الجهاد في الإسلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الجهاد في الإسلام

لفضيلة الشيخ سيد سابق

الإسلام يهتم بدعوة العالم الإنساني إلى الدخول في هدايته ، لينعم بهذه الهداية ويستظل بظلها الظليل .

و إن الأمة الإسلامية هي الأمة المنتدبة من قبل الله لإعلاء دينه ، وتبليغ وحيه ، وهي منتدبة كذلك لتحرير الأمم والشعوب .

وهي بهذا الاعتبار كانت خير الأمم ، وكانت مكانتها من غيرها مكانة الأستاذ من التلاميذ ، وما دام أمرها كذلك فيجب عليها أن تحافظ على كيانها الداخلي ، وتكافح لتأخذ حقها بيدها ، وتجاهد لتتبوأ مكانتها التي وصفها الله فيها .

وكل تقصير في ذلك يعتبر من الجرائم الكبرى ، التي يجازي الله عليها بالذل والإنحلال أو الفناء والزوال .

وقد نهى الإسلام عن الوهن ، والدعوة إلى السلم ، طالما لم تصل الأمة إلى غايتها ولم تحقق هدفها ، واعتبر المسلم في هذه الحالة لا معنى له إلا الجبن ، والرضا بالدون من العيش . وفي هذا يقول الله سبحانه :

فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم).

سورة محمد (35).

أي الأعلون عقيدة ، وعبادة ، وخلقا ، وأدبا وعلمًا وعملا .

إن السلم في الإسلام لا يكون إلا عن قوة واقتدار .

ولذلك لم يجعله الله مطلقًا بل قيده بشرط أن يكف العدو عن العدوان ، وبشرط ألا يبقى ظلم في الأرض . وألا يفتن أحد في دنيه .

فإذا وجد أحد هذه الأسباب فقد أذن الله بالقتال .

وهذا القتال هو القتال الذي تسترخص فيه الأنفس ، ويضحى فيه بالمهج والأرواح .

إنه لا يوجد دين من الأديان دفع بأهله إلى خوض غمرات الحروب وقذف بهم إلى ساحات القتال .

في سبيل الله والحق . وفي سبيل المستضعفين ، ومن أجل الحياة الكريمة غير الإسلام .

ومن استعرض الآيات القرآنية ، والسيرة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده.

يرى ذلك واضحا جليا ، فالله سبحانه ينتدب هذه الأمة إلى بذل أقصى ما في وسعها فيقول: (وجاهدوا في الله حق جهاده).

ويبين أن هذا الجهاد هو الإيمان العملي. الذي لا يكمل الدين إلا به فيقول: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).

ويوضح أن هذه سُـنّة الله مع المؤمنين.

وأنه ليس للنصر ولا للجنة سبيل غيره فيقول: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب).

ويوجب إعداد العدة. وأخذ الأهبة فيقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).

والإعداد يتطور بحسب الظروف والأحوال. ولفظ القوة يتناول كل وسيلة من شأنها أن تدحر العدو ، وقد جاء في الحديث الصحيح (ألا إن القوة الرمي . ألا إن القوة الرمي . ألا إن القوة الرمي).

ومن الإعداد الحيطة ، والتجنيد لكل قادر عليه.

(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا).

وأخذ الحذر لا يتم إلا بالإعداد البري والبحري والجوي.

ويأمر بالخروج لملاقاة العدو في العسر واليسر والمنشط والمكره.

فيقول: (انفروا خفافًا وثقالاً) والإسلام يعتمد على الروح المعنوية أكثر مما يعتمد على القوة المادية.

ولهذا يستثير الهمم والعزائم فيقول: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًا واجعل لنا من لدنك نصيرًا).

ويصبر المؤمنين، بأنهم إن كانوا يألمون فإن عدوهم يألم كذلك ، مع الاختلاف البعيد بين هدف كل منهم فيقول: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا).

ويقول: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا).

أي أن المؤمنين لهم هدف سام ولهم رسالة يجاهدون من أجلها وهي رسالة الحق. والخير، وإعلاء كلمة الله.

ويوجب الثبات عند اللقاء فيقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).

ويرشد إلى القوة المعنوية فيقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).

ويكشف عن نفسية المؤمنين، وأن من شأنها الاستماتة في الدفاع فهم بين أمرين لا ثالث لهما: فهم قاتلون عدوهم أو مقتولون ، فيقول: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله).

وفي الحالة الأولى لهم النصر، وفي الثانية لهم الشهادة.

(قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين).

وإن القتل في سبيل الله ليس موتًا أبديًا.

وإنما هو انتقال إلى ما هو أرقى وأبقى. وإن الفناء في سبيل الله هو عين البقاء.

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين).

والله مع المجاهدين لا يتخلى عنهم أبدًا. (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).

ثم هو سبحانه يعدهم على ذلك ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة فيقول: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين).

وبهذا الأسلوب ربى القرآن الكريم المسلمين الأوائل ، وأوجد في نفوسهم الإيمان الذي كان فيصلا بين الحق والباطل ونهض بهم إلى حيث النصر والفتح والتمكين في الأرض.

(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).

(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا).

وهكذا ربى الإسلام المسلمينَ على الجهاد وغرس فيهم روح التضحية ، فانطلقوا في الأرض يحملون أرواحهم في أيديهم يعلون كلمة الله ويرفعون لواء الحق ويطهرون الأرض من الظلم والبغي والفساد فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة

المصدر