الحرب على الإخوان وعلاقتها بتوطين المشروع الصهيوني.. قراءة تاريخية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / د. محمد البلتاجي


الحرب على الإخوان وعلاقتها بتوطين المشروع الصهيوني ... قراءة تاريخية

أبدأُ بالحديث عن قضية الإخوان الأخيرة, التي لا تزال التحقيقات جاريةً فيها أمام نيابة أمن الدولة العليا, التي عُرِفت بقضية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين واعتقل لأجلها فجر الخميس (14 مايو 2009) 13 من قيادات الجماعة على رأسهم د. أسامة نصر عضو مكتب الإرشاد، وحار الكثيرون ما السبب وراء هذا التصعيد الذي لم يحدث بهذه الدرجة منذ اعتقال م. خيرت الشاطر وإخوانه الـ39 في ديسمبر 2006م؟.


وفي تقديري أن السبب الرئيس وراء هذه القضية هو تصفية الحسابات ومحاولة التعويق وتهديد العاملين في مجال (العمل الإخواني لدعم ونصرة القضية الفلسطينية في الساحة الدولية), وهو النشاط الذي ظهر أثره جليًّا أثناء العدوان على غزة؛ حيث استطاعت هذه الجهود أن تحشد الرأي العام العالمي والجماهير في مختلف دول العالم للوقوف في وجه المشروع الصهيوني وتحديه وفضحه وكشف من يدعمه ويؤازره ويتعاون معه- ظهر هذا جليًّا في حراك الجماهير (ليست الآلاف بل الملايين) في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية (بل والأوروبية والأمريكية والآسيوية) ليس فقط تعاطفًا واضحًا إلى جانب الشعب الفلسطيني ورفضًا للعدوان عليه ولحصاره بل، ووقوفًا إلى جانب مشروع المقاومة وفصائل المقاومين.. وهو تعاطف غير مسبوقٍ كان من ورائه جهود مخلصة استطاعت توظيف الحدث وتسليط الأضواء على الحقائق والصور, فأثَّرت إيجابيًّا على الرأي العام الإنساني العالمي الذي كان في السابق يترك نهبًا لتضليل ماكينة الإعلام الصهيونية فينساق وراء أكاذيبها وتفسيرها للأحداث.


لعل البعض يستغرب حين نتحدث عن علاقة اعتقالات الإخوان المسلمين بخدمة مصالح المشروع الصهيوني وتوطينه وتجهيز الساحة العربية لتقبله، ولعل البعض يعتبرها منا مزايدةً أو نوعًا من العيش في إطار نظرية المؤامرة، ولكني أطالبُ هؤلاء وأولئك بإعادة قراءة التاريخ، وسنرى بوضوح هذه العلاقة.. ليس فقط انطلاقًا من بديهية تعارض مشروع الإخوان المسلمين (الذي يضع في برنامجه مهمة الدفاع عن قضايا الأمة وفي القلب منها فلسطين وتحريرها)، مع استقرارِ المشروع الصهيوني, وليس فقط انطلاقًا مما جاء في محاضرة إستراتيجيات الأمن القومي الصهيوني, التي ألقاها آفي ديختر في معهد الأمن القومي الصهيوني في نوفمبر 2008م، والذي تعرض فيها للتخوفات من تقدم مشروع الإخوان المسلمين، وليس فقط انطلاقًا مما شهدناه على الشاشات أثناء الحرب على غزة- يناير2009م- حين وقفت تسيبي ليفني في مؤتمرها الصحفي بباريس تحرض وتطالب بضرورة التصدي لخطر الإخوان المسلمين، ولكني سأستنطق سجل التاريخ لنرى بجلاء هذه العلاقة:


أولاً:

هل يتصور الفصل بين قرار الحاكم العسكري في 8 ديسمبر 1948م (بحل جمعية الإخوان المسلمين وجميع شعبها وحظر نشاطها) وبين أدوار الإخوان المسلمين في أرض فلسطين طوال الـ 1947م و1948م والتي منها:

1- مؤتمر الإخوان المسلمين في حيفا أكتوبر 1947م الذي أعلن فيه (أن هيئة الإخوان المسلمين ستتحمل نصيبها كاملاً في تكاليف النضال لتحرير فلسطين).


2- سفر كتيبة المجاهدين بقيادة الشيخ محمد فرغلي والصاغ محمود لبيب إلى فلسطين في نوفمبر 1947م، ولما حدث التضييق الشديد من جانب الحكومة المصرية.. استأذن الإخوان لعمل رحلة علمية في سيناء, ومن هناك تسلل البعض إلى فلسطين وتجمعوا في معسكر النصيرات.


3- ضغوط الإخوان الشعبية على الحكومة المصرية؛ مما اضطرها للسماح بالتدريب للمتطوعين في معسكر الهايكستب تحت راية الجامعة العربية.


4- أدوار الحشود والتعبئة للجهاد التي قام بها (عبدالرحمن الساعاتي وكامل الشريف وسعيد رمضان ومصطفي السباعي وزهير الشاويش), وأدوار الجهاد والقتال المرير للصهاينة التي قام بها الضباط الشرفاء (محمود لبيب وعبدالمنعم عبدالرءوف وأحمد عبدالعزيز) وأدوار الدعم والإسناد للمجاهدين التي قام بها (الشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب).


5- صفحات جهاد وبطولات الإخوان المسلمين في فلسطين: في التبة 86، تبة اليمن التي عُرفت بتبة الإخوان المسلمين، معارك الشرف والبطولة في كفار ديروم، القدس، بيت لحم، الخليل، صور باهر بل وحصار الفالوجة.


تلك البطولات التي جعلت قائد القيادة العليا للقوات البريطانية في الشرق الأوسط يتحرك في جهودٍ حثيثة للضغط على الحكومة المصرية، والتي انتهت ببرقية يطمئن فيها السفارة البريطانية (لقد أخطرت القيادة رسميًّا بشأن خطوات دبلوماسية ستتخذ لإقناع السلطات المصرية بحل الإخوان المسلمين في أقرب وقت ممكن)، وقد كان أن جاء قرار الحل ثم إذا بكتائب المجاهدين تجبر على العودة ثم تستقبل في سجون الطور ثم في معتقلات الهايكستب!!!.


ثانيًا: جريمة العصر:

هل يتصور انتزاع سياق جريمة اغتيال الأستاذ البنا يوم 12 فبراير 1949م تلك الجريمة التي أثبت التاريخ اشتراك الملك فاروق من خلال الأميرالاي محمد وصفي (ومعه رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي, ووكيل الداخلية للأمن العام عبد الرحمن عمار، ومدير المباحث الجنائية محمود بك عبد الحميد) في أدوارها بالتكليف والإشراف والتنفيذ لها في وضح النهار في شارع رمسيس عن سياق صفحات جهاد الإخوان- التي أشرت إليها- أو عن سياق رسالة الأستاذ البنا إلى مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في لبنان في أكتوبر 1947م "إني على استعداد لأن أبعث دفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان المسلمين إلى فلسطين" أو عن سياق سفر الأستاذ البنا في مارس 1948م إلى ميناء بورسعيد ليودع كتيبة المجاهدين ثم سفره إلى دمشق لشحذ هممهم وهم في الطريق إلى فلسطين!!!.


وأهم من هذا هل يتصور الفصل بين اغتيال الإمام البنا- من خلال هذا التدبير الأثيم- في 12 فبراير 1949م وبين توقيع مصر لاتفاق الهدنة مع الكيان الصهيوني في 24 فبراير 1949, والذي تلاه مباشرةً توقيع اتفاقيات الهدنة بين الكيان الصهيوني وباقي الدول العربية (لبنان في 23 مارس وتبعتها الأردن في 3 أبريل ثم سوريا في 20 يوليو 1949....)!!.


ثالثًا:

هل يمكن فصل إعدام الشهداء (محمد فرغلي- يوسف طلعت - إبراهيم الطيب ) على أعواد المشانق في 1954 عن سياق أدوارهم في الجهاد (ضد الصهاينة) ودعم القتال على أرض فلسطين وإسناده.


رابعًا:

هل هناك سبب للتحول الساداتي في سيناريوهات التعامل مع الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين خاصة, من سياسة الانفتاح عليهم وإتاحة فرص العمل العام والنشاط الدعوي لهم إلى سياسة المواجهة والتضييق التي انتهت باعتقالات سبتمبر1981 (1500 من قيادات المعارضة والإخوان المسلمين)؟ وهل كان لهذا التحول من سبب إلا قيادة الموقف الشعبي الرافض للسير المصري في مسيرة التسوية المنفردة (زيارة القدس- كامب ديفيد- المعاهدة المصرية الإسرائيلية) وللتطبيع مع الصهاينة؟؟


خامسًا:

هل يمكن الفصل بين قضية م. خيرت الشاطر وإخوانه- في ديسمبر 2006م- الذين قضت المحكمة العسكرية عليهم بالحبس لمدد بين ثلاث وعشر سنوات وبين حالة التعبئة التي انتابت الشارع المصري دعمًا لمقاومة حزب الله في مواجهة العدوان الصهيوني على جنوب لبنان في 12 يوليو 2006م حين وقفت الأنظمة العربية تعطي التبريرات للحرب البربرية الصهيونية من خلال الحديث عن المغامرات غير المحسوبة "عملية الوعد الصادق" واستطاع الإخوان حشد الرأي العام (مؤتمرات- مظاهرات- مسيرات) بل ومسيرة برلمانية لقوى المعارضة إلى قصر عابدين ترفض الموقف الرسمي المصري ثم جاء تصريح الأستاذ المرشد مهدي عاكف في نقابة المحامين (باستعداد الإخوان المسلمين لإرسال عشرة آلاف متطوعًا لنصرة حزب الله والمقاومة ضد الصهاينة), ألم تكن القضية العسكرية للشاطر وإخوانه بالأساس ردًّا على هذه الجهود الإخوانية ضد الكيان الصهيوني، ومَن يتعاون معه ويعطي له الغطاء؟. (خاصةً أنها جاءت في أعقاب النجاح الكبير للإخوان المسلمين في انتخابات 2005م ثم الفوز المزلزل لحركة المقاومة الإسلامية حماس في انتخابات يناير 2006م؛ مما قوَّى وضاعف من رصيد ثقافة المقاومة في المنطقة).


سادسًا: اعتقالات رفض حصار غزة والعدوان عليها:

هذا المعلم الرئيسي لاعتقالات الإخوان المسلمين طوال 2008-2009 والتي طالت قرابة ثلاثة آلاف من الإخوان في أفواج وأمواج متتالية ابتداءً من يناير 2008م حين تحركت مظاهرات الإخوان ضد الحصار الظالم لأهل غزة ومرورًا بقضية عُرفت بخلية دعم غزة (د. عبد الحي الفرماوي- د. محمد عماد- د. محمد وهدان..)، وثانية عُرفت بقضية إغاثة غزة ( د. جمال عبد السلام)، وثالثة ورابعة ضد ناشطي حملات فك الحصار عن غزة- الأولى والثانية-، ثم جاء العدوان الصهيوني- والذي أراد تحطيم إرادة وصمود أهل غزة بعد فشل الحصار في تحقيق ذلك- فخرجت مظاهرات دعم المقاومة يقودها الإخوان في كل محافظات مصر فجاءت سلاسل جديدة من الاعتقالات طالت مئات وراء مئات من الإخوان (الأستاذ سيد نزيلي وإخوانه)، وطالت كل أعضاء الأمانة العامة للجنة فلسطين (د. عبد الفتاح رزق وإخوانه).


ولما انتهى العدوان المباشر على غزة وهدأت ثورة الجماهير جاءت مرحلة تصفية الحسابات مع الذين كانوا وراء هذا الحراك الداخلي فتمت اعتقالات طالت قيادات ومسئولي الإخوان في مختلف محافظات مصر (د. مصطفى الغنيمي وإخوانه)، والذين لا يزال العشرات منهم وراء القضبان حتى الآن (م. خالد البلتاجي وإخوانه).


سابعًا: قضية الإخوان الأخيرة (والتي عُرفت بقضية التنظيم الدولي):

جاءت هذه القضية امتدادًا وتوسيعًا لمرحلة تصفية حسابات الحراك الشعبي لنصرة غزة ليصل للساحة الدولية لمعاقبة هؤلاء الأشخاص والمؤسسات (العاملين في الساحة الدولية لنصرة فلسطين) وللضغط عليهم ولتعويق جهودهم مستقبلاً؛ كي لا يتكرر الحراك الإنساني العالمي ضد الصهاينة والأنظمة المتعاونة معهم؛ ونظرًا لأن العديد من الأنظمة العربية شاركت طويلاً في حصار الشعب الفلسطيني, ثم صمتت أثناء العدوان عليه (أملاً في أن تكون الحملة العسكرية الصهيونية حملة تأديبية لفصائل المقاومة, تنتهي بها لرفع الرايات البيضاء تمهيدًا لإجبارها على كتابة الفصل الأخير في نهج المقاومة، ومن ثَمَّ جرها إلى قافلة التلهية العبثية المسماة بالتسوية السلمية), هذه الأنظمة لم تسترح لصمود المقاومة أمام هذا العدوان البربري, ولا لهذا الحراك الشعبي العالمي الجارف الذي وقف مؤيدًا للمقاومة والمقاومين من جانب, وفضَحَ مواقف الأنظمة العربية ووصَفَ مواقعها بأنها أقرب إلى خندق العدو ومصالحه من خندق الأمة ومصالحها من جانبٍ آخر.


ولم تجد هذه الأنظمة- وقتذاك- بدًا من تجرعها مرارة الصمت أمام طوفان تعاطف الشعوب التي لم تفلح الآلة الإعلامية في صرفها عن فعالياتها (مظاهرات- مؤتمرات- مسيرات مليونية- اعتصامات- وقوافل إغاثة لغزة من كل أرجاء الأرض برًّا وبحرًّا- حملات شعبية لفك الحصار)، فلما هدأ هذا الحراك الهادر لأسباب عديدة بعد توقف الحرب العسكرية المباشرة بدأت رسالة التصدي وتقليم أظافر- ليس فقط الأشخاص، بل والمؤسسات- التي كانت من وراء هذا الحشد الإنساني العالمي, وهي الرسالة التي بقدر ما تمثل من تصفية حسابات المرحلة السابقة فهي تهيئ الساحة الدولية والمناخ العام للدخول في مرحلة التسوية الجماعية المرتقبة لـ57 دولةً إسلاميةً مع الكيان الصهيوني بلا مقابل, ومن ثَمَّ جاءت قضية التنظيم الدولي وزُج فيها بأسماء لشخصيات ولمؤسسات عجبنا أن تكون محلاً لتحريات المباحث المصرية ولتحقيقات النيابة المصرية (مؤسسات كويتية وأوروبية وأمريكية!!!).


وهذه الرسالة لا تستهدف- في الحقيقة- شخوص ولا هيكل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بقدر ما تستهدف الجهود والحراك وقدرات الحشد الجماهيري في الساحة الدولية والتي بلا شك وراءها- لا أقول تنظيم ولكن- تيار الإخوان المسلمين في مختلف أقطار العالم.


أما من حيث توقيت هذه القضية- التي أقول إنها رد فعل على الحراك في الساحة الدولية لنصرة فلسطين ومواجهة العدوان الصهيوني على غزة- فقد تم اعتقال أصحابها يوم الخميس 14/5/2009م.. فهل يمكن فصلها عن سياق مؤتمر نصرة القدس الذي دعا فيه الأستاذ المرشد محمد مهدي عاكف إلى اعتبار الجمعة 15/5/2009-ذكرى النكبة- يوم الغضب العالمي لنصرة القدس فجات هذه الاعتقالات حتى لا تتحول نصرة القدس إلى تظاهرة إنسانية عالمية كتلك التي حدثت لنصرة غزة.


هذا سجل التاريخ ينطق كيف كانت ولا تزال العلاقة وثيقة بين اعتقالات الإخوان المسلمين وتهيئة الأجواء لتقدم واستقرار المشروع الصهيوني وتوطينه وربط مستقبل المنطقة به.


وتؤكد وقائع التاريخ أن جزءًا كبيرًا مما لحق بالإخوان المسلمين إن هو إلا ضريبة جهودهم لحشد الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، وهي ضريبة أظنها ستستمر- ما بقي الإخوان وما بقي الاحتلال- لحين النجاح في قيام مشروع حضاري إسلامي يقود الأمة لنهضة حقيقية يعقبها زوال الاحتلال, وإن كنت أرى أن من عوامل هذه النهضة أن تعي الأنظمة (!!) أن الكيان الصهيوني هو العدو وأن مشروع الإخوان المسلمين هو أحد مقومات وعناصر قوة الأمة في مواجهة التهديدات الصهيونية للمنطقة.


المصدر : نافذة مصر