الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزي لمصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٨:١١، ٨ سبتمبر ٢٠١١ بواسطة Wikido (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5> الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزي لمصر 1-2 </font></font></center>''' '''إع...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزي لمصر 1-2


إعداد : موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

بقلم : د/ محمد عبد الرحمن

عضو مكتب الإرشاد

الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزي لمصر (الجزء الأول)

احتل الإنجليز مصر عام 1882، وقد تمكنوا من استيعاب المقاومة ضدهم وأخضعوا المنظومة السياسية لإرادتهم، وسيطروا على عناصرها يتلاعبون بها، وأحدثوا تغييراً اجتماعياً نشأ عنه ارتباط شريحة من المثقفين والرموز السياسية ورجال الأعمال وأصحاب الأراضي بهم وبأفكارهم، وارتبطت مصالحهم بمصالحها.

لكن رغم كل هذا استمرت الروح الوطنية ترفض هذا الاحتلال،وتسعى للاستقلال،وواجه الإنجليز ذلك بدهاء، حيث طرحوا أشكالاً مزيفة للاستقلال المنقوص، وأداروا بمهارة الصراع بين القوى أسياسية المختلفة وقد أمسكوا بخيوطها، وبالتالي تدهورت الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وانتشر الفساد بأشكال مختلفة في كل هذه المجالات.

كانت محاولات الوطنيين والمصلحين مستمرة تجاهد ما استطاعت، لكنهم لم تكن تحمل مشروعاً متكاملاً للنهوض بالأمة في كل المجالات، ولم تؤسس واقعاً عملياً يغير المجتمع ويفرض نفسه على أرض الواقع.

فكيف واجه الإمام الشهيد حسن البنا ذلك، وما هي المساحة التي حددها لهذا الأمر في مشروعه الإسلامي للنهضة، بل وكيف استطاع تأسيس دعوته وعين الإنجليز متربصة بكل دعوة وحركة للمقاومة ؟.

وبنظرة سريعة على خطوات ومنهجية الإمام الشهيد في هذا الميدان،نرى أن هناك خمس سمات أساسية بهذا الشأن:

1- جعل الإمام الشهيد تحرير الوطن من هذا الاحتلال هدفاً رئيسياً من أهداف المشروع الإسلامي وجعله المرتبة الرابعة في مراتب العمل "وهى تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي" وان هذا لابد أن يسبق إقامة الحكم الإسلامي المنشود.

2- أنه ينطلق في رؤيته تلك من الجانب العقائدي الإيماني، فأعاد للإسلام دوره الفعال في النفوس وفى واقع المجتمع، حيث قرر الإسلام أن الحرية فريضة من فرائضه لا يجوز التنازل عنها أو التفريط فيها، وان الجهاد لتحرير الوطن فرض عين وواجب حتمي تسعى الأمة كلها إليه.

3- كان الإمام الشهيد يستهدف نزع جذور الاستعمار الأجنبي من العقول والأفكار ومن النفوس والقلوب، ومن تبعية السلوك والتقليد وادعاءات المصالح والارتباطات، كان يريد تحريراً واستقلالاً كاملاً شاملاً لا يقتصر فقط على مجرد رحيل القوات الأجنبية، ولهذا كان يؤسس مشروعه وخطته لمواجهة الاحتلال وفق هذه الرؤية الشاملة والبعيدة المدى.

4- أن يسير في خطته الشاملة في محاور متوازية، تنمو وتتسع مع نمو واتساع الجماعة، فتكون خطواتها متناسبة مع الإمكانيات، وتسير في اتجاه تحقيق الأهداف وكانت هذه المحاور تشمل:

أ‌- محور تأمين نمو الجماعة وتثبيت جذورها وزيادة تأثيرها وانتشارها مع البعد عن أي صراعات جانبية.

ب‌- محور إعداد أفراد الجماعة وتكوينهم للدور المطلوب منهم.

ت‌- محور توعية الشعب وإعداده وحشده في الاتجاه المطلوب.

ث‌- محور الضغط السياسي والحراك المجتمعي .

ج‌- محور التدريب العسكري والإعداد لمعارك التحرير.

5- كما كانت رؤية الإمام أنه لتحقيق ذلك الواجب، لابد أن تنهض وتتعاون قوى الأمة جميعاً لتحقيقه .

- كانت هذه الرؤية واضحة والأهداف محددة منذ اليوم الأول الذي بايع فيه الستة المجاهدون الأوائل الإمام الشهيد لتأسيس الجماعة ومشروعها الإسلامي عام 1928م .

ومن كلمات الإمام الشهيد نذكر هذه المقتطفات:" ومن هنا يعتقد الإخوان المسلمون أن كل دولة اعتدت وتعتدي على أوطان الإسلام دولة ظالمة لابد أن تكف عدوانها ولابد أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملوا متساندين على التخلص من نيرها" (1).

ولقد تصدى الإمام الشهيد لجرائم الإنجليز ليس في مصر وحدها وإنما في كل أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك لغيره من قوى الاستعمار:"ولنا حساب بعد ذلك مع انجلترا في الأقاليم الإسلامية التي تحتلها بغير حق، والتي يفرض الإسلام على أهلها وعلينا معهم : أن نعمل لإنقاذها وخلاصها" (2).

" أريد أن أستخلص من هذا أن الوطن الإسلامي واحد لا يتجزأ، وأن العدوان على جزء من أجزائه عدوان عليه كله، هذه واحدة، والثانية أن الإسلام فرض على المسلمين أن يكونوا أئمة في ديارهم، سادة في أوطانهم" " وإن قال البعض بأن علاقة مصر بالإنجليز كانت علاقة تحالف بناء على معاهدة 1936، فقد رفض الإخوان هذه المعاهدة الظالمة التي لم تعط مصر استقلالها الحقيقي، كما أن الإنجليز لا يزالون يحتلون معظم العالم الإسلامي دون معاهدات أو تحالفات ويديرون المؤامرات لتمكين اليهود من أرض فلسطين .. " (3).

كان الإمام الشهيد حريصاً أن تكون بداية تأسيس مشروعه من القاعدة الشعبية وليس من الشريحة العليا في المجتمع، وأن يبعد بها عن إحداث أي ضجيج حول هذا التأسيس حتى لا يلفت الانتباه لذلك.

والذي يقارن بين تأسيس جمعية الشبان المسلمين من العلماء، والمفكرين، وبين تأسيس جماعة الإخوان، ليلمح هذا الأمر بوضوح فكان هذا الرعيل الأول من أصحاب الحرف البسيطة، ومن حملة الشهادات المتوسطة، لكن من ذوى الهمة العالية، والاستعداد الكامل للتضحية والفهم الصحيح، ولم يحدث مع التأسيس احتفالات ومهرجانات وإعلانات، بل كانت كالنبتة الوليدة، بعيداً عن القاهرة وبعيداً عن الأضواء.

واستطاع الإمام ببراعة استيعاب بعض الأحداث التي حاول بعض الأفراد في الإسماعيلية إثارة الأمن ضدها والإبلاغ عن أهدافها.

ومع انتقال الدعوة للقاهرة، كانت مرحلة التعريف بها وإيجاد المنافذ والركائز لها،تمضى بهدوء حثيث،واكتسبت منفذاً لها من طلبة الجامعة، سرعان ما انتشر وتحرك بالدعوة.

كانت المقرات التي اتخذتها الجماعة (المركز العام) في الأحياء الشعبية ومظهرها بسيط.

وابتعدت في هذه السنوات القليلة عن طبقة الأعيان، وعن الصدام مع أي جهة.

كان الإمام الشهيد كأنه يسابق الزمن في مرحلة التأسيس تلك في حركته، وسفرياته لنشر الدعوة وفتح الشعب والفروع وإيجاد الركائز لها.

وعندما أحسّ الإنجليز بأن الساحة بها متغير ( حوالي عام 1938) كانت الدعوة قد انتشرت وامتدت جذورها بالمجتمع.

كان الإمام حريصاً أن يكون مظهر الجماعة أقل من حقيقة قوتها وانتشارها وكان يسبق الرصد من العيون المتربصة، والتقارير المرفوعة، فلا يعرفون مدى النمو الحقيقي.

ظن الإنجليز في البداية أنها جمعية مثل باقي الجمعيات وحركة مثل الباقين وتعاملوا معها مثل ما تعاملوا مع الآخرين من حركات وجمعيات تموج بها الساحة.

حاولوا أولاً أسلوب الاستيعاب، وذلك عن طريق المال، فأرسلوا من طرفهم من يعرض المال على الإمام الشهيد كدعم للنشاط الاجتماعي الجيد الذي تقوم به، ووصل الأمر في العرض إلى أرقام كبيرة في هذا الوقت، بل قالوا له الشيك أمامك على بياض اكتب فيه الرقم الذي تريد، ورفض الإمام الشهيد ذلك بحسم وهدوء. وعندما علق أحد الإخوان على ذلك للإمام بأنه لماذا لم يأخذ هذا المال ويحاربهم به ذكرّهم بالمبدأ الرئيسي بأن الجماعة لا تأخذ مالاً من أحد وستعتمد على جيوب أفرادها ومحبيها، وأوضح لهم أسلوب الإنجليز في الاستيعاب والاحتواء وأن اليد التي تمتد للأخذ ستبقى هي اليد السفلى "(4).

ويشير الإمام إلى هذه الناحية (5) فيقول : " ودأب المكتب ( أي يقصد مكتب الإرشاد ) على ذلك يقتطع أعضاؤه من قوتهم وجهودهم ما يستعينون به على خدمة عقيدتهم في عفة الأسد، وفى طهارة ماء الغمام، لا يمدون لأحد يداً ولا يسألون كبيرًا ولا هيئة شيئاً ولا يأخذون من مال حكومة ولا يطلبون معونة أحد إلا الله" إ. هـ.

وعندما فشل الإنجليز في محاولة الاستيعاب، حاولوا المزايدة والمنافسة على حركة الجماعة، لقطع الطريق على انتشارها، فأوعزوا لأعوان لهم بتشكيل جمعية " إخوان الحرية 1942" تتحرك بدعم مالي وضجيج إعلامي وتنشط عند كل مناشط وفعاليات واحتفالات الإخوان، في نفس التوقيت وبنفس العنوان، وذلك لعرقلة حركة الإخوان والتشويش عليها وسحب البساط من تحت أقدامها، ولم ينزلق الإمام في هذه المكيدة الجديدة، بل ومنع الإخوان أن يلتفتوا إلى ذلك أو يشتبكون معهم، وأن يركزوا على عملهم والاستمرار فيه، وأن النفس الطويل سيحسم الأمر، وعندما كانت جمعية إخوان الحرية توزع إعلاناً بأحد الاحتفالات في نفس موعد احتفال الإخوان بأحد المناسبات الدينية، أمرهم الإمام الشهيد أن يرفقوا ورقة إعلان هذه الجمعية بإعلان الإخوان عن احتفالهم ويوزعونهما معاً، وبالتالي أدرك الشعب أن هذه الجمعية تسعى للمنافسة والمضايقة وأن الإخوان لا يهمهم ذلك ولا يلتفتون إليه، وانتهى موضوع إخوان الحرية إلى فشل ذريع.

كان الإمام الشهيد حريصاً منذ البداية على البعد عن كل مظاهر استعراض القوة، ففي الوقت الذي أسست فيه الأحزاب والتيارات ما يشبه المليشيات المسلحة وكانت تسمى القمصان الخضر والحمر .. الخ، رفض الإمام هذا الأسلوب واهتم بتشكيل الكشافة، والجوالة، والاستفادة من مجال العمل والنشاط في هذا الميدان.

ومع استمرار الجماعة، أخذ الإنجليز الخطوة التالية وهو إبعاد هذا القائد العنيد الذي استعصى على الاحتواء وأفلت من المكائد المختلفة إلى الصعيد، وطالبوا ذلك من حسين سرى باشا رئيس الوزراء (وكان الإمام يعمل مدرساً ابتدائياً) .

ودهش رئيس الوزراء أن يهتم الإنجليز بجمعية دينية صغيرة وبمدرس ابتدائي ويعتبرونه خطراً عليهم وكان هذا في عام 40 – 1941،ونفذ الإمام الشهيد النقل، وإذا بالدعوة تنتشر بقوة في الصعيد بحركته الدءوبة وأسلوبه المؤثر، مما أزعج بعض التيارات هناك فأرسلوا منزعجين يطلبون إعادته وإبعاده عن الصعيد وهكذا عاد الإمام للقاهرة ثم قدم استقالته من الوظيفة ليتفرغ لقيادة الدعوة، فقامت الحكومة تحت ضغط الإنجليز فاعتقلت الإمام ونائبه وسكرتير الجماعة في معتقل الزيتون ثم أفرج عنهم أواخر1941 (نوفمبر) تحت ضغط أفراد في البرلمان والسخط الشعبي العام .

ومنذ بداية الأربعينات أخذ اهتمام الإنجليز ورصدهم لحركة الجماعة يزداد، وتحريض كثير من الصحف على الهجوم عليها، وقد أحسوا بالخطورة منها، وصدر قرار وزارة الوفد بإغلاق جميع الشعب ما عددًا المركز العام عام 1942،وفرضوا حالة الطوارئ على البلد، وشجعوا عدد من محاولات اغتيال الإمام كمحاولة للتخلص منه على يد بعض التيارات والقوى المنافسة وفكروا عام 1943 بنفي الإمام خارج مصر وأشاعوا ذلك حتى إن الإمام كتب رسالة بين الأمس واليوم يودع فيها الإخوان ثم عدلوا عن ذلك خوفاً من رد الفعل الشعبي في ظروف الحرب العالمية .

كان انشغال الإنجليز بالحرب العالمية الثانية بدءاً من عام 1939، وتطوراتها فرصة قوية للإمام الشهيد الذي انطلق بالدعوة والتركيز على التكوين واكتساب الأنصار والركائز وتطوير أجهزة الجماعة ومن ضمنها النظام الخاص عام 1940 في نقل الجماعة من مستوى إلى مستوى قوى لم يتصوره الإنجليز وغيرهم أو يتوقعونه، وانتهت الحرب العالمية وقد أصبح الإخوان أحد أهم القوى الشعبية والسياسية بالمجتمع إن لم يكن أقواها وأن الخريطة السياسية في مصر قد تغيرت وأن الجماعة تتحرك بفاعليات جماهيرية مؤثرة وتحشد الأمة وراءها وتضغط بالمطالب الوطنية.

حاول الإمام الشهيد دخول البرلمان فقام بالترشيح مرتين في دائرة الإسماعيلية عام 42، وأواخر عام 1944، ففي المرة الأولى ضغط الإنجليز على رئيس الحكومة النحاس باشا ليضغط على الإمام الشهيد للتنازل عن الترشيح ، وتنازل الإمام لتقديم مصلحة الدعوة على موقفه الشخصي، ثم في عام 1944م قام الإنجليز بتزوير الانتخابات بصورة فجة مباشرة، ومما قاله الإمام ليهدئ الجماهير المحتشدة" إن عجز أمة عن أن تدفع أحد أبنائها إلى البرلمان ليقول كلمة الحق والإسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء، وأن الاستعمار هو سر البلاء، إنني أحسب أن مراجلكم تغلي بالثورة وعلى شفا الانفجار ولكن في هذا الموقف لابد من صمام الأمان، فاكظموا غيظكم وادخروا دماءكم ليوم الفصل وهو آت لا ريب فيه ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" (6) أ. هـ .

وكان الإمام الشهيد يرفض العنف والتخريب وإسالة الدماء في أي مظاهرات صاخبة حتى ولو كانت لمطالب مشروعة، وكان ينادى بأن تحافظ الأمة على كل قطرة دم استعداداً للمواجهة الفاصلة مع الإنجليز وسماه يوم "الدم" . وكانت الدعوة حاضرة بقوة في أغلب الفعاليات والأحداث والمناسبات الوطنية، مع البعد عن الاشتباك الجانبي أو الرد على المهاترات والشتائم التي توجه لها وسمي الانشغال بذلك "كفاحاً سلبياً"، وواصل الإمام تركيزه وإعداده وتهيئة صف الإخوان وجموع المجتمع نفسياً وفكرياً وحركياً لتحقيق إجلاء المحتل عن أرض الوطن.

كانت المساجد تشكل منطلقاً عميقاً يخاطب فيه الأمة ويوقظ فيها الإيمان والروح ووضع الإمام دعاء يقنط به الإخوان في صلاتهم وكذلك يعلمونه للناس في المساجد:"اللهم رب العالمين وأمان الخائفين ومذل المتكبرين وقاصم الجبارين، تقبل دعاءنا وأجب نداءنا وأنلنا حقنا وردّ علينا حريتنا واستقلالنا اللهم إن هؤلاء الغاصبين البريطانيين قد احتلوا أرضنا وجحدوا حقنا وطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، اللهم فردّ عنا كيدهم، وفرق جمعهم وخذهم ومن ناصرهم وأعانهم أو هادنهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم واجعل الدائرة عليهم وسق الوبال إليهم وأذل دولتهم وأذهب عن أرضك سلطانهم ولا تدع لهم سبيلاً على أحد من المؤمنين" (7).

وتعددت محاولات اغتيال الإمام الشهيد، باءت كلها بالفشل في تلك المرحلة، وكلها كانت منذ بداية الأربعينات، فكانت هناك محاولة اغتيال في بورسعيد،وفى الجمالية دقهلية من أنصار لحزب الوفد، وكذلك عدة محاولات للشيوعيين بالقاهرة، وبالمحلة الكبرى حيث رتبوا نسف المنصة التي سيلقى منها خطابه، وفى القاهرة محاولة لبعض المتعصبين لحزب مصر الفتاة أثناء أحد الاحتفالات، وحاول الإنجليز بترتيب محاولة عام 1942 بأن تدهس عربة لوري سيارة الإمام الشهيد بالقاهرة، كما تم إطلاق الرصاص عليه في مظاهرة الأزهر عام 1946 وأصيب في يده، وفى بعثة الحج عام 1948 رتب حامد جودة محاولة سفر مجموعة لاغتياله هناك وتم إحباطها مبكراً.

هذه نماذج مما كُشف عنه، ولم يكن فشل هذه المحاولات أنها كانت ضعيفة التخطيط، ولكن براعة الإمام في التصرف وكذلك تمكنّه من دسّ بعض عناصره ضمن هذه التنظيمات المناوئة ساعدته بعد فضل الله وعنايته في النجاة منها. ولم يؤثر كل هذا في عزيمة القائد وحركته بدعوته.

إنه ليس أدلّ على هذا الأثر في الأمة وذلك التغيير الذي حدث في روحها وتفاعلها من الواقعة التي نذكرها كمثال، حيث ذهب الإمام ليعزى في وفاة أحد الشهداء على أرض فلسطين في إحدى القرى فإذا بوالد الشهيد يقول له: إذا كنت قد جئت معزياً فارجع وإن جئت مهنئاً فأهلاً بك ومرحباً لقد علمتنا معنى العزة والشهادة فجزاك الله عنا خيراً وهذا أخو الشهيد أقدمه لك لينال هو أيضاً هذا الشرف (8).

وفى أواخر الأربعينات دخل الأمريكان الميدان أيضاً، وكانوا يتابعون ويرصدون، وكان ردّ فعلهم عن اغتيال الإمام الشهيد في أوائل عام 1949، أحد أسباب دخول الشهيد سيد قطب دعوة الإخوان عندما عاد من أمريكا.

حاول الأمريكان استخدام أسلوب الاستدراج عن طريق عرض قدموه لمحمود عساف بأن يتعاونوا مع الإخوان في مقاومة الشيوعية،وكان رد الإمام البنا الرفض الواضح وأنهم يتاجرون بذلك وأن موقفهم من القضية الفلسطينية ومما تفعله العصابات الصهيونية يكشف عدم مصداقيتهم ويضع حاجزاً بينهم وبين الشعوب العربية والإسلامية، وكانت هذه الصفعة للأمريكان حافزاً لديهم للإصرار على ضرب الإخوان.

كانت فعاليات مقاومة الإنجليز على شتى المحاور، تسير مع فعاليات قضية فلسطين ومع تطور الدور القتالي لكتائب الإخوان داخل أرض فلسطين ومواجهتهم للعصابات الصهيونية، مما أزعج اليهود بشدة وجن جنونهم وضغطوا لضرب الإخوان وإبعادهم من ساحة المعركة، وكذلك حنق الإنجليز وإحساسهم بالفشل في مواجهة دعوة الإخوان وخطورة مشروعهم على تواجدهم بالمنطقة كلها، مما حفزهم إلى الإسراع بعقد اجتماع لسفراء دول أمريكا وإنجلترا وفرنسا في قاعدة فايد العسكرية واتخاذ قرار بحل الجماعة وتوجيه ضربة قوية لها واغتيال الإمام الشهيد.

وأن على الحكومة المصرية أن تقوم باتخاذ الإجراءات فوراً فتم حلّ الجماعة في ديسمبر 1948 والقبض على أفرادها وقياداتها ثم اغتيال الإمام الشهيد في12 فبراير 1949 .

لقد تخلى الإنجليز عن أسلوبهم المشهور، فقد كانوا حريصين على استيعاب أو نفى الزعماء وقادة المعارضة بدلاً من تصفيتهم الجسدية، فعلوا هذا مع أحمد عرابي وكذلك مع قادة ثورة1919حيث تمكنوا بعد ذلك من استيعابهم وإلهائهم بالمنظومة السياسية والصراع على السلطة، لكن مع الإمام الشهيد اختلف الأمر فقد عجزوا وفشلت كل محاولات الاستدراج أو الاحتواء أو الإبعاد وكل محاولات التأليب للقوى المحلية، وتمكن الإمام من تخطى كل العراقيل والمعوقات، فجن جنونهم وظنوا أنهم سيوقفون حركة الدعوة وسيقضون عليها بهذا الإجراء. لكن خابت ظنونهم وخططهم وإذا بالركائز التي رباها الإمام الشهيد والكيان الذي أسسه يستوعب الضربة الشديدة وينظم صفوفه ويمضى في خطته التي رسمها الإمام لتحقيق استقلال الوطن، ويذيق القوات الإنجليزية الضربات القوية على ضفاف القناة وبصورة لم تشهد لها مصر مقاومة منظمة بمثل هذا من قبل.

لقد كانت المنهجية التي وضعها الإمام الشهيد واضحة محددة مكافئة للواقع الموجود فكان عليه تأمين حركة الجماعة ونموها في ظل قوى متربصة ومعادية، وأن يمر بمهارة من المنزلقات والمكائد والفخاخ إلى نصبت في طريق الدعوة، وألا يدخل معركة فاصلة دون تهيئة وإعداد أو قبل الأوان.

كان عليه كل ذلك وفى نفس الوقت أن يتخذ الخطوات العملية الفعالة لإزالة هذا الاحتلال البغيض وتحقيق الاستقلال للأمة وفق منظومة أهداف الجماعة.

عندما تجاوز الإخوان محنة وضربة عام 1948، واغتيال قائدها ومؤسسها، كان المتوقع من كل المراقبين أن ينكفأ الإخوان على أنفسهم وعلى تنظيمهم، وان يتراجعوا ولو إلى حين عن المضي في مشروعهم العام وجهادهم ضد المحتل الأجنبي خاصة وأن ذلك في النهاية سيصب في صالح من يمسكون بمقاليد الحكم وسيوظفونه لتثبيت سلطاتهم، وأن هؤلاء بموقفهم من الجماعة أصبحوا متربصين بها ينتظرون أن تضعف قوة الإخوان عند صدامهم مع الإنجليز، فينقضون عليها ويجهزون على ما بقى منها.

لكن الإخوان كان لهم ميزان آخر لأنهم دعوة ربانية وحملة رسالة إسلامية يستهدفون مصلحة الوطن وما يحتاجه ورفعة أمة الإسلام وتحريرها لا يعملون بمفهوم حزبي ضيق،ويضحون في سبيل الإسلام والوطن ويبذلون جهدهم في التخطيط والأخذ بالأسباب ومراعاة سنن الكون وقواعد التغيير.

شملت خطة الإمام الشهيد في مسارها العملي أربعة مراحل متداخلة مترابطة:

المرحلة الأولى

شملت التركيز على تأصيل الفكرة ووضع الاستراتيجية وقد سماها الإمام مرحلة التعريف، ونشر الوعي الصحيح حول الواجبات والأهداف ودور أفراد الإخوان في مواجهة المحتل الغاصب، وكذلك توعية أفراد الشعب بذلك، مع العمل على اتساع مساحة التأثير والوصول إلى الجماهير في أعماق الريف وأنحاء القطر المصري كله، وقد أخذت هذه المرحلة حوالي عشر سنوات واستمرت بعد ذلك تعمق هذا الجانب بفاعلية متزايدة .

المرحلة الثانية

وهى قد بدأت من عام 1938 حيث انتقل بها الإمام للخطوة الثانية من الإعداد وسماها الخطوة التكوينية، مع استمرار ما بدأ به من نشر الدعوة ومبادئها، وفى هذه المرحلة من عمق الإعداد والتدريب والتكوين اشتملت على هذه الخطوات الأساسية :

أ‌- إنشاء النظام الخاص عام 1940، وإعداده وتدريبه لمواجهة قوات الاحتلال، واستمر هذا حوالي عشر سنوات.. وصاحبه ما يستلزم ذلك من زرع الأفراد والعيون، وتجميع المعلومات الدقيقة وترتيب موارد السلاح والتدريب عليه وكل ما يلزم لمعركة طويلة مع قوات الاحتلال الإنجليزي، ونشير هنا إلى الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة في 17/3/1950 (قضية السيارة الجيب) برئاسة أحمد كامل بك بشأن النظام الخاص، فقد برأته المحكمة من تهمة الإرهاب وأشادت به وبدوره البطولي .

وورد في حيثيات الحكم:".. إنه جهاز تدريب يتمشى مع الأهداف المقررة لتحرير وادي النيل وجميع البلاد الإسلامية، وإنه لم يتضمن ولم يدع إلى ارتكاب جريمة..وأن المحكمة تدين بالتقدير لروح البذل والفداء الذي قدمه الإخوان المسلمون في فلسطين،الأمر الذي شهد به أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك المواوي القائد الأول لحملة فلسطين، واللواء أحمد فؤاد صادق باشا الذي خلفه ، بما قام به هؤلاء المتطوعون من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهن وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات ... " أ.هـ .

ب‌- القيام بعمليات صغيرة منذ عام 1940 وما بعدها، وذلك ضد قوات الاحتلال ولكن مع صغر حجمها إلا أنها كانت مستمرة ومتعددة ويقوم بها أفراد النظام الخاص وقد تصاعدت وتيرتها بعد عام 42، وكان ذلك لتحقيق معنى الجهاد وتركيزه عملياً في النفوس – والتدريب والتهيئة للمواجهة الأكبر، ولتحقيق بعض الإزعاج للمحتل وحرص الإخوان ألا يعلنوا عن نسبة هذه العمليات الفردية إليهم حرصاً على استمرار التكوين والإعداد،وعدم لفت الأنظار إليه.

ت‌- الفعاليات الشعبية وتفعيل المساجد، وبروز فعاليات الضغط السياسي وقد حاول الإمام الترشيح للبرلمان عام 1942، وأواخر عام 1944 لكن حال الإنجليز دون ذلك.

المرحلة الثالثة

وهى تبدأ من سنة 1946، حيث تزايدت فيها وتيرة العمليات الفدائية من الإخوان ضد قوات الاحتلال، وتزايدت فعاليات الضغط الشعبي والسياسي التي يتحرك بها الإخوان، والتحرك بآليات جديدة لتفعيل المقاومة الشعبية السلمية، ودعم الزخم الطلابي في حركته وكانت مظاهرة كوبري عباس الثانية عام 1946 والتي رتبها وقادها الإخوان نموذج من عشرات المظاهرات التي تمت وقد جُرح فيها عدد من الإخوان واعتقل البعض الآخر.

كما استخدم الإمام البنا، وسائل التحرك الإعلامي على المستوى العالمي، وخاصة داخل الأمم المتحدة وقد أرسل أحد قادة الإخوان الطلاب إلى هناك للقيام بذلك.

المرحلة الرابعة

وهى تشمل الانتقال للمرحلة التنفيذية في المواجهة والدخول في العمليات العسكرية بدءاً من عام 1950 إلى أن تم جلاء هذه القوات عن أرض مصر (بعد قيام ثورة 52) وكذلك الضغط حتى تم إلغاء معاهدة 1936 وإجماع الأمة على شرعية القتال ضد القوات الإنجليزية.

- جاءت تطورات قضية فلسطين في أواخر عام 47، وعام 1948، لتؤجل خطة الإمام مؤقتاً في عملية قتال الإنجليز التي كان يُعد لها على نطاق واسع، حيث كان التركيز في العمليات الجهادية كلها موجه لفلسطين وعلى أرضها لخطورة التهديد الصهيوني هناك.

ثم تم اغتيال الإمام الشهيد في فبراير49،وزجوا بالآلاف في السجون،وتمكنت الجماعة من امتصاص الضربة، وإعادة تنظيم صفوفها واختيار قائدها عام 1950، وواصلت العمل بالخطة والاستراتيجية التي وضعها الإمام الشهيد. وقد تم الضغط حتى تمكن الإخوان من فتح شعبهم ومقارهم بعد حكم القضاء في 15/8/1951.

تواصل التدريب والإعداد والتكوين وسار ذلك مع المحورين الآخرين: محور تهيئة الأمة وحشدها في هذا الميدان ومحور الضغط السياسي على الحكومة حتى تلغى الاتفاقية الظالمة معاهدة (1936) وتقف حتى ولو مكرهة مع الأمة في خندق واحد، ونجح الإخوان ومن معهم من قوى وطنية في ذلك عام 1951، وبالتالي نجح الإخوان في تأمين ظهر المجاهدين وأن يصل التأييد الشعبي أن يحقق الحماية لهم من أي انقلاب حكومي ضدهم أثناء الجهاد .. وأقاموا بذلك المعسكرات للتدريب ودعوا الجماهير للمشاركة.

وكان المفروض أن قيام ثورة الجيش عام 1952 يعي دفعة قوية لعملية التحرير ويستثمر المقاومة في سبيل الحصول على الجلاء بلا قيد أو شرط ويحقق كل المطالب الوطنية لقد رفض الإخوان بوضوح أي تنازل عن المطالب الأساسية الوطنية، أو ما يمس وحدة وادي النيل واستقلاله الكامل، فإذا بحكومة الثورة، تفاوض الإنجليز وتتنازل عن ديون مصر لديها، وعن وحدة وادي النيل والتفريط في استقلال السودان وهو جزء أصيل من الدولة المصرية، والموافقة على اتفاقية تسمح للإنجليز بالعودة لقواعدهم بقناة السويس بحجج واهية. رفض الإخوان ذلك بوضوح رغم رسائل التهديد والوعيد ثم الاعتقالات والتعذيب ثم سلم هذا النظام رؤوس قادة الجهاد ضد اليهود والإنجليز هدية لهم.

المصادر

(1) رسالة المؤتمر الخامس صـ155 .

(2) رسالة المؤتمر الخامس .

(3) رسالة المؤتمر الخامس .

(4) راجع حقائق وأسرار، أ. محمد العدوى – وكتاب أحداث صنعت التاريخ.

(5) في رسالة المؤتمر الخامس ص 132 .

(6) حسن البنا مواقف فى الدعوة – عباس السيسي صـ 202 .

(7) كتاب الإمام الشهيد للأستاذ فؤاد الهجرسي صـ 180 .

(8) راجع كتاب الإمام الشهيد ط2 صـ178 فؤاد الهجرسي .