البنا ... القتيل الذي أحيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البنا ... القتيل الذي أحيا



الإمام حسن البنا

"كنا في القطار بأقصى الصعيد، فأشار أحد رفقائي إلى الجبل، فرأيت ناسًا يصعدون أو ينزلون كأنهم من فرط ارتفاعه في أحجام النمل، وقال: هنا صعَد حسن البنا وصعدْنا معَه ولقيْنا من المشقة حتى وصلنا إلى قوم كأنهم من طول ما احتُبسوا في هذا المكان فيهم من الإنس جفوة، وجعل الأستاذ الإمام- طيَّب الله ثراه ورضي عنه وأرضاه في الجنة- يؤنس من وحشتهم ويرقِّق من طباعهم ويدعوهم إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله!!


وتحت شجرة قليلة الرَّواء كأنها أسِنَت قبل الأوان من كثرة ما ظمِئَت قال آخر: هنا نزلنا من الأوتوبيس نقصِد إحدى القرى، ونظرت فإذا لحية الأستاذ الإمام قد صارت بيضاء مما علاها من التراب، وملابسه قد اختفى لونها لِما غَشِيَها لا أقول من وعثاء السفر فالوعثاء شيء قليل، وفتحنا الشنطة وأخرجنا منها الفرشاة وجعلنا نزيل الغبرة التي لحقتنا ونصلح من هندامنا، ثم مضينا إلى القرية ندعو أهلها إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله.


ثم وصلنا إلى إحدى المحطَّات ولعلَّها (إدفو) فقال آخر: إن الأستاذ الإمام بات على كرسي أمام هذه الخمَّارة، وذلك أن أحد الأشخاص دعَاه لافتتاح شُعبة، فكتب إليه بأنه حاضر في قطار كذا، وكأن الخطاب لم يصله ولم يجد في المكان من الأيقاظ إلا صاحب الحانة يهمُّ بإغلاقها فرقَّ له وأعطاه كرسيًّا يبيت عليه حتى الصباح وأغلق حانتَه وانصرف، وفي الصباح ذهب الأستاذ إلى القرية يدعو أهلها إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله.


وانتقلنا إلى الوجه البحري، وجبنا قرى إحدى المديريات في أسبوع، فما وجدنا قريةً إلا وصل إليها الأستاذ على غير ما وصلنا، فقد وصلنا في سيارات تنقلنا من مكان إلى مكان نختصر الوقت ونقرِّب المسافات، ومهما لقينا في ذلك من مشقة فإنها لا تقاس بالمشقة التي لقيها الأستاذ الإمام؛ حيث كان يصل إلى هذه القرى سيرًا على الأقدام أو يركب الدوابّ، قرى سحيقة بعيدة عن العمران، نسِيَها الناس ونسيتها الحكومات حتى طاف بها طائفٌ من رحمة الله ونورِه، فدعاها الداعيةُ إلى كلمة الله وكتاب الله وسنة رسول الله" (الدعوة- سنة 3- عدد 104- 10/ 2/ 1953).