الحرب الإعلامية والنفسية على قطاع غزة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.


الحرب الإعلامية والنفسية على قطاع غزة


بقلم: د. حسن أبو حشيش


فلسفة الدعاية وحرب الإشاعة

التغطية الإعلامية لأحداث غزة.jpg


باتت اليوم حرب الكلمة الموجهة للنفوس والضمائر والعقول لا يمكن أن تنفك عن الحرب الموجهة للأجساد والممتلكات والمقومات المادية, وأدرك الساسة والعسكريون والإعلاميون وعلماء النفس أن الهزيمة الحقيقة للشعوب والأحزاب والدول ليست الهزيمة العسكرية لوحدها, بل يجب تسجيل انهيارات نفسية ومعنوية لدى الأفراد والجماعات كمؤشر على الهزيمة ورفع للرايات البيضاء... هذه الفلسفة المسيطرة على الحروب العسكرية أصبحت سمة الحروب, وشيئاً أساسياً في طبيعة العلاقات بين المتنازعين والمتحاربين، وذلك بغرض تحطيم المعنويات, وزعزعة النفسيات, وتشتيت الجبهة الداخلية للعدو والخصم, والتشكيك في القدرات, وتعظيم قدرات وقوة الذات للجهة المستخدمة للحرب الإعلامية, وصولاً لاختصار الكثير من مراحل الحرب العسكرية وتوفير الخسائر البشرية والمادية للجميع من خلال سرعة الاستسلام ورفع الرايات البيضاء, وبالتالي فرض شروط الهزيمة والانكسار من قبل الطرف المنتصر, وفرض التنازل عن الثوابت والحقوق على الطرف المنهزم.


هذه فلسفة الدعاية وحرب الإشاعة المستخدمة في الحروب الساخنة والحروب الباردة, والتي تعودت دولة الاحتلال الصهيوني على استخدامها في علاقتها التصادمية مع العرب والفلسطينيين في طريقها للاستيلاء على فلسطين وعلى الأرض العربية حتى قبل قيام كيانهم المزعوم... الأمر الذي لمسناه بقوة ووضوح وبشكل مركز في الحرب العدوانية البربرية التي قامت بها عصابات الجيش الصهيوني ضد قطاع غزة والتي امتدت من يوم السبت 27-12-2008م وحتى يوم السبت 17-1-2009 م، دون أن تتوقف لحظة واحدة.


هذه الأسابيع الطويلة والحرب الضروس الجبانة التي طالت الأخضر واليابس, ومست عصب الحياة المدنية... صاحَبَها مظاهر حربٍ دعائية رخيصة من قبل الكيان الصهيوني, وفي المقابل ردّت المقاومة الفلسطينية بحرب دعائية وإعلامية مضادة رغم الفارق الكبير في الإمكانيات بين الطرفين تماماً كما هو الفارق في القدرات العسكرية. وفي هذه القراءة نسلط الضوء على أهم ملامح الحرب الإعلامية من قبل الاحتلال ومن قبل المقاومة؛ فمن جهة الاحتلال بانت ملامح حربه الإعلامية على النحو التالي:


أولاً:

لقد أطلقوا اسماً معنوياً على عدوانهم وحربهم هو "الرصاص المصبُوب" كناية عن القوة والجبروت والمقدرة على كسر المقاومة, وسخونة وجدية المعركة, لأنّ الرصاص الساخن حين يُصب على الشيء يكون له مفعول الحرق المؤلم والتأثير المباشر.


ثانياً:

أعلنوا قبل الحرب بزمن ليس ببسيط واستمروا يُعلنون خلال الحرب: أنّ هدف الحرب هو المقاومة وحماس وليس الشعب وفي ذلك محاولة للتفريق والتمزيق للجسم الاجتماعي, ومحاولة منهم لدفع الشعب إلى لفظ ورفض المقاومة ومظاهرها والتخلي عنها, وبالتالي التظاهر ضدها, وأنهم ليسوا في حالة عداء مع كل الشعب الفلسطيني بل مع حماس التي تأسر الشعب وتتحكم به.


ثالثاً:

مارسوا القرصنة على أثير الإذاعات المحلية، ووجهوا رسائل رعب وتخويف للمواطنين، وزوّدوهم بمعلومات كاذبة مفبركة عن المقاومة وزعمائها.


رابعاً:

وجهوا رسائل مسجّلة بشكل عشوائي للمواطنين عبر الهواتف المحمولة والهواتف الأرضية, يهددون بتدمير البيوت التي تحتوي أو تؤوي سلاحاً وهذا لإرهاب الناس وزرع الخوف والإرباك في نفوسهم ودفعهم لتصرفات عشوائية مضرة, أو لجعلهم يتصرفون بشكل تخبطي لتتكشف لهم بعض الأمور التي تساعدهم على القصف والقتل.


خامساً:

يأمرون جواسيسهم وعملاءهم بأن ينتشروا في صفوف الشعب لنشر الأكاذيب والأراجيف, ونشر الإشاعة التي تقوم على خلخلة البناء الداخلي, وزعزعة الثقة بالنفس وبالقدرات, وللتلصص وجمع المعلومات التي قد تفيدهم في تحديد أهداف.


سادساً:

استخدامهم لأسلوب الصدمة في الضربة الأولى، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الشهداء والجرحى بغرض الإرباك وخلط الأوراق وبالتالي فقدان السيطرة وعدم تحمل قوتها والاستسلام.

سابعاً:

التجرؤ على قصف المساجد بمن فيها, والبيوت على قاطنيها، وفي ذلك توصيل رسالة للناس بأنه لا خطوط حمراء ولا حصانة لمقدسات فالأمر جد خطير.

ثامناً:

توزيع المناشير عبر الطائرات في أماكن محددة ومعينة، تتضمن رسائل في باطنها العذاب والتهديد، وفي ظاهرها الرحمة والحرص, وكذلك طلبهم إخلاء البيوت والمربعات السكنية كما حدث في الشريط الحدودي في مدينة رفح.

تاسعاً:

التصريحات الإعلامية لقادة العدو بأنّ الضربة الأولى هي بداية، وأنّ العملية ستطول, وبأنها مقدمة لاجتياح كبير.


عاشراً:

قصف المؤسسات الإعلامية كما حدث مع مبنى فضائية الأقصى، ومبنى جريدة الرسالة, وقصف برج الشروق وبرج الجوهرة المكتظين بالمكاتب الإعلامية الدولية والعربية والمحلية, وقصف بيوت الصحفيين وقتلهم كما حدث مع الصحفي إيهاب الوحيدي وعائلته والصحفي علاء مرتجى وعائلته... كل ذلك بغرض التأثير على العمل الإعلامي في نقل الحقيقة, والتأثير السلبي في صياغة الرواية, وترويع وتخويف الإعلام كي لا يتعامل مع رموز المقاومة ورجالاتها.


الحادي عشر:

اختراق موجات الفضائيات وخاصة فضائيتي الأقصى والقدس, وسرقة البث وتوجيه رسائل دعائية ضد المقاومة ورموزها وركزوا على العديد من القادة وخاصة قادة حركة حماس أمثال خالد مشعل, وإسماعيل هنية, ومحمود الزهار, وخليل الحية, وأحمد الجعبري, ومحاولة وصفهم بأنهم أخطئوا الحسابات وفروا وورطوا الشعب وأنهم خائفين ومختبئين... كما كانوا يشكشكوا في خطاباتهم وكلماتهم للشعب.


الثاني عشر:

قطع الكهرباء عن أجزاء كبيرة عن قطاع غزة, ولفترات طويلة، بهدف حجب المواطن عن المعلومة, وإغراقه في الظلام الدامس الذي يعكس رعباً في نفوس الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين.


الثالث عشر:

العمل من خلال طائرات التجسس والاستطلاع على التشويش المستمر على البث الفضائي, لخلق حالة من التوتر لدى المتلقي الفلسطيني في قطاع غزة فيُصاب بحالة من الإرباك واليأس في المتابعة المريحة والمستقرة لتغطية الفضائيات.

الرابع عشر:

حجب المعلومة عن الإعلام الدولي, وعن الإعلام المدني الإسرائيلي، وتغييبه عن ساحة وميدان المعركة، والاعتماد على الإعلام العسكري التابع للمنظومة العسكرية المسيطر عليها, ومنع الصحفيين من دخول قطاع غزة عبر المعابر.


الخامس عشر:

القيام بجولة من الدبلوماسية والنشاط الخارجي قبل وخلال الحرب العدوانية لتبريرها، وجلب غطاء دولي يغطي على الجرائم والمجازر بحق المدنيين, وخلق حالة من التوازن مع حركة المعارضة للحرب في كل العالم.

السادس عشر:

خلق سيناريو سياسي وإعلامي لوقف العدوان، وكأن الحرب وقفت بمزاج الاحتلال، وبعد تحقيق أهدافه! وذلك بغرض عدم تسجيل موقف إعلامي للمقاومة وعدم الاعتراف بأنه بسبب ضعف وانكسار وخسائر الاحتلال, ولكن في حقيقة الأمر أنه بمجرد أن أعلنت المقاومة وقف للهجمات ومنحت فرصة أسبوع للانسحاب كان المحتل انسحب بنسبة كبيرة من الأماكن التي تواجد فيها ثم منهياً بعدها كل تواجده منتظراً مفاوضات مع المقاومة حول التهدئة.


السابع عشر:

يُضاف إلى هذه الأساليب المباشرة من العدو، التصريحات والمقالات والتحليلات من بعض المتحدثين والكتاب والمحللين سواء الفلسطينيين أم العرب والتي تحمّل حركة حماس المسئولية, وتُبرئ الاحتلال, وتنشر المعلومات المغلوطة والكاذبة والمبرمجة وخاصة الأكاذيب التي تدّعي أنّ هناك عشرات الشهداء من معتقلي فتح السياسيين وهم يدركون جيّداً أنه لا معتقلين سياسيين في سجون الحكومة في غزة, وهم يدركون كذب ذلك ولكنهم يمارسون دوراً محدداً لهم للفت الأنظار عن بشاعة وحجم الجريمة ويقدمون خدمة للاحتلال ويفرّقون الصّف الفلسطينيّ الواحد.


وهذا المظهر الإعلامي تكثف مؤخراً بشكل قوي وبثته بعض الفضائيات التي تقف ضد المقاومة وحركة حماس, وأبدعت فيه بعض المواقع المحسوبة على التيار الانقلابي القديم المحسوب على حركة فتح أمثال موقع فلسطين برس، والكوفية وغيره... حيث الإشاعات والأكاذيب وفبركة الأمور الخاصة بالوضع الميداني وأمور خاصة بالقيادات الحكومية والحمساوية...


ومن أهم ملامح الخطاب الإعلامي لهذا الطابور المتناغم مع التطبيع والتسوية في المنطقة... قدح المقاومة وتحميلها المسئولية, وبأنّ الاحتلال بريء وهو يدافع عن نفسه أمام الصواريخ العبثية، وبأنّ المقاومة جلبت لنا الدمار والخراب والحصار! وبأنّ حماس تتخذ من الشعب رهينة لتحقيق مصالحها, وبأنّ حماس تسرق المعونات وتبيعها في الأسواق! وأنّ حماس تقتل الناس في الشوارع, وأنّ الحل الوحيد هو عودة قطاع غزة للشرعية, وأنّ حماس عليها تعلم الدرس وترك السياسة للسلطة الشرعية برئاسة عباس, وأنّ حماس تدعي الانتصار أمام هذه المجازر والخراب, وأنّ قادة حماس هربت عبر الأنفاق إلى العريش وتركت الناس لمصيرها! وأنّ عملاء من حماس هم وراء قتل سعيد صيام, وأنّ محمود الزهار نقلته سيارة إسعاف وهربته إلى مصر! وأين هي المقاومة التي كانت حماس تتوعد العدو وأين العمليات الاستشهادية؟! كل هذا الخطاب قد روّج له الاحتلال بأدوات عربية وفلسطينية لزعزعة الجبهة الداخلية, ودفع الناس للثورة ضد المقاومة بقيادة حماس...


وأبرز الشخصيات التي تولت كبر هذا المضمون فلسطينياً هم الأشخاص الذين غرقوا في الأمنيات بأن تنهي الحرب حماس ووجودها وعودتهم للنفوذ... وللأسف كان خطاب "محمود عباس" أوضح شيء, لاحظوا خطابه في الأمم المتحدة وفي القاهرة وفي شرم الشيخ وفي الكويت وفي كل مؤتمراته! ومحمد دحلان, والطيب عبد الرحيم, وأحمد عبد الرحمن، وياسر عبد ربه الذي لم يتوقف على مدار الحرب وتوّج الأمر بخطاب هو الأسوأ يوم الخميس2009-01-22م, ومحمود الهباش الذي خرج بخطاب يحمل المضامين ذاتها يوم الأربعاء 21-01-2009م وغيرهم.


وهذا الأسلوب يعتبر إشارة على فشل الأسلوب العسكري في النيل من المقاومة فأطلقوا أبواقهم الناطقة باللكنة الفلسطينية, لعلها تُطفئ أنوار الصمود, وتنال من العزيمة الصامدة والصابرة بعد عجز السلاح... وأتوقع تصاعد هذا الأسلوب الإعلامي للطابور الخامس صاحب المنصب والزي واللغة والجاه الوطني كحلقة أخيرة من الـتآمر, وكمحاولة متجددة للنيل من الشعب بطرق التفافية ومُمنهجة ومخططة صهيونياً ومنفذة فلسطينياً وعربياً.


أما من جهة المقاومة فبانت ملامح حربها الإعلامية على النحو التالي:

أولاً:

أطلقت مصطلح "بقعة الزيت" على علمياتها الصاروخية في دلالة على إمكانية توسيع هذه البقة بشكل مستمر كون أن الزيت ينتشر بسرعة, وفي ذلك رسالة للمجتمع الصهيوني بأنّ الشعب الفلسطيني لم يعد يكتوي بالنيران لوحده, وأنّ أمنه مهدد وستصلهم الصواريخ، واعتمدت المقاومة وخاصة القسّام عبارة "بقعة الزيت تتسع وتكبر" مع كل مدى جديد تحققه الصواريخ, ونجاحها العسكري في التدرج في مدى الصواريخ منح خطابها الإعلامي مصداقية, وانزرع الأمر في مخيلة المواطن الصهيوني لدرجة أنّ الإعلام الصهيوني بات يردّد لوحده إمكانية ضرب تل أبيب ومفاعل ديمونة النووي... وهذا له أثره النفسي على معنويات المستويات الأمنية والعسكرية والمدينة للاحتلال.


ثانياً: ظهر رئيس الوزراء إسماعيل هنية بعد ساعات محدودة للرأي العام عبر بيان مكتوب وُزع على كافة وسائل الإعلام يعلن فشل الهجمة ويدعو للصبر والصمود والثبات، ثمّ في مساء اليوم الأول ذاته خرج بكلمة مُتَلفزة أكد على المعاني ذاتها, وأعلن أنّ هذه الحرب ستكون حرب الفرقان, مؤكداً ومستبشراً بفشل العدوان وانتصار الشعب الفلسطيني وبأنّ هذه الحرب ستكون فرقاناً بين مرحلتين لصالح المقاومة .وبهذان الخروجان للإعلام في غضون أقل من عشرة ساعات أبطل مفعول الصدمة التي أرادها الاحتلال, وبانت المقاومة معافاة وبخير, وأنّ الفشل تم تسجيله من اللحظات الأولى للعدوان وهذا ترك أثراً معنوياً كبيراً لدى جنود المقاومة وكافة أبناء الشعب الفلسطيني وأنصاره في العالم.


ثالثاً:

توالى خروج القادة والناطقين الإعلاميين في وسائل الإعلام لدحض الإشاعات وتفنيد الحرب النفسية التي وجهها الاحتلال للشعب, وليعززوا عوامل الصمود المعنوية, ويقرروا قرارات ميدانية للوقوف بجانب الشعب, ويؤكدوا أنّ المقاومة بخير, والاحتلال يتخبط, وسيفشل وستفشل كل الأطراف المتعاونة معه... وهنا تكرر خروج رئيس الوزراء إسماعيل هنية, وخالد مشعل، وفوزي برهوم، والدكتور إسماعيل رضوان، وطاهر النونو، وإيهاب الغصين، والدكتور محمود الزهار، والدكتور باسم نعيم... وأصدر العديد من القادة تصريحات مكتوبة مثل الشهيد سعيد صيام، والدكتور خليل الحية وبقية الوزراء... وهذا عزز الالتحام مع الجماهير.


رابعاً:

تكرر خروج أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسّام, وخصوصية الخروج كونه كان يعطي كل مرة بيانات جديدة للرأي العام حول العمليات وأماكنها وطبيعة السلاح المستخدم، وكان يوعد بتوسيع رقعة الصواريخ واقترن خروجه بالصدق والدقة والارتياح لدى الرأي العام المناصر للمقاومة, وعدم ارتياح للرأي العام الصهيوني الذي كان يخضع هذه الخطابات للتحليل والدلالات, ومن الأمور ذات الأثر النفسي للناطق هو قدرته على البيان والتوضيح والشرح, واستخدام خرائط إيضاح ووسائل تدليل وبراهين, والجو العام من الأعلام واللافتات ومظاهر الهيبة العامة, والظهور بشكل الواثق والمتزن والشجاع... كل ذلك يصب في إطار رفع الروح المعنوية فلسطينياً وزعزعتها في جانب العدو.


خامساً:

تمكنت المقاومة في خطابها من التأكيد أنّ الحرب والعدوان ليست على حماس, وأنها موجهة ضد الشعب كله، وكانت دعاية المقاومة تستند على نتائج الجرائم بحق الحياة المدنية ويراها المواطن بعينيه, كما زخر خطاب المقاومة بأفعال الاحتلال حتى ضد رموز تيار التسوية وأوسلو خاصة موقفه الإجرامي من شريكهم في أوسلو الرئيس السابق ياسر عرفات, واستشهاد المقاومة بتاريخهم من المجازر كدير ياسين وقبية وصبرا وشاتيلا... كذلك في عملية السور الواقي ومخيم جنين, واعتماد الدعاية المضادة للمقاومة على الصدق والبراهين وتحريك ذاكرة الجمهور الفلسطيني من خلال استحضار سجل تاريخ المجازر الصهيونية.


سادساً:

نجحت المقاومة في ربط أهداف العدوان بالثوابت الفلسطينية كالقدس وحق العودة والأسرى والدولة والسيادة، وأنّ الاحتلال يهدف للضغط لابتزاز الشعب كي يتنازل عن ثوابته, وأنّ حجم تضحيات الشعب هي بحجم وأهمية القضية الفلسطينية برمتها وبكل تفاصيلها وليست محصورة في بقعة قطاع غزة ولا في حماس... ونظراً لأن هذه حقائق متأصلة في العقلية والضمير الفلسطيني فإنها تسهل على الخطاب والدعاية من قبل المقاومة وتوفر فرص النجاح في رفع الروح المعنوية.


سابعاً:

أبدعت المقاومة في ربط خطابها بالمضمون الديني والتراث الإسلامي، حيث تم ربط الواقع بالقرآن الكريم وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, حتى اختيار رئيس الوزراء لاسم الحرب بالفرقان هو مصطلح قرآني بامتياز ومرتبط بمعركة بدر الشهيرة في التاريخ الإسلامي التي تحمل دلالات النصر والفتح والتمكين والظهور للمؤمنين... وهذا خطاب ناجح في بيئة متدينة تربط موتها وهدم بيتها وتجريف مزرعتها ورزقها بيد الخالق وبقدره لعباده, وفي ذلك راحة نفسية عالية لا تتحقق إلا للمؤمنين, وربط الأمر بالسلوك والمعتقد الديني من شأنه أن يحصن الفرد والجماعة والمجتمع من الإرهاب والإشاعة والتهديد ومن كل مظاهر العدوان, وهذا ما تمكنت دعاية المقاومة من إنجازه لأنّ عوامل نجاحه متوفرة في الشعب الفلسطيني المؤمن المتمرس على هذه الأشكال من العدوان الجسدي والمعنوي.


ثامناً:

قامت الحكومة الفلسطينية بالعديد من الإجراءات الميدانية التي عززت الأمن للمواطن, وحمت الجبهة الداخلية, وكرست الاستقرار النفسي وسط هدير الطائرات والدبابات وآلة البطش الحربية؛ فعلى سبيل المثال: نسّقت مع البلديات لتوفير مياه الشرب بشكل جيد, ونسّقت مع حركة حماس لتشكيل لجان متابعة ومؤازرة في الأحياء وتعزيز التعاون والتكافل, وأوعزت للداخلية بالعمل على فرض الأمن الليلي وتوفير الحماية للناس وممتلكاتهم, وصرفت رواتب كلّ الموظفين وسلمتها باليد لهم, وتابعت وزارة الاقتصاد الاحتكار والأسعار, ووزارة الشئون الاجتماعية تابعت حاجات الناس, ووزارة الصحة لم تغادر الميدان وتابعت كل الحالات الصحية...فلم يشعر المواطن بالفراغ, وتعززت روحه المعنوية, وشعر بالأمن المالي والاقتصادي وسط كل عوامل الإرهاب والتخويف.


تاسعاً:

تقديم قيادات أمنية شهداء مثل اللواء توفيق جبر مسئول - الشرطة, والعقيد إسماعيل الجعبري - مسئول الأمن والحماية, وقيادات سياسية وازنة مثل وزير الداخلية سعيد صيام, وقيادات تنظيمية ودينية وفكرية مثل الدكتور نزار ريان فنّد كل الدعاية السوداء ضد القيادات, وأثبت مجدداً للرأي العام أنّ قيادات المقاومة بكافة مستوياتها هي على مذبح التضحية وفي الصفوف الأولى, وفي ذلك ثبات للروح المعنوية وتحصنٌ ضد الهجوم في هذا الجانب.


عاشراً:

في مقابل وجود أدوات إعلامية عربية وفلسطينية ساهمت في الحرب الصهيونية الإعلامية, فإنّ هناك إعلاماً عربياً وفلسطينياً وعالمياً حُراً عمل بدون أوامر من المقاومة أو من أحد, بل انطلق من مهنيته ومن مسئوليته الاجتماعية والوطنية والإنسانية ولم تكتف بنقل المشهد بل, تبنت الحق الفلسطيني, وساهمت في التحليل والتوضيح والإرشاد, وكانوا جنوداً مجهولين ومعلومين في التصدي للمؤامرة الكبرى على قطاع غزة وعلى كل فلسطين... فالإذاعات المحلية كان لها دور كبير في مصاحبة المواطن على مدار الساعة, والعشرات من الفضائيات كالأقصى والقدس والجزيرة والمنار والحوار والعالم... وعشرات الأقلام والمحليين... فالإعلام الحر المهني خلق حالة من التوازن في الحرب الإعلامية السلبية ضد المقاومة.


الحادي عشر :

إنّ حركة الجماهير العالمية غير المسبوقة, ومواقف العلماء وبياناتهم وخطبهم وتحركاتهم وحملات المقاطعة للبضائع الأمريكية والصهيونية, والقمم العربية وإن كانت ضعيفة, والوفود التي أتت قطاع غزة، وحملة التبرعات العالمية, وحملة طرد سفراء الاحتلال من العديد من الدول العالمية والعربية. كل ذلك ساهم في رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني, وعزز عوامل صموده، وأبطل كل التحركات الإعلامية والسياسية الصهيونية وتيارها الفلسطيني والعربي ضد المقاومة, وسياسة تبرير العدوان.


الثاني عشر:

إن إطلاق الصواريخ من قبل المقاومة خلال خطاب أولمرت وبعده حمَل دلالات كبيرة في الحرب المعنوية ومعاني النصر والهزيمة... كذلك خروج رئيس الوزراء إسماعيل هنية في إلقاء خطاب النصر, وأعقبه العديد من المؤتمرات للقسّام وفصائل المقاومة و للوزارات المختلفة وللحكومة, وخروج مئات الألوف من أنصار حماس في ساعة واحدة في توقيت واحد على صعيد كافة محافظات قطاع غزة ... كلّ ذلك حمل دلائل نجاح إعلامي أفرزه نجاح نفسي وعسكري, بينما انتبه الاحتلال لترميم جبهته الداخلية الانتخابية, ودراسة سبل مجابهة القانون الدولي، والبحث في الأهداف التي حققهاوتلك التي أخفق فيها, وفي حجم الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية.


خلاصة الموقف:

شهدت حرب الفرقان مشهداً معقداً ومتشعباً لمعركة رديفة للرصاصة والقنبلة، إنها تدافع بالكلمة والصورة, والقلم والورق والشاشات والأثير؛ فالعدو الصهيوني أرادها حرباً خاطفة, وأراد أن يزرع في الذهنية الفلسطينية بأنّ الحصار هو نتيجة للالتفاف حول حماس واحتضان المقاومة... وأنه نتيجة لتبني فكر المعارضة والممانعة للمشروع الصهيوني في المنطقة... ولكن النتيجة أنّ الاحتلال لم يترك أسلوباً ولا وسيلة عسكرية ولا إعلامية ولا نفسية ضدّ الشعب الفلسطيني إلا واستخدمها, وحشد لها كلّ إمكانياته وتقنياته وجبروته... قد يكون أثر نسبياً على فرد هنا أو أسرة و تجمع هناك لأسباب عديدة: منها الخوف أو الضعف أو الخشية من المستقبل أو الولاء والتعامل أو الحقد والانتقام... لكن في المحصلة النهائية يحكم العقلاء والمراقبون والمتابعون على النجاح والفشل بما يتم تحقيقه من أهداف معلنة للأساليب المتبعة والوسائل المستخدمة؛ فهل حقق الاحتلال أهدافه من وراء حربه الدعائية و النفسية؟!


الواقع يؤكد الفشل في كل شيء سوى القتل والدمار والخراب الذي عزز الانتماء لفلسطين وعمّقَ الحقد والكراهية في النفوس ضدّ الاحتلال والعدوان, وكرّس حُب المقاومة وحماس... والفشل العسكري تبعه فشل إعلامي وسياسي.