الجماعة الإسلامية ودورها في المقاومة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الجماعة الإسلامية ودورها في المقاومة

بقلم:إبراهيم المصري

العمل للقضيّة الفلسطينية يُعتبر أحد الثوابت في برنامج الحركة الإسلامية منذ نشأتها.

وقبل أن يصل المدّ الإسلامي أواسط الخمسينات إلى لبنان، فقد كان الاهتمام بالقضيّة الفلسطينية عنصراً أساسياً في تكوين الحركة وفكرها، سواء في مصر أو سوريا أو الأردن، وصولاً إلى لبنان.

وقد بدأ هذا الاهتمام مع وصول مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني إلى مصر ولقائه مع الإمام الشهيد حسن البنا وتنسيق جهوده معه.

قبل النكبة، عام 1947، تسلّلت مجموعات من شباب الإخوان في مصر عبر شبه جزيرة سيناء إلى فلسطين، بعد أن تجهّزت وأتمّت تدريبها في مدن قناة السويس، وذلك بحجّة أنّهم طلبة جامعيّون يقومون برحلة استكشافية عن الآثار في شبه جزيرة سيناء، حيث شاركوا في كلّ مراحل الحرب بعد ذلك، واستفادوا من علاقتهم المبكرة بالضباط الأحرار (عبد الناصر ورفاقه) لاستكمال التدريب (يراجع كتاب: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين لكامل الشريف).

أمّا في سوريا فقد تلقّت مجموعات من شباب الإخوان السوريين دورات تدريبية في معسكر قطنا الذي كان يشرف عليه ضبّاط من الجيش السوري، ثمّ انضمّت إليهم مجموعات من الإخوان المصريين، وزارهم فيه الإمام الشهيد حسن البنا عام 1947.

وشاركوا بعد ذلك في حرب فلسطين بقيادة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا الدكتور مصطفى السباعي.

في لبنان بدأت أولى تشكيلات الحركة الإسلامية خلال عقد الخمسينات، ومنذ بدايات العمل تحت عنوان "جماعة عباد الرحمن" وصولاً إلى إعلان "الجماعة الإسلامية" أوائل الستينات، فقد كان في الجماعة جهاز يُعنى بالتأهيل الكشفي والرياضي وإقامة المخيّمات الشبابيّة والطلاّبية تحت عنوان "قسم الفتوّة".

وفي بداية الحرب اللبنانية شارك شباب الجماعة في الدفاع عن المناطق الوطنية والإسلامية تحت اسم "تنظيم المجاهدون"، وذلك بالتنسيق مع الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية في كلّ المناطق التي شهدت صدامات عسكرية، في طرابلس وبيروت عام 1975 وصولاً إلى صيدا عام 1976، لكن قدرات الجماعة القتالية كانت محدودة لأنّها كانت تعتمد على إمكاناتها الذاتية.

وعندما كنّا نطالب ياسر عرفات رحمه الله بالدعم اللوجستي كان يقترح علينا أن نفرز له مئات من شبابنا اللبنانيين والفلسطينيين ليعملوا تابعين لحركة فتح، لأنّه كان يتحسّس من دعم مجموعة إسلامية على الساحة اللبنانية، وكان هذا قبل بروز حركة المقاومة الإسلامية – حماس داخل فلسطين المحتلّة.

إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 لا ننكر أن حجم الهجوم والتوغّل في الأراضي اللبنانية فاجأنا كما فاجأ الجميع.

لكنّ شباب الجماعة في صيدا شاركوا في التصدّي لقوّات الاحتلال، وخاضوا عدداً من المواجهات كان أبرزها في منطقة البوّابة الفوقا، والبستان الكبير على الأوتوستراد الشرقي، وكان الطيران الإسرائيلي كان يتدخّل دائماً ليحسم المواجهات.

وكانت أوّل مواجهة سقط للجماعة فيها شهداء هي التي خاضها شباب الجماعة بعد الاحتلال يوم 15 أيلول 1982، عندما تصدّى اثنان من الإخوان بسلاح فردي لدوريّة من العدوّ وبعض العملاء توغّلت في أحياء صيدا الداخلية

وقد سقط نتيجة المواجهة الأخوان: سليم حجازي (مسؤول قسم الطلاّب في الجماعة) وبلال عزّام.

في هذا الوقت بدأت حوارات طويلة داخل مؤسّسات الجماعة حول تنظيم المقاومة وإمكاناتها وهويّتها والعنوان الذي تتحرّك تحته، وقد تولّى الأخ جمال حبّال (المسؤول العسكري للجماعة في صيدا) عملية تنظيم الشباب وتوفير السلاح.

كما بدأت في تلك الفترة المبكرة علاقات ميدانية على الأرض مع الشباب الشيعي الذي بدأ المقاومة في الجنوب قبل إعلان اسم حزب الله، وجرى التوافق يومها بين الطرفين على عنوان "المقاومة الإسلامية"، حيث كان يجري الإعلان عن العمليات تحت هذا الاسم، رغبة من الجماعة في عدم الإعلان عن هوية مقاومتها حتّى لا يتعرّض الجسم الحركي للجماعة لضربة من جيش الاحتلال.

في بداية عام 1983 اضطرّ الأخ جمال حبّال للانتقال إلى بيروت، حيث انضمّ إلى أخوين سبقاه إلى الخروج من صيدا هما: الشيخ صلاح الدين أرقه دان والأستاذ مصعب حيدر.

في هذا الوقت كلّفتني القيادة المركزية للجماعة بمتابعة الإشراف على الجهاز المسؤول عن المقاومة، وجرى عقد لقاء أوائل عام 1983 في بيروت ضمّ الإخوة: جمال حبّال وصلاح أرقه دان ومصعب حيدر وإبراهيم المصري، وفي هذا اللقاء جرى توزيع المسؤوليات، فجرى اعتماد الأخ جمال حبال مسؤولاً عسكرياً، ومصعب حيدر مسؤولاً عن الشؤون الإعلامية، وصلاح أرقه دان مسؤولاً للعلاقات مع الساحة الإسلامية، وجرى انتخابي مسؤولاً عن الجهاز، حيث كنت أوتولّى تأمين المال اللازم من الجماعة وبعض التبرّعات.

وكان الإعلان يتمّ عن العمليات باسم "المقاومة الإسلامية – قوّات الفجر".

في نفس الوقت بدأت مجموعات من شباب الجماعة في بيروت تنفيذ عمليات على الساحل بعد الانسحاب من بيروت، خاصّة في مناطق ساحل الإقليم.. وكان كلّ ذلك لا تعلن عنه الجماعة ولا تتبنّاه حرصاً على أن لا يتعرّض شبابها سواء في صيدا أو قرى الإقليم للانتقام من قبل قوّات الاحتلال.

في شهر حزيران 1983 أوقف الجيش اللبناني القائد جمال حبّال مع اثنين من إخوانه على خلفيّة مسؤوليّتهم في إطار تنفيذ عمليّات ضدّ قوّات الاحتلال، كما جرى اعتقال أخ آخر في بيروت بتهمة نقل سلاح، واستمرّ الاعتقال أسابيع.

وحتّى هذا الوقت كانت علاقة الجماعة بالمقاومة غير معلنة، حتّى لدى بعض الإخوة المسؤولين في إطار المقاومة، وبعض الذين شاركوا في اختياري مسؤولاً عن الجهاز كانوا يعتبرون مشاركتي فردية واختيارهم لي مجرّد اختيار شخصي.

لكن بعد الإفراج عن جمال حبّال وإخوانه، وإطلاعهم على الجهود التي بذلتها الجماعة في هذا السبيل، أدركت المجموعة الرئيسية في جهاز "قوات الفجر" أنّ الجماعة هي التي تشرف وهي التي تموّل وترعى المقاومة.

في شهر كانون الأول عام 1983 تعرّضت مجموعاتنا لضربات متلاحقة في صيدا، وكنت يومها في سفر خارج لبنان، وكان توجّهنا المعتمد هو أن لا يعود القائد جمال حبال إلى صيدا.

لكنّي فوجئت بخبر عودته مع عدد من إخوانه، ثم دخل في مواجهة مع قوّات الاحتلال يوم 27 كانون الأول 1983 أدّت إلى استشهاده مع الأخوين محمود زهرة ومحمد علي الشريف.

وقد شكّلت العملية صدمة لقوّات الاحتلال، فالشهداء الثلاثة معروفون بانتمائهم إلى الجماعة الإسلامية.

لذلك سارعت قوّات الاحتلال إلى اعتقال الشيخ محرّم العارفي وبعده الدكتور علي الشيخ عمّار وعدد من شباب ورموز الجماعة.

واضطرّ بعدها عدد كبير من الإخوان إلى الخروج من صيدا بعد ملاحقتهم ومداهمة منازلهم.

بعد استشهاد القائد جمال حبّال جرى اختيار نائبه الأخ عبد الله الترياقي قائداً لقوات الفجر، حيث تابعت المقاومة أداءها، وتوالى شهداؤها، إلى أن كان تحرير صيدا وانسحاب قوّات الاحتلال منها في شباط 1985، وهنا بدأت مواجهة جديدة مع عملاء الاحتلال وما يسمّى "جيش لبنان الجنوبي".

وبما أنّ الجماعة كانت تملك مجموعات قتالية وأسلحة متطوّرة في منطقة صيدا، فقد كان لها دور بارز في تحرير مناطق شرق صيدا، واستطاعت ملاحقة فلول الاحتلال حتّى منطقة كفرفالوس، وبقيت عدّة قرى في شرق صيدا تحت سيطرة الجماعة حتّى تسلّمها الجيش اللبناني منها عام 1990.

بعد هذه المرحلة استمرّ أداء الجماعة في إطار المقاومة، بالتنسيق مع الإخوة في حزب الله، ونفّذت "قوات الفجر" عدداً من العلميات وسقط لها شهداء في المناطق المحاذية للشريط الحدودي، كما شاركت مجموعاتها في حرب تحرير الجنوب عام 2000، وبقيت تسيطر على مواقع عسكرية حتّى حرب تمّوز 2006 لا سيما في منطقة العرقوب.

لكنّ الجماعة بعد تحرير معظم مناطق الجنوب من الاحتلال أدركت أنّ دور المقاومة وأداءها سوف يكون مختلفاً في المرحلة القادمة.

لذلك حلّت الجهاز الذي كان يشرف على قوات الفجر بعد التحرير، كما انتهى إشرافي على هذا الملف، وتركّزت المسؤولية عنه في شكله الجديد على الإخوان في المناطق الحدودية تحديداً، لا سيما في العرقوب.

وقد كان لمجاهدي الجماعة دور جيّد في حرب تمّوز 2006، والأمل كبير في أن يتابعوا هذا الأداء خلال المرحلة القادمة إن شاء الله، ضمن استراتيجية ودور جديد للمقاومة.