الثورة فى فكر الإمام حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الثورة فى فكر الإمام حسن البنا


موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

مدخل

الإمام حسن البنا يقود إحدى المظاهرة

لقد عاش الإمام حسن البنا فى وقت عصيب على مصر والعالم العربى والإسلامى ، فالخلافة العثمانية سقطت سنة 1924، والهجرات اليهودية تتدفق على فلسطين تحقيقا لوعد بلفور بإقامة دولة يهودية فى فلسطين ،والبلاد العربية محتلة ، والحكومات مستبدة تمارس القهروالاستعباد للشعوب تأتمر بأمر الاحتلال وتسير فى ركابه ، فلا فرق بينها وبين الاحتلال الأجنبى ، بل الحكومات المستبدة أشد على شعبها من الاحتلال .وكم من حكومات مستبدة تقتل وتعتقل أكثر من الاحتلال ..!!

وإضافة إلى تخاذلها فى قضية الجلاء مع المحتل فى مفاوضات تنتهى إلى طريق مسدود ثم تسأنف من جديد .. وهكذا استهلاك للوقت دون نتيجة ودون جلاء ، والحكومات المستسلمة ليس عندها بديل عن المفاوضات فسارت فيها مغلوبة على أمرها لا ترى نهاية لها ولا تقدم فيها جديدا حتى الوعود ، وكذلك الأحزاب متناحرة ، والفساد الاجتماعى والثقافى والتدهور الاقتصادى منتشر ..وغير ذلك كثير .

وفى ظل هذا الأوضاع التى تمر بها مصر والعالم العربى والإسلامى قامت حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 تدعو إلى الإسلام بشموله ،فظنها الكثيرون حركة وعظ وإرشاد دينى أسست من أجل ذلك لا شأن لها بالإصلاح السياسى وقضايا الوطن ، لذا لم يفطن الجميع إلى حقيقتها أنها تهتم بالإسلام بشموله ، والحكومة جزء منه لافرق بين دين وسياسة ، فالإسلام شمل نواحى الحياة جميعا .

والخروج على الحاكم الفاسد فى الشريعة الإسلامية جائز إذا كان الخروج لا يؤدى إلى فساد أكبر من فساد الحاكم القائم ، ومن هنا بعد أن بذل الإمام البنا رحمه الله النصح والإرشاد للحكومات من أجل الإصلاح إلا أنها جميعا لم تستجب ، وظلت تساير الاحتلال ،وتلازم الفساد ، والمؤامرة حول الفلسطينيين تشتد يوما بعد يوم والحكومات عاجزة مستكينة خاضعة للمحتل إن لم تكن متواطئة .

وإذا كان من منهج الإمام البنا تحرير البلاد من الاحتلال وإصلاح النظام السياسى للدولة ، فما وسيلة الإخوان نحو تحقيق هذا الهدف ؟ وما الحلول التى يقدمها الإخوان المسلمون ومرشدهم حسن البنا لعلاج تلك المشكلات ؟ هل منطق الحواروالنصح والإرشاد هو المتبع دائما تجاه فساد الحكام أم أن هناك أسلوب آخر لتصحيح مسار الحكومات الفاسدة ؟ هل الإمام البنا يؤمن بقيام ثورة من أجل التغيير؟.. وهذا ما ستضح لنا فى السطورالتالية :


أولاً: مفهوم الثورة

الثورة (Revolution): حالة انفجارعام تحدث فى الدولة لإسقاط السلطة الحاكمة فى الدولة نتيجة للضغط الشديد الذى يقع على الشعب نتيجة الظلم وغياب العدالة ، والاستعباد والإهانة وكبت الحريات وسوء الأوضاع الاقتصادية وانعدام الأمل فى الإصلاح.والثورة تتطلب مشاركة عامة من جميع طبقات المجتمع فى أنحاء الدولة وتكون متفقة على المطالب الرئيسة التى قامت من أجلها فى مقدمتها إسقاط الحكم القائم ، وتظل الثورة مستمرة ـ مهما طال الوقت ومهما ضعفت فى أوقات القمع ـ حتى يتحقق هدفها الرئيسى فى إزالة رأس نظام الحكم القائم ثم تسعى لتحقيق أهدافها جميعا.

وهناك نوع آخر من الثورة لتحرير البلاد من الاحتلال وتختلف وسائلها من بلد إلى آخر حسب تفكير القائمين بها فى الطريقة التى يمكن الوصول إلى تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها ، فقد تكون ثورة شعبية تساندها مجموعات مسلحة تمارس حرب العصابات مع الاحتلال بهدف استنزافه لإجباره على الرحيل عن البلاد .

وهناك فرق بين الثورة والمظاهرات ؛ فالمظاهرات تقوم بها فئة معينة فى أماكن محدودة من أجل مطالب خاصة أو التعبير عن رأيها إزاء موقف معين ، بهدف الضغظ على السلطة الحاكمة للاستجابة لمطالبها ، فإذا ما حدث استجابة من السلطة للمطالب أو بعضها أو حدث توافق بشأنها ، فإنها سرعان ما تنهى المظاهرات لزوال السبب الذى قامت من أجله ، وذلك خلافا للثورة كما سبق.

أما الانقلاب (coup d, Etat, Pronuciamiento , Putsh) ؛ فهوعمل مفاجىء وعنيف تقوم به فئة أو مجموعة من الفئات من داخل دولة تنتمى فى معظم الأحيان إلى الجيش ضد السلطة الشرعية فتقلبها وتستولى على الحكم ، وذلك وفق خطة موضوعة مسبقا ، ويتخذ الانقلاب عدة أشكال ففى بعض الحالات يتدخل الجيش ليفرض الحكومة التى يريد دون أن يشترك مباشرة فى الحكم . وفى حالات أخرى وهى الأكثر رواجا يتدخل الجيش بقوة ويتسلم الحكم متذرعا (بعجز المدنيين ) و(سوء استغلال اللعبة الديمقراطية) . .. وتشير تجارب الانقلابات العسكرية فى العالم إلى أن العالم الثالث هو أرض خصبة لمثل هذه الطرق فى استلام السلطة ... وفى معظم الأحيان يوجد التغيير الحادث عن الانقلاب مجرد تغيير فى الطبقة الحاكمة دون أى مساس بجوهر النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى ويكون التنافس فى السلطة المحرك الوحيد له إلا أن هذا لا يعنى دائما وفى كل الأحوال أن الانقلاب لا يحدث تغييرات فى تركيب المجتمع والسلطة مع أن النتائج السلبية لهذه التغيرات تكاد تكون أعمق وأبعد مدى من نتائجها الايجابية ... وعلى هذا الأساس يجب التفريق بينه وبين الثورة. (1)

ومن هنا ؛ فالانقلاب ـ غالبا ـ لا يهدف إلى الإصلاح بقدر ما يهدف إلى اغتصاب الحكم من السلطة الحاكمة فى البلاد ، وسرعان ما يمارس قادة الانقلاب الاستبداد فور الوصول إلى السلطة بعد نجاح الانقلاب ، ويظل الشعب يعانى من الاستبداد والقهر التى تمارسه السلطة الجديدة ، فإذا به يستبدل استبدادا بآخر من نوع جديد . لذا فالانقلاب العسكرى لا يمت للثورة بصلة.

أما الثورة المسلحة ؛فهى تقوم بها مجموعة مسلحة من الجيش ضد السلطة القائمة بهدف إسقاطها ،ويحمل الانقلاب مطالب الشعب ويهدف إلى الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى ويؤيده الشعب بقطاعاته المختلفة فى أنحاء البلاد ، ولذا فإنه لا يعتبر انقلابا كانوع السابق ، بل ثورة ، نظرا لأن أى حاكم يستمد شرعيته من الشعب، فإذا أيد الشعب من الانقلاب ووقف معه ، فقد أسقط شرعية الحاكم المستبد ومنح قادة الانقلاب الشرعية فى التغيير، وإن لم يؤيد الشعب تلك المجموعة المسلحة حتى وإن نجحت فى إسقاط الحاكم، فإنها لا تعتبر ثورة ، بل انقلابا .

والثورة الشعبية ؛ هى التى يقوم بها الشعب تحت ضغط الظروف السيئة التى يعانى منها فى مختلف نواحى الحياة، وفى مقدمتها الاستبداد وانعدام الحريات وسوء الأحوال الاقتصادية ، والخسائر التى تقدمها الثورة الشعبية من أجل نجاحها كبيرة ، كما أنها تحقق أهدافها ببطء .

وبناء على ما سبق فإن الثورة التى يقوم بها الشعب جميعا لإسقاط السلطة الحاكمة ،أو يلتف حول أى مجموعة مسلحة تسعى لإسقاطه ، فإن لم يؤيد الشعب أى عمل يسعى لإسقاط الحكم ؛فذلك فقد شرعيته ، فالشعب هو الذى يعطى الشرعية لمن يريد بتأييده له ، ومن لايؤيده الشعب فاقد للشرعية . ولعل الحديث : (لا تجمع أمتى على ضلال) خير دليل على ذلك .


ثانياًً: الإمام حسن البنا والثورة المسلحة

1- استخدام القوة لتغيير الحكم فى فكر الإمام حسن البنا

تحدث الإمام حسن البنا كثيرا عن القوة وعدم الركون إلى الضعف والكسل، واستلهم ما فى القرآن الكريم والسيرة النبوية من الدعوة إلى قوة المسلم فى الحياة وانطلق بها إلى الجوانب العملية ، وربى تلامذته على الجندية والتضحية والبذل والعطاء،ففى (رسالة إلى أي شىء ندعو الناس) يقول تحت عنوان:(أعظم مصادر القوة ) يوضح أن الإيمان بالله هو مصدر القوة الذى يجعلك لا تخشى أحدا إلا الله ، ذلك هو الفيض الأعم من الإيمان،والثقة بالنجاح الذى يغمر قلبك ويملأ نفسك فلا تخشى الناس جميعا ، ولا ترهب العالم كله إن وقف أمامك من يحاول أن ينال من عقيدتك أو ينتقص من مبدئك .(2)
وفى موضع آخر من نفس الرسالة يقول تحت عنوان : (حراسة الحق بالقوة): " وما أحكم ذلك القائل : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق ، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنبا إلى جنب ..!) ، فهذا هو الجهاد فى سبيل نشر الدعوة الإسلامية فضلا عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام فريضة أخرى فرضها الله على المسلمين كصوم الصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر ..."(3)
وفى (رسالة نحو النور) نجده يقول تحت عنوان : (الإسلام والقوة والجندية) : وتحتاج كذلك الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية ، ولا سيما فى هذه العصور التى لا يضمن فيها السلم إلا بالاستعداد للحرب ، والتى صار شعارأبنائها جميعا : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق) .(4)
ووضع الإمام البنا رسالة الجهاد تناول فيها : الجهاد فريضة على كل مسلم ، وذكر الآيات والأحاديث التى تدعو إلي الجهاد ، والجهاد عند فقهاء الأمة ، ولماذا يقاتل المسلم ؟، وما يلحق بالجهاد ، ويتحدث تحت العنوان الأخير ، فيقول : " فقد جاء فى الحديث : إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .
ولكن شيئا منها لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يَقتل أو يُقتل فى سبيل الله ، ثم يقول فى الخاتمة قائلا : " إن الأمة التى تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة ، يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا ، والنعيم الخالد فى الآخرة وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت ، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم ، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة ....فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد فى سبيله ." (5)
وتغيير الحكم عن طريق القوة ، يوضحه الإمام البنا بقوله :" الإخوان والقوة والثورة .
ويتساءل كثير من الناس : هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمين في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .... ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء ، فليسمع من يشاء .
أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته , فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60). و النبي يقول (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) , بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء و هو مظهر الخشوع و المسكنة , واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه و يعلمه أصحابه و يناجي به ربه : (اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال) , ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم و الحزن , و ضعف الإنتاج بالعجز و الكسل , و ضعف الجيب و المال بالجبن و البخل , و ضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ؟ .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء , شعاره القوة في كل شيء ؟.. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء , و لابد أن يعملوا في قوة. " (6)
ويوضح أن إيمان الإخوان بالمبدأ العام فى استخدام القوة لا يجعلهم يستخدمونها فى غير موضعها وفى غير وقتها ، بل إن استخدمها يكون آخر مرحلة فى العلاج ، فيقول :" و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا و أبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر , فلا يغوصوا إلي أعماقها و لا يزنوا نتائجها ، و ما يقصد منها ، و ما يراد بها , فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان , ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط , ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح , و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا , و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك .
هذه نظرة , و نظرة أخرى : هل أوصى الإسلام ـ و القوة شعاره ـ باستخدام القوة في كل الظروف و الأحوال ؟ أم حدد لذلك حدودا و اشترط شروطا و وجه القوة توجيها محدودا ؟ و نظرة ثالثة : هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ و هل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة و نتائجها الضارة و ما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة و ليكن بعد ذلك ما يكون ؟ هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه , و الثورة أعنف مظاهر القوة , فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق و أعمق , و بخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون .
و بعد كل هذه النظرات و التقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح ." (7)

2- مشاركة الإمام البنا فى الإعداد لثورة 23 يوليو 1952م

ومن الناحية العملية ؛ فكانت تربية الإمام البنا للإخوان على الجهاد والجندية والتضحية ، وكان للإخوان أورادهم الرياضة وجوالتهم وأعمالهم الكشفية التى يحافظون على قوتهم ونظامهم ولياقتهم البدنية ، وكان من ثمار تلك التربية الجهادية أن أنشأ النظام الخاص سنة 1940 كتنظيم سرى مدرب على مختلف الأسلحة فى ذلك الوقت بهدف قتال اليهود فى فلسطين والإنجليز فى مصر بعد أن ففشلت المفاوضات فى إخراجهم ، وجعل على مسئوليته محمود عبد الحليم ثم عبد الرحمن السندي ، وقد أبلى الجهاز الخاص للإخوان بلاء حسنا فى حرب فلسطين سنة 1948 . وكان هدف الإمام البنا من إنشاء الجهاز الخاص كتنظيم سرى مدرب على الأسلحة بهدف الجهاد فى فلسطين وإخراج الإنجليز من مصر بالقوة المسلحة ، إلا أن الجهاز الخاص للإخوان قام بحوادث داخلية ضد اليهود المصريين وحوادث فردية لاتمثل موقف عام للجماعة وتعتبر من أخطاء فردية قام بها أفراد النظام الخاص تحت ضغط وانفعال الأحداث فى ذلك الوقت ، وقد سبق تناول ذلك فى الحديث عن تلك الحوادث ، وهى ، قتل الخازاندار وضبطت أسلحة تخص الجهاز عرفت بقضية السيارة الجيب ، ودبر الجهاز الخاص قتل النقراشى وحادث المحكمة الاستئناف ، ومحاولة قتل إبراهيم عبد الهادى .(8)
وسعى الإمام البنا لعمل تنطيم سرى داخل الجيش اشترك فيه ضباط الجيش من الإخوان المسلمين مثل محمود لبيب وكان صلاح شادي رئيس قسم الوحدات التابع للإخوان المسلمين داخل الجيش ، وقام تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش تحت عين الإمام البنا وشارك فيه عبد المنعم عبد الرءوف وأبو المكارم عبد الحي على نحو ما هو معروف.
ويقول أنور السادات فى كتابه البحث عن الذات: " اسمع يا شيخ حسن : واضح أنك حريص أكثر من اللازم فى الحديث معى .. وأنا لا أرى داعيا لهذا ..بصراحة أنا أسعى إلى عمل تنظيم عسكرى هدفه قلب الأوضاع فى البلد..
نعم أنا أسعى إلى ثورة مسلحة .. ومعى عدد كبير من الضباط من كل أسلحة الجيش .. وحركتنا تسير . وبدأ يسألنى أسئلة محدودة .. أى أسلحة الجيش معكم ؟
وما مدى قوتكم ؟ وكم عدد الضباط الذين يمكن أن تعتمد عليهم للقيام بهذه الثورة وأجبته.. وفجأة طلب منى أن ننسق العمل معا .. قلت له :
لقد صارحتك بكل شىء ..وأحب أنا أقول لك بنفس الصراحة نحن تنظيم لا يخضع ولا يعمل لحساب أى حزب أو هيئة ، وإنما لمصلحة مصر ككل .. وأرجو أن يكون ذلك واضحا منذ البداية .. وأمن الرجل على كلامى وقال :-يكفى فقط أن نتعاون ..
ولم يمض بعد ذلك وقت طويل حتى كان قد جند لحساب الإخوان عبد المنعم عبد الرءوف الرجل الثانى بعدى فى تنظيم الضباط الأحرار . "(9) ، ويذكر السادات بعد ذلك أن الأستاذ البنا رتب له لقاء بعزيز المصرى .
ويؤكد ذلك أيضا إبراهيم قاعود بقوله : " علاقة الإخوان بجماعة الضباط الأحرار التى خططت ودبرت ونفذت انقلاب 23 يوليو عام 1952 علاقة تمتد إلى الأربعينات وبدأت باتصالات للشهيد الإمام حسن البنا مع بعض القيادات والرتب فى الجيش المصرى... والتقى الأستاذ البنا بالسادات مرة فى بيت عزيز المصرى ومرة فى المركز العام ، ولقد جرت اجتماعات ولقاءات فى المركز العام بيننا وبين مجموعة الضباط الأحرار لأتفاقنا على ضرورة القضاء على الاحتلال ، ولقد امتدت صلة الإخوان المسلمين مع الضباط الأحرار حتى قيامهم بتنفيذ انقلاب يوليو . "(10)
ويشير إلى ذلك أيضا عبد اللطيف البغدادى فى مذكراته بقوله : " وكنا نحن ضباط الجيش عندما نناقش أحوال بلادنا وما وصل إليه حالنا باحثين ومنقبين عن مخرج لنا مما نحن فيه لكسر تلك الحلقة الفولاذية التي كانت مضروبة حول شعبنا لا نجد أمامنا من سبيل ولا طريق لكسر تلك الحلقة إلا بتفجير ثورة قادرة على تغيير هذا الهيكل كله من أساسه، تغييرًا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ وقادرًا أيضًا وقبل كل شيء على التصدي للاستعمار الذي كان لا يزال رابضًا على أرض وطننا والعمل على تصفيته وانهائه. لأن استمرار وجوده يضيع أملنا المنشود في التغيير لأنه سيقف عقبة في طريقه وسيتصدى له.
ولما كان تقلب الفكر في تلك القوى القادرة على القيام بذلك التغيير الذي كان أمل المستقبل بل وأصبح ضرورة ملحة، لا تجد أمامنا غير الجيش.
ولم يكن هناك من منظمات سياسية قائمة تنظر نفس النظرة التي ننظر بهما إلى الأوضاع في البلاد غير جماعة الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة ومنظمات أخرى كالجناح اليساري من حزب الوفد والمنظمات الشيوعية المختلفة المتصارعة مع بعضها في ذلك الحين. ولم تكن تلك المنظمات تملك القوة ولا القدرة على القيام بهذه المهمة دون أن يساندها الجيش، وأما باقي الأحزاب الأخرى السياسية في مصر فكانت على قمة السلطة فيها الباشوات أصحاب الإقطاعيات الزراعية والأملاك الواسعة. وكانوا هم سعداء بما هم فيه من يسر في الحياة ولا يفكرون فيما وصل إليه حالنا". (11)
وفى موضع آخر يقول: "وكان علينا حتى يستكمل تنظيمنا واستعدادنا أن نعمل على التعاون مع المنظمات المدنية الوطنية الموجودة في ذلك الوقت. وكذا مع شباب الجامعات ليكون تأثير العمل الذي سنقوم به فعالاً ومتسعصا. وقد تم الاتصال بخصوص هذا الأمر مع جمعية الإخوان المسلمين للتعرف على مدى استعدادها للمشاركة في تحقيق هذا الهدف. وقد رحب المرحوم الشيخ حسن البنا رئيس الجمعية في ذلك الوقت بالفكرة... "
ويتضح مما سبق أن الإمام البنا كان يؤيد القيام بعمل عسكرى من أجل تغير الحكم ، وكانت علاقة الإمام البنا بتنظيم الضباط الأحرار قوية ، و شارك الإخوان الضباط الأحرار فى الإعداد للثورة التى بدأت فى حياة الإمام البنا ـ على نحو ما ذكر السادات نفسه ـ ونحجت بعد استشهاده .
وكما أشرنا من قبل أن أى عمل مسلح لإسقاط الحكم القائم لابد له من تأييد شعبى لكى يصبح عملا مشروعا ، فإن الإمام البنا حرص على المشاركة الشعبية للثورة ، فقام بتعريف الشعب بحقوقه التى سلبه المستبدون ، ولم يغفل ضرورة التأييد الشعبى ، ويقوم فكره على " تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها ... وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها. "(12) ، وفى موضع آخر يدعو الشعب إلى المطالبة بحقوقه من الحكومات العاجزة عن تحمل الأعباء ، فيقول : " فلتعلم الأمة ذلك ، ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية ، وليعمل الإخوان المسلمون .".(13)
وهكذا .. متى على الشعب حقوقه المسلوبه ، فسرعان ما يطالب بها المستبدون ويقف فى وجوههم ، ويؤيد من يسعون لاسترداد تلك الحقوق المسلوبة .


ثالثاً: الثورة الشعبية فى فكر الإمام البنا

وأما الثورة الشعبية التى يقوم بها الشعب الأعزل ضد السلطة الحاكمة المستبدة ، فإنها فى رأى الإمام البنا غير مأمنونة العواقب ، نظرا لأن السلطة المستبدة لن تسلم بسهولة مما يتبعه استخدام العنف وإراقة الدماء والقمع ، وعندما يقوم بها فصيل وطنى بمفرده، فإن نتائجها غير مأمنونة ، فالإمام البنا لا يفضلها إلا فى إطار شعبى عام، فالثورة لا يمكن أن تنجح بالإخوان وحدهم ، بل بالشعب جميعه ويؤكد أن الثورة هى حالة انفجار للشعب تتولد من ضغط الظروف التى يعانى منها وفقد الإصلاح ، وفى هذه الحالة ، فإن الثورة لا مفر منها ، فيقول فى رسالة المؤتمر الخامس :" وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها , ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح، عاجل وعلاج سريع لهذا المشاكل ، فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح , وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن و يستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر ، فليسرع المنقذون بالأعمال .


المراجع

(1) د. عبد الوهاب الكيالي وآخرون : موسوعة السياسة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، دون تاريخ ، ج1 ص 273ـ 274.

(2) مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد الثانى ،السنة الثانية ،26 من المحرم 1353هـ / 11 [[مايو[[ 1934م ص 1ـ3. ونشرت ضمن رسائل الإمام البنا طبعة مركز البصائرللدرات والبحوث 2006 ، ص 44.

(3) مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد السادس ،السنة الثانية ،25 من صفر 1353هـ / 8 من يونيو 1934م ص 1ـ3. ونشرت ضمن رسائل الإمام البنا طبعة مركز البصائرللدرات والبحوث 2006 ، ص 47.

(4) مجلة النذير العدد (36) السنة الثانية 17 من رمضان 1358هـ / 31 من أكتوبر 1939م ، ص 3ـ 18، ونشرت ضمن رسائل الإمام البنا طبعة مركز البصائرللدرات والبحوث2006 ، ص162.

(5) مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، رسالة الجهاد ص 627ـ 628.

(6) رسالة المؤتمر الخامس : مجلة النذير : العدد(35) ، السنة الأولى 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7من نوفمبر 1939، ص 352 .

(7) السابق ص 353ـ354.

(8) انظر للباحث على صفحات موقع اخوان ويكى (أحداث صنعت التاريخ): النظام الخاص حقائق وافتراءات ، حادث اغتيال الخازندار فى الميزان، قضايا النظام الخاص : قضية السيارة الجيب ، قضية محكمة الاستئناف ، الإخوان المسلمون واليهود المصريين .

ومن ناحية أخرى كان للوفد تنظيم مسلح يسمى (القمصان الزرق) ، وكان لمصر الفتاة (القمصان الخضر) ، وكوّن السادات مجموعة مسلحة لاغتيال عملاء الانجليز ؛فحاول اغتيال النحاس ، ونجحت مجموعته فى اغتيال أمين عثمان وافتخر بذلك فى مذكراته ، وقام محمود العيسوي من الحزب الوطني باغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر .. وهكذا فلم يكن الإخوان الوحيدون الذين قاموا بإعداد تنظيم مسلح ، وارتكبت جميع التشكيلات العسكرية تلك أخطاءً فردية اعتبرتها فى وقتها أعمالا بطولية ، وهى على أى حال قليلة ، والكامل من عدت هفوته، ولا تعد إلا من قلة .

(9)البحث عن الذات ص 33 ـ 34 ، المكتب المصرى الحديث ، القاهرة .

(10) إبراهيم قاعود :الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة ، الباب الثالث : قصتنا مع إنقلاب يوليو: علاقتنا بالضباط الأحرار.

(11) مذكرات عبد الطيف البغدادي ، موقع اخوان ويكى .

(12) رسالة المؤتمر الخامس : مجلة النذير : العدد(35) ، السنة الأولى 17 من ذى الحجة 1357هـ / 7من نوفمبر 1939، ص3ـ34.

(13) السابق ص356.

Banna banner.jpg