الحركة الإسلامية في الشيشان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركة الإسلامية في الشيشان والوصول إلى طريق مسدود

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

إعداد/ أحمد فايق دلول

توطئة

خريطة الشيشان

شعب الشيشان من الشعوب القديمة في العالم، حيث كان جزءاً من مملكة سيرير، وكان الشعب يتكون من مجموعة عشائر ذات الخواص المشتركة فيما بينها، وقد بلغ مجموع تلك العشائر 150 عشيرة، والتي تنقسم إلي قسمين:

الخالص، وهي العشائر الأصلية في المنطقة والتي قدمت من الجنوب وتوجهت نحو الشمال تجاه البحر الأسود وارض الشيشان، أما المختلط؛ فهو مجموع العشائر التي اختلطت فيما بينها مكونة عشائر جديدة، مثل؛ اختلاط الشيشانيين بالبولنديين والأوكرانيين في معسكرات الإبعاد الجماعية (1944-1957).

وفي محاولة لطمس التراث الشيشاني، قام الروس في حرب القوقاز الأولى بإلقاء كل المخطوطات في بحيرة (كازن-آم)، وهنا برز دور القائد شامل الذي أمر رجالات العشائر بإعادة كتابة التاريخ وما أحدثته الحرب، حتى يورث للأجيال.

والشيشان جزء من شعوب القوقاز التي خضعت عبر التاريخ تحت حكم جميع الإمبراطوريات التي كانت قائمة، وبمجيء الفتح الإسلامي، انضمت القوقاز إليه حوالي خمسة قرون، اتسمت بالازدهار والاستقرار، حيث حكم المنطقة السلاجقة...، ثم المغول والتتار، واستمر حكمها حتى سيطرة روسيا القيصرية على بلادهم، ويعرف شعب الشيشان بالتزامه وتمسكه بالدين الإسلامي، وشدة اعتزازه بوطنيته. ووصفا لهذا التاريخ العريق، فقد قال الشاعر:

ورجعت للتاريخ أقـرأ صفحة المجد لعـريق
وعرفت للشيشان ما عرف الصديق عن الصديق

الاحتلال الروسي

عدد من المجاهدين الشيشانيين

قبل الغزو القيصري الروسي، كانت بلاد القوقاز تحت سيطرة الدولة العثمانية، عدا أذربيجان التي كانت تحت السيطرة الصفوية في إيران، أما شمال القوقاز ومنها الشيشان، فلم تكن تحت السيطرة المباشرة للدولة العثمانية، بل كانت تحت نفوذها، حيث كانت هذه الشعوب راضية عن وضعها، بسبب العقدة الإسلامية التي تجمع شملهم، كون الدولة العثمانية بمثابة المرجع الديني لهم، وحاملة راية الخلافة الإسلامية.

احتلال الروس القياصرة للقوقاز، بدأ في العام 1722، في عهد القيصر بطرس الأكبر، حيث كان أول صدام مسلح بين الروس والشيشان قرب قرية تشتشين على بعد 15كم جنوب العاصمة غروزني التي لم تكن قائمة، وقد أطلق الروس على الشعب الشيشاني اسم تشتشين نسبة إلي تلك القرية.

وبالرغم من ذلك إلا أن وتعود أطماع روسيا في القوقاز تعود إلى عام 1556. وعلى الرغم من أن جبال القوقاز لا توجد بها ثروة تجذب الروس للاستيلاء عليها، فإن الأطماع التوسعية، والرغبة في الوصول إلى المياه الدافئة، ومنافسة بريطانيا في الاستيلاء على الهند، كانت من الدوافع الحقيقية لاندفاع روسيا جنوباً .

واستمر الصراع بين القياصرة الروس، والشيشان، أكثر من 300 سنة، خضعت المنطقة، في نهايتها، لحكم القياصرة، وذلك في عام 1864.

وعندما اندلعت الثورة البلشفية، في روسيا، في نوفمبر 1917، وسيطر الشيوعيون الروس على السلطة، خضعت لهم منطقة القوقاز برمّتها، حتى عام 1991.

الموقف الإسلامي من الاحتلال الشيوعي

وكردة فعل على المواقف الروسية، قاد الإمام منصور حرباً ضد الغزو الروسي ما بين الأعوام 1780-1791، حيث وقع في الأسر، ثم توفي عام 1794، في سجن سليسبرغ، ثم قاد الأمل الغازي مولاي محمد حرباً ضدهم في الأعوام 1824-1832، وفي العام 1828 عمّت الحرب في أرجاء القفقاس، واستمرت مقاومة المسلمين للروس في داغستان بزعامة كل من الإمام غازي محمد والإمام حمزات.

وبعد مقتل الإمام حمزات، تابع الإمام شامل زعامة المقاومة، حيث انضمت القوات التي كانت تحت رئاسة تاسو حجي إلى زعامته، في عام 1839م بدأت كافة شعوب شمال القوقاس النضال تحت زعامة الإمام شامل الذي استمر 25 سنة.

في عام 1859م احتل الروس قرية فيدينو آخر معقل للشيشانيين، واستسلم الإمام شامل للروس، ورغم ذلك ففي عام 1862 قام الشركس بثورتهم إلا أنها أخمدت من قبل الروس في عام 1864، وبذلك تكون سنة 1859م تاريخ تركيز الروس لأقدامهم في شمال القفقاس، وتعتبر سنة 1864م السنة التي بسط الروس فيها سيطرتهم الكاملة على شمال القوقاز بعد إخماد ثورة الشركس وانتهاء المقاومة الشيشانية.

الشيشان تحت الاضطهاد الروسي

وقعت في الشيشان ثورات عديدة ضد الحكم القيصري الروسي، بقيادة الإمام شامل حيث استمرت ما بين 1831 و 1865، وكذلك وقعت ثورة الحركة القادرية عام 1877 إضافة إلى المقاومة الشيشانية التي استمرت حني عام 1917، وقد تجددت المقاومة الشيشانية بوسائل مختلفة ومتنوعة وخاصة بعد انتصار الثورة الشيوعية في روسيا.

فحدثت ثورة 1928 بقيادة شيتا استاميلوف، واستمرت حتى عام 1935، وانتهت بإعدام مجموعة كبيرة من القادة الدينيين والشيوعيين الشيشان وبعد فترة ليس بالقصيرة، بدأت مقاومة مدنية وسياسية في العام 1940 بقيادة كاتب شيوعي يسمى حسن إسرائيلوف، ومحام شيوعي يدعى مايربيك شريبوف، واستمرت تلك المقاومة لأكثر من عامين، حيث انتهت بالفشل بعدما تم قمعها بالقصف الجوي والمدفعي لمناطق الشيشان.

خلال الحرب العالمية الثانية تم نفي وتهجير مئات آلاف من الشيشانين عن أراضيهم وبلادهم، وكذلك قتل منهم 100 ألف خلال عامين، نتيجة للتهجير والظروف المعيشية المتردية، وألغيت جمهورية الشيشان-أنغوس، وأسس ستالين جمهورية الشيشان ذات الحكم الذاتي عام 1944.

وبعد اتهامهم بالتعاون مع الأطراف الخارجية وخاصة مع النازية، استمر اعتقال الشعب الشيشاني في سيبيريا حني عام 1957، وسمح لهم بالعودة إلي بلادهم مطموسة المعالم وتشكيل جمهورية تحت إشراف روسي مباشر، وذلك بعد وفاة ستالين، وتسلم خروشوف لمقاليد الحكم السوفيتي من نفس العام.

الشيشان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي

في العام 1991 انهار الاتجار السوفيتي، وعلي اثر ذلك أعلن القائد الشيشاني الشهير جوهر دوداييف استقلال الشيشان، وهذا بدوره أشعل الحرب الضارية بين الروس والشيشان من عام 1994 وحتى العام 1997، ثم عادت الحرب وتجددت عام 1999.

وفي الفترة الأولى من الحرب، شهدت الساحة الشيشانية مجموعة من عمليات الدمار التي قامت بها القوات الروسية، ومن تلك المظاهر؛ القيام بغارات جوية علي مناطق متفرقة من الشيشان، وكذلك الحشودات العسكرية الكبيرة علي الحدود الشمالية للشيشان، وكذلك سيطرة روسيا على كل من: أرغون وغودرميس وشالي.

أرادت روسيا أن تظهر للعالم أنها قادرة على البقاء متماسكا، وان قوتها لا تتأثر من كثرة الانتماءات والطوائف فيها، خاصة بعدما انهار المعسكر الشيوعي، إضافة إلى العوامل الاقتصادية التي تتمثل في السيطرة على الموارد الاقتصادية والطبيعية الموجود داخل الشيشان، فأحد أهداف الخرب هو مصادرة كاملة لثروات الشيشان- حسب زعم الجيش الروسي.

الحرب الشيشانية الأولى 1994-1996م

الشهداء المسلمين الشيشانيين

استهلت موسكو الخيار العسكري، لإسقاط دوداييف، بدعم ومساندة الجناح الشيشاني، الرافض لقيادة دوداييف، بزعامة عمر أتور خانوف. ودفعت، في نوفمبر 1994، بتعزيزات عسكرية، لمساندة قوات المعارضة، من أجل السيطرة على العاصمة، جروزني.

وحيال انتصار جوهر دوداييف على معارضيه، وأسره نحو 70 جندياً روسياً، وإعلانه أنه سيعاملهم كأسرى حرب، ما لم تعترف موسكو بأنهم من رعاياها؛ اضطرت موسكو إلى التدخل المباشر، فأصدر الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، في 9 ديسمبر 1994، قراراً، يقضي بـ"اتخاذ كافة التدابير اللازمة، لنزع سلاح جميع التشكيلات العسكرية، في جمهورية الشيشان الانفصالية".

وفي 11 من الشهر نفسه، تقدمت القوات الروسية صوب العاصمة الشيشانية، التي سقطت في أيديها، في 31 ديسمبر 1994، بعد معارك طاحنة، وخسائر هائلة في الجانبَين.

وفي ظل استمرار الحرب الروسية الشيشانية 1994-1997، حدثت مجموعة من عمليات احتجاز رهائن، قامت بتنفيذها مجموعات شيشانية في مناطق روسية مختلفة، وكانت أبرز تلك العمليات؛ العملية التي قام بها القائد الشيشاني شامل باسييف ومجموعته التي احتلت مستشفى وحجزت كل من فيها، وهددوا بقتل المتواجدين فيها سواء مرضي أو عاملين أو أطباء فيها، وانتهت العملية بقبول شروط باسيف.

إضافة إلى ذلك، قام القائد الميداني سلمان دوداييف مع مجموعة من رجاله باحتجاز ثلاث آلاف من الرهائن الروسية في مدينة كزليار بجمهورية داغستان جنوب القوقاز، وقُتل في العملية حوالي 200 شخص، ومن بينهم 78 جنديا روسيا، وتمكن بعدها دوداييف ورجاله من الانسحاب بعد أن أصيب بجراح خطيرة.

وقع الرئيس الجديد للجمهورية أصلان مسخادوف والرئيس الروسي يلتسين معاهدة سلام بتاريخ 12/5/1997م، وتنصّ على بناء العلاقات بينهما وفق القانون الدولي، وأنه لا يجوز استعمال السلاح ولا التهديد باستعماله لحل النزاع بينهما، ولم تنصّ المعاهدة على بقاء الشيشان جزءاً من روسيا ولا على استقلالها، ولكن بعد توقيع المعاهدة صارت الشيشان تتصرف تصرف الدولة المستقلة فعلاً، وصار العالم يعاملها وكأنها مستقلة.

الحرب الشيشانية الثانية 1999

شهدت روسيا في سبتمبر 1999 مسلسل تفجير البنايات السكنية في المدن الروسية الهامة (موسكو، سان بترسبرج، فلادي قفقاز وغيرها) وهو ما أوقع مئات القتلى أسفل أنقاض هذه البنايات وعاش كل بيت في روسيا في رعب احتمال تفجيره بساكنيه.

وروج الإعلام الروسي لرواية أن المقاتلين الشيشان هم المسئولون عن ذلك، وهو ما كان واحدا من أهم أسباب التسخين لزحف الجيش الروسي على الشيشان واكتساح مدنها.

وبسبب دقة تنفيذ هذه التفجيرات وشدة تدميرها رأى كثير من المراقبين الغربيين أنها صناعة روسية. ولم يزل حتى الآن هذا الملف مغلقاً.

وجهات نظر العالم بدأت تتغير تجاه الشيشانيين، فأصبح ينظر إليهم علي أنهم إرهابيين، وذلك كنتيجة مباشرة لقيامهم ببعض العمليات الجهادية التي استهدفت الروس سواء مدنيين أم عسكريين، ففي أيلول 1999، وقعت مجموعة انفجارات في أماكن مختلفة من روسيا وداغستان، أودت بحياة 250شخصا، وكذلك عملية الاعتداء على الروس في مسرح البولشوي، وعملية مدرسة بيسلان في أوسيتيا الشمالية عام 2004.

أهداف روسيا من غزوها جمهورية الشيشان

منذ الإعلان الرسمي باستقلال جمهورية الشيشان، اتخذت المواجهة الروسية ـ الشيشانية طابعاً خطيراً، يرجح رغبة روسيا المعلنة في القضاء على استقلال الشيشان؛ حتى لو استدعى الأمر استخدام كل الأساليب القسرية الممكنة، بما فيها القوة العسكرية؛ وفي ذلك، لم يختلف أسلوب الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، عن الحكام الروس السابقين، سواء في العهد القيصري، أو العهد الشيوعي. ويمكن حصر الأهداف الروسية من غزو الشيشان بما يلي:

  1. السيطرة على الثروات الطبيعية الإستراتيجية في الشيشان، وأهمها إنتاج النفط وتكريره، والذي قدِّر ريعه، في السنوات الأخيرة، بنحو 9 مليارات دولار. كما تُعَدّ الشيشان ممراً مهماً لأنابيب النفط في كل المنطقة؛ فمن جروزني، العاصمة، تمر الأنابيب الآتية من "باكو"، على بحر قزوين، إلى "نورورسيك"، على البحر الأسود.
  2. التحكم في خطوط المواصلات والترانزيت، والخشيث من أن تؤدي سيطرت الشيشان على هذه الممرات والطرق الحيوية، إلى التضييق على روسيا وخنقها.
  3. توجيه رسالة قوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، أن روسيا لا تزال قوة عظمى.
  4. إخضاع الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، عسكرياً واقتصادياً، لسيطرة موسكو؛ وهو ما ظهر خلال التفاوض، بين الروس والمقاتلين الشيشانيين.
  5. توجيه ضربة وقائية إلى القوميات الروسية المتطرفة، التي يتزعمها جيونيوفسكي، والتي استفادت من عدم حسم يلتسين موضوع الشيشان.
  6. توجيه ضربة وقائية إلى فكرة الانفصال، التي قد تراود قوميات أخرى.

الروس وجرائم الحرب

منذ احتلال روسيا للشيشان، لم تألوا جهدا في ممارسة الإرهاب بحق المدنيين العزّل، فقامت روسيا بقتل الصغير والكبير، الرجل والمرأة، وكانت تهدم البيت، تقتلع الشجرة، ولا رقيب لها، وكانت القوات الروسية تستخدم كافة الأسلحة المحرمة دوليا، إضافة إلي استخدام مختلف الأنواع من الغازات الخانقة والغازات مسيلة الدموع، وهذا بدوره أدى إلي اختناق المواطنين الشيشان على نطاق واسع، وهذه الممارسات التعسفية أرتقت لان تكون جرائم حرب ضد الإنسانية، حيث ذكرت مصادر روسية أن 2090 شخصاً، قد اختنقوا من الغازات السامة، وفي السياق نفسه، ذكرت مجوعات حقوق الإنسان أن 3000 إلي 5000 شخص قد اختنقوا منذ بداية الحرب الروسية.

الفظائع في الشيشان

منذ بداية الصراع، قامت القوات الروسية بقصف الأهداف المدنية بصورة مفرطة وعشوائية، مما أسفر عن وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين.

وقد تجاهلت القوات الروسية أحكام اتفاقيات جنيف التي تلزمها بتركيز هجماتها على المقاتلين، ولا يبدو أنها اتخذت أي ضمانات تُذكر لحماية المدنيين؛ فكانت هذه الحملة من القصف المكثف والمنظم هي المسؤولية عن الغالبية العظمى من وفيات المدنيين في الصراع الشيشاني.

وقد استخدمت القوات الروسية الصواريخ أرض أرض شديدة الانفجار في كثير من الأحيان، مما أسفر عن سقوط المئات من القتلى في واقعة قصف السوق المركزية في غروزني، وفي الكثير من البلدات والقرى الصغيرة.

وقد هدد القادة الروس مؤخراً باستخدام أنواع أقوى وأشد فتكاً من المتفجرات، من بينها الرءوس الحربية المحملة بالوقود والهواء، التي تتسبب في إحداث حرائق هائلة عند انفجارها، والتي من شأنها أن تحدث خسائر مروعة في الأرواح إن استُخدمت ضد الأهداف المدنية.

وقد أحالت حملة القصف العديد من أنحاء الشيشان إلى أرض يباب؛ بل إن أقدم المراسلين الحربيين الذين تحدثت معهم قالوا لي إنهم لم يروا في حياتهم قط مثل هذا الدمار الذي لحق بالعاصمة غروزني.

وهنا سوف نبدأ بسرد وعد بعض الحقائق المعروفة بوجه عام والخاصة بالحربين الأخرتين التي شنتهما روسيا وكذلك الذين ساندوها ضد الشعب المسلم في شيشينا وضد دولة الشيشان:

  1. فأثناء حرب 19941996م، تم قتل ما يزيد على 100000 شخص إضافة إلى الآلاف منهم الرضع والأطفال قد تم ترويعهم وتشويهم وتحولوا لمعاقبين وحتى الآن حوالي 1500 شخص ما زالوا مفقودين تم القبض عليهم في الأراضي التي يحتلها نظام قطاع الطرق الروسي وتم أخذهم إلى معسكرات التصفية، فلقد تم أخذهم دون مبرر ودون شرح دون وحتى تلفيق جريمة لهم.
  2. حطمت المدفعية والصواريخ الروسية أكثر من نصف منازل جروزني في يناير 1995، وتم تخريب البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية ليس فقط في جروزني في كل البلد وتم تدمير كل مصانع تكرير البترول الثلاثة ومصنع استخلاص الغاز ومصنعي التعليب ومصنع المعدات الطبية وكل مؤسسات البحث العلمي، كما تم تدمير نصف مدينة أرجون وهي ثاني المدن الكبرى في الشيشان.
  3. في حرب 19941996 مثل الآن فكل يوم يمر تظهر حقائق جديدة خاصة بالجرائم التي يرتكبها الجنود الروس هؤلاء الجنود الذين يقتلون دون أدنى تمييز، حيث تم إعدام أسر كاملة في الحربين على يد الجنود الروس.
  4. تم قذف الأسواق ومواكب الجنازات وأية تجمعات أخرى بالصواريخ وقذائف المدفعية، فلقد قتل أكثر من 150 إنساناً نتيجة لقذف سوق قرية شالي وتم قذف سوق قرب قرية ميسكيريورت مرتين ونتيجة لذلك قتل 30 شخصاً، وتم مهاجمة قوافل اللاجئين أيضاً بقذائف الطائرات والمروحيات وكان الهدف من كل ألوان الهجوم والذبح دون تمييز للمدنيين الأبرياء هو ترويع الشعب الشيشاني وشل حركة المجاهدين الشيشان.
  5. تم تدمير العديد من القرى تماماً وتم تدمير البعض مثل باموت واستاري أتشخوي وغويسكوي وياندي ويارش – ماردي وزوناخ وهذه تم مسحها وإزالتها تماماً من على سطح الأرض.
  6. في سبتمبر 1999 بدأت روسيا حرباً جديدة شاملة وكانت الهجمات الجوية الأولى ضد القرى الواقعة على الحدود الشيشانية الروسية، ففي الليلة الأولى قذفوا القرى في إقليم نوجاي – يورت وتسبب ذلك في قتل أكثر من عشرين وإصابة أكثر من ثلاثين مدنياً، وتم أيضاً تدمير المدارس وعشرات البيوت في هذه الهجمات وتبع ذلك هجوم مماثل ومتكرر على نوجاي – ييرت وشيل كوفسكوي وشاروي وتجيبرلوي وشاتوي وفيدنو وأورس – مارتان و أتشخي – مارتان وجروزني والعديد من القرى والمدن الأخرى( ).

أزمة اللاجئين

تسببت الغارات المتواصلة التي شنتها القوات الروسية ضد السكان المدنيين في حمل أكثر من 200 ألف شيشاني على الهرب إلى إنغوشيا المجاورة، مما ألقى على كاهل السكان المحليين، الذين لا يزيد عددهم عن 300 ألف، عبئاً لا قبل لهم به.

ولا يزال كثيرون آخرون من السكان المشردين من ديارهم محاصرين داخل الشيشان، خاصة في مضيق نهر أرغون الجنوبي، حيث باتوا عاجزين عن التماس موضع آمن بسبب رفض القوات الروسية فتح ممرات آمنة تسمح لهم بالعبور.

والأوضاع داخل مخيمات اللاجئين متردية، حيث يعانون من النقص في المأوى والطعام والماء النظيف والتدفئة وغيرها من الضروريات، ولا تعيش سوى قلة قليلة منهم داخل المخيمات المكتظة أو عربات السكك الحديدية؛ أما الغالبية، فتعيش في ملاجئ مؤقتة أقيمت في المزارع المهجورة أو حاويات الشحن الفارغة.

ردود الأفعال والموقف الدولي

ردة الفعل الروسية

قام الرئيس يلتسن بشن حرب الإبادة ضد الشيشان دونما تفويض من الشعب الروسي، وحتى دون استشارة من مجلس الدوما، حيث أفادت استطلاعات الرأي في هذا الخصوص أن 65% من الشعب الروسي كانوا معارضين لحرب الإبادة التي طالت الشيشانيين، ومع تورط الروس وتكبدهم خسائر طائلة، فقد أفاد استطلاع رأي أن 85% من الروس يرفضون استمرار الحرب على الشيشان.

الضباط والجنود الروس اتسموا بالوحشية والظلامية، وبالرغم من ذلك إلا أنهم اخذوا يتساءلون لماذا يحاربون الشيشان إضافة إلي ذلك فقد أخذ الجندي الروسي يتساءل:

من الذي نحاربه في الشيشان سوى النساء والأطفال؟ وبعدما قصفنا المواقع والمدن الشيشانية لم نجد الا الخراب والدمار والقتلى، إضافة إلي إهمال القيادة الروسية للجنود، حيث طالبت أمهات الجنود بعودة أبناءهم إلي روسيا ووقف القتال، وبعدما فشلن في محاولتهن لإعادة أبناءهن، اعتبر كثير من الجنود أنفسهم إخوة للشيشانيين ورفضوا العودة إلي روسيا بإرادتهم بعدما ندموا على حروب الإبادة الجماعية والدمار الكبير.

أشارت مصادر أخرى في ديسمبر 2002 عن وجود تمرد بين الجنود الروس لرفضهم العودة للخدمة بالشيشان، مع انتشار حالة الفساد في أوساط القوات العسكرية الروسية بالشيشان، والتي تتاجر بالنفط الذي يكرر بمراجل يدوية، والذي وصل حجمه عام 2002 إلى 500 – 600 مليون طن بينما النفط المكرر بشكل شرعي هو 700 مليون طن في نفس العام، وهذا النشاط الفاسد تورط فيه الجيش الروسي ورجال العصابات تحت تهديد الخطف والقمع.

خلال أواخر عام 2002 تفاقمت الأوضاع في الشيشان وانعكس الأمر على الأوضاع داخل روسيا، مما دفع بالكثير من المحللين والخبراء والسياسيين داخل روسيا بالدعوة إلى وقف الحرب وإيجاد حل للقضية الشيشان وتقدموا بالعديد من الاقتراحات للسلطات الروسية.

المجتمع الدولي

تبنى المجتمع الدولي سياسة الصمت، حيال قضية الشيشان، وتركت القضية في يد روسيا لمحاولة حلها باعتبارها قضية داخلية.

فالأمم المتحدة لم تدرج قضية الشيشان في أي من جداول أعمالها عدا نشاط محدود من وكالة الأنروا لغوث اللاجئين الشيشان، ونشاط أقل من محدود لمنظمة حقوق الإنسان، ولم تحاول الحكومات الغربية مناقشة سياسة روسيا في الشيشان، فعندما انتقدت الحكومة الهولندية عام 2004 والتي كانت تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي حينها، بلفته بسيطة للسياسة الروسية، أثارت غضبا عارما في موسكو.

لا فرق فالإسـلام بينهما هو الخـصم المـرادُ
الشرق صنو الغرب والمقهور يسحق أو يبادُ

إن السبيل إلى التحرر والنهوض هو الجهادُ

قالــوا نظــام عالـمي فيه تنتـصر الشـــعوب

فإذا هو الشيطان يحرق كل أرض بالحروب

والخطب يصبح حيث ما يمتد آلاف الخطوب

الاتحاد الأروبي، سُباتٌ عميق

من المدهش أن يقرر الاتحاد الأوروبي عدم اتخاذ إجراء فيما يتعلق بالشيشان في اللجنة"، قالت راشيل دينبر المديرة التنفيذية لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش. إن غض الطرف عن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية أمر غير مقبول أخلاقياً".

إلا أنه في يوليو 2006 طالب روسيا في أعقاب مقتل الزعيم الشيشاني "شامل بساييف" بإيجاد حل سياسي للأزمة في الشيشان بسبب خروجها عن النطاق الإقليمي وامتدادها لدول في الخارج تمارس خلاها عناصر شيشانية أعمال تحض على العنف والكراهية ضد الأوروبيين وتشكيل خلايا إرهابية نشطة.

وأكد الاتحاد أن سياسة الاغتيالات والعنف المفرط لم تعالج الأزمة، وضرورة قيام روسيا بوضع خطة تضمن الحل السياسي لمشكلة الشيشان.

وحسب القانون الدولي فإن حالات الاختفاء القسري المنتشرة والمنظمة تشكل جريمة ضد الإنسانية– وإهانة لضمير البشرية جمعاء.

ويمكن لأيّة دولة أن تقوم بمقاضاة مرتكبي هذه الجرائم، بمن فيهم المسؤولين الحكوميين ورؤساء الدول. "لقد "اختفى" آلاف الناس في الشيشان منذ عام 1999، وبعلم تام من السلطات الروسية"، قالت دينبر وأضافت بأن "شهود عيان يقولون بأن جو الاستبداد المطلق والترهيب السائد حالياً "أسوأ من أي حرب".

موقف الدول العربية والإسلامية

الدول العربية والإسلامية وكالعادة في كافة المواقف، حيث اكتفت بالتنديد بالحالة الإنسانية للشعب الشيشاني وقبولها لعدد من اللاجئين الشيشان وتقديم منح دراسية دينية لبعض الشباب الشيشاني، أما منظمة المؤتمر الإسلامي، فلها موقف مختلف نسبيا، لأنه يأتي في إطار الدبلوماسية العامة للمنظمة.

وهذه المواقف ظهرت بعد تردي الأوضاع في الشيشان على اثر الحرب الروسية الثانية 1999ـ 2000، فدائما ما ترسل المنظمة وفود إلى روسيا والشيشان لبحث الأوضاع، ودائما ما تدعو إلى الحل التفاوضي والعفو العام، والتنديد بالحالة المأسوية والخسائر في الأرواح والممتلكات بالشيشان، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وفي نفس الوقت تؤكد على احترام سيادة روسيا على أراضيها وعدم التدخل في شئونه الداخلية.

وكالعادة اقتصر دور الدول العربية على متابعة ما يحث من خراب ودمار وسفك للدماء وما ترتكبه القوات الروسية من جرائم حرب، بل ان الموقف السلب للعرب هو وصف كثير من الإعلاميين للمجاهدين الشيشان بأنهم أصوليين ومتمردين ومغامرين وانفصاليين، حتى حمّل الإعلام العربي كامل المسئولية للمجاهدين الشيشان.

بل وقف الإعلام العربي موقف الحياد من جرائم الحرب الروسية، واستكمالا لمسلسل التواطؤ العربي الروسي فقد رفضت غالبية الدول العربية بفتح مثليات وسفارات شيشانية لديها، وبالرغم من اعتراف القانون الدولي بالشيشان.

ولكن الغريب في الأمر أن نجد حركات إسلامية لم تكن بارزة على الساحة الدولية مثل حركة حماس الفلسطينية، حيث قامت بالتنديد بالجرائم الروسية وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف تلك المجازر التي ترتكبها القوات الروسية بلا رقيب، وعلى اثر ذلك تحركت فصائل وحركات إسلامية أخرى مثل حزب الله اللبناني الذي كرر شجبه واستنكاره لما قامت به القوات الروسية، وهذا الأمر أدّى بالدول العربية إلى أن تتحرك ولو قليلا وتتخلى عن جزء من صمتها.

الولايات المتحدة الأمريكية

اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة والأرض الشيشانية، ولم تهتم بمأساة الشعب الشيشاني، أو القضية السياسية للشيشان، ويأتي هذا الاهتمام لما تمثله منطقة القوقاز واسيا الوسطى من أهمية جيوبولوتيكية وأهمية اقتصادية نفطية.

حافظت الولايات المتحدة على وجود علاقات سرية مع المعارضة الشيشانية حتى أحداث سبتمبر 2001، ورغم كل ما قدمته روسيا للتقارب مع الولايات المتحدة والغرب، استمرت الولايات المتحدة في انتقادها للسياسة الروسية وحقوق الإنسان في الشيشان، وصعدت من حملتها الدبلوماسية في يوليو 2002، إلا أن الأمر لم يصل إلى الاعتراف بحق الشيشان لتقرير مصيرهم، وخلال نفس الفترة استمرت المحادثات الأمريكية مع وزير الخارجية الشيشاني "إلياس أحمدوف"، بشكل غير معلن كما تعمدت الإدارة الأمريكية إلى إعادة بث برامج باللغة الشيشانية، عبر إذاعة أوروبا الحرة في براغ ، مما أثار حفيظة روسيا، وهددت بإغلاق مكتب الإذاعة لديها.

الروس وتصفية القضية الشيشانية

ليس من السهولة بمكان الحديث عن مستقبل التسوية السياسية في جمهورية الشيشان- أشكي ريا الإسلامية-؛ إذ لا زالت الأمور تخضع لمتغيرات عسكرية واقتصادية وسياسية وإستراتيجية عدة، والتي تحدد في محصلتها شكل التسوية النهائية للموقف، إلا أن هناك شواهد معينة من الطرف الروسي وتحركات القوى داخل الشيشان قد تفيدنا في وضع ملامح قابلة للتصديق أو التشكيك في طبيعة ما يطرح من خيارات أو بدائل التسوية.

بداية فإن الشواهد المطروحة حول مستقبل جمهورية الشيشان الإسلامية قد أجمعت على وجود ثلاث مراحل متميزة للتسوية السياسية هناك، وأن عناصر الانتقال وتوقيته وطبيعته رهن بمجموعة من العوامل؛ منها ما يتصل بالطرف الروسي؛ ومنها ما يتصل بالطرف الشيشاني؛ ومنها ما يتصل بالجماعة الدولية.

ويركز هذا المقال على المرحلة الأولى التي تخضع فيها جمهورية الشيشان للحكم المباشر من قبل موسكو لفترة انتقالية ما بين 3-5 سنوات، يتم بعدها –في المرحلة الثانية- إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لاختيار القوى التي تدخل في مفاوضات المرحلة النهائية (الثالثة) مع السلطات الروسية.

محاولة التسوية

منذ سقوط العاصمة الشيشانية، جروزني، في أيدي القوات الروسية، في 31 ديسمبر 1994، والقتال لم يتوقف في الشيشان؛ إذ تواصلت عمليات القصف وشن الغارات، إضافة إلى عمليات احتجاز الرهائن، وغيرها من الأساليب، التي لجأ إليها المقاتلون الشيشانيون.

وبدا واضحاً، منذ البداية، أن موسكو تسعى إلى القضاء على رموز المقاومة، والتمهيد لصياغة أُسُس جديدة للعلاقات بالشيشان، على نحو يبقي هذه الجمهورية داخل إطار الاتحاد الروسي، ويقضي على مطلب الانفصال.

ولذلك، أعلنت موسكو، عقب قرار وقف إطلاق النار، في يناير 1995، قراراً صادراً عن المدعي العام الروسي، يقضي بالقبض على جوهر دوداييف بعد توجيه تهمة "الخيانة" إليه.

وعلى الرغم من محاولات دوداييف المتواصلة، لإقناع موسكو بالتفاوض معه مباشرة، إلا أنها واصلت رفضها، وعمدت إلى تشكيل حكومة موالية لها، في جروزني، مؤكدة أن هذه الحكومة مؤقتة؛ إلى أن تُجرى انتخابات حرة في الشيشان.

وعلى الرغم من توقيع العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار، وعدم استخدام المدفعية الثقيلة في القصف المتبادل، إلا أنها سرعان ما كانت تنهار، بعد الاتهامات المتبادلة بخرقها، من دون أن تكون هناك أطراف محايدة، تتولى الإشراف على تنفيذ الاتفاقات أو مراقبة تنفيذها؛ وذلك بعد أن ترسخ التفاهم، على الصعيدَين، الإقليمي والدولي، على أن ما يجري في الشيشان شأن روسي داخلي.

وبمرور الوقت، تأكدت صعوبة، إن لم يكن استحالة، حسم الأمر عسكرياً؛ فقررت موسكو مفاوضة دوداييف، وأصدر رئيس الوزراء الروسي، فيكتور تشيرنوميردين، في 26 أبريل 1995، قراراً، يقضي بوقف العمليات العسكرية، بدءاً من الأول من مايو 1995.

وبعد مفاوضات مكثفة، توصل المتفاوضون، في 22 يونيه 1995، إلى اتفاق مبدئي، يُنزع، بمقتضاه، سلاح فصائل المقاومة الشيشانية، بالتدريج؛ مقابل انسحاب القوات الروسية من الشيشان، على مراحل، وتمركز ستة آلاف جندي حول العاصمة، جروزني، ومدن أخرى.

كما دان رئيس الوفد الشيشاني، عثمان إيماييف، الإرهاب، بشتى صوره، وتعهد بالتعاون مع موسكو على القبض على شامل باسييف ورفاقه، الذين احتجزوا الرهائن، في بودنيوفيسك، في يونيه 1995. وفي 30 يوليو، وقِّع الاتفاق العسكري، الذي نص على:

  1. الوقف الفوري لجميع الأنشطة العسكرية.
  2. نزع الأسلحة، وانسحاب القوات الروسية من الشيشان، بالتدريج.
  3. تبادل الأشخاص المحتجزين.

وعلى الرغم من موافقة دوداييف، ومصادقة لجنة الدفاع الشيشانية، برئاسته، على الاتفاق، إلا أنه أقال رئيس الوفد الشيشاني المفاوض، عثمان إيماييف، وعيّن بدلاً منه أحمد ياريخانوف.

ولم تنعم الشيشان بالهدوء، الذي كان متوقعاً بعد الاتفاق العسكري؛ إذ لم تتوقف الاشتباكات وأعمال الهجوم والهجوم المضاد؛ ما دفع الشيشانيين إلى تعليق مشاركتهم في مفاوضات التسوية السياسية، ووقف تنفيذ الاتفاق العسكري، احتجاجاً على استمرار الغارات الجوية، والقصف المكثف للعاصمة والمدن الشيشانية الأخرى.

أما موسكو، فأكدت أن القصف هو رد على عدم الالتزام بوقف الأنشطة العسكرية؛ إضافة إلى عدم تسليم المقاتلين الشيشانيين أسلحتهم، بحسب الاتفاق؛ إذ لم يسلموا سوى 3% فقط من 60 ألف قطعة سلاح لديهم؛ وهو ما عزاه المفاوضون الشيشانيون إلى عدم تنفيذ موسكو سحب القوات من الشيشان.

الشيشان في غمار المعترك السياسي

في 17 نوفمبر 1995، أقر البرلمان الشيشاني قانوناً، يستحدث منصب رئيس الجمهورية، وبدء الإعداد لإجراء انتخابات حرة.

إلا أن الحكومة الموالية لموسكو، بزعامة دوكو زافجاييف، رفضت فكرة ترشيح دوداييف لنفسه في انتخابات الرئاسة.

وأعلن المقاتلون الشيشانيون رفضهم إجراء الانتخابات، في ظل وجود القوات الروسية. وطرح رئيس الوفد الشيشاني، أحمد ياريخانوف، خيارَين:

الأول: انسحاب القوات الروسية، من دون شروط، من الشيشان، والبدء بمفاوضات في طبيعة العلاقة، بين جروزني وموسكو.

والثاني: إرسال قوات سلام دولية، بتفويض من الأمم المتحدة.

وهو أمر رفضته موسكو، ورأت فيه تصميماً على الانفصال، وممارسة بعض مظاهر السيادة. واكتفى الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، بمنح الشيشان "وضعاً خاصاً"، في إطار الاتحاد الروسي.

وجاء ذلك في اتفاق، وقعه رئيس الوزراء الروسي، فيكتور تشيرنوميردين؛ ورئيس الحكومة الشيشانية المؤقتة، دوكو زافجاييف؛ ومستشار الرئيس الروسي، أولج لوبوف؛ ونص على:

  1. منح جمهورية الشيشان وضعاً خاصاً، داخل الاتحاد الروسي.
  2. اعتماد جمهورية الشيشان الدستور والتشريع الروسيَّين.
  3. حق الشعوب في تقرير مصيرها المعترف به دولياً.وتأكيد وحدة روسيا وسلامة أراضيها ومجالها الاقتصادي.
  4. حق الشيشان في المشاركة في القرارات، في مجال العلاقات، الدولية والاقتصادية، بالعالم الخارجي، وحقها في فتح بعثات دبلوماسية لدى الدول الأجنبية.

وبعد توقيع الاتفاق، في 8 ديسمبر 1995، أعلن رئيس البرلمان السوفيتي السابق، روسلان حسبولاتوف، الشيشاني الأصل، انسحابه من معركة الرئاسة، التي جرت في 15 ديسمبر 1995 لاختيار أعضاء البرلمان الروسي عن الشيشان، واختيار رئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من دعوات المقاتلين الشيشانيين إلى مقاطعة الانتخابات، وتهديد كل من يشارك فيها، فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 48%، وأسفرت عن فوز دوكو زافجاييف بمنصب الرئيس، بنحو 85% من أصوات المشاركين.

وبعد ذلك، جاءت الانتخابات التشريعية الروسية، في 17 ديسمبر 1995، لتسفر عن فوز القوى الشيوعية والقومية، بعدد كبير من المقاعد، محتلة المركزَين، الأول والثاني.

وكان ذلك يعني فوز التيارَين المؤيدَين الاستخدام المكثف للقوة المسلحة، حفاظاً على وحدة الأراضي الروسية؛ الأمر الذي قيد حرية الرئيس يلتسين في التحرك نحو حلول وسط للصراع في الشيشان، على الأقل حتى منتصف 1996، الذي حددت فيه الانتخابات الرئاسية.

خلال عام 2001 كانت هناك مفاوضات مباشرة سرية بين الكريملين ومندوب " مسخادوف " وزير الثقافة "أحمد زكاييف" غير المتهم بأي قضايا إرهابية، وكانت بهدف بحث حل سياسي مع الشيشان، إلا أن المفاوضات فشلت بسبب الشروط الروسية خاصة تسليم القيادات الإرهابية وتسليم السلاح والانخراط في الحياة المدنية، الأمر الذي رفضه "مسخادوف".

ونتيجة لتصاعد عمليات الجماعات الشيشانية المسلحة حول العاصمة جروزنى، لم تتمكن الحكومة المعينة من مباشرة أعمالها واضطرت إلى مغادرة جروزنى في مايو 2001، كما تعرض رئيس الإدارة المحلية المعين "أحمد قاديروف" لمحاولة اغتيال فاشلة في سبتمبر 2001 لعدم وجود شعبية له داخل الشيشان

فى مارس 2003 تم إجراء استفتاء عام في الشيشان حول مشروع الدستور الروسي الذي يقر الفيدرالية ويبقى الشيشان في إطار روسيا الفيدرالية، وقد جاء الاستفتاء بنتيجة 96 % من أصل 90 % من الناخبين وفقا للإحصائيات الروسية الرسمية، وشكك عدد من الشخصيات والمنظمات الدولية في نتيجة الاستفتاء، إذ جرى دون رقابة دولية، وفى ظرف وجود الجيش الروسي في حالة حرب بالشيشان، وتواجد نسبة عالية من الشيشانين لاجئين بالخارج، وكان أشهر معارضي الاستفتاء هو مبعوث البرلمان الأوروبي في الشيشان" اللورد جود" والذي قدم استقالته وشكك في مصداقية الاستفتاء ومدى تعبيره عن رأي الشعب الشيشاني.

بعد إجراء انتخابات عامة بالشيشان في أكتوبر 2003 فاز فيها "أحمد قاديروف" بنسبة 81% برئاسة الشيشان وبات رئيسا للجمهورية بشكل شرعي، إلا أن جميع الدوائر شككت في الانتخابات للدور الروسي فيها.

وروجت روسيا لديمقراطية الشيشان وإعادة أعمار الدولة، وتحسن الأوضاع، بعد تطبيق الحكم السياسي الفيدرالي وادعاء موافقة الشيشانين عليه، وأن الشعب الشيشاني بات مستندا على قوانين تنظم حياته اليومية، وان تركز الاهتمام على الوفاق الوطني حول القضايا الاقتصادية والسياسية في جمهورية الشيشان، بما في ذلك إجراء انتخابات برلمانية حرة.

ادعى "قاديروف بأنه وضع أساس راسخ ودائم للقوانين الاجتماعية والاقتصادية، لبعث تنفيذ البرامج الفيدرالية الهادفة، لتفعيل دور الشركات الصناعية وتطوير العمل عن طريق إعادة بناء المرافق الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات وإحياء مجال الزراعة، وكان هذا هو البرنامج السياسي للرئيس "قاديروف" اكتسب "قاديروف" أعداء كثر نتيجة سياسته العنيفة ضد الشعب الشيشاني والمقاتلين الشيشان، حيث جرت محاولات عديدة لاغتياله، إلى أن تمكنت إحداها من قتله في مايو 2004.

أعلنت روسيا سياسة جديدة بالشيشان في منتصف عام 2006 حيث أعلن البرلمان الروسي في سبتمبر 2006 العفو عن المقاتلين الشيشان الذين لم يرتكبوا جرائم نكراء ضد القوات الروسية، ويستثن من العفو المقاتلين العرب والأجانب في تكرار لإعلان العفو السابق عام 2003، الأمر الذي دعى عدد من المقاتلين إلى إلقاء سلاحهم وتسليمه للحكومة في بلده " جود رمس " ثاني أكبر المدن في الشيشان وبحضور رئيس الوزراء الموالى لموسكو "رمضان قاديروف" وتم استعراض مجموعة من الأسلحة الخاصة بهم، هذا وقد اتفقت جميع القوى السياسية على مؤتمر للحوار الوطني الشيشاني في أكتوبر 2006 يضم جميع قادة وزعماء القوى السياسية الشيشانية في الداخل والخارج.

حركة المقاومة الإسلامية الشيشانية

المقاومة الشيشانية

تتعدد الجماعات الإسلامية الشيشانية المنخرطة في مقاومة الجيش الروسي، ومعظمها يقع تحت قيادة واحدة، وأحيانا ما تنشب خلافات داخلية تتصاعد إلى مرحلة الصراع المسلح مثل ما حدث عام 1998، ومصادر السلاح والذخائر، كلها من روسيا،فالبعض منها يحصلون عليها كغنائم حرب والبعض الأخر يشترونه من المافيا الروسية أو الجنود الروس.

منذ أحداث سبتمبر 2001 تعاملت الولايات المتحدة مع الجماعات الشيشانية، باعتبارها مقاومة تبحث عن الاستقلال عن روسيا، وكان لها خطوات في هذا الاتجاه حتى عام 2002.

ثم تغيرت السياسة الأمريكية بسبب توفر معلومات لديها عن وجود علاقة بين تلك الجماعات وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن.

أما روسيا فسعت إلى تدعيم وجهة نظرها عن وجود علاقة بين الانفصاليين وتنظيم القاعدة، حتى أن وزير الخارجية الروسي "إيجور ايفانوف" صرح في 15 فبراير 2002 أن " أسامة بن لادن " مختبئ في إقليم "بانكيزي" مع الجماعات الانفصالية الشيشانية، مع تحرك روسيا على المستوى الدبلوماسي مع الولايات المتحدة الأمريكية لمقايضة انخراطها في الحملة الدولية للحرب ضد الإرهاب مقابل إضفاء الشرعية على الحرب الروسية في الشيشان، باعتبار الشيشانين الانفصاليين جزء من الإرهاب الدولي الذي تحاربه الولايات المتحدة الأمريكية.

أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية بعض الجماعات الشيشانية، كجماعات إرهابية في تقريرها السنوي عن أنماط الإرهاب الدولي عام 2002 الصادر عن مكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية،والذي نشر في أوائل عام 2003،وقد جاء هذا التحول لأول مرة ضد هذه الجماعات عام 2002، واتخذت الولايات المتحدة حيالها مجموعة من الإجراءات عام 2004 مثل تجفيف الأموال ومنع دخول بعض زعمائهم إلى الأراضي الأمريكية، واستمر الوضع في التقارير السنوية التالية حتى تقرير أنماط الإرهاب 2005/2006.

رغم وجود العديد من جماعات المقاومة الشيشانية، إلا أن تقرير أنماط الإرهاب الأمريكي، اختص بثلاث جماعات منها، لدورهم في عمليات إرهابية سابقة، وكانت أولى تلك الجماعات هي " لواء المهمات الخاصة الإسلامي " ويتركز نشاطها في العمل ضد القوات الروسية، ونفذت العديد من عمليات الاختطاف والإعدام لشيشانين تعاونوا مع السلطات الروسية.

ومن ابرز عملياتها اختطاف الرهائن في مسرح "دوبرونكا" في أكتوبر عام 2002 وكان "موفزار براييف" يقود الجماعة حتى قتل في تلك العملية، واستمرت الجماعة في عملياتها تحت قيادة زعيم شيشاني أخر هو "خاهزات" والذي لا تعرف هويته الحقيقية.

يبلغ عدد مقاتلي الجماعة حوالي 100 مقاتل، وتحصل على تمويل خارجي من مجاهدين أجانب. أما ثاني تلك الجماعات " ألوية حفظ السلام الإسلامية الدولية " والتي أسسها الزعيم الشيشاني السابق "شامل بساييف" عام 1998 والذي توفي في أوائل عام 2006، وعاونه في قيادتها زعيم المجاهدين "خطاب" وهو سعودي المولد وتوفى في مارس 2002، وخلفه في زعامة المجاهدين " أبو الوليد " وتضم الجماعة مقاتلين شيشانين وعرب وأجانب، وشاركت الجماعة في عملية مسرح "دوبرونكا" عام 2002 وادعى شامل بساييف مسئوليته عن العملية، وتضم الجماعة 400 مقاتل منهم 150 مقاتل عرب وأجانب.

يتركز نشاط الجماعة في الشيشان ومناطق أخرى شمال القوقاز، وترتكز على قواعد لوجستية في جورجيا وأذربيجان وتركيا، وتحصل على تمويلها من جماعات إسلامية في منطقة شبه الجزيرة العربية.

أما ثالث تلك الجماعات هي " كتيبة رياض الصالحين "، تأسست تلك الجماعة مع تنفيذ عملية مسرح "دوبرونكا" عام 2002 حيث شاركت فيها بقيادة "شامل بساييف" ونفذت العديد من العمليات، منها عمليتين في قرى شمال الشيشان في مايو 2003 ونشاطها يتركز في مقاومة القوات الروسية، ويصل عدد مقاتليها إلى 50 مقاتل، وتحصل على تمويلها من مجاهدين أجانب.

تمثل عمليات المقاومة الشيشانية مزيج من حرب العصابات والعمليات النوعية الخاصة، حيث يعتمد أسلوبها على تنفيذ الغارات والكمائن بمهارة عالية مستغلة طبيعة الأرض والأحوال الجوية، واقتحام المواقع الروسية، والاستيلاء على قرى ومدن شيشانية بالقوة المسلحة والسيطرة عليها لفترة محدودة ثم الانسحاب منها.

إضافة إلى عمليات احتجاز الرهائن بأعداد كبيرة وبدرجة عنف عالية، والعمليات الانتحارية خاصة باستخدام السيدات، والتي كانت ظاهرة انتشرت عام 2003، وعمليات أخرى تفجيرية، ومعظم العمليات كانت بهدف إنزال أكبر خسائر بالقوات الروسية والعناصر الشيشانية المتعاونة معها، أو بهدف الضغط السياسي على السلطات الروسية، وفي بعض الحالات كانت بهدف إعلامي لتذكير المجتمع الدولي و العالم العربي والإسلامي بالمشكلة الشيشانية.

استمرت عمليات الجماعات الشيشانية منذ عام 2000 حتى عام 2006 بمعدلات عالية، لم يعلن عن معظم تلك العمليات وأشارت بعض التقارير أن معدلها وصل إلى 1.5عملية شهريا وكانت أعلى معدلاتها عام 2003، ومن أبرز تلك العمليات في أكتوبر 2002 عملية احتجاز رهائن في مسرح " دوبرونكا" في موسكو والتي انتهت بمقتل 129 رهينة إضافة إلى 41 فرد من مجموعة الاقتحام، وفي ديسمبر 2002 عملية تفجير مقر الإدارة الموالية لروسيا في الشيشان والتي أودت بحياة 46 فرد.

في مايو 2003 تفجير حافلة عليها 10 ضباط من وزارة الداخلية بجمهورية أوستيا الشمالية وعلى الحدود مع الشيشان، وفي مايو 2003 تم تنفيذ 2عملية فدائية الأولى في قرية " زنا مينسكوبه" شمال الشيشان نتج عنها مقتل وإصابة 100 روسي وشيشاني موالي لموسكو وهم أفراد عاملين في وحدة " اف اس بي " الخاصة الروسية وهي مختصة بعمليات قمع وخطف وإعدام مواطنين شيشانين.

والعملية الأخرى في قرية " وايليسخات ريورت" وكانت محاولة لاغتيال "أحمد قادريوف" رئيس الإدارة المحلية الموالية لموسكو، وفي يوليو 2003 تم تنفيذ عمليتين انتحارية بواسطة سيدات الأولى في قرية "موزدوك" في الجنوب الروسي وأدت إلى مقتل 17 فرد، أما الثانية كانت في حي"توشينو" الراقي بموسكو وأدت إلى مقتل 15 فرد.

انطلق حوالي 400 فرد من الميلشيات الشيشانية والجورجية المسلحين جيدا يوم 24 سبتمبر 2001 من منطقة ممر بانكيزي، إلى جمهورية أبخازيا ذات الاستقلال الذاتي عن جورجيا، وترأس المجموعة القائد الشيشاني " رسلان جلاييف" ونجح المهاجمون في السيطرة على عدة قرى حدودية في أبخازيا ونجحوا في التقدم والوصول إلى نهر "كودور" وجبل "سخارنايا جولوفا"

ودارت اشتباكات عنيفة حسمتها القوات المسلحة الأبخازية بدعم روسي بنهاية شهر أكتوبر 2001 وهروب المقاتلين الشيشانين إلى إقليم سفانيتيا الأبخازي الخالي من أي سلطات، وأعلنت السلطات الابخازية أنها فقدت 16 جنديا وحوالي 24 مدني ماتوا في كودور وان الميلشيات الشيشانية فقدت أكثر من 100 مقاتل.

عملية أبخازيا (سبتمبر/أكتوبر 2001)

نتيجة لمقتل الرئيس الشيشاني "أحمد قاديروف"، الموالي لروسيا في مايو 2004، قامت القوات الروسية بحملة عسكرية واسعة في الشيشان استهدفت عمليات قتل وإعدام، وتدمير واسع للمدن الشيشانية وعمليات اعتقال لعدد كبير من الشيشانين، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من الشيشانيين إلى أنجوشيا، وصلت إلى حوالي 55 ألف لاجئ.

واستمرت القوات الروسية في مطاردة اللاجئين الشيشان في أنجوشيا بأعمال تعسفية كبيرة من عمليات قتل واختطاف واعتقال، مع اختفاء حوالي 500 شيشاني لاجئ في أنجوشيا بعد اعتقالهم بواسطة القوات الروسية، وذلك بهدف إجبار اللاجئين الشيشان على العودة إلى الشيشان .

عملية أنجوشيا (يونيه 2004)

خلال منتصف شهر يونيه 2004 قام عدة مئات من الجماعات الشيشانية المسلحة بالهجوم على أنجوشيا، في شكل هجوم متزامن على عدة مراكز للشرطة وحرس الحدود، وبعض الوزارات الحكومية في أنجوشيا ليؤكدوا أن الاستقرار في منطقة القوقاز مرهون بتسوية الصراعات العرقية وعلى رأسها الصراع في الشيشان، وأسفر الهجوم عن مقتل وإصابة 250 فرد من القوات الحكومية الأنجوشية.

على اثر هذا الهجوم قامت القوات الروسية بإرسال تعزيزات عسكرية إلى مناطق المواجهات، وقامت وحدات من القوات الخاصة الروسية بمطاردة المقاتلين الشيشانين حتى اختفائهم داخل الأراضي الشيشانية.

هاهم رجال كالجبال الشم في وجه العواصف

يتسابقون إلى الوغى يستلهمون سنى المصاحف

وعلى الملامح عزة وشهامة تأبى المخاوف

الملائكة تقاتل مع الشيشانيين

يروي صاحب القصة التي حدثت في أرض الشيشان وتحديداً في جروزني قبل مدة فيقول

خرجنا في كتيبة مع قائد العملية .. وفي أثناء عودتنا من جروزني إلى الجبال إذا بالطائرات الروسية تقوم بإنزال المئات من الجيش الروسي .. فتوزعنا في المكان ونحن حُفاة الأقدام، وفي ليل حالك الظلام والأرض من تحتنا ثلج.

نزل الجيش الروسي فوق الجبال ونحن في الأسفل وأشكالنا مرئية وواضحة لهم، لأننا في الأسفل وهم في الأعلى ولا يوجد مخبأ ساتر وبعد أن أثاروا الجلبة والإزعاج بدأوا بإطلاق النار .. وأقسم بالله العظيم إنا لنراهم يطلقون النار إلى الأعلى ونحن في الأسفل، ونرى شرر نيرانهم واستمر الإطلاق مدة نصف ساعة تقريباً ونحن ندعو الله أن يخذلهم ويعمي أعينهم عنا ..

ثم ساد السكون بغتة والهدوء فانتظرنا نصف ساعة أخرى ثم قال القائد خطاب

نريد مجموعة ترحل إلى أعلى الجبل ليعلمونا ما الخبر ولماذا وقف إطلاق النار، فرفع الجميع أيديهم فاختار خطاب منهم سبعة فذهبوا هناك .

وبعد ساعة سمعنا تكبيرهم فوق الجبل.. فخرجنا إليهم ونحن مندهشين ويلتهمنا الفضول ونسألهم ما الخبر فيكبرون وعادة لا يكبر المجاهدون إلا عند الفتح أو حدوث أمر جليل.

صعدنا الجبل وهناك كانت المفاجأة

مئات من الروس قد قطعوا كأنما قطعوا بسيوف حادة أو بمناشير كهربائية حتى أننا قلنا لا يستطيع إنسان أن يقطع بمثل هذه القوة حيث كان القطع حاداً جداً.. والأغرب من ذلك أن الكلاشينكوف في أيد الروس لم يتأثر أو حتى يخدش ..

والمشارط في جيوبهم سليمة تماماً وكذلك باقي الأسلحة وأعداد الجنود الروس المقطعين كانت بالمئات.. فعلمنا أن الله نصرنا بجند من عنده وشد أزرنا بمكرمة عظيمة ولله الحمد والمنة والحكمة البالغة في ذلك .

المرأة الشيشانية المجاهدة

تُشكل حالة المرأة الشيشانية في المقاومة أنموذجاً متميزاً وغير مسبوق تفوقت فيه على الرجل، حيثُ تمكنت من لعب الدور الأساسي والمحوري في المقاومة بدلاً من الأدوار الثانوية التقليدية التي تأخذها المرأة على عاتقها في العادة.

وبتنفيذ المقاومة الشيشانية عملية استشهادية بواسطة امرأة تقترب إلى الأذهان صورة الاستشهاديات الفلسطينيات، وهنَّ اللواتي شكلن ظاهرة جديدة تميزت بها انتفاضة الأقصى الأخيرة، حيثُ نفذت نحو خمس فتيات فلسطينيات عمليات استشهاديات في قلب الكيان الصهيوني، ونجحن في تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة، بعد أن اجتزن كافة الحواجز والتدابير الأمنية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين.

وشاركت فتاة شيشانية في هجوم استشهادي بسيارة مفخخة استهدف في 12 مايو 2003 مجمعًا أمنيًّا روسيًّا في بلدة زناميتسك الشيشانية، وأسفر عن مقتل 54، وجرح ما يزيد عن 200 آخرين.

والمرأة الفلسطينية هي أول من أثبت نجاحاً وفعالية في المقاومة عندما أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات استشهادية بنفس الكفاءة التي تتطلبها المقاومة فمن ريم رياشي الي فاطمة النجار استشهاديات بلا حدود، لكنَّ الذي لا شكَّ فيه أن المرأة الشيشانية أبدعت في تنفيذ عملياتها وسجلت تفوقاً كبيراً في ذلك .

فالشيشانيات -كما يقول "خاريخانوف"- لن يرضين أبداً بالاحتلال، ولن يسكتن عن جرائم العدو التي تُرتكب بحقهن، ولا شك أنهن يقتدين في ذلك بالاستشهاديات الفلسطينيات.

دور العرب في المقاومة الإسلامية

بعدما اشتدت وطأة الحرب في الشيشان وبلغت القلوب الحناجر، وازداد نزيف الدماء، حيث تحرك اللسان العربي في الشجب والاستنكار، ولكن طائفة من أصحاب العقيدة الإسلامية رفضوا إلا أن يتحدثوا ويخاطبوا الروس عبر فوهات البندقية.

فسافرت مجموعات كبيرة من الدول العربية إلى أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك، وكان من بين الذين سافروا إلى الشيشان هو أسد المقاومة الشيشانية "خطاب".

الإنسان بطبيعة يبحث عن حياة كريمة يعتقد أنها الأفضل، وهذا ما يدفع بالنفس البشرية الي البحث عن شخصية خطاب، وما الذي دفع به لترك الحياة من اجل الحياة، فقد ترك حياته من أجل أن يحيا إخوانه المسلمين.

خطاب الشيشان.. بطولة واستشهاد

بزوغ قمر وسط الظلام

ولد الشهيد سامر السويلم في مدينة عرعر شمال المملكة العربية السعودية عام (1390 هـ,1970م) لأب سعودي وأم تركية، ونشأ في بيت عرف بالورع والتقوى، وعرف منذ صغره بالإقدام والشجاعة.

وقد سافر للولايات المتحدة الأمريكية عام (1407 هـ، 1987م) بهدف الدراسة بجامعة بوسطن، ولكنه رفض الاستمرار وقرر السفر إلى أفغانستان للمشاركة في القتال الدائر ضد القوات السوفيتية المحتلة، واستمر هناك عدة سنوات قبل أن يتوجه إلى طاجيكستان ومنها إلى الشيشان.

تميز خطاب بسرعة استجابته وتعلمه للفنون القتالية، إلى جانب إجادته لعدة لغات بجانب العربية وهي الروسية والإنجليزية والبوشتو.

وخلال ست سنوات فقط تحول هذا الشبل الصغير إلى مقاتل وقائد من أشجع وابرع المجاهدين، كان معروفا عنه أنه يرفض رفضا تاما الانبطاح أرضا خلال أي قصف، وأنه لا يظهر أي جزع أو ألم بعد أي إصابة.

أرقام جهادية

حضر خطاب أغلب العمليات الكبرى في الجهاد الأفغاني منذ عام (1408 هـ, 1988م)، ومن ضمنها فتح جلال آباد وخوست وفتح كابل في عام (1413 هـ, 1993م).

وبعد أن رحل من أفغانستان ومعه مجموعة مكونة من ثمانية مجاهدين مباشرة إلى الشيشان في ربيع 1995، قام بعدة عمليات عسكرية، أولاها كانت في (رمضان 1413 , مارس 1996م) وعرفت باسم "ياريش ماردي" وشارك فيها 13 مقاتلا فقط، وقتل فيها 252 جنديا روسيا وأصيب 58 آخرون بعد تدمير 13 دبابة و24 عربة مدرعة و12 عربة لنقل العسكريين.

وفي عمليه أخرى هاجم خطاب ثكنة عسكرية عام (1412هـ, 1995م) بالقرب من قرية "خاراشوي" ودمر المبنى بالكامل حيث لقي 34 جنديا روسيا مصرعهم وأسر 23 آخرون، بالإضافة إلى أكثر من 45 عملية أخرى قام بها أسفرت عن مصرع حوالي 9340 جنديا روسيا على مدار 7 سنوات.

وفي يوم (28 من ذي القعدة 1416 هـ, 16 أبريل 1996م) قاد خطاب عملية من أجرأ العمليات وكانت عبارة عن كمين "شاتوي" وفيها قاد مجموعة مكونة من 50 مجاهدا لمهاجمة طابور روسي مكون من 50 سيارة مغادرة من الشيشان، حيث قتل 223 عسكريا روسا من ضمنهم 26 ضابطا كبيرا، ودمرت جميع السيارات بالكامل، ونتج عن هذه العملية إقالة ثلاثة جنرالات.

وقاد خطاب يوم (23 من شعبان 1418 هـ, 22 ديسمبر 1997م) مجموعة مكونة من مائة مجاهد ودخلوا بعمق 100 كيلومتر في الأراضي الروسية حيث القيادة العامة للواء 136 الآلي ودمروا 300 سيارة وقتلوا العديد من الجنود الروس.

بطل عربيُ شيشانيُ

ولم يكن ميدان القتال والنزال هو فقط ما يؤمن به خطاب، بل آمن بالجهاد من خلال الإعلام؛ فقد نقلوا عنه أنه قال: "إن الله أمرنا بمجاهدة الكافرين وقتالهم بمثل ما يقاتلوننا به. وهاهم يقاتلوننا بالدعاية والإعلام لذلك فيجب علينا أيضا مقاتلتهم بإعلامنا"؛ لذلك فهو دائما يصر على تصوير كل عملياته.

ويقولون إنه كانت لديه مكتبة بها مئات الشرائط المصورة للعمليات الجهادية في أفغانستان وطاجيكستان والشيشان، حيث كان يعتقد أن الكلام وحده ليس كافيا لدحض الادعاءات الكاذبة لإعلام العدو، بل يجب توثيق هذا الكلام بالأدلة لدحض ادعاءاتهم.

وقد كرمت الشيشان وشعبها خطاب بعد انسحاب القوات الروسية من الشيشان في خريف (1417هـ, 1996م)، حيث أصبح خطاب بطلا قوميا في الشيشان، ومنح ميدالية الشجاعة والبسالة من قبل الحكومة الشيشانية، وحصل على رتبة لواء في حفل حضره شامل باساييف وسلمان رودييف. "صدقوا ما عاهدوا الله عليه"

'ولست أبالي حين أقتـل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي

خلف خطاب بعد وفاته زوجة داغستانية -من قرية "كاراماخي"- وبنتا وولدا من هذه السيدة. حيث استشهد عن طريق "رسالة مسمومة" سلمها له أحد عناصر المقاومة بغرب الشيشان وفر هاربا، واعترف المقاتلون الشيشان بمقتله في بيان أصدروه (16 من صفر 1423 هـ, 28 أبريل 2002م) على موقع "قوقاز سنتر" على الإنترنت، حيث ذكروا أنه تم دفن جثمان "خطاب" بمنطقة الجبالية جنوب الشيشان يوم (6 من المحرم 1423 هـ, 20 مارس 2002م).

الدروس والعبر

  1. من خلال التجربة العريقة التي مرت بها الشيشان منذ بداية الاحتلال القيصري الروسي في القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا، والذي استمر أكثر من300 عام، ظهرت الأطماع الروسية وبدأت بحرب إبادة للشجر والحجر قبل البشر، حيث ظهرت هذه الأطماع خلال أربعة مراحل من الاحتلال، مع اشتداد ضربات المقاومة قد باءت بالمفشل.
  2. كانت حرب القوقاز حرب جهاد بطولية، أثبتت للعالم أجمع بأن الإسلام، عندما ترسخ عقائده في النفوس، ويكون القتال في سبيل الله، وبعيداً عن الاتجاهات الدنيوية، والنفاق السياسي، فإنه قوة لا تقهر، حتى عند الهزيمة الميدانية، كما أكد الشيخ الغازي محمد.
  3. بدأت المقاومة الإسلامية في بلاد القوقاز على يد الإمام حمزات، ومن ثم استمر بعد استشهاده بقيادة الإمام منصور، مرورا بالمجاهد العربي خطاب الشيشان ولم تتوقف حتى يومنا هذا، حيث تعاقب في قيادتها.
  4. هدفت روسيا من احتلالها الشيشان الى السيطرة على الثروات الطبيعية الإستراتيجية في الشيشان، وأهمها إنتاج النفط وتكريره، والذي قدِّر ريعه، في السنوات الأخيرة، بنحو 9 مليارات دولار. كما تُعَدّ الشيشان ممراً مهماً لأنابيب النفط في كل المنطقة؛ فمن جروزني، العاصمة، تمر الأنابيب الآتية من "باكو"، على بحر قزوين، إلى "نورورسيك"، على البحر الأسود.
  5. خلال ردود الأفعال المتباينة والمتواطئة مع الدب الروسي، فقد ظهرت الكراهية والحقد على الإسلام، استكملت الحروب الصليبية مسلسلها الإجرامي، فكانت روسيا تنفذ جرائمها في الشيشان في ظل صمت عالمي دولي وعربي، وهذا تأكيد على مدى بربرية الدول الغربية الاستعمارية.
  6. المرأة الفلسطينية والشيشانية لعبتا دورا عظيما في المقاومة الإسلامية، فمن ريم الرياشي إلى الأم الفلسطينية، برنامج واحد لابد من إكماله، فالشيشانيات -كما يقول "خاريخانوف"-لن يرضين أبداً بالاحتلال، ولن يسكتن عن جرائم العدو التي تُرتكب بحقهن، ولا شك أنهن يقتدين في ذلك بالاستشهاديات الفلسطينيات.
  7. إن استشهاد القادة والمجاهدين هو بمثابة إحياء وميلادا لمجاهدين جدد، حيث استمرت حركة المقاومة الإسلامية في السيرة على الطريق الذي بدأه خطاب الشيشان، حيث سجل المقاومة الشيشانية أرقاما جهادية تكاد تكون نادرة، ومنهما عملية أبخازيا سبتمبر2001، وعملية أنجوشيا يونيو 2004.
  8. وبالرغم من أن الشيشان اخضعوا بالقوة للاحتلال الروسي، في فترات مختلفة من تاريخهم، فإنهم لم يقبلوا أبداً بالسيادة الروسية عليهم وتكررت ثوراتهم ونضالاتهم الرافضة لكافة المخططات الداعية إلي الشيوعية..

المراجع

  1. محمد يوسف عدس، الحرب الشيشانية بيت التأليف والتزييف، دار المختار الإسلامي، القاهرة، 2003.
  2. مراد الشيشاني، الشيشان والحركة الإسلامية – السياسة الدولية، الأهرام المصرية – العدد 149، يوليو 2002
  3. يوسف عزت باشا، "تاريخ القوقاز"، ترجمة خوستوف عبد الحميد غالب بك، ط1، إسطنبول، 1352/1933.8..
  4. وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، قضايا معاصرة، 2006.
  5. زليم خا ياندربي، الشيشان السياسة والواقع، ترجمة: د. سليمان خالد، بنها، مصر، مارس 2001.
  6. مشكلة الشيشان، كتاب الكتروني من موقع: www.mokatel.com
  7. د. عاطف معتمد عبد الحميد، المقاومة الشيشانية.. روعة النجاح أم رقصة الطائر الذبيح؟ القاهرة، 12/8/2003.
  8. د. عاطف معتمد عبد الحميد، روسيا تضع فلسطين والشيشان في سلة واحدة، إسلام أون لاين، القاهرة، 20/4/2002.
  9. د. حمزة زوبع، الشيشان.. بين خطة الكنس وتداعيات 11 سبتمبر، إسلام اون لاين، 31/1/2002.
  10. د. راغب السرجاني، قصة كوسوفو، 2008: موقع قصة الإسلام
  11. مركز أنصار الإعلام، سلسلة تاريخ القوقاز من الفتح الإسلامي إلى إمارة المجاهدين، 2 ربيع الأول 1430هـ.
  12. Crisis in Chechnya, look: www.globalissues.org