة وعلى رأسهم رئيس الوزراء ونائبه، فإن الوزارة سوف تتحول إلى وزارة إسلامية.
  4. تم فرض مدراء عامين على الوزراء الإسلاميين من قبل رئيس الوزراء. من أجل خلق مشاكل للوزير، حتى بلغ الأمر في بعض الأحيان إلى تشكيل لوبي معارض للوزير الإسلامي، كفرض مدير عام ديوان وزارة الزراعة والري، ومدير عام الخدمات الزراعية في عام 1996، من قبل رئيس الوزراء ولولا توسط بعض المخلصين لحل الأزمة، والتدخل الشخصي من قبل مرشد عام الحركة الإسلامية الشيخ عثمان عبد العزيز رحمه الله والسيد مسعود البرزاني، لحدثت أزمة وزارية حادة.
  5. الوزير الإسلامي لا يشعر بأنه استلم الحقيبة الوزارية في وزارته، بل إنه استلم كرسيا وزاريا، أما المتحكم بالكثير من الأمور في الوزارة فهم المدراء العاملون الموالون للحزبين المشكلين للوزارة، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.
  6. الوزير الإسلامي لا يدعم من قبل حزبه دعما كافيا، لأن حزبه أيضا مكبل بكثير من القيود من قبل الحزبين الرئيسيين المشكلين للوزارة.
  7. لم يكن للإسلاميين إستراتيجية واضحة المعالم للمشاركة حيث إن المحاور الداخلية للحركة الإسلامية في كردستان العراقي في عام 1996، لم تكن على قناعة بجدوى المشاركة مع أحزاب علمانية تتهم الإسلاميين بالتطرف والجمود في حين أن اتجاهات أخرى كانت مع المشاركة ، الأمر الذي أوجد ازدواجية في العمل الحكومي، حيث إن الوزير كان في صراع دائم مع العقليات التي تقف ضد المشاركة إلا أن الحالة قد تغيرت بعد سقوط النظام العراقي، واتفق الفصيلان الإسلاميان الرئيسيان (الجماعة الإسلامية والاتحاد الإسلامي) على إيجابية المشاركة بالرغم من وضع العراقيل والعوائق من قبل الحزبين (الديمقراطي والاتحاد الوطني) أمام وزراء التيار الإسلامي.

دعوات الإصلاح وفتاوى العنف: الإسلام السياسي في كردستان العراق

سامي شورش

إجمالا، يصح القول إن الطابع القومي هو الطاغي بشكل واسع على تفاصيل الحركة السياسية الكردية في العراق، ومع هذا يمكن للمراقب أن يلحظ حضورا مميزا للإسلام السياسي بشقيه السلمي السياسي والعنفي الإرهابي على الساحة الكردستانية وفي هذا الإطار، ينخرط القسم الأعظم من الإسلام السياسي الكردي في نشاطات دعوية وإصلاحية وإغاثية، بعيدة عن مفاهيم العنف واستخدام السلاح في فض النزاعات، إلا أن قسما آخر ينشط في ساحات العنف والإرهاب، خصوصا في المناطق الوسطى والغربية من العراق الذي تعصف به موجات خطيرة من الإرهاب الديني.

في إطار النشاط الدعوي والإصلاحي، تصح الإشارة إلى مجموعات في مقدمها الاتحاد الإسلامي الكردستاني بزعامة صلاح الدين بهاء الدين، الذي يشتهر باعتداله ونبذه للعنف وامتلاك الميليشيات الحزبية. إلى ذلك، هناك الجماعة الإسلامية في كردستان العراق بزعامة على بابير وهي منظمة تتميز بتوترها في القناعات الفكرية بين الدعوات السلمية والعنفية.

لكن، اللافت أنها فضلت في السنوات التي أعقبت سقوط النظام العراقي السابق، أن تشارك في الانتخابات في كردستان العراق، هذا رغم أن الأمريكيين اعتقلوا بابير قبل سنوات، بتهمة تعاونه مع المجموعات الإرهابية وسط العراق وغربه.

بيد أن العمل السياسي القانوني والإنساني لا يشكل ميدان النشاط الوحيد للمنظمات الإسلامية الكردية، إذ إلى جانب الأحزاب والقوى السياسية المعتدلة، هناك منظمات كردية أو ذات مناشئ كردية، مثل " جند الإسلام" و"أنصار السنة" و " أنصار الإسلام" تنتهج أساليب العنف، لا في كردستان فحسب، بل في وسط العراق وشماله أيضا. لكل هذا يصعب تلمس تفاصيل الإسلام السياسي من دون تمعن في تاريخ التطور السياسي للإسلام بين أكراد العراق .

بدايات صوفية

يتفق أكثر المختصين بشئون التاريخ السياسي الكردي على أن أول ظهور لأفكار الإسلام السياسي بين أكراد العراق يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر ومطالع القرن التاسع عشر، ففي ذلك المقطع التاريخي، الذي رضخ فيه الجزء الأعظم من العالم الإسلامي لنير الدولة العثمانية، تحول عدد من الإقطاعيين الكرد الذين اصطدمت مصالحهم في حينها مع مصالح العثمانيين الأوتوقراط، إلى تبني الطرق الصوفية التي شهدت انتشارا لافتا بين الأكراد، والواضح أن الهدف من التحول تمثل في رغبة الشيوخ في الاحتفاظ بسيطرتهم وقدرتهم على تعبئة الفلاحين حول زعاماتهم السياسية.

هنا تصح الإشارة إلى طريقتين صوفيتين سادتا بين الأكراد: القادرية نسبة إلى الغوث الأعظم الشيخ عبد القادر الجيلاني، والنقشبندية نسبة إلى مولانا الشيخ خالد ضياء الدين النقشبندي كما يشار إلى أن الشيوخ الدينيين لعبوا أدوارا أساسية في الحياة السياسية الكردية، بل قادوا انتفاضات مسلحة عدة مثل الشيخ محمود الحفيد (القادري) في النصف الأول من القرن العشرين، وشيوخ بارزان منذ القرن التاسع عشر إلى يومنا الحاضر .

أما في ما يتعلق بالتطور الحديث للإسلام السياسي بعد الحرب العالمية الأولى، فيعتقد عدد من الباحثين الإسلاميين الكرد، ومنهم وزير البيئة السابق في الحكومة العراقية عن قائمة الاتحاد الإسلامي الكردستاني عبد الرحمن صديق أن الجذور الأولى لسلام السياسي الكردستاني تعود إلى ضابط عسكري كردي في الجيش العثماني، اسمه محمد فاضل الداغستاني ، ويشير صديق إلى أن الداغستاني حاول إنشاء تنظيم للأخوة الإسلامية بين الأكراد.

إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى وامتدا لهيبها إلى الشرق الأوسط، لكن الفرصة خذلته بسبب مقتله في آخر سنوات الحرب في مواجهة بين القوات العثمانية والجيش البريطاني في موقع قريب من مدينة الكوت العراقية، عدا هذه الإشارة لا تتوفر معلومات تؤكد حصول نشاط للإسلام السياسي بين أكراد العراق في تلك الفترة.

دور للإخوان المسلمين

يعود الظهور الأول للإسلام السياسي الكردي إلى عام 1955 حينما انضم الشيخ الكردي أمجد الزهاوي رئيس رابطة العلماء المسلمين في العراق في حينه، إلى جمعية الأخوة الإسلامية (نواة حركة الإخوان المسلمين في العراق)، التي كان الشيخ محمد محمود الصواف قد أسسها قبل ذلك بعام. وفي الواقع ظلت الجمعية من دون أي امتداد كردي إلى أن انضم الشيخ الزهاوي إلى صفوفها وبادروا إلى تأسيس فرع لها في مدينة كركوك.

وفي الأشهر القليلة التي أعقبت تأسيس الفرع، انتشرت أفكار الإخوان بين قطاع من الشباب الكردي في كركوك وأربيل، وهنا لعبت أدبيات الداعية الإسلامي المصري سيد قطب دورا كبيرا في الظاهرة ومع هذا ظل نشاط الجمعية محدودا لا يتعدى الدعوة إلى الإصلاح الديني والاجتماعي، ولا يستبعد مطلعون على تاريخ تلك الفترة، أن يكون النظام الملكي العراقي قد غض نظره عن نشاطات الجمعية، نظرا للشراكة المذهبية أولا ، ولرغبة النظام في دغدغة المشاعر الدينية العراقيين في وجه المد الشيوعي في تلك السنوات.

أما في الفترة التي أعقبت انقلاب 14 من يوليو (تموز) عام 1958 بزعامة عبد الكريم قاسم، فإن جمعية الأخوة شهدت صراعا مريرا مع النفوذ الشيوعي الذي طغى على العراق، وفي خضم هذا الصراع حاول الشيخ الصواف إخراج جمعيته إلى العلن باسم حركة الإخوان المسلمين، خصصا أنه شرع بتقديم برنامج إذاعي من إذاعة بغداد باسم (على مائدة القرآن)

لكن الفرصة ظلت ضيقة، إلى أن أصدر الرئيس قاسم قانون تأسيس الأحزاب عام 1960 ، وأراد الصواف الحصول على ترخيص رسمي لحركة الإخوان ، لكن الحكومة رفضت الترخيص بحجة تشابه اسم المنظمة مع حركة الإخوان المسلمين المصرية، لهذا ظلت الجمعية ناشطة من دون ترخيص رسمي إلى أن حل السيد عبد الكريم زيدان محل الصواف في رئاسة الجمعية اعتبارا من عام 1959.

في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق السياسي، شهد فرع الجمعية في كركوك امتداد نحو مدينة السليمانية، ومنها إلى قصبة حلبجة الحدودية مع إيران، حيث تحولت القصبة منذ تلك الفترة إلى حاضنة أساسية للحركات الإسلامية في كردستان العراق، وتنوعت الأسباب في هذه الظاهرة من بينها أن حلبجة ضمت على مر القرون مدارس إسلامية وشرعية، ومراكز دينية وفقهية

وهي تقع جغرافيا في منطقة حساسة بين الفضائين السني العراقي والشيعي الإيراني، إضافة إلى قربها من قريتي (بياره) و(تويله) اللتين شهدتا ازدهارا لافتا للطريقة النقشبندية ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصواف وصل برفقة الزهاوي إلى حلبجة بعد عام على انقلاب 1958 حيث زارا مراقدها الدينية والتقيا شيوخها.

مرحلة حزبية جديدة

بعد صدور قانون الأحزاب، دخلت الحركة الإسلامية في العراق مرحلة تطور جديد، مؤداه إعلان زيدان في مارس من العام ذاته – 1960- تأسيس الحزب الإسلامي العراقي، الذي يعتبره الإسلاميون الحاضنة التاريخية الأولى للحزب الإسلامي العراقي الراهن. لكن لم يكد يمر عام على النشاط العلني للحزب، حتى انضم إلى صفوفه عدد من رجال الدين الأكراد، خصوصا من المتحدرين من قصبة حلبجة وأطرافها. وكان بين هؤلاء الشقيقان الملا عثمان عبد العزيز والملا على عبد العزيز.

ومع هذا ظل التمايز لافتا بين توجهات الأعضاء العرب والأكراد داخل الحزب إذ فيما لم يبد الأعضاء الأكراد المتحدرين من مناطق حدودية رخوة في نسيجها الوطني والقومي، استعدادا واضحا للتناغم مع الدعوات الإصلاحية والسلمية للحزب الإسلامي العراقي، فإن الأعضاء العرب فضلوا عدم التورط في نشاطات خارج إطار الدعوات السياسية السلمية، وفيما بعد تجسد هذا التمايز في أن مجموعة حلبجة بدأت بالعمل تحت يافطة حركة الإخوان المسلمين، كما انتهجت أساليب العمل السري، فيما ظل أعضاء الحزب الإسلامي في بقية المناطق العراقية ينشطون في شكل علني.

بعد الانقلاب البعثي الأول في شباط 1963 حاول البعث استمالة الإسلاميين، خصوصا أن بعضا من قادتهم- نعمان السامرائي وفليح السامرائي وأياد السامر وأسامة التكريتي- كانوا يعودون في أصولهم إلى مناطق سادتها أفكار وإيديولوجيات قومية عربية وبعثية وناصرية.

وأهم هذه المدن التي تحولت فيما بعد إلى حاضنات أساسية للإسلاميين العراقيين تمثلت في تكريت والموصل والرمادي والفلوجة وسامراء، وفي الحقيقة هدف النظام البعثي من استمالة الحزب الإسلامي أو حركة الإخوان المسلمين، إلى التمهيد لشن هجمته الكاسحة المشهورة على الشيوعيين ومع هذا، لم يعلن الإسلاميون تأييدهم للانقلاب، لكنهم في المقابل لم يعارضوه بشكل حاسم، إنما ظلوا ينشطون في جو تمتزج فيه السرية بالعلنية .

غير أن الشراكتين المذهبية الدينية والمناطقية بين الإسلاميين والبعثيين، ومن ثم قرب هذه المناطق من حدود سوريا، التي كانت في الخمسينات والستينات تعج إلى جانب مصر بالإيديولوجية القومية والبعثية، أسهمت فيما بعد في حصول تزاوج غير مباشر بين هذه الحركات وحركة الإخوان المسلمين خصوصا لجهة السمة القومية العربية التي طبعت ولا تزال التوجهات الفكرية للحزب الإسلامي العراقي.

بين الإسلامية والقومية

أسس النزوع القومي العربي داخل الحركة الإسلامية العراقية –بالمقابل- لنزوع مواز بين العناصر الكردية نحو الحركة القومية الكردية، وكان التجسيد الأول لهذا النزوع حالة الانزواء التدريجي للإسلاميين الأكراد، وشروعهم في بناء حركة إسلامية ذات طابع قومي كردي، وما زاد من شدة هذه الحالة أن المنطقة الكردية بدأت تدخل منذ سبتمبر (أيلول) عام 1961 مرحلة انتفاضة قومية مسلحة اتسعت قاعدتها بقيادة الراحل الملا مصطفى البارزاني.

عكس اندلاع الانتفاضة الكردية المسلحة في سبتمبر (أيلول) عام 1961 تأثيرا لافتا على مسار التطورات الداخلية لحركة الإسلاميين الأكراد، وما ضاعف من حدة انجذاب هؤلاء نحو الطابع القومي، أن الأنظمة العراقية السابقة مارست لأكثر من نصف قرن سياسات مدمرة بحق كردستان العراق، خصوصا في ميدان التطهير العراقي

وتغيير الطابع الديموغرافي لبعض مناطق كردستان الغنية بالنفط والموارد الاقتصادية كمدن كركوك وخانقين، إضافة إلى تدمير القرى وتهجير سكانها الفلاحين إلى خارج مواطنهم الأصلية، وكان من شأن هذه الحالة أن تعمق حالة التذمر والاستياء بين الأكراد، لهذا كان طبيعيا أن تفضي إلى اندلاع الانتفاضة المسلحة المشار إليها في 1961.

في هذه الفترة، أبدى الشيوعيون تعاطفا مع الأكراد، فيما أخذ الإسلاميون الأكراد يتعاونون بشكل خفي مع بارزاني، أما الإخوان المسلمون العراقيون، أو الحزب الإسلامي العراقي فإنه لم يحرك ساكنا، مفضلا البقاء بعيدا عن توجه أي انتقادات علنية إلى الحكومات العراقية، وفي السنوات اللاحقة ظل الخلاف بين الإسلاميين والأكراد والعراقيين قائما في خصوص التعامل مع الحكومة المركزية

وقد اتضح الخلاف عام 1971 حينما بادر الإسلاميون العراقيون إلى تجميد نشاطاتهم السياسية والدعوية، خشية الدخول في مواجهات مع البعث العراقي، أما الإسلاميون الأكراد فقد التفوا حول زعيم الانتفاضة مصطفى بارزاني، وكان الأخير بادر في العام نفسه إلى تأسيس اتحاد لعلماء المسلمين الأكراد.

غير أن الحالة لم تستمر على هذا المنوال، إنما أفضت المراحل التالية إلى انقسامات في الصف الإسلامي الكردي، وفي هذا الصدد يشير رئيس الاتحاد الإسلامي الكردستاني صلاح الدين بهاء الدين إلى أهمية عام 1979 بالنسبة إلى الإسلاميين الأكراد بقوله: " إن هذا العام شهد حدثين كبيرين: الأول، قيام نظام جمهوري إسلامي في إيران على يد الإمام الخميني. والثاني، ظهور البدايات الأولى للمقاومة الإسلامية الأفغانية بعد احتلال القوات السوفيتية لدولة أفغانستان".

يشار إلى أن الاحتلال السوفيتي ونشوء حركة المقاومة الإسلامية في أفغانستان هيئا لشروط تبلور حركة إسلامية واسعة في العالم الإسلامي.

وفي النموذج الكردي تمخض الانقسام في صفوف الإسلاميين الكرد عن ظهور ثلاثة توجهات رئيسة هي:

التوجه الأول: قاده صلاح الدين بهاء الدين ، فقد ظل متمسكا بقناعته أن النشاطات الإسلامية لا ينبغي أن تتورط في العمل المسلح والعنف، بل يجب أن تقتصر على الدعوة السمحة، والنشاط الإنساني العام، وتقديم الإغاثة والمساعدات إلى المسلمين . وكان واضحا أن هذه القناعة استمدت جذورها من انجذاب دعاة هذا التيار نحو المبادئ العراقية لحركة الإخوان المسلمين.ونذكر هنا بأن هذا التوجه – الذي تحول فيما بعد إلى (حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني) – اشتهر في حينه بين الإسلاميين الأكراد بـ (الخط الأول).
التوجه الثاني: وهو الذي اشتهر بـ (الخط الثاني) فدعي على عكس الخط الأول، إلى التعاون مع الانتفاضة الكردية المسلحة ، والاهتمام بالتنظيم الحزبي السري ومفهوم (الجهاد) الإسلامي، وكان الملا عثمان عبد العزيز الزعيم الفعلي لهذا الخط، متأثرا بشكل واضح بتجربة العنف في تاريخ حركة الإخوان المسلمين في مصر . وفيما بعد، تحول هذا الخط بدوره إلى تنظيم سياسي وعسكري أطلق عليه اسم (الحركة الإسلامية في كردستان العراق).
التوجه الثالث: وقاده أحد أشقاء الملا عثمان ، واسمه الملا صديق عبد العزيز، وقد تميز بتوفيقه بين الخطين الأول والثالث، بل إن البعض في الأوساط الإسلامية الكردية ينتقد الملا صديق، ويتهمه بعدم الجرأة في إعلان قناعته بشكل واضح. وفي السنوات اللاحقة تحول هذا الخط أيضا إلى منظمة سياسية باسم (حركة النهضة الإسلامية) وفي عام 1999 أصبحت الحركة منظمة تدعى (يكبوون – التوحيد) بعد اندماجها مع حركة الوحدة الإسلامية في كردستان العراق.

وفي الحقيقة يوضح الاستقراء الأولى للاختلافات بين هذه التوجهات، أن موضوعة الإيمان أو عدم الإيمان بالعنف والجهاد المسلح، كانت بمثابة الحلقة ا لمركزية في الاختلافات، وفي هذا الخصوص لا يستبعد عدد من الباحثين الإسلاميين العراقيين أن تكون لدعوة الملا عثمان إلى العنف وحمل السلاح علاقة بنقطتين أساسيتين:

الأول: التشجيع الذي أبداه النظام البعثي السابق للمجموعات الإسلامية الكردية في منطقة حلبجة الحدودية، بغية دفعهم إلى حمل السلاح والوقوف إلى جانبه في وجه امتداد النفوذ الشيعي الإيراني، خصوصا في سنوات الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980و 1988.
والثانية: محاولة طهران إقناع المجموعات الإسلامية الكردية، التي التجأت إلى إيران هربا من بطش النظام العراقي السابق، بحمل السلاح ومقاتلة الجيش العراقي إلى جانب القوات الإيرانية ،لهذا قد لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الحرب العراقية الإيرانية عكست تأثيرا كبيرا على التطورات وسط الإسلاميين الأكراد العراقيين.

الإسلاميون والحرب العراقية الإيرانية

لابد من الإشارة إلى بعض المحطات الأساسية في علاقة الإسلاميين الكرد بالحرب العراقية الإيرانية، ففي مطالع تلك الحرب اضطر عدد من القادة الشباب للحركة الإسلامية الكردية للجوء إلى إيران هربا من سوقهم إلى الجيش العراقي بحجة الخدمة العسكرية، وكانت إيران بدأت في هذه الفترة إقامة تحالفات سياسية وعسكرية مع الأحزاب الكردية القومية، التي كانت تقود حركة مسلحة ضد النظام العراقي السابق في جبال كردستان .

وبعد وصول اللاجئين الإسلاميين إلى إيران، حاولت طهران حضهم على تنظيم منظمات سياسية معارضة للنظام العراقي، مبدية الاستعداد لتقديم كل أنواع الدعم لهم في هذا الخصوص، بما فيه الدعم العسكري وكانت إيران لا تأمن جانب الأحزاب الكردية العلمانية من جهة، وتعمل من جهة ثانية على الاستفادة من الطابع السني للأكراد، بغية زرع بذور التصدع في الجدار المذهبي السني العراقي.

في هذا الاتجاه، يروي بشتيوان صادق، في رسالة ماجستير قدمها إلى جامعة صلاح الدين بأربيل : أن إيران دعت في عام 1980 مجموعة من رجال الدين في كردستان العراق، إلى القيام بتشكيل حركة سياسية إسلامية وفي الواقع لقيت الدعوة الإيرانية صدى لدى عدد من الإسلاميين . إذ تأسست أولى هذه الحركات عام 1981، و1982 على يد كردي مقيم في إيران يدعى عباس شاهين شبك.

أسس شبك منظمة الجيش الإسلامي الكردي في العراق، ونظم عددا من المجموعات المسلحة في مناطق قريبة من مدينة السليمانية. لكن سرعان ما نشبت خلافات بينه وبين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، ما أدى إلى حدوث اشتباكات مسلحة بين الطرفين في مطلع صيف 1982، انتهت إلى تفكك الجيش الإسلامي، ولجوء شبك إلى إيران ومنها إلى سوريا. وفي 1983 أسس الشيخ محمد خالد بارزاني حزب الله الثوري الكردي لكن نشاطاته لم تتعد حدود الأكراد اللاجئين في إيران.

وفي مربع آخر، لم تتوقف المحاولات الإيرانية بعد انهيار تجربة شبك، بل ظل العمل قائما من أجل تعبئة حركة إسلامية كردية جديدة، تكون موالية لإيران كسابقتها. وفي هذا المنحى، بادر إسلاميان كرديان عراقيان هما الشيخ لطيف برزنجي والشيخ محمد برزنجي، عام 1986 إلى تأسيس منظمة إسلامية سياسية باسم رابطة علماء المسلمين الكرد، وكان جناحها العسكري يشتهر باسم (جيش القرآن). ورغم أن هذه المنظمة لاقت تأييدا ودعما كبيرا من إيران، بهدف دفعها إلى خوض المقاومة المسلحة ضد النظام العراقي السابق، إلا أن ساحة نشاطاتها ظلت مقتصرة على مخيمات اللاجئين الكرد العراقيين داخل إيران.

وإلى جانب أوساط اللاجئين الكرد في إيران، شمل النشاط الإسلامي – في ذلك المقطع الزمني- مواقع مهمة داخل كردستان العراق. ففي ظل الأجزاء الاحتقانية الصعبة التي خلقتها الحرب العراقية الإيرانية في المناطق الحدودية، شهدت مدينة حلبجة عام 1987 أي في الفترة التي بدأت فيها عمليات الأنفال السيئة الصيت، تظاهرة صاخبة واجهتها قوات الشرطة العراقية بالحديد والنار، إثر هذه التظاهرة التي لعب فيها الإسلاميون دورا لافتا، اضطر الشقيقان الملا عثمان والملا على عبد العزيز إلى ترك المدينة واللجوء إلى إيران، حيث حضتهم الحكومة الإيرانية على تأسيس منظمة سياسية وعسكرية جامعة لكل الإسلاميين الكرد العراقيين.

وبعد أشهر قليلة أثمرت هذه الجهود عن تأسيس (الحركة الإسلامية في كردستان العراق). وهنا تجدر الإشارة إلى أن حركة (النهضة) بقيادة الملا صديق عبد العزيز، و (رابطة علماء المسلمين) بقيادة الشيخ لطيف البرزنجي، انضمتا إلى الحركة الجديدة، والشيء اللافت أن الحركة بادرت إلى إرسال مجموعات مسلحة إلى داخل كردستان العراق، بعدما دخلت في مداولات مع الأحزاب الكردية العراقية بغية التنسيق الميداني.

وفي الفترة نفسها أي عام 1986 توجه عدد من الشباب الإسلامي الكردي، أبرزهم نجم الدين فرج –المعروف بالملا كريكار- إلى باكستان ، للانضمام إلى المدارس الدينية والشرعية هناك. والأرجح أن إقامتهم الطويلة في باكستان ، خصوصا في بيساور هيأت أمامهم فرصة الالتقاء بمسئولين ودعاة في منظمات المقاومة الإسلامية الأفغانية، بينها الحزب الإسلامي الذي يقوده قلب الدين حكمتيار.

وفي مطلع التسعينات وبالذات بعد اندلاع الانتفاضة الكردية في ربيع عام 1991 عاد الملا كريكار إلى كردستان العراق، وبدأ ينشط في صفوف الحركة الإسلامية. بل إنه تولى في السنوات اللاحقة مسئولية المكتب العسكري في حركة الملا عثمان.

في هذه الأثناء، شرعت الحركة الإسلامية في إقامة قواعد عسكرية صغيرة في الجبال المحيطة بمدينة حلبجة، إضافة إلى قواعد أخرى في أطراف مدينة قلعة دزه شمال شرقي السليمانية، وكانت تحظى في هذه الفترة بدعم الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، ولا يستبعد مراقبون أن يكون للتحالف المشترك للحزبين مع إيران دور أساسي في هذا الدعم. ومع ها، لم تبد قواعد الحركة الإسلامية أي نشاط عسكري ملحوظ ضد النظام العراقي السابق. لكنها استطاعت أن تشكل نقطة جذب لافتة للشباب الإسلامي الكردي خصوصا في العامين الذين سبقا وقف الحرب العراقية الإيرانية عام 1988.

وفي السادس عشر من مارس (آذار) من العام نفسه- 1988- قامت الطائرات العراقية بقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، وراح ضحيتها نحو خمسة آلاف قتيل وعشرة آلاف مصاب. إضافة إلى آلاف أخرى من أهالي المدينة اضطروا إلى الهجرة إلى إيران. ولا جدال في أن مأساة حلبجة لعبت دورا أساسيا في تنامي قوة الحركة الإسلامية، ذلك أن أكثر الكوادر القيادية الإسلامية تعود إلى أصولها المناطقية إلى حلبجة وأطرافها.

وفي المقاطع الزمنية اللاحقة، تلقت الأحزاب الكردية المسلحة، خصوصا القومية منها، ضربة عسكرية أليمة نتيجة وقف الحرب العراقية الإيرانية، فبادرت منظمات إنسانية ودول عدة لإرسال المساعدات إلى ضحايا المأساة.

وفي هذه الأجواء، بادر الإسلاميون الكرد ممن كانوا يقيمون في أوربا إلى عقد مؤتمر في تركيا أعلنوا فيه إنشاء منظمة كردية الطابع، تتركز أهدافها على العمل الدعوي والتربوي للإغاثة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين، وكان ا لاسم الذي اشتهرت به المنظمة : (الرابطة الإسلامية)، تسلم رئاستها الإسلامي الكردي الدكتور على قرادغي، المقيم حاليا في إحدى دول الخليج العربية، وكان يقيم حينئذ في بريطانيا. ونشير كذلك إلى أن عددا من الإسلاميين العراقيين غير الأكراد، بينهم إياد السامرائي وأسامة التكريتي، حضروا أعمال المؤتمر.

وفي إطار الأهداف الأساسية للرابطة، يروي بهاء الدين أن المؤتمر حددها بشرح الأبعاد السياسية والثقافية للحالة الكردية في الأوساط الإسلامية العالمية، والشروع في حملة إغاثة إنسانية لتحسين أحوال اللاجئين إلى تركيا وغيران، ويشير بهاء الدين إلى أن الرابطة لم تحمل أهدافا سياسية معلنة، لكنها حملت هدفا غير معلن مؤداه التحضير لمشروع إسلامي سياسي كردي عراقي.

وبعد انفضاض المؤتمر، أخذ الدكتور قرادغي ينشط في ميدان الرابطة عبر استفادته من حرية الحركة والنشاط في أوربا. لهذا، بدأ بفتح فروع لرابطته في ألمانيا وهولندا وعدد من الدول الاسكندنافية ، وفيما بعد وسع من شبك الفروع لتشمل دولا خليجية كدولة الإمارات وقطر والكويت . كما أن مجموعة أخرى قريبة من الدكتور فرادغي بدأت بالنشاط في الولايات المتحدة، وأصدرت من هناك مجلة إسلامية داعية للإصلاح باسم (آلاي إسلام- راية الإسلام).

وفي هذه الفترة، تأسست في عام 1990 منظمة إسلامية صغيرة، عرفت بالحركة الإسلامية القومية الكردستانية، وكان يقودها ضابط عسكري كردي اسمه الملازم نهاد برزنجي، لكن هذه المنظمة لم تستمر أكثر من ست سنوات، انضمت بعدها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي عام 1991 أسس الملا آمين بيرداود خوشناو منظمة أخرى عرفت بجماعة (الجهاد الإسلامي في كردستان العراق)، لكن اغتيال خوشناو في 1997 على أيدي مجهولين في مدينة أربيل، أدى إلى تفكك الجماعة في العام نفسه.

مرحلة التسعينات : تغيرات وصراعات

في المقطع الزمني الممتد بين وقف الحب العراقية الإيرانية، وغزو القوات العراقية لدولة الكويت في أغسطس (آب) 1990 دخلت حركة الإسلام السياسي الكردي فترة هدوء، نتيجة انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وشروع الجيش العراقي باستخدام الأسلحة الكيماوية.

لكن بعد الهزيمة التي لحقت بالقوات العراقية في دولة الكويت عام 1991، تغيرت الحلة بشكل جوهري ففي الأيام التي أعقبت الهزيمة، شهد العراق انتفاضتين واسعتين: الأولى في الجنوب الشيعي، والأخرى في الشمال الكردي. واللافت أن الأكراد المنتفضين نجحوا في إخراج القوات العسكرية والأمنية والحزبية العراقية من الجزء الأكبر من كردستان العراق في ربيع عام 1991، رغم انتفاضتهم سحقت بعد أسابيع قليلة من اندلاعها.

ورغم سحق الانتفاضة، إلا أن حكومة بغداد اضطرت إلى الانسحاب إلى جنوب خط العرض 36، بعدما أعلنت لأمم المتحدة شمال هذا الخط (كردستان العراق في ما عدا مدن كركوك وخانقين) منطقة آمنة ومحمية في وجه أي تهديدات عسكرية عراقية.

في بدء الانتفاضة، عادت الأحزاب الكردية العراقية بما فيها القوى الإسلامية إلى مدن كردستان العراق وأريافها . وفيما بعد، أسهمت هذه الأحزاب والقوى في تنظيم انتخابات تشريعية في المناطق التي انسحبت منها القوات العراقية، وذلك في التاسع عشر من مايو (أيار) 1992، أما الإسلاميون – الحركة الإسلامية ومناصرو رابطة قرداغي الذين شرعوا يعرفون عن أنفسهم باسم (الإسلاميون المستقلون) – فإنهم شاركوا في الانتخابات عبر قائمة موحدة أطلقوا عليها اسم القائمة الإسلامية

لكن هذه القائمة لم تفلح في اجتياز حاجز 7 في المائة للوصول إلى البرلمان الكردي، إلا أن مشاركتها في الانتخابات، في حد ذاتها، أعطت مؤشرا لعزم الإسلاميين في كردستان العراق على استثمار الوضع الكردي الجديد لتقوية مواقعهم، وبلورة شخصيتهم السياسية المستقلة.

والمعروف أن الأحزاب القومية الكردية، خصوصا الحزبان الكبيران: الديمقراطي الكردستاني بزعامة (الرئيس الحالي لإقليم كردستان العراق) مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة (رئيس الجمهورية الحالي في العراق) جلال طالباني، عاشت خلافات غير معلنة ألمحت إلى احتمال تصدع العلاقات المستقبلية بينهما.

لهذا ، لم يرغب الإسلاميون المستقلون في إقحام أنفسهم في خلافات هذه الأحزاب، وبالتالي لم يؤيدوا ترشيح الملا عثمان عبد العزيز نفسه لزعامة كردستان. والمعروف أن الانتخابات البرلمانية الكردية، رافقتها انتخابات أخرى هدفت إلى انتخاب زعيم للمنطقة الكردية (الآمنة) التي أصبحت تمتلك برلمانا وحكومة محلية، وكان بارزاني وطالباني والملا عثمان أبرز المرشحين في تلك الانتخابات.

وفي تلك الفترة، أصدر الإسلاميون المستقلون بيانا أكدا فيه أنهم شركاء مع الحركة الإسلامية في قائمة الانتخابات البرلمانية، لكنهم لا يؤيدون ترشيح أي إسلامي بمن فيهم الملا عثمان لانتخابات الزعامة الكردية، نظرا لحرصهم على عدم التورط في الصراعات بين الأحزاب القومية الكردية.

وفي الواقع، أثبتت ههذ ا لنظرة واقعيتها، حينما دخلت الحركة الإسلامية بزعامة الملا عثمان في صراع مسلح عنيف مع الاتحاد الوطني في أواخر عام 1993، وقد نجح مقاتلو الاتحاد الوطني في تدمير قواعد الحركة في أطراف حلبجة، واسروا زعيمها الملا عثمان وبعد أقل من أسبوعين أطلقوا سراحه.

أسهم المصير الذي آلت إليه الحركة الإسلامية بعد مواجهات 199 في خلق فراغ إسلامي شبه كامل في كردستان العراق. لهذا بادر الإسلاميون المستقلون بزعامة صلاح الدين بهاء الدين – الذين تجنبوا التورط في تلك الصراعات- إلى بلورة فكرة إقامة حزب سياسي. وكان البرلمان المحلي الكردي أصدر في تلك الفترة القانون رقم 17 الخاص بتأسيس الأحزاب السياسية . وفي الواقع، كانت هذه الفكرة متداولة منذ منتصف عام 1993.

لكن التوترات ومن ثم الصراعات المسلحة التي نشبت بين حركة الملا عثمان وحزب طالباني. أدت إلى تأخير ترجمتها على أرض الواقع. لكن، وبعد استتباب الهدوء قدم بهاء الدين طلبا لوزارة الداخلية الكردية وقعه 55 عضوا مؤسسا للحصول على الإجازة الرسمية. وفي السادس من فبراير (شباط) عام 1994 حصلت الإجازة وتأسس أول حزب إسلامي كردي باسم حزب الرابطة الإسلامية الكردستاني.

بعدما شرع حزب الرابطة في النشاط، جرت مداولات بين القوى الإسلامية لتقريب وجهات النظر وابحث عن أرضية مشتركة للتعاون والاتحاد. وفي هذه الفترة أعلن الملا صديق عبد العزيز بدء حركة النهضة الإسلامية بالنشاط السياسي العلني، من دون تقديمه لأي طلب إلى وزارة الداخلية للحصول على إجازة رسمية ومع هذا ظلت الخلافات شديدة بين القوى الثلاث خصوصا في ما يتعلق بمسألة الجهاد المسلح. وما زاد الطين بلة أن الملا عثمان ظل يعتبر نفسه المرجع الأوحد للإسلاميين الكرد.

ورغم الخلافات، انتهت المداولات في عام 1999 إلى إعلان الحركة الإسلامية وحركة النهضة توحيد نفسها في إطار سياسي واحد تحت اسم (حركة الوحدة الإسلامية في كردستان العراق) فيما ظل حزب الرابطة يعمل بشكل مستقل. وبعد الإعلان بعام عقدت ا لحركة مؤتمرا في قرية (تويله) القريبة من الحدود الإيرانية، وكان التطور الأبرز في هذا المؤتمر هو حصول التيار الذي كان يقوده على بابير على أكثر المواقع القيادية في الحركة .

وكان بابير في الأصل يعمل في إطار حركة الشقيقين الملا عثمان والملا على. لكن حصول الإسلاميين الشباب على نسبة كبيرة من الأصوات في المؤتمر أدى إلى تراجع شعبية الملا على، ما دفع به إلى التمسك بموقع الرئاسة في الحركة.

لكن بابير لم يرض بهذا، ما أدى به إلى الانشقاق على حركة الوحدة الإسلامية، وتأسيس منظمة جديدة باسم (الجماعة الإسلامية في كردستان العراق) وفي الوقت عينه، تخلى الملا على عن حركة الوحدة، معيدا تأسيس منظمته القديمة: (الحركة الإسلامية في كردستان العراق) كما بادر آخرون إلى تأسيس عدد من المنظمات الصغيرة أشهرها مجموعة (حماس) التي ترأسها حسن صوفي، والذي قتل في حلبجة إبان المواجهات مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وكذا مجموعة (التوحيد) التي ترأسها سرباز غردي، الذي قتل بدوره في مواجهة مسلحة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في منطقة حاج عمران الحدودية مع إيران.

وهناك أيضا مجموعة (الإصلاح) بقيادة الملا كريكار، و (منظمة الجيش الثاني لمنطقة سوران) وترأسها آسو هوليري ، المعتقل حاليا لدى القوات الأمريكية.

الاتجاه نحو العنف المسلح

في عام 2001 تمتعت المجموعات المنشقة عن مؤتمر تويله، عدا مجموعة بابير، بعلاقات لافتة مع الحركات الإسلامية في أفغانستان، خصوصا مع حركة طالبان والمقاتلين العرب المنضوين تحت راياتها، وهنا لا يستبعد عدد من الباحثين تعاونا بين المجموعات الكردية المنشقة، وتنظيم القاعدة في أفغانستان، خصوصا في الفترة التي سبقت الهجوم الإرهابي ضد واشنطن ونيويورك في سبتمبر (أيلول) عام 2001، إلى ذلك، لا يستبعدون أن تكون نزعة معاداة الولايات المتحدة لدى الأوساط الإسلامية المتشددة في كردستان العراق

هي بمثابة بضاعة استوردتها المجموعات المنشقة من أفغانستان خصوصا، بعدما بادرت هذه المجموعات عام 2001، عدا مجموعة الإصلاح إلى توحيد نفسها في منظمة جديدة عرفت بـ (جند الإسلام) وترأسها عبد الله الشافعي، من أهالي قرية تلخيم جنوب أربيل. وفي نهاية 2001 انضمت (الإصلاح) إلى (جند الإسلام) التي تحولت بدورها إلى منظمة لا تزال تعرب بـ (أنصار الإسلام) وترأس المنظمة الجديدة الملا كريكار.

انتهجت أنصار الإسلام العنف سبيلا غلى بث معتقداتها السياسية والدينية، والأرجح أن نزعة معاداتها لأمريكا أغرت إيران بالتعاون معها رغم طابعها السني. وفي هذه الأثناء شرعت أنصار الإسلام في نشر مقاتليها في مناطق متاخمة للحدود مع إيران، خصوصا في قرى تويله وبياره وخيلي حمه وأطراف قصبة خورمال، كما أنها بدأت بتطبيق أحكام الشريعة في مناطق نفوذها في ما يتعلق بارتداء الحجاب، وجمع الضرائب، ومنع الفضائيات والملاعب الرياضية، إضافة إلى منع الفتيات من الانتساب إلى المدارس.

وقد أفضت النشاطات العسكرية لمنظمة الأنصار، إلى حصول مواجهات عسكرية بين مقاتليها ومقاتلي الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2002 وبعد مضي عام، ومع بدء الحرب على العراق في مارس (آذار) 2003 انقضت طائرات حربية أمريكية على مواقعها. وكانت الذريعة الأساسية للقصف، أن أنصار الإسلام تمثل ذراعا لتنظيم القاعدة، وأنها تأوي مقاتلين وكوادر هاربة من أفغانستان إضافة إلى القيام بمحاولات لتصنيع أسلحة كيماوية وجرثومية في كهوف جبلية قريبة من حدود إيران.

وفي الحقيقة، لم تتضح درجة الأضرار التي لحقت بأنصار الإسلام جراء عمليات القصف، لكن الأكيد أنها تكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة، كما أن تعاون الأحزاب القومية الكردية مع الولايات المتحدة أسهم في تضييق فرصة البقاء والاستمرار أمام المنظمة في مناطقها الحدودية، ما أجبر قسما من مقاتليها على الانتقال إلى إيران، فيما انتقل عدد آخر من قيادييها ومقاتليها إلى داخل المدن العراقية الكبيرة، خصوصا بغداد والأنبار والفلوجة والموصل.

إلى ذلك، حاول زعيم الأنصار الملا كريكار، العودة إلى إيران للحاق بمقاتليه. لكن السلطات الهولندية اعتقلته في المطار. ولم تحاول تلك السلطات تسفيره إلى بلده الأصلي العراق نظرا لسوء الأوضاع الأمنية هناك. لكنها سلمته إلى السلطات النرويجية باعتباره حاصلا على حق اللجوء السياسي في النرويج، ولا تزال المحاكم النرويجية تنظر في اتهامات عدة موجهة إلى الملا كريكار بينها، دعمه للإرهاب في العراق.

عدا النشاطات الإرهابية لأنصار الإسلام وأنصار السنة، في بغداد والمناطق الغربية من العراق، دأبت المنظمتان على تنفيذ عدد من التفجيرات في كردستان العراق، خصوصا في العاصمة الإقليمية أربيل، وكان أبرز هذه النشاطات العملية الإرهابية التي فجرت مقرين كبيرين للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني في أربيل في الأول من فبراير (شباط) عام 2004 وقد سقط فيهما أكثر من 100 ضحية، فيما أصيب أكثر من 200 آخرين بجروح.

الخط المعتدل

هنا، لابد من العودة إلى المحور الاعتدالي في أوساط الإسلام السياسي في كردستان العراق، إذ في الوقت ا لذي استقرت أنصار الإسلام وأنصار السنة إلى التعاون مع القاعدة في وسط العراق وشماله، حافظ الاتحاد الإسلامي الكردستاني على توجهاته الدعوية والسلمية في مناطق كردستان المختلفة. وما زاد من قوة المنطق السلمي للاتحاد.

أن الجماعة الإسلامية بزعامة بابير، عادت للقبول باللعبة السياسية في ساحة كردستان، على الرغم من أن الأمريكيين ألقوا القبض على بابير عام 2004 بتهمة دعمه للإرهابيين ، ثم عادوا فأطلقوا سراحه بعد نحو عام، إثر وساطات قام بها الزعماء الأكراد.

وفيما بعد، شاركت الجماعة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الكردية عام 2005 بقائمة منفردة، وفازت بستة مقاعد وحقيبة وزارية في الحكومة الإقليمية الكردية. أما الاتحاد الإسلامي فإنه أسهم في الانتخابات عبر قائمة مشتركة مع الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني والحزب الاشتراكي، وكان نصيبه تسعة مقاعد في البرلمان، وحقيبتين وزاريتين في الحكومة، أما الحركة الإسلامية التي تزعمها الملا على، فإنها اشتركت بدورها في الانتخابات بقائمة منفردة، لكنها لم تفز بأي مقعد نيابي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن – الأمريكيين الذين فوضتهم الأمم ا لمتحدة بلعب دور سلطة الاحتلال في العراق - حضروا على المنظمات الإسلامية في كردستان العراق، منذ عام 2003 أي نشاط عسكري.

خاتمة

يمكننا من خلال العرض السابق أن نخلص إلى القول إن المجتمع الكردستاني، يتمتع باعتدال عام في نزعاته الدينية، لأسباب يمكن إدراجها على الشكل التالي:

أولا: التسامحية التي تطبع في العادة كل مجتمعات الأقلية في الشرق الأوسط، ومن بينها المجتمع الكردي المقسم منذ عام 1926 بين أربع من أهم دول المنطقة : تركيا وإيران، والعراق وسوريا . ففي هذه الدول وأخرى غيرها في الشرق الأوسط تتميز حياة الأقليات بنفحة داعية إلى الانفتاح والديمقراطية والتسامحية، رغم أن بعضا منها كالأكراد مثلا، اضطروا في الغالب إلى حمل السلاح في وجه أنظمة عسكرتارية شمولية لم تستوعب خصوصياتهم.
ثانيا: قوة الأحزاب العلمانية الكردية التي امتلكت طوال نصف القرن الماضي، ناصية انتفاضات وقوات مسلحة كبيرة، استخدمتها في حالات عدة، لا للحد من نمو وانتشار الإسلام السياسي، إنما لترويض هذا الإسلام وتحييده في صراعاتها مع الأنظمة السياسية العراقية المتعاقبة.
ثالثا: الشراكة المذهبية بين الغالبية الكردية (السنية) والدولة العراقية، على الأقل حتى عام 2003 وفي هذا الإطار لم تحبذ الحركات الدينية إقحام نفسها في صراعات قومية كثيرا ما تحولت إلى مواجهات عسكرية دموية ، وفي المقابل ظل الطرفان المتصارعان الكردي والحكومي العراقي، يحاولان جهدهما إبقاء الدين والمذهب بعيدا عن حلبة صراعاتهما. فالأطراف الثلاثة: الدولة العراقية والأكراد والإسلام السياسي في كردستان العراق، اشتركوا في المذهب الواحد، رغم أن هذه الشراكة تغيرت بعد زوال النظام السابق في أبريل (نيسان) 2003 بعدما ما طغى الطابع الشيعي على الدولة العراقية.
رابعا: تمتع الإسلاميون الأكراد بعلاقات لافتة مع الإسلام السياسي التركي، خصوصا مع الأحزاب ذات الطابع الإسلامي، وحيث أن السمة الأساسية للإسلام السياسي في تركيا هي سمة اعتدالية، فكان طبيعيا أن تعكس هذه الحالة بعضا من صورها على الوضع الإسلامي في كردستان العراق.

شخصيات ورموز الحركة الإسلامية في كردستان العراق

د. صباح محمد البرزنجي

تمتاز الحركة الإسلامية في كردستان العراق بأنها كانت حركة علماء دين، إذ كانت أكثرية مؤسسيها وقادتها من العلماء ومن تأثر بهم من التلامذة والمريدين ، ونظرا لأن تاريخ هذه الحركة له صلة وثيقة بحياة هؤلاء العلماء، فإننا سنحاول التعريف بهم وتقديمهم بصورة مجملة، وكذا التعرف على أهم الشخصيات والرموز المساهمة في تأسيس وتنشيط الحركة الإسلامية، من خلال الإلمام بسيرة حياتهم ونوع دراستهم، ومدى تأثيرهم في مسار ا لعمل الإسلامي في كردستان العراق.

إن ظهور الحركة الإسلامية في كردستان العراق له ما يبرره تاريخيا وسياسيا، فمن الناحية التاريخية، يعد الشعب الكردي من أعرق الشعوب المسلمة تمسكا بإسلامه، وإسهاما في رفد الحضارة الإسلامية، بحيث تحول الدين إلى جزء لا ينفك عن هويته القومية والاجتماعية، ومن الناحية السياسية، كان لوجود الأحزاب القومية والماركسية دور في انبعاث التيار الإسلامي من وهدته الطويلة، إذ انبرى جمع من العلماء الواعين والدعاة للتصدي لكلا الاتجاهين، مستهلين أفكارهم ورؤاهم مما فهموه من الإسلام عقيدة وشريعة، ومما أبدعه أئمة الإصلاح والدعوة المعاصرون من طروحات وأفكار بناءة.

وقد سنحت الفرصة الموضوعية لذلك، إذ بلغ السيل الزبى بما قام به نظام صدام من إهلاك للحرث والنسل وانشغال بحرب ضروس مع إيران لمدة ثماني سنوات، فالحركة الإسلامية في كردستان العراق هي التنظيم السياسي والدعوى والعسكري الذي أسس في عام 1997 والذي تولى إرشاده العام الشيخ عثمان عبد العزيز لغاية عام 1997 ، ومن بعده خلفه أخوه الشيخ على عبد العزيز حتى عام 1999 حيث تم الائتلاف مع حركة النهضة الإسلامية لتشكيل حركة الوحدة الإسلامية

والتي لم تعمر إلا عاما واحدا، بسبب الانقسامات الناجمة عن نتائج مؤتمرها الأول، فتشعبت من حركة الوحدة تكتلات عديدة : التكتل الأكبر عرف في ما بعد بالجماعة الإسلامية، والآخران أحدهما باسم الحركة الإسلامية في كردستان العراق، والثاني باسم جند الإسلام، الذي تحول إلى جماعة أنصار الإسلام، بقيادة الشيخ نجم الدين فرج (كريكار). إذا نحن بصدد التعريف بشخصيات ا لحركة ورموزها ونعني بالحركة هنا مجالا زمنيا محددا بين 1987، و1999.

الرواد الممهدون

يقول الشيخ الدكتور طه جابر العلواني:

" كان شمال العراق ولا يزال منبعا وموردا للعلماء والفقهاء السنة، خاصة في المذهب الشافعي وعلوم العربية، وكان من أكابر علماء العراق الأكراد الذين عاصرناهم وأخذنا عنهم: علامة العراق الأكبر الشيخ أمجد الزهاوي، والعلامة محمد القزلجي، والعلامة عبد الكريم محمد".

واستنادا إلى هذا الرأي، يمكن القول إن وجود العلماء الأتقياء في كردستان، وعلى مر العصور، شكل الأرضية المناسبة والمهيأة لنشوء التيار الإسلامي الدعوي والحركي، بالإضافة إلى وجود الطرق الصوفية، التي ساعدت إلى حد كبير على المحافظة على الوجه الإسلامي في هذه المنطقة، فهذه الطرق رغم وجود بعض السلبيات، قد حالت في كثير من الأحيان بين المنتمين إليها وبين السقوط في براثن الشيوعية والإلحاد.

وقد كانت قيادة الثورات الكردية في أغلب الأوقات منوطة بمشايخ هذه الطرق والمنتسبين إليهم. فهذا أحد الباحثين الأكادميين بعد دراسة مفصلة عن الصوفية وأثرهم في الحركة التحررية القومية الكردية، يتوصل إلى نتيجة مفادها أن مشايخ الصوفية في كردستان فضلا عن كونهم مجاهدين روحانيين، كانوا مناضلين قوميين، مزجوا بين ا لطريقة والدين وبين الفكر القومي الكردي، وبالرغم من سلبياتهم أحيانا بالانخراط في سياسات المحتلين، إلا أن القومية الكردية قد مرت من التكايا والخانقاهات بسلام، وأصبح شيوخ الطريقة قيادة وسندا لهذه الحركة.

إننا قد لا نتفق مع الباحث في تحليله لهذه الظاهرة وتعليلها لكن العبرة بأن الوعي الاجتماعي الكردي في الفترات السابقة وإلى الآن وعي متصل بالثقافة الدينية والمؤسسة الدينية، وكان هذا لوعي يؤتي ثماره المرجوة كلما كان يتصدى لقيادة الجماهير عالم ديني أو شيخ صوفي، ليس بسبب تدني المستوى الثقافي والفكري، ولا بسبب شيوع الأمية والجهل كما يزعم ولكن بسبب ما كان يلمسه الشعب الكردي من هذه القيادات من إخلاص وتفان وإحساس بالمسئولية.

فالأصل في العرف الاجتماعي والسياسي الكردي أن تكون القيادة في البيوتات والعائلات الدينية ولا تخرج منها، وكل ما كان خارجا عنها فهو شاذ ولا يقاس عليه، فمنذ انتفاضة الشيخ عبيد الله النهري 1880 إلى ثورة سبتمبر (أيلول) 1961 بقيادة مصطفى البارزاني، كان أهل ا لدين والعلم حملة أمناء لهموم الشعب الكردي وجزءا أساسيا من هيكل ثوراته.

أولا: العلماء:

  1. العلامة الشيخ بابة رسول البيدين: عالم جليل وأديب كبير، ولد عام 1303هـ / 1885م، وتوفي 1366هـ/ 1946، وكان له دور بالغ في توعية الجماهير الكردية، وما زالت قصائده تحفة تزدان بها مجالس العلماء والتي دافع بها عن قضايا شعبه وأمته.
  2. العلامة الملا محمد بن عبد الله الجلي: عالم ومفسر وأصولي وفقيه، ولد عام 1876 في مدينة كوية في أسرة علمية عريقة، ورثت الفضل والسؤدد أبا عن حجد، ونشأ في رحاب مدرسة والده العلامة الشيخ عبد الله الجلي، حتى استوى في كافة العلوم والفنون، وأسندت إليه مهام التدريس والإفتاء والقضاء وكان عضوا في المجلس التأسيسي العراقي. يعد – رحمه الله- من أعلام الكرد والعراق البارزين، ومن أئمة الإصلاح الديني والاجتماعي.
  3. العلامة الشيخ أمجد الزهاوي: علامة وفقيه العراقيين، وصاحب المواهب والمناقب الجمة، ولد عام 1883 في بغداد، ونشأ في أسرة علمية ثرية ذات مكانة اجتماعية مرموقة، تلقى علومه الشرعية والنظامية في بغداد واسطنبول على يدي كبار علماء عصره، ثم عاد إلى بغداد فنال شهرة واسعة في التدريس والإفتاء والقضاء، وصار مرجع العلماء في عصره، وله مشاركات واسعة في خدمة قضايا الأمة.
  4. العلامة الشيخ حسين البيسكندي: عالم علامة، ولد عام 1865 بالسليمانية ، أخذ عنه الإجازة كبار علماء عصره، وكانت له مكانة علمية واجتماعية متميزة، توفي سنة 1948.
  5. العلامة رشيد بك الباباني: عالم ومحدث وفقيه، ولد عام 1300هـ/ 1882م. دخل في سلك الدراسة وكان مفرط الذكاء، فاستمر حتى أخذ الإجازة من العلامة الشيخ عبد الرحمن البنجويني، ثم رجع إلى السليمانية، وبعد الحرب العالمية الأولى انتقل إلى الآستانة. ألف كتابا جامعا بين صحيحي البخاري ومسلم، ثم قام بشرحه باللغة الكردية بأسلوب بديع من السهل الممتنع، وهو أول من كتب في شروح السنة باللغة ا لكردية.
  6. القاضي الشيخ محمد الخال: عالم ومفسر وأديب كبير، ولد بالسليمانية عام 1904 ، تتلمذ لدى العلامة الشيخ عمر القرداغي، اشتهر بتفسيره للقرآن الكريم باللغة الكردية، وبإحيائه لتراث العلماء والأدباء القدامى، ترك مؤلفات كثيرة، ونال مكانة سامية في مجالات العلم والأدب والقضاء، توفي عام 1989.
  7. العلامة الشيخ عبد الكريم المدرس: المفسر والفقيه والعلامة الكبير، صاحب التأليفات العديدة والمواقف السديدة، ولد في قرية تكية عام 1323هـ / 1905م، تنقل في مدارس كردستان كثيرا، حتى استقر لدى العلامة الإمام الشيخ عمر ابن القرداغي، فاستكمل دراساته العليا على يديه حتى أخذ الإجازة منه عام 1343هـ / 1924م، فتولى وظيفة الإمامة والتدريس والإفتاء في مدرسة بيارة الشهيرة، وبقي بها حوالي 24 عاما، ثم انتقل إلى السليمانية، ومنها إلى كركوك فبغداد، حيث استمر في إفادة الطالبين إمامة وإفتاءا وتدريسا وتأليفا .
  8. العلامة علاء الدين السجادي: الأديب اللبيب والعالم الحسيب، ولد عام 1325هـ/ 1907م في مدينة سنندج الإيرانية، وبعد إتمامه للدراسات الابتدائية، ارتحل في طلب العلم وسافر إلى أماكن عديدة، حتى استقر به المقام في بغداد، فتتلمذ على يدي علمائها حتى أخذ الإجازة. ترك لنا مؤلفات أدبية وتاريخية قيمة، وكان من أبرز أعضاء المجمع العلمي الكردي في بغداد، وقد توفي عام 1405هـ/ 1984م.
  9. العلامة الشيخ محمد بهاء الدين: العالم الفاضل الورع الوقور، الذي ورث الفضل والأدب والتقوى أبا عن جد ، ولد عام 1907 في بيارة، من المدرسين والعلماء البارزين الواعين في المنطقة، وكان مصلحا اجتماعيا له مكانته الكبيرة عند الناس، تربطه علاقة قوية بالشيخين الزهاوي والصواف، وتوفي عام 1983. وهو أول مرشد عام لحركة الرابطة الإسلامية بكردستان، حيث انتخب لهذا المنصب اعتقادا من مؤسسي ههذ الحركة بعلمه وتقواه وحكمته، وكان بحق نموذجا للعالم العامل بعلمه، الذي لا يخاف في الله لومة لائم.
  10. العلامة الشيخ صالح عبد الكريم: عالم وفقيه كبير، ولد عام 1904 في حلبجة ، وتوفي في الغربة في سنندج عام 1990، كان من كبار العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل والشجاعة في قول الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، تخرج على يديه علماء كثيرون، وكان شيخ علماء السليمانية في عصره، وله ا لفضل في نشر الوعي الديني الإسلامي في العقود الأربعة الأخيرة في هذه المنطقة.

ثانيا: الكتاب:

  1. الشيخ عبد العزيز البارةزاني: لا يمكن الحديث عن التيار الإسلامي في كردستان دون الحديث عن سيرة هذا الرجل الرباني المبارك، الذي وقف حياته لشر الوعي الديني الصحيح بين أبناء الشعب، فهو من طلائع الذين انبروا للدفاع عن افسلام بقلمه الصادق الرصين. بكتاباته الجميلة والرائعة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والفرد الصالح والأسرة السعيدة، وأسس الإيمان والإسلام، والمجتمع الفضال. ولد هذا العالم الفذ عام 1928 في بارةزان بشهربازار. دخل سلك المدارس الحلقية في السابعة من عمره، فاستمر في تلقي العلم الشرعي حتى أخذ الإجازة من الشيخ صالح عبد الكريم ، ثم عين معلما في مدارس التربية بحلبجة وضواحيها، توفي عام 1976.
  2. الشيخ محمد صالح الشهرزوري: عالم فاضل وكاتب أديب، تصدى للفكر المادي بكتاباته الرصينة والعلمية الموفقة والموثقة، ويمكن القول إنه كان أحب علماء الدين إلى نفوس الشباب، لما كان يتمتع به من أسلوب تربوي وأدبي وعصري، ولد عام 1946 في قرية كجلي في شهرزور. بدأ دراسته لدى والده الفاضل الملا صالح ، ثم ذهب إلى حلبجة لاستكمال معلوماته في المعهد الإسلامي، فتخرج منه عام 1971 بدرجة عالمية، ثم عين إماما وخطيبا، فشرع في توعية الناس بالمفاهيم الإسلامية الأصيلة عبر خطبه وكتاباته. تعرض للسجن والتعذيب مرارا، وترك لنا مكتبة فكرية راقية. وم أهم ما كتبه: الصدفة في ميزان العقل، الطبيعة في ميزان العقل، داروين في ميزان العقل، فرويد في ميزان العقل، وكلها كتابات أفادت جيل الشباب حينما كانت المكتبة الكردية تفتقر إلى مثلها، ولهذا يعد واحدا من ألمع وجوه التيار الإسلامي، توفي رحمه اله عام 1987.
  3. الشيخ حسن البنجويني: كاتب أديب وعالم فاضل. ولد في بنجوين، بدأ الدراسة لدى علماء منطقته ، ثم دخل المعهد الإسلامي ليقبل فيما بعد في كلية الإمام الأعظم، تخرج منها فصبح مدرسا في المدارس الإعدادية، عمل كداعية في الثمانينيات من القرن الماضي، ثم هاجر إلى إيران وباكستان، حتى ا ستقر به المقام لاجئا في استراليا، وفي الغربة واصل دراساته العليا في مجال الفكر السيسي الإسلامي. وقد كان لكتاباته أثر بالغ في توجيه الشباب وتربيتهم تربية دينية خالصة.
  4. الأستاذ محسن جوامير: كاتب وباحث مرموق في الوسط الإسلامي منذ الثمانينات ، ولد في أربيل، واضطر للهجرة من العراق إلى بلاد الغربة، شارك في العديد من المؤتمرات السياسية والفكرية، وله اهتمامات واسعة بحل القضية الكردية، وقد يؤخذ عليه أنه يبالغ في الدعوة إلى الدولة القومية الكردية، بحيث أصبحت الشغل الشاغل لديه.

المؤسسون

نعني بالمؤسسين، السادة العلماء الذين أسهموا في غرس شجرة أول تنظيم إسلامي في كردستان، سواء من كان من مؤسسي حركة الرابطة الإسلامية في كردستان العراق 1978، أم من أسهم في تأسيس الحركة الإسلامية 1987، وهم كالآتي:

أولا: مؤسسو حركة الرابطة الإسلامية:

  1. الشيخ عثمان نجم الديم المردوخي: عالم فاضل . ولد في إحدى القرى التابعة لمدينة مريوان في كردستان إيران عام 1935، وتوفي فيها عام 1999 ، بعد عمر حافل بخدمة الإسلام وبني شعبه. كان رحمه الله مثالا للعالم الغيور على دينه وعقيدته، لا يخشى أحدا إلا الله ، امتاز بانتمائه إلى الطريقة النقشبندية وصلته الحميمة بالزعيم الكردي مصطفى البارزاني، وبسبب هاتين الصلتين حصلت بينه وبين سائر مؤسسي الرابطة جفوة فقطيعة، أدت إلى عدم ذكره كمؤسس في أدبيات الحركة الإسلامية، لكن الواقع أنه أول من دعا لتنظيم حركة الربطة الإسلامية في أواخر السبعينات.
  2. الشيخ أحمد القاضي: العالم الفاضل، والأديب المتمكن من اللغات الكردية والعربية والفارسية، ولد في بنجوين عام 1920، درس العلوم الشرعية واللغوية المتعارف عليها لدى علماء المنطقة، حتى أخذ الإجازة من العلامة الملا عارف البنجويني، واستوي في الإفتاء والتدريس وتربية الطلبة والجماهير، وانخرط في سل الطريقة النقشبندية. كان له دور إرشادي بناء في تكوين حركة ا لرابطة الإسلامية، توفي رحمه الله عام 1983.
  3. الشيخ محمد بهاء الدين: تقدمت ترجمته في المبحث السابق، لكن ينبغي أن نشير إليه كأحد المؤسسين للرابطة، وأول مرشد عام لها.
  4. الشيخ على بيارة: العالم الفاضل العامل، ولد عام 1941 في قرية بناوةسوتة التابعة لقضاء بنجوين، تجول في مدارس كردستان حتى أخذ الإجازة عام 1966 من العالم الكبير الشيخ محمد أمين الكاني ساناني، ثم صار إماما ومدرسا في خانقاه بيارة، تعرض للخطف والاعتقال من قبل رجال الأمن والمخابرات مرتين ونجا بواسطة بعض الخيرين بأعجوبة، شارك في تأسيس الرابطة الإسلامية، وتولى قيادة تنظيمها الداخلي في مدينة سيد صادق. هاجر إلى إيران عام 1985، فاختير نائبا للمرشد العام ، ومسئولا لجناحها العسكري الموسوم بجيش القرآن، وأسهم في تأسيس الحركة الإسلامية عام 1987، وانتخب عضوا في المكتب السياسي، كانت له إسهامات فكرية وسياسية، وله إلمام بالتاريخ القديم والحديث، شارك في كثير من النشاطات الميدانية مع مجاهدي الحركة الإسلامية حتى استشهد بتاريخ 9/ 3/ 1988.
  5. الأستاذ عبد الرحمن بن معروف النورسي: الأستاذ الحقوقي والداعية. ولد في السليمانية عام 1947، أكمل الدراسة الابتدائية والثانوية فيها، ودرس مبادئ العلوم الدينية لدى والده العالم الفاضل الوقور الملا معروف، كان منذ صغره مهتما بأمور المسلمين، ومجالسا للعلماء ومقربا إليهم، فاكتسب بذلك ثقافة دينية واسعة، وقدرة خطابية ممتازة، أسهم في تأسيس الرابطة الإسلامية وبعدا الحركة الإسلامية، وكان هو العنصر الميداني الفاعل قبل هجرته وبعدها يجمع المجاهدين والدعاة ويقودهم ويسهر على تلبية حاجاتهم، فكان مسئولا عسكريا وسياسيا، وينخرط أحيانا في مجال العلاقات السياسية مع الأطراف السياسية الأخرىـ مما أكسبه خبرة جيدة وعلاقات واسعة مع الطبقات الكردستانية العيدية. عين وزيرا للعدل في حكومة إقليم كردستان عام 1997 وبقي فيها مدة طويلة، ثم اعتزل العمل السياسي والحزبي بسبب الانشقاقات التي حصلت في حركة الوحدة الإسلامية عام 2000، لكنه بقي رمزا من رموز الدعوة الإسلامية في كردستان، وقد واصل دراساته الأكاديمية في جامعة السليمانية رغم كثرة مشاغله، حتى حصل على البكالوريوس عام 2002 من كلية القانون المسائية.
  6. الشيخ عبد اللطيف البنجويني: العالم الفاضل الورع. ولد عام 1948 في بنجوين، تخرج من المعهد الإسلامي وحصل على الإجازة العلمية عام 1973، عين إماما في مسجد الحاج رشيد، فقام بتأسيس مدرسة دينية باسم الإمام الغزالي لتربية النشء والجيل الجديد، هاجر إلى إيران عام 1985، وانتخب مسئولا لشورى العلماء المجاهدين واستهد بتاريخ 29/ 8/ 1987، ترك كتبا باللغة الكردية منها: كتاب في الهداية، وأهل البيت، القرآن في مرآة التجويد.
  7. الحاج أحمد عبد الله محمد أحمد: داعية وشخصية إسلامية مرموقة في مدينة السليمانية، التي ولد فيها عام 1942، حيث أكمل الدراسة الثانوية، وتخرج من كلية الإدارة والاقتصاد من جامعتها عام 1976، ثم اشتغل بالتجارة والعمل الحر، وانتسب إلى الطريقة النقشبندية ملتزما بآدابها، وكان معتقدا بضرورة الجهاد في سبيل الله والوقوف بوجه ا الظالمين، فأسهم في تأسيس الرابطة الإسلامية، غير مكترث بقمع النظام وأجهزته الأمنية، وتعرض للسجن والاعتقال والتعذيب أربع مرات، وهو الآن معتزل العمل السياسي مشغول بالذكر والدعوة وأعماله الخاصة.
  8. الشيخ محمد البرزنجي: هو العالم الفاضل الشيخ محمد بن نجيب بن حسن، ولد سنة 1945 في أسرة دينية استوطنت قرية سركت التابعة لناحية بيارة، تلقى العلوم الإسلامية لدى خيرة العلماء الأكراد. وأخذ الإجازة العلمية في الإفتاء وتدريس المعقول والمنقول عام 1965، كما حصل على بكالوريوس آداب في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من جامعة بغداد 1978، تتلمذ على يديه جمع غفير من علماء كردستان إيران والعراق وفي الفترة من 1965 وهو من مؤسسي الرابطة الإسلامية وبعدها الحركة الإسلامية، بل من أبرز قادتها ومشايخها. كان له دور فاعل في تقريب وجهات النظر بين أطرافها والحيلولة دون وقوع الانشقاق فيها، والحرص على وحدة صفها وحمايتها من التحديات الداخلية والخارجية، وهو الآن مرشد الجماعة الإسلامية الكردستانية.
  9. الشيخ عبد اللطيف البرزنجي: العالم الفقيه والداعية الجليل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الله الوازةئي البرزنجي، ولد 1942 في قرية كورة داوي بشهربازار، أخذ الإجازة العلمية من كبار علماء كردستان عام 1964 ، وواصل دراسته الأكاديمية بكلية الإمام الأعظم حتى نال شهادة الماجستير في الفقه وأصوله عام 1974، كان عنوان رسالته (التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية)، وهو كتاب فريد من نوعه، أسهم في تأسيس الرباطة الإسلامية، وتولى مسئولية التنظيم الداخلي فيها، اعتقل من قبل رجال الأمن ثم أطلق سراحه ، ليهاجر إلى إيران عام 1986، انتخب مرشدا عاما للرابطة عام 1986، ثم شارك في تأسيس الحركة الإسلامية عام 1987 فانتخب معاونا لمرشدها الشيخ عثمان، وعضوا في المكتب السياسي، كان –رحمه الله- مثالا للعالم الرباني والداعية المجاهد ، وكان له باع طويل في الفتوى والتدريس، ومكانة سامية بين العلماء، توفي في حادث سير بتاريخ 21/ 6/ 1993.
  10. الحاج جلال أحمد رشيد: معلم ودعية وناشط إسلامي ومجاهد بماله، ولد في السليمانية عام 1948، تخرج من معهد المعمين، واشتغل بالتعليم مدة طويلة، انتسب إلى الطريقة النقشبندية وتأثر بمشايخها والتزم بآدابها، أسهم في تأسيس الرابطة الإسلامية، وتبرع بمبلغ ضخم في بداية تأسيسها، وهو الآن بعيد عن العمل السياسي والحزبي ومشغول بالدعوة وأعماله الخاصة.

ثانيا: مؤسسو الحركة الإسلامية

بالإضافة إلى مؤسسي حركة الرابطة الإسلامية ، الذين أسهموا في إنشاء الحركة الإسلامية ، ثمة مجموعة من الشخصيات والرموز كان لها الدور الريادي في تأسيسها ، وهم :

  1. الشيخ عثمان عبد العزيز : العالم الجليل والفقيه المفسر الداعية الشيخ عثمان . ولد عام 1922 ، في قرية بريس العليا ، من أسرة علمية ودينية مرموقة ، والده العلامة الشيخ عبد العزيز محمد البريسي ، كان من كبار العلماء والمدرسين في محافظة السليمانية ، ممن يشار إليهم بالبنان . أخذ العلم عن والده وعن ابن عمه العلامة الشيخ صالح عبد الكريم حتى أخذ الإجازة العلمية منهما ، فتفرغ للتدريس والإفتاء وإفادة الطالبين ، وتخرج على يديه كثيرون ممن نشروا العلم والفقه بين الناس ، وبرز منهم علماء أجلاء ، بحيث يمكن اعتبار الشيخ أبا روحيا ومرجعا لعلماء المنطقة دون استثناء ، لما كان يتمتع به من علم وفقه وتقوى وحسن خلق . وقد لأهلته مؤهلاته لتبوء مكانة سامية في قلوب الناس سواء ، القاصي والداني ، ولتقع عليه أعين علماء أهل السنة في العراق كواجهة لعلماء الكرد في المؤتمرات والاجتماعات العلمية والدينية ، وكان شباب الصحوة ينظرون إليه نظرة خاصة مليئة بالحب والروحانية . وقد جمع الشيخ في صفاته ما بين خصال أهل السلف علما وعبادة وأصالة وعمقا ، وخصائص العلماء المعاصرين فهما وحركة ورؤية للأمور .أسهم الشيخ عثمان عبد العزيز في رفد الصحوة الإسلامية بكتابات أصلية ومنهجية سليمة ، فألف في مجال التفسير والفقه والدعوة تاركا مؤلفات إيران وأسس الحركة الإسلامية في كردستان العراق ، وانتخب مرشدا عاما لها ، واستمر في عمله الإرشادي حتى عام 1998 ، حيث اعتزل العمل السياسي وترغ للتأليف والتدريس حتى وافته المنية في دمشق ليلة 11 ـ 12 / 5 / 1999 .
  2. الشيخ علي عبد العزيز : عالم فاضل وخطيب بارع وقائد شجاع ، ولد عام 1929 بقرية بريس العليا ، في بيت علم وشرف ، أخذ العلم عن أبيه وابن عمه الشيخ صالح وأخويه الأكبرين الشيخ عمر والشيخ عثمان ، حتى استوى وأخذ الإجازة من الشيخ صالح عام 1952 ، قام هذا الشيخ الفاضل بمهمة الإمامة والوعظ والتنوير الديني ومعارضة المنكرات خير قيام ، لا يخاف في الله لومة لائم ولا تربص ظالم ، إذ امتاز بين أقرانه بالشجاعة والإقدام والغيرة على الدين والمقدسات ، يقول الحق ويصدع به الحق دون اكتراث بعواقبه ، ومرت حياته بأشواط خطيرة ثبت في جميعها ثبات الأبطال ، كان له دور بارز في توعية الشعب بمؤتمرات الأعداء ، واقفا بوجه الأفكار الإلحادية وقفة الرجال ، فتعرض للنفي والملاحقة مرارا ، وكان النظام يحسب له ألف حساب ، لكنه كان صامدا ومعتدا بنفسه إلى أبعد الحدود .هاجر الشيخ علي عبد العزيز إلى إيران عام 1987 وأسهم إسهاما فاعلا في تأسيس الحركة الإسلامية ، تقلد في البداية مسؤولية المكتب العسكري ، ثم تولى نيابة أخيه الشيخ عثمان ، فكان اليد اليمنى له في جميع المواقف . إلى أن انتخب مرشدا عاما للحركة خلفا لأخيه عام 1998 ، وفي زمن توليه المسؤولية الأولى في الحركة ، توحدت الحركة مع حركة النهضة الإسلامية في إطار جديد باسم حركة الوحدة الإسلامية عام 1999 ، فأصبح الشيخ علي مرشدها العام ، وأخوه الأصغر الشيخ صديق نائبا له ، لكن هذه الحركة لم تعمر أكثر من سنة ، فسرعان ما تعرضت لانشقاق خطير بسبب خسارة تكتل الشيخ علي في انتخابات مجلس الشورى في المؤتمر الأول . وأدى هذا الانشقاق إلى إضعاف نفوذ الإسلاميين وتهميشهم على الساحة السياسية ، كما أدى إلى انحسار الدور القيادي للشيخ على نفسه أيضا ، فانفض عنه كثير من القيادات المرموقة ، وبقي معه عدد قليل من السابقين ، في وقت كان الأحرى بأطراف الحركة آنذاك أن تستجيب لداعي الحكمة والمصلحة العامة ، وتتفق على حلول وسط ، للحفاظ على وحدة صفها ، وتماسك أجزاءها . لكن حدث ما حدث وتكونت الجماعة الإسلامية ، وأعاد الشيخ علي ومن معه تأسيس الحركة الإسلامية مرة أخرى . توفى الشيخ رحمه الله بعد عمر طويل من المعاناة والجهاد غريبا في لندن بتاريخ 17 / 3 / 2007 ، ونقل جثمانه إلى مدينته الحبيبة حلبجة الشهيدة في تشييع جنائزي لائق به ، ووري الثري مودعا بدموع أحبابه واحترام منافسيه .
  3. الشيخ عمر عبد العزيز : الشيخ الفاضل الوقور العابد . ولد عام 1912 في قرية بريس العليا ، وهو البن الأكبر للعلامة عبد العزيز البريسي ، بدأ دراسته في مدرسة والده ، فقطع المراحل الدراسية حتى أخذ الإجازة من والده ، فتصدى لإرشاد الناس وتوجيههم وقضاء حوائجهم ، والحرص على مصالحهم ، والوقوف بوجه الظالمين والمتسلطين ، ولهذا كان قريبا من عامة الناس بشعوره ، ولإحساسه بما يعانون من محن وآفات اجتماعية واقتصادية ، الأمر الذي أكسبه حب الناس وتوقيرهم له ، أسهم في تأسيس الحركة الإسلامية عام 1987 ، وانتخب مسئولا للمالية فيها ، فكان نعم المسئول ، لأمانته وصدقه وحرصه على بيت المال والمصلحة العامة ، فكان يحاسب الكبير والصغير ، ويتحرى الدقة في الصرف إلى أبعد الحدود . ولا زال على قيد الحياة مشغولا بالذكر والعبادة .
  4. الشيخ صديق إسماعيل السركتي : العالم الجليل والخطيب اللبيب . ولد هذا الشيخ في قرية دكاشيخان عام 1929 من أسرة دينية وعلمية عريقة ، والده هو العالم الفاضل الشيخ إسماعيل بن الشيخ حسين ، بدأ دراسة العلوم الدينية متجولا في كردستان إيران والعراق ، وكان مشهورا بالذكاء والفطنة ، فاستقر به المقام في سنندج عاصمة إقليم كردستان الإيرانية ، فنهل من موارد علوم علمائها الكبار كالملا محمود المفتي ، والسيد محمد شيخ الإسلام ، والملا صديق المجتهدي ، وغيرهم ، حتى أخذ الإجازة من المفتي ، ثم عاد إ‘لى موطنه فعين إماما بقرية ولم ، مارس التدريس والإفتاء والوعظ منذ أخذه الإجازة وحتى الآن . يجيد للغتين العربية والفارسية ، وله أسلوب بياني جذاب وطريقة تعبير مؤثرة . أسهم في توعية الشباب وعامة الناس ، وشارك في تأسيس الحركة الإسلامية عام 1987 . وهو الآن مقيم في .مدينة السليمانية ، مستمرا في الإرشاد والتوجيه للعلماء الشباب .
  5. الشيخ أحمد كاكة محمود : العالم الفاضل والجليل والمفسر الخطيب النبيل ، ولد في قرية يالانبي التابعة لناحية خورمال عام 1950 . بدأ الدراسة في مسجد قريته ثم تجول في مدارس كردستان الملحقة بالمساجد ، فانتهى به المقام في المعهد الإسلامي بحلبجة فتخرج منه ، ثم أخذ الإجازة من العلامة عثمان عبد العزيز عام 1971 . عين إماما وخطيبا عام 1973 ، مارس التأليف والتحقيق ، فألف كتبا فكرية ودعوية قيمة ، سهم في تأسيس الحركة الإسلامية وفي التنظير لها ، وكان له دور بارز في قيادتها منذ 1987 وإلى آخر يوم من حياته المباركة ، حيث توفي رحمه الله وهو في أوج عطائه بتاريخ 25 / 1 / 2007 .
  6. الشيخ أنور توفيق الكلي : عالم فاضل ومجاهد ، ولد في منطقة بهدينان عام 1945 ، تعلم العلوم الإسلامية المتداولة حتى أخذ الإجازة ، فاشتغل بالإمامة والوعظ والتدريس مدة طويلة ، هاجر إلى إيران عام 1985 ملتحقا بحركة الرابطة الإسلامية ، فأصبح عضوا قياديا فيها وحلقة وصل بينها وبين علماء منطقة بهدينان في كردستان العراق ، وكان من المؤسسين للحركة الإسلامية عام 1987 . اشتغل الشيخ أنور إلى جانب عمله السياسي بتأليف بعض الكتب التربوية النافعة لأهل منطقته باللهجة المحلية ، وبعد عودته إلى العراق عام 1991 اعتزل العمل السياسي شيئا فشيئا دون أن يبتعد عن الحركة ، وتحمل ضغوطا كثيرة بسبب ولائه للحركة الإسلامية من قبل حكام منطقته . توفي إثر حادث سير عام 2004 .
  7. الشيخ محمود الآزادي : العالم الفاضل النبيل والمدرس الجليل . من مواليد 1952 في قضاء بنجوين و تلقى العلم من علماء عصره البارزين وأخذ الإجازة من العلامة الشيخ حسين الدشتيوي عام 1970 . هاجر إلى إيران عام 1985 والتحق بالرابطة الإسلامية ، ثم أصبح عضوا قياديا فيها . أسهم في تأسيس الحركة الإسلامية عام 1987 . وهو من العلماء العاملين لم والواعين، الذين بذلوا عمرهم وكل ما لديهم في خدمة الإسلام والمسلمين . ويمتاز بالعلم والتقوى والخلق الحسن والتعامل السليم ، ويشرف حاليا على مكتب العلماء في الجماعة الإسلامية الكردستانية .
  8. الشيخ أبو بكر الصديقي : العالم الفاضل والمدرس الجليل الشيخ أبو بكر بن فقي رسول . ولد عام 1952 في قرية كانيبي من توابع ناحية طقطق في قضاء كويسنجق . أخذ علومه الشرعية من علماء كردستان الأماثل ، هاجر إلى إيران عام 1985 واستمر في كسب الفضائل العلمية والمعنوية ، مستفيدا من أوقاته في العلم والجهاد ، حتى تبرك بأخذ الإجازة مجددا من الشيخ عثمان عام 1989 . التحق بكلية الدعوة الإسلامية في دمشق متحملا أعباء السفر و والغربة وضيق الحياة حتى تخرج منها عام 2002 ، ثم سجل بإحدى الجامعات المفتوحة لنيل درجة الماجستير في الفقه وأصوله ، فحقق قسما من كتاب الوضوح شرح المحرر في الفقه الشافعي تحقيقا علميا راقيا ، نال بها الماجستير بتقدير امتياز عام 2007 . يعد الشيخ أبو بكر مثالا حيا للعالم العامل الواعي المخلص لدينه ولأمته .
  9. الشيخ نوري حبيب السركتي : العالم العابد المجاهد . من مواليد 1946 بقرية سركت ، درس العلوم الشرعية لدى علماء منطقته ، ومن أبرزهم الشيخ عثمان والشيخ صديق السركتي ، قام بمهام الإمامة والوعظ وإرشاد الناس في مناطق عديدة من كردستان ، مستفيدا من سمعته الطيبة وسيرته الصالحة بين العشائر الكردية . انضم لحركة الربطة مبكرا ، فتولى الإشراف على تنظيماتها في منطقته الحدودية خورمال ، هاجر إلى إيران عام 1987 فأسهم في تأسيس الحركة الإسلامية بشهادة محضر الاجتماع التأسيسي الذي رأيته بنفسي ، فواصل جهوده مجاهدا ومربيا في صفوف قوات الحركة ، وبعد الانتفاضة كلف بإمامة مسجد باشا العريق في حلبجة . كان إنسانا فاضلا كريما ومتواضعا ومحببا لدى الناس عامتهم وخاصتهم ، ومتابعا للسنة النبوية الشريفة إلى أن وافاه الأجل عام 1999 .
  10. الشيخ محمد الرازي : العالم الفاضل المجاهد . الشيخ محمد بن عبد الله . ولد عام 1959 بقضاء بنجوين ، دخل سلك الدراسة الشرعية منذ باكورة حياته ، فتلقى العلوم الشرعية لدى كبار العلماء ، حتى أخذ الإجازة لدى الشيخ محمد البرزنجي عام 1985 وأصبح عضوا قياديا وقائدا ميدانيا فيها ، وانتخب لعضوية شورى العلماء عام 1985 ، ثم أسهم في تأسيس الحركة الإسلامية ، فتولى قيادة واحدة من قواتها الأساسية ـ قوة خالد ـ وأبلى بلاء حسنا في التصدي لمفارز الجيش العراقي في منطقة قرداغ برفقة الشيخ المجاهد إبراهيم بن الشيخ عثمان عام 1988 ، الذي كان المرشد الروحي والسياسي للقوة في الجولات المذكورة . وبعد الانتفاضة عام 1991 ، تولى الشيخ محمد الرازي مناصب قيادية عديدة ، منها مسؤولية مكتب التنظيم ، وعضوية مكتب العلماء ، فكان في جميع مواقعه مثال الجندي الفدائي المخلص ، الذي لا يهتم بالمناصب والمواقع . وللشيخ إسهامات فكرية وعلمية ضمن عمله كعضو في مكتب علماء الجماعة الإسلامية الكردستانية .

ثالثا : شخصيات ورموز مؤثرة

نعني بهؤلاء مجموعة من القيادات الشابة الواعية ، التي تولت قيادة الوسط العام للحركة وإدارته بصورة فعلية ، والتي ما زال بإمكانها أن تنعش آمال التيار الإسلامي في كردستان ، ويجدر القول أن ثمة قيادات ميدانية شابة كان لها دور أساسي وفاعل في مسيرة الحركة في جانبها العسكري ، كالشيخ عبد القادر برايتي ، والملا سلمان ، ودلشاد طرمياني و والملا عمر الكلاري و والملا مروان ، وآسوهة وليري ، والشيخ عبد الله قة سري ، وجمال أشرف قارة ماني ، لكننا لم نتمكن من الحصول على معلومات وافية عنهم في المصادر المتوفرة لدينا ، فآثرنا عدم التطرق إليهم في هذا المقال .

وبما أن ما لا يدرك كله لا يترك جله ، فسوف نقوم بذكر نبذ عن الشخصيات والرموز المؤثرة في هذه الحركة ، وهم :

  1. الشيخ علي بابير وتمان : العالم الفاضل والداعية المربي الجليل الشيخ علي بابير وتمان ، ولد عام 1961 في مدينة سنكسر التابعة لرانية ، وبدأ دراسته الابتدائية في مسقط رأسه . درس العلوم الشرعية في المعهد الإسلامي بالسليمانية ، وتخرج منه بتفوق ، ثم دخل كلية الفقه بالنجف الأشرف ، فأكمل فيها السنتين الأوليين ، ولم يتمكن من مواصلة دراسته الجامعية بسب نشاطه الإسلامي المناوئ للنظام ، فاضطر لترك العراق متوجها إلى إيران ليدرس لدى علماء الأكراد البارزين هناك ، فأقام مدة لا بأس بها حتى حفظ القرآن الكريم ، وعكف على دراسة الكتب العلمية والفكرية والدعوية ليل نهار و ومعتمدا على ذكائه الخارق وقدراته الذاتية على الاستنباط ، ثم عاد إلى العراق مقيما في قرية نائية يربي ويعلم ويدعو إلى الدين فكرا وسلوكا وتنظيما ، فاجتمع حوله من الشباب والدعاة جمع كثير ، أهله ليلتحق بالحركة الإسلامية ، واحدا من أبرز قياداتها الميدانية 1987 . ومنذ انطلاقة الحركة كان الشيخ علي بابير رمزا من رموزها ، وشخصية من شخصياتها المؤثرة والفاعلة على الساحة السياسية الكردية ، وهو الآن يشغل منصب أمير الجماعة الإسلامية الكردستانية ، وبالإضافة إلى عمله السياسي له إسهامات فكرية كبيرة وكثيرة ، تتمثل في تأليف أكثر من أربعين كتابا ، وعقد الندوات والمؤتمرات واللقاءات الصحفية .
  2. الشيخ نجم الدين فرج أحمد (كريكار): المربي والداعية والشاعر الأديب اللامع نجم الدين فرج ، ولد عام 1956 في السليمانية ، تخرج من كلية الآداب ، جامعة صلاح الدين قسم اللغة العربية ، ثم حصل على ماجستير في علوم الحديث من إحدى الجامعات الباكستانية و حينما كان مهاجرا إليها في الثمانينات . إن حياة الشيخ كريكار مليئة بالتضاريس والتحولات ، فقد بدأ مشواره متأثرا بالفكر القومي ، لكنه سرعان ما انحاز إلى التيار الإسلامي ممثلا بمدرسة الإخوان المسلمين ، ثم تحول عن هذا التيار إلى مواكبة التيار السلفي الجهادي ، وهو شخصية مثيرة للجدل والإعجاب في آن واحد ، فبينا هو شاعر يلعب بالألباب في اختيار الألفاظ والمباني ، إذا به سياسي يخوض غمار المسائل الشائكة ، ويبدي أدق النظريات بشأنها و عارفا بأسرار التنظيمات الإسلامية بسبب تواجده في الباكستان أثناء الجهاد الأفغاني ، ومعرفته عن كثب بقادتها ، وتربطه صلات وثيقة بكثير من القيادات الإسلامية ذات الميول المتباينة في العالم ، فضلا عن استشرافه للحضارة الغربية والأوروبية بسبب كونه لاجئا في النرويج .انضم الملا كريكار إلى الحركة الإسلامية بعد تأسيسها بوقت قليل ، فزار مخيمات اللاجئين ، والتقى بالجماهير المهاجرة فخطب فيهم خطبا نارية لم يسمعوها من قبل و حتى إذا عاد إلى باكستان حدث خلاف بينه وبين بعض معتمدي الشيخ عثمان في بعض الأمور ، أدى إلى تركه للحركة وتأسيسه لحركة جديدة باسم الجماعة الإسلامية ، والتي استمرت إلى ما بعد الانتفاضة ، وتجمع حولها بعض الشباب المتحمسين ، لكنه عاد إلى صفوف الحركة الإسلامية في 1992 ، وفي هذه السنة حصل على اللجوء السياسي في النرويج مع عائلته ، وكان بين الحين والآخر يعود إلى كردستان ، لإنجاز مهامه كعضو قيادي في الحركة ، وكخطيب جماهيري مسموع الكلمة بين جماهير الأحزاب الإسلامية .وفي تشكيل حركة الوحدة الإسلامية بقي الشيخ كريكار رمزا من رموزها ، حتى سنة 2000 حيث حصل انشقاق في صفوفها ، أدى إلى ظهور أحزاب إسلامية جديدة تزعم الشيخ كريكار واحدا منها باسم أنصار الإسلام .
  3. الدكتور إبراهيم طاهر معروف : الداعية الفاضل اللبيب ، والمربي الطبيب ، الدكتور إبراهيم . ولد عام 1959 في أربيل . اجتاز المرحلة الثانوية فيها و وتخرج من جامعة الموصل طبيبا عام 1982 و انضم إلى الحركة الإسلامية عام 1992 ، واختير عضوا قياديا في المؤتمر السادس في لعام نفسه ، لما عرف عنه من استقامة وحسن خلق ومعرفة وإلمام بالسنة . تدرج في الحركة إلى أن أصبح عضوا في المكتب السياسي ومسئولا للمكتب العسكري ، إلى عام 1997 ، ثم تفرغ للدراسة في العلوم الشرعية ، فحصل على الماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي بدمشق ، وهو الآن حاصل على الدكتوراه من الكلية ذاتها وفي الاختصاص نفسه . يعد الدكتور واحدا من القيادات الميدانية المؤثرة للحركة الإسلامية ، وكان قد وضع بصمات كثيرة على الحركة أيام توليه مسؤولية المكتب العسكري ، ويتصف بصفات قيادية و خلقية جمة ، إلى جانب كونه يتمتع بسمعة طيبة بين الناس .
  4. الدكتور عثمان علي : الكاتب والمؤرخ والأكاديمي البارز . الدكتور عثمان علي ، ولد في كركوك عام 1955 . حصل على بكالوريوس آداب في اللغة الإنجليزية من جامعة الموصل ، ثم ذهب إلى خارج العراق لمواصلة دراساته العليا فاستقر في كندا ، حيث أكمل الماجستير فالدكتوراه في اختصاص التاريخ الحديث ، وقد أسهم في رفد لحركة الإسلامية بكثير من الخبرات السياسية والإعلامية ، وشارك في كثير من الندوات والمؤتمرات العالمية ، وكان أستاذا بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ، الأمر الذي جعل منه شخصية إسلامية عالمية ذات صلات وثيقة بكثير من القيادات الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي ، انتخب عضوا في شورى الحركة الإسلامية عام 1995 ، ومسئولا لمكتبها الإعلامي ، لكنه لم يستمر في هذه المهمة بسبب أعماله الأكاديمية الكثيرة ، وهو إلى الآن يعد واحدا من أبرز القيادات الأكاديمية ، وما زال مستمرا في العطاء الفكري .
  5. الشيخ محمد عمر عبد العزيز : العالم الجليل والمربي النبيل الشيخ محمد عمر . ولد عام 1947 بقرية جوالة في ناحية سيد صادق ، بدأ بدراسة العلوم لدى والده الشيخ عمر وعمه الشيخ عثمان ، تخرج من المعهد الإسلامي ثم التحق بكلية الإمام الأعظم فتخرج منها عام 1976 ، مارس مهنة الإمامة والخطابة في مدينة بغداد مدة طويلة ، ثم عاد إلى مدينة حلبجة . هاجر إلى إيران عام 1987 وعاد إلى العراق عام 1992 ، وأصبح وزيرا للأوقاف في حكومة إقليم كردستان لمد ست سنوات ، ثم أحيل إلى التقاعد ، فواصل دراساته العليا في كلية الإمام الأعظم ، حتى حصل على الماجستير عام 2007 . يعد الشيخ واحدا من أبرز الدعاة والخطباء الذين صدحوا بالحق وأسهموا في تشكيل التيار الإسلامي ، وهو الآن عضو بارز في المكتب السياسي للحركة الإسلامية ، ومن المرشحين لتولي منصب المرشد العام فيها .
  6. الدكتور محمد البازياني : الأستاذ المربي والداعية الفاضل النبيل السيد محمد بن السيد نوري البازياني . ولد في كركوك عام 1953 ، أكمل الدراسة الإعدادية فيها ثم تخرج من كلية الزراعة عام 1977 ، وحصل على دبلوم عال في التخطيط والتنمية من المعهد القومي للدراسات عام 1981 . انخرط في سلك التيار الإسلامي منذ بداية الثمانينيات ، وانضم إلى الحركة الإسلامية مبكرا ، وتولى فيها مسؤولية معاون مكتب التنظيم ، انتخب عام 1994 عضوا في قيادة الحركة ومسئولا لمركز السليمانية ثم مسئولا للمنظمات الجماهيرية ، فقام بعقد الندوات والمناظرات الفكرية المتنوعة في الرد على الاتجاهات العلمانية . في عام 1996 ، أصبح وزيرا للزراعة والري في حكومة إقليم كردستان ، ثم استقال منها عام 1997 ، فتوجه إلى العمل الفكري والتربوي للقيام بمراجعات فكرية وسياسية عبر مؤسسة أسسها مع بعض المثقفين باسم مركز هدي للدراسات السياسية والإستراتيجية ، وفي الوقت نفسه واصل دراسته في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية ، فحصل على الماجستير عن رسالته الموسومة (مستقبل الحركة الإسلامية في كردستان العراق) ، ثم على الدكتوراه عن أطروحته الموسومة (مفهوم السلم في الفكر الإسلامي) ، أودع فيهما الباحث خلاصة أفكاره ورؤاه وعصارة ما استنتجه طوال سني العمل الإسلامي في كردستان العراق .
  7. الشيخ مغديد حسين: العالم الفاضل الشهيد والمربي الصنديد الملا مغديد . ولد عام 1953 بقرية ريزينة بقضاء رانية ، درس العلوم الدينية لدى علماء المنطقة ، ثم أخذ الإجازة ومارس مهنة الإمامة والخطابة في مسجد ناجية خان برانية . التحق في بداية الثمانينيات بالإخوان المسلمين ، وفي 1988 التحق بالحركة الإسلامية ، فعين قائدا لقوة (آزادي) ، وفي المؤتمرين الخامس والسادس انتخب عضوا في مجلس الشورى . استشهد بتاريخ 26 / 12 / 1993 في القتال الدائر بين الحركة الإسلامية والاتحاد الوطني الكردستاني ، كان الشيخ مثلا رائعا للعالم الرباني والقائد الميداني ، ونموذجا يحتذى به في العمل الدعوي والجهادي .
  8. الشيخ شريف حسين : الداعية المجاهد الشهيد والمربي الصابر الصامد الملا شريف بن حسين بن مصطفى ، ولد عام 1969 بقرية خدران على سفوح جبل كوسرةت ، أكمل الدراسة الابتدائية فقط ، ثم تفرغ للعمل والكسب الحر ، وأحيانا كان راعيا ، لكنه كان على درجة كبيرة من الوعي والفهم . في مستهل شبابه ، انضم للتيار الإسلامي تحت تأثير مثله الأعلى الشيخ علي بابير ، وجد نفسه منفعا للهجرة إلى الله فهاجر إلى إيران ، والتحق بالحركة الإسلامية ، 1987 و 1992 و في 27 / 12 / 1993 ، استشهد مع مجموعة من رفاق دربه على سفح جبل ماكوك . كان الشهيد الملا شريف نموذجا للداعية العصامي الوارع الصادق ، الذي تمكن بفضل إخلاصه وتفانيه أن يدخل قلوب الناس ويغزو مشاعرهم و فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعثا حيا .
  9. الشيخ بابة شيخ صديق : المعلم الداعية الجليل والشيخ الفاضل الأصيل الأستاذ بابة شيخ صديق إسماعيل . ولد بقرية ولم عام 1958 من عائلة علمية ودينية عريقة ، والده الشيخ صديق السركتي أحد كبار العلماء في المنطقة . بدأ دراسته لدى والده ، ثم التحق بالمعهد الإسلامي في حلبجة ليتخرج منه بتفوق ، ويدخل كلية الآداب قسم الدين بجامعة بغداد ويحصل على البكالوريوس عام 1982 . مارس بعد ذلك مهنة التدريس في نالباريز وحلبجة ، ثم هاجر إلى إيران . وأسهم في تشكيل قوة صلاح الدين في الحركة الإسلامية ، فانتخب عضوا في مكتبها العسكري ومسئولا عن هذه القوة ، نظرا لما كان يمتاز به من الصفات القيادية البارزة . استشهد وهو في طريقه إلى إنجاز عمل جهادي داخل العراق بعد مقاومة دامت عدة ساعات هو وخمسة من خيرة أبناء الحركة الإسلامية .
  10. الأستاذ مشير مصطفى : الداعية والمربي الفاضل الشيخ مشير مصطفى كلالي . ولد في أربيل . أكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها ، ثم التحق بالعمل الإسلامي مبكرا ، فانضم إلى الحركة الإسلامية ، كان مسئولا لعلاقاتها في دمشق ثم في بريطانيا . وأصل دراساته العليا في كلية الدعوة الإسلامية بدمشق ، وهو الآن مشغول بتحضير رسالة الماجستير في تخصص الدراسات الإسلامية . وبنظري ، يعد الأخ مشير مصطفى نموذجا للقيادات الشابة والواعية التي تدرك مهام العمل السياسي الإسلامي ، وتتعامل بواقعية وتبصر مع المعطيات السياسية الراهنة ، كما أنه يزن الأمور بحكمة وشفافية وواقعية . وحبذا لو وجدنا من أمثاله نماذج أخرى لنزهو بهم على غيرنا من أصحاب الأفكار والاتجاهات المناوئة للإسلام .

خاتمة

بعد هذا العرض السريع والمقتضب لأهم الشخصيات والرموز في الحركة الإسلامية في كردستان العراق ، يتبين لنا أن تلك الحركة ـ قبل أن تكون حركة سياسية أو حزبا وتيارا سياسيا ـ إنما هي حركة وجماعة دعوية ، لأن أكثر قياداتها من العلماء ومن خريجي المدارس الدينية ، وقلما نجد فيهم مختصا في الدراسات الإنسانية المعاصرة .

وقد أثرت هذه الظاهرة في مسار الحركة ومصيرها السياسي كثيرا ، بحيث نجد أن الوعي الديني والالتزام الخلقي بالدين قد ازدهر وتنامى وتطور بين الناس بفضل وجود الطابع الدعوي للحركة معدومة تماما ، ويعود ذلك بنظري إلى طغيان الجانب الدعوي على الجانب السياسي ، في وقت طرحت الحركة بنفسها كقوة سياسية على الساحة الكردية

وبما أن قيادات الحركة لم تكن عارفة بالتواءات العمل السياسي ومتطلباته ، وأنها أسندت الأمور السياسية والعسكرية والتنظيمية المعقدة إلى مجموعة من الخطباء والدعاة وعلماء الدين بعيدة كل البعد عن مراوغات الساسة وتقلباتهم ، فقد خسرت طاقات كثيرة وبددتها دون نتائج سياسية تذكر وفوتت على نفسها فرصا سانحة كثيرة .

ومع ذلك فقد كان لجهود هذه الحركة بعض الثمار الطيبة ، لعل أهمها تنامي المد الإسلامي وتفتق الطاقات الإسلامية الشابة واستخلاص العبر من الماضي ومراراته ، كما أن المد العلماني في تراجع مستمر ، عسى الله يفتح على أيدي الأجيال القادمة ما كان يحلم به ويتوخاه جيل القيادات السابقة ، وما ذلك على الله بعزيز .